أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - أحفاد زورو















المزيد.....



أحفاد زورو


الحسين سليم حسن
كاتب وشاعر وروائي


الحوار المتمدن-العدد: 7827 - 2023 / 12 / 16 - 10:19
المحور: الادب والفن
    












(الشاي ثقيل ...) صرخ أرتين في وجه زوجته التي حافظت على وضعيتها المتجهمة والمحدقة فيه بصمت ،ثم أخذ يتأوه شاكياً من ألم واخز في قدمه والذي كان يتفاقم مع اقتراب حلول الظهيرة ،في يوم كادت فيه البلدة تحترق من الحر .
دفعه هذا الألم المتزايد إلى أن يزيل الضماد الذي يلف به جرحه ،وهو مرتجف اليدين ،حاولت زوجته منعه عن ذلك ،فلكمها بقوة ولؤم بيده كابحاً جسدها الهزيل وزارعاً في نفسها ذعراً جعل من دمها يتدفق صاعداً ليلون وجنتيها ،ومن عينيها تحدقان ببلاهة وعجز إليه .
لما كشف عن جرحه ،راح يتلمسه بأصابعه واستطاع أن يشعر بتعرجات اللحم الذي نما على نحو عشوائي وفوضوي في الموضع الذي بترت عنده قدمه .
مدد كلتي قدميه على الطاولة الخشبية التي صنعها بنفسه خصيصاً للحديقة الخلفية لمنزله ليملأ بذلك أوقات فراغه التي كثرت بعد ما أصابه من مصاب ،حيث كان مداوماً على الجلوس فيها يوبخ زوجته أو يساءل نفسه مذ أصيب بقذيفة أفقدته قدمه وجعلت منه جليساً متذمراً تارة وتارة حالماً متسائلاً عن الذنب الذي اقترفه ليحظى بتلك النهاية ،فهو وعلى الرغم من وجود عدد قليل من الناس الذين يستلطفونه ،مازال يعتقد بأنه كان إنساناً جيداً.
لما حدثت حرب كبرى في السبعينيات شارك فيها ، ومازال يذكروقتها لما أعلن النفير العام عبر أثير إحدى المحطات الإذاعية وسمعه بفضل الراديو الصغيرة المفضلة لديه والتي كان يحتفظ فيها خفية عن والديه كي لا يظناها تلهيه عن دراسته ،وعندها أخاطت له والدته ثياباً داخلية سميكة لتدفئه في غيبته و ودعه والداه وداعاً عادياً يخلو من أية مشاعر ،فقد كان في رأيهما أنه من الواجب على ولدهما الالتحاق للقتال ضد اليهود الصهاينة الذين قتلوا المسيح . وبالرغم من ذلك ولما عاد من الحرب ولم يكن في البلدة سوى العجائز والحشائش اليابسة في الأراضي القاحلة والموحشة و المليئة بالمستنقعات والعذارى الحائرات الكبيرات في السن ،بكى عند لقائه بهما وهما يضحكان ضحكات طفولية ساذجة ،لشخص أمامهما لم يعرفاه بتاتاً .ورفض الزواج حتى يتسنى له العناية بوالديه اللذين لم يرحلا إلا بعد أن شاخ ابنهما .
ولما استدعاه الأب ذات صباح ليقترح عليه الزواج بإحدى الفتيات التي خسرت عائلتها وبقيت وحيدة وطاعنة في السن و لا عائل لها ،لم يتوانى في اتخاذها زوجة له ،ولم يتخلى عنها عندما علم بأنها عاقر .أما في شأن عمله فعلى حد علمه كان مخلصاً دوماً فيه ،أما في حب الوطن فقد كان لينزح مع البقية لما سيطر الإسلاميون على البلدة إلا أن إصابته حالت دون ذلك ،وهو كان دوماً مخلصاً لوطنه .
راح يفكر في هذا كما في كل يوم وهو يتأمل موضع البتر في قدمه ،ويحاول أن يقربه إلى أقرب شكل ،حيث صرخ فجأة في وجه زوجته : ((هيه ،ألا تشبه وجه صقر ؟ )).
بقيت زوجته صامتة وهي تلملم أكواب الشاي ،بينما كان هو يواصل تأمله كتلة اللحم مبتسماً بفخر ،ومتناسياً كمية الألم الذي شعر به لما سقطت قذيفة الهاون بقربه وهو عائد من وظيفته .
وعندما ضجر من ذلك ،راح يدندن إحدى الأغنيات التي تعلمها في الجيش ،بينما راحت بضعة فراشات تحوم حول موضع البتر في قدمه على نحو مزعج استثار غضبه ،فأخذ يضرب قدمه المصابة على الطاولة أمامه حتى نزفت دماً وكأنه استيقظ فجأة وعاد إليه الألم القديم ،وأدرك أن تلك الأغنية قبيحة للغاية .
جاءت زوجته من المطبخ على وقع الضربات ،فباغتها وأمسك بعكازه وأهال على قدميها بالضرب المبرح ، مغمضاً عينيه كي لا يشوب قسوته أية رحمة ، فذعرت زوجته وظنت بأنه سيقتلها ثم فرت وهي تصرخ باكية إلى المطبخ .
كانت معتادة على قوة وصلابة زنديه أثناء ممارستهما للجنس ،وخصوصاً في اللحظة التي يقترب فيها من النشوة حين يضغط بقوة على كتفيها دون حتى أن ينظر في عينيها ويسرع العملية بأنانية ودون أن يكترث بما قد تشعر به من ألم .
وربما لم تكن أنانية منه ،بل نوع من الشغف بالروتين أو حب القيام بالأمور دون معنى ،كان يخاف من المعنى أو الهدف ،ويفضل أن يقوم بالأشياء دون أن يمنحها هدفاً ،فكان يضاجع ليس لإسعادها ولاحتى لإمتاع نفسه ،وإنما لأن ذلك ما تفرضه اللحظة ،أو لأنه في مكان ما من عقله ثمة قاعدة تعلمها توجب مضاجعة الرجل لامرأته.
راودته ذكرى عن ضرب والده له بواسطة العكاز نفسه في صباه لتلفظه بألفاظ بذيئة أو بعد شكوى من القس نفسه ،كان والده مسالماً وهادئاً ،إلا أنه تمتع بردات فعل قاسية لا تعرف الرحمة ،كان مثل صوفي صامت يشطح فجأة .
ذكرى والده تجعله يرتبك ويتخبط في شرك من المشاعر المتداخلة ،مابين رغبة بالقتل أو رغبة بالاختفاء ،أو ربما رغبة بالبكاء ذليلاً ومستعطفاً زوجته ،طالباً منها الصفح والعفو .
