أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - الأنثى التي تكتنفني















المزيد.....


الأنثى التي تكتنفني


الحسين سليم حسن
كاتب وشاعر وروائي


الحوار المتمدن-العدد: 7823 - 2023 / 12 / 12 - 03:30
المحور: الادب والفن
    


سيرة ذاتية

لا أدري منذ متى وصلت إلى هذه الحدة التي تفصل مابين الروح والجسد ،وهذا ربما ما لا يحصل كثيرا" مع أي شخص في حالتي .
إنني اليوم أستطيع أن أبت بأنني فتاة ، رغم أن جسدي يخبرك بشيء آخر ،إلا أنه ما أنا واثق به تمام الثقة وما أعتبره حقيقتي المطلقة هو أنني فتاة .
بدأت ألتمس تلك الحدة لما كنت في بيروت ،حين لذت بتجربة فرار لم تطل كثيرا" ،فرار من الإرهاق النفسي وأنت تحاول أن تبدو عكس ما أنت عليه والذي لا تدرك كنه عواقبه إلا بعد حين .
فماذا يعني أن تصدق المرآة ،وتصدق حلاق الشعر الذي يهذب لك لحيتك ،وتصدق قضيبك وانتصابه ،إذا كانت هذه الأشياء فاقدة" للمعنى ،وكان كل المعنى يكمن في إيمانك أو ربما يقينك بأنك فتاة .
وهل يفلح أيضا" ادعاؤك بأنك تحب صديقتك في الكلية الجامعية ،أو أن تزج نفسك في أعمال شاقة ظنا" منك بأن ذلك سيغير في الأمور ،ثم تتفاجأ بأنه لم تتغير سوى بنيتك الجسدية على نحو ضئيل ،وأن جل ما يمكن وصف تحولك به هو أنك غدوت فتاة قوية البنية لا أكثر ،ولن ينجح هذا حتى في تحويلك إلى مثلي ،مما يدفعك إلى حسدهم على نجاحهم في التوفيق مابين الروح والجسد أو أحيانا" إلى التقزز من ذلك المجد البسيط الذي بلغوه ،أنت الذي تحلم بأن يفهم العالم كله بأنك فتاة وكرامتك محفوظة .أو ربما أن تبلغ ذروة النشوة بانتصارك الفردي لما يفهم العالم من أنت دون أن تمنحهم أية فرصة لاستصغارك أو الحط من قيمتك ،أو النظر إليك على أنك تحمل نقصا" ما لا يكتمل إلا بوجود آخر .
لا أقصد تجريح المثليين إلا أنه ما أطمح إليه ليس هذا ،أن أقف في الشوارع لأدافع عن حقوقي بعد أن أطلقت عليها حقوقا" لكي تسمح لي السلطات بأن أقع في الحب مع من يحلو لي .
الحقوق التي تربطني بالعالم الخارجي مسألة ثانوية بالنسبة لي كما هي مسألة الوقوع في الحب إذا كنت قد تجاوزت تلك الأمور مع نفسي وما كان أولوية لي هو إبراز ذاتي الأنثوية إلى ذلك العالم الذي لا يهمني بأن يعترف بأشياء تدعى (حقوقي) أو يعترف بأشياء لا أقبل حتى بأن أناقشها معه مثل وقوعي في حب من أريد .
هذا هو الفارق بيني وبين المثليين هو أنه قد تشكلت حقيقتي المطلقة التي أعتبرها معنى لحياتي ،أما هم يعيشون حياتهم بواقعية محضة معترفين بأن العالم الخارجي ما يقيدهم ،أي أن العالم الخارجي بذكوريته وهيمنة التوحش فيه له القرار بأن يمنح حقوقا" أو يمنعها .
والدليل على ذلك هو أنني مقت دوما" النسوة اللواتي يرضخن لتلك الهيمنة ،واعتبرتهن أعدائي ،وكذلك النسوة اللواتي تحاولن إثبات نظرياتهن النسوية المتطرفة وكذلك الأمر مع المثليين الذين يدافعون عن وجودهم بتصوير أفلام إباحية يعرضون فيها جنسا" إباحيا" على نحو مبتذل .
لقد تشكلت لي ذات أنثوية حرة متعافية من كل تلك الأشكال من عدم التصالح مع الذات ،ولعل تلك الذات تشكلت لما غادرت ذلك الواقع المادي البحت والذي لا يعني لي شيئا" ،الواقع الذي كنت أعيش فيه وفقا" لغرائزي طالما أن ذاتي المكللة بالمعنى كانت حبيسة مقيدة ،وربما تحررها الفجائي قد أبرز حدتها .
تلك كانت حكايتي منذ البداية ،صراع مع كل هذا ،كي تتشكل هويتي الأنثوية الحتمية على نحو يستحق الاحترام من قبلي أولا" .






