أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي - المسار 79















المزيد.....



المسار 79


الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)


الحوار المتمدن-العدد: 7719 - 2023 / 8 / 30 - 11:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




العدد /79- آبأغسطس2023
---------------------------------------------------------------------------------

الافتتاحية: كيف يمكن تحديد المهمات المرحلية عند الماركسيين العرب؟
تتحدد المهام المرحلية من خلال طبيعة المرحلة، ومن خلال رؤية التيار السياسي لمهام المرحلة. كان لينين في «خطتا الاشتراكية - الديموقراطية في الثورة الديموقراطية» (1905) يرى طبيعة المرحلة بأنها ذات طابع بورجوازي ديموقراطي في بلد خرج من القنانة عام 1861 وما زالت العلاقات ما قبل رأسمالية سائدة فيه.
من هنا رأى بأن المهام ديموقراطية وليست اشتراكية وإن اختلف مع المناشفة حول قدرة البورجوازية الروسية على القيام بدور البورجوازيتين الانكليزية والفرنسية في ثورتي 1688 و1789 حيث رأى أن حزب الطبقة العاملة، وبالتحالف مع الفلاحين والراديكاليين الثوريين، هو من سيقوم بذلك. بعد وصول لينين إلى نظريته عن الامبريالية عام 1916 اختلفت نظرته، وهو ما تجسد في «موضوعات نيسان» عام 1917 عندما رأى بعد اسقاط القيصرية بأن المهام أصبحت مختلطة بين بورجوازية ديموقراطية وبين مهام اشتراكية، وأن الأولى طريقاً إلى الثانية في مهمة واحدة هي الاستيلاء على السلطة عبر السوفيات من خلال استغلال الحزب البلشفي لشعاري «السلم» و»الأرض». نجح لينين في الاستيلاء على السلطة عبر ثورة أوكتوبر1917، ولكن البلاشفة لم يستطيعوا ادخال روسيا في الاشتراكية بل قادوا ثورة بورجوازية عبر ثلاثة أرباع القرن كانت نهايتها «اقتصاد السوق» بديلاً من «رأسمالية الدولة» و»التعددية السياسية» بديلاً من "الحزب الواحد"،وقد استخلص الشيوعيون الصينيون الاستنتاجات من التجربة السوفياتية،حيث لم يطرحوا مهاماً اشتراكية بل يقودون ثورة رأسمالية الآن ،بعد أن نقلوا الصين من التخلف وقبل ذلك حرروها من السيطرة الأجنبية.
منذ نشوء الأحزاب الشيوعية العربية في العشرينيات لم تكن تحديدات المرحلة واضحة المعالم، وكذلك المهام، وقد اختلطت وتداخلت كثيراً مع الاستراتيجية السوفياتية تجاه المنطقة العربية، وكان السوفيات على الغالب هم من يحدد طبيعة المرحلة، كما جرى عام 1964 عندما حددوها بأنها في «مرحلة التطور اللارأسمالي». وبالتالي فإن المهام تتطلب لإنجازها نشوء «تحالف القوى التقدمية» مع عبدالناصر والبعثيين وعبدالسلام عارف، وهو ما قاد إلى ضغط موسكو لحل الحزب الشيوعي المصري واندماج الشيوعيين في «الاتحاد الاشتراكي»، وإلى «وثيقة آب 1964» الشيوعية العراقية التي كادت أن تقوم بما فعله الشيوعيون المصريون مع عبدالناصر ولكن تجاه حليفه عارف في بغداد، وإلى الضغط على سكرتير الحزب الشيوعي السوداني عبدالخالق محجوب للتعاون مع النميري حيث قاد رفضه لذلك إلى انشقاق الحزب عام 1970 عبر كتلة «معاوية ابراهيم - أحمد سليمان» ومن ثم اعدام محجوب بعد فشل انقلاب 19 تموز 1971 ضد النميري، ثم إلى الضغط على الحزب الشيوعي السوري للدخول في «الجبهة الوطنية التقدمية» عام 1972، وهو ما جرى أيضاً من قبل موسكو عام 1973 حين أجبر الشيوعيون العراقيون من قبل السوفيات للدخول في «الجبهة الوطنية القومية» مع حزب البعث الحاكم. تحرر الماركسيون العرب من هيمنة الكرملين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ولو أنهم لم يستطيعوا بعد الوقوف لوحدهم على أرجلهم إثر حوالى ثلث قرن من مرحلة «ما بعد موسكو». وهم لم يقوموا حتى الآن بتحديد طبيعة المرحلة العربية الراهنة مع خصوصية كل بلد، ولا بتحديد المهام.
سنحاول هنا تحديد المرحلة العربية الراهنة وذلك بأربع قضايا:
1- كلمة «الامبريالية» هي مفتاح تحديد المرحلة العربية منذ قرنين من الزمن: هناك جهد غربي أوروبي ثم أميركي، للسيطرة على المنطقة العربية بدءاً من حملة نابليون بونابرت عام 1798. أخذ هذا أشكال احتلال، وسيطرة وهيمنة على القرار السياسي وعلى المقدرات الاقتصادية من دون احتلال، وزرع كيان استيطاني أخذ دور المخفر الأمامي للغرب الأوروبي منذ نشوئه عام 1948، وللغرب الأميركي بدءاً من عام 1964، وتكبيل دول داخلياً وخارجياً من خلال اتفاقيات (مصر عبر كامب ديفيد والعراق من خلال الاتفاقيات مع واشنطن قبيل الانسحاب العسكري بنهاية عام 2011)، واستغلال الأزمات المحلية، المنفجرة عبر أسباب داخلية مثل الأزمة السورية منذ درعا 18 آذار 2011، من قبل قوى دولية واقليمية للوصول إلى تحكم مستقبلي بالأوضاع الداخلية وبالسياسات الخارجية للبلد، كما يمكن أن تأخذ عملية الهيمنة والتحكم بالقرار الوطني من الخارج (الدولي أو الاقليمي أو كلاهما معاً) شكل محاولة اللعب بمكونات داخلية، دينية أو مذهبية أو إثنية، من أجل استخدامها للتأثير الداخلي لصالح الخارج أو من أجل رسم خرائط جديدة أو التهديد بذلك. هذا يجعل من مهام المرحلة أن تأخذ طابعاً وطنياً عربياً، لمقاومة وإفشال كل ذلك وللتحرر الوطني وامتلاك القرار المستقل. يمكن أن يأخذ هذا طابعاً قومياً عربياً عندما تكون «الوحدة» أو «الاتحاد» أو «التكامل» بين دول عربية من أجل شروط أفضل لمقاومة الهيمنة الغربية والاسرائيلية أو الهيمنة الآتية من دول الجوار الاقليمي الصاعدة حالياً (ايران، تركيا، إثيوبيا ).
2- "الديكتاتوريات العربية» منذ الخمسينيات فشلت في تحقيق التحرر الوطني وفي مهام تحرير فلسطين وفي مهمة الوحدة العربية. بل إنها أنتجت بنى داخلية متخلفة ومفوتة تاريخياً والأكثر من ذلك بنى غير مندمجة داخلياً بحيث أصبح الانتماء الديني أو المذهبي أو الإثني هو الأسبق من الوطني أو القومي، أو من إيديولوجيات حديثة عابرة لتلك الانتماءات، عند فئات واسعة من مجتمعات عربية عديدة في تحديد الانتماء الفكري- السياسي وفي رؤية البلد وفي رؤية المواطنين الآخرين. بعد سبعة عقود من الديكتاتوريات العربية من الواضح أن «الديموقراطية» هي وصفة علاجية تترابط مع «الوطنية» لتمتين الداخل وتوحيده لذاته ومن أجل مقاومة «الخارج» والتحرر منه أيضاً، ومن أجل أن يشعر المواطن بالمساواة مع المواطنين الآخرين في الحقوق والواجبات. تترابط الوطنية والديموقراطية هنا وتكوِنان خطّاً واحداً، بالقياس إلى ديكتاتوريات وطنية أو قومية وإلى ديموقراطيين غير وطنيين راهنوا على الخارج الأجنبي لتحقيق هزيمة الديكتاتوريات بدءاً من تجربة المعارضة العراقية في غزو واحتلال 2003 ومن تبِع المعارضين العراقيين، من سوريين وسودانيين وغيرهم، على هذا الخط عربياً.
3- الانقسام الطبقي: الاقتصادي- الاجتماعي، يمكن تلمسه بوضوح في عواصم «طريق التطور اللارأسمالي» في القاهرة ودمشق، والذي كان طريقاً بامتياز نحو رأسمالية جديدة نجد فيها أن الانقسامات والفروق الطبقية أكثر حدّة من التي نراها في الغرب الرأسمالي وأكثر قوة من الرأسماليات المحلية العربية القديمة في النصف الأول من القرن العشرين. هناك إرهاصات على أن هذا الانقسام الطبقي سيبدأ في ترجمة نفسه إلى السياسة العربية في بلدان عدة، وسيكون عابراً للمذاهب والأديان والإثنيات للتحدد فكرياً - سياسياً وذلك عبر إيديولوجيات عابرة لتلك التحديدات.
2- "4التحديث» :قامت أنظمة «طريق التطور اللارأسمالي» بعمل صفقات مع رجال الدين قادت إلى عدم التحديث في «الدستور» وفي القوانين ومنها قانون الأحوال الشخصية. هناك تمييزات دستورية وقانونية ضد المرأة والأقليات الدينية والمذهبية والإثنية. وهناك عدم تناسب بين الواقع الدستوري - القانوني وبين الواقع الثقافي والتقني للمجتمعات العربية . كان أتاتورك وشاه ايران وبورقيبة أكثر تطوراً من العروبيين في هذا الصدد. هناك حاجة إلى علمانية تحدد الفصل بين الدولة والدين، ولكن ليس السياسة والدين حيث يمكن تحت خيمة الدستور العلماني أن يسمح لأحزاب ذات إيديولوجية تستمد من الدين منهجها الفكري – السياسي، مثل الأحزاب الديموقراطية المسيحية أو حزب العدالة والتنمية في تركيا أو حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي في الهند، بالنشاط سياسياً.
هذه القضايا الأربع: «الوطنية» – «الديموقراطية» – «الاقتصادية- الاجتماعية» – «التحديث» تحدد طبيعة المرحلة عربياً ومن ثم تتحدد المهام وفقاً لطبيعة المرحلة. وبالتالي يمكن عبرها تحديد الوظيفية السياسية المرحلية للتيار الماركسي العربي: هذا التيار هو التيار السياسي الوحيد الذي يمكن أن يتبنى هذه المهام الأربع معاً.
الاسلاميون يتبنون المهمة الأولى، ولو أنهم في حالات معينة تجاه الخارج الدولي والاقليمي يستعينون بالخارج كما في سوريا 2011-2023 وليبيا 2011-2023، ولكن يترددون تجاه الثانية أو يتعاملون معها بمصلحية، فيما هم ليبراليون في الاقتصاد، ومحافظون وغير حداثيين في مجالي الدستور وقانون الأحوال الشخصية. الليبراليون حداثيون وديموقراطيون ولكن غالباً غير وطنيين في طبعتهم القديمة (النحاس باشا لما فرضه الانكليز رئيساً لوزراء مصر يوم 4 فبراير 1942 ضد إرادة الملك فاروق عندما اقتحمت الدبابات الانكليزية قصر عابدين من أجل ذلك) وفي طبعتهم الجديدة (ليبراليو الدبابة الأميركية في بغداد 9 نيسان 2003 وأصحاب نظرية «الصفر الاستعماري» السوريون)، ومناصرون للفروق الطبقية وضد الحقوق الاقتصادية - الاجتماعية للفقراء والفئات البينية. العروبيون المعارضون وطنيون وهم مثل الاسلاميين تجاه الديموقراطية ومحافظون في وجه التحديث وغامضون في المجال الاقتصادي - الاجتماعي فيما الذين في السلطة وطنيون ولكن يفتقدون النزوع الديموقراطي والحداثي ووحشيون في رأسماليتهم.
يحدد هذا تلاقيات الماركسيين مع التيارات الأخرى والتباعدات حسب المرحلة وحسب تطورات اللحظات السياسية للمرحلة. أيضاً المرحلة عربياً في طبيعتها ومن خلال المهام المتحددة عبر طبيعة المرحلة تقول بأن المهام أمام الماركسيين ليست ذات مهام اشتراكية، وبأن ما قام به لينين في «موضوعات نيسان» كما كان غير صحيح روسياً، كما أظهر عام 1991 ضد عام 1917، فإن مهام الماركسيين عربياً لن تتجاوز مرحلياً، زائد المهمة الوطنية – القومية، ما طرحه ماركس في «البيان الشيوعي» (1848) لألمانيا المتخلفة ذات العلاقات الماقبل رأسمالية ، وما طرحه لينين لروسيا في «خطتا الاشتراكية – الديموقراطية":أي مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية التي هي عملياً "ثورة بورجوازية".
----------------------------------------------------------------------------------------