فكر فيما لو كان قد آلم زوجته،ودهش لذلك لأنه لطالما لم يكترث بأي أمر يتعلق بها ،وكان عند الاستيقاظ في كل يوم يتأمل صورة عرسهما المعلقة في الصالون ويخال امرأة أخرى مكانها ،وطفلاً ممتلئاً بينهما ،وكم تمنى لو كان بمستطاعه تغيير حياته التي عاشها ، كأن يغير المرأة التي تزوجها ويتزوج بتلك الفتاة ذات السمرة اللاتينية التي كانت تأتي برفقة عائلتها من فنزويلا لقضاء الصيف في البلدة ،وكان هو يذهب للسباحة في بركة المياه العذبة القريبة من البلدة خصيصا ً كي يراها وهي تسبح بالمايو ذو الكنزة القصيرة بحيث تظهر سرتها النظيفة واللامعة للعيان ،وعضلات بطنها المشدودة الجذابة ،لكن الأوان قد فات وكيف له أن يبدأ من جديد بعد إصابته تلك .
ثم راح يفكر في أن تعاسته وتذمره ليسا جديدين عليه ،فقد كان دائم التذمر وذا طباع حادة وكان يفرغ غضبه هذا في زوجته ،وأبى دوماً في أن يساعدها في عملها البيتي لصنع المؤن وبيعها للمصطافين القادمين من المدينة إلى البلدة لقضاء الصيف ،بالرغم أنه كان على دراية تامة أن ما تجنيه زوجته من هذا العمل يضاهي بكثير راتبه الذي يتقاضاه عن وظيفته .
لم تكن زوجته يوماً متطلبة معه ،لذا فهي تستحق معاملةً أفضل ،والمرة الوحيدة التي قدم لها نوعاً من الشكر في رأيه لما اصطحبها معه إلى لبنان وصعدا معاً لزيارة سيدة حريصا ،للدعاء لزوجته بالشفاء كي يرزقا بطفل يملي عليهما حياتهما ،وظل وقتها شهراً بكامله وهو يعاملها بلطف على أمل أن تحمل ،لكنه لما فقد ذلك الأمل لم يتمالك نفسه ذات يوم وقام بتحطيم علب المؤن المحفوظة في المنزل وغادر المنزل ولم يدخله لعدة أيام ،كان قد عزم في قرارة نفسه أن يعيشها كبوهيمي للمرة الأولى ،فراح يضاجع الفتيات في الحقول بين العشب مقابل مبالغ مالية زهيدة ،متلفظاً أثناء تلك المضاجعات بالألفاظ البذيئة التي منعه عنها والده في الماضي .
أسند رأسه إلى الشجرة خلفه في الحديقة حيث يجلس ،وحاول أن يفكر بشيء آخر ليتناسى تلك الأيام التي لطالما رغب في محوها من ذاكرته ،وسرعان ما غفا وأخذ يحلم بوالدته لما كانت تمنع عنه طعامه المفضل ألا وهو الخبز المفتت المغمس بالحليب لو سمعته ذات مرة وهو يكفر بالله بصحبة أولاد الحي ،وأحياناً كانت تقود بها مزاجيتها التي لا تحتمل إلى جلد قدميه باستعمال غصن شجرة رمان ،لذا ظل طوال حياته يكره الرمان ويمنع زوجته من جلبه للمنزل مع أنها كانت فاكهتها المفضلة .
استيقظ من غفوته القصيرة تلك على صوت المذياع القادم من المطبخ ،حيث كان المذيع يذيع خبر سقوط عدة قذائف في بلدته ذاتها والذي أسفر عن وفاة قس البلدة ،عندها تذكر السبب الحقيقي الذي دفع الأب في الماضي لتزويجه بتلك الفتاة ،فبعد أن عاد من الجيش كان جسده متخماً بالجروح والأمراض ،وكان دائم الصمت لدرجة تخاله فيها مخبولاً ،وخصوصاً بعد معرفته بوفاة والديه ،لذا لجأ إلى الأب لمساعدته في العثور على زوجة له تقبل به على حاله ووضعه المادي المحدود .
وما إن أنهى المذيع ذيع الخبر حتى أطلقت زوجته صرخة مدوية وأجهشت بالبكاء ،فأنصت لبكائها وهو يحدق في غيمة بيضاء صيفية غطت عين الشمس فخيم الظل على الحديقة بكاملها .
بعد هنيهة نهض مستعيناً بعكازه ومشى باتجاه المطبخ ،وعند مروره من الصالون تأمل صورة أخرى له ولزوجته التقطت لهما في حريصا ،ولاحظ للمرة الأولى أنهما كانا يبتسمان معاً ،ثم واصل مشيته نحو المطبخ ليخفف عن زوجته صدمتها بعد هذا الخبر ،وفي رأسه فكرة واحدة هي كيفية الفرار إلى بيروت .
مضت الأيام التالية عليهما ثقيلة ،فالزوجة التي لم تفارق السرير إثر مرضها وصدمتها برحيل القس ،لم تعبر عن امتنانها بأي وسيلة من الوسائل لزوجها الذي سهر على راحتها طوال تلك المدة والذي بدت عليه أمارات الانزعاج والخيبة الواضحة لاعتقاده ربما بفشله في نيل شيء من الصفح كان في أمس الحاجة إليه .
لكنها لما نهضت من سريرها بعد استرداد عزيمتها ورأته جالساً وحيداً في شمس الحديقة الحارقة والعرق يتصبب من جبينه ،نظرت في عينيه نظرة واثقة وللمرة الأولى دون أي خوف أو توجس وسألته فيما لو كان يحتاج منديلاً ليجفف به عرق جبينه .
قاطعتهما غجرية اقتحمت المنزل دون استئذان وكانت تلهث وتعرج وفي يدها يتأرجح رضيع باك ،رمت بنفسها بعجالة على الأرض ممددة طفلها الرضيع على البلاط الساخن ،ثم راحت تستنجد بهم وقدمها تنزف بشدة ،صارخة بأن طلقة نارية قد لامست ساقها دون أن تستقر فيها ، شارحة أن تلك الرصاصة قد جاءت من مصدر مجهول أثناء اشتباك حصل بين كتيبتي مسلحين أصوليتين .
سارعت الزوجة أوديت لكي تضمد لها جرحها وطلبت الغجرية حليباً لترضع طفلها ،والذي لم يكن متوفراً في المنزل وتوجب على أحد ما المخاطرة بنفسه كي يجلب الحليب المجفف من الصيدلية التي تبعد مسافة مئتي متر عن المنزل .
نهض عندها أرتين وأصر على أن يذهب بنفسه ،لكن زوجته حاولت منعه مترجية بأن تذهب هي ،لكنه ظل مصراً وربما كان إصراره هذا رغبة جدية منه بأن يقوم بما هو واجب ولو للمرة الأولى في حياته وبقناعة ومسؤولية تامتين ،أو رغبة منه بأن يختبر تجربة الأب الذي يبحث عن قوت لأبنائه .
