أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشرى رسوان - حقول المانجروف















المزيد.....

حقول المانجروف


بشرى رسوان

الحوار المتمدن-العدد: 7746 - 2023 / 9 / 26 - 01:58
المحور: الادب والفن
    


أمام الشاطئ الصبية يتراكضون خلف كرة القدم ٬مجاري المياه العادمة تلفظ النَّتَانَة في البحر... المياه شبه قاتمة تحول لونها للبني الغامق٬ الأطفال يسبحون غير مبالين بلون البحر أو رائحته العفنة٬ عجلة تطفو على السطح٬ نصف بانيو بلون أحمر٬بقايا مكيف يستعملها الصبي كمركب ترفعه الأمواج و تُسقطه٬ كريشة في مهب الريح٬ المنظر مضحك ومخيب للآمال٬ على الضفة الأخرى قارب تتلاطمه الأمواج ذات اليمين و ذات الشمال٬ في عرض البحر تتراءى من بعيد جزيرة لوس ٬ يحيطها النخيل من كل جانب ٬ طائر ينحدر من القمة صوب اليابسة٬ و سرب خفافيش يحوم في السماء٬ مشهد على ضفاف كوناكري يصلح كخلفية لشاشة هاتف ..يرمي الصبي ببنطاله ﺈلى الحافة و يغطس في البحر عاري تماما تخلص من كل عقده تمنيت مثله أن أتخلص من عقدي
قال كايتا أن كل شيء صعب حتى فكرة السباحة لاسبانيا صعبة٬ قال أنه يتوجب عليه الاختيار بين الموت و الحياة٬ و أنه لا يريد الموت٬ فكرة الموت ترعبه٬ يهز رأسه يحرك يده باتجاه أنفه يفركه٬ يتحايد النظرفي عيني ٬ثم يضيف أن قنديل البحر توريتوبسيس يستطيع أن يشيخ إلى أن يصل لسن النضوج ثم يعود من جديد للتصاغر٬ أي أنه بشكل ما يدور في دائرة الحياة متخطيا مرحلة الموت٬ هو أيضا يحلم بالخلود غير أن تركيبة جسده لا تسمح له ٳلا بنهاية وحيدة الموت٬ تمنى لو بإمكانه التحول لكائن اخر أيا كان٬ أن يغير جلده أن يكون شجرة ٬ أو حتى قرد فوق نفس الشجرة يتقافز بين أقرانه٬ يتخيل أنه موجة أو نجمة لا ينطفئ بريقها أفكارغبية يعجز عن الفكاك منها.
الزمن كان معضلته منذ أن انزلق من بطن دوروتي٬جاء دون انذار مسبق٬ انزلق من بطنها ذات صبيحة كانت كعادتها تعرض صينية الأسماك في سوق النيجر٬ تحملها فوق رأسها و تحوم بها بين الدكاكين٬ كان مخاضا يسيرا فقبله جاء كوليبالي أداما.. كادياتو.. مامادو .. و كريستل ولادتها الخامسة أو السادسة الأرقام لا تهمه اﻵن٬ الترتيب غير مهم أيضا٬ المهم أنه جاء. أراد أن يعرف المزيد عن مولده لكن لا شيء٬ بحث كثيرا بلا جدوى ..جاء مولده كحدث عابر٬لا أحد يتذكره أنجبت أمه بعده ساران .. داودا.... وباكار٬ قضى طفولته في سوق النجر ينط بين الحفر خلف أمه٬ لا يتذكر غير رائحة السمك الملتصقة بجلده والممتزجة بعرقه٬ كأنها جزء منه. والده سيديبي سيلا يقضي أيامه محني الظهر على قطع الخشب يشقها نصفين ٬ يبردها يكشطها تتضاءل بين كفيه تتشكل بين أصابعه هيئة ما٬ تأخذ شكل امرأة ناضجة ٬ أنامله المتمرسة لاتفوت تفصيلة واحدة ٬ يصقلها يضع اخر لمساته عليها ٬ يدهنها تبدو لامعة ٬ثم تنتهي ﺈلى الحزانة كحال أعماله الفنية الكثيرة٬ التي لا تأتي بالفرنكات لا يعرف قيمتها غيره٬بعد أن ترك الجيش استقر في كينديا مسقط رأسه٬ كان يجمع الملح الخشن تحت الشمس الحارقة٬ هناك تعرف على دوروتي أم أولاده اﻵن٬ يقول أنها أحبها من أول نظرة ٬لكنه ظل صامتا وعابسا مخافة أن ترفضه٬ لا يحرك ساكنا أمام كل محاولاتها التي باءت بالفشل إلى أن استجمع كل قواه ذات ليلة و اعترف لها بحبه ٬ وسط حقول أشجار المانجروف اليابسة أنجبت كوليبالي كانت تحتطب عندما باغتها المخاض٬التمست مكاناظليلا جرت جسدها جرا نحوه٬ ثم تمددت و أطلقت العنان لصرخاتها