في تلك البلدة الكاثوليكية التي تقع في الشمال ،والتي صارت غريبة الآن بفعل الحرب والمفاوضات السياسية القذرة ،نشأت في عالم أنثوي بامتياز ،عالم تطغى عليه ألوان طلاء الأظافر ،وصبغات الشعر ،والإصرار على مداومة استعمال المناديل الورقية وحلق شعر الجسد على نحو تصير فيه البشرة تلمع كالزجاج على حد تعبير عماتي اللواتي نشأت معهن ،وقواعد التغذية الجيدة التي توصي بتناول الفواكه على الدوام_والتي لم أكن أطيقها _ والتي تفرضها الراهبات الفرنسيسكانيات اللواتي أودعت لديهن لقضاء مرحلة الحضانة ،واللواتي كن يختلفن تماما" عن نساء منزلي .
ومن هنا نمت في داخلي تلك الرغبة في التوفيق بين الصرامة والجمال في الأنثى التي تستقر في داخلي .
فما بين منزل دينه وديدنه العمل ،تقطن فيه عذارى كبيرات في السن ،نرجسيات على نحو مجحف تتجلى أقصى اهتماماتهن في الحفاظ على فرديتهن ومابين الراهبات اللواتي كن يربيننا على مواجهة الحياة بشجاعة ،وعلى أن القيمة الإنسانية تنبع من الداخل وليس من الأشياء المادية الخارجية تكونت لي شخصية بقيت حبيسة ردحا" من الزمن ،شخصية الأنثى الصارمة الواثقة لكنها المحبة بأنوثتها في الوقت ذاته .
أنثى" تحلم على الدوام بالتحرر من كل ما يمكن أن يحط من قيمتها كأنثى ،لكنها العاطفية التي تستهويها كل أشكال الحب المبتذل ،والتي عاشتها كلها بينها وبين نفسها بعد مغادرتها لحضن الراهبات في المراحل اللاحقة .
ومازلت أذكر جيدا"تلك الأنثى التي تشكلت في داخلي والتي كانت تراقب حركات إغواء المغنيات في الفيديو كليبات التي تكشف فيها الفنانات عن سراتهن وتحاول هي تقليدهن سرا" .
ثم تلك الأنثى المراهقة التي كانت تترقب المسلسلات المكسيكية وتنتظر بشغف مشاهد القبلات وتحلم بأن تحظى بمثلها يوما" ما .
ففي المرحلة الثانوية حينما انتقلت لاحقا" إلى المدينة المجاورة لعدم توفر مدرسة ثانوية في بلدتنا ،أغرمت بشاب في سري ،كان قادما" مثلي من القرى المجاورة ،أحببته لجماله البدوي ببشرته الحنطية وشعره الطويل الأسود المصفف بعناية وعينيه السوداوتين وطول قامته ،وصوته الرجولي الذي لما سمعته حين جلس إلى جانبي في درس المعلوماتية خلف الحاسوب في ذلك اليوم والذي سارعت فورا" لتوثيق ما حصل فيه،وفعلت ذلك في دفتر خاص كمثل كل المراهقات العاشقات ،دفتر أحمر اللون تأخذ أوراقه شكل القلب ثم لم أعد أذكر لم بدأت أحيد عنه ورحت أهتم بالشاب ذي العيون العسلية القوي البنية ،ذي الوجنتين المتوردتين ،المتفوق مثلي في دراسته .
وربما لأنني كنت أرغب في عيش دور الأنثى دون أي تنازلات ،أنثى تحلم بالأفضل لها ،تحلم بشريك بكفاءتها يحقق طموحها المطلق .
وبحثت في كل أنثى عن قدوة لي ،فعلى سبيل المثال وجدت العمة (ك) ابنة جارنا المستقرة في مدينة حلب _والتي تأتي لقضاء الصيف في البلدة _ أيقونة للجمال والأناقة ومثالا"للمرأة التي أحلم بأن أكون على شاكلتها يوما" ما ،كانت واثقة بعينين واسعتين لوزيتين ، وشعر قصير كالفرنسيات ،تتبدل صبغته كل فصل ،كما يتبدل الهندام معه من مبتكر إلى أشد ابتكارا" .
كان يعجبني فيها القوة الممزوجة بالدفء ،واللباقة المضرجة بالصرامة والتي لم أدرك مدى تأثيرها في تكوين شخصيتي الأنثوية إلا بعد حين ،حينما كبرت وبدأت أرى ملامحها تتبدى في وجهي ،وطباعها وأسلوب تعايشها مع الناس متغلغلة في كياني .
كان كل مافيها يشغل هواجسي ويثير في رغبة في تقليده أو إصهاره في عروقي ،وحققت ذلك لاحقا" ،لكن موتها الفجائي متأثرة بإصابتها بسرطان الثدي والحزن الذي خلقه هذا في داخلي دفعني إلى التخلي عن تقمصها المتعمد كنوع من صون ذكراها .
إلا أنني ورثت عنها أسلوب تعاملها مع زوجها واستعملته في علاقاتي الناضجة التي جاءت بعد ذلك لما ولجت الجامعة حين أصبح أمر كبت المشاعر أشد صعوبة ،أسلوب المرأة العاشقة باقتصاد والتي تفرض شخصيتها الأنثوية دون أي تكلف .