حمل عكازه وراح يقفز على قدم واحدة ،والعرق يقطر من شاربيه الأشيبين ،ماراً بجانب الدكاكين المغلقة التي تحولت إلى مخازن للأسلحة بعد رحيل أصحابها عنها .وعندما دخل الصيدلية التي كان صاحبها ذو اللحية الشعثاء نائماً ،مد يده المرتجفة لسحب علبة حليب إلا أنه فشل في ذلك وسقطت علبة الحليب من يده فاستيقظ إثر ذلك الصيدلي ذو الملامح القاسية والغير لطيفة بتاتاً ،وراح يصرخ عليه ويشتمه ناعتاً إياه بالأعمى ،وقبل ان يبيعه علبة الحليب صار يستدرجه بالكلام ليعرف موقفه السياسي .
حمل أرتين علبة الحليب دون حتى أن يسمح له بأن يكمل جملته التي لم يسمعها أصلاً ،وراح يقفز مجدداً بما تبقى من جسده من طاقة متعثراً بالحفر التي صنعتها القذائف .
ولما وصل المنزل كانت الغجرية تخرج منديل رأس لتضعه لزوجته وطلبت منه بأن يسرع بالدخول ويغلق على نفسه باب الغرفة ،ثم حكت له أنها سمعت ثلة من المسلحين وهم يتحدثون عن حملة لجلب كل من كان قريباً من القس الفقيد كي يتم تصوير فيلم وثائقي عن موته للإدلاء بأقوال مفادها بأن القس مات تحت القصف.
لذا طلبت منه ومن زوجته الاختباء ،و قالت بأنهم عندما يأتون لجلبه ستقوم هي بفتح الباب ،و اختبأ كل من أرتين وزوجته في غرفة حفظ المؤن .
إلا أن أحداً لم يأتي للسؤال عنهم ، الأمر الذي دفع أرتين بأن يتمتم :
(( يبدو أن رجلاً صامتاً ومبتور الساق غير مرئي أيضاً بالنسبة لأي أحد )).
واستحقت تلك الغجرية ثقتهما ،فاحتفيا بها طوال المدة التي قضتها في منزلهم ،إلى أن جاء ذلك اليوم الذي قتلتها فيه طلقة قناص وهي في طريقها لشراء الحليب لطفلها .عندها احتفظ أرتين وزوجته بالطفل الرضيع واعتنا به بكل شغف ،وصار أرتين يستجمع قواه يومياً لشراء مستلزماته بينما ملأ وقت أوديت بكامله .
إلا أن فكرة الرحيل عن البلاد والبحث عن حياة أفضل بقيت تشغل بالهم ،وبما أنهما لم يكن يملكان جوازي سفر نظاميين ،وممنوع عليهما مغادرة المنطقة باتجاه المناطق التابعة للدولة بسبب حصار المجموعات المسلحة .
لذا تحتم عليهما أن يعبرا الحدود السورية اللبنانية في المناطق التي يسيطر عليها التنظيمات المسلحة الإسلامية،إلا أن الطريق سيكون صعباً للغاية وسيتم ذلك عن طريق أحد المهربين الذي سينقلهم في سيارة مغلقة في طريق عبر الجبال الوعرة للوصول إلى لبنان .
وجاء الموعد المرتقب شتاءً ،وراحت أوديت تحيك السترات الصوفية للطفل ولأرتين ،وتحوك لها نقاباً شتوياً كي يتسنى لها المرور عبر حواجز الأصوليين ،وفي اليوم المحدد كان الثلج يهطل بشدة والبرد قارس ،ورغم ذلك استطاعا بعد ساعات طوال أن يعانقا بعضهما احتفالاً بنجاح تمردهما الذي تمثل في الهروب ،إلا أنهما لما انتهت لحظة نشوتهما ونظرا صوب طفلهما الرضيع الذي كان مزرقاً من البرد ،أدركا أنهما خسراه للأبد .
بعد دفن الطفل في أرض مهجورة قريبة من الحدود ،دخل كل من أرتين وأوديت مدينة بيروت وقد اكتنفهما شعور لم يعرفاه من قبل ،وكأن الموت الذي شهده هذا الطريق جعلهما لا يكترثان بأية حياة قد يصلان إليها بعد اجتيازهما لذاك القبر متغاضين عن كل ما حصل ،كان ذاك القبر سيشغل ذهنهما دوماً ،وسيكون بمثابة خوف متجسد ،خوف من الحياة نفسها .
كانت بيروت مدينة غريبة عنهما ،لأنها مثلت الحياة لميت قام ،وكأنها الملكوت لسيدنا المسيح ،بجرأة الألوان التي تزخر بها ،والعمارات التي تسبح في السماء .
وعند وصولهما إلى المنزل الذي استأجرهم لهم قريبهم الواقع في حي فقير وغير منظم ،وربما كان الأسوأ في بيروت كلها ،تبدلت مشاعرهم على نحو مفاجئء ،وتساءل كل منهما في نفسه فيما لو كان مرورهم بأحياء بيروت وتوحدهم مع كل هذا الجمال الذي أعاد إليهما ذاك الحماس للبدء من جديد ،ولو بغرفة صغيرة مبنية على سطح بناء مؤلف من ثلاثة طوابق ،في حي ذي شوارع ضيقة وأناس كثر ،يمرحون قليلاً وكثيراً ما يتشاجرون ويرمون بعضهم البعض بأصص الأزهار الكثيرة التنوع في حيهم ،أو عندما تأتي الأيام إليهم بما يشغلهم ويسليهم أو يعينهم على احتمال طباع بعضهم البعض المتغيرة باستمرار ،كما يحدث كل أربع سنوات في فترة نقل المونديال ،حينها يشهد الحي ولادة جديدة له ،ويمتلأ ببهجة طفل اكتشف للمرة الأولى كم أن ألعابه مسلية .
وقد حدث هذا بعد فترة قصيرة من وصولهما الحي ،حيث صعد الحي بأكمله إلى أسطح الأبنية مصطحبين التلفزيونات والشاشات ليتجمعا حولها يصرخون ويضحكون ،عدا أرتين وزوجته أوديت اللذين لم يملكا أي وسيلة لمشاهدة المونديال ،كانا سعيدين لسبب آخر ،بالرغم من أن النقود التي كانت تتحصل عليها أوديت من عملها في إحدى متاجر ملابس الأطفال لدى سيدة سورية مهاجرة قديمة إلى بيروت ،لم تكن تغطي على إيجار المنزل لولا النقود التي يحصل عليها أرتين من إصلاح الأدوات الكهربائية لأهالي الحي وهو جالس في غرفته ،إلا أن الزوجين كانا سعيدين بتأمل سماء بيروت البعيدة عن سماء بلادهم الضيقة والمكبلة بالقيود .
كانت قمة سعادتهما تتمثل في قضاء إجازة ما معاً وهما يتناولان البوظة على شاطئ الروشة ،تحت وهج شمسها الحارقة ،بوضوحها وصفائها ،هكذا بكامل جرأتها دون أي تردد أو حياء .
