|
في العام الجديد ( 2 ) المستوى السياسي
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7481 - 2023 / 1 / 3 - 13:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سيظل المستنقع السياسي الذي صنعته الاحداث السياسية المتراكمة منذ الاحتلال والسقوط عام 2003 : راكداً ، وسيظلّ العراقيون ، مع كل دورة انتخابية ، يسيرون على النهج ذاته الذي يؤدي الى تأبيد هذا الركود ، باعادة انتخاب الوجوه نفسها التي تَسَبَبَت به . وهي وجوه تعوّدت التخفي خلف قناع الدين . ان اصوات العراقيين ، وليس اصوات كائنات فضائية ، هي مَن رفعت هذه الوجوه المقنعة الى سدة الحكم ، ومنحتهم صلاحية اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وترتيب البيت العراقي من الداخل ، وتحديد مستوى وطرائق العيش فيه...
سيستمر العراقيون على منهج اعلاء شأن اصحاب الاقنعة الذين يظهرون غير ما يضمرون لربع قرن آخر : حتى عام 2050 : وهي السَنة التي سيستغني فيها العالم الصناعي عن طاقة النفط والفحم الحجري الاحفورية ، مستعيضاً عنهما بطاقة نظيفة متجددة ( وقد يتم الاستغناء عن النفط قبل هذا التاريخ بعد اعلان امريكا عن سعيها الى العمل بآلية الاندماج النووي التي سيتولد عنها طاقة هائلة ، اكبر بما لا يقاس من الطاقة الاحفورية بدءً من 2030 ) . ومع معرفة العراقيين بهذه الحقيقة الّا ان كل الدلائل تشير الى استمرارهم بالتمسك بالوجوه السياسية المتخفية خلف الاقنعة الدينية : اصحاب نظرية الدمج : دمج الاميين والمتخلفين ومزوري الشهادات من اعضاء احزابهم بدوائر الدولة ومراكز مؤسساتها . لم يعد باستطاعة العراقيين رؤية الخراب القادم بعد ان صنعوه بانفسهم . فهم لا يرون في مرايا مستقبلهم مَن ينظّم حياتهم افضل : من قيس الخزعلي ، ومقتدى الصدر ، ونوري المالكي وهادي العامري . وتلك واحدة من المفارقات الكبرى التي يعيشها العراقيون : فهم يعرفون الادوار المرسومة لهذه الوجوه المقنعة بقناع الدين من قبل المخابرات الايرانية والحرس الثوري الايراني والمتمثلة بتهريب المال العام العراقي بحجج ( فقهية ) مختلفة الى ايران ، ومع ذلك يستمرون بانتخابهم الى دفة القيادة : فتمعن هذه الوجوه المقنعة بسرقة المال العراقي العام وتهريبه الى ايران لتخفيف الحصار الدولي عنها ، حتى لو ادّى ذلك الى : فرض حصار دولي جديد على فقراء العراق ومتوسطي الدخل .
قد يحدث شيء كبير في ايران ، فثورة الاطاحة بالحجاب تتسع ، وتتسع معها مطالب الشعوب الايرانية التي ارتفعت ، من مطلب الاطاحة بالحجاب الى مطلب الاطاحة بالنظام السياسي الذي فرض الحجاب . لقد زالت الرهبة ، وكسرَ الناس حاجز الخوف من اوهام : ولاية الفقيه ونائب الامام اللتين طلاهما الفقهاء بطلاء المقدس ( والفقه دائماً اجتهاد بشري وليس وحياً منزلاً ) وهذه خطوة تاريخية جبارة في تقدم الوعي السياسي العام لدى الشعوب الايرانية ، تساعد على تجذيرها خلفية ايران الحضارية التي تنتج باستمرار فلاسفة متسائلين وادباء تنويريين وفنانين عظام : في الرسم والنحت والمسرح والسينما والرقص والموسيقى والغناء ...
