|
رواية للفتيان إله الدمار طلال حسن
طلال حسن عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 7632 - 2023 / 6 / 4 - 01:13
المحور:
الادب والفن
رواية للفتيان
إله الدمار
طلال حسن
شخصيات الرواية ـــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ ايرّا ملك العالم السفلي 2 ـ نرجال إله العالم السفلي 3 ـ ايشوم مستشار الإله ايرّا 4 ـ مجموعة السبعة محاربون قساة 5 ـ مردوك إله بابل 6 ـ مامّي قرينة ايرّا 7 ـ الايجيجي آلهة السماء 8 ـ الأنوناكي آلهة العالم الأسفل 9 ـ الايساجيل مقر الإله مردوك 10 ـ الملك ملك مدينة بابل 11 ـ الكاهن الأعظم ـ رئيس معبد الايساجيل 12 ـ الكاهن نبو الكاهن المتمرد 13 ـ الكاهن الشاب تابع الكاهن نبو 14 ـ مدير الخدم في القصر ببابل
" 1 " ـــــــــــــــ منذ الفجر ، وقبل الأنفاس الأولى للنهار ، تسلل الكاهن الشاب نبو ، إلى حرم الإله مردوك ، إنه يفكر في الآلهة جميعاً ، وفي الإله العظيم مردوك خصوصاً ، وتملكه الحزن الشديد ، فعصر الآلهة الذهبي ، على ما بدا له ، وكما عرفه من بعض الكهنة الشيوخ ، وقرأ عنه في الألواح المقدسة ، يبدو الآن خافت البريق . وفي برودة هذا الفجر ، وقف الكاهن الشاب ، أمام تمثال الإله مردوك ، الذي حال لونه ، وبدا وكأن الغبار يعلوه ، رغم أنه يقوم هو شخصياً بين فترة وأخرى ، بمسح التمثال ، وإزالة الغبار عنه . وبينه وبين نفسه ، ولكي لا يسمعه أحد من الكهنة ، خاطب الإله مردوك قائلاً : أيها الإله العظيم ، صحيح أن بابل الآن مزدهرة ومتقدمة ، فهي أعظم مدن العالم وأغناها ، لكن البشر ذوو الرؤوس السوداء ، بدؤوا يبتعدون عن المعابد والآلهة ، منشغلين بالزراعة والصناعة والتجارة وتربية الحيوانات ، وبناء القصور والجنائن وأماكن اللهو ، وانصرف متعلموهم إلى الشعر والغناء والتمثيل ، وليت فنانيهم انصرفوا إلى صناعة التماثيل للآلهة ، فقد راحوا يصنعون التماثيل للناس العاديين والفنانين وأبطال الأساطير ، والأسوأ من ذلك ، أنهم راحوا يصنعون التماثيل للفتيات العاريات . ما العمل ؟ هذا ما تمتم به الكاهن الشاب بحرقة ، نعم .. ما العمل والحالة هذه ؟ وعاد للحديث مع نفسه ، فقال : انليل العظيم ، رئيس الآلهة ، غضب على البشر في السابق ، لأنهم تكاثروا جداً ، وحرمه ضجيجهم من النوم ، فسلط عليهم الوباء ، ثم المجاعة ، وأخيراً الطوفان ، الذي كاد أن يبيدهم جميعاً ، أيها الإله العظيم مردوك ، أنت الذي انتصرت على تيامت ، الأم الأولى ، الشريرة ، وأقرت النظام الإلهي العادل في الكون ، أنت ملك الآلهة كلهم ، أهدِ هؤلاء البشر ، أو ابطش بهم ، لقد خلقتهم ، يا إلهي العظيم ، ليعبدوك ، ويقدموا الطاعة والصلوات والأضاحي لك ولجميع الآلهة ، أعدهم إلى الطريق المستقيم ، أو امحهم ، ليعرفوا أنك أنت الإله القادر الجبار ، الإله العظيم مردوك . وصمت الكاهن الشاب ، وقد شعر بالإرهاق الشديد ، وتهاوى أمام تمثال الإله مردوك ، وهو يتمتم باكياً ، إلهي العظيم مردوك ، إنني أنتظر الإشارة منك . وصمت الكاهن الشاب ، ثم نهض ، وخرج من حرم الإله العظيم مردوك ، وتسلل عائداً إلى غرفته ، في المعبد المقدس .. الايساجل .