وبالرغم من أنهما كانا مدركين في أعماقهما أن تلك السعادة كانت تنسل منهما كما ينسل الماء من بين الأصابع ،وأن ذاك الطفل الذي دفناه هناك سيظل يربطهما بطريق العودة ،وأن نقص وسائل المعيشة كان يوقظ الجوع في أحشائهما ،وحيث ينمو الجوع ينمو الضعف والاستسلام ،ونبدأ برؤية الأشياء باهتة ،حتى ولو كانت شمساً .
لكنهما كانا على ثقة تامة أنهما قادران على الاحتمال من أجل شيء من الحياة بمقدورهما أن يعيشاه ،حتى ولو بأعين نصف مغمضة أو منهكة ،أو مع وجود تلفاز لمشاهدة المونديال أو بدونه ،أو مال لشراء البوظة والوصول إلى الروشة أو بدونه ،إلا أن ذاك الطفل الذي دفناه هناك عند بدايتهما الجديدة كان من ينغص عليهما ويزرع الإحباط في داخلهما ،لذا قررا بأن يحاولا مجدداًإنجاب طفل يربطهما بتلك المدينة ،طفل يولد في بيروت ليحمل لوالديه الشجاعة والرغبة في المقاومة ، وليمنحهما الحلم لكي تبقى أعينهم مفتوحة لتواجه الشمس وتميز لونها الصارخ بوضوح ،وعندها سيملكان الحرية ،ومن يملك الحرية يملك القدرة على النسيان ،والقدرة على تجاهل الذكريات التي تشد المرء نحو الماضي ونحو جلد ذاته مجدداً بعذابه القديم .
وبالرغم من أنهما استطاعا رسم حلمهما وعاشا على أمل تحقيقه ،وراحت أوديت في أوقات فراغها أثناء عملها في متجر ألبسة الأطفال ،راحت تختار الألبسة الأجمل لطفلها القادم ،الذي جعلت من قدومه حقيقة حتمية في ذهنها ،إلا أن ذاك الحلم وتلك الحقيقة تعبا في صراعهما مع جسديهما اللذين كانا يضعفان شيئاً فشيئاً علاوة على الشعور بالغربة والانفصال عن كل هذا العالم الذي أمسى غريباً عنهما ،وكان من الواضح أن الواقع أقوى بكثير من الحلم ،وأنهما كانا يحتاجان لقوة عظيمة ،لطمأنينة داخلية كتلك التي اكتنفت قلبيهما عند مشاهدتهما للأبنية الشاهقة لأول مرة .
كانا يرغبان أن يظهرا عجزهما وخفتهما أمام وجود هائل ،لذا قررا أن يقصدا سيدة حريصا ،وأخذا يدخران المال اللازم للوصول إلى هناك .
وفرض هذا عليهما شهراً قاسياً للغاية ،عادت فيه نوبات غضب أرتين السابقة جراء الفزع من الخيبة مجدداً ،أو ربما بسبب تأنيب الضمير الذي كان يتأجج في فترات نومه التي طالت كي يمضي الوقت بسرعة ،تأنيب الضمير الذي كان يتأجج في فترات نومه التي طالت كي يمضي الوقت بسرعة ، تأنيب الضمير بسبب طفل مات لأنه جبن وزوجته وفقدا العزيمة بين ليلة وضحاها ،والأنكى من ذلك كله أنهما دفناه في مكان جعل من ميتته ميتة حائرة ،وكأن الطفل كان يرغب أن ينشأ مع والدين أكثر شجاعة ،والدين يتشبثان بأرضهما حتى آخر رمق ولم تغره كما أغرت والديه البديلين جرأة شمس الروشة ،بل فضل جرأتهما ،لأن الشمس أصلاً كانت شيئاً يجهله ولايهمه بتاتاً .
أما أوديت فضميرها لم يؤنبها طوال شهر المعاناة ذاك ،إنما كثر شرودها وكانت تطرد من عملها إثر ذلك ،وبقيت خيالاتها عن مستقبلها برفقة طفلها تشغل أحلامها في النوم واليقظة وتراوحت مابين خيالات ربما تتحقق بعد فترة وجيزة كأن تتخيل ولادته في مشفى فخم في بيروت ،وأن يحظى بعناية أبناء الأغنياء فيها أو قد تأخذها خيالاتها إلى ماهو أبعد ،إلى تخيله مثلاًيتلقى تعليمه في مدرسة فخمة تدرس على الطريقة الفرنسية وأن يصبح صحفيا مشهوراً ،وأن يرتدي الملابس ويتصرف بالطريقة التي تعجبه دون أن يوصف بالسمج أو يتعرض للتنمر لأنه حاد عن طريق الصواب واختلف عن أقرانه وعارض قانون الواحدية .
وجاء اليوم المخصص للصعود إلى سيدة حريصا ،اليوم الذي أيقظت فيه أوديت أرتين ولم يستيقظ ،حسبته ميتاً بداية ،لكنها بعد أن نادت على جارهم الوحيد الذي يعاملهم بلطف ودون عنصرية في الحي كله ،نقل معها زوجها إلى أقرب مستشفى خاص ،علمت من الطبيب هناك أنه على قيد الحياة ،وأنه كان قد مرض منذ عدة أسابيع بالتهاب القصبات الحاد وأنه من المحتمل تأزم الحالة وتطورها إلى ذات الرئة والتي من المحتمل أن تودي بحياته إن لم يبقى في المستشفى ،ويحظى بعناية ممتازة .
لذا بقيت أوديت بقربه طوال فترة بقائه في المستشفى وكان هو لا يكف عن وعدها بزيارة سيدة حريصا كما خططا .
وعندما خرجا من المستشفى لم يكن في جيبيهما مايكفي حتى لدفع إيجار المنزل ،فقررا أن يحققا حلمهما بالنقود المتبقية ،مدركان أنه عليهما بعد تلك الرحلة ،المضي حتماً باتجاه الحدود السورية .
وعندها لن يهمها مطلقاً سواء رزقا بطفل أم لا ،وسيزوران قبر طفل الغجرية ،للصلاة فوقه وإعلامه بانتصاره عليهما ،إلا أن رحلتهما إلى سيدة حريصا حملت لهما ما لم يكن في الحسبان وذلك عند لقائهما بريمون ابن أخت أوديت هناك عند أعلى نقطة من مقام السيدة حريصا .
كان ريمون قد بلغ الثانية والعشرين لما قرر أن يعبر الحدود السورية اللبنانية بمساعدة أحد المهربين ،بعد أن ضاق ذرعاً من حياة الوحدة في غرفة بائسة كان قد استأجرها في اللاذقية بعد أن غادر بلدته التي سيطرت عليها جماعة من المتطرفين برفقة والده بداية قبل أن تعاد له جثته من القتال مقطعة ومعدومة الملامح .
جمع أغراضه التي يطلق عليها بالمهمة في حقيبة صغيرة كان يحملها عادة على كتفه ،والتي هي عبارة عن أوراقه الثبوتية وبدون تلك الأوراق سيكون حتماً في نظر الدولة دون أي حقوق ،وهو كان يحتاج هذه الحقوق بعد أن سلبت منه الحرب كل شيء ،والده ،المنزل والحقل الصغير الذي يملكه والده في بلدته بعد أن حول القصف المنزل إلى هباء منثور ،وقطعت أشجار الحقل في أقل من يوم لتنقل في شاحنات يقودها ملثمون من اجل تهريب الخشب عبر الحدود وجني ثروة .
