|
امكنة لم تتدثر بعباءة باشلار / الجزء الثاني
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7758 - 2023 / 10 / 8 - 23:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ا ( ٨ ) في فترة لاحقة من تطور منظومة الفكر الديني التحق مفهوم : " شعب الله المختار " بها . فعمل مع مفهومي : الولاء والبراء ، على مساندة مفهوم حيازة الدين اليهودي للحقيقة وحده دون سواه . فتكوّن من هذا اللقاء منظومة فكرية متساندة . يسند كل مفهوم منها المفهومين الآخرين ويؤيد صحتهما ، بهذه الطريقة عملت المنظومات الفكرية للحضارات الزراعية التي لا تستطيع البرهنة على اطروحاتها وفرضياتها ، ففي ذلك الوقت الذي تفصلنا عنه فترة زمنية طويلة ( ما يقرب من ثلاثة آلآف عام ) لا أحد : لا من اهل السماء ، ولا من اهل الارض يعرف شيئاً عن تكنولوجيا التصوير ، لكي يصور واقعة الاختيار ، ولم يسجل احد الحوار الذي دار بين الاله " يهوه " وبين ممثلي الشعب اليهودي اثناء الاحتفال بتلك الواقعة البهيجة : لقد احتار المؤرخون لاحقاً الذين يرفض علمهم التاربخي اثبات صحة وقوع حادثة اختيار " يهوه " لشعبه وتفضيله ايّاه على باقي شعوب الارض : من غير وثيقة تدل على تلك الواقعة . هل يتنازل المؤرخون عن الوثيقة كشرط علمي لاثبات حدوث واقعة ما : اكراماً لعيون " يهوه " أو اكراماً لعيون القبائل البدوية اليهودية . لا تجد اطروحات الحضارة الزراعية سنداً لها في احداث التاربخ ، ولا يمكن لاي شيء مهما كان حسبه او نسبه ، ان يثبت صحة واقعة اختيار الله لشعبه من بين شعوب الارض ( تثبت مفاهيم الحضارة الزراعية صحتها : فقط حين تتحول من عالم الفنطازيا واللامعقول الى عالم الحضارة الصناعية المعقول : وهو عالَم ملوس ومُشاهَد وعياني ، وقدم برهاناً على كل شيء فيه : من استخراج مختلف الثروات من باطن الارض الى حقيقة وجود الكهرباء الى الطيران الى الانشطار النووي الى غزو الفضاء الى المكان الافتراصي الذي يضم الآن معظم الاسرار السياسية والتكنولوجية والفضاء الخارجي ) فاثبات صحة الحدوث : هو الشرط الذي يفرضه عالم الحضارة الصناعية على عالم الحضارة الزراعية لكي يجيز استخدام مفاهيمه . ولان عالم الحضارة الزراعية لم يستطع تقديم الدليل الملموس على صحة امكان حمل المرأة من غير رجل ، او امكان النفخ في هيئة الطير باسم الرب " يهوه " لتصطفق اجنحتها وتطير ، ظلت مجرد مفاهيم اخبارية تنتمي الى الازمنة الشفاهية ( اللاكتابية ) التي كانت فيها المعرفة تنتقل عبر السند : قال فلان عن فلان عن علان ، وصولاً الى الرأس المنشيء للحكاية ، لكن تم التصديق بها فعلا من قبل قبائل البدو العربية ومن الكثير من شعوب الارض ، بعد ان تم غزوها وفتح اراضيها ومدنها ، فالمعرفة التي تم نشرها في الحضارة الزراعية تم نشرها بالسيف ، واجبر الناس على الاعتقاد بها : على انها معرفة مقدسة جاء بها الانبياء من عالم الغيب ... ٩ ) يقوم الانبياء وفق نظرية المعرفة الدينية الشرق اوسطية : - بنقل المعرفة من عالم الغيب الى البشر ، ومفهوم : شعب الله المختار يشبه المفاهيم الزراعية والاقتصادية والطبية التي ارسلها الله ببريد انبيائه الى البشر : بل هو ارفعها واجلها مقاماً ، لانه يتعلق باختيار الله لمجموعة احبابه من البشر الذين يشعر من دونهم بالوحشة والكآبة ، وتملأ اخبار حروبهم وغزواتهم وسبي النساء المتبادل ومفاخذتهن : تملأ اعطافه بالبهجة والسرور . كانت المعرفة يتم انتاجها في الشرق الاوسط القديم في بيوت الله ، واستمر هذا التقليد الى اليوم ، فما زالت شؤون الحياة الاساسية تديرها فتاوى الفقهاء انطلاقاً من مفاهيم طائفية وعنصرية وخرافية . وهي تجربة خاصة بالشرق الاوسط : تدخل فيها آسيا الصغرى وتركيا ولا تدخل فيها اليونان التي لم يخرج الاسكندر المقدوني منها ٣٣٥ ق.