" 2 " ــــــــــــــــ لم يكتفِ الكاهن نبو ، بالتسلل إلى حرم الإله مردوك ، فجر كلّ يوم تقريباً ، والحديث إليه عن همومه حول ما آل إليه البشر ، ذوو الرؤوس السوداء ، من الابتعاد عن الآلهة ومعابدهم وقيمهم ، والاهتمام فقط بحياتهم اليومية المعاشية والاجتماعية ، وإنما راح بين فترة وأخرى ، يتحدث إلى بعض الكهنة الشباب ، وقد رفض معظمهم أحاديثه خوفاً من الكاهن الأعظم ، وما قد ينزله بهم من عقاب ، لكن كاهنين أو ثلاثة ، راحوا يتبادلون معه الحديث ، ويتجاوبون مع ما يقوله ، وما يدعوا إليه من العودة إلى العصر الذهبي . وذات يوم ، عند المساء ، جاءه كاهن متوسط العمر ، وهو وحده في غرفته وقال له : الكاهن الأعظم يريد حضورك في المعبد للقائه . وشعر الكاهن نبو ببعض القلق ، فهو يعرف أن الكاهن الأعظم لا يرسل إلى أحد إلا لأمر هام وخطير ، فتساءل : متى يريدني أن أحضر ؟ فقال الكاهن : الآن ، تعال معي . وتبع الكاهن نبو ، الكاهن إلى المعبد ، ثم دخل على الكاهن الأعظم ، بعد أن استأذن له الكاهن ، ووقف أمامه ، وقال : طاب مساءك ، يا سيدي الكاهن الأعظم . لم يرد الكاهن الأعظم على تحيته ، وحدق فيه صامتاً ، بعينيه الحادتين الغاضبتين ، وقال : نحن نعرف ما تقوم به ، أيها الكاهن نبو .. وصمت الكاهن الأعظم لحظة ، ثم قال : تسللك اليومي إلى حرم الإله مردوك .. وقال الكاهن الشاب : لست مرتاحاً إلى ما آل إليه ، تمثال الإله العظيم مردوك ، فالغبار بدأ يعلوه . فقاطعه الكاهن الأعظم قائلاً : وحديثك الخطر ، إلى بعض الشباب من الكهنة ، بأمور لا تفقه فيها ، تشكل خطراً على جهودنا نحن كهنة الإله العظيم مردوك ، في بابل والمدن الأخرى . وهمّ الكاهن نبو ، أن يتكلم ، فقاطعه الكاهن الأعظم قائلاً : لا أريد أن أبعدك عن الكهانة ، فأنت كاهن شاب ذكي ، وقد نذرت نفسك لخدمة الإله العظيم مردوك . وصمت الكاهن الأعظم ثانية ، ثم قال : ستنفى إلى معبد صغير في الصحراء ، ولو لفترة محددة ، لتعيد التفكير في أعمالك وآرائك ، لعل الآلهة تهديك ، وتثوب إلى رشدك ، وتمتثل لتقاليد المعبد المقدس .. الايساجل . ثم أشار بإصبعه ، وقال : اذهب . وخرج الكاهن نبو ، ووجد عدداً من الكهنة الأشداء ، ينتظرونه خارج مقر الكاهن الأعظم ، فأحاطوا به على الفور ، وأخذوه ، وخرجوا به من الايساجل ، واتجهوا به إلى الصحراء ، حيث المعبد الصغير ، الذي ينفى إليه عادة ، المغضوب عليهم من الكهنة . " 3 " ـــــــــــــــ جاءه إله من الأنانوكي ، وقال له : أيها المستشار ايشوم ، الإله نرجال ، أرسلني في طلبك . ونظر ايشوم إليه ، متسائلاً بنظراته المستفهمة ، فقال : الآن ، تعال معي ، وستعرف كلّ شيء . وفي داخله ، قال ايشوم ، وهو يسير إلى جانب إله الانوناكي : جاء هذا الأمر في حينه ، كأن الإله نرجال ، عرف بأنني أريد لقاءه . ودخل الإله الانوناكي وايشوم على الإله نرجال ، وقال الأول : مولاي ، هذا المستشار ايشوم . وقال الإله نرجال للإله الانوناكي ، وهو يحدق في المستشار ايشوم : اذهب أنت . وخرج إله الانوناكي ، فانحنى ايشوم للإله نرجال ، وقال : طاب يومك ، يا مولاي . ونهض الإله نرجال ، وقال : أهلاً ايشوم ، كيف حال الملك ايرّا ؟ وردّ ايشوم قائلاً : أنت تعرف حاله ، يا مولاي ، وتعرف السبب أيضاً ، فأنت العارف بكل شيء . ولاذ الإله نرجال بالصمت لحظة ، ثم قال : العالم مليء بالآلهة ، ولكل طموحه ، ومن الصعب أن نحقق نحن الآلهة كل ما نطمح إليه . ورفع ايشوم عينيه ، وقال : مولاي ، لا أظنّ أنك أنت نفسك راضٍ عما يجري . وتحرك الإله نرجال ، مبتعداً بعض الشيء عن ايشوم ، وقال : ربما هناك خلل ، لعل العالم الأسفل ، لا يستقبل ما اعتاده ، أو يريده ، من الموتى . وقال ايشوم : نعم ، فلا حروب على الأرض ، ولا أوبئة ، ولا طوفان .. وابتسم الإله نرجال ، وقال : ولا ملك العالم الأسفل ايرّا ، ولا أعوانه المقاتلون السبعة . وقال ايشوم ، وكأنه يكمل كلام الإله نرجال : المقاتلون السبعة سجناء الغابة بمعرفتكم يا مولاي ، ومباركة الكاهن الأعظم للإله مردوك . ونظر الإله نرجال إليه ، وقال : اسمع ، يا ايشوم ، لدي خطة ، ربما سيكون لها فائدتها . وخفق قلب ايشوم ، بشيء من الفرح ، وقال : يبدو أنّ هذه الخطة ، ستفرح الملك ايرّا . وقال الإله نرجال : وهو ينظر بعيداً : نعم ، ستفرحه ، لكن ستكون فيها ضوابط ، تكبح جماح الغلو ، وإلا تحولت إلى كارثة . وصمت الإله نرجال ، ولاذ ايشوم بالصمت ، ينتظر الآتي ، لكن الإله نرجال قال : أريد الملك ايرّا ، أن يأتيني هنا اليوم . وانحنى ايشوم ، مستشار الملك ايرّا ، للإله نرجال ، وقال : الأمر لك ، مولاي العظيم نرجال .