حتى ماضيه وذكرياته سلبت منه بعد أن احترقت ألبومات صوره والأشياء التي تربى معها في منزله في البلدة ،واختفت بذلك من الوجود معالم طفولته بعد أن أخفى والده نصفها في الماضي بإخفائه كل مايتعلق بوالدته ،والتي فرت من المنزل تاركة ريمون رضيعاً بعد أن قرعت والده و اعترفت له بأنها لم تعد تحتمل نظامه في المنزل وصمته المستفز ونظرات عينيه المبهمة والتي من المحال توقع فحواها .
وحتى وهو يغادر البلاد لم يحمل معه من ذكرياته سوى صورة واحدة تجمعه مع والده لما حصل ذات مرة على ميدالية ذهبية في التايكواندو ،وكانت الصورة الوحيدة التي بدت فيها عينا والده لامعتان من شدة فخره به .
لذا بقي يتأمل تلك الصورة لساعات قبل أن يغادر غرفته السيئة نهائياً ليستمد منها التفاؤل ،فقد عوده والده منذ صغره على العودة إليه دوماً ليستمد منه القوة عندما يضعف أمام مواقف الحياة المعقدة التي يواجهها ،ونصحه دوماً بعدم اللجوء لخالته أوديت التي كانت المرأة الوحيدة التي عرفها في حياته حيث كانت تأتي إلى منزلهم عندما يغيب الأب من أجل مهمة طويلة كي تعتني به ،وبالرغم من أن والده كان يحذره من الثقة بالنساء وعدم أخذ قراراتهن على محمل الجد ،إلا أنه وثق بخالته أوديت ،ربما لهيئتها التي تميل نحو الذكورة بزنديها الثخينين وحاجبيها السوداوين المقطبين دوماً ،وجسدها البدين والعريض العظام ،واختبر معها مشاعر لم يكن ليعيشها مع والده العسكري المحب للروتين والجدية ،مثل تلك المشاعر المبهمة التي كان يعيشها عند مرافقته لها إلى الحقول وفي يد كل منهما سلة من القش لقطاف التين حيث كانت تطعمه بيدها مما تقطفه ،وتأكل معه أيضاً وهما يضحكان ،فكان ذاك الشعور القريب من المتعة ولكنه مختلف عنها ،والذي عندما كبر ريمون خمن بأن يكون شيئاً مما يشعر به الابن نحو والدته ،لكن لم يستطع أن يجزم بذلك لكونه يجهل تماماً ما تعني كلمة والدة ،إلا أن تلك المشاعر سرعان ما كانت تمسي غير مهمة بمجيء والده من مهمته وسحبه من بين يدي خالته باستعجال ودون أن يشكرها ،ليعود إلى دروسه التلقينية عن عدم الثقة بالنساء ،والقيام بعدة اختبارات للتأكد من حفاظ ريمون على رشاقته بأن يحمله فوق كتفيه أو يرمي به في الهواء ويلتقطه مرات ومرات ليحرق له الدهون الزائدة التي اكسبته إياها الاطعمة الدسمة التي كانت تحشوها عادة في فمه الخالة أوديت .
وإن كانت تلك الرشاقة التي واظب الأب على الحفاظ عليها لولده قد نفعته لما تخلى عنه المهرب بعد قطع مسافة قليلة بعد عبور الحدود اللبنانية وطلب منه أن يركض بأقصى قدراته كي يبتعد أكثر فأكثر بين الأحراش لكي يصل إلى طريق عام حيث ينتظره رجل آخر سيتكفل بنقله إلى بيروت ،إنما إصرار والده على عدم ثقته بالنساء حال عندما كبر إلى نوع من الخجل المرضي منهن ،وقاده عدم فهمه لأبسط الحركات والطباع الأنثوية إلى اعتبارها تصرفات تندرج تحت خانة العهر !
مثلما حصل معه ذات مرة مع إحدى جاراته التي تملك صوتاً رفيعاً لم يعتد عليه من قبل ،حين جاءت إليه تطلب منه أن يحمل لها أسطوانة الغاز ،وهي تلوك علكة ضخمة في فمها .يومها سرحت به أفكاره نحو تخيلها تطلب منه أن تلتهم عضوه .
إلا أنه كان ينفر من اللواتي كن يردن التقرب منه حقاً ،ويرتبك أمامهن مما جعل منه فاشلاً في العلاقات ،وحال ذلك إلى جانب انشغاله الدائم بالعمل في المقاهي والمطاعم لجمع النقود اللازمة لتغطية مصروفه ،حال دون أن يحظى بحياة جامعية صاخبة .
وإلى اللحظة التي غادر فيها البلاد لم يكن قد مارس أي علاقة مع أية فتاة ،وحتى بعد وصوله إلى منطقة برج حمود حيث من المفترض أن يلتقي هناك بصديقه هوفيك ليصحبه إلى المنزل الذي سيستأجر فيه غرفة ،ولقاءه بصاحبة المنزل ،فرح من كل قلبه أنها كانت امرأة ستينية ،فقدت كل ما له علاقة بالأنوثة ،لأنه بوجود تلك السمات فيها سيتمكن من التعامل معها بكل راحة ودون أي ارتباك .
قادت تلك المرأة الأرمنية الأصل والتي تدعى (ماغي ) كلاً من ريمون وصديقه هوفيك نحو غرفة ضيقة وقذرة ،مبررة قذارتها بأن المستأجرين السابقين كانا لوطيين !
واعتاد بعدها كل من ريمون وهوفيك على الاستيقاظ يومياً على صوت مشاجراتها مع رجال الحي التي غالباً ما كانت تفتعل المشاكل معهم لتثبت لنفسها قدرتها على مجابهتهم وليمنحها هذا صوتاً يخبرها أنها كانت على حق في العيش وحيدة دونهم .
بداية أسعدت ريمون هذه الطباع الخاصة فيها لكنه وفي يوم من الأيام وحينما كانت تجلس أمام المروحة بشورتها القصير وقميص الفانيلا في يوم صيفي حار ،شعر بشيء خمن بأنه قد يسمى الانجذاب الجنسي نحوها ،وانتصب عضوه .ولما أخبر صديقه هوفيك بذلك ضحك بشدة ساخراً منه وقال بأنه بالكاد تملك أثداء.
وذات يوم طلبت منه أن يدفع الإيجار المترتب عليه إلا أنه لم يكن قد عثر على عمل بعد في بيروت كلها ،فاقترحت عليه أن يدفع بطريقة أخرى بأن يضاجعها ،ولما أثار هذا استغرابه أخبرته أنها تحب مضاجعة الرجال لكنها لا تحتمل العيش معهم .
