أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشرى رسوان - أحمر كاردينالي 2















المزيد.....

أحمر كاردينالي 2


بشرى رسوان

الحوار المتمدن-العدد: 7203 - 2022 / 3 / 27 - 02:11
المحور: الادب والفن
    


أتذكرها اﻵن كل تلك السنوات كل تلك الأيام الطويلة٬ كل تلك الليالي٬ كل تلك الخرائب التي زرتها٬ كل تلك الأشجار التي تعلقت يوما بها٬ كل تلك الأحجار التي قذفتها باتجاه الريح كل تلك الأغصان التي تشابكت في رأسي...
قبل أن تدب الحياة في الدوار أيقظتني أمي٬ كنت أغط في حلم بعيد٬ حتى قبل أن أستعيد وعيي بالكامل فركتْ وجهي بالماء البارد٬ مدتني بمنشفة مخططة٬ مسحتْ قطرات الماء عن وجهي٬ ألبستني تنورة طويلة و سروال ٬ووضعتْ على شعري شال زهري اللون وصندل بلاستكي أزرق شيء يشبه قوس قزح٬ أشياء سترافقني لأيام كثيرة قادمة ٬وضعتْ لماستها الأخيرة على مظهري٬لباسي لا يختلف كثيرا عن فستان حليمة المزركش بالكثير من الورود الصفراء والحمراء ٬ معقود بحزام عند الخصر وشال أسود معقود حول عنقها ٬ ضفيرتها متدلية من الخلف بدت ككرة صوف٬مليكة بفستان أزرق بخطوط أفقية زرقاءو بحذاء بني٬ دللتني أمي حد الترف على غير العادة ٬أمسكتْ يدي شدتْ عليهابقوة خرجنا من البيت ٬سلكنا الالتواءات الجبلية ﺈلى الهضبة٬ لاحت أمامنا المئدنة الخضراء بمعزل عن الدوار ٬ سمعت وقع أقدام حليمة ومليكة خلفنا٬ ألتفتتۡ نحوهما أخرجتۡ لساني٬ (مسمومة) شتمني مليكة تشبتتۡ بيد أمي لا أرد ٬ برقة بالغة احتوتْ وجهي بين كفيها قالت لي «ما تديريش القباحة وسمعي لهدرة »٬سأتعلم في المسيد مع أقراني وينتهي زمن الحصار الذي تفرضة جدتي.يومها استمرالفقيه بالتحديق بي طويلا وطرح أسئلة كثيرة لاشباع فضوله المفرط «أنتِ بنت الفقيه أليس كذلك ؟» تحايدت الرد و كأن الحديث لا يعنيني٬ كنتۡ أجهل قصده نوعا ما ٬قلت له بصوت خافت و بنصف اهتمام« أنا ابنة جدتي فاطنة بنت دريس» أعاد سؤاله قاطعته بحدة«أنا ابنة فاطنة بنت دريس» كنت ابنتها لحد النخاع٬ أكتشفت الأمر لاحقا بعدها بعدة أعوام ٬أنني أحمل جيناتها حتى صداع رأسها ونقيرها ٬تجاوزتۡ نظراته الفضولية ٬استدرت حجزت مكاني بين بنات خالي٬أزحتۡ ساق حليمة دفعتهاوحشرتۡ نفسي بينهما٬لكنه ظل ينبش في رماد الماضي من دون حياء يربط الأشياء ببعضها٬ الفضول يأكله من الداخل يمضغ سيرتي ويجترها في أوقات فراغه٬لكن بلا جدوى لا أحد يطفئه.
خلف سي أحمد الفقيه نتصايح و نتقافز نحمل ألواحنا السوداء وقلوبنا البيضاء٬ ونركض مع أولادالدوار٬ كل شيء يضج بالسعادة٬... نضحك من كل شيء و على كل شيء٬ السعادة تحتاج فقط لقلب أبيض ربما لا أملكه أنا اﻵن ٬ الجميل في الماضي أنه لا يمكنك أن تكرره أبدايأتي بنسخة وحيدة متفردة . الجامع أراهﻵن في رأسي بوضوح غرفة صغيرة ملحقةبالقاعة الكبيرة المخصصة للصلاة٬ بحصير أصفر من القش٬ البناء قديم جدا٬ الشقوق تمتد من أعلى السقف ﺈلى أسفله٬ الرطوبة غطت الجزء الأدنى منه ٬مزيج بين لون الرطوبة و بين صفار الصباغة المقشرة٬ على الجدار علقت مسبحة عتيقة برتقالية طويلة٬ وفي الجهة الأخرى جلباب الفقيه٬ أما الزواية الخلفية فخصصت لبضع أواني طينية ٬ كان السي احمد يفترش هيدورة و يضع وسادة خلف ظهره ووسادة أخرى تحت مرفقه الأيسرﺈلى جانبها عصا طويلة ممدة على الأرض٬ لا تخلو جيوبه من الفاكية فيمضغها بين الحين و الاخر٬ الجهة اليمنى من المسيد للذكور و الجانب الأيسر منه للاناث.
