أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشرى رسوان - حقول المانجروف 2















المزيد.....

حقول المانجروف 2


بشرى رسوان

الحوار المتمدن-العدد: 7786 - 2023 / 11 / 5 - 02:50
المحور: الادب والفن
    


كايتا يحمل الحقائب يرتبها في المصعد يضغط زر التشغيل، ثم انتهى الأمر أترجل من السيارة أتأمل الإقامة بناية منتصبة بطوابق عدة تمتد على مسافة نصف شارع،محاطة بسور فوقه تنبسط الأسلاك الشائكة شيء يشبه السجن تماما، ذلك الذي نشاهده في الأفلام الهوليودية ،حدست أنها ثلاثة أو أربعة بوابات كبيرة،صريريها يخترق أذني، في المدخل لوحة نقشت عليها بلغة فرنسية وبخط أنيق ( اقامة ميشلين )
صعدت للطابق الأول، شقة على الطراز الأمريكي، المطبخ مفتوح على الصالون تفصلهما طاولة رخامية، حجرة نوم في صدرها سرير وبمحاذاته الخزانة، نافذة بزجاج قاتم، ارتميت على السرير، انزلقت تحت الغطاء أدركت بعد برهة أنني لست بحاجته، دخلت في نوم عميق حلمت بأنني أقطع شجرة جدتي، انهال عليها بالفأس ، أضرب جذعها أقتلع جذورها المتهالكة من الأرض أشعر أنها جذوري ، أنتزع أوصالها تتمزق أوردتي أسقطها أرضا أرتمي مكانها في جوف الأرض، تضمني بقوة تكسر أضلعي ، أسمع أنينها الأنة تلو الأخرى، كأنها قادمة من أعمق نقطة في قاع ، ثم أراني في بيت مجهول تنفتح البالوعةو تبتلع فردة حذائي، الدوامة تجرها للأسفل ٳلى أن تختفي أحاول جاهدة التقاطها بلا جدوى، تضمحل الصورة ويغيب كل شيء يتبدد ويتلاشى كأنه لم يكن.. كوابيس لا ترابط بينها
أقطع الممر بين غرفة النوم و الشرفة المطلة على الشارع، أرفع وجهي للسماء، سيل من الأمطار مع جو حار مدينة تنخرها الرطوبة ،الرياح تتقاذف سعف النخيل، تصفعها بلا هوادة، يلمع وميض البرق تعقبه سحب رعدية، للطبيعة تكتيكها الخاصلا ندركه أبدا. الشارع ضيق أضيق مما يجب، قبالتي بناية بنوافذ غامقة،أشعر أنها تكبح فضولي، تنفرج نافذة الطابق الأخير تبرز اليد السمراء تقذف برماد السيجارة وتعود المرة بعد الأخرى، يقضي أحدهم يوما سيئا يمارس الانتحار ببطء شديد، أراقبه عن كثب، يخرج للشرفة مقطب الوجه يقف مسندا رأسه للجدار، يرفع يده لشفتيه يشد نفسا عميقا،يدخل كفه في جيبه يخرج هاتفه يمرر أصابعه، يقطع الشرفة جيئة و ذهابا، ثم يعود للسيجارة يحركها بين أصابعه يقذفها من الشرفة،يركب رقما يتصل تنفرج شفتيه يخوض حديثا طويلا.
على شرفتي البعوض يخوض حربا بلا هوادة على جسدي، استراتيجيته محكمة، يقود حملاته ناحية وجهي وعنقي، غارات من حيث لا أحتسب، أحاول الافلات لا فرصة لي أمامها، رأسها بمئة عين وجسدها مدجج بثلاث قلوب، تفرز أنزيماتها فوق جلدي، وتغرز ابرتها اللعينة في عروقي تسحب بروتينات لبيوضها، بشكل ما أمنحها الحياة تبدو الفكرة مثيرة، أفترض أنني عرابة أبنائها
الأيام تتوالى أيام فارغة تقريبا بدأت أعتاد المكان المناخ استوائي ليس من اليسير التماهي معه، أتحايد الخروج ليلا خوفا من الشوارع معتمة، أنهي مشاويري قبل المغيب أتجول في الأسواق وبين الدروب من كالوم لراتوما مرورا بكيبي قبل الأنعطاف لحمدالاي،المشاهد المألوفة ذاتها، مجاري المياه عارية، شيء يشبه الجداول المنسابة لا يكف جريانها شتاءا، أما صيفا فهي مرتع خصب للحشرات، لا وجود للأرصفة تماما، الموسيقى تصدح من النوافذ و الأبواب،على أطراف الأسوار يتبول المارة كأنه شيء اعتيادي

