|
رواية للفتيان المعجزة طلال حسن
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7739 - 2023 / 9 / 19 - 14:27
المحور:
الادب والفن
رواية للفتيان
المعجزة
طلال حسن
شخصيات الرواية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الأم
2 ـ دادو
3 ـ الكاهن
4 ـ الحطاب
5 ـ ازور
" 1 " ـــــــــــــــــــــ
عند شروق الشمس ، طرق باب البيت ، فألقت الأم ما كان بين يديها ، ونهضت متحاملة على نفسها ، وسارت ببطء عبر الفناء ، نحو الباب . وكالعادة هتفت : من بالباب ؟ وجاها الردّ فوراً : أنا . ودون أن تعرف بالضبط ، من هو " أنا " هذا ، فتحت الباب ، وإذا خادم كاهن معبد آشور في نينوى ، فقالت له : تفضل ، ادخل . لكن الخادم لم يدخل ، وإنما قال لها : جئت إلى ابنك ، دادو . فقالت الأم : دادو مازال نائماً . وقال الخادم : الكاهن يريده . ولاذت الأم بالصمت ، آه من الكاهن ، ومضى الخادم مبتعداً ، وهو يقول : فليذهب إلى المعبد ، ويقابل الكاهن ، حالما يستيقظ . وأغلقت الأم الباب ، وقفلت عائدة عبر الفناء إلى الداخل ، وراحت تعد طعام الفطور لابنها دادو ، لن تخبره بأن الكاهن يريده ، حتى ينتهي من فطوره ، وإلا فإنه كالعادة ، لن يأكل منه لقمة واحدة . استيقظ دادو متثائباً ، دون أن ينهض من فراشه ، لم توقظه أمه عامدة ، ولم تستعجله ، فهي لا ترتاح إلى الكاهن ، رغم تعبدها ، ومواظبتها على زيارة معبد الإله آشور ، بمناسبة أو غير مناسبة . وبعد أن اغتسل بماء بارد ، ربما ليطرد البقية الباقية من النوم في عينيه ، جلس إلى السفرة قبالة أمه ، وراح يتناول طعام الفطور . ونظرت إليه أمه ، وقالت : تأخرت البارحة في العودة إلى البيت . وردّ دادو ، دون أن يتوقف عن تناول الفطور : كنت في حديقة المعبد ، مع الكاهن ، آه كان الإله سين يطل علينا ساطعاً من بين الأشجار . وقالت أمه : لو كانت لك زوجة ، لجلست معها في ضوء القمر ، هذا ما يفعله الشباب في عمرك ، لا أن يجلسوا مع كاهن عجوز . ورمقها دادو بنظرة سريعة ، وقال : سمعت الباب يُطرق ، قبل أن أستيقظ . وقاطعته أمه قائلة : لابدّ أن أزوجك . وتساءل دادو : من طرق الباب ؟ لم تجبه أمه ، وإنما قالت : أكمل فطورك . وبدل أن يكمل دادو فطوره ، أبعد عنه الطعام ، وقال : أخبريني أولاً . ولاذت الأم بالصمت فترة ، ثم قالت بصوت يشي بانفعالها : خادم الكاهن . وهبّ دادو من مكانه ، وهو يقول : لابدّ أن الكاهن يريدني لأمر هام . وقالت الأم محتجة : لكنك كنت معه ليلة البارحة على ضوء القمر . ومضى دادو مسرعاً إلى الخارج ، وهو يقول : وهذا ما يثير قلقي . ولحقت به أمه ، عبر فناء البيت ، إلى الباب الخارجي ، وقالت بنبرة مصالحة : لا تتأخر عن الغداء ، سأعد لك اليوم ما تحبه ، كبة برغل محشية . لكن دادو مضى في طريقه ، دون أن يلتفت إليها ، أو يحفل بالكبة المحشية ، رغم أنه كان يحبها ، أكثر من أي شيء آخر في العالم .
" 2 " ــــــــــــــــــــ لم يجد دادو الكاهن العجوز في غرفته ، كما لم يجده في الحديقة ، ولا تحت الشجرة الضخمة ، التي قضيّا تحتها ساعات من ليلة البارحة . ووقف دادو مفكراً ، ترى أين الكاهن العجوز ؟ فهو قلما يغادر المعبد ، نعم إنه هنا ينتظره ، في مكان ما ، مادام قد أرسل في طلبه ، آه . وأسرع نحو حرم المعبد ، لابد أنه الآن بين يدي الإله العظيم آشور ، ودخل الحرم ، وسبقته عيناه المتلهفتان إلى تمثال الإله آشور ، عجباً ، لم يكن الكاهن العجوز بين يديه ، أين هو إذن ؟ ومن إحدى الزوايا المظلمة ، داخل حرم المعبد ، جاءه صوت هادىء عميق واهن ، إنه الكاهن العجوز يخاطبه قائلاً : دادو . والتفت دادو نحو مصدر الصوت ، ولمح في الظلام الكاهن العجوز يقف جامداً ، فأسرع إليه ، وقال : سيدي ، أرسلت خادمك في طلبي ، وأخشى أن أكون تأخرت عليك ، أرجو أن تكون بخير . فمد الكاهن العجوز يده ، وتشبث بيد دادو ، وقال : اطمئن ، مازلت بخير . وصمت لحظة ، ثم قال : الجو هنا حار ، خذني إلى الحديقة . وسار دادو ببطء ، ممسكاً بيد الكاهن العجوز ، وقال : أنت محق ، لنذهب إلى الحديقة . وخرجا إلى الحديقة ، وتوقف الكاهن العجوز لحظة ، وتنفس بعمق ، ثم واصل سيره ، متشبثاً بيد دادو ، وهو يقول : دادو ، ما تحدثت به إليك ، خلال الأسابيع الأخيرة ، تأكدت من صحته تماماً . وتوقف دادو ، وقال متسائلاً : الإله مردوخ ! فقال الكاهن العجوز : سيظهر بنفسه قريباً ، في معبد المدينة المقدسة .. نيبور . ونظر دادو إليه صامتاً ، فقال : هذا ما أكدته لي جميع الإشارات الغامضة ، التي قرأتها وراء سطور الرقم الطينية المقدسة للأولين . وسار الكاهن العجوز ببطء أشد ، ويده مازالت متشبثة بيد دادو ، وقال بصوت متعب : لنجلس تحت الشجرة ، لديّ ما أقوله لك . وجلسا جنباً إلى جنب تحت الشجرة ، التي قضيّا تحتها ساعات ليلة البارحة ، وقال الكاهن العجوز : والبارحة ، قبيل الفجر ، جاءني في المنام . وتساءل دادو : من ؟ الإله آشور ؟ فرد الكاهن العجوز قائلاً : لا ، الإله مردوخ . وقال دادو متعجباً : لكن الإله مردوخ في نيبور . وقال الكاهن العجوز : صحيح إنني كاهن معبد آشور في نينوى ، لكن أمي من نيبور . ولاذ دادو بالصمت لحظة ، ثم قال : أعتقد أنك قلت لي مرة ، إن أمك من اريدو . وبشيء من الحزم ، ردّ الكاهن العجوز : كلا ، ليست من اريدو ، وإنما من نيبور . وثانية لاذ دادو بالصمت ، فقال الكاهن العجوز : جاءني الإله مردوخ في المنام ، وقال لي بصوته الإلهي المذهل ، سأنزل من مقامي في السماء ، إلى معبدي في نيبور ، وأريدك أن تزورني حيث أنزل . ونظر دادو إليه ، وقال : سيدي ، نيبور المقدسة ليست قريبة ، وأنت لم تعد صغيراً ، ومن الصعب أن تصل إلى هناك الآن . فقال الكاهن العجوز : أنت محق ، يا بنيّ ، ولهذا أرسلت في طلبك . وصمت لحظة ، ثم أضاف قائلاً : أرادني أن أكون في نيبور ، أنا شخصياً ، أو من ينوب عني .. وشد على يد دادو ، وقال بصوت هادىء عميق : وأنت من سينوب عني ، يا دادو .
" 3 " ــــــــــــــــــــ
فوجئت الأم ، بعد منتصف النهار ، بابنها دادو يعود إلى البيت ، وهو يجرّ وراءه حصاناً ، لا يبدو أنه قوي أو فتيّ ، لا يصلح ربما إلا للوقوف بهدوء ، أمام مذود مليء بالجت الطري . وغضت الأم النظر عن الحصان ، وألقت نظرة سريعة على دادو ، وقالت : تأخرت عند الكاهن العجوز ، حتى بردت كبة البرغل . وشدّ دادو الحصان إلى شجرة خارج البيت ، وقال : لا بأس ، يا أمي ، تعالي نأكل . وحول كبة برغل كبيرة ، محشوة جيداً باللحم ، جلس دادو وأمه العجوز ، وقبل أن يبدآ بتناول الكبة ، قالت الأم : هذا حصان المعبد ، على ما أظن . وكسر دادو الكبة ، وأخذ قطعة منها ، راح يلتهمها ، وهو يهزّ رأسه أن نعم ، فوضعت الأم لقمة في فمها الأدرد ، وقالت : لقد رأيته ، في المعبد ، عند وفاة أبيك ، قبل سنوات . فقال دادو ، وفمه مليء بالطعام : إنه حصان مبارك ، فهو يعيش في معبد الإله آشور . وقالت الأم : أظن أن هذه هي المرة الأولى ، التي يخرج فيها من المعبد . ودفع دادو قطعة أخرى من الكبة في فمه ، وقال : نعم ، خرج من معبد الإله آشور ، وسيأخذني إلى معبد الإله مردوخ في مدينة نيبور المقدسة . وتوقفت اللقمة في فم الأم العجوز ، حتى كادت تختنق ، وصاحت : ماذا ! نيبور ؟ ونهض دادو ، وقال : كبة البرغل لذيذة جداً اليوم ، أعطيني كبة أخرى ، سآكلها وأنا في الطريق إلى لقاء الإله مردوخ ، في المدينة المقدسة . وهبت الأم العجوز من مكانها ، وقالت بصوت منفعل : إن أباك ، رغم خفة عقله ، لم يُقدِم على شيء كهذا ، في أي مرحلة من مراحل عمره . ونظر دادو إلى أمه ، وقال بصوت هادىء : أمي ، الإله مردوخ ، ناداني من معبده ، في مدينة نيبور المقدسة ، ويجب أن أذهب . فردت الأم قائلة : لكننا لا نعبد الإله مردوخ ، بل نعبد الإله آشور . وقال دادو : الآلهة كلهم إخوة ، كما يقول الكاهن العجوز ، ونحن نعبدهم جميعاً . وتوقفت الأم العجوز مذهولة ، وقالت بصوت تغرقه الدموع : لقد جُنّ دادو . " 4 " ــــــــــــــــــــ