في كل صباح أمام عتبة بوابة المسجد نضع نعالنا ثم نتحلق حول الفقيه ٬ نردد ذات السور نتصايح كالديوك٬ يلقننا الفقيه الأيات ﺈلى أن تنقش على صدورنا ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ﴿١﴾ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢﴾ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ............) الأصوات تختلط ببعضهافلا نسمع غير الزعيق٬ حليمة تنام بهدوء ٬تحني رأسها للأمام و تغمض عينيها تحلم بكسرة خبز وكوب لبن طازج٬ يلسعها الفقيه بعصاه لتستفيق من غفوتها المتأخرة«فيقي اسلعفانة جاية تنعسي نعسي في داركم»ثم يعيد ضربها وموجة من البكاء ثم جولة من التمرغ على الأرض بطريقة كاريكاتورية يهتز الأولاد بالضحك٬ يقاطعهم الفقيه «أسكت أنت واياه يا الحمار»و يضيف بحدة «نوضيي من تبوحيط أسلعفانة» ويلكزها الفقيه تنهض متثاقلة نحو الزواية ٬و تبدأ بالانتحاب نجبر على سماع أهاتها ونحيبها وتمتمتها المكتومة٬العفريتةمليكة تلاحق كل شيء٬تهرول كالمجنونة ٬ لا تتوقف عن الركل والنتف والجر٬ لاأحد يسلم من يديها ولسانهاالسليط٬ تسرق اللوح من ولد حادة ٬ تباغته خارج المسيد٬ ثم بخفة تجمع الحجر في حجرها٬ تقذف بها على رؤوس الأولاد أرجلهم و ظهورهم كالرماح٬ صنعت مقلاعا من الخشب صوبته نحوأعدائهاو أصدقائها على حد سواء ٬ لا تفوت فرصةللقتال ٬ تركض بسرعة تتسلح ثم تبدأ هجماتها المفاجئة وتنهال عليهم بوابل من الحجر.
-سيدركون مع من يعبتون... ( أولاد لحرام اليوم نفقلق باباهم لراس..شتي هذاك بوراس اليوم نوعتو نخلي دمو يشرشر
-اصكعة غ تقتلنا جدة بالعصا ٬تهز كتفيها وتنشغل عني بحربها غير عابئة بنا
-أمسكِ لسانك ..دعيني و شأني أتدبر أموري مع أولاد الكلاب
تجبرنا على خوض حروب لا ناقة لنا بها ولاجمل ٬ محتالين... .تنعتهم...ما ﺈن يقع فريستها حتى تركله بلا هاودة٬ تمارس ساديتها عليه بلا رحمة٬ نعود مسرعات للخيمة ٬مخافة هجوم مباغت من أولاد الدوار٬ الحروب الطاحنة لا يمكن تفاديها بأية حال.يوميا نحمل البيض البلدي اللبن وخبز الشعير الطري للفقيه٬ نحمل رزمنا الصغيرة و ألواحنا ونركض نحو المئذنة الخضراء. يرافقنا سعيد لهبيل٬ تشده أصواتنا٬ تصله من بعيد فيهب الينا٬ يغمض عينيه ويحرك شفتيه ٬يرفع سبابته للسماء ويتمتم ٬كأنه يكلم نفسه ﺈلى أن يتعب ثم يسحب نفسه سحبا٬ فيركن ﺈلى زواية باب المسجد ويحني رأسه نحو الأرض بلا حراك يتكوم هناك ٬ثم فجأة يهتاج كالوحش مسلوب العقل تتغير قسمات وجهه٬ترتعد فرائسه ينهض على عجل ٬ يهشنا بعصاه كما الباعوض ٬نهرول بعيداعن متناول يده نتفرق مخافة أن تنتهي ضرباته العشوائية على أجسادناالصغيرة٬ يحاول العثور علينا نعدو وراءه ..نختبئ منه بين الأشجار أو خلف السور في زواية المسيد٬ نتحايل عليه ﺈلى أن يستسلم٬ يمضي ﺈلى المجهول حزينا و كئيباينحدرﺈلى أسفل الجبل نراقب ظله ٳلى أن يتبخر٬ كأن الأرض تنشق و تبتلعه .أول مرة سقطت عينايا عليه اهتز قلبي٬ ساورني شعور بالخوف والغرابة كنت أخشى شيئا ما لا أعرفه٬ ثم ألفتۡ حضوره كجزء من أيامي ٬تداول أهل الدوار قصصا كثيرةعنه٬ تناوبوا على سردها قالوا أنه حادث سير هشم الجزء الخلفي من جمجته٬ وقالوا أنه حادث حب ٬ و قالوا أيضا أن زملاء الدراسةدسوا له مادة سامة أعطبت عقله شيئا فشيئا ٬فأعتزل الناس تضاربت الحكايات حوله٬ الناس يثرثرون دوما٬محض خرافات٬ الكلام يشعرهم أنهم أحياء يرزقون٬ ينسيهم مصيرهم البائس ٬يقضي نهاراته في الطواف حول الدوار٬في الظهيرة بعد أن تكوي الشمس رأسه و أقدامه يتمدد أسفل الجدران و الأشجارو قبل المغيب يعود لبيته الخاوي٬أمه شنقت نفسهاذات مساء وجد جثتها معلقة على غصن شجرة٬عجزت عن مواصلة حياتها