م ، متجهاً الى الشرق ( بابل وبلاد فارس) يبشر برسالة دينية ... ( ١٠ ) في اكاديميات الحضارة الزراعية التي هي اساساً بيوت الله ، تم انتاج معرفة شاملة ملأت نتائج بحوثها : الافق الثقافي بالمفاهيم الدينية والسباسية والاجتماعية (المدراش والتلمود اليهوديان ، اللاهوت المسيحي ، الفقه وعلوم القرآن الاسلامية ) فحين يستقر الانسان ، فأنه لا يستطيع الاستمرار بالبقاء مستقراً دون معرفة علمية ( وليست خرافية ) بواقع الحياة من حوله لانتاج غذائه ، وانتاج ضروريات العيش الاخرى ، وحين لا يتمكن من انتاج هذه المعرفة الضرورية : يهاجر ( وهذا سبب اساس في هجرات الشعوب والقبائل الضخمة : الهندو اوربية والقبائل العربية والمغولية والتركية ) ولكن الانسان تعوّدَ ان يخفي دوافعه الحقيقية ( تعود ان يخفي غرائزه بأقنعة ثقيلة من الدوافع الانسانية : انه لا يتحدث عن اطماعه : بل عن طموحه في " انقاذ الجنس البشري " او " انقاذ الانسانية " ) وراء ستار كثيف من مفاهيم التضحية والفداء ، متحدثا عن اوامر الاله لللقيام بغزو الشعوب الاخرى لهدايتها . وفي غزوات " الانقاذ " هذه ، يكون الانبياء الموهوبون عسكرياً قادتهم ( ومعظم انبياء القبائل الاسرائيلية ، وما اكثرهم في التوراة : يكتفون بالهذيان الشعري ، لكن الجميل ) . وكانت شعوب الشرق الاوسط القديمة التي لم يخرج من بين صفوفها انبياء ويجيؤون لها بالمعرفة اامقدسة من عالم الغيب يتم تسميتها بالڜعوب الامية او الشعوب الجاهلية ، وهي التسمية التي لحقت بالعرب قبل الاسلام . لقد نجح اليهود في صراعهم الثقافي مع القبائل العربية في نشر نظرية الارتباط الضروري بين النبوّة وبين المعرفة ، مما جعل عرب يثرب ( المدينة ) يتحرقون شوقاً الى ان يُبعَث فيهم نبيٌ من بين صفوفهم . وكان الشعب اليهودي هو الشعب الوحيد من بين شعوب المنطقة الذي يزخر تاريخه بالانبياء ، وبناء على ذلك يكون اليهود : هم وحدهم اصحاب المعرفة الصحيحة والصادقة ، اما المعرفة التي تأتي عن طريق آخر غير طريق النبوة : فهي معرفة مشعوذين وشياطين : كاذبة وغير صادقة . ولولا النبوّة لما حصل العرب على المعرفة التي منحتهم قدرة منافسة اليهود ، الذين لا منافس لهم في عالم المعرفة وقتذاك . قد لا نجد اخباراً مفصلة وافكاراً مبوّبة على شكل فصول عن الثقافة والصراع الثقافي في كتابات الطبري وابن كثير والمسعودي ، ولكن يمكن ان نجد لها صدىً في هذه المؤلفات ، وفي غيرها من المؤلفات التي تناولت الغزوات والطبقات ... ومن هذه الفكرة ؛ فكرة شعب الله المختار : تسربت افكار العنصرية والشوفينية ، والكثير من افكار المركزية والنرجسية وحب الذات ، وما يدعو اليه البعض في ايامنا من تكوين : حكومات او احزاب انقاذ ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمكنة من غير عباءة باشلار ١ من ٢
-
اللهجة التونسية
-
الشابي وابو رقيبة والعفيف الاخضر وفتحي المسكيني
-
عن كريم العراقي والشعر الغنائي
-
تونس العاصمة
-
اقصوصة
-
الجنوب والاساطير ووظيفة الدين السومري ( 9 )
-
اركض بلا تعب في برية افكاري
-
الجنوب واله المدينة والشريعة ( 8 )
-
الجنوب والدولة القومية ( 7 )
-
لقد امر السلطان العثماني : اردوغان بهذا ، فماذا انتم فاعلون
-
الجنوب ( 6 ) / الجنوب ومفهوم الدولة الحديثة
-
الجنوب / 5 ، الجنوب والفعل الحضاري
-
الجنوب ( 4 ) الجنوب والسوق - الى حقي الرفاعي
-
الجنوب / 3 : السوق والهويات
-
الجنوب ( 2 ) الى : حقي الرفاعي
-
الجنوب ( 1 ) الى الصديق حقي الرفاعي
-
هل يوجد مجتمع سياسي حديث في العراق ؟ الجزء الرابع
-
سلم رواتب شعبين لا شعب واحد
-
اوهام الاغلبية ، الجزء الثالث من مقالنا عن : قيادة مقتدى الص
...
المزيد.....
-
فيديو.. إصابات في إطلاق نار في حي يهودي في نيويورك
-
يسرائيل هيوم: أنباء عن 7 مصابين في حادث إطلاق نار بحي يهودي
...
-
3 قتلى في إطلاق نار بحي يهودي في نيويورك
-
راهبة أمريكية: حماس حركة مقاومة تدافع عن شعبها.. والمسيحيون
...
-
الاحتلال يغلق مدخل سلفيت الشمالي
-
الحاخام الأكبر لليهود السفارديم في -إسرائيل- يهاجم نتنياهو و
...
-
كنائس بروتستانتية تدعو الحكومة الهولندية للاعتراف بدولة فلسط
...
-
الرئيس السوري يؤكد دور الكنيسة في ترسيخ أواصر المواطنة والوح
...
-
إيهود باراك: نتنياهو يكذب كما يتنفس.. وترامب لا يفهم شيئا في
...
-
راهبة أميركية: حماس حركة مقاومة والمسيحيون يعانون بسبب الاحت
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|