ضرورة وطنية للمرحلة

انصهرت قوى الانتاج بالموجة الثورية التي حصلت في واقعنا العربي ، وبسبب عدم وجود قيادة تنظيمية للحراك الذي حصل ، وبسبب غياب البرنامج المطلوب مرحليا ، والرؤية الانقاذية الوطنية ، وتهميش قوى الاعتدال والتسوية ، انحدرت البلاد نحو حرب مازالت مستعرة إلى اليوم .
لا نريد الدخول في التفاصيل الحدثية ، بل نريد توجيه الأنظار لقضية لها أهمية نظرية وعملية في برامجنا وخطط عملنا .
اذا : انصهار قوى الانتاج ، ونزولها للشارع ، وبسبب نضج العوامل الذاتية والموضوعية للحراك السياسي الذي حصل ، قد اعطى افقا سياسيا في إدارة الصراع بين السلطة ومواليها وقوى الثورة المضادة والقوى المدنية المعارضة والمتعسكرة ،ولم يكن إدارة الصراع عملية سهلة وبسيطة ، بل قوبلت بالتفكيك التدريجي والدقيق لقوى المعارضة الوطنية ، وجوبهت بشروط دولية واقليمية ، أعطت للدول المحيطة والمتربصة محل السائق والمدير الحقيقي للصراع ، بكامل البعد عن الشعارات واليافطات التي رفعت في الحراك السياسي .
الآن : قوى الانتاج تعرضت لضربة كبرى ، وسحقت قواها المدنية ، وقد أعادت السلطة تركيب علاقات الإنتاج ، تعرض الشعب السوري لحصار ظالم دفع الأمرّين من جراءه دون سائر الفئات السلطوية ، وبالمقابل ، المرحلة الراهنة تتطلب : استراتيجية سياسية معارضة تضع العمل المدني في أساس عملها ،تصوغ برنامجا لاطلاق قوى الانناج من عقال الاستبداد والفساد ومنطق العصابات ، كون هذا الوضع الراهن ، يظهر بشكل جلي أن قوى الانتاج مبعثرة ، منهكة قواها ، ومتعرضة لهزيمة عنيفة ، وهذا كما اسلفت ، يحتاج لاستراتيجية لفتح طاقات العمل السياسي ضمن علاقات الإنتاج القائمة ، بحيث تنصهر القوى المنتجة ضمن رؤية انقاذية وطنية ، تحاصر قوى الاستبداد والفساد ، وتفتحا افقا جديدا للعمل السياسي الوطني .
هذا الوضع يحتاج لاخلاقيات العمل السياسي الصادق ، والشفاف ، والواضح ،وإلا في حال استمرار عملية الفساد والإقصاء والنبذ وبث الخلافات في صفوف المعارضة الديمقراطية الوطنية ، سيقلص القاعدة الاجتماعية لها ، مما سيسمح لقوى مستبدة وأجندة خارجية باستغلال حاجات قوى الإنتاج ومتطلبات وجودها ، وملء الفراغ ، لإفشال مساعي توحيد قوى الإنتاج من جهة ، وتفتيت رؤاها ونشاطها الهادف والإنتاجي والوطني من جهة أخرى .


مألات الانكفاء الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط

تعتبر منطقة الشرق الأوسط من ضمن أهم المناطق الاستراتيجية في العالم مما جعلها محل استقطاب هام للقوى العالمية وذلك لما يشكل موقعها الجغرافي قلب العالم ولامتلاكها لمصادر الطاقة في العصر الحديث الأمر الذي جعل منعها مركز تنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا الاتحادية والصين حاليا.. لذلك كان للولايات المتحدة الأمريكية جذور قديمة في الشرق الاوسط تعودالى حروبها في البحر المتوسط خلال الاعوام الاولى لتأسيسها ولكن مع نهاية الحرب العالمية الثانية وصعود الولايات المتحدة قوة عظمى أصبحت سياستها الخارجية أكثر شمولاً اتجاه المنطقة وحاولت فرض هيمنتها عليها مع اشتداد حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي قبل انهياره وقد تبلورت مصالحها في الشرق الاوسط عبر مجموعة من الاهداف بدأً من تصفية النظام العالمي السابق مروراً باحتواء التحدي في المنطقة مغ الاتحاد السوفيتي اضافة إلى ضمان استمرار تدفق النفط والغاز منها الى حماية أمن إسرائيل من أي استهداف لها من الدول العربية أو الاقليمية لذلك نجد أن الرئيس الامريكي ايزنهاور قد خص المنطقة باهتمام خاص عبر رسالته للكونجرس الأمريكي عام ١٩٥٧و تقوم على إمكان مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية لأي دولة في الشرق الاوسط تطلب المساعدة الاقتصادية أو العسكرية اذا ما تعرضت للتهديد من دول أو دولة أخرى وذلك من أجل تأمين استقلال الدولة ووحدة ترابها وكان يقصد من تلك الرسالة الاتحاد السوفيتي وقد سميت فيما بعد ب ( مبدأ أيزنهاور )اضافة الى ملء الفراغ الأمني والسياسي الاستعماري للمنطقة بعد أن اضمحل النفوذ البريطاني-الفرنسي منها بانتهاء الحرب العالمية الثانية ، لذلك كانت حاضرة في جميع نزاعات منطقة الشرق الاوسط بشكل مباشر أو غير مباشر عبر قواعدها العسكرية المنتشرة في خمسة عشر دولة إلى قواعدها الموجودة في تركيا او أفغانستان قبل انسحابها منها أو عبر بوارجها وغواصاتها في البحار والمحيطات وإعطاء تلك القواعد صلاحية ضبط المنطقة وفق أهدافها المعلنة وغير المعلنة وتأمين استقرار الدول الحليفة لها .
مع انتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتي ومع صعود التنين الصيني على المسرح السياسي والاقتصادي والعسكري العالمي وأصبح ضمن مصاف الدول الكبرى و ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم بدأت إدارات الولايات المتحدة الأمريكية اعتباراً من ادارة الرئيس اوباما إلى ادارة خلفه ترامب وانتهاءً بالرئيس بايدن التخطيط لمواجهة هذا العملاق الصاعد منهج سياسة الانكفاء التدريجي العسكري والأمني من منطقة الشرق الأوسط دون تأمين بديل سياسي وأمني وبدأت التخلي عن مبدأ الدفاع المباشر عن شركائها في المنطقة والتفرغ لمحاصرة الخطر الصيني و كبح نموه الاقتصادي المتسارع الذي أصبح يهدد دور الولايات المتحدة الامريكية في قيادة العالم فاعتمدت تلك الادارات متغيرات جوهرية خلافاً لسياساتها السابقة حول المنطقة حيث خفضت التزاماتها العسكرية فيها واستبدلت سياساتها الطموحة التي سعت إليها في الماضي مثل أحداث تحولات ديمقراطية ونشرها في المنطقة بسياسة أكثر تواضعاً وهي ضمان الاستقرار السياسي والأمني الإقليمي وتجنب سباق تسلح فيها كما اعتمدت على أولويات مغايرة في مصالحها الشرق أوسطية وكان في مقدمتها فك الارتباط بالمنطقة ومحاربة الارهاب ومنع ايران من امتلاك السلاح النووي ، هذا كله ساهم في ترك فراغ عسكري وأمني في منطقة الشرق الأوسط ادى الى تسارع دول كبرى مثل روسيا الاتحادية والصين أو دول إقليمية مثل ايران وتركيا والسعودية والامارات وقطر حيث أصبح لكل منهما دوراً قوي تلعبه فيي تناقضات وصراعات أمنية وسياسية في المنطقة .
لقد لاحظنا في الماضي قبل أن تتخلى أمريكا عن أهدافها التي كانت معلنة قبل عقد من الزمن في دمقرطة منطقة الشرق الأوسط قد ساعدت إلى حد كبير شعوبها للنهوض في وجه أنظمة مستبدة فاسدة وديكتاتوريات عسكرية ظالمة فعاشت منطقة الشرق الأوسط قبل مضي أكثر من عقد على ما يسمى بالربيع العربي فانطلقت المظاهرات في عدة دول عربية أطاحت ببعض الأنظمة فيها مثل تونس ، مصر ، ليبيا خلال فترة ٢٠١٠ و٢٠١١ في مستنقع من عدم الاستقرار السياسي والأمني، فبعد ان سعت تلك الدول الى انتقال ديمقراطي واعد الا أن أي منهم شهد انتكاسة أو انقلابا اعاد مخالب النظام العسكري الاستبدادي الى السلطة فعرقلت عملية التحول الديمقراطي المنشود للشعب .
وفي نفس السياق فمن الملاحظ أن عودة الأنظمة الاستبدادية السلطوية القديمة مجدداً في أغلب الدول العربية بعد أن اهتزت أركانها مع موجة الاحتجاجات الشعبية ارتبط إلى حد كبير بالانكفاء التدريجي الأمريكي عن منطقة الشرق الأوسط فبعد خفض الإدارات المتعاقبة منذ ادارة أوباما الى ادارة بايدن تواجدها العسكري الأمني فيها أصبحت أكثر قبولا لوجود شركاء لها في ادارة المنطقة بشرط أن ينخرط الشركاء معها في محاربة الإرهاب و في تأمين استقرارها وفي محاربة الارهاب ، ومن الملاحظ أيضا أن سياستها في فك الارتباط بمنطقة الشرق الأوسط قد ساهم إلى حد ما في تغول أنظمة الاستبداد في قمع مواطنيها وتقييد أكثر في الحريات الاساسية التي كانت ممنوحة للمواطنين بدل اللجوء إلى الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما حدث في تونس أو مصر فأصبحوا يحكمون البلاد في مراسيم رئاسية .
ومن جهة أخرى نجد إن كل من روسيا والصين أصبحتا منخرطتين أكثر اقتصاديا ودبلوماسيا في المنطقة وعززتا نفوذهما في دول عربية مثل سوريا ومصر وليبيا والجزائر وفي أفريقيا وتوسعت مشاركة كل منهما التجارية والاقتصادية وفي العديد من البنى التحتية في تلك البلاد وأبرمتا اتفاقات ثنائية عدة عسكرية وفي الطاقة والتكنولوجيا مع مصر والسعودية وإيران، والملاحظة المهمة في هذا الجانب أن تلك الدول رحبت بالنفوذ الصيني أو الروسي المتزايد تحت شعار ( تنوع علاقاتها مع الدول العظمى ) بعد أن كانت أكثرية أنظمة المنطقة تعتبر أن العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية هي الضمان الأمني لاستمرار وجودها .
يبقى السؤال الأهم مع تلك الانزياحات الأمريكية عن منطقة الشرق الاوسط ... هل يمكن اعتبار التحرك الروسي أو الصيني نحو الشرق الاوسط هو جزء من ملء الفراغ فيها بدلاً من أمريكا ، يبق الجواب معقد إلى حد ما في ظل المتغيرات في السياسة الدولية والإقليمية وانعكاسها على المنطقة الا أنه يمكن القول ان الشرق الأوسط لا يمثل مصلحة استراتيجية لبكين أو روسيا كما هو الحال بالنسبة لأمريكا ، ليس لأن كل منهما أكثر أنشغالاً بالتنافس مع واشنطن بل أيضا لأنهما يواجهان مشكلات أمنية واقتصادية كبيرة الأمر الذي يجعل أي منافسة عسكرية -أمنية مع واشنطن في المنطقة خطراً ليس بسيطاً عليهما ، لذلك فهمها يتجنبا الانخراط مباشرة في المشاكل الرئيسية في الشرق الاوسط ، هذ اضافة أن روسيا ما بعد حربها على أوكرانيا ليست ما قبلها ، حيث أنصب حالياً اهتمامها الرئيسي على كيفية خروجها من هذه الحرب غير مهزومة ، أما الصين فهي ورغم النمو الاقتصادي الكبير الذي أصابها في العقد الماضي ألا أنها عاجزة من أن تأخذ الدور الأمريكي في ملء الفراغ في الشرق الاوسط ، فهي أيضاً عاجزة في أن تلعب دوراً مركزياً في حل الصراعات المعقدة للمنطقة لاعتبارات عدة أو أن تؤمن استقرارها ، فالصين أكثر ما يهمها من المنطقة هو استقرارها وعدم انفجارها حيث أي شكل من أشكال المزاحمة مع واشنطن فيها سيفجر المنطقة وهذا ما لا ترغبه بكين لأن ذلك سيحرمها من استمرار تأمين مصادر الطاقة المستوردة من ايران والسعودية ودول الخليج العربي فهي تعتبر مستورد رئيسي للبترول والغاز من أيران ودول مجلس التعاون الخليجي وهذا الهدف يعتبر له أولوية في سياسة الصين الخارجية نحو المنطقة بشكل عام ، ومن جهة أخرى يمكن القول أن الدور الأمريكي في المنطقة ولايزال قائما مع اشتداد الحرب الروسية الأوكرانية لواشنطن تجد في الشرق الاوسط عامل مهم في تقرير نتائج تلك الخرب ضد روسية وامرأة تعكس ميزان القوى العالمية وتوزيها مع اشتداد التنافس بين الغرب الأمريكي من جهة وبين الروسي – الصيني من جهة أخرى ضمن حساباتها لاستمرار القطبية الأحادية في العالم ،ومن الملاحظ أيضاً نجد أنه لايزال للولايات المتحدة الأمريكية جاذبية كبيرة في المنطقة ولايزال رغم انكفاءها عنها خلال العقد الماضي لها حضورها الامني والعسكري والمالي والاقتصادي والثقافي فيها وأن هذا الحضور لا يزال باعتقاد قادة دول المنطقة يؤمن الاستقرار فيها وأنه بإمكانياتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والعلمية الهائلة العودة لها في حال تم تهديد مصالحها أو أمنها القومي كما تقول دائماً .