كنا نلبس تقريبا ذات الملابس لا نملك الكثير٬بضع تَنانِير بألوان كثيرة وسترات ثقيلة ملابس داخلية اتقاء للبرد٬ عند عودتنا من الجامع نركض نحو الجدة التي تخض الحليب في ركن الخيمة٬ تلفحنا رائحة الخبز الساخن واللبن الطازج٬ تطعمنا كما كتاكيتها بسعادة٬ تنهرنا «اذهبن لكنس الحظيرة و توقفن عن الشجار٬أخرجن الماعز للرعي و اجلبن الماء من الشريشيرة٬ ﺈياكن و الاقتراب من ولد علي الهبيل ترمي لنا بالرفش «للي ما تيخيط كساتو، وما يطيب غذاتو، وما يحلب شاتو موتو حسن من حياتو.»عبثا تذهب وصايها . في الزريبة أمسكنني حليمة مليكة و أسيا مرغن وجهي في الوحل في الروث٬امتطتني مليكة وغرست رأسي في زبل البهايم ألصقته٬ رائحته زكمت أنفي ذراته توزعت في صدري٬ لا أدري ماالذي يحدث حولي٬ركلت حليمة برجلي و نهضت أمسكت مليكة من شعرها ولففته بيد و غرست أظافري في عنقها٬ ثم خلعت فردت حذائي ورميتها بها ٬خرجت مسرعة نحو حضن أمي العالية أئن من الوجع٬ملطخة بالروث ٬ نفضته عن جسدي أعادتْ ترتيب شعري ومضت تعجن الخبز وتحمي الفرن٬ بأعواد الخشب الشال الأزرق المعقود حول رأسها و الثوب الطويل من الكتان الحائل اللون تشده حول خصرها ٬ تتحرك أناملها لتحضير صينية الشاي وتضعها أمام جدتي ٬ في أيام الأحاد أيام السوق تخبز المسمن على الفراح* مسمن مقرمش تدهنه بالسمن والعسل٬ تسلق البيض البلدي٬ تشحرالشاي بالنعناع الأخضرو الشيبة٬ أنا كنت أجلس في حضنها أقضم كسرة رغيف٬ لا تتذمر أبدا و لا تتشك



#بشرى_رسوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمر كاردينالي
- اعترافات كرسي الانتظار
- رأس فوق السحاب ...جسد في الوحل
- الموت عادل الحياة غير عادلة
- الخطيئة 2
- الخطيئة 1
- جزيرة الشيطان
- دار يسر
- بنت البولفار
- بنت البولفار3
- الشبه منحرف
- بنت البولفار2
- بنت البولفار1
- غرند-مى
- ذكريات ماتيلد
- الحيوات الثلاث ل أنطوان أناكرسيس
- ثرثرة المنسج
- د الجزيري بين تكريس مفهوم النخبة و الهروب الدائري
- ضحكة الأشرار
- حنا


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشرى رسوان - أحمر كاردينالي 2