وتكررت تلك المضاجعات لاحقاً حتى أصبح ريمون بغنى عن دفع الإيجار وتكدست الدولارات في جيوبه فراح يصرفها في البارات وعلى مضاجعة أخريات بنفس الطريقة حتى أمسى يتغيب شيئاً فشيئاً عن الغرفة وعن ماغي ،التي علم من هوفيك لاحقاً أنها بدأت بمضاجعته بعد أن ضاق ذرعاً من نقص المال إثر طرده من عمله ،وبأنها رمت له اغراضه في الشارع .
عاش بعدها ريمون متنقلاً بين بيوت نساء قويات وضخمات الجثث ،يقضي ليله في مضاجعتهن بصمت تام ،ونهاره في النوم ،إلى أن يضجرن منه ويرمين به في الخارج ،ليبحث بعدها عن أخريات
وربما أخر النعيم المادي الذي عاش فيه معهن، أخر من فتور تلك العلاقات التي أصبحت مفهومة ومضجرة لاحقاً ، وراح إثر ذلك ريمون يبتعد عن قضاء وقته مع تلك النسوة ويستقل الباصات التي توصله إلى أبعد المزارات الشهيرة في لبنان مثل مار شربل وسيدة حريصا حيث كان يعتقد بأنه سيجد فيها إجابات شافية لما يحصل معه ، وحيث التقى عند مقام سيدة حريصا بخالته أوديت برفقة رجل غريب لا يعرفه يمشي على قدم واحدة والذي علم منها لاحقاً أنه زوجها وأنهما هربا من البلاد وجاءا ليستقرا في لبنان ،وأنهما في رحلة إلى حريصا للطلب من الرب بأن يحظيا بطفل ،وجعله هذا اللقاء في رغبة ملحة بأن يعود إلى منزله مع صديق له يدعى خالد ليجمع أغراضه ويغادر ليعيش برفقة خالته وزوجها .
وبالطبع تلك القصة لم يعرف أي من خالته وزوجها عنها شيئاً ،لأنه كان يجد فيهما فرصة أخرى منحته إياها الحياة للبدء من جديد ،وبما أنهما كانا بحاجة ماسة للمال ،وهو يملك هذا المال .
جعلته تلك الفكرة يطير من الفرح ،لكنه لما خلد إلى النوم في تلك الليلة راودته الكوابيس المليئة بصور العقارب والعناكب ،ورأى نفسه مكبلاً بالقيود وجميع النسوة اللواتي ضاجعهن مقابل المال وهن يخرجن رزم النقود من بين أثدائهن ويحشين فمه بها .
لذا سارع عند استيقاظه لإيصال المال إلى خالته وزوجها فوجدهم متأهبين للسفر إلى سوريا ،كانا قد حزما حقائبهما واتخذا القرار النهائي ،ولم تفلح محاولاته في إقناعهما ولا حتى عرض المساعدة المادية عليهما ،حتى أنه جرب البكاء والتوسل لهما إلا أنهما بدا مثل المخدرين،هكذا قاسيين بسذاجة وبلاهة .
ولاحظ شجاعتهما عندما ادارا ظهرهما للمضي وتعلق أحدهما بالآخر ،وكان على ثقة بان حباً عظيماً يجمعهما .
عاد بعدها إلى منزل خالد خائباً وعندما وصل كانت سيارات الأمن والناس متجمعين حول المنزل ،وشاهد مسعفين ينقلون جثة ما إلى سيارة الإسعاف ،ورجال الأمن وهم يسوقون برجل إلى سيارتهم وهو يردد :لقد نال مايستحقه لأنه أغواني في الماضي ودمر حياتي وعودني على الرذيلة !!!
عندما اقترب من رجال الأمن وسألهم عن المغدور ،أخبروه بأن صديقه خالد قد قتل على يد أحد المتطرفين ،والذي يدعى بجبر وهو كان على معرفة سابقة به كما بدا لهم مما صرح به القاتل .
تذكر ريمون أنه سمع بهذا الاسم سابقاً من خالد نفسه حينما قص عليه حكايته ذات يوم .
كان خالد قد نفي بقرار من جده صاحب أكبر مجموعة متاجر للحوم في مدينته بعد أن وجد في غرابة حفيده وسمعته غير النظيفة خطراً محتملاً على نجاحه في انتخابات مجلس الشعب ، وذلك بعد أن زج في جيبه رزماً من المال التي تكفيه لعمر بأكمله ،لاعناً ذاك الولد وأمه التي سبق وسببت له هي ايضاً فضيحة بطلاقها وعودتها بطفلها إليه .
وقد وجد في هذا النفي فرصة لبداية جديدة بعد أن سأم من محاولاته الفاشلة مابين الانتحار أو قتل جده أو أمه ربما ،بعد أن ضاق ذرعاً من ازدراء ذاك الرجل المرعب له ونظراته القاسية و رائحة البخل التي تفوح من جسده وفمه جراء الإفراط في الصوم ، وضاق ذرعاً من لامبالاة والدته ولعناتها المصبوبة على الرجال وفورات غضبها المفاجئة التي تدفعها لضربه دون أي سبب مقنع ،واصطحابها إياه إلى بيوت الفتيات الذي قرب زواجهن كي تحبطهن ،أو إرساله _عندما لاترغب في رؤيته _إلى دكان والدها ليلهو بين السواطير وعمال الملحمة عل عوده يقسو ويغدو رجلاً أفضل من والده !
وهناك في الملحمة بدأت أفكار الانتحار تراود خالد ،أو ربما في البداية كانت رغبة في الهروب من عدم الفهم مما يشعر به أو يراوده عندما يكون بقرب العمال الضخام الأجساد ،لما يحمله ذاك القرب من قوة ،قوة تجعله يحتمل كل عبارات جده القاسية ويضرب بها عرض الحائط غير مكترث ،وتمكنه من درء ضربات والدته اللئيمة وحتى دفعها بقوة أرضاً ،لتبدأ بشتمه ولعنه هو ووالده وهي تجهش بالبكاء .
ولكن تلك القوة كانت سرعان ما تخبو بعد زمن قليل ليعود إلى وحدته المعتادة ،وينام بعمق ليوم أو أكثر ،ليستيقظ ويعود إلى النسخة التي تعجب والدته ،تلك النسخة التي ترافقها برضوخ تام إلى حفلات الزفاف النسوية لتتباهى بها ،والتي تجلس لساعات لتنصت إلى محاضراتها عن تفوق عائلتهم على الجميع بالمال والجاه والمجوهرات والنظافة ،الشيء الذي يمنحه نوعاً من الغرور يمكنه من مواجهة أطفال العائلات الأخرى الذين يعيشون حياة طبيعية برفقة أهاليهم .