ولهذا تسبق الشعوبُ الايرانية : شعوبَ المشرق العربي في التمرد على الطغيان : لقد قاموا بثورتين عظيمتين هما : ثورة التنباك ( التبغ ) 1890 ، وثورة المشروطة ( الدستور ) عام 1905 - 1911 ، في الوقت الذي كانت فيه شعوب المشرق العربي في العراق والشام والجزيرة العربية : تغفو في احضان الدولة العثمانية او داخل خيامها البدوية كرعاة وبدو ( وحتى تجربة محمد علي باشا في مصر ، في النصف الاول من القرن التاسع عشر ، لم تكن اكثر من تجربة طاغية مشرقي ، كان يبحث عن كيفية بناء دولة قوية وليس شعباً مصرياً قوياً ، ليهزم مركز الخلافة في اسطنبول ، ويكون هو الخليفة : كان الهدف الذاتي في تجربته يتقدم على هدف التحديث والتنمية والتطوير . ولهذا فشلت جميع تجارب طغاة الانقلابات العسكرية التي جاءت بعده ، ونسجت على منواله في بناء دولة بوليسية قوية مهمتها هزيمة شعوبها وليس تنمية وتقوية شعوبها .. وستفشل تجارب طغاة الجزيرة العربية بقيادة ابن سلمان : لانها ليست اكثر من خدوش على جسد الوعي الظلامي المتراكم منذ مئات السنين ) …
ما يثير القلق في العراق : عدم ايمان المتقنعين بقناع الدين بمفهوم الوطن ، وعدم الاعتراف في الممارسة بالافكار السياسية الحديثة المصاحبة له : كمفاهيم حقوق الانسان والمواطنة والتساوي امام القانون وتكافؤ الفرص . وهم يصرون على رسم سياسات تدفع بالعراق الى الوقوف الى جانب ايران في صراعها مع امريكا والغرب : والاستمرار باختراع الطرق التي تعصف بالاقتصاد العراقي كطريقة : قيام البنك المركزي ببيع الدولار ، وتأسيس المصارف التي تمارس دور غسيل الاموال ، ودفع اعضاء احزابهم الى التكاتف من اجل التساند في العمل على سرقة المال العام وتحويله الى ايران كما حدث في ما تمت تسميته : بسرقة القرن . ان تهريب العملة الصعبة الى ايران يدل على تمسك اصحاب الاقنعة الدينية بمفهوم ولاية الفقيه وجعله المثال الذي يجب محاكاته والنسج على منواله : رغم فشله في ترسيم علاقات دولية مريحة بين ايران وبين دول المنطقة وباقي دول العالم ، وفشله في ادارة الشأن العام الايراني على اسس اقل تشدداً واكثر تسامحاً ، ورغم الفشل الاقتصادي الصارخ المتمثل بانهيار العملة الايرانية وانهيار عملة جميع البلدان التي يدعي قادة ايران بانهم احتلوا عواصمها : مثل بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت …
وهذا الفشل المركب لمفهوم : ولاية الفقيه : السياسي والامني والاقتصادي جعله مفهوماً لا قيمة له في سوق الافكار والمفاهيم السياسية العالمية : فرغم مرور ما يقرب من نصف قرن على ولادة مفهوم : نائب الامام ( او ولاية الفقيه )كنظرية في السلطة السياسية : لم يبنِ شعب او امة في طول الارض وعرضها نظاماً سياسياً في ضوء منها ، ولم يستلهمها في نضاله السياسي : اي فصيل سياسي عالمي ، ولم نسمع ببلد واحد في العالم قام بالثورة لتطبيق نظرية ولاية الفقيه . وذلك يعود لكونها انظرية سياسية في الحكم لطائفة دينية واحدة . لقد رفض العالم تقبلها : وها هو الشعب الايراني نفسه يثور على مساوئها التي تجاوزت حسناتها . انها بالنسبة للشعوب الاخرى : مفهوم غير واقعي وغير عملي في السياسة ، وليس بامكان حتى الساسة الايرانيين استلهامه في تكوين مواقف وقرارات ، لانه ينبذهم ويبعدهم عن تلقي المعرفة من الامام الغائب التي يختص بها رجل واحد وسياسي واحد هو الفقيه نائبه على الارض . هل توجد دكتاتورية اكثر بشاعة من هذه الدكتاتورية التي تقوم على كذبة ، وليس اكثر من كذبة : ولكنها الكذبة التي تسببت باشعال النيران في اربعة بلدان عربية …