هذه هي أهمية السويد لحلف الناتو ولذلك غيرت تركيا موقفها
تمكنت السويد من الحصول على الموافقة الأولية من تركيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) وذلك بعد مسيرة شابتها صعوبات واستعصاءات حتى من قبل زميلتها في الاتحاد الأوروبي هنغاريا. وتعد السويد من الدول المهمة للحلف بسبب موقعها الجغرافي الاستراتيجي، إضافة إلى جيشها المتطور رغم صغره العددي.
كانت السويد تتخذ سياسة الحياد وعدم الانحياز العسكري منذ مائتي عام في زمن الحروب البونابارتية، إلا أنها بدأت قطيعة تدريجية مع هذه السياسة منذ تسعينيات القرن الماضي مع انتهاء الحرب الباردة، عبر إبرامها اتفاقات شراكة مع الناتو والاتحاد الأوروبي.
وبدأ التعاون عندما انضمت السويد إلى برنامج الشراكة من أجل السلام (PfP) في عام 1994 ومجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية في عام 1997. وكانت السويد واحدة من أكثر شركاء الناتو نشاطاً ومساهماً مهماً في مهمة الدعم الحازم التي قادها الناتو في أفغانستان، وقوة كوسوفو (KFOR) ومهمة الناتو في العراق (NMI).
من جهتها، قالت الحكومة السويدية إن عضوية بلادها في الناتو هي أفضل طريقة لحماية أمنها في ضوء السياسة الأمنية المتغيرة جذرياً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتنفق السويد حوالي 1.3٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. وهذه الحصة أكبر بكثير مما كانت عليه قبل بضع سنوات فقط، ومن المتوقع أن تزداد في السنوات القادمة. وذلك بعد تخفيضات كبيرة أجرتها السويد في الإنفاق الدفاعي، مثل العديد من الدول الغربية، بعد نهاية الحرب الباردة. ومع ذلك، فإن الحرب في جورجيا في عام 2008 وضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 قد دفعا بالفعل إلى إعادة التفكير، والتي تعززت أكثر عندما شنت روسيا حربها العدوانية على أوكرانيا.
وما شجع السويد على طلبها كانت الضمانات الأمنية التي قدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا، خلال فترة انتظار الموافقة على طلب الانضمام للناتو. وخاصة بعد زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى ستوكهولم. وشملت الضمانات حضور عسكري ومناورات مشتركة ودعم سياسي قوي من دول الناتو.
ما الذي سيكسبه الناتو من انضمام السويد من الناحية الجغرافية؟
من شأن عضوية السويد أن تجعل ساحل بحر البلطيق بأكمله منطقة تابعة لحلف الناتو - باستثناء الساحل الروسي وساحل كالينينغراد. هذا من شأنه تسهيل الدفاع عن دول البلطيق في حال وقوع هجوم روسي. كما يمكن نقل القوات والمعدات بسهولة أكبر عن طريق السفن عبر السويد إلى إستونيا ولاتفيا وليتوانيا.
وتعد جزيرة غوتلاند السويدية أيضاً ذات أهمية جغرافية، حيث كانت روسيا ترسل دوماً طائرات تخترق المجال الجوي السويدي وخاصة فوق هذه الجزيرة. وآخر هذه الاختراقات كانت بعد تلميح السويد لإمكانية انضمامها للناتو.
من ناحيته، قال سيمون كوشوت، أستاذ سياسة الأمن الدولي في جامعة زيبلين بألمانيا لموقع DW: "هذه الجزيرة الكبيرة الواقعة في وسط بحر البلطيق هي قاعدة إستراتيجية مواتية للغاية للسويد. ومن هناك، يمكنك التحكم فعلياً في بحر البلطيق بالكامل. السويديون لديهم جيش حديث للغاية. على وجه الخصوص، لديهم قوة جوية حديثة من صنعهم الخاص. كما أن السويد قوة بحرية تمتلك غواصات، وجيشها متمرس في المعركة. وقد شاركت بالفعل في العديد من مهام الناتو وخاصة في في أفغانستان".
إن القوات المسلحة السويدية ومعداتها العسكرية ستكون أيضاً إضافة قيمة إلى الناتو، رغم صغير جيشها الذي يبلغ قوامه حوالي 38000 جندي.
وقال الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ في مقابلة مع التلفزيون الرسمي السويدي SVT إن السويد ستحقق فوائد كبيرة لحلف شمال الأطلسي ودول الشمال عندما تنضم إليه، قائلاً إنها "ستساهم بشكل كبير. فهي تمتلك دفاعاً قوياً ومهنياً ومدرباً جيداً وموقعاً مهماً على بحر البلطيق"، مشيراً إلى أن القوات الجوية السويدية ستكون الآن قادرة على العمل بسلاسة مع نظيراتها من الدول المجاورة.
وكان تخطيط الناتو للدفاع عن بلدان الشمال الأوروبي معقداً تاريخياً نظراً لأن السويد وفنلندا لم تكونا عضوين في الناتو، مما وضع عبء الدفاع على دول الشمال الأوروبي الأخرى.
وتابع ستولتنبرغ: "أعلم أن القوات الجوية الفنلندية والنرويجية تتطلع إلى أن تكون قادرة على العمل معاً، واستخدام مطارات بعضهما البعض" ، مضيفاً أن الحدود مع النرويج وفنلندا تسمح بتنسيق أفضل للقوات البرية وأن القوات البحرية السويدية في بحر البلطيق لا يستهان بها. والسويد كلها موضع اهتمام".
من جهته، قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في شهر حزيران ٢٠٢٣: "لقد تدربنا معهم في عدد من الحالات، وبالتالي فإن إمكانية التشغيل المتبادل في فترة زمنية قصيرة جداً، لن يكون تحدياً مع السويد. إنه سيعزز قدرتنا على إدراك ما يجري في المجالين البحري والجوي. السويد دولة ديمقراطية قوية وهي دولة ذات قدرة عسكرية كبيرة. لقد استثمروا الكثير في قوتهم."
ومن ناحية أخرى، قال الجنرال المتقاعد بالقوات الجوية والقائد الأعلى السابق لحلف الناتو فيليب بريدلوف، لمجلة Air & Space Force Magazine: "لقد تدربوا معنا على أعلى مستويات التطور والتكنولوجيا والتكتيكات والتقنيات. لقد كانوا يفعلون ذلك منذ فترة. إنهم يجلبون هذه القدرات إلى هذا التحالف في اللحظة التي يُعلّقون فيها عَلَمهم على العمود، وهذا أمر يحتفل به."
لماذا غيرت تركيا موقفها من انضمام السويد للناتو؟
وكانت تركيا تحفظت على عضوية كل من السويد وفنلندا لأسباب تتعلق بموقف الدولتين من مكافحتها ماتدعوه تركيا "المنظمات الإرهابية والانفصالية"، والسماح بأنشطة داعمة لحزب العمال الكردستاني و ومايعتبره الأتراك امتداداته السورية على أراضيهما، إلى جانب حظر تصدير الأسلحة السويدية لتركيا.
وازداد الخطاب الرسمي التركي حدة بعد سماح السلطات السويدية لعدد من الناشطين المتطرفين بإحراق نسخ من المصحف.
لكن ما يقارب 14 شهراً من الانتظار والمفاوضات الشاقّة وافق الرئيس التركي أردوغان على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، في خطوة رأى فيها محلّلون انعطافة في سياسته الخارجية نحو الغرب، بعد أن وضع شرطاً جديداً للموافقة على انضمام السويد إلى الحلف الأطلسي، ما أثار مخاوف من إطالة المفاوضات مع ستوكهولم لأشهر أخرى. وقال اردوغان: "أولاً، افتحوا الطريق أمام عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ثم نفتحه أمام السويد".
وطالب أردوغان أيضاً بمتابعة محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وإعفاء الأتراك من الحصول على تأشيرة لدخول الاتحاد.
لكن خلال الأشهر القليلة التي سبقت القمة، قامت ستوكهولم بعدة خطوات باتجاه أنقرة؛ أهمها تعديل دستورها وقانون مكافحة الإرهاب لديها، ومحاكمة بعض المتهمين بدعم العمال الكردستاني وفق التعديل الجديد، فضلا عن تسليم أنقرة أحد المطلوبين لها.
كما استأنفت السويد صادرات الأسلحة إلى تركيا، التي كانت تقارب قيمتها ٣٠ مليون دولار في عام ٢٠١٨، وتشمل معدات إلكترونية وبرامج حاسوبية ودروع وقطع دبابات.
وحصلت أنقرة أيضاً على موافقة أمريكية أولية لشراء طائرات F-16 الأمريكية، وتحديث الطائرات التي تمتلكها بالفعل كتعويض عن إزالتها لعام 2019 من برنامج دولي تقوده الولايات المتحدة لتطوير وإنتاج طائرات مقاتلة جديدة من طراز F-35 وذلك بعد شراء تركيا نظام الدفاع S-400 من روسيا على الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة.
وفي مؤشّر آخر إلى التحوّل التركي نحو الغرب، أيّد أردوغان، الذي حافظ على علاقات جيّدة مع موسكو، ترشيح أوكرانيا للانضمام إلى الناتو أثناء استقباله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في ٧ تموز ٢٠٢٣ بإسطنبول.
كما سمح أردوغان بعودة خمسة من قادة كتيبة آزوف إلى أوكرانيا، بينما ينصّ اتفاق تبادل الأسرى بين موسكو وكييف على بقائهم في تركيا حتى نهاية الحرب. وقد انتقدت روسيا الخطوة على الفور.
ومن ناحية أخرى، يؤكد خبراء أن قرار أردوغان بالموافقة على عضوية السويد في الناتو جاء مدفوعاً بتدهور الاقتصاد التركي وأزمته العميقة، التي تحتاج بشدة إلى رؤوس أموال واستثمارات غربية.
--------------------------------------------------------------------------------------------
أزمة الهوية الوطنية في المجتمعات العربية