حتى في زحمة سوق النيجر يشعر أنه غريب عن الناس حتى عن نفسه٬ لا أحد يستوعبه غير فاطوماتو باري٬ فاطوماتو المنغرسة داخله كان بيتها يقع في نهاية الزقاق الذي يسكنه٬ زقاق ضيق يتسع تدريجيا ثم يعود للانحسار شيئًا فشيئًا وينتهي إلى باب فوفانا ٬ الزقاق تتوسطه ساحة حيث جوارير المياه مصفوفة و بضع قدور حول المواقد٬ هناك كانت تمضي أيامه٬ الأمهات متحلقات حول الغسيل يفركنه ويدعكنه بأيديهن٬ و البنات يتمرغن في البرك الطينية ويلاحقن فقاقيع الصابون المنسلة من الغسيل والواقعة على الأرض .فاطوماتو تدق الفلفل الأحمر في المهراس الخشبي تدكه دكا ٬وتمده لأمها المنهمكة بفتل الأتيكي. كوليبالي يطلي الجدارالخارجي للبيت٬ يعمل بلا هوادة٬ يسد الثقوب أمام القوارض التي تتسلل إلى كل مكان٬يزيل العوالق الخشنة عن السقف يقول أنه في موسم الأمطار قد تسقط فوق رؤوسنا بفعل الرياح٬ الجدة أي بوبو شمرت على ساعديها تقشرجدور المانيوك في صمت وترميها فوق الحصيركأنها تتخلص منها وترمي الفضلات في المجاري التي تُلُفِّظَ بدورها في البحر٬ أكوام من الفضلات رائحتها تلسع أنوفنا٬ عندما تنتهي قبل المغيب تطوف على الجيران كعادتها تتفقد أحوالهم ثم تعود لتستند على الجدار و تراقبنا .
فاطوماتو الحلم. ..تلك البعيدة القريبة ٬ يتذكر كيف بصق عليها يوم أخبرته أنها حامل٬ حتى قبل أن تبدأ كلامها بصق على وجهها صفعها و طردها ككلب أجرب ٬ لطالما أحب العلاقات المريحة٬ رحلت دون أن تلتفت دون أن تنبس ببنت شفة٬ يشعراﻵن أنه ناقص بدونها ..لم يدرك تعلقه بها ﺈلى أن اختفت للأبد٬ كأنها تبخرت٬ أشيع أنها رحلت عبر الصحراء مع المهاجرين باتجاه الجزائر ومنها لأوربا٬ و أشيع أنها اختطفت من قبل جماعات المسلحة٬ و قيل أنها قتلت في اشتباكات بين قطاع الطرق ٬وقيل أنهاخادمة في دول الخليج ٬ يفتح فمه ثم يغلقه ببطء كأنه ينبس بشيء ما ... لا أسمعه..
تركته هناك يقلب صفحات ماضيه٬ سرت بمحاذاة السيارات تنبهني مزامير بعضها ٬ لأتجنب الاصدام٬ لا رصيف للراجلين.. عمارات كبيرة..واجهة بنك......مكتبة..... كل البنايات محاطة بسور٬ و على السور سياج٬ وعلى كل بوابة حارس امن أو أكثر
في السوق الأسعار جنونية منتجات من كل البلدان حليب اسباني ....زيت- ايطالي... توابل هندية... عمال أجانب...أدوية من كل بقاع العالم ... لاشيء محلي غير الجدران



#بشرى_رسوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمر كاردينالي 2
- أحمر كاردينالي
- اعترافات كرسي الانتظار
- رأس فوق السحاب ...جسد في الوحل
- الموت عادل الحياة غير عادلة
- الخطيئة 2
- الخطيئة 1
- جزيرة الشيطان
- دار يسر
- بنت البولفار
- بنت البولفار3
- الشبه منحرف
- بنت البولفار2
- بنت البولفار1
- غرند-مى
- ذكريات ماتيلد
- الحيوات الثلاث ل أنطوان أناكرسيس
- ثرثرة المنسج
- د الجزيري بين تكريس مفهوم النخبة و الهروب الدائري
- ضحكة الأشرار


المزيد.....




- مراكش.. المدينة الحمراء تجمع شعراء العالم وتعبر بهم إلى عالم ...
- حرمان مغني الراب الإيراني المحكوم عليه بالإعدام من الهاتف
- فيلم -العار- يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي ...
- محكمة استئناف تؤيد أمرا للكشف عن نفقات مشاهدة الأفلام وتناول ...
- مصر.. الفنانة دينا الشربيني تحسم الجدل حول ارتباطها بالإعلام ...
- -مرّوكِية حارة-لهشام العسري في القاعات السينمائية المغربية ب ...
- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...
- معرض -بث حي-.. لوحات فنية تجسد -كل أنواع الموت- في حرب إسرائ ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشرى رسوان - حقول المانجروف