رغم اعتراضات أمه العجوز ، وتوسلاتها المعززة بالدموع ، امتطى دادو حصان المعبد ، الذي قال عنه الكاهن ، بأنه مبارك من الإله آشور نفسه . ولم ينسَ دادو ، قبل أن ينطلق نحو مدينة نيبور المقدسة ، لمقابلة الإله مردوخ ، أن يوصي أمه قائلاً : قولي للبستاني ، أن يرعى البستان ، حتى أعود . وحثّ دادو حصانه برفق ، فهو ليس حصاناً عادياً ، وإنما حصان المعبد ، يرعاه ، ويحميه ، ويمنحه القوة والصبر ، الإله آشور نفسه . وتطلع بعيداً ، حيث الآفاق المفتوحة ، التي مازال يغمرها ضوء النهار ، الطريق ممتدّ ، وصعب جداً ، والمسافة بين نينوى ونيبور طويلة جداً ، لكن ـ وهذا هو المهم ـ سيجد في نهايتها الإله العظيم مردوخ . وعند اللقاء ، الذي لن ينساه عمره كله ، سيقول للإله مردوخ ، إنه جاء نيابة عن كاهن معبد آشور ، لأنه عجوز ومتعب جداً ، ولن يتحمل مشاق السفر ، وهو تلميذه ، وبمثابة ابنه أيضاً . وسيفرح الإله مردوخ ، فقد لبى كاهن معبد آشور نداءه ، صحيح إنه لم يأتِ بنفسه ، لكن لا بأس ، فهذا ما يستطيعه ، فهو إنسان .. إنسان عجوز . وفوجىء دادو بغياب الشمس ، وحلول الظلام ، حتى لم يعد يتبين طريقه جيداً ، إنه لا يدري كيف مرّ الوقت بهذه السرعة ، فقد كان مستغرقاً في أحلامه ، ولقائه الذي لن يتكرر ، بالإله العظيم مردوخ . وأوى إلى شجرة ضخمة ، ربط حصانه الأثير إليها ، وتمدد على مقربة منها ، وهراوته الضخمة ، التي ورثها عن أبيه ، في متناول يده ، تحسباً من مهاجمة وحش ضار ، جائع ، قد يفكر في العشاء به . وتذكر دادو ، أنه لم يتناول طعام العشاء ، ففتح الصرة ، التي أعدتها له أمه ، آه يا لأمه الحبيبة ، فهي رغم زعلها ، لم تضع له في الصرة كبة واحدة ، بل وضعت كبتين محشوتين باللحم . وعلى الفور ، تناول دادو نصف كبة ، ونام ، نعم ، عليه أن يقتصد ، فهو من نينوى ، وأهل نينوى ، أحفاد الحكيم العظيم احيقار ، معروفون بحرصهم ، وعدم تبذيرهم ، والتأني ، و .. وأيقظته شمس الصباح ، بأشعتها الساطعة الدافئة ، فهبّ إلى حصانه الأثير ، الذي يحميه الإله آشور نفسه ، وانطلق نحو نيبور المقدسة . لم يتوقف دادو طول النهار ، إلا ليشرب الماء من الغدران أو الآبار ، التي يصادفها على الطريق ، ناسياً أمر الطعام ، وهل من المعقول ، أن يتذكر الطعام ، حتى لو كان كبة برغل محشية ، وهو يفكر في الإله العظيم مردوخ ؟ وعند المساء ، أوى متعباً إلى شجرة ، فربط حصانه الأثير إليها ، وجاء بصرته ، وجلس تحت الشجرة ، ليتناول عشاءه ، وما إن فتح الصرة ، حتى أقبل رجلان ماشيان ، وتوقفا على مقربة منه . ونظر أحدهما إلى الآخر ، بعد أن رمقا صرة الطعام بنظرة خاطفة جائعة ، وقال الأول : هذا مكان جيد ، لنقض ِ الليلة هنا . فردّ الثاني ، وعيناه الجائعتان تلتهمان الكبة المحشية : أنا معك ، إنه مكان جيد . ونظر دادو أليهما ، فقال الأول : سنبات هنا ، على مقربة منك ، إن لم تمانع . وردّ دادو قائلاً : ولمَ أمانع ؟ إن مبيتكما هنا لن يكلفني أيّ شيء . وجلس الرجلان على مسافة أمتار منه ، وأخرج كلّ منهما كسرة خبز من بين ثيابه ، وعيونهما تحوم حول الكبة المحشية . وغمز أحد الرجلين للآخر ، ثم التفت إلى دادو ، وقال : نحن رفاق سفر ، لنأكل معاً . وعلى الفور ، ردّ دادو قائلاً : لا ، ليأكل كلّ منّا مما معه من طعام . فقال الرجل الثاني : لكن ليس معنا نحن غير هذا الخبز اليابس . ونهش دادو قطعة من الكبة المحشية ، وقال : إذن كُلا الخبز اليابس . وصمت الرجلان محنقين ، فتابع دادو قائلاً : نحن أهل نينوى ، نعمل دائماً ، وفي كلّ المناسبات ، بوصايا حكيمنا العظيم .. أحيقار . وصمت لحظة ، ثم تابع قائلاً : قال مخاطباً ابنه بالتبني نادين ، يا بنيّ نادين ، لا تشتهِ كبة غيرك ، مهما كانت محشية . وهزّ الأول رأسه ، وقال الثاني : لا أظن أن احيقار ، قال هذه الحكمة ، رغم أنه من نينوى . فقال دادو، وهو يجهز على نصف الكبة المحشية : ما أدراكَ ؟ أنت لست من نينوى .