حين قصدت الجامعة رغبة " مني في دراسة طب الأسنان ،نزلت عند إحدى عماتي التي كانت تقطن شقة " في إحدى الضواحي في مدينة اللاذقية ،وتعمل في أحد المحال التجارية في سوق المدينة الرئيسي .
وحينها تسنى لي الوقت الطويل كي أجلس بمفردي لساعات طوال حين تغيب عمتي منشغلة في عملها في السوق البعيد ،رحت أنا أختبر المدينة والعيش المستقل لأول مرة بعد خروجي من بلدة الطفولة .
ومن بين الأشياء التي اختبرتها أيضا" هو هويتي الأنثوية ،حيث اكتشفت أنني ولكوني أواجه بمفردي عالما" جديدا" كليا" علي ،علي أن أواجهه بهويتي الحقيقية وهذا فقط ما سيعينني على مشقة الاندماج في مجتمع المدينة المجهول بالنسبة لي والذي يبعث على الخوف وسوء الفهم والارتباك وخصوصا" في تلك الفترة التي التحقت فيها بالجامعة ،حيث كانت تبدو في الأفق بوادر نهاية زمن ما وولادة زمن آخر .
كان الناس مشحونين برغبة كبيرة في الحياة ،بحماس أقرب إلى التوحش ،ولجؤوا إلى الأفكار الدينية لتبرير هذا التوحش ولتبرير طمعهم ورغبتهم في المزيد ،كانت تلك هستيريا جماعية أصابت الجميع ،وربما مرد ذلك ربما إلى الرتابة التي طغت على أسلوب العيش السابق قبل عام 2011 في البلاد .
ولما كنت في طبعي هادئا" أميل إلى الوداعة لا إلى الضوضاء والتسرع والطموح الغير مسيطر عليه .
لذا بدأت أنزوي بنفسي وأنسحب شيئا" فشيئا"من الجامعة،إلى أن دقت الحرب طبولها .
في تلك الفترة التزمت المنزل ،لا خوفا" ولكن رغبة في إعادة ترتيب فوضى الأفكار والمشاعر على نحو ألتمس فيه في الحياة مزيدا" من الجمال وأن أرتب أولوياتي من جديد .خصوصا" وأنني كنت أعيش حالة قلق على أهلي البعيدين في إحدى المحافظات التي سيطر عليها الإرهاب المتعطش إلى المجهول ،وفعلت ذلك من خلال الكتابة ،ودفعني إلى ذلك أيضا" غياب الفن والأدب مع قدوم الهستيريا وتحوله إلى فن مقيد ومكبل وسطحي بالضرورة .
لكن حين هاجر أهلي ( عماتي وجدتي اللواتي نشأت معهن ) إلى منزل عمتي حيث أقطن في مدينة اللاذقية ،عادت معاناتي لأنه كان علي أن أكذب من جديد وأن أقوم بدور الذكر على أكمل وجه .
وتزامن ذلك مع تغيير فرعي الجامعي إلى الصيدلة حيث وجدت سهولة" في إبراز شخصيتي الأنثوية بيني وبين نفسي على الأقل ،ويمكنني من مواجهة المجتمع الذكوري الذي تحول إليه مجتمعنا على نحو مفاجئ في خضم الحرب .
وشهدت بنفسي من خلال دراستي الجامعية كيف تحول المجتمع إلى العنف والإقصاء والتأدلج على نحو متوحش و أعمى .
وتحولت المفاهيم على نحو متسارع ليغدو الأكثر شرا" ودهاء هو من يملك الأخضر واليابس ،واحتكر المال من قبل الطبقة العليا التي تستمد إيديولوجيتها من أفكار محافظة عفى عليها الزمن والتي إصرارها على هذا الأسلوب الصارم هو ما أنتج لنا داعش وغيرها من المنظمات المتطرفة التي ما هي إلا انعكاس لممارسات تلك الطبقة العقائدية التي تشبه في مضمونها ممارسات منظمة دينية يمينية متزمتة ومنافقة تستغل الدين ورجالاته لحماية نفسها ،فضلا"عن احتكار المناصب في مؤسسات التعليم العالي الأمر الذي يمثل الخطورة الأكبر .
لكنني واجهت كل هذا بثبات ،واجهته بالعزلة واكتشاف عالمي الأنثوي ،كما أرغب ودون أية قيود طالما أصبح الإدلاء بأي رأي مستحيلا" لكونك ستصطدم بالشعب قبل أن تصطدم بأجهزة الرقابة .
ولكي لا أصدق خديعة الذكورية التي خدعت أهلي بها ،سبحت في عوالمي الأنثوية الخاصة ،في أغنيات النساء العاشقات ،بين الكتب والروايات حيث أبني أسوارا" لذلك العالم تقيني من تدخل الغرباء.
لذت بسماعات الأذن لعزل نفسي عما ينغص سعادتي مع ذاتي الأنثوية لما أسير في شوارع المدينة لساعات حد الإنهاك .
وفي المنزل بات النوم هو صديقي الذي ينقذني من مواجهة أهلي ،وكتب التشريح والكيمياء العضوية والعقاقير مؤنسي ،والتي رحت أفكفكها وألونها بالألوان البراقة ،كأنثى تضع الماكياج ،فغدت المعلومات العلمية موسومة" ببصمة أنثوية وزحفت الروح الأنثوية لتمنحها معنى" جديدا" وخاصا" ،أبديا" في ذاكرتي وحسب .
وحتى أنني أكاد أجزم بأنني حملت معي هذا العالم الأنثوي إلى قاعات المحاضرات ومختبر الكلية وروضت نفسي على حماية نفسي من اقتحام أي كان ،وحافظت على مسافة الأمان ما بيني وبين زملائي أو مدرسي بالصمت والخفة دون ٱبداء أي ردة فعل صريحة أو ردة فعل من الممكن فهم كنهها .





