|
بنية الاحزاب الشيعية أَم النظام السياسي النيابي وراء استمرار العنف في العراق - الجزء الثالث
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7408 - 2022 / 10 / 21 - 16:33
المحور:
المجتمع المدني
بنية الاحزاب الشيعية أَم النظام السياسي النيابي وراء استمرار العنف في العراق ؟؟؟ الجزء الثالث 10 - تراكمت في فترة الانتقال من النظم الاستبدادية الى النظام النيابي الديمقراطي : ثورات التنوير السياسية الكبرى ، وثورات شعراء السريالية والدادائية ، وثورات الانطباعية والتنقيطية في الفن ، ونظرية ميكانيكا الكم في الفيزياء ، ومفهوم اللاوعي وعودة المكبوت في التحليل النفسي الفرويدي ، وعودة الاستعمار بأشكال مختلفة : وأقساها حين يتبختر طابوره الخامس ( في العراق ) ويجلس على كرسي الحكم ويزكي العمالة ونهب المال العام . اخبرنا هذا التراكم الانقلابي الشامل بان الثورات اعلاه ، وما افرزته من نظريات ثورية حول الدولة : ككتاب الحرب الاهلية في فرنسا لماركس ، وكتاب الدولة والثورة لفلاديمير اليتش اليانوف ( لنين ) . ويمكن اضافة كتاب آية الله النائيني : " تنبيه الامة وتنزيه الملة " الى قائمة الكتب الثورية في العالم الاسلامي بوضوح اشد من محاولات الامام محمد عبدة وأستاذه جمال الدين الأفغاني في مجلتهما : العروة الوثقى، فهو من الكتب التي سبقت غيرها من الاجتهادات الفقهية الشيعية في معالجة مسألة الدولة من خلال : مفهوم الامة بمعناها الحديث ، متجاوزاً معناها القديم الذي كان يضم اعضاء الديانة او فرع طائفي منها . فدلل هذا المنظّر الاسلامي الموهوب على امكانية تطوير نظام الامامة الشيعي من خلال الانفتاح على الإنجازات السياسية الحديثة كالانجاز الكبير المتمثل بمفهوم : الامة الحديث وبنظامها السياسي المتمثل بالنظام النيابي ، وقد كتب آية الله النائيني هذا الكتاب قبل ان يكتب آية الله الخميني كتابه ضيّق الافق : " الحكومة الاسلامية " بنصف قرن من الزمان ، أعاد الخميني فيه تعريف الامة القديم الذي يربط وجودها بالمؤمنين بالدين فقط . تضم الامة الحديثة جميع المواطنين الساكنين ضمن الحدود الدولية للدولة ، بغض النظر عن دياناتهم واثنياتهم وجنسهم ، عكس الامة بمعناها القديم الديني حيث يتحكم بها قساوسة الدين وفقهائه الذين يقصرون معنى الامة على اعضاء الدين فقط . اختصار تعريف الامة في اعضاء الديانة فقط هو المعنى العميق الذي أعطاه آية الله الخميني للأمة في كتابه العنصري : الحكومة الاسلامية ، الذي اختصر فيه الامة بأعضاء المذهب الشيعي فقط ، ثم بفقهاء المذهب فقط الذين ( يلون من الناس ما كان النبي يلي من انفسهم ) كما قال ذلك في كتابه : الحكومة الاسلامية ( عارض الفقيه الشيعي الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه " ولاية الامة على نفسها " كتاب الخميني : الحكومة الاسلامية " الذي تضمن اجتهاده الفقهي عن : " ولاية الفقيه " ، وبنى دولة " الملالي " القمعية في ايران في ضوء منه . ) . 11 - ولدت النظريات اعلاه في عالم متحرك : يمر بفترة انتقال من مجتمع الاقطاع والكنيسة الى مجتمع الرأسمالية والعَلمانية : وفي هذا الحراك التاريخي سقطت جميع المفاهيم القديمة التي فقدت قدرتها على تصوّر : ان الحركة والتغير هما جوهر الأشياء في الوجود الطبيعي ، وانها ليست جواهر ثابتة بل هي اشبه بالامواج في حركتها ( وهذا هو جوهر نظرية ميكانيكا الكم في معاكستها لنظرية أنشتاين عن الذرات التي تتحرك باتجاه عقرب الساعة وعكسه في آن واحد : وانها توجد فقط بالنظر اليها ) . لقد غادرت المفاهيم والمصطلحات والكلمات مضامينها القديمة المُتَخَيّلة : وامتلأت بمضامين جديدة ، حلّ فيها ( عالم الكون والفساد الارسطي ) محل نظرية ال" مُثُل " الأفلاطونية ذات المفاهيم والجواهر الثابتة التي يجب -في مفهوم أفلاطون عنها - ان يعمل البشر على محاكاة نماذجها . 