" 5 " ــــــــــــــــــــــ
أفاق دادو قبيل الفجر ، فلم يجد الرجلين ، وإن وجد حصانه الأثير في مكانه ، من يدري ، ربما لم يكن الرجلان لصين ، وحتى لو كانا كذلك ، فما كان بإمكانهما سرقته ، إنه حصان الإله آشور . وأراد أن يفطر ، قبل أن يواصل سيره إلى المدينة المقدسة نيبور ، لمقابلة الإله مردوخ ، لكنه فوجىء بعدم وجود صرة الطعام ، يا للصين اللعينين ، لقد سرقا الصرة بما فيها من طعام ، ولاذا بالفرار . وامتطى دادو الحصان ، وواصل طريقه نحو نيبور ، رغم أنه لم يتناول شيئاً من الطعام ، يا للإله آشور ، لقد حمى حصانه من اللصوص ، لكنه لم يحم ِ كبته المحشية ، وتركه فريسة للجوع ، ترى ماذا يمكن أن يقول أحيقار في مثل هذا الحال ؟ مهما يكن ، فلابدّ أن هناك حكمة وراء ذلك ، لقد جاء من أجل هدف سام ٍ ، سيذهب إلى نيبور ، ويقابل الإله العظيم مردوخ ، عند نزوله من مقره في السماء ، حيث يعيش الآلهة خالدين . وسار الحصان بثبات فوق الطريق ، على العكس مما توقعت أمه ، وربما الفضل في ذلك يعود إلى الإله مردوخ ، رغم أن الحصان ، ليس حصانه وإنما هو حصان الإله آشور ، مهما يكن فالآلهة أخوة ، يعاون بعضهم البعض عند الحاجة . وعند منتصف النهار ، لمح من بعيد رجلاً يقف قرب مرتفع من التراب كأنه القبر ، وحثّ حصانه ، لعل الرجل المسكين بحاجة إلى مساعدة ، وما إن اقترب منه ، حتى عرف أنه أحد الرجلين اللذين استغلا فرصة نومه ، وسرقا كبة البرغل منه . ورفع الرجل عينيه المذنبتين إلى دادو ، ثم أشار إلى القبر ، وقال : صاحبي . وهمهم دادو ، دون أن يعلق بكلمة ، فتابع الرجل قائلاً : أكل الكبة وحده ، فمات . وهمز دادو الحصان برفق ، وواصل طريقه ، وهو يقول : إنها حكمة الإله آشور . وتوقف الرجل ، في مكانه قرب القبر ، يتابع دادو ، على حصان المتعب حتى غاب . وشعر دادو بالعطش ، عندما رأى بئراً على طرف الطريق ، فتوقف على مقربة منه ، وترجل عن الحصان ، ليرتاح قليلاً ويشرب بعض الماء . وقبل أن يشرب جرعة ماء واحدة ، أقبل عليه ثلاثة رجال متربين ، اثنان منهم يمتطي كلّ منهم حصاناً ، أما الثالث فكان راجلاً . وأحاط الرجال الثلاثة به ، فرفع إليهم نظره خائفة متوجساً ، وقال : لابدّ أنكم عطشى مثلي ، تفضلوا الماء كثير ، وهو على ما يبدو ماء .. عذب . ونظر الرجال الثلاثة إلى الحصان ، وقال الرجل الراجل : نريد هذا الحصان . فردّ دادو قائلاً : هذا الحصان ليس لي .. فقال رجل الثاني : دعه مادام ليس لك . فقال دادو : إنه للإله آشور . ونظر الرجل الراجل إلى رفيقيه ، وقال : لابد أنه قادم من مدينة نينوى . وأيده دادو قائلاً : أنت محق ، وسيأخذني هذا الحصان لمقابلة الإله مردوخ . ونظر الرجل الثالث إليه ساخراً ، وقال : يبدو أنه رجل مهم ، لا يتعامل إلا مع الآلهة . وقال الرجل الثاني : نحن بحاجة إلى هذا الحصان ، وسنأخذه منك . وترجل الرجلان عن حصانيهما ، وتقدم ثلاثتهم بخطى ثابتة من دادو ، وقال الرجل الراجل : سنأخذه كرهاً إذا اقتضى الأمر . وأدار دادو نظره بينهم ، وقال : هذا حصان الإله آشور ، ولن أتنازل عنه . فقال الرجل الثالث ، وهو يشير إلى رفيقيه : هذا يعني كرها .