" 4 " ـــــــــــــــ قبيل المساء ، حضر الإله ايرّا ، وقد بدا متشوقاً ومستبشراً ، ولاحظ الإله نرجال ذلك ، فقال مبتسماً : لقد جئت قبل الموعد ، يا ايرّا . وردّ الملك ايرّا قائلاً : هذا شأني دائماً ، أنت تعرفني ، يا مولاي ، إنني أسبق الزمن دائماً . وحدق الإله نرجال فيه ، وقال : لقد لاحظت أنك مللت العالم الأسفل ، وربما تقت إلى عالم آخر ، تغمره أشعة الشمس ، ويمرح فيه الهواء الطلق . وبادله الملك ايرّا النظر ، وقال مشددا على كلماته : هناك علة ، يا مولاي ، العالم الأسفل له شكاواه ومعاناته ، وعلينا أن نعالجها ، ونعيد المياه إلى مجاريها ، وكما تطمح أنت ، يا مولاي . وقال الملك نرجال : نعم ، هناك علة ، ولك أن تخرج منذ صباح الغد ، وتنطلق إلى الأعلى ، بعيداً عن العالم الأسفل ، تنطلق إلى بابل أولاً . وقال الملك ايرّا : لن أخرج وحدي طبعاً ، يا مولاي . فقال الإله نرجال : سيأتي معك كالعادة مستشارك ايشوم ، وأرجو أن تصغي إليه ، فهو عقل كبير . وبدا الملك ايرّا متحمساً ، وقال كأنما يحدث نفسه : المهم أنني سأخرج ، وأكون في بابل ، حيث الايساجيل ، والإله العظيم مردوك . واقترب الإله نرجال منه ، وقال له : سيكون لك قصر فخم في طرف مدينة بابل ، قرب الجنائن المعلقة ، وستأتيك هناك زوجتك . وتملكت الدهشة الملك ايرّا ، وقال متسائلاً : ماذا ! زوجتي ؟ فردّ الإله نرجال قائلاً : نعم ، ستكون في بابل ، وينبغي أن تكون لك زوجة ، وأي زوجة يا ايرّا ، إنها الجميل الساحرة .. مامّي . فقال الملك ايرّا محتجاً : لا حاجة بي إلى زوجة ، أنت تعرف ، يا مولاي ، ما أنا بصدده . لم يلتفت الإله نرجال إلى ما قاله الملك ايرّا ، وقال : وبعد يومين أو ثلاثة من وصولك ، إلى قصرك في بابل ، ولقائك بزوجتك مامّي ، سيدعوك كبير كهنة الايساجيل ، مقر الإله العظيم مردوك ، فاذهب إليه . وصمت الإله نرجال ، فقال الملك ايرّا : إنني رهن إشارتك ، أيها الإله العظيم نرجال . وطفت ابتسامة طفيفة على شفتي الملك ايرّا ، وقال : اطمئن ، يا مولاي ، سيزدهر العالم السفلي من جديد ، ما دمتُ في الأعلى . وقال الإله نرجال : لا تنسَ ، يا ايرّا ، أنني أنظر إليك ، وأراك جيداً من هنا . وتراجع الإله ايرّا ، وهو يقول : هذا يشرفني ، يا مولاي ، وسأكون عند حسن ظنك . ثم استدار ، وغادر مقرّ الإله نرجال ، ومضى عائدا إلى مقره ، حيث ينتظره مستشاره ايشوم .
" 5 " ـــــــــــــــ بقدرة الإله نرجال ، إله العالم السفلي ، وجد الملك ايرّا ومستشاره ايشوم ، نفسيهما أمام قصر فخم ، على مقربة من الجنائن المعلقة في بابل . ونظر المستشار إلى القصر مبهوراً ، وقال : مولاي ، هذا قصرك . وحدق الملك ايرّ في القصر ، الذي تحيط به حديقة غناء ، وقال : كل هذا ، والبشر ذوو الرؤوس السوداء ، لعنتهم الآلهة ، غير راضين . وسار الملك ايرّا ، يتبعه مستشاره ايشوم ، وهو يقول : هؤلاء الجاحدون ، سيدفعون الثمن . وعند باب القصر ، انحنى الحراس المدججون بالسلاح للملك ايرّا ، وتقدم مدير القصر مسرعاً نحوه ، وانحنى له ، وقال : تفضل ، يا مولاي ، القصر جاهز ، والكل في انتظارك وخدمتك . ودخل الملك ايرّا ومستشاره القصر ، يتقدمهما المدير ، الذي قادهما عبر الممرات إلى ردهة واسعة ، ذات أثاث فخم ، وقال : تفضل ، ارتح هنا قليلاً ، يا مولاي . وتلفت الملك ايرّا حوله ، وابتسم المستشار ايشوم ، وقال : ربما ستفضل البقاء ، هنا في هذا العالم ، يا مولاي ، فهو العالم الأمثل . ونظر الملك ايرّر إليه ، فتابع المستشار قائلاً : أعني البعيد عن العالم السفلي . وحدق الملك ايرّا فيه ، وقال : هنا سيكون ميدان مهمتنا المقدسة ، وفي أسرع وقت ممكن . واقترب مدير الخدم من الملك ايرّا ، وقال : مولاي ، لعلك متعب الآن ، تفضل إلى جناحك الخاص ، إذا أردت أن ترتاح أكثر . فقال الملك ايرّا ، دون أن ينظر إليه : هيا ، خذني إلى هناك ، فأنا متعب فعلاً . وسار يتقدمه مدير الخدم ، وهو يقول لمستشاره ايشوم : سأراك فيما بعد ، يا ايشوم . وانحنى المستشار ، وقال : أمر مولاي . وقاد مدير الخدم ، الملك ايرّا عبر ممرات القصر ، إلى جناح واسع ، حيث كانت تقف إحدى الجواري ، وما إن رأته حتى احنت له ، وقالت : مولاي . وأشار مدير الخدم إلى إحدى غرف الجناح ، وقال : تلك غرفة نومك ، يا مولاي ، وهذه كبيرة الجواري في خدمتك ليلاً ونهاراً . وانحت كبيرة الجواري له مرة أخرى ، وقالت : في خدمتك ، يا مولاي . وانحنى مدير الخدم للملك ايرّا ، وقال بصوت خافت : عن إذنك ، يا مولاي . واتجه إلى الخارج ، تتبعه رئيسة الوصيفات ، ثم خرجا من الجناح ، وتقدم الملك ايرّا إلى إحدى النوافذ ، المطلة على حديقة القصر ، وراح يتأمل ما فيها . وطرق الباب ، فالتفت الملك ايرّا ، وقال : تفضل . وفتح الباب ، ودخلت امرأة في ثياب مميزة ، وزينة مبهرة ، وتقدمت من الملك ايرّ مبتسمة ، وقالت : طاب صباحك ، يا عزيزي . وحدق الملك ايرّ فيها مستغرباً ، فقالت وقد اتسعت ابتسامتها : أنا مامّي . وتمتم الملك ايرّا : مامّي ! ومالت عليه المرأة مبتسمة ، وقالت : زوجتك ، زوجتك ، يا عزيزي ، ايرّا .