لكنه كلما كان يكبر ،كانت تلك القوة تتحول إلى شعور بالنقص و عدم الثقة بالنفس
دفع به نحو التفوق في دراسته إلا أنه زاد من تمرده على جده وأمه الذي قاد به يوماً ما إلى تهديدهما بفضح هويته الجنسية أمام الملأ كي يفسد على جده حملته الانتخابية ،إن لم يرسله إلى بيروت مع مبلغ محترم من المال ،مهملاً بذلك إكمال دراسته الجامعية ،فاراً من رحى حرب كانت لتطحنه في أي وقت ،وليضاجع هناك ريمون والكثيرغيره ،ثم ليموت بساطور موجه من ماضيه ،يدينه بثقة تامة ،ويصدر حكماً بتنظيف نفسه بدمائه كي يعود طاهراً دون خطايا !
مات خالد تاركاً ريمون متخشباً في سريره يفكر في سبب لوجوده بعد الآن ،إلى أن اتصلت به إحدى زبوناته السابقات ،فاشترط عليها مبلغاً هائلاً من المال لكي يرضى بمضاجعتها ،وارتدى ثيابه ومشى مثل شخص تعاطى كمية كبيرة من الكوكائين ،جعلته لايرى أمامه سوى هدف واحد وكان الهدف هنا هو المال ولا شيء غيره ،أما في القلب كان ثمة شيء أخر ،كان ثمة حزن كبير وحارق .
وبعد أن غادر بقليل وصل صديقه هوفيك حاملاً في يده ثروة ،لكنه لم يجده ، وكان قد اتصل به مراراً إلا أن رقمه كان مقفلاً .
فجلس على درج البناء هناك وراح يفكر بوجهة له يقصدها ،مستعيداً ما أوصله إلى هذه الحال بأن يغدو رجلاً ثرياً وضائعاً لا يعلم إلى أين سيمضي .والذي لم يتوقعه بتاتاً بعد كل ماحصل له في حياته .
فقد فر هوفيك من البلاد ، بعد أن فشل في دراسته وخسر فرصة الهرب إلى تركيا لإصرار والده الشديد عل كراهية الأتراك وعدم تنجيس قدميه بأرضهم الملوثة بالدم ،واستمر هكذا في عناده إلى أن شاهد ولده يفر الى بيروت مع جهله ونحوله .
وبعد فرار هوفيك كان والده قد توفي ونزحت والدته وأخوته إلى إحدى مدن الساحل ومنها إلى بيروت فأرمينيا ،أما هوفيك الذي استطاع دخول الأراضي اللبنانية دون أي أوراق أو جواز سفر تحتم عليه أن يبقى حبيساً لبيروت يتنقل فيها مابين عمل بعرق جبينه وبين تجارة المخدرات أو بيع جسده لمن تدفع ،مثلما فعل مع ماغي صاحبة الغرفة التي استأجرها وصديقه ريمون ،الذي لم يكن ليشجعه على السفر إليه إلا طمعاً بما يحمله من نقود ،بعد أن ضاق ذرعاً بعيش يملؤه القلق وعدم الفهم و عدم الاستقرارفي بلد التنوع فيه يزعج أحداً مثله الذي تربى على الواحدية في كل شيء في السياسة والدين والآراء وحتى في أسلوب العيش .وكان قد توصل إلى نتيجة مفادها أنه في غربة كغربته حيث لا انتماء ولاهوية يمكن تعليق الآمال حتى على أتفه الأشياء .
لذا استقبل ريمون بكل حرارة مع أنه لم يكن يستلطف الكاثوليكيين وينفر منهم وكان يجدهم محافظين هيستيريين وحتى هبلاً ،بمن فيهم صديقه ريمون الذي لم يكن يجرؤ في الثانوية على النظر في أعين الفتيات أثناء محادثتهن بينما هو كان قد متع ناظريه آنذاك بسائر أنواع الأثداء .
وللسبب ذاته ضاجع ماغي التي كان يتقزز منها ،واغتنم فرصة خيبتها بريمون ليعرش على أملاكها ونقودها ،فقد كانت تمثل له الأمان والواقع المضمون وسط مدينة الخوف والوهم التي أمسى أسيراً لها .
نعم المال والمضاجعة شيئان قد يمنحان الامان لأن كلاهما يملك تاثيراً حقيقياً كما تملك البغضاء والحقد ،هذا ما تعلمه من والده في الصغر الذي كان يردد دوماً أنه لا أمان لهم هم الأرمن سوى بمشاعر الغضب من تاريخ غير منصف والسعي خلف الواقعي والملموس ،بالعمل الدؤوب وتفريغ الهموم بنعومة ودفء النساء .
كانت تلك الأفكار التي حشاها الأب في رؤوس أفراد عائلته قد جعلتهم يعيشون دوماً في اضطراب دون أمان، منجرين خلف ما قد يسمى قدراً ،متقبلين بعماوة تامة كل الشعارات والأفكار الجاهزة،ربما لأنهم وجدوا فيها انتماء ما أو معنى لحيواتهم القلقة ،حتى بات الفقر و جلد الذات سعياً وراء المال بالإضافة للتمسك بالأفكار العظيمة والكبرى وتمجيد المأساة ومزارات القديسين الذين يخصون الأرمن فقط أشياء تسري في عروقهم .
وقد حمل هوفيك هذه الأفكار مع فوضى الحرب وجهله ونحوله إلى بيروت حيث الألوان كثيرة لكنها واضحة وجريئة ومدركة لاختلافها ،لذا بقي وحيداً فيها بالرغم من عمله لدى سوري يحمل الجنسية اللبنانية ويدعى نورس يشاركه شيئاً من المشاعر المشتركة ،إلا أنه وجد في تعامله معه نوعاً من الفوقية أو الشفقة ربما ،وفي نظرته نظرة من نجح في الخلاص من جحيم بلاده واستطاع بناء فضاء آخر تجاه من أنهكته أولى خطوات الطريق .
وربما ولأن نورس كان يجد فيه ماضيه ماثلاً أمام عينيه لم يتمالك رغبته في طرد تلك الشائبة المنثورة من ماضيه وحتى إذلالها والتقزز منها .
لذا رضخ لمصيره مع ماغي وراح يواسيها مقابل أن تبقيه في المنزل وتصرف عليه والتي أصرت على تمسكها بكره الرجال ،ولم تكن ترغب في أن يرثها أقرباؤها الذكور لما علمت بإصابتها بالسرطان لذا جمعت في ليلة ما لديها من مجوهرات و أموال وأعطتها لهوفيك وطلبت منه أن يغادر قبل أن يأتي أجلها لكي تبقى في خياله تلك المرأة القوية التي تتصارع مع الرجال ،وقالت بأنها فرصتها الأخيرة للانتصار على والديها والإثبات لهم أنها استطاعت العيش حرة وقوية .
وهكذا حمل هوفيك ما منحته إياه ذات صباح ،ومضى دون أي وجهة لكنه جزم أنه لن يحتمل الوحدة أبداً فبحث عن ريمون آخر من قد يتقاسم معه حياة ما .