" 6 " ـــــــــــــــــــ فتح دادو عينيه المتورمتين ، وتلفت حوله مذهولاً ، أهو في العالم الأسفل ؟ من يدري ، لكن أمامه فتاة شابة جميلة ، أو هكذا يراها . يا للعجب ، فتاة ! لا يمكن ، فحسب معلوماته ، التي أخذها من كاهن معبد الإله آشور في نينوى ، لا توجد فتيات جميلات إلا في دلمون . جنة دلمون ، إنه لن يحتاج هنا ، لا إلى الحصان ، الذي أخذه منه اللصوص الثلاثة ، ولا إلى كبة البرغل المحشية ، التي سرقها منه اللصان الأحمقان ، وتسببت في موت أحدهما ، بل ولا حتى لكاهن معبد آشور نفسه ، فهو في .. الجنة .. في دلمون . ومالت عليه الفتاة الشابة ، وقربت منه كوز ماء ، وقالت : اشرب ، أنت عطشان . ورفع دادو رأسه بصعوبة ، وتمتم قائلاً بصوت واهن : هذا الكوز .. يشبه كوز أمي العجوز .. في قريتنا البائسة .. في الأرض . وتراجعت الفتاة الشابة ، وأبعدت الكوز عنه ، وقالت كأنها تحدث نفسها : المسكين ، مازال يهذي . واعتدل دادو قليلاً ، متلفتاً حوله ، ثم قال : يبدو أنني لست في دلمون ، بل في .. وقاطعته الفتاة الشابة قائلة : أنت في كوخنا ، القريب من مدينة نيبور المقدسة . وحاول دادو أن يهب واقفاً ، وهو يقول : نيبور ! نيبور المقدسة ! وكاد أن يتداعى على الأرض ، فأسرعت الفتاة الشابة ، وأسندته بذراعيها ، وقالت : ابقَ في مكانك ، أنت لم تتعافَ بعد . وتملص دادو من بين ذراعيها خجلاً ، وهو يقول : آه لابد أن اللصوص الثلاثة ، ضربوني ضرباً مبرحاً ، قبل أن يأخذوا مني الحصان . وأعادته الفتاة الشابة إلى فراشه ، ثم قالت : ارتح قليلاً ، أنت اليوم أفضل بكثير ، بعد أن كنت فاقد الوعي تقريباً خلال اليومين الأخيرين . وتطلع دادو أليها ، وقال : لقد ضربني اللصوص قرب البئر ، فما الذي أتى بي إلى هنا ؟ فردت الفتاة الشابة قائلة : أبي حطاب ، وقد رآك مدمى قرب البئر ، فجاء بك إل كوخنا . وتمدد دادو متأوهاً ، وقال : آه لولاه لمتُ في البرية وحيداً ، ولن يكون بإمكاني أن أواصل الطريق إلى مدينة نيبور المقدسة . ونظرت الفتاة الشابة إليه ، وقالت : يبدو أنك من مدينة نينوى الآشوريين . فقال دادو : نعم ، أنا من نينوى ، وسأواصل طريقي ، في أقرب فرصة ، إلى مدينة نيبور المقدسة ، لألتقي بالإله مردوخ . وحدقت الفتاة الشابة فيه مندهشة ، وتمتمت : الإله مردوخ ! فقال دادو : سألتقي به نيابة عن كاهن معبد الإله آشور في نينوى ، فالكاهن رجل عجوز ، مريض ، لا يقوى على السفر من نينوى حتى نيبور . وحدقت الفتاة الشابة فيه صامتة مذهولة ، ثم قالت كأنها تحدث نفسها : يا للآلهة ، يبدو أن ضرب اللصوص الثلاثة أشد مما كنت أتصور . وفوجئت الفتاة ، حين صاح دادو محتجاً : صدقيني ، لستُ مجنوناً . وقالت الفتاة معتذرة : لا ، لستَ مجنوناً ، لكن ابقَ عندنا حتى تشفى ، ثم واصل طريقك . وتململ دادو في فراشه متوجعاً ، وهو يقول : آه لابد أن أصل نيبور في الوقت المناسب ، أخشى أن ينزل الإله مردوخ من مقامه في السماء ، ولا يجدني في المعبد ، فيعود إلى السماء ، دون أن أحظى بلقائه ؟
" 7 " ـــــــــــــــــــــ
عند المساء ، عاد الأب إلى الكوخ ، بعد أن باع ما جمعه من حطب ، واشترى بثمنه بعض الطعام والفواكه ، بل وحلويات أيضاً . وما إن دخل الكوخ ، ووقع نظره على دادو ، متمدداً في فراشه ، حتى ابتسم ، وقال مستبشراً : آه ها أنت قد أفقت من غيبوبتك أخيراً . ثم أشار إلى ابنته الشابة ، وكانت تقف فرحة إلى جانبه ، وقال : والفضل يعود إلى ابنتي ازور . وأخذت ازور ما جلبه أبوها من طعام وفواكه وحلوى ، وهي تقول بصوت حيي : بل الفضل لك أنت أولاً ، يا أبي ، وما قمنا به معاً واجب . وتحامل دادو على نفسه ، واعتدل قليلاً ، وقال : أشكركما ، لولاكما لكنت الآن ضيفاً عند الإلهة ايرشكاكيل ، في العالم الأسفل . وصمت لحظة ، ثم قال : والأهم لانتهت مهمتي المقدسة ، التي كلفني بها كاهن معبد الإله آشور . ونظر الحطاب إلى ابنته ازور مندهشاً ، فقالت قبل أن تنصرف لإعداد سفرة الطعام : أبي أنت متعب ، اذهب واغسل يديك ووجهك ، سنأكل حالاً . وعلى الفور ، ذهب الحطاب إلى الخارج ، واغتسل شارد الفكر ، ثم عاد إلى الكوخ ، وإذا ابنته ازور قد أعدت السفرة ، فنظر إلى دادو ، وقال : اليوم فطمتَ ، ولن تطعمك ابنتي ازور ، كما فعلت في اليومين الماضيين ، تعال وتناول الطعام بنفسك . ونهض دادو من فراشه ، بمساعدة الفتاة الشابة ازور ، وجلس أمام السفرة ، وجلس الأب قبالته ، ثم أشار إلى ابنته ، وقال : تعالي إلى جانبي . وجلست ازور إلى جانب أبيها ، ورمقت دادو بنظرة خاطفة ، وقالت : هيا .. لنأكل . ومدّ دادو يده ، واقتطع قطعة من السمكة التي أمامه ، ووضعها ببطء في فمه ، فنظر إليه الأب مبتسماً ، وقال : كلْ جيداً ، لعلك تستعيد قوتك الأولى . وبعد العشاء ، وقبل أن يأوي كلّ منهم إلى فراشه ، ليرتاحوا من عناء النهار ، جلسوا يتسامرون ، على ضوء القنديل الخافت . وتحدثت ازور عن أمها ، التي رحلت إلى العالم الأسفل قبل أكثر من سنتين ، وعن أبيها الطيب ، الذي يدللها كما لو كانت طفلة صغيرة . وابتسم الأب متأثراً ، فقالت آما في ابتسامة دامعة : قبل أن ترحل أمي ، في نهاية مرض طويل موجع ، قالت لأبي ، عندما أرحل تزوج أنت . بقي الأب صامتاً ، وابتسامته حائرة فوق شفتيه ، فتابعت ازور قائلة : قالت له أمي ، تزوج فقد ترزق بولد ، يقف إلى جانبك ، ويساعدك في عملكَ . ورمق الأب دادو بنظرة خاطفة ، وقال وكأنه يردّ على ابنته : لديّ ازور . وقال دادو : ازور بنت . فردّ الأب قائلاً : لكنها أفضل من عشرة أبناء . وبدا لدادو أن الأب فهمه خطأ ، فقال : أعني إنها قد تتزوج يوماً ، وتتركك إلى زوجها . وهمً الأب أن يردّ عليه ، لكن ازور قاطعته قائلة : لن أتزوج ، وأترك أبي . فقال دادو : هذا ما تقوله الفتيات عامة ، لكن ماذا لو تدخلت عشتار ؟ ونظرت ازور إليه ، لكنها لم تحر جواباً ، فأطرقت رأسها ، ولاذت بالصمت .