12 - في هذه المرحلة الانتقالية تبيّن كم هي هشّة هذه المفاهيم ، وكيف ارتجت بسرعة : ما ان بدأَ الواقع الاوربي يترحل أو ينقل نفسه من مجتمع الى آخر ، كانت هذه المفاهيم قد صورت العالم على انه سكون مطلق : تم قذفه الى الوجود مرة واحدة بقوانين وقواعد هي اشد صلابة من سلاسل الحديد : لأمد محدود يتم فيه اختبار صبر الانسان على هذه القواعد الحديدية . الّا ان هذه المفاهيم سرعان ما ارتجت ، رغم مرور اكثر من 1000 سنة على صياغتها ، ورغم الادعاء العريض بأن الله هو الذي اوحى بها ، ارتجت بسرعة وبدأت تفقد صلابتها ، واستطاعت عقول البشر بمنهج جديد في تحليل الظواهر والأحداث من الحلول محلها ، والمشاركة في تغيير الواقع وفي اعادة صياغة هذه المفاهيم : صياغة اخرى تستوعب من خلالها : حركة الانقلاب التاريخية التي تمر بها البشرية . والبعض من هذه المفاهيم التي لم تستطع التكيف والامتلاء بالمضمون الجديد الدال على الحركة والتغير : اندثرت ، وقامت على خرائب هياكلها : المفاهيم الجديدة في عصر الحداثة الثقافي ، اذ صار الابداع داخل عصر الحداثة لا يعني النسج على منوال نموذج سابق للأشياء ، فبالاضافة الى : ولادة الحركة الانطباعية في الرسم والرواية والمسرحية النثرية ، والقصيدة الحرة المتحررة من قيود الماضي - انطلق الابداع ( اي الخلق ليس على مثال نموذج سابق ) في عالم التكنولوجيا التي لم تعمل أبداً على المحاكاة بل على إنشاء ما لم يكن موجوداً : اذ لا يوجد مثال سابق للمحرك البخاري في الماضي ، ولا للقطار أو الكهرباء ، ولا للطائرة أو لما يسمى في ثورة الإلكترونات بالمكان الافتراضي ، أو لما يسمى في عالم تكنولوجيا الجزئيات متناهية الصغر : بالنانو ، أو في الإنجاز الفلكي العظيم بعد اختراع تلسكوب هابل وتلسكوب جيمس ويب : الذي أصبحت فيه كواكب ومجرات السماء حتى تلك التي تلت الانفجار العظيم قبل مليارات السنين معروفة بفضل كاميرات تلسكوب جيمس ويب والأشعة تحت الحمراء . لقد اصبح الانسان في الرؤية الجديدة ( وهي سياسية بامتياز ) خالقاً للتصورات والأفكار والأسئلة ، لا متلقياً لها من عالم الغيب ، وناشراً احلامه وطموحاته ومصالحه على الرؤية الجديدة للكون والحياة . وهذه الرؤية الجديدة للانسان التي صنعها الانسان الاوربي عن نفسه بنفسه ، لم تهبط عليه من علٍ ، ولم ينقلها اليه احد من مصدر خارجي : انما اكتشفها عبر معاناة لعبت العلوم والفلسفات والآداب والفنون دوراً عظيماً في بلورتها ، ومنحته ثقة عظيمة بقدراته ، وقد تكللت ثقة الإنسان العظيمة هذه بنفسه : بإبداع نظام سياسي جديد : قام على الضد من الانظمة الدينية السابقة عليه وبدأَ بالانتشار عالمياً . وبهذا الانتشار اثبت الانسان انه يستطيع ان يحكم نفسه بنفسه ، وان الحرية وحدها هي الطريق الأمثل لخلاصه من عبودية القرون الماضية . 13 - في مرحلة التحول وانتقال المجتمعات الاوربية من الانظمة الملكية والاستبدادية المطلقة الى الانظمة النيابية وآلاتها الديمقراطية : تتأكد بوضوح تلك العلاقة الضرورية في الوجود بين النظام البرلماني وبين مفهوم الشعب . ومساعدة احدهما الآخرَ على التطور والنمو : فكلما اصبح مفهوم الشعب واضح الأبعاد سياسياً ، اصبح النظام النيابي اكثر وضوحاً في تبلور مؤسساته ، وتكامل مهامها الوظيفية ، واستقلال عملها بقوانين خاصة بها : تمنع تدخل السياسي والوجيه والمتفقه الدين في طريقة اشتغال آلياتها . اصبح الشعب والنظام النيابي في حركة احداث التاريخ الحديثة : ابرز معلمين سياسيين . يوجدان معاً او يموتان معاً ، ولا حياة لأحدهما دون الآخر . وإذا مات احدهما بالضربة القاضية نتيجة انقلاب عسكري أو ثورة مضادة ، مات الثاني معه . ومثلما اصبح الشعب مصدر التشريعات الوحيد ، كذلك أصبحت الدولة في عصر النظام النيابي هي صاحبة السيادة فاحتكرت حيازة السلاح وتطبيق القانون ... 