أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الجنوب ( 4 ) الجنوب والسوق - الى حقي الرفاعي















المزيد.....

الجنوب ( 4 ) الجنوب والسوق - الى حقي الرفاعي


اسماعيل شاكر الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 7674 - 2023 / 7 / 16 - 19:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الجنوب ( 4 )
الجنوب والسوق
الى / حقي الرفاعي

( آ )
ما زال سوق الجنوب يضج بعادات وتقاليد وتشريعات اسواق حضارات انقرضت ، وهذا ما سبب للجنوبيين النكد وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي . ولكي يعيش الجنوبيون حياتهم بسلام ولا يتعرضون لعدوان خارجي مرة اخرى : عليهم ان يحترموا المعايير العامة للعيش في سوق الحضارة الصناعية . اذ لا يمكن لقوانين واعراف الحضارة الزراعية المتمسكين بوراثتها ، ان تنجح في العبور بهم الى عالم الحضارة الصناعية المتحرك . قوانين الحضارات الزراعية التي ورثوها ثابتة لا يجوز تغييرها لانها في عرفهم مقدسة : وقانون الحضارة الصناعية الاساسي هو التغير وليس الثبات . لان طبيعية الاشياء التي تتركب منها بنيتها الحضارية : من السلطات السياسية والاقتصاد الى النظريات والمفاهيم والمختبرات العلمية : هي الحركة لا السكون . انها حضارة تستمر في الوجود بقدر ما تستمر بالحفر : في الماضي ، في باطن الارض ، في اعماق السماء ، في الحفر على المنتوجات ، في تركيب معادلات رياضية وعلمية جديدة لتفكيك ما تمت صناعته ، واعادة تشكيله وابداع الجديد منه . وما ان تتوقف هذه الحضارة عن الحفر والتفكيك حتى تنطفيء وتموت . انها بنية من الثورات المتلاحقة : الاقتصادية والفكرية والتكنولوجية والعلمية والسياسية والفنية ، وهي تعيش صراعاً مستمراً مع البيئة ، ومع الطبيعة ، ولم يسلم من فضولها العلمي حتى نجوم ومجرات الكون الاولى بعد الانفجار العظيم ، قبل مليارات السنين …
( ب )
مع ذلك فان الحضارات تتشابه في شيء اساسي : هو ان وجودها جميعاً مرتبط بالممارسة الجماعية لمعطياتها . لا يمكن اختزال الحضارة بفرد واحد مهما كان علو كعبه في عالم المال والاعمال او في عالم الاختراع والابداع التكنولوجي : الحضارة اكبر واوسع واكثر تعقيداً من مكوناتها ، ولهذا لا يمكن مطابقة الحضارة بعالم رياضيات او فيزياء او بيولوجيا او كيمياء ، ولا يمكن لصوت فلسفي او شعري او فني او ديني او قانوني تمثيلها . انها فعل وممارسة جماعية لا فردية ، وتتشكل بنيتها من مجموع المعطيات الفكرية لهؤلاء العلماء والفلاسفة والادباء والفنانين والفقهاء الى جانب المعطيات المادية لسواعد الملايين من المزارعين والعمال والمكتشفين والمبدعين والمبتكرين والمنتجين والمهندسين في المعامل والحقول والمختبرات ومراكز الابحاث . قد يكون مَن اكتشف معارف الثورة الزراعية فرد واحد او عائلة او بطن عشائري ، ولكن الثورة الزراعية لم تتحول الى حضارة الّا بعد انتشارها ، وممارستها من قبل الملايين ، بحضور واشراف مباشرين من دولة كانت قد تكونت بتوجيه من مسلمات دينية ، اوحى الله بها الى انبياء شعبه المختار - لتكون شريعتهم التي تنير دروبهم في الحياة . وهذه الشريعة يجب تقديسها والتقيد باحكامها من قبل الامة على مر الزمان . لم تخرج الحضارة العربية الاسلامية التي سيرث الجنوب احكامها ، عن هذا الاطار التاريخي . اذ ابتدأت بتبشير ديني من قبل رجل واحد هو النبي محمد ، الّا ان هذا التبشير لم يتحول الى حضارة الّا بعد ان تكونت دولة دينية اندفعت جيوشها خارج حدود شبه الجزيرة العربية ، فارتبطت عبادة الدين بشعوب كثيرة : بدأت تعمل وتنتج تحت اشراف قوانين وتشريعات الدولة الاسلامية . والحقيقة ان جميع دول الديانات المختلفة أخذت في التاريخ الشكل الامبراطوري وضمت ثقافات واثنيات ولغات مختلفة ، فالمسيحية اصبحت ديانة الامبراطورية الرومانية بعد حكم الامبراطور قسطنطين 337 م ، واسماء الامبراطوريات الاسلامية متعددة . ومثلما تتشابه الحضارات في كونها ممارسة جماعة ، فكذلك دول الديانات لا بد وان تأخذ الشكل الامبراطوري : ففي هذا الشكل الدولَتي تتضافر وتتساند قوة الدين الروحية المندفعة بعنفوان الى الخارج لهداية الشعوب الاخرى ، بقوة المؤسسة العسكرية : التي ستكون الاداة التنفيذية لقوة الروح الدينية عن طريق الغزو ، وفرض شريعة الرب على الشعوب الاخرى ، التي ستعبّرَ عن طاعتها بتمويل عمليات دولة الله العسكرية بما تدفعه من خراج ( ضريبة الارض ) والجزية ( الضريبة المفروضة على غير المسلم ) . شجعت الثورة الصناعية 1760 م ، التطور العلمي ، وساندت قوى الثورة الصناعية من البرجوازيين والمستثمرين تأسيس احزاب وتياراتٍ سياسية جديدة غير دينية لازاحة العقبات والعراقيل التي خلفتها الدولة الدينية على شكل قوانين وتشريعات خنقت حرية البشر وضيّقت على خيالهم وتفكيرهم لقرون طويلة . وعلى مدى قرنين من الصراع نجحت البرجوازية في زحزحة قوانين وتشريعات الرب وازالتها من التحكم برقاب الناس وكتبت بدلاً منها : مدونة قانونية جديدة على شكل دستور : خطته انامل البشر وليس انامل الغيب . لن يستطيع الجنوبيون عبور الحاجز الفاصل بين الحضارتين الزراعية والصناعية : من غير ازاحة كل ما ورثه الجنوب من قوانين وتشريعات واحكام عن تلك الامبراطوريات الدينية . ومع عظمة التضحيات التي قدمها الجنوبيون في انتفاضتهم المجيدة في تشرين 2019 ، الّا اننا لم نلمس اثراً في برامجهم لمسعى الانتقال الى افق حضاري جديد ، ولا في برامج من تخرج من صفوف انتفاضة تشرين وادعى تمثيلها : فجميعهم باركوا العملية السياسية ، ورفعوا معها ، وان بصوت خفيض سعار : الاسلام هو الحل …
( ج )
ان التفكير ببناء اسواق بمواصفات حضارات انقرضت لا يمنح للجنوب الاستقرار . لن يستقر الجنوب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً الّا باستخدام طرق تفكير الحضارة القائمة الآن . اذا اصر الجنوب على استخدام مناهج تفكير غير ما جاءت به الحضارة الصناعية من مناهج علمية : فهذا يعني انه راغب باستمرار الحال على ما هو عليه الآن من الغطس التدريجي في مستنقع التخلف : الذي هو خليط من فوضى المصالح والامزجة والتأويلات المتضاربة . كما ويشير هذا الاصرار الى وجود نيّة ميتة للاصطدام بالحضارة الصناعية القائمة . وماذا بعد الاصطدام وبعد اشعال الحرب ؟ ما البديل في حالة انتصار المتخلفين ، هل يملكون بديلاً حضارياً جاهزاً ، كانوا قد مارسوه لزمن طويل واثبتَ تفوقه على حضارة الصناعة الرأسمالية : من حيث مفاهيمه السياسية ومن حيث مؤسسات الانتاجية وآليات اشتغال دولته . بغياب مناهج الحضارة الصناعية : لا يتبقى امام الجنوب - اذا فكر بحل مشاكله - الّا الانتحار على الطريقة البدوية لصدام حسين الذي كان عليه ان يفكر ببناء قوة اقتصادية وعسكرية اعظم مما هو موجود في امريكا ، قبل ان يفكر بمنازلتها عسكرياً . فمن يفكر بالحرب عليه ان يكون قد ارسى دعائم النصر لا الهزيمة …