" 8 " ــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي ، استيقظ الحطاب مبكراً ، ومضى إلى الغابة ، وكالعادة أخذ معه أتانه ، ليذهب بما يحتطبه إلى السوق ، ويبيعه هناك ، ويشتري بثمنه ما يحتاج إليه هو وابنته ازور . وعند الضحى ، وبعد أن تناول طعام الإفطار ، الذي أعدته له ابنة الحطاب ازور ، خرج دادو متمهلاً من الكوخ ، وجلس تحت الشجرة ، وسرعان ما لحقت به ازور ، وجلست إلى جانبه . ورمقته ازور بنظرة خاطفة ، وقالت : تبدو اليوم أفضل بكثير ، يا دادو . ونظر دادو إليها ، وقال مبتسماً : والفضل يعود لكِ ، يا ازور . وابتسمت ازور ، وقالت : بل لأبي . واتسعت ابتسامة دادو ، وقال : لكما كلاكما ، لكن بالأخص لك . وقالت ازور : أشكرك . وتطلع دادو بعيداً ، ثم قال : لقد تأخرت بسبب هذا العارض ، والمفروض أنني الآن ، بين يدي الإله مردوخ ، في المدينة المقدسة نيبور . وصمت دادو ، فقالت ازور : مهما يكن ، فنيبور ليست بعيدة من هنا ، ويمكنك أن تصل إليها في غضون ساعات . وقال دادو : عليّ أن أرحل فجر الغد ، لعلي أصل نيبور ، قبل غروب الشمس . والتفتت ازور إليه ، وقالت : لكن جراحك لم تندمل بعد ، وقواك مازالت واهية . فرد دادو قائلاً : أصبح لي من القوة ، ما تمكنني من مواصلة طريقي ، لأصل في الوقت المناسب إلى نيبور ، وألتقي بالإله مردوخ . وصمت دادو ، وصمتت معه ازور ، وثقل الصمت بينهما ، فنهض دادو ، وقال : أتمنى أن أبقى أكثر ، لكن عليّ أن أذهب ، وسأذهب غداً . ونهضت ازور بدورها ، وقالت : إذا كان لابدّ من الذهاب ، فمن الضروري أن لا تذهب ماشياً . فقال دادو : لكنك تعرفين ، يا ازور ، أن حصاني أخذه اللصوص . وردت ازور قائلة : لدى أبي ، إضافة إلى الأتان ، حمار يمكنك أن تأخذه . فقال دادو : لا ، لا ، إنه حمار أبيك . فقالت ازور : خذه إلى نيبور ، ثم أعده إلينا . ونظر دادو إليها صامتاً ، فقالت ازور مبتسمة بدلال : أم إنك لا تريد أن ترانا ، بعد أن تشفى ، وتذهب إلى نيبور ، ثم تعود مباشرة إلى نينوى . ومدّ دادو يده ، وأمسك يدها بشكل عفوي ، وهو يقول : لا ، لا تقولي هذا ، يا ازور . ووقفت ازور ، وقد احمرّ وجهها خجلاً ، وسرعان ما سحب دادو يده محرجاً ، واستدار بسرعة ، وهرع إلى داخل الكوخ .