" 6 " ـــــــــــــــــ مرت أيام عديدة ، والمستشار ايشوم في جناحه بالقصر ، لا يلتقي بالملك ايرّ ، الذي كان مع زوجته مامّي في جناحه الواسع . ولم يضيع المستشار ايشوم هذه الفرصة ، فراح يتجول كلّ يوم ، في طرف من أطراف مدينة بابل الواسعة الجميلة المزدهرة ، فتجول في شوارعها المنظمة ، وذهل أمام جمال وعظمة شارع النصر ، الذي يزدهي بالبوابة العظيمة بوابة عشتار ، وتجول في الأسواق العامرة ، المليئة بالبضائع والمنتوجات المحلية والمستوردة من عيلام وفينيقيا ومصر واليونان ، كما زار جنائن بابل المعلقة ، وحقاً كانت مرتفعاً جميلاً ، وسط مدينة بابل ، بناها الملك نبو خذ نصر لزوجته الجبلية الجميلة اوميت . وقاده تجواله ذات يوم إلى معبد ايساجيل ، مقر الإله العظيم مردوك ، وطلب لقاء الكاهن الأعظم ، وما أن عرف الأخير ما حقيقة زائره ، حتى دعاه للقائه في جناحه داخل المعبد . ونهض الكاهن الأعظم ، بجسده الضخم المترهل ، حين دخل عليه المستشار ايشوم ، وحياه قائلاً : طاب يومك ، أيها الكاهن الأعظم . ورحب به كبير الكهنة قائلاً : أهلاً ومرحباً بمستشار الملك ايرّا . وأشار الكاهن إلى مقعد قريب من مقعده ، وقال : تفضل ، اجلس هنا . وجلس المستشار ايشوم ، وعاد الكاهن الأعظم للجلوس في مكانه ، وقال للمستشار : أرجو أن تكون قد اطلعت ، على معالم مدينتنا العظيمة المقدسة بابل . فابتسم المستشار ايشوم ، وقال : نعم ، وقد تجولت في معظم أرجائها ، إنها حقاً عاصمة العالم . وقال الكاهن الأعظم : هذا يسعدنا .. وصمت للحظة ، ثم قال : توقعنا أن يشرفنا الملك ايرّا بزيارتنا في المعبد ، خلال الأيام الماضية . فقال المستشار ايشوم : سنزوركم قريباً ، وسنعلمكم بوقت الزيارة مسبقاً . فقال الكاهن الأعظم : أهلاً بكما في أي وقت . وصمت الكاهن الأعظم ، ثم قال : يهمني أن أطلع الملك ايرّا ، وأطلعك أنت أيضاً ، على أحوال المعبد وبابل المقدسة ، والمدن الأخرى ، وعلى كلّ ما يهمنا في هذه المرحلة ، وهي في الحقيقة مرحلة لها حساسيتها ، وسيكون لها دور في مستقبل البلاد . وقال المستشار ايشوم : هذا ما سيحرص الملك ايرّا على الاطلاع عليه من خلالكم ، يا مولاي . ثم نهض المستشار ايشوم ، وانحنى للكاهن الأعظم ، وقال : عن اذنك ، يا مولاي . ونهض الكاهن الأعظم ، وقال : تفضل ، ننتظر زيارتكما .
" 7 " ـــــــــــــــ أخيراً خرج الملك ايرّا من القصر .. وكما تفلت انكيدو ، من سحر شمخي بعد سبعة أيام ، كذلك الملك ايرّا ، فقد تفلت من سحر مامّي ، بعد سبعة أيام أيضاً . لكنه رغم سحر مامّي ، الذي لا يقاوم ، كان يجذبه سحر أكثر قوة ، هو الذي دفعه للخروج من العالم الأسفل ، إلى عالم البشر الأحياء ، الذين ضلوا في رأيه ، وحان أوان إعادتهم إلى حظيرة الإيمان . وفي خروجه من القصر ، لم يرافقه مستشاره ايشوم ، وإنما رئيس حراس القصر ، وحالما خرجا إلى الطريق ، قال الملك ايرّا : خذني إلى معبد الايساجيل . فقال رئيس الحراس : أمر مولاي . ثم توقف ، وقال : من الأفضل أن نستقل إحدى عربات القصر ، يا مولاي . فقال الملك ايرّا : لا ، أريد أن تأخذني مشياً على الأقدام ، فأنا أريد أن أرى طرقات بابل . وسار رئيس الحرس ، يتقدم الملك ايرّا ، في شوارع المدينة ، حتى وصلا مبنى ضخماً مهيباً ، وقال رئيس الحرس : مولاي ، هذا هو المعبد .. ايساجيل . وحدق الملك ايرّا في المبنى ، ثم قال : اذهب أنت ، سأعود وحدي فيما بعد . فانحنى رئيس الحرس ، وقال : الأمر لك ، يا مولاي ، حرستك الآلهة . وقفل رئيس الحرس عائداً إلى القصر ، فدخل الملك ايرّا المعبد ، ولم يكد يتقدم في الفناء قليلاً ، حتى اقترب منه كاهن شاب ، وهمس له بصوت يوحي بالخطورة والسرية : مولاي .. وتوقف الملك ايرّا ، وحدق فيه ملياً ، فقال الكاهن الشاب : عفواً مولاي ، أردت أن أختلي بك ، منذ أن علمنا بقدومك إلى بابل ، لأحدثك في أمر هام يهمك جداً . لم يرد الملك ايرّا بكلمة ، فمال عليه الكاهن الشاب ، وقال : نحن مجموعة من الكهنة ، نريد أن نعيد للإله مردوك بريقه الأول . وتلفت الملك ايرّا حوله ، وقال : سأزور الإله مردوك الآن ، انتظرني هنا ، سأعود بعد قليل . انحنى الكاهن الشاب للملك ايرّا ، وقال : سأنتظرك هنا ، يا مولاي ، فالأمر هام جداً . وتسلل الملك ايرّا إلى حرم الإله مردوك ، وفوجئ بتمثال الإله العظيم مردوك ، وقد زال عنه بريقه ، وعلاه ما يشبه الغبار ، فحدق في التمثال والغضب يغلي في صدره ، وتمتم قائلاً : أيها الإله العظيم ، سدد خطاي ، وكن في عوني ، وسأعيد البريق لك ، ليشع ثانية في كلّ مكان في العالم .