- حبيب حداد -

لم تتحول الهوية الوطنية إلى مشكلة قائمة في العديد من مجتمعاتنا العربية إلا بسبب الأحداث التي عاشتها تلك المجتمعات في تاريخها المعاصر والتي أعقبت تحررها من السيطرة الاستعمارية المباشرة وإخفاقها حتى الآن في استكمال مقومات استقلالها في بناء دول ديمقراطية عصرية . إن فشل الشعوب العربية حتى الآن في بناء دول حديثة ، إنما يرتب عليها المسؤولية الأساسية في ذلك الفشل ، دون ان نتجاهل في هذا السياق بطبيعة الحال ما واجهته تلك الشعوب وما تعرضت له من سياسات ومخططات الغزو الثقافي في ظل هيمنة الاستعمار الجديد أو غير المباشر ، أو ما جلبته العولمة معها فيما يتعلق بواقع وحقوق الأقليات الاثنية والدينية والثقافية. فالعولمة كما هو معلوم تنتج ثقافة ما فوق وطنية لكنها في الأوضاع العربية الحالية تعتبر أحد عوامل إنتاج ثقافات فرعية ما قبل وطنية ٠

وكما هو ماثل اليوم في أرض الواقع ، وخاصة في هذه المرحلة التي أعقبت ما سمي بالربيع العربي ، فان مشكلة الهويات الفرعية اي ما قبل الوطنية قد تعمقت واستفحلت في العديد من البلدان العربية وانتقلت إلى أيديولوجيا تعصبية أو عنفية أو شوفينية بإمتياز ، اي أنها ، قد انتقلت من حالة انثروبولوجية - إنسانية إلى حالة أيديولوجية عصبوية. وهذا الوضع يعتبر بلا شك دليلًا صارخًا على أزمة واقع مجتمعي وأزمة وعي مستدام على الصعيدين الفردي والجمعي ، كما هو حال معظم النخب والمجموعات التي تنضوي تحت خيمة تشكيلات المعارضات السورية . تلك المعارضات التي ذهبت بعيدًا لتجعل من هويتها الفرعية : الإثنية والدينية والطائفية والجهوية واقعًا متعارضًا مع الهوية الوطنية السورية او مع الهوية العروبية الحضارية الجامعة .

لقد سبق لنا وأن أكدنا في أكثر من مجال أن مفهوم القومية العربية كما جرى التعامل معه من قبل العديد من الحركات والاتجاهات الفكرية والسياسية كرابطة إثنية أو شوفينية أو كموقف ايديولوجي ،لم يعد يتناسب وفي هذه المرحلة بالذات التي تسعى فيها جميع شعوب الأمة إلى بناء كيان الدولة -الأمة في إطار كل منها ،وكفاحها المشترك لتحقيق أية صيغة ممكنة تكفل تكامل وتوحيد قدراتها وطاقاتها في سبيل مواكبتها لتحديات العصر ومساهمتها في بناء عالم إنساني أفضل. ولذا فقد أجمع العديد من النخب الفكرية والسياسية باستبدال هذه التسمية برابطة العروبة التي هي الهوية الثقافية التاريخية المصلحية الحداثية والقائمة على لزومية الفصل بين مفهومي القومية والدولة ، باعتبارها أي العروبة الرابطة الموءهلة لقيام دولة المواطنة الديمقراطية العلمانية الحرة . وهنا لابد ،وفق هذه الرؤية من التأكيد على أن الأمة العربية هي مشروع مستقبلي حداثي وأن ما هو مطلوب من شعوبها وكياناتها الدولتية الراهنة بالنسبة لها هو الانتقال من حيز الإمكان إلى حيز الواقع والتحقق .

لذا فينبغي ، من وجهة نظرنا ،أن لا ننظر إلى الصراع والتناقض الثقافي الحاصل في عدة بلدان عربية ،بين دعاة الهوية المغلقة من جهة ودعاة الهوية المنفتحة من جهة أخرى ، على انه مظهر سلبي خطير ، أو انه نكوص عن مسار التطور الطبيعي ،بل إننا نرى فيه تعبيرًا عن حيوية المجتمع من جانب وتخلفه في مضمار التطور والتكامل المجتمعي المطلوب من جانب آخر ، وان أخذ أحيانًا أشكالا من العنف غير المبرر لدى بعض الجماعات المتطرفة .
وفي مقدمة أخطار تلك العصبويات التي تستهدف الهوية والوحدة الوطنية الجامعة والتي نقصر الحديث عليها هنا ،وخاصة في المنطقة العربية الآسيوية هو الانتقال من رابطة الطائفة إلى الطائفية والأشد خطورة من ذلك هو انتقال الطائفية إلى عصبية حاكمة. فسيادة الطائفية في مجتمع ما تعني انتقال العصبية الجامعة إلى هوية تعصبية مدمرة لبنيان الدولة والمجتمع ،اي إلى تعصب في الفكر والسلوك وفي الإدارة والتعليم وحتى في مضمار أبسط حقوق وواجبات المواطن - الانسان .
وفي حال تحول التعصب الطائفي ،كما هو حادث اليوم في عدد من البلدان العربية ، إلى هوية إقصائية واعتمادها فعليًا من قبل النظام السياسي الحاكم في كل المجالات ، فإن عملية تحطيم العقل الفردي والجماعي تتواصل حتى تبلغ مرحلة التدمير الشامل لكل القيم والروابط المدنية والمجتمعية التي يعيشها عالمنا المعاصر .

والبديل الوحيد للخروج من هذا المأزق الذي قاد اليه تحول الطائفة إلى طائفية هو بناء الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية ، دولة المواطنين الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات ، الدولة الحيادية تجاه جميع العقائد والأديان والأيديولوجيات والاثنيات ، الدولة التي لا تسمح بتشكيل الأحزاب الدينية والطائفية لان مبدأ العلمانية- الديمقراطية وكذا كل القيم والمبادىء الإنسانية الحضارية تتناقض ولا تستقيم مع وجود أحزاب ذات إيديولوجيات طائفية أو دينية ،
وخلاصة القول في هذا الصدد إن الطائفية سواء تجلت في حزب او سلطة او خطابً او منهج جريمة تاريخية كبرى بحق مجتمعاتنا المتطلعة نحو حياة العصر ، لأنها قتل لإمكانات الإنسان المواطن وتدمير لمقومات بناء الدولة ،ومدخل وسبيل للولاءات والارتباطات الخارجية وتحطيم للسيادة الوطنية ،وكما أكدنا سابقًا فهي بلا شك امتهان وتزييف لجوهر القيم الإنسانية والتعاليم الخلقية التي جاءت بها الأديان.