الجنس هو من أشد الأمور تعقيدا" التي قد تتعامل معها فتاة في حالتي ،كنت أنظر إليه كمن ينظر إلى شيء صعب المنال ،ولكن في غالب الأوقات كانت تلك النظرة نظرة احتقار فلطالما حاولت أن أبعده عني بشتى الوسائل والطرق،بأن أكره نفسي به تارة ،وذلك كله في سبيل القول بأنه ليس كل ما أريده أو ليس ما يختصر جوهر كفاحي في إثبات هويتي الداخلية .
فيما يتعلق بما قد يثيرني في شاب ،فإنه على الأغلب طول قامته ،عضلات بطن بارزة ،وكتفين عريضتين وأن يبدو على جسده آثار قسوة الزمن والحياة ،إلا أنني في معظم الأوقات أتغاضى عن تلك المواصفات التي أطالب بها في سري .
أما فيما لو كنت أقوم بأشياء أبدو فيها أكثر أنوثة ،أو أن أبدو على نحو أدق أنثى" طبيعية أمام من قد أرغب فيه كرجل لحياتي ،فهذه من الأمور التي لم تهمني إطلاقا" طالما أن ما أردته دوما" أن يشعر بالأنثى التي في داخلي وليس بأن يراها ماثلة أمامه .
حتى أنني كرهت دوما" كل ما تفعله الأنثى بجسدها ووجهها لتثبت أنوثتها كحقن البوتوكس وعمليات التجميل ،وحتى ثقب الأذن لوضع الأقراط للرضيعة أرفضه كليا" .
وحين عملت في إحدى الصيدليات بعد تخرجي من كلية الصيدلة حيث يوجد جهاز لثقب الأذن ،لم أقدم على ثقب أذن أي رضيعة ولم تكن لتعلم الصيدلانية المشرفة علي السبب الحقيقي وراء ذلك .
لا أطيل شعري وأصففه كالإناث ،إلا أنني أمقت حلاقته وغالبا" أتركه شهورا" ينمو على طبيعته ،أدلكه بالجيل أو الواكس لا لأبدو أكثر إثارة وإنما لأرضي ذاتي الأنثوية بما قد يرسخ في وجداني حبي للكيان الأنثوي الذي يعبر عني حتى ولو كان هذا بيني وبين نفسي فقط .
وهذا ما حملته معي منذ الطفولة في عروقي ،فما زلت أذكر كيف كنت أرتدي ما يخص الأنثى في اللباس والأحذية و أضع الماكياج وطلاء الأظافر وتلك الأشياء التي تخص عماتي في منزل الطفولة الذي نشأت فيه .
وربما لأنهن كن نسويات وغير مرتبطات برجال ولا يكترثن كثيرا" بأمر الرجال ،كنت أنا أضع تلك المساحيق لأرضي نفسي فقط وليس لألفت النظر بأنني مختلف كان جل سعادتي عندما أنظر إلى نفسي في المرآة وأرى نفسي أنثى حقيقية .