" 8 " ـــــــــــــــ خرج الملك ايرّا من معبد الايساجيل ، ووجد الكاهن الشاب ، ينتظره في نفس المكان ، الذي تركه فيه ، فاقترب منه ، وتمتم بصوت خافت : نبو . وانتبه الكاهن الشاب إليه ، وقد التمعت عيناه ، وقال بصوت خافت : لست نبو ، يا مولاي ، نبو هو اسم قائد مجموعتنا ، وهو منفي في معبد وسط الصحراء . فقال الملك ايرّا ، دون أن ينظر إليه : اذهب إلى نبو ، وليأتني منتصف ليلة الغد ، وسينتظره مستشاري ايشوم بباب القصر ، ليحضره لي . والتمعت عينا الكاهن الشاب ، وقال : أمر مولاي ، سأنطلق إليه الساعة . ثم انطلق مسرعاً ، مبتعداً عن الملك ايرّا ، متجهاً إلى الصحراء ، حيث يتواجد الكاهن نبو ، في معبد صغير ، نفاه إليه الكاهن الأعظم . واستدار الملك ايرّا ، وقفل عائداً وحده إلى القصر ، وتعمد أن يتجول في بعض الشوارع والأسواق ، محاولاً أن لا يلفت نظر أحد إليه ، وراح يراقب الناس ، وقد لاحظ انهماكهم في البيع والشراء ، وقد بدت عليهم مظاهر الرفاه والسعة ، ورأى الفتيات والنساء ، يسرن في ملابس زاهية مترفة ، تكشف عن بعض مفاتنهن ، فهزّ رأسه ، وقال في نفسه : كلّ هذا لا يرضى عنه الإله مردوك ، ويبدو أن الكهنة ، وعلى رأسهم كبير الكهنة ، قد خدرتهم الدعة والراحة والرفاه . واتجه بخطوات مسرعة ، غاضبة ، نحو القصر ، وهو يقول في نفسه : أيها الإله العظيم مردوك ، ستسود شريعتك الإلهية العادلة من جديد ، ولن تُسمع في المعابد والحقول والقرى والمدن غير التمجيد باسمك ، والتسبيح بحمدك ، وطلب رضاك . وما إن دخل القصر ، حتى أسرع نحوه مستشاره ايشوم ، الذي كان ينتظره على أحر من الجمر ، منذ أن عرف بخروجه من القصر ، وخاطبه قائلاً : مولاي . وتوقف الملك ايرّا ، وقال : ايشوم .. وقال ايشوم : مولي ، لقد أقلقني غيابك هذه المدة . وتابع الملك ايرّا قائلاً ، دون أن يلتفت إلى ما قاله المستشار ايشوم : عند منتصف ليلة الغد ، سيأتي كاهن شاب اسمه نبو .. وتمتم المستشار ايشوم مذهولاً : نبو ! فقال الملك ايرّا : انتظره قبل منتصف الليل ، قريباً من باب القصر ، وأحضره فوراً إلى جناحي . وقبل أن يتفوه المستشار ايشوم بكلمة واحدة ، استأنف الملك ايرّا سيره ، وأسرع إلى جناحه .
