اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 7343 - 2022 / 8 / 17 - 14:07
المحور:
المجتمع المدني
يوميات عاشوراء
لكي لا تجف أجسادكم حزناً على أمامكم ،
ولا تتكسر جماجمكم قلقاً عليه
: استمعوا الى نباح كلاب " الحوأب "
انها لا تنبح على معسكر واحد
بل على كلا المعسكرين المتخاصمين الآن في بغداد .
- في ليلة الحجة ( السهر حتى الصباح )
في احدى مناطق العاصمة بغداد ، كنت صبياً منذوراً من والدي لتوزيع الماء البارد في مجلس عزاء الحسين الذي تعقده نساء الحي مساء ، كنتُ اقف قرب " الملّاية " ام حسن ، مرهفاً السمع لنداء : - اشوية ماي عيوني ، فأهرع لتلبية النداء . وقد سمعتُ " الملّاية " تهمس لجارتها في العزاء :" خيّة ام عباس تذَّكرين اشلون تمتلي بيوتنا بانواع الطيور المهاجرة والسمك والتمور والخرّيط وَخَلال الهور المطبوخ ، مع بداية كل عاشور . بس هذا عاشور ما وصلنا شي . خيّة ايگولون اتغيَّر الجو . الطيور المهاجرة نَفَرت لوحدها ولم يمنعها احد من دخول الهور ، نَفَرَت : حين اقتربت من حدود الاهوار وشمت روايحها ، وحتى سمك الصبور ترك عاداته القديمة ، فلم يهاجر الى الهور من المياه العميقة ، ولم نأكل سمچة صبور واحدة هذا العام ..
ما الذي يجري ، ابتدأت الملّاية ام حسن عزاءها في عاشور هذا العام بالتساؤل المذعور : ما الذي يجري ؟
كنت صبياً حين سمعتُ بكاء صوت " الملّاية " أم حسن وهي تتذكر گواني سمچ الصبور التي تصلها كل عام من خالاتها في الهور ، وكانت قدماي تنزلقان بسهولة من جسد امرأة نائحة الى اخرى ، لايصال گلاصات الماي البارد ، وكنت ارى بوضوح وجوههن الحاسرة التي تنيرها نشرة مصابيح ممتدة بين نخلتين تنتصبان عاليتين في باحة بيت سيَّد عودة الذي يجري فيه العزاء ، وارى بوضوح دموعهن تختلط بمخاطهن . لكن في عامنا الجاري : ضرب هدير المحركات والمولدات الكهربائية طوقاً على العزاء ، فعزل اصوات النسوة في شريط ضيّق من الارض ، وخنق نحيب المعزيات ، فلم نسمع بكاءهن ولا صدى لطمهن على الصدور ، وأمضين وقت العزاء كله مثل السجينات اللواتي يتبادلن دموعهن وحسراتهن ، وضاعت والى الأبد أشعارهن التي تنطلق عفوية ، بعد ان ينهضن ويشددن العباءات على وسطهن ، وهن يجاوبن الملّاية التي عادة ما تتوقف في الربع الاول من قصيدة رثاء الامام لترددَ اللازمة : احو احو ، شو هذا الجرى اويجري !! فيجاوبنها وهن يلطمن صدورهن : احو ، احو : شدوا عل چلاب سروج ، احو ، احو ، من قلّة خيول - ثم تبادر ام حسن : احو احو : راحت ارجال الحامض السماگي ، فيجاوبنها
اوظلت ارجال البالعصا تنساگي .. احو احو
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