إلا أن ذلك كما أسلفت تغير عندما كبرت ،حين أصبح إيصال مشاعري ونفسي الأنثوي أكثر أهمية .
وبما أنني كنت أجد أن العينين في رأيي أكثر ما يعبر عن داخل المرأة ،تخليت عن نظاراتي الطبية عند ولوجي الجامعة واستبدلتها بالعدسات الطبية اللاصقة .
وكان مرد ذلك القرار ليس إلى نيل إعجاب الشبان وإنما إلى الرغبة في زيادة ثقتي بهويتي التي أقدسها .
والجدير بالذكر أن وجود إناث صديقات لي سواء في المدرسة أو الجامعة لم يدفعني إلى الانتقاص من أنوثتي ،ولم أكن أحاول تقليدهن وإنما أحاول التفوق عليهن في وجودي الأنثوي المكلل بالمعنى .
كان لدي أربع صديقات من أجمل فتيات كلية الصيدلة التي أدرس فيها ،وكنا لا تفترق أبدا" وجمعتني بهن علاقة صداقة نادرة ،صداقة تؤكد هويتي الأنثوية وتضمن لها الاستمرار طالما كنت في قربهن ،إلا أنه علي الاعتراف بأنني كنت أشعر ببعض الغيرة منهن حين يتكلمن عن علاقاتهن العاطفية وحين تمت خطبتهن .
ولاحقا" في فترة ما بعد الكلية أي بعد زواج أغلبهن ،شعرت بالغيرة منهن حين وضعن أطفالا" !
لاحقا" فيما بعد لم تتغير نظرتي إلى الجنس ،إلا أنني تصالحت معه أكثر ، ولم أعد أحتقره ،إلا أنني بقيت رافضا" له كدليل على الأنوثة .
وذلك لما تجرأت على إظهار تلك الأنوثة والتصريح بها ،شيئا" فشيئا" ،عندما بدأت أعترف لشبان بغرامهم ،وهذا ما حصل لي للمرة الأولى حينما غادرت بلادي إلى بيروت حيث عشت أول قصة حب حقيقية معلنة .
عندما غادرت البلاد إلى بيروت نما في داخلي نوع من الجرأة على الإفصاح بما يدور في داخلي ،رغبة مني في أن أحرر تلك الأنثى لتتكلم وتمشي وتعيش بالطريقة التي ترغب ،ومرد ذلك ربما إلى إيماني بوجود احتضان أكبر لمن هم في مثل حالتي في بيروت ،طالما أنه يوجد الكثير ممن يعيشون أشباه حالتي هناك .
إلا أن المفاجأة كانت أنني وقعت في حب شاب سوري ممن يقطنون معي الشقة التي استأجرتها في بيروت ،وكان يعمل في مجال الجيبسينغ بورد ،ومعه فقط بدأت في التخلي عن احتقاري تجاه الجنس ،إلا أنني في النهاية لم أمارس الجنس معه رغم اعترافي له بحبه ،وذلك لإصراري على عدم اعتبار الجنس هو النهاية أو الدليل على انتصاري في إثبات هويتي .