" 9 " ـــــــــــــــ قبيل منتصف الليل ، خرج المستشار ايشوم من غرفته ، ووقف على مقربة من الباب الخارجي للقصر ، ينتظر الكاهن نبو ، ليأخذه إلى الملك ايرّا . وتلفت ايشوم حوله في الظلام ، الذي يضيئه هلال نحيل ، ونجوم مبعثرة في السماء ، وتراءى له الملك ايرّا ، إنه مستشاره ، لكنه وكأنه بعيد عنه ، بينهما ستار ، ليس هو من أقامه ، وعليه أن يخترقه ، لمصلحة الملك ايرّا نفسه ، والمهمة التي انتدبا من أجلها . وخلال غياب الملك ايرّا ، سواء في جناحه ، مع زوجته الفاتنة مامّي ، أو ذهابه إلى معبد الايساجيل ، حاول المستشار ايشوم ، أن يعرف ما يضمره الملك ايرّا ، وفي أعماقه ، ورغم مساندته له ، كان متوجساً من فورات غضبه الأعمى ، التي لا تقف عند حد . ولاح في الظلام من بعيد ، شبحا رجلين ، راحا يتقدمان نحو القصر ، حتى صارا على مسافة قريبة منه ، فتوجه إليهما ، وخاطبهما قائلاً بصوت هامس : من منكما الكاهن نبو . وتوقف الرجلان ، وراحا يحدقان فيه صامتين ، فمال عليهما ، وقال : أنا المستشار ايشوم . وأشار الكاهن الشاب ، إلى الكاهن الآخر ، وقال بصوت هامس : هذا هو الكاهن نبو . فحدق المستشار ايشوم فيه ، وقال له : تعال معي إلى الداخل ، الملك ايرّا ينتظرك في جناحه . وسار المستشار ايشوم نحو الداخل ، وهمّ الكاهن نبو أن يتبعه ، فمال الكاهن الشاب عليه ، وقال بصوت هامس : سأنتظرك هنا ، يا سيدي . ودخل ايشوم القصر مسرعاً ، يرافقه الكاهن نبو ، وسارا عبر ممرات كثيرة بدت شبه مظلمة ، حتى وصلا جناح الملك ايرّا ، الذي يقف ببابه حارسان . ونهض الملك ايرّا ، حين دخلا الجناح ، وإنحيا له ، وقال المستشار ايشوم : سيدي ، هذا الكاهن نبو . وحدق الملك ايرّا في الكاهن نبو ، وتمعن فيه ملياً ، كأنه يسبر أغواره ، وهو يقول : ايشوم ، اذهب أنت الآن إلى غرفتك ، وسأرسل لك إذا احتجت إليك . وانحنى المستشار ايشوم ، وقال : أمر مولاي . وخرج من الجناح ، تاركاً الملك ايرّا والكاهن نبو ، وفي داخله ، لم يكن مرتاحاً لما يجري ، وهزّ رأسه ، يبدو أن الملك ايرّا يبيت ما لا تحمد عقباه .
" 10 " ـــــــــــــــــــ أوشكت الشمس على الشروق ، حين خرج الكاهن نبو من القصر ، وقد بدا عليه التعب والانفعال ، وأسرع إليه الكاهن الشاب ، وقال له : لقد تأخرت ، يا سيدي . وردّ الكاهن نبو ، دون أن يتوقف : خذني إلى بيتكم ، لابدّ أن نرتاح قليلاً ، ثم أحدثك عما دار بيني وبين ملك العالم السفلي .. ايرّا . وفي الطريق إلى بيت الكاهن الشاب ، قال الكاهن نبو : طموحات الملك ايرّا ، أوسع بكثير من طموحاتنا ، ولن تقف عند الحد ، الذي كنا نريد الوصول إليه . وواصل الكاهن الشاب السير ، إلى جانب الكاهن نبو ، وقال بصوت متعب : أرجو أن يكون لنا دور مهم ، في مخططات الملك ايرّا . فقال الكاهن نبو : نحن لنا دور ، في هذه المخططات ، لكن الدور الأساسي سيكون للمقاتلين السبعة ، وهم كما تعرف أشهر المقاتلين في البلاد الآن . واتسعت عينا الكاهن الشاب ، وتساءل مذهولاً : المقاتلون السبعة ! فردّ الكاهن نبو قائلاً : بعد أن نرتاح ، سأنطلق أنا إلى الغابة ، حيث المقاتلين السبعة ، وسأنقل إليهم رسالة الملك ايرّا ، وعليهم أن يستعدوا للانضمام إلى القوات ، التي ستتجمع في مكان معين من الريف ، ليسيروا هم في مقدمة المقاتلين الشجعان . وصمت الكاهن نبو لحظة ، ثم قال : أما أنت ، فبعد أن نرتاح قليلاً ، عليك أن تنطلق وتبلغ جماعتنا وأصدقاءنا ومناصرينا ، أن يلتحقوا بالقوات ، التي ستقاتل تحت إمرة الملك ايرّا . وفغر الكاهن الشاب فاه مذهولاً ، وقال : يبدو أننا مقبلون على معارك واسعة وخطرة ، في كلّ مكان . وواصل الكاهن نبو طريقه ، وهو يقول : هذا القتال فرضه الإله نرجال ، إله العالم السفلي ، لنعيد للإله العظيم مردوك هيبته .. وصمت لحظة ، ثم قال : وعلينا ، في هذه المعركة المقدسة ، بحسب الملك ايرّا ، أن لا نعير أية أهمية للآلهة الأخرى ، وأنّ علينا أن نكون كالنار ، تحرق الصغار والكبار ، وقال إن البشر ، ناكري للجميل ، لم تردعهم لا الأوبئة ، ولا المجاعة ، ولا حتى الطوفان ، وآن أن نضع حداً لشرورهم ، باسم الإله العظيم مردوك ، خالق الكون ، وإله بابل العظيمة ، التي خرج أهلها أنفسهم عن الطريق القويم ، طريق الإله العظيم مردوك ، وسيأتي الدور عليهم ، إن عاجلاً أو آجلاً . وتوقف الكاهن الشاب ، أمام باب بيت في أحد الأزقة ، وقال : مولاي ، هذا بيتنا ، وليس في الداخل سوى أمي الكبيرة السن . فقال الكاهن نبو : دعنا ندخل إذن ، ونرتح قليلاً ، ثم ننطلق إلى مهامنا .