(الدروس التي ينبغي تعلّمها من الثورة السورية. والدروس التي كان يجب تعلّمها قبل فترة طويلة)
نيكولاس فان دام*
-1 آب/أغسطس 2023 ( مركز حرمون للدراسات المعاصرة)
بعد مرور أكثر من اثني عشر عامًا على بداية الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، قد يكون من المفيد التفكّر في مسألة التعلّم: هل بإمكاننا تعلّم شيء منها أم لا. في نهاية المطاف، فشلت الثورة فشلًا ذريعًا: مات نصف مليون شخص، وهناك أكثر من (10) ملايين لاجئ سوري، والبلاد مدمّرة، ولا يزال النظام السوري في السلطة، وقد استعاد السيطرة على معظم أنحاء البلاد، وهناك كثير من المناطق التي تحتلها قوى أجنبية أو ميليشيات سورية متنافسة، وتُسمى “مناطق محرّرة”، وليس هناك أيّ حل سياسي في الأفق، ولا إعادة إعمار للبلد نتيجة للعقوبات المفروضة ونقص الموارد، والدول العربية التي حاولت عبثًا المساعدة في إطاحة النظام السوري، لأكثر من عقد، أخذت تعيد العلاقات الدبلوماسية مع دمشق.
في ما يلي، بعض الدروس التي ينبغي -في رأيي- تعلّمها من الثورة السورية، وبعض الدروس التي كان يجب تعلّمها منذ عقود، قبل وقت طويل من بدء الثورة. تبدو هناك عدة دروس أساسية إلى حدّ ما، ولكن قد تختلف الآراء في ما ينبغي عدّه “أساسيًا”.
إن تقديم صورة صادقة واقعية هو نوع من الصداقة للشعب السوري، وهو أفضل من مجرد إطلاق كلمات لطيفة من الدعم المعنوي/ الأخلاقي وخلق توقعات وآمالٍ خاطئة. ومع ذلك، فإن كثيرًا من أولئك الذين يعدّون أنفسهم “أصدقاء” يفضّلون صورة غير واقعية تسود فيها الأفكار (الصحيحة) حول العدالة، على الحقائق القائمة على الأرض: فهم يشددون على ما يجب أن يحدث، بدلًا مما يمكن توقّعه بشكل واقعي.
أساء كثيرٌ من المراقبين، ومن ضمنهم السوريون، تقدير مدى قدرة النظام السوري على البقاء. لقد وفّر الافتقار إلى المعرفة الكافية بسورية مساحة كبيرة للتفكير غير الواقعي والتفكير الرغبوي. ومع ذلك، يجب الاعتراف بأن الأشخاص الذين لديهم كثير من الخبرة بسورية منقسمون بشدة في آرائهم، حول مدى صلابة النظام، وتبيّن أن بعضًا منهم متأثرون بشدة بالتفكير الرغبوي أيضًا.
كان على أولئك الذين أرادوا إطاحة النظام السوري أن يكونوا متأكدين من معرفتهم به، وأن يكونوا على دراية كافية بنوع ردة الفعل المتوقَعة. في بداية الثورة السورية في عام 2011، كان قد مرّ على وجود نظام البعث السوري في السلطة ما يقرب من نصف قرن (منذ عام 1963). لذلك، كان ينبغي أن تكون المعرفة به والتجارب معه معروفة على نطاق واسع؛ وكان من الصعب أن يكون الأمر خلاف ذلك. ولذلك، كان ينبغي أن يكون واضحًا تمامًا، من تاريخ النظام الوحشي، أن أي جهد لإطاحته -سواء كان سلميًا أم لا- لا بد أن يؤدي إلى عنفٍ شديد، وأنه ينبغي توقّع حمّام دمٍ أكيد. إن التشديد على الحجة القائلة بأن الثورة السورية كانت سلمية في البداية -سواء كانت صحيحة أم لا- كانت حجّة أخلاقية، أثّرت بالتأكيد في الطريقة التي كان على كثير من الناس داخل سورية وخارجها أن يقيّموا الثورة بالنظر إليها. ومن المفهوم أن الثورة اجتذبت تعاطفهم ودعمهم، لكن هذا لم يغيّر الحقائق الصعبة على الأرض. كان تصوير الثورة السورية على أنها حركة سلمية مُقنعًا أخلاقيًا لكثيرين، حيث أدى (بشكل مبرر) إلى استياء كبير من سلوك النظام السوري الرهيب. لكن لم يكن من الممكن إسقاط النظام السوري بالتظاهرات السلمية، ولا مع عدم كفاية القوة العسكرية. تختلف سورية عن مصر وتونس، اللتين استقال رؤساؤهما بعد وقت قصير نسبيًا من بدء تظاهرات الربيع العربي هناك، حتى قبل التظاهرات في سورية [1]. كانت سورية مختلفة أيضًا عن ليبيا، التي أمكن القضاء على زعيمها القذافي وقتله نتيجة التدخل العسكري الأجنبي.
إن التضامن القويّ بين العلويّين ضمن النخبة العسكرية والأجهزة الأمنية السورية (المخابرات) جعل إسقاط النظام من الخارج أمرًا مستحيلًا (ربما باستثناء الاحتلال العسكري الأجنبي الكارثي، كما حدث في العراق عام 2003). إن خبرة النظام الطويلة الممتدة لعقود، في قمع أي مخالفٍ أو معارِض، جعلته مقاومًا للانقلاب. حتى الانقلاب من داخل النظام ليس له سوى إمكانية ضئيلة جدًا للنجاح في إسقاطه. ويبدو أن جماعات المعارضة أخطأت بشدة في التقدير، وقللت من شأن ما كان يمكن أن تتوقعه (كما هو متوقّع) من النظام.
لا تتعامل مع الجيش، فهو خصم أقوى بكثير. أولئك الذين أرادوا إطاحة النظام السوري لم يكونوا أقوياء بما يكفي لتحقيق أهدافهم. من خلال عدم أخذ هذا الأمر في الحسبان، جازفوا بحمّام دم، حيث كان الضحايا كثيرًا من الأبرياء، سواء أكانوا من القتلى أو من اللاجئين، والنتيجة وطن مدمّر/ أمّة مدمّرة. أولئك الذين لم يكونوا أقوياء بما يكفي لقتل “الأسد the lion” (في هذه الحالة الرئيس الأسد)، خاطروا بشدة بأن يقتَلوا أنفسهم، مع رفاقهم، جنبًا إلى جنب مع مئات الآلاف من السوريين الآخرين الذين لم يكن لهم رأي في ذلك. ومع التدخل العسكري لروسيا عام 2015، حُسِمت الحرب -بشكل أو بآخر- لصالح النظام، لكن الحرب ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا، على الرغم من تجميد الجبهات المختلفة على ما يبدو.
كان على أولئك الذين أرادوا إطاحة النظام أن يأخذوا في الحسبان بجديّة ما كان النظام قادرًا على فعله في الماضي، وكان أهم مثال لذلك ردة فعل النظام على انتفاضة الإخوان المسلمين في حماة عام 1982. كان النظام في ذلك الوقت ضالعًا بالفعل بارتكاب فظائع شديدة وغير متناسبة، لكن الإخوان المسلمين كانوا مسؤولين بشكل مشترك عما حدث، لأنهم أثاروا بتمردهم العنف، بعد أن كشف النظام عن شبكتهم السرية في المدينة. أخطأ الإخوان المسلمون تمامًا في التقدير بأنه لم يكن لديهم أدنى فرصة لإسقاط النظام الأقوى منهم بكثير.
سبقَ مذبحة حماة سنوات من اغتيالات الأفراد العلويين المقربين من النظام، نفذها متطرفون من الإخوان المسلمين (الطليعة المقاتلة)، بدءًا من عام 1976، فضلًا عن المذبحة الطائفية للطلاب العلويين في الأكاديمية العسكرية في حلب في عام 1979. استغرق النظام في عام 1982 ما يقرب من ثلاثة أسابيع لقمع تمرد الإخوان المسلمين بشكل دموي، وهو ما يشير إلى أن الإخوان كان لديهم كثير من الإمكانات لمقاومة هجمات النظام الشرسة.
يمكن للمرء أن يتوقع بأن معرفة النتائج في حماة -(10,000) حالة وفاة، كثير منهم أبرياء وغير متورطين على الإطلاق في جماعة الإخوان المسلمين- كانت راسخة بعمق في الذاكرة الجماعية السورية، ولكن يبدو أن كثيرين في بداية الثورة السورية عام 2011 قد نسوا ذلك، أو تخيّلوا أن احتمالات النجاح هذه المرة كانت واعدة أكثر بكثير مما كانت عليه في عام 1982. بالنسبة إليهم، يبدو أن حاجز الخوف قد كُسِر.
وبينما اقتصرت مذبحة حماة عام 1982 على مدينة واحدة فقط، وقعت خلال الثورة السورية المذابح وإراقة الدماء، على نطاق أوسع بكثير، في عموم البلاد، بطريقة مماثلة إلى حد ما.
جادل كثيرٌ من أنصار المعارضة السورية بأنه من الخطأ نسب أي مسؤولية مشتركة لجماعات المعارضة عن الكارثة التي عمّت سورية بعد عام 2011. وفقًا لمنطقهم، كان يجب أن يكون الشعب السوري حرًا في التظاهر والتحرّك ضد الدكتاتورية القمعية، وكان من الظلم مطالبتهم بالصمت، وبتحمّل المعاناة من الدكتاتورية وسوء المعاملة إلى الأبد” [2]. يمكن للمرء أن يجادل، بالطبع، بأن الشعب السوري كان يجب أن يكون حرًا تمامًا في التظاهر ضد نظامه، تمامًا كما هو الحال في الديمقراطيات (حيث توجد حدود معينة لحرية التظاهر). لكن في ظل الدكتاتورية السورية، وهي التي تقضي جسديًا حتى على أعضاء النخبة عندما يكون ولاؤهم موضع شك، فإن مثل هذه الحرية المزعومة تأتي بتكلفة باهظة في الأرواح البشرية. لذلك يعتمد الأمر أيضًا على الأهمية التي يعلّقها المرء على حياة الإنسان. فإذا كان المرء لا يهتمّ كثيرًا بالعدد الهائل من الضحايا الذين تسببت فيهم هذه الثورة (والتي قارنها البعض حتى بالثورة الفرنسية الدموية 1789-1799، التي أطاحت بالملكية الفرنسية)، فقد يستمر في تنفيذ المبادئ الأساسية للثورة من دون هوادة، من خلال محاولة إسقاط نظام الأسد (وإن كان ذلك على جثث أشخاص آخرين).
ينطبق الأمر نفسه على الدول الأجنبية التي تريد التدخل في سورية، من دون أخذ النتائج المتوقعة في الحسبان، لأنه يجعلها “تشعر بالرضا” من الناحية السياسية، بحجة أنها تساعد الشعب السوري (إلى جانب خدمة مصالحها الاستراتيجية المفترضة)، حتى لو تبين أن النتيجة كانت نصف مليون قتيل، وأكثر من عشرة ملايين لاجئ، وبلد مدمر. يجادل معارضو النظام عمومًا بأنهم ليسوا هم من تسبب في كل هذه المشاكل، وإنما النظام هو من سببها. بعد كل شيء، لم يفعلوا أكثر من محاولة إطاحة النظام الرهيب هذا، الذي قاوم “بعناد” إطاحته، إذ لم يكن الرئيس بشار الأسد مستعدًا للتوقيع على مذكرة الإعدام الخاصة به [3].
حجتي هي أن القيام بثورة إنما يكون مثمرًا، إذا كانت هناك فرصة جيدة للوصول إلى نتائج إيجابية، وإنْ كلفت بعض الضحايا. لكن كثيرًا من الضحايا لم يُسألوا قط هل كانوا يريدون المشاركة في الثورة السورية أم لا. لم تؤد الثورة السورية إلى أي نتائج إيجابية على الإطلاق، ولم تتم إطاحة النظام البعثي مثل النظام الملكي الفرنسي. كان فشل الثورة السورية متوقعًا إلى حد كبير، لكن أولئك الذين توقعوا قدرة بشار الأسد القوية على النجاة صُنّفوا أحيانًا بشكل غير عادل على أنهم “مؤيدو النظام”.
وفي الحالة النظرية التي كان يمكن فيها للقوى الإسلامية، مثل جيش الإسلام، أن تفتح/ تغزو دمشق، فهي بالتأكيد لم تكن لتؤسس نظامًا ديمقراطيًا. لا توجد حاليًا أي ديمقراطية في الشمال الغربي، الذي تحتله هيئة تحرير الشام الإسلامية، ولا في الشمال الشرقي، الذي تحتله قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد الاستبداديون. المناطق الشمالية الأخرى التي تسيطر عليها فصائل الجيش الوطني السوري (الجيش السوري الحر سابقًا)، بدعم من تركيا، بشكل عام لها ميزان مختلف تمامًا وغير إسلامي.
لا شك في أن الكلام أسهل بكثير من الفعل، لكن كان من الأفضل انتظار “الفرصة المناسبة”، ومثل هذه الفرصة كانت موجودة فقط من داخل النظام نفسه. وكان الانقلاب الداخلي سيكون خطيرًا للغاية على مرتكبيه ويصعب تنفيذه. ومع ذلك، فإن انتظار “اللحظة المناسبة”، حتى لو بدا ذلك على أنها “إلى الأبد”، كان أفضل من “فقدان الصبر” والوصول إلى ما وصلنا إليه. والامتناع عن القيام بثورة أو مواصلتها، بسبب الظروف السلبية القوية والعواقب التي يمكن التنبؤ بها، لا علاقة له بأي شكل من أشكال الجبن أو الافتقار إلى الشجاعة، بل بالبراغماتية والواقعية والنجاة/ البقاء حيًا.
دعمت كل من الدول الأجنبية والعربية جماعات المعارضة العسكرية المفضلة لديها، التي بدورها انقلبت أحيانًا ضد بعضها البعض. إن حقيقة وجود مركزين للعمليات العسكرية في الأردن وتركيا على التوالي، يوجهان دعمهما العسكري، لا يعني أن هناك أيضًا تنسيقًا فعالًا حقيقيًا بينهما، يقود إلى معارضة عسكرية موحدة على الجبهة.
فعل الروس ذلك في أيلول/ سبتمبر 2015، بناء على طلب من حكومة دمشق. لو تعرض النظام السوري لتهديدات خطيرة في وقت سابق، لكان من المرجح أن تتدخل روسيا في وقت أبكر، لأنها لا تريد أن تفقد أهم حليف لها في الشرق الأوسط. كثيرًا ما اشتكت جماعات المعارضة العسكرية من أنه لو لم تتدخل روسيا (وكذلك إيران وحزب الله)، لربما أسقطت النظام السوري؛ ربما كان هذا صحيحًا. وعدّوا هذا التدخل “غير عادل”. ومع ذلك، لو لم تكن تلك الجماعات المعارضة نفسها قد تلقت مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية من الخارج، فلن يكون لديها أدنى فرصة للصمود أمام النظام.
كان من الممكن أن يتسبب عدم تدخل الدول الأجنبية في أن تكون الحرب أقصر بكثير، مع عدد أقل بكثير من الضحايا.
من الأفضل ألا نفعل شيئًا، بدلًا من فعل الشيء الخطأ.
لا تخلق توقعات خاطئة بين الناس الذين تدعمهم، لأن هذا قد يشجع أفعالهم بطريقة غير واقعية، بناءً على التفكير الرغبوي، الذي لن يؤدي إلى هزيمتهم فحسب، بل سيؤدي أيضًا إلى أعداد هائلة من الوفيات والدمار واللاجئين غير الضرورية.
لا تدلي بتصريحات لا تتابعها كفاية، مثل ذكر ما يسمى بـ “الخطوط الحمراء”، من دون عواقب عند انتهاكها. صرّح الرئيس أوباما أنه إذا استخدم النظام السوري الأسلحة الكيمياوية، فهو يتجاوز الخط الأحمر. ولكن بمجرد حدوث ذلك، لم يتخذ الإجراء الذي اقترحه في وقت سابق. إن التهديد بالتدخل العسكري، وإن كان ضمنيًا فقط، وعدم تنفيذه، قوّض بشدة مصداقية الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام. وإضافة إلى ذلك، أعطى النظام انطباعًا بأنه يمكن أن يفلت من أي عقاب تقريبًا.
لا تدلي بتصريحات لتحقيق مكاسب سياسية محلية ودولية متخيّلة، يمكنك أن تعرف مسبقًا أنك لن تنفذها عمليًا. في عدة مناسبات، دعا القادة الغربيون إلى فرض مناطق حظر طيران في سورية لحماية المعارضة والسكان من هجمات النظام الجوية، لكن لم ينفَّذ شيء منها. ويرجع ذلك جزئيًا إلى حقيقة أن فرض منطقة حظر الطيران ينطوي على مواجهة عسكرية مباشرة مع النظام السوري، وهو ما لم يكن لدى أي دولة غربية نيّة للقيام به (وبعد أيلول/ سبتمبر 2015 صار يعني أيضًا مواجهة عسكرية مع روسيا). كما تم اقتراح إنشاء ملاذات آمنة بشكل متكرر. ومع ذلك، فإن إنشاء ملاذ آمن في مكان ما في منطقة حدودية يعني احتلال الأراضي السورية، وبالتالي المواجهة العسكرية المباشرة مع النظام السوري. نتيجة لذلك، لم تفرض القوى الأجنبية ملاذات آمنة حقيقية أيضًا. وإذا أخذت تركيا وغيرها أجزاء من سورية، فلا يمكن عدّها “ملاذات آمنة”. كما دعا القادة الغربيون في مناسبات مختلفة إلى إنشاء وفرض ممرات إنسانية لمساعدة السكان على الوصول إلى المساعدات الغذائية. كما تبيّن أن هذا لم يكن ناجحًا لأسباب مماثلة.
لا تهاجم أو تتدخل عسكريًا في البلدان التي لا تشكل تهديدًا عسكريًا لبلدكم. النتائج دائمًا ما تكون كارثية. تعدّ أفغانستان وإيران والعراق والكويت وليبيا وسورية واليمن أمثلة واضحة على أن الأمور تسوء بطريقة كارثية، سواء من الناحية الاستراتيجية أو على السكان المعنيين خصوصًا.
لا يمكن فرض الديمقراطية بالقوة العسكرية [4].
عمومًا، إن قطع العلاقات الدبلوماسية ليس سبيلًا إلى حلّ الصراعات، لأنها تقطع إمكانات الاتصالات الدبلوماسية التي قد تسهم في المساعدة على إيجاد حل. وفي هذا الصدد، كان من الأفضل للبلدان المعنية أن تحافظ على هذه العلاقات (وهو ما فعلته بعض البلدان الأوروبية)، ربما على مستوى دبلوماسي أدنى، إن كان من الممكن عدّ ذلك أكثر ملاءمة. إنه لقَصرُ نظرٍ أن نعتقد بأن الاتصالات مع النظام السوري عبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية هي بديل كافٍ، من دون إجراء اتصالات دبلوماسية ثنائية في نفس الوقت. كان قطعها من الناحية السياسية أسهل بكثير من استعادتها.
الحوار وسيلة أساسية للمساعدة في حل الصراعات. وإن رفض أي حوار لا يساعد في حد ذاته على حل الصراع، حتى لو تبين أن هذا الحوار غير مثمر. ولا رفض إجراء اتصالات مع الأطراف الرئيسة في الصراع. إنها عمومًا خسارة للوقت الثمين. الحلول السياسية التي ربما كانت ممكنة خلال المراحل الأولى من الحرب، قد تصبح أكثر صعوبة أو مستحيلة في وقت لاحق، بعد إراقة مزيد من الدماء.
ليس البديل للحوار الفاشل بالضرورة هو الحرب، وبالتأكيد ليس بديلًا إذا كانت احتمالات كسب مثل هذه الحرب غير واقعية، وإذا كانت هذه الحرب ستخلق مزيدًا من الكوارث.
أسهم كثير من السياسيين الغربيين والعرب بشكل غير مباشر في استمرار الحرب، بكل نتائجها من ضحايا ولاجئين ودمار، من خلال الاستمرار في الحفاظ على ما يسمّى بوجهات النظر الصحيحة أخلاقيًا وسياسيًا فيما يتعلق بالعدالة، ولكن من دون توفير الوسائل اللازمة للمساعدة في تحقيق أهدافهم العادلة. أكد كثيرون أنهم يريدون مساعدة المعارضة السورية، لكن ما يسمى بالصواب الأخلاقي في الواقع اكتسبَ بعدًا غير أخلاقي، من خلال الرغبة في الحفاظ على المبادئ. من خلال عدم كون الجهات الفاعلة هذه عملية/ براغماتية بما يكفي لتحقيق مبادئها المعلنة، ضمنت استمرار إراقة الدماء والتدمير متعدد الأبعاد، “عوضًا عن الحكم الأفضل/ عن غير قصد”. فالموقف العملي، الذي كان يمكن أن يساعد في التوصل إلى حل سياسي، كان يمكن عدّه ذا قيمة أخلاقية أعلى من المواقف السياسية التي ربما كانت أخلاقية من الناحية النظرية، لكنها في الممارسة العملية لم تحقق أكثر من مجرد استمرار الحرب الدموية بكل ضحاياها ولاجئيها ودمارها.