عشت شعورا" أقرب إلى الأمومة بعد عودتي من بيروت ،حين تسلمت إدارة محل تجاري اشترته إحدى عماتي في حي يقع في إحدى الضواحي البعيدة عن مركز المدينة .
حيث قابلت شابا"في السادسة عشرة من عمره هناك ،ولم أعلم لم تعلقت به إلى هذا الحد ،مذ قابلته للمرة الأولى ،تحرك شيء ما في داخلي ،ظننته للوهلة الأولى شعورا" بالشفقة ،ثم تخليت لاحقا" عن هذا الاعتقاد مع مرور الزمن .
لم أنجذب له انجذاب فتاة لشاب ،أو امرأة لرجل يصغرها ،وإنما كان شعوري نحوه أقرب إلى شعور الأمومة كما أسلفت .
رغبت في غسل قدميه بالماء الدافئ لما تعرفت به لأول مرة عائدا" من عمله ،وتخفيف آلامه والعناية بنظافته .رغبت في أن أضمه إلى صدري وأحنو عليه حنو أم .
تعرفت بأمه الحقيقية وأسلفتها المال والأغراض من المحل التجاري ،كي أضمن بألا ينقصه شيء .
ليس هذا فقط بل وأكثر ،بحثت عن صبية الحي الذين يعاركهم على الدوام ،وأفهمتهم بأن من يقترب منه عليه مواجهتي وبأنه سيلقى مني حسابا" عسيرا" !
كان حبا" مبتذلا" ما جمعني به ،جعل أهل الحي يتساءلون عن السبب وراء كل هذا الحب .
ظنوني بداية مثليا" طامعا" في فتوته و جسده ذي العضلات النافرة الصلبة ،وأنني أتلهف ليقذف في داخلي من سائله المنوي ،ويبث في جسدي من طاقة الصبا .
إلا أن ما كنت أشعر به كان بعيدا" كل البعد عن تكهناتهم .
كنت أشعر بأنه ولدي الذي لم ألده ،ولن أتمكن يوما" من ولادته ،لسبب أن الفيزيولوجيا المقيتة سجنتني في جسد ذكر .
وجعلت من مشاعري تجاهه غير مفهومة بالنسبة لشاب في عمره ،مليء بالحياة ،متهور فيمعظم المواقف التي يزج فيها .
وكان هذا ما زاد من رغبتي في احتضانه و إعانته ليتخطى ماهو فيه ،لكونه يتيم الأب ،أميا" ،مهجرا"من مدينته بفعل الحرب ،ولا سبيل لاستمراره في العيش سوى الكفاح في العمل طوال اليوم .
فضلا" عن الخدمة الإلزامية التي كان يقترب موعدها ،والتي لا أعلم ما الغاية منها بالنسبة لكسير مثله ،وقيم لو كان من المفترض أن يخدمه العلم بدلا" من أن يخدمه هو .
يزورني كل صباح في محلي التجاري ،يحدثني عن حياته ،عن علاقاته العاطفية وعن تدخينه خفية عن والدته .
وأحيانا"ينسج لي في مخيلته قصصا" صبيانية عن مغامراته في مغسلة السيارات حيث يعمل ،منا يدفعني للضحك في سري .
كأن يسرد لي عن تدليله من قبل رجال ذوي نفوذ أو أولئك الذين يسوحون في طرقات المدينة يرعبون البشر ،أو بالأحرى يرسلون أزلامهم للقيام بهذه الأمور ويكتفون هم بزج النقود في جيوبهم .
كان العيش في مدينة فاسدة كهذه ،قد زاد من أوجاعه وشعوره بغياب العدالة عن هذا العالم .
وكنت بدوره أشاركه هذا الشعور ،لذا فتحت له متجريوقلبي وفعلت المستحيل لإسعاده ،ووقفت إلى جانبه في مواقف عدة ،إلا أنني ذات يوم أدركت فجأة كم أصبح بعيدا" عني ،وانشغل في قصة حب طبيعية ،لو فهمنا الطبيعية من منظوره .
لكنني رغم ذلك لم أشعر سوى بحزن ضئيل !