" 11 " ـــــــــــــــــ تابع ملك بابل ، ما يجري في القرى والبلدات المجاورة لبابل ، باهتمام شديد ، وكان قائد جنده ، يمده باستمرار بما يصل إليه ، عن طريق عيونه المبثوثة في كلّ مكان ، داخل بابل وخارجها . وبين حين وآخر ، كان يتعمد الخروج من القصر ، بحماية حراسه المدججين بالسلاح ، والتجول في الشوارع والأسواق ، ليطمئن الموطنون من جهة ، وليشعر الأعداء وأعوان المتمردين بيقظته وجنده ، واستعدادهم الدائم لكل طارئ . وفي ليلة البارحة ، وبعد أن سمع الملك قائد الجند ، ووزيره الشيخ المحنك ، قال لهما : أريد أن أسمع رأي الكاهن الأعظم فيما يجري . ونظر الوزير الشيخ إليه ، وقال : مولاي ، الكاهن الأعظم ، رغم غموضه ، وحذره الشديد ، إلا أنّ من الواضح ، أنه ضد ما يجري في البلاد . فنهض الملك ، ووقف عند النافذة ، المطلة على الحديقة التي يسودها ظلام الليل ، وقال بإصرار : أريد أن اسمع رأيه بنفسي . والتفت إلى الوزير ، وقال : أعلموا الكاهن الأعظم ، بأني سأقوم بزيارة الايساجيل يوم الغد . فأحنى الوزير الشيخ رأسه ، وقال : أمر مولاي . وعند الضحى ، في اليوم التالي ، ذهب الملك إلى الايساجيل ، يحيط به عدد من حراسه المدججين بالسلاح ، للقاء الكاهن الأعظم . واستقبله عند مدخل المعبد ، الكاهن الأعظم نفسه ، وكهنة المعبد كلهم ، وأحنى الكاهن الأعظم رأسه ، وقال : مرحباً بك ، يا مولاي ، في الايساجيل . وردّ الملك عليه ، والحرس يحيطون به : أهلاً بك ، أيها الكاهن الأعظم ، أرجو أن تكون بخير . وسار الكاهن الأعظم بخطواته البطيئة ، نحو الداخل ، وهو يقول : أشكرك ، يا مولاي ، إنني هنا في رعاية الإله مردوك . وحين أصبحا لوحدهما ، في غرفة الكاهن الأعظم ، قال الملك : جئت أزور الايساجيل ، وأقدم الطاعة والشكر للإله العظيم مردوك ، و .. وسكت الملك ، فقال الكاهن الأعظم : أهلاً بك ، يا مولاي .. وتابع الملك قائلاً : وهو يحدق في الكاهن الأعظم : ماذا يجري ، أيها الكاهن الأعظم ؟ ماذا يجري هذه الأيام فيما حولنا ، في الريف والبلدات والمدن ؟ ولاذ الكاهن الأعظم بالصمت لحظة ، ثم قال : ما أعرفه ، يا مولاي ، أن الإله العظيم مردوك ، لم يخول أحداً للقتال باسمه ، أو من أجله . وقال الملك : لكن هذا ما يقوله المدعو ايرّا . فقال الكاهن الأعظم : نعم ، هذا ما يقوله ايرّ وأتباعه ، يا مولاي ، لا ما يقوله الإله مردوك . ونهض الملك ، وقال : إنهم يمحون القرى والبلدات والمدن ، وكلّ ما فيها من بيوت وأسواق ومعابد . وهزّ الكاهن الأعظم رأسه ، دون أن ينبس بكلمة ، فتابع الملك قائلاً : بل ويقتلون الرجال والشباب والأطفال ، ويسبون النساء ، ويبيعهن كالعبيد . وقال الكاهن الأعظم ، وقد أطرق رأسه : لترحمنا الآلهة العادلة ، يا مولاي . وحدق الملك فيه ، وقال : لي مسؤوليتي أمام بابل والناس ، الذين يعيشون فيها ، ولن أقف مكتوف اليدين ، مهما كلفني الأمر .
" 12 " ـــــــــــــــــ مساء ، وقد اختفت الشمس وراء مرتفعات الأفق ، وحلّ الظلام والبرد ، وصل الملك ايرّا ومستشاره ايشوم ، وأتباعه إلى مشارف جبال الحجارة . وضربوا للملك ايرّا خيمة كبيرة ، وأوقدوا النار في داخلها للتدفئة ، وجلس الملك ايرّا ، بعد أن تخفف من بعض ملابس المعركة ، لعله يرتاح . واقترب المستشار ايشوم منه ، وقال : مولاي .. وتنهد الملك ايرّا ، وقال : إنني متعب ، يا ايشوم . وصمت المستشار ايشوم لحظة ، ثم قال : لقد وصلنا اليوم ، إلى مشارف جبال الحجارة ، يا مولاي . ولاذ الملك ايرّا بالصمت ، فقال المستشار ايشوم : قرب جبل خيخي ، تتجمع فلول جميع الجيوش ، التي غلبناها ، ومعهم جيوش الجبليين . وقال الملك ايرّا ، بدون حماسه المعتاد : سنغلبهم ، يا ايشوم ، مهما كان عددهم . وقال المستشار ايشوم : وحتى لو غلبناهم .. وقاطعه الملك ايرّا : سنحقق ما نريده ، وما يريده الإله العظيم مردوك . وقال ايشوم : الإله مردوك ، يا مولاي ، خلق البشر ، ليعبدوه ، ويخدموه ، ويخدمون الآلهة ، ويقدمون لهم ما يحتاجون إليه من غذاء وتقدمات . وصمت المستشار ايشوم لحظة ، ثم قال : ماذا قدمنا للإله مردوك والآلهة الأخرى ، بتدميرنا للقرى والمدن والمعابد ؟ والبشر أنفسهم قتلناهم وشردناهم ، ولا يعرفون بمن يلوذون ، وهم يشعرون بأن الآلهة قد تخلت عنهم ، وتركتهم للذبح والدمار . ونهض الملك ايرّا ، وحدق فيه ، ثم قال : هذا الكلام ، لم تقله لي من قبل أبداً . ورفع المستشار ايشوم عينيه المتعبتين إليه ، وقال : سيدي ، هذا ليس كلامي فقط ، إنه في الأساس كلام الإله نرجال ، إله العالم السفلي . ولاذ الإله ايرّ بالصمت ، ثم استدار ، وارتمى فوق فراشه ، لم ينم ، هذا ما عرفه المستشار ايشوم ، لأنه هو نفسه لم ينم أيضاً . وعند حوالي منتصف الليل ، نهض الملك ايرّا ، وحدق في المستشار ايشوم ، بعينين محتقنتين ، وقال كأنما يحدث نفسه : فليذهب المحاربون السبعة إلى الغابة ، التي جاؤوا منها ، وليعد المحاربون جميعاً إلى قراهم ومدنهم ، لا حرب بعد اليوم ، يا ايشوم ، ولتعد الأمور إلى ما كانت عليه . وعاد الملك ايرّا إلى فراشه ، وتمدد فيه ، وهو يقول : من الصعب أن يفهم أيّ منا الآلهة ، لقد خلقوا البشر ، لكنهم سرعان ما سلطوا عليهم الوباء والمجاعة ، ثم الطوفان ، وأخيراً .. الدمار . وصمت الملك ايرّا ، ومعه صمت المستشار ايشوم ، وسرعان ما استغرقا في نوم عميق .