#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجنوب / 3 : السوق والهويات
- الجنوب ( 2 ) الى : حقي الرفاعي
- الجنوب ( 1 ) الى الصديق حقي الرفاعي
- هل يوجد مجتمع سياسي حديث في العراق ؟ الجزء الرابع
- سلم رواتب شعبين لا شعب واحد
- اوهام الاغلبية ، الجزء الثالث من مقالنا عن : قيادة مقتدى الص ...
- الجزء الثاني من : في قيادة مقتدى الصدر
- عن تجربة مقتدى الصدر في القيادة
- قوات العم السريع السودانية والحشد الشعبي العراقي
- في سياسة رئيس مجلس الوزراء العراقي
- عيد العمال العالمي
- واهداني الكاتب احمد الفارابي هدية العيد
- هل كانت امريكا هي التي تثير التناقضات الطائفية بين السعودية ...
- - المحتوى الهابط - في طريقة اختيار رئيس مجلس الوزراء العراقي
- اليمين الاسرائيلي واليمين الفلسطيني وجهان لعملة واحدة
- القوّة وحدها تملك امكانية تسمية الامكنة
- في العام الجديد ( 2 ) المستوى السياسي
- في العام الجديد
- تسريبات الصحافي علي فاضل وشكل الحكم القادم في العراق .
- هل هي صورة مجرم ام صورة لفائز بجائزة ؟


المزيد.....




- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا لـ-حزب الله- في جنوب لبنان (فيد ...
- مسؤول قطري كبير يكشف كواليس مفاوضات حرب غزة والجهة التي تعطل ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع ومظاهرات في إسرائيل ضد حكومة ن ...
- كبح العطس: هل هو خطير حقا أم أنه مجرد قصة رعب من نسج الخيال؟ ...
- الرئيس يعد والحكومة تتهرب.. البرتغال ترفض دفع تعويضات العبود ...
- الجيش البريطاني يخطط للتسلح بصواريخ فرط صوتية محلية الصنع


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الجنوب ( 4 ) الجنوب والسوق - الى حقي الرفاعي