14 - لكن هذه الرؤية الجديدة العَلمانية للانسان : المتمردة على الرؤية الدينية ، والتي في ضوء منها انبثق النظام النيابي بشكليه : البرلماني والرئاسي ، فشلت في ان تتجذر عراقياً وتنتج نظاماً سياسياً نيابياً يكون صالحاً لادارة الشؤون العامة للدولة العراقية . رغم ان من نقل هذا النظام الى العراق : دولتان من الدول التي نجحت في التأسيس للنظام النيابي وتنميته وتطويره ونشره والدفاع عنه عالمياً : وهما الاستعمار البريطاني الذي نقل النظام النيابي للعراق عام 1921 ، والاستعمار الامريكي الذي نقله عام 2003 - وفي الحالتين لم ينجح النظام النيابي في العراق . لقد لعب الموروث السياسي ( موروث الخلافة السنية والامامة الشيعية ، وهو موروث استبدادي ) تأثيراً سلبياً مضاداً لتأثير المفهوم النيابي على وعي الناس السياسي . اذ نجحت دعاية رموز هذا الموروث في قيادة حملة معاكسة : داعية الناس الى رفض النظام النيابي وكل شيء جاء به الاستعمار البريطاني والأمريكي . وكان من اسباب هذه الحملة الدعائية ان قامت ثورات مسلحة عديدة ضد البريطانيين وضد الامريكان . وفي هذه الثورات والانتفاضات : لم يتم التفريق بين الاستعمار وبين النظام السياسي النيابي الذي جاء به ، فتعزّزت مواقع الاستبداد وتراجعت مواقع المفهوم الديمقراطي . ونظراً لان العراقيين لم يجربوا نظاماً سياسياً خارج إطار انظمة الطغاة ، ازداد حنين الناس - بعد الأخطاء الكارثية لنظام المحاصصة - لا إلى حكم : المؤسسة والقانون التي لم يجربوها قبلاً ، كما فعل الألمان والإيطاليين واليابانيين بعد الحرب العالمية الثانية ، بل ازدادوا حنيناً إلى حكم الأشخاص ، خاصة حكم صدام حسين الذي لم يكن حكمهُ : حُكْمَ مؤسسة بل كان يحكم بشكل مباشر مثل أي شيخ عشيرة خارج إطار كل مؤسسة وكل قانون . ولم يكن ثمة تأثير يذكر لوقوف احزاب إسلامية وعلمانية إلى جانب بريمر في التأسيس لنظام نيابي ، ذلك لان هذه الأحزاب المملوكة من قبل زعمائها مدى الحياة ، وقفت ضد تحوّل مفاهيم النظام النيابي وآلياته الديمقراطية ، الى ممارسة ثقافية... يتبع
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بنية الاحزاب الشيعية أم النظام النيابي وراء العنف في العراق
...
-
النظام النيابي ام البنية الطلئفية وراء عنف الحوار في العراق
...
-
ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثالث
-
ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثاني
-
ثورة المرأة الايرانية
-
نقيضان لا يلتقيان : الحشد والدولة
-
- ناسا - زيارة الى وكالة الفضاء الامريكية
-
عن : سامي مهدي
-
القاتل والمقتول في النار
-
استمرار اللامعقول
-
خضراء العراق وخضراء الدمن
-
يوميات عاشوراء (4) - ليلة الوحشة
-
يوميات عاشوراء ( 3 ) نهار قطع يد العباس
-
حين تجردت من غيومي
-
يوميات عاشوراء ( 2 ) في ليلة الحجة
-
يوميات عاشوراء ( 1 )
-
الى صديق فيسبوكي : المالكي والصدر
-
عن لحظة الصراع السياسي في العراق
-
انا حر
-
زعامات شيعية تصرخ : هل من مزيد؟
المزيد.....
-
فيديو.. مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة: عاجزون عن إنقاذ ال
...
-
قاضية توقف ترحيل إدارة ترمب لمهاجرين من هندوراس ونيبال ونيكا
...
-
مراسلة الجزيرة نت.. قصة أم تطعم أبناءها من رماد المجاعة
-
غزة بين الجوع والخذلان.. إغاثة أميركية في مرمى الاتهام
-
الانتخابات البرلمانية في سوريا .. بداية للديمقراطية ودمج الأ
...
-
إعلام عبري: زامير قد يهدد بالاستقالة بسبب تعثّر صفقة تبادل ا
...
-
عشرات الشهداء والجرحى باستهداف الاحتلال المجوعين وخيام الناز
...
-
عشرات الشهداء والجرحى باستهداف الاحتلال المجوعين وخيام الناز
...
-
وثيقة تكشف تعاون كندا مع أميركا في ترحيل المهاجرين
-
اليونيسف تحذر: معدل وفيات الأطفال في غزة وصل لمستويات غير مس
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|