لكنه لم يجد ريمون ، ودفعه التفكير في الماضي لمساءلة نفسه فيما لو كان ريمون أهل ثقة أم لا ،ألم يتخلى عنه بسرعة دون أن يكترث لصداقتهما ؟
ثم راح يفكر : ماذا عن نورس ؟هل يعود إليه ؟ ويطلب مجدداً العمل لديه رغم معاملته السيئة ؟
لا ،لن يبرر له ،لن يبرر تعجرفه وأنانيته حتى ولو كان يعلم بحكايته كاملةً ،
فقد عاش نورس مع عائلته في منزل مليء بالألوان والنباتات شأنه شأن منازل تلك الطبقة المثقفة التي يصفها البعض بالمتعجرفة ،أو الطبقة التي لايعجبها شيء وتسعى دوماً نحو افتعال المشكلات.
لذا ورث نورس عن والده الشيوعي تلك النظرة التي قد يجدها البسطاء متعالية ،وذاك الجهور في إدلاء آرائه والذي خلق له مشكلات بدءاً من مدرس الديانة في طفولته وصولاً إلى الحكومة عندما كبر .
ولعل تمرده قد زاد من شراسته بعد أن أودى الاكتئاب بوالده تاركاً له والدته مع نمط حياتها الروتيني الممل والمضجر ،والتي كانت تقضي معظم وقتها بين أقفاص الطيور التي تربيها ،أو خلف البيانو الخاص بها تكرر عزف مقطوعات تشايكوفسكي وهي عابسة .وقاد به هذا التمرد فيما بعد للخروج في المظاهرات ،وربما لم يكن التمرد وإنما كانت محاولة منه لكسر تلك الصورة الرتيبة لمنزلهم والخلاص من جحيم البارانويا التي عششت في حجارته ،فصارت تلك المظاهرات بمثابة قشة يتعلق بها لإنقاذ حياته الشخصية من قيود مبادئ والديه التي دفعوا أثماناً باهظة وهم متمسكين بها ،أو كرد اعتبار لوالدين لم يعيشا معه كما يجب أن يعيش أي والدين ،ولعل تلك الصرخات التي كان يطلقها كانت بمثابة تعويض عن ذاك الصمت الذي أحاط به لسنوات طوال في منزله ،صمت تخلله أحياناً عزف أو لعنات والدته ،وأحياناً أغنياتها الثورية المخذولة ،والتي كان يغني مقطعاً منها لحظة اعتقاله ،ولم يقتصر الأمر على تذكر أغنيات والدته وإنما راودته في لحظة الاعتقال جميع ذكرياته عن والديه وعن حياتهما الشيوعية المختلفة والتي جعلت منه شخصاً مختلفاً ومكروهاً منذ صغره حيث كان رفاقه يجدون فيه ذاك الطفل المدلل والجبان والمقيد بمعارفه الكثيرة التي لا يفهمون منها شيئاً مما قاد به نحو الانطوائية التي منحته مظهراً مختلفاً وشخصية استثنائية انجذبت لها الفتيات في الجامعة لكن دون أي جدوى ،فقد كان دائم الرفض لخوض علاقة كاملة وجدية ،لأن في ذلك خطر على اختلافه الذي كان ليدفع ثمناً قد يصل إلى حياته مقابل أن يحافظ عليه .لذا خرج بعبثية في المظاهرات دون أي هدف أو مبدأ يدافع عنه ، .
وحتى بعد خروجه من المظاهرات لم يستطع تحديد شعوره ،أو فيما إن كان سعيداً بذلك أم لا ،كما لم يعرف في أي وجهة عليه المضي ،ولما عاد إلى منزله كانت والدته قد أخرجت ثروتها الخبيئة و جهزت له أغراضه استعداداً لإرساله إلى بيروت برفقة توما ابن صديقتها والذي قرر هو الآخر مغادرة بلاده بعد احتراق مصبغته .
عند وصوله بيروت شعر بأن الحياة التي كان يرفضها أصبحت مهمة ،وراح يسعى إليها بحيوية وحماس كبيرين ،فأنشأ مطعماً صغيراً له في غضون فترة قليلة ،وهو العمل الذي لم يكن ليتوقع أن يخوض فيه بعد كل الكتب التي قرأها في منزل والديه .
شعر بنصر خاص وشخصي ،نصر يبعث على الاستعلاء والتمتع بالاختلاف من جديد ،حتى لو كان سبب اختلافه هنا هو المأكولات الدمشقية ،لذا كان يستقبل العمال القادمين من سوريا ثم يهينهم ويشعرهم بتفوقه عليهم بأنه استطاع الخلاص من واحديتهم وتشابههم وأسس كيانه الخاص المختلف عنهم والمختلف في البلاد التي لجؤوا إليها ،مثلما فعل مع هوفيك ذات يوم ،وترك فيه جرحاً من الصعب أن يلتئم .
لذا استبعد هوفيك أن يكون نورس وجهته المقبلة ،وقرر أخيراً أن يدفع جزءاً من المال لأحد المهربين لإيصاله عبر البحر إلى قبرص ومن هناك إلى تركيا فدولة أوروبية أخرى ليحصل على لجوء ما وأوراق تمكنه من ملاقاة عائلته في أرمينيا مع أن الأمل ضئيل للغاية بأن يقطع كل هذه المسافات دون أن يقبض عليه أحدهم .
كان يفكر في هذا تاركاً لقدميه الحرية التامة بأن تسيرانه كما تشاءان ،ووجد نفسه فجأة يمر من أمام مطعم نورس ،وشاهده جالساً خلف طاولة يتناول الشاي وحيداً ،ورأسه مسنود إلى الكرسي خلفه ،أخذ يتأمله فوجده سارحاً منشغلاً في التفكير بشيء ما ،ثم لاحظ بأنه قد تنبه فجأة وأخذ كأس الشاي بين يديه ،وسمعه يقول :
( لقد غدا الشاي ثقيلاً جداً ،ولم يعد طعمه مستساغاً ،ثقيلاً جداً كما الوحدة ).



#الحسين_سليم_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنثى التي تكتنفني
- قصائد مختارة
- ما يهم أنك حي
- لو عاد بي الزمن
- حرب رشيدة
- شقاء اسماعيل
- ستظل النجوم تهمس في قلبي إلى الأبد (منقحة)
- ماسة (منقحة)
- اعتذارات الديكتاتور
- ستظل النجوم تهمس في قلبي إلى الأبد
- ماسة


المزيد.....




- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- الحلقة 23 من مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة الثالثة والعشرو ...
- أسرار الحرف العربي.. عبيدة البنكي خطاط مصحف قطر
- هل ترغب بتبادل أطراف الحديث مع فنان مبدع.. وراحِل.. كيف ذلك؟ ...
- “أخيرًا نزله لأطفالك” .. تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 لمشا ...
- باسم خندقجي أسير فلسطيني كسر القضبان بالأدب وفاز بجائزة البو ...
- “القط بيجري ورا الفأر”.. استقبل Now تردد قناة توم وجيري الجد ...
- الان Hd متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر ...
- تابع حلقات Sponge BoB تردد قناة سبونج الجديد 2024 لمتابعة أق ...
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - أحفاد زورو