قابلت شابا" آخر في الحي نفسه ،وسرعان ما أدركت أنه حبيبي الذي أبحث عنه .
ولأجله فقط سأناضل ..
هذه الكلمات قلتها مرارا" لكنني أكتبها للمرة الأولى ،وهذا ما يمنحها المصداقية ويؤكد حقيقيتها .
لن أسم حبه بصفة النضوج ،لأنه على العكس قد يكون الحب الأكثر بربرية وهيبية على الإطلاق بين كل ما عشته سابقا" من علاقات ،ليس لأنه يصغرني بسنوات وإنما لأن حبه جعلني أدافع عن الأنثى التي تكتنفني بكل جوارحي بشجاعة هرقل ويقين محارب ساموراي !
لقد منحني حبه الوصول بعد رحلة التخبط ،والشفاء من جروح العراك المطول مع ثوابت المجتمع ومحاولات إرضاءه ،ولوم النفس وتعذيبها بتهمة الاختلاف وعدم الفهم والتشتت .



#الحسين_سليم_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصائد مختارة
- ما يهم أنك حي
- لو عاد بي الزمن
- حرب رشيدة
- شقاء اسماعيل
- ستظل النجوم تهمس في قلبي إلى الأبد (منقحة)
- ماسة (منقحة)
- اعتذارات الديكتاتور
- ستظل النجوم تهمس في قلبي إلى الأبد
- ماسة


المزيد.....




- رحيل الفنان المغربي مصطفى الزعري
- على طريقة الأفلام.. فرار 8 أشخاص ينحدرون من الجزائر وليبيا و ...
- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - الأنثى التي تكتنفني