" 9 " ـــــــــــــــــــــ
لم يعترض الأب ، على ما اقترحته ابنته ازور ، بخصوص أخذ دادو للحمار ، ليسافر به إلى المدينة المقدسة نيبور . وفي صباح اليوم التالي ، وبعد أن تناولوا معاً طعام الإفطار ، ودع دادو الفتاة ازور ، وأباها الحطاب ، وركب الحمار ، وانطلق به متجهاً نحو نيبور ، لملاقاة الإله العظيم مردوخ . ووقفت ازور وأبوها عند باب الكوخ ، يتابعان دادو ، وهو يبتعد على الحمار ، وهتف الأب بصوت مرتفع : دادو ، لا تتأخر . وبصوت يشي بتأثرها ، هتفت ازور : نحن ننتظرك ، يا دادو . وهزّ الأب رأسه ، يا للجنون ، سيقابل الإله مردوخ ، ودمعت عينا ازور المحبتين ، ولكي لا يرى أبوها دموعها ، وقد يفسرها خطأ ، استدارت سريعاً ، وفرت بدموعها إلى داخل الكوخ . وأخذ الأب عدة التحطيب ، ثم ركب أتانه ، واتجه نحو الغابة ، وهو يقول لازور : لا تنتظريني على الغداء ، قد لا أعود حتى مغيب الشمس . وعلى غير عادتها ، لم تردّ ازور على أبيها ، ربما لأنها مشغولة بأمر آخر ، وراحت تتابعه بنظرها ، وهو يبتعد على أتانه ، حتى غاب . وطوال ذلك اليوم ، دون أن يخطر في بالها الطعام أو الشراب ، قضّت ازور معظم ساعات النهار ، جالسة تحت الشجرة ، أمام الكوخ . ولم تفق إلا حين أوشكت الشمس على الغروب ، وحان موعد عودة أبيها ، فنهضت من مكانها ، ومضت إلى داخل الكوخ ، وراحت تعد طعام العشاء . وعند حلول الليل ، عاد أبوها متعباً ، بعد أن باع ما إحتطبه ذلك اليوم ، وجلسا إلى السفرة ، وأخذا يتناولان طعامهما صامتين ، وسرعان ما نهض كلّ منهما ، وأويا إلى فراشيهما ، دون أن ينبس أحدهما بكلمة واحدة ، وما لبثا أن استغرقا في النوم . في مساء اليوم التالي ، على العشاء ، قال الأب ، وهو يضع لقمة في فمه : تأخر دادو . فقالت ازور : المسافة ليست قصيرة . وابتسم الأب ، وقال : لعل لقاءه بالإله مردوخ ، طال بعض الشيء في نيبور . وبدا لآزور ، أن أباها ربما كان يسخر من دادو ، فقالت بنبرة احتجاج : هذه ليست فكرته ، إنها فكرة كاهن معبد آشور في نينوى ، وهو يحبه ، وجاء إلى نيبور مجاملة له . ولاذ الأب بالصمت مراعاة لابنته ، ثم نهض ، وأوى إلى فراشه ، وهو يقول : عملي اليوم كان متعباً ، سأنام لعلي أرتاح .
" 10 " ــــــــــــــــــــــ في وقت متأخر من تلك الليلة ، طرق باب الكوخ ، طرقات متعجلة ، فهبت ازور من فراشها ، ولم تكن قد نامت إلا منذ وقت قصير . واعتدل الأب في فراشه ، مغالباً النعاس ، وقال : ترى من يكون ، في مثل هذه الساعة من الليل ؟ وأشعلت ازور القنديل ، وفي غضون ذلك ، طرق باب الكوخ ثانية ، فنهض الأب من فراشه ، وهتف متسائلاً : من بالباب ؟ وجاءهما صوت يعرفانه يقول : أنا . وخفق قلب ازور بقوة ، وتمتمت ملهوفة : دادو . وقال الأب ، وهو يقترب من الباب : إنه دادو ، ما الذي جاء به في هذا الوقت المتأخر ؟ وقالت ازور : أبي ، افتح الباب بسرعة . وفتح الأب الباب ، ورفعت ازور القنديل عالياً ، فوقع ضوءه على دادو ، وهو يقف خارج الكوخ ، وحماره يقف إلى جانبه . وقبل أن يتفوه الأب ، أو ابنته ازور بكلمة ، قال دادو : عفواً ، الوقت متأخر ، لكني فضلت أن أقضي الليل هنا ، وليس في نيبور . ولاذ الأب بالصمت ، فقالت ازور : تفضل . وخرج الأب من الكوخ ، وأخذ مقود الحمار من يد دادو ، وقال : تفضل ادخل ، ريثما أربط الحمار ، إلى جانب الأتان في الحظيرة . ودخل دادو ، بعد أن ابتعد الأب بالحمار ، وتوقف أمام ازور ، والقنديل في يدها ، وقال : في معبد الإله مردوخ ، عرفت لماذا أرسلني الإله إلى نيبور . فنظرت ازور إليه متحيرة ، وقالت بصوت متردد : لقد قلت لنا السبب . وهزّ دادو رأسه مبتسماً ، وقال : من الصعب أن يفهم الإنسان حكمة الآلهة . وحدقت ازور فيه صامتة ، فقال دادو : جاء بي إلى هنا لأراكِ ، يا ازور . والتمعت عينا ازور ، لكنها لم تنطق بكلمة واحدة ، فقال دادو : بستاني في نينوى ، بحاجة إلى وردة نادرة ، وأنتِ هذه الوردة . وجنّ قلبها فرحاً ، لكنها تطلعت إليه بنظرة سريعة ، وقالت : هل رأيت الإله مردوخ ؟ وحدق دانو فيها ملياً ، ثم قال : رأيت معجزته . ونظرت ازور إلى الباب ، وقالت : جاء أبي . لم يناموا مباشرة ، رغم أن الليل ، كان قد تجاوز منتصفه ، وأصغت ازور صامتة ، وانتظر الأب أن يتحدث دادو عن الإله مردوخ ، لكنه بدل ذلك ، تحدث عن بستانه في نينوى . وقال دادو : إنه بستان واسع ، ورثته عن أبي ، وقد انشغلت عنه للأسف ، بكاهن معبد آشور ، و .. وأشياء أخرى ، وبمجرد أن أعود إلى نينوى ، سأبذل فيها ما كان يبذله أبي من جهود .. وصمت لحظة ، نظر خلالها إلى ازور ، وقال : لكني بحاجة إلى من يساعدني ، ويقف إلى جانبي . ثم نظر إلى الحطاب ، وخاطبه قائلاً : إنني بحاجة إلى رجل مثلك ، تعال واعمل معي في البستان . وعلى الفور ، ردّ الحطاب بشكل حاسم : كلا ، ولدت هنا ، وسأبقى هنا حتى النهاية . ولاذ دادو بالصمت لحظات ، قلب خلالها النظر بين آما وأبيها ، ثم ركز نظره على الأب ، وقال : حتى لو جاءت ازور معي إلى نينوى . وتساءل الحطاب مذهولاً : ماذا ! فرد دادو قائلاً : إنها فتاة شابة ، ومن حقها أن تتزوج . ونظر الأب إلى ازور ، ثم هبّ واقفاً ، وقال : إن الوقت متأخر ، فلننم الآن . بعد يومين ، كانت قافة صغيرة متجهة نحو نينوى ، الحطاب على أتانه ، وازور على الحمار ، ودادو يسير صامتاً فرحاً إلى جنبها .