كي تعارض النظام السوري بشكل فعال، كان ينبغي أن تكون جماعات المعارضة موحدة؛ لكنها لم تكن كذلك. إن إصدار بيانات عن الموقف الموحد أمرٌ غير كافٍ. والتوحيد العسكري مطلوب في مثل هذه الحالة أيضًا. استغرقت جماعات المعارضة الرئيسة ما يقرب من خمسة أعوام للتوصل إلى موقف تفاوضي مشترك، صيِغ في إعلان الرياض الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 2015. حيث ذكر البيان بشكل مثالي دعم جماعات المعارضة لـ “الديمقراطية، من خلال نظام تعددي يتم فيه تمثيل جميع الجماعات السورية، من ضمن ذلك الرجال والنساء، من دون تمييز أو إقصاء على أساس الدين أو المذهب أو الإثنية، وأن يكون قائمًا على مبادئ حقوق الإنسان والشفافية والمساءلة وسيادة القانون الذي يطبق على الجميع”. ومع ذلك، يجب أن يكون هناك أيضًا استعداد لتنفيذ هذه المبادئ الموحدة، بمجرد أن تتولى تلك الجماعات السلطة. لكن أحزابًا مثل الإخوان المسلمين وجيش الإسلام وأحرار الشام وقّعت على مبادئ تتعارض مع معتقداتها الأيديولوجية. لذلك، لا يمكن أن يتوَقَع منهم تنفيذ مبادئ الرياض، في حالة كانوا هم الأطراف الذين سيستولون على السلطة في دمشق. كانت المعضلة، بالطبع، أنه لا يمكن استبعاد الجماعات الإسلامية في ذلك الوقت، لأنها كانت من بين أقوى الجماعات.
26. بمجرد أن فقدت الثورة السورية طابعها العلماني في مناطق مختلفة، واتخذت تلوينًا إسلاميًا سنيًا، تضاءل بشكل كبير الدعم الكامن لها بين الأقليات الدينية.
إن فرصة خسارة الحرب تكون أكبر، عندما تكون الأطراف منفصلة عما هي عليه وهي متحدة. أوضح لي قادة ائتلاف المعارضة السورية في إسطنبول أنه في حين أن كثيرًا من الدول الغربية تتوقع أن تتوصل الجماعات المدنية والعسكرية العديدة إلى موقف موحد، يجب عليهم أيضًا أن يدركوا أنه في المؤسسات التي من المفترض أن تحترم مبدأ حرية التعبير، لا بد أن يكون هناك تنوع في الرأي. وهذا صحيح. كان هناك تنوع كبير في الرأي بين جماعات المعارضة، بعضها معتدل وعلماني، والبعض الآخر إسلامي تقليدي، والبعض الآخر إسلامي راديكالي. كانت معظم الجماعات عربية أو كردية أو تركمانية. ومع ذلك، في فترة الحرب، يجب توحيد الصفوف من أجل مواجهة الخصم بشكل مناسب.
إذا كنت لا تريد قبول اللاجئين، فلا تتدخل في الصراعات العسكرية في البلدان الأخرى التي لا تشكل تهديدًا لبلدك. يجب على الدول التي تدخلت عسكريًا في دول أخرى، كما هو الحال في سورية، مطيلة أمد الحرب هناك، أن تتحمل أيضًا مسؤولية قبول اللاجئين الذين دفعتهم مثل هذه الحرب بكثرة إلى بلدانهم.
لم تساعد العقوبات قط في تحقيق الأهداف التي تسعى لتحقيقها. من المفترض أن العقوبات المفروضة على النظام السوري تجبره على تغيير سلوكه، لكنها لم تحقق أي شيء إيجابي بعد، بل على العكس. من المفترض أن تؤذي بشار الأسد وأنصاره الأساسيين، لكنها بدلًا من إيذاء نخبة النظام السوري، تؤذي كثيرًا من السوريين الأبرياء الواقعين تحت سيطرته أكثر مما تؤذيه. وفي حالة فرض العقوبات، ينبغي أن تكون مشفوعة أيضًا بتوضيحات مفصلة عن كيفية رفع هذه العقوبات أو متى يمكن رفعها. وإذا كان هناك أي غموض في هذا الصدد، قد لا يمكن رفعها إطلاقًا، حتى لو كان الطرف الخاضع للعقوبات قد اتخذ مختلف التدابير المتعاونة. إن فرض العقوبات أسهل بكثير من رفعها.
كتب المصطفى بن المليح، الأمين العام المساعد السابق للأمم المتحدة والمنسق المقيم والمنسق الإنساني المؤقت في سورية، ما يلي عن العقوبات المفروضة بعد استقالته عام 2023: “السوريون أناس ماهرون ومبادرون/ مقدامون. إنهم بحاجة إلى استعادة الأنظمة الضرورية للحياة: المياه والطاقة والتنقل والإدارة المحلية الوظيفية، حتى يتمكنوا من استعادة حياتهم وإعادة بنائها. وهذه هي بالضبط النظم التي رفض المانحون دعمها، بحجة أنها ستفيد “النظام” وتشرعنه. كان من الواضح أننا، الأمم المتحدة وشركاءنا في المجال الإنساني، كان علينا أن نفعل أشياء أخرى غير ما فعلناه. لا يمكننا القيام بذلك إلا بدعم والتزام نفس الشركاء الذين فرضوا باستمرار قيودًا وخطوطًا حمراء على عملنا. تظل الخطوط الحمراء والقيود والعقوبات أداة سياسية، ولكن يمكن تخفيفها على الرغم من المواقف الرسمية المعلنة. يمكن أن يأتي الدعم المتزايد للتعافي من المانحين التقليديين والخليجيين. الأمر متروك لنا، نحن المجتمع الإنساني، لنظهر أننا على مستوى المهمة في علاقةٍ نعيد تحديدها مع شركائنا، من ضمن ذلك المؤسسات الوطنية” [5].
لن تساعد العقوبات التي تحظر إعادة الإعمار كثيرًا من المشردين في سورية. ولن تكون المساعدة الإنسانية كافية لتأمين سقف صلب يأويهم، وستمنع إعادة بناء المنازل والمشافي والصفوف الدراسية ومحطات معالجة المياه وتوليد الكهرباء وشبكات نقل الطاقة والطرق ومراكز الرعاية اليومية. إن عقوبات قيصر الأميركية موجهة ضد أي شخص أو شركة تعيد بناء مثل هذه المرافق [6].
لا يدعم جميع السوريين في الخارج عقوبات الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي المفروضة على سورية، لكن أهم منظمات المعارضة السورية، من ضمن ذلك ائتلاف المعارضة السورية، تدعمها. بالنسبة لهم، فإن أي محاولة قد تُسهم في سقوط نظام الأسد لها الأولوية، على ما يبدو، على مصير الشعب السوري داخل البلاد، الذين يمكن عدّهم في الواقع رهائن عند النظام.
قد لا يعود معظم اللاجئين السوريين الذين يعيشون في الخارج إلى بلادهم، ببساطة، لأنه لم يعد لديهم منازل يعودون إليها، ولن يكون هناك عمل كافٍ لكثير منهم بسبب الحالة الاقتصادية، ولا سيما بسبب انعدام الأمن بسبب التهديدات المحتملة لهم من جانب أجهزة الأمن (المخابرات). وقد بدأ كثيرون بالفعل حياة جديدة شبه دائمة في مكان آخر. النظام ليس حريصًا على إعادة إدخال أي شخص يعدّه معارضًا، ويمكنه الاستفادة من تحويلات السوريين في الخارج لعائلاتهم داخل البلاد. يبدو الأمر وكأنه حلقة مفرغة: تريد كثيرٌ من الدول في الخارج عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، لكنها ترفض المساهمة في إعادة إعمار سورية. ولكن ما دام اللاجئون لا يتمكنون من العودة إلى بلدهم، الذي ينبغي على الأقل إعادة بنائه إلى حد كبير، فإنهم سيحاولون البقاء في الخارج. ولذلك فإن رفع العقوبات التي تضر بالشعب السوري سيساعد في زيادة احتمالات عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
من الأفضل أن تفشل المفاوضات بدلًا من حرب فاشلة [7]. ويجب تجنب “المواقف غير الواقعية” أثناء المفاوضات، وإن كانت الآراء تختلف حول ما هو “غير واقعي”. الطرف الذي يعتقد أنه سينتصر في الحرب لا يريد التفاوض بشكل عام. والطرف المقدّر له أن يخسر الحرب يميل إلى أن يكون أكثر استعدادًا للتفاوض. في الحالة السورية، تريد أحزاب المعارضة الأضعف التفاوض على أساس مبدأ أن النظام الأقوى يجب أن يتنحى في نهاية المفاوضات، مع وجوب محاكمته، وتقديم كل من تلطخ أيديهم بالدماء إلى العدالة. لقد تبين أن هذا سيناريو غير واقعي تمامًا [8].
إذا طلب الطرف الأضعف “الكثير” خلال المفاوضات، فإنه يخاطر بأن ينتهي به المطاف بأقل مما بدأ به المفاوضات. ولكن بمجرد أن يتمكن الطرف الأضعف من قلب الطاولة، ويصبح الطرف الأقوى، فإنه لا يريد التفاوض بعد الآن مع الطرف الذي فقد مركزه المهيمن بالكامل.
ويبدو أن الفرضية القائلة بأن النظام السوري مستعد للتفاوض بجدية، بمجرد تعرضه لضغوط كافية، تبدو منطقية، لكن تبين أنها لا أساس لها من الصحة، عندما يتعلق الأمر بالواقع. بالنسبة إلى النظام (تقريبًا) إما كل شيء أو لا شيء. سوف يقبل على الأكثر بعض التغييرات الشكلية، فيما يتعلق بسلطاته. لا يمكن كسر إرادة النظام إلا بالهزيمة العسكرية، وبعد ذلك لن تكون المفاوضات (مع النظام) ضرورية (ولكن لا يزال يتعين إجراؤها بين مجموعات المعارضة المتنافسة العديدة، ونتيجة لذلك لن تكون هناك نهاية واضحة في الأفق بعد).
وفي الحالة النظرية التي كان من الممكن أن يُهزَم النظام في دمشق، على سبيل المثال على يد جيش الإسلام الإسلامي، لم يكن هذا يعني أن النظام كان سيُهزم أيضًا في مناطق أخرى، مثل اللاذقية أو طرطوس أو حمص أو حلب. كان من الممكن أن يؤدي ذلك ببساطة إلى تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ عسكرية مختلفة (أو نوع من الترقيع/ التنوع العسكري) عما هي عليه اليوم، وأن الحرب الأهلية كانت ستستمر لفترة أطول. لكن كل من حاول إطاحة النظام فشل.
خلص الخبير بالشأن السوري، ديفيد ليش، إلى أن النظام السوري “لا يُحبّ أن يُقال له ما يجب فعله، أو حتى أن يُقدَّم له مقترحًا بقوة”، ناهيك عن القوى الخارجية. وأن نظامي حافظ وبشار الأسد رفضا دائمًا تقديم تنازلات من موقف ضعف ملموس: لن يقدّما أي تنازلات إلا من موقع قوة ملموس[9]. لكن المشكلة هي أنه بعد عام 2011، لم يرغب بشار الأسد في التفاوض من موقع قوة نسبية أيضًا، على الأقل إذا كان ذلك قد يؤدي إلى تقاسم السلطة الحقيقية مع المعارضة. ومع ذلك، كان من الممكن أن تكون المفاوضات المتبادلة الخيار الأفضل، أو الأقل سوءًا، آخذين في الحسبان كل الوفيات والدمار.
وأشار البيان إلى “إنشاء هيئة حكم انتقالية يمكنها تهيئة بيئة محايدة يمكن أن يحدث فيها الانتقال. وهذا يعني أن مجلس الحكم الانتقالي سيمارس سلطات تنفيذية كاملة. ويمكن أن يشمل المجلس المذكور أعضاء الحكومة الحالية والمعارضة والجماعات الأخرى، وأن يتشكل على أساس القبول المتبادل/ التراضي”.
أصبح منصب الرئيس بشار الأسد والشخصيات الرئيسة لنظامه في “هيئة الحكم الانتقالية ذات السلطات التنفيذية الكاملة” على الفور نقطة خلاف رئيسة. صرّحت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، بأن الرئيس الأسد لا يمكنه المشاركة في مثل هيئة الحكم الانتقالية هذه، في حين نفى لافروف، وزير الخارجية الروسي، ذلك. ورفضت المعارضة السورية بشكل عام بشدة أي دور للرئيس الأسد، حتى خلال “الفترة الانتقالية”. بالنسبة إلى النظام السوري نفسه، كان الرئيس الأسد هو الذي سيبت في مثل هذه القضايا، وليس المعارضة، ولا الدول الأجنبية. أصرت كلينتون (مثل كثير من القادة السياسيين الآخرين) على أن بشار الأسد يجب أن يتنحى، لكن بيان جنيف لم يذكر أي شيء عن منصب الرئيس السوري، ولم يذكر تغيير النظام. لكن معظم الأطراف العربية والغربية أرادت أكثر مما ورد في بيان جنيف، ومن الواضح أن هذا كان له نتائج عكسية في البحث عن حل. تخيلت جماعات المعارضة أنها بمساعدة الأطراف الغربية والعربية يمكنها فرض “انتقال سياسي” (أصبح نوعًا من التعبير الملطف لتغيير النظام). لم تتخلَ معظم الحكومات العربية عن رغبتها السابقة في تغيير النظام إلا بعد أكثر من عشرة أعوام، بمجرد أن أصبح واضحًا أنها فشلت في إسقاط النظام.
بدأت معظم البلدان العربية التي حاولت دون جدوى إسقاط نظام الأسد بدعم عسكري ومالي هائل لجماعات المعارضة العسكرية السورية، في تغيير موقفها جذريًا في عام 2023، من خلال إعادة قبول سورية في جامعة الدول العربية، وبإعادة إقامة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، بحجة أن ذلك سيكون في مصلحتهما الإقليمية الاستراتيجية. بعد التفكير في الأمر، كانت سورية قبل الثورة أفضل بالنسبة إليهم، ولكن الآن سيكون من مصلحتهم المساعدة في إعادة بناء البلاد، طالما أن العقوبات لا تعيق كثيرًا مصالحهم في هذا الصدد.
خلص الخبير في الشأن السوري بينتي شيلر إلى أن النظام السوري عادة ما يواصل ممارسة “لعبة الانتظار”، ببساطة ينتظر حتى تنتهي الأزمة حتى يتغلب عليها، من أجل الاستمرار بعد ذلك كما فعل من قبل [10]. هذا ما حدث في هذه الحالة مرة أخرى. في النهاية، انتهى الأمر بالأطراف التي كانت تدعي الكثير خلال المراحل الأولى من الحرب السورية (من خلال خيوط واضحة خارج النصوص المتفق عليها)، بأقل مما كان يمكن أن تحققه خلاف ذلك. إن البقاء في حدود النصوص المتفق عليها ليس ضمانًا للنجاح، ولكن الخروج منها بالطريقة التي حدث بها، كان في هذه الحالة بالذات ضمانًا للفشل. لقد خلقت الأطراف الغربية والعربية التي قدمت هذه الادعاءات خارج معايير بيان جنيف انطباعًا خاطئًا للمعارضة بأن ادعاءاتها يمكن تحقيقها. وإضافة إلى ذلك، جعلت من المستحيل سياسيًا على جماعات المعارضة نفسها المطالبة بأقل مما يطالب به مؤيدوها الأجانب.
إن تنفيذ هذه الفقرات من قرار مجلس الأمن (2254) لم يكن ليضعف في الواقع الموقف العسكري للنظام، لأنّ التدابير المدرجة لم يكن لها أي قيمة عسكرية استراتيجية؛ إلا ربما بمعنى أن جماعات المعارضة العسكرية قد تستفيد أيضًا من الإمدادات الغذائية والطبية. إن قصف المدنيين والمرافق الطبية المدنية، على سبيل المثال، ليس له قيمة عسكرية استراتيجية، كون تلك المرافق مدنية فقط. لذلك، كان من السهل نسبيًا على النظام (والروس) البدء في تنفيذه.
في حالات، على سبيل المثال، أفغانستان والعراق وليبيا وسورية واليمن، لم يحدث هذا. واصلت البلدان المتدخلة في حالات مختلفة ببساطة سياساتها التدخلية في بلدان أخرى، تاركة البلدان السابقة بحالة خراب، من دون تحمل أي مسؤولية.
ألا ينبغي أن تكون هناك أيضًا أي مساءلة عن عدم إسقاط نظام الأسد، على الأقل في تلك الدول التي دعمت المعارضة السورية وسلّحتها من دون حماس؟ في الواقع، ساعدت الدول العربية التي دعمت المعارضة العسكرية بشكل كبير (ولكن ليس بشكل كافٍ) الحرب على الاستمرار في تدميرها. ويبدو أن بعض هذه الدول على استعداد الآن للمساهمة في إعادة إعمار سورية المدمرة، لأن من مصلحتها الإقليمية التعاون والتكيف مع نظام الأسد الذي نجا، رغم سعيها لإطاحته. لا يمكنهم اختيار جيرانهم، لكن عليهم التكيف والتعايش معهم. بالنسبة إلى البلدان البعيدة عن سورية، قد يكون هذا مختلفًا. إن البدء في إعادة إعمار سورية بمساعدة الدول العربية الإقليمية قد يوفر فرصة للتوصل إلى حل.
أشارت كثير من الدول العربية الاستبدادية الحاكمة إلى أنها تريد إصلاحًا سياسيًا في سورية، يشمل الإصلاحات الديمقراطية، في حين أنها لم تكن لتقبل أبدًا إصلاحات مماثلة في بلدانها. ولذلك، فإن سياساتها تستند بالأحرى إلى اعتبارات استراتيجية، لا إلى مبادئ ديمقراطية. كما طبقت بلدان غربية مختلفة معايير مزدوجة في هذا الصدد. ما طالبوا به النظامَ السوري لم يُطبَق بالمثل على معظم الأنظمة الاستبدادية العربية أو إسرائيل، لأن هؤلاء كانوا يُعدَّون حلفاء أو أصدقاء لهم.
إذا تبين أن الطريق الذي اختارته حركة ثورية ليس هو الطريق المؤدي إلى أهدافها المرجوة، فيجب البحث عن مسار آخر، بدلًا من الاستمرار في المسار كما كان متصورًا في الأصل. في هذا الصدد، ربما تكون المعارضة السورية قد غيرت مسارها منذ أعوام، بمجرد أن اتضح لهم أن الأسد سينتصر في الحرب (وإن لم يكن السلام)، وأن مطالبهم التفاوضية غير واقعية.
إن السخط المستمرّ على سلوك النظام السوري السيئ له ما يبرره تمامًا، ومن المؤكد أن المجتمع الدولي المزعوم لا يمكنه التزام الصمت حيال ذلك، فضلًا عن الضحايا الأبرياء الكثيرين. لكن هذا غير كافٍ في حد ذاته للتوصل إلى حل. إن النتائج هي التي تحسَب (الأمور بنتائجها)، ولا يكفي ما يسمّى بـ “النوايا الحسنة” والتصريحات التي تعبّر عن السخط.
في النهاية، ستميل معظم الدول إلى اتباع مصلحتها الاستراتيجية، سواء كانت تتعاطف مع مصير الشعب السوري أم لا.
بعد كل ما أريق من الدماء وما لحق من الدمار، لا أعتقد أنه من الممكن تحقيق حلٍ عادل بعد الآن، وإذا كان ثمة إمكانية لذلك، فيجب أن يكون على الأكثر حلًا وسطًا (تسوية)، لكن يبدو أن النظام السوري ليس على استعداد لتقديم أي حل وسط من هذا القبيل. و “الحل” العسكري ليس في الحقيقة حلًا. وقد تكون الحالة الراهنة تسوية في الوقت الراهن. لا يزال الاستقرار والازدهار الحقيقيان بعيدين عن الأنظار في المستقبل المنظور، لكن لا توجد قاعدة أبدية. ولا بد أن تحدث ثورة جديدة أو انقلاب عسكري مرة أخرى يومًا ما، وإن لم يكن هناك ما يضمن أن الأنظمة الوريثة ستحقق الاستقرار والازدهار المطلوبين، فضلًا عن الديمقراطية.
يتعين على السوريين أنفسهم التوصّل إلى حلٍّ سياسيّ، لكن هذا الحلّ يعتمد كثيرًا على من هو الأقوى.