لايزال كايتا يحشو رأسي بأفكاره، يغدق علي،بلا ترتيب يذكر، يزعم أنني أجيد الاصغاء، حتى قبل أن تتبلور الفكرة يلقيها هكذا وبعفوية تامة ،و كأنه يتخلص منها نتبادل أحاديث تافهة، يسرد تفاصيل ماضيه يعطي الأحداث بعدا دراميا،أسمعه قتلا للوقت ليس ٳلا، يخبرني أن أمه دوروتي منشغلة على الدوام لا ينتهي جدول أعمالها أبدا، تصرف يومها بين مرفأ بولبيني وسوق النيجر، بعين خبيرة تقتنص الأسماك الأكثر طراوة و الأقل سعرا،وتعيد تقسيطها .بعد انقضاء النهار تعود محملة بما تبقى من سمك الكونكوي و الكرنغ ،تجلس أمام موقد النار تغطسها في الدقيق الأبيض ثم تقليها، الدخان يعمي العيون لكن لا أحد يتذمر،تنغمس في أحاديث طويلة مع أنيتا تتذكران جارتهما يونا التي اتخذت قراراها المفاجئ بالعودة لكينديا تاركة زوجها و بناتها الثلاث وحيدات ، ثم تنتقلان لتقشير الخضر وتقطيعها لمكعبات صغيرة، تضيفان فصوص الثوم المسحوقة و الفلفل الأخضروفي الأخير تجهزان الملوخية لتحضير صوص غومبو
الجدة أي بوبو في الركن القصي من الساحة في الركن الظليل، تقتعد الأرض تهش الذباب الذي جذبته رائحة السمك، تلاعب جيرو وتناغيه تداعب وجنتيه، تعض شحمة أذنه، يرفس بقدميه يحرك جسده في كل اتجاه،محاولا الإفلات من بين كفيها، يزحف نحو دلو الماء،يجلس قبالته مترددا للحظات يحاول التسلق و الوقوف مستندا على الدلو، يندلق الماء ، يصرخ جيرو تهرول الجدة نحوه ترفعه عن الأرض، يصمت تدريجيا يدعك عينيه و أنفه بيده، يتوزع المخاط اللزج على وجهه يمسحه في صدر الجدة، تأرجحه ببطء بين ذراعيها إلى أن يستسلم للنوم.
تزوجت كاديتو من بانقورا بعد صراعات خاضتها مع أمي أقسمت أنها ستهرب معه وفعلت، ركبا ليلا انطلقت رحلتهما من محطة بامبيتو غرست جسدها بين الركاب الثمانية للطاكسي، بعد يومين من الزحف بين طرقات موحلة، بلغا قبيلة على أطراف الغابة في مرتفعات فوتا د جالو، بأكواخ من القش والطين، الحياة التي وعدها بها كانت محض خرافة هي التي اعتادت حياة كوناكري، لا أعرف ان كانت سلكت كل تلك الطرق بدافع الفضول أو بنشوة الحب، بعد انقضاء أيام كثيرة عادت منكسرة خائبة تحمل طفلها جيرو.طردتها أمي بعد مشادة كلامية تمتمت أمي بضع كلمات بحسرة و لاذ والدي بالصمت، لكن الجدة أي بوبو كعادتها لا توفر أي مناسبة لإلقاء خطبها عاتبتها على مرأى و مسمع من الجميع،( لا تتزوجي سلحفاة لأنه لن يتغير سيبقى سلحفاة طيلة حياته اسمعي بعض الأغلاط لا يمكن تصحيحها أو الاعتذار عنها ببساطة )و مضت في نصائحها التي لا تنفد تشكلت حولهما حلقة من الجارات، أطلقن ألسنتهن يسردن قصصهن البائسة،دامت القطيعة بين أمي وكاديتو لأربع أعوام كاملة، وانتهت قصة تمردها
علي أن أخبرك أن دوروتي تسلحت بصبر مخيف أمام جنوننا كنا مجموعة فضائح...قنابل مفخخة قابلة للانفجار في أية لحظة، باكارا الشغوف برقص الشوارع لا يعود من حانة باوباب إلا قبيل الفجر يجر جسده جرا نحو البيت، يرتمي أمام العتبة بعينين حمراوين ، يوقظ الجيران يلعنه والدي ويركله، فيبتسم ابتسامته المعهودة يحاول النهوض يترنح ويعود لدندنة أغانيه، يقهقه بصوت عال، ترك دراسته ليتفرغ للرقص،قال أن الحياة قصيرة و لا شيء يستحق، أطال شعره المجعد شيء يشبه الشجرة الظليلة فوق رأسه، يحمل في جيبه علبة السجائر، ويمتطي دراجته النارية متجاوزا الإشارات الضوئية، معتقدا أن قوانين السير وضعت للعربات و أنها لا تخصه بشيء. قبل أن تعلن ساران عن حبها الطارئ للحقير كابا، الذي يكبرها بأعوام ، ثم انفصلت عنه في لحظة غضب بحثت عن رجل اخر، لكنها لم تفلح في جر أي منهم للزواج، ٳلى أن عرفت طريق العرافة فانتا ديالو... ثم صمت فجأة، أمسك لسانه، حملق في وجهي، بدت ملامحه طفولية كنت غافلة عنها
الأحد الخامس من شتنبر 2021 صباح برائحة البارود ، كأنها الحرب اتصل كايتا يستفهم عن حالي، قال بصيغة الأمر (انه انقلاب عسكري ليس عليك الخروج)، أخرجت جهازي أتحقق من الأخبار، فيديو متداول للرئيس ألفا كوندي بين أيدي فيلق من العسكر، قفزت لذهني أفكار عدة جملة واحدة، السيناريو ذاته التشبث بالسلطة،ألفا كوندي سعى لتغيير الدستور، من أجل البقاء في الكرسي، اليوم و قبل أن يفتح عينيه أحاط به العسكر داخل القصر الرئاسي، الحدود البرية البحرية و الجوية قد أوصدت لا أعرف ما تحمله الأيام القادمة