" 13 " ـــــــــــــــــ في ساعة متأخرة من الليل ، جاءه إله من الانوناكي ، وقال له : أيها المستشار ايشوم ، تعال معي ، إن الإله نرجال يريدك . ونهض المستشار ايشوم ، وقال : نحن في ساعة متأخرة من الليل . فقال له إله الانوناكي : تعال ، هذه أوامر الإله نرجال ، وليس لي أن أضيف عليها . وسار الإله الانوناكي ، ومعه سار المستشار ايشوم ، وهو يقول : لقد كنت قبل قليل عنده ، وقد أخبرني بكل شيء ، على ما أعتقد . فقال الإله الانوناكي : تعال وستعرف ما يريده الإله . وما إن دخلا على الإله نرجال ، وقبل أن يتفوه أحدهما بكلمة ، قال الإله نرجال للإله الانوناكي : أذهب أنت ، ولا تدع أحداً يدخل علينا . وانحنى الإله الانوناكي ، وقال : أمر مولاي . ثم استدار ، ومضى إلى الخارج ، وأشار الإله نرجال للمستشار ، وقال : اجلس ، يا ايشوم . وجلس المستشار ايشوم ، وهو يقول : كنت أتمنى أن أنام قليلاً ، فأمامنا سفر بعيد يوم غد ، يا مولاي . وحدق الإله نرجال فيه ملياً ، ثم قال : أخشى أنكما لن تسافرا يوم غد . ونظر المستشار ايشوم إليه مذهولاً ، فقال الإله نرجال : أنت تعرف ، يا ايشوم ، أن الخروج من العالم السفلي ، إلى العالم الأعلى ، أمر شبه مستحيل . وقال المستشار ايشوم : لكن يا مولاي ، أنت الذي طلبت منّا ذلك ، هذا اليوم . فقال الإله نرجال : كان خطأ ، يا ايشوم ، حتى الآلهة تخطىء ، والرجوع عن الخطأ فضيلة . ولاذ المستشار ايشوم بالصمت ، فقال الإله نرجال : تراءى لي الإله إيا ، بعد المساء .. ورفع المستشار ايشوم عينيه إليه ، وراح ينصت باهتمام ، فتابع الإله نرجال قائلاً : وأراني كلّ ما يمكن أن يحدث في القرى والبلدات والمدن ، وكذلك ما سيصيب البشر في كلّ مكان ، إذا سمحت لايرّا أن يخرج . وصمت الإله نرجال برهة ، ثم قال : يكفي ما نال البشر من الأوبئة والمجاعة والطوفان ، وربما لن يبقى منهم أحد أذا خرج إليهم ايرّا ، ومعه المقاتلون السبعة ، بل لن تبقى حياة على وجه الأرض . ولاذ المستشار ايشوم بالصمت ، فنظر الإله نرجال بعيداً ، وقال كأنما يحدث نفسه : الملك ايرّا ، ومستشاره ، والمقاتلون السبعة ، سيبقون ، كلّ في مكانه ، فقد نحتاجهم يوما ما . ونظر إلى المستشار ايشوم ، وقال : قل للملك ايرّا ، أن المهمة ألغيت ، في الوقت الحاضر . ونهض المستشار ايشوم ، وانحنى بإجلال للإله نرجال ، وقال : أمر مولاي .
30 / 6 / 2019
#طلال_حسن_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جايا الغزالة
-
رواية للفتيان شترا و ريشيا
...
-
رواية للفتيان النمر طلال حسن
-
الهدنة
-
رواية للفتيان وادي الافاعي
...
-
رواية للفتيان الفتاة الغزالة طلال
...
-
رواية للفتيان غابة الذئاب
...
-
رواية للفتيان الحوت الصغير طلال حسن
-
رواية للفتيان قمر من سماء عالية
...
-
روايةللفتيان الزنبقة
...
-
رواية للفتيان عينان في الماء طلال
...
-
رواية للفتيان يوهيرو الأمل
...
-
رواية للفتيان التاج طلال حسن
-
رواية للفتيان شترا و ريشيا
...
-
رواية للفتيان طائر الرعد طلال حسن
-
رواية للفتيان كوجافاسوك والحوت
...
-
رواية للفتيان كهف الدب الأسود
...
-
رواية للفتيان الذئب الأحمر الصغير طلا
...
-
رواية للفتيان ابني الديسم ميشا
...
-
رواية للفتيان جبل الوعول
...
المزيد.....
-
رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما
...
-
قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال
...
-
“رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس
...
-
افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية
...
-
هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
-
-هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم
...
-
-بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
-
إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية-
...
-
على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي
...
-
الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|