- *مؤلف كتاب "الصراع على السلطة في سورية" (الطبعة الرابعة، 2011)، تدمير أمة/ وطن. الحرب الأهلية في سورية (2017) (باللغتين العربية ولغات أخرى أيضًا)، وهو سفير سابق لهولندا في العراق ومصر وتركيا وألمانيا وإندونيسيا، بالإضافة إلى تعيينه مبعوث هولندا الخاص لسورية.
- الهوامش:
[1] – كنتُ، منذ البداية، معارضًا لعبارة “الربيع العربي”، خاصةً لأنه تم الترحيب بها في الأولى (وأيضًا لاحقًا) بحماسة مفرطة -بسذاجة تقريبًا- وإيجابية. لا بد أنه كان واضحًا بما فيه الكفاية لأولئك الذين يعرفون الشرق الأوسط أن الربيع مراحلها العربي سيمضي بشكل مختلف تمامًا، ولونه لن يكون ورديًا كما كان يُعتقد عمومًا. في غضون ذلك، فإن جميع دول “الربيع العربي”، من دون استثناء، أسوأ بكثير من ذي قبل.
نيكولاوس فان دام، “هل نجح” الربيع العربي “الدموي؟”، مراجعة استراتيجية، المجلة الإندونيسية للقيادة والسياسة والشؤون العالمية، المجلد 2 العدد 3، تموز/ يوليو -أيلول/ سبتمبر 2012، ص. ص 117-126.
[2] – انظر تعليقات روبرت فورد، سفير الولايات المتحدة في سورية، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، https://twitter.com/fordrs58/status/1463280720143695881?s=20, وفان دام، “جرائم الحرب: مسؤولية مشتركة”، تعليق سورية، Syria Comment، 3 تموز/ يوليو 2021. https://bit.ly/44Qd3JC
[3] – فان دام، لن يوقع بشار الأسد على مذكرة وفاته، مونتريال ريفيو، تشرين الأول/ أكتوبر 2011.
[4] – فان دام، “لا يمكن فرض الديمقراطية بالقوة العسكرية”،
[5] – المصطفى بن المليح، https://bit.ly/459maEU
[6] – ستيفن سايمون وجوشوا لانديس في H.R. 3202: “تحليل الجهود التشريعية لعرقلة الانخراط العربي مع سورية”،https://bit.ly/3rL9iq5
[7] – بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للثورة السورية في آذار/ مارس 2012، اقترحت أن الحوار مع النظام سيكون مفتاحًا لأي حل، وأن (10.000) قتيل (وهو العدد في ذلك الوقت) أفضل من (300,000) من القتلى الذي قد يتبين أنه سينتج إذا استمرت الحرب من دون أي اتصال أو مفاوضات مع النظام. لكن المعارضة رفضت بشدة وجهة النظر هذه في ذلك الوقت. انظر: برنامج Pauw & Witteman على التلفزيون الألماني، 7 آذار/ مارس 2012، والجزيرة بالعربي، «عام واحدة من الثورة السورية»، 15 آذار/ مارس 2012.
[8] – فان دام، سورية، لا مكان للتسوية السياسية، Fanack، 20 تموز/ يوليو 2018،https://bit.ly/3qcMb7A
[9] – دافيد ليش، سورية: سقوط بيت الأسد (لندن، 2012)، ص.ص 143، 213.
[10] – بينتي شيلر، الحكمة من لعبة الانتظار السورية. السياسة الخارجية في عهد الأسد، لندن، 2013
--------------------------------------------------------------------------------







زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي
http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي
موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت:
www.scppb.org

موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن):
www.ahewar.org/m.asp?i=9135



#الحزب_الشيوعي_السوري_-_المكتب_السياسي (هاشتاغ)       The_Syrian_Communist_Party-polit_Bureau#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسار- العدد 72
- المسار- العدد 71
- المسار- العدد 70
- المسار- العدد 69
- المسار- العدد 68
- المسار- العدد 67
- المسار- العدد 66
- المسار- العدد 65
- المسار- العدد 64
- المسار- العدد 63
- المسار- العدد 62
- المسار- العدد 61
- المسار- العدد 60
- المسار- العدد 59
- المسار- العدد 58
- المسار- العدد 57
- المسار- العدد 56
- المسار- العدد 55
- المسار- العدد 54
- المسار- العدد 53


المزيد.....




- وزير الخارجية الأمريكي يزور السعودية لمناقشة وضع غزة مع -شرك ...
- السلطات الروسية توقف مشتبهاً به جديد في الهجوم الدامي على قا ...
- حماس تنشر مقطع فيديو يوضح محتجزين أمريكي وإسرائيلي أحياء لدي ...
- حزب الله يقصف إسرائيل ويرد على مبادرات وقف إطلاق النار
- نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب بسام محي: نرفض التمييز ضد ...
- طلبة بجامعة كولومبيا يعتبرون تضامنهم مع غزة درسا حيا بالتاري ...
- كيف تنقذ طفلك من عادة قضم الأظافر وتخلصه منها؟
- مظاهرات جامعة كولومبيا.. كيف بدأت ولماذا انتقلت لجامعات أخرى ...
- مظاهرة طلابية في باريس تندد بالحرب على قطاع غزة
- صفقة التبادل أم اجتياح رفح؟.. خلاف يهدد الائتلاف الحكومي بإس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي - المسار 79