بشرى
كوناكري
2021



#بشرى_رسوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقول المانجروف
- أحمر كاردينالي 2
- أحمر كاردينالي
- اعترافات كرسي الانتظار
- رأس فوق السحاب ...جسد في الوحل
- الموت عادل الحياة غير عادلة
- الخطيئة 2
- الخطيئة 1
- جزيرة الشيطان
- دار يسر
- بنت البولفار
- بنت البولفار3
- الشبه منحرف
- بنت البولفار2
- بنت البولفار1
- غرند-مى
- ذكريات ماتيلد
- الحيوات الثلاث ل أنطوان أناكرسيس
- ثرثرة المنسج
- د الجزيري بين تكريس مفهوم النخبة و الهروب الدائري


المزيد.....




- “عيد الرّعاة” بجبل سمامة: الثقافة آليّة فعّالة في مواجهة الإ ...
- مراكش.. المدينة الحمراء تجمع شعراء العالم وتعبر بهم إلى عالم ...
- حرمان مغني الراب الإيراني المحكوم عليه بالإعدام من الهاتف
- فيلم -العار- يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي ...
- محكمة استئناف تؤيد أمرا للكشف عن نفقات مشاهدة الأفلام وتناول ...
- مصر.. الفنانة دينا الشربيني تحسم الجدل حول ارتباطها بالإعلام ...
- -مرّوكِية حارة-لهشام العسري في القاعات السينمائية المغربية ب ...
- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشرى رسوان - حقول المانجروف 2