ايضاحات ــــــــــــــــــــــــ 1 ـ آشور : معبود الآشوريين ، ومعناه أفق السماء. 2 ـ سين : التسمية الأكدية للإله ننار إله القمر . 3 ـ مردوخ : كبير الآلهة في بابل ، الإله ايا والده ، ووالدته الإلهة دامكينا ، وهو الذي قتل رمز الشر الإلهة تيامة . 4 ـ عشتار : إلهة الحب والحرب . 5 ـ أحيقار : حكيم آشوري كبير ، عُرف قبل ايسوب اليوناني بحكمه وحكاياته الخرافيه . 6 ـ نينوى : عاصمة الدولة الآشورية ، سقطت عام " 612 " ق . م 7 ـ نيبور : برزت مدينة نيبور في الألف الثالث قبل الميلاد ، كأهم مرطز ديني للسومريين ، وكان فيها مدرسة كبرى لتعليم الكتابة . 8 ـ اريدو :مدينة عراقية قديمة ، من مدن ما قبل الطوفان ، تقع على بعد " 40 " كيلومتر عن مدينة الناصرية . 9 ـ دلمون : الجنة عند السومرييين ، وتقع في البحرين . 10 ـ الأتان : هي أنثى الحمار .
30 / 5 / 2015
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية للفتيان الغيوم السوداء طلال
...
-
رواية للفتيان صخرة آي طلال حسن
-
مسرحية للفتيان اورنينا
...
-
رواية للفتيان الغزالة
...
-
رواية للفتيان السندباد البحري طلال
...
-
رواية للفتيان دروفا ـ نارانا
...
-
رواية للفتيان سامو وسومو
...
-
رواية للفتيان النمر
...
-
رواية للفتيان البديل طلال حسن
-
رواية للفتيان الزواج المقدس
...
-
رواية للفتيان رجل النار
...
-
شجرة الزيتون
-
رواية للفتيان فتاة الحلم طلال حسن
-
رواية للفتيان طيف الاهوار
-
اللبوة الجريحة
-
رواية للأطفال حي ابن الإنسان
...
-
رواية للفتيان جزيرة القمر
...
-
رواية للفتيان الجوهرة المفقودة طلال
...
-
رواية للفتيان كوخ في أعلى الجبل
-
رواية للفتيان إله الدمار
...
المزيد.....
-
الدوحة.. قمة -وايز- تناقش التعليم وقت الحرب وثورة الذكاء الا
...
-
شاهد.. مراسم تنصيب رئيس الإكوادور على أنغام موسيقى -يوم النص
...
-
معلم لغة إنكليزية يبادر إلى تدريس أطفال نازحين في قطاع غزة
-
مهرجان فنون العُلا ينطلق في فبراير 2024
-
شاهد رد فعل الممثل روبرت دي نيرو عندما علم بحذف جزء من خطابه
...
-
السلطات الإيرانية تعيد توقيف مغني الراب توماج صالحي
-
El Fajr TV: “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجديد 2023 لمشا
...
-
-أدب المدينة الفاسدة- سبيلا للحرية.. مكتبة جورج أورويل في رو
...
-
يولا بينيفولسكي فنانة تتخلى عن جنسيتها الإسرائيلية بسبب الحر
...
-
انفجارات عنيفة تهز جبل عطان في صنعاء وتضارب الروايات حول الأ
...
المزيد.....
-
عد إلينا، لترى ما نحن عليه، يا عريس الشهداء...
/ محمد الحنفي
-
ستظل النجوم تهمس في قلبي إلى الأبد
/ الحسين سليم حسن
-
الدكتور ياسر جابر الجمَّال ضمن مؤلف نقدي عن الكتاب الكبير ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال وآخرون
-
رواية للفتيان ايتانا الصعود إلى سماء آنو
...
/ طلال حسن عبد الرحمن
-
زمن التعب المزمن
/ ياسين الغماري
-
الساعاتي "صانع الزمن"
/ ياسين الغماري
-
الكاتب الروائى والمسرحى السيد حافظ في عيون كتاب ونقاد وأدباء
...
/ السيد حافظ
-
مسرحية - زوجة الاب -
/ رياض ممدوح جمال
-
الكاتب الروائى والمسرحى السيد حافظ في عيون كتاب ونقاد وأ
...
/ مجموعة مؤلفين عن أعمال السيد حافظ
-
أنهارٌ من زنبق: النهر السادس
/ دلور ميقري
المزيد.....
|