يسمح فقهاء الشيعة الاصوليين لانفسهم بوراثة الأئمة : رغم انهم يرددون صباح مساء بان الأئمة كائنات ذات طبيعة نورانية خالصة ، كائنات مخلوقة من مادة اسمى من التراب الذي خُلِقَ منه البشر : لهم قدرات تكوينية تمكنهم من تحقيق المعجزات وتجاوز قوانين الطبيعية والتاريخ : فهم وفق هذا التوصيف يحملون طبيعتين : طبيعة لاهوتية وطبيعة أُنسيّة ، كما لو كانوا ظلاً من ظلال المسيح كما رسم صفاته اللاهوت المسيحي …
لا يستطيع مواطن الحضارة الصناعية الذي تعلم َ ربط النتائج باسبابها ، وتعلمَ اختبار صحة المقولات والفرضيات والنظريات قبل الايمان بها : لا يستطيع هذا المواطن التسليم بوجود قوى غيبية كانت هي السبب وراء هبوط قيمة العملات الوطنية الايرانية والعراقية والسورية واليمنية واللبنانية : لا مجال لفكرة اللاسببية في التطبيق في المجال العلمي الذي يقوم على : العياني والملموس واختبار المفاهيم والنظريات التجريدية في المعادلات الرياضية في العلوم الطبيعية . لا بد من سبب معقول ادّى الى انهيار عملة هذه البلدان : ان السبب وراء هذا الانهيار يعود الى عملاء ايران في هذه البلدان ، الى " الولائيين" الذين اخترعوا ويخترعون الوسائل الكفيلة بتهريب عملة الدولار الى ايران ، لكن بما يضمن لهم حصة في هذا التهريب ، قدَّرها بعض الخبراء بالمليارات وليس بالملايين …
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في العام الجديد
-
تسريبات الصحافي علي فاضل وشكل الحكم القادم في العراق .
-
هل هي صورة مجرم ام صورة لفائز بجائزة ؟
-
بنية الاحزاب الشيعية أم النظام النيابي وراء استمرار العنف في
...
-
بنية الاحزاب الشيعية أَم النظام السياسي النيابي وراء استمرار
...
-
بنية الاحزاب الشيعية أم النظام النيابي وراء العنف في العراق
...
-
النظام النيابي ام البنية الطلئفية وراء عنف الحوار في العراق
...
-
ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثالث
-
ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثاني
-
ثورة المرأة الايرانية
-
نقيضان لا يلتقيان : الحشد والدولة
-
- ناسا - زيارة الى وكالة الفضاء الامريكية
-
عن : سامي مهدي
-
القاتل والمقتول في النار
-
استمرار اللامعقول
-
خضراء العراق وخضراء الدمن
-
يوميات عاشوراء (4) - ليلة الوحشة
-
يوميات عاشوراء ( 3 ) نهار قطع يد العباس
-
حين تجردت من غيومي
-
يوميات عاشوراء ( 2 ) في ليلة الحجة
المزيد.....
-
اجعل أطفالك يمرحون… مع دخول الإجازة اضبط تردد قناة طيور الجن
...
-
ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟
...
-
الرئيس الصيني يؤكد استعداد بلاده لتعزيز التعاون مع الدول الإ
...
-
الاحتلال يشدد إجراءات دخول المسيحيين إلى القدس لإحياء شعائر
...
-
“أحلى أغاني البيبي الصغير” ضبط الآن تردد قناة طيور الجنة بيب
...
-
لماذا تحتفل الطوائف المسيحية بالفصح في تواريخ مختلفة؟
-
هل يستفيد الإسلاميون من التجربة السنغالية؟
-
عمارة الأرض.. -القيم الإسلامية وتأثيرها على الأمن الاجتماعي-
...
-
وزير الخارجية الايراني يصل الى غامبيا للمشاركة في اجتماع منظ
...
-
“يا بااابااا تليفون” .. تردد قناة طيور الجنة 2024 لمتابعة أج
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|