أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي - المسار- العدد 62















المزيد.....



المسار- العدد 62


الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)


الحوار المتمدن-العدد: 7207 - 2022 / 3 / 31 - 20:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




العدد /62/ آذارمارس2022
---------------------------------------------------------------------------------

الافتتاحية:
حول المسألة الأوكرانية
دفع العرب ثمناً باهظاً لانهيار الاتحاد السوفياتي واختفاء نظام الثنائية القطبية وتحول الولايات المتحدة إلى القطب الواحد للعالم. الآن عبر الغزو الروسي لأوكرانية تجري محاولة انقلابية على القطبية الواحدية الأميركية للعالم.لايمكن القول الآن بأنها محاولة انقلابية ناجحة، فهذا يحتاج لزمن من أجل التثبت من نجاحها وربما تكون محاولة انقلاب فاشلة. في كل الأحوال لا يمكن للأمم المظلومة ومنها العرب أن تكون سعيدة ببقاء واشنطن قطباً أوحداً للعالم بل للعرب مصلحة في تعدد الأقطاب في العالم لأن هذا يساعد الأمم المظلومة أو الضعيفة أكثر على تحقيق تطلعاتها.
لن تدفعنا الأوهام والتحليلات الرغبوية إلى الشطط، بل من الضروري الواقعية، فموسكو ليست كماكانت في عهد السوفيات عندما ساعدت العرب في حروب1956و1967و1973، وإنما هي الآن أمام واشنطن في وضعية قريبة مماقاله لينين في عام1914أثناء بدء الحرب العالمية الأولى عن أنها "حرب بين امبرياليات"، وهذا بالمناسبة لم يمنع الزعيم البلشفي في أن يرى فرصاً أتاحتها هذه الحرب من أجل تحقيق أهدافه.
أهم نقطة يمكن قولها الآن أن نظام القطبية الواحدة للعالم الأميركي قد اهتز في زمن قصير لم تتجاوز ثلث القرن وهذا ما يدل على كثرة ثغراته، فيماأن سيطرة القطبية الواحدية لروما قد استغرقت ثلاثة قرون كماأن سيطرة دولة أعظم على العلاقات الدولية مثل إنكلترا قد استغرقت من عام1588مع انتصارها على إسبانية في معركة الأرمادا وحتى عام1945مع نهاية الحرب العالمية الثانية. على الأرجح وإذا مسكنا الاقتصاد الذي هو المقياس الذي يحدد القطبية الواحدية أوثنائية القطب أوالدولة الأعظم أوالدول العظمى أوالكبرى وليس السلاح فإن روسيا هي دولة كبرى عالمياً وليس كماقال أوباما عنها بأنها "دولة كبرى إقليمية "،ولكن محاولتها للصدام مع القطب الأميركي للعالم تدل على أنها بشكل أوآخر تستند على مساندين أوراضين عن محاولتها تلك،كماأن اقتصادها لايؤهلها لكي تهز الواحدية القطبية وهي في المرتبة الثانية عشر اقتصادياً بالترتيب العالمي،ولولاالدعم الصيني لماكان بوتين قد تجرأ على ما فعله في أوكرانية،ولوأن الصين تقف حذرة الآن تترقب إلى ماذا ستؤول إليه المحاولة الروسية لكي تحفظ خط الرجعة في حال فشلت موسكو ولكي تتقدم في حال النجاح الروسي وهي الرقم الثاني في الاقتصاد العالمي والصين في هذا الاطار هي دولة عظمى.
الهند الآن تتخذ موقفاً انتظارياً مماثلاً للصين وكذلك إيران، وعلى العرب أن يكونوا كذلك.
هناك قضايا أخرى تثيرها المسألة الأوكرانية.
مثل مسألة استعمال القوة المسلحة لحل النزاعات بين الدول وخاصة بين دول كبرى وجيرانها الأضعف قوة. مسألة ثانية وهي غزو دولة كان معترفاً الغازي بسيادتها وحدودها ووحدة أراضيها عبر معاهدات واتفاقيات سابقة. مسألة ثالثة هي استغلال مشاكل داخلية وآلام وتشكيات أقلية قومية، حتى ولوكانت محقة، كذريعة للغزو العسكري لأراضي دولة وإقامة دول جديدة عبر اقتطاع أراضي منها أوالمساعدة على ذلك. مسألة رابعة هي القول بالحق التاريخي في أراضي دول أخرى والقيام عبر القوة العسكرية بالاستيلاء عليها. مسالة خامسة هي القول بأن دولة هي مسؤولة عن أفراد من قوميتها حتى ولوكانوا مواطنين في دولة أخرى.
كل هذه المسائل الخمسة ذات طابع خطر ومزلزل للعلاقات الدولية.
هناك ناحية أخرى تقود إليها الحرب الروسية – الأوكرانية وهي أن العلاقات الأميركية- الروسية في توتر غير مسبوق بشكل لامثيل له منذ انتهاء الحرب الباردة في عام1989.هذا بالتأكيد سيتجسد في بلدان أخرى مأزومة مثل سورية وهذا يمكن أن يجعل الأزمة السورية ميداناً للتجابه بين واشنطن وموسكو ،مما سيؤثر كثيراً على إمكانية حل هذه الأزمة التي دخلت عامها الحادي عشر ويجعلها تطول وتتعقد وخاصة إن لم تقد التطورات العسكرية في أوكرانية إلى تسوية هناك بل قادت إلى حرب باردة جديدة سيكون ميدانها العالم كله ولو حروب أومجابهات بالوكالة.
في أوكرانيا الآن يتم رسم لوحة العلاقات الدولية المقبلة،سواء أدت الأمور إلى انتصار روسي،أوهزيمة موسكو،أوإلى تسوية،إوإلى احتمال رابع وهو صراع طويل تستخدم فيه أوكرانيا كمستنقع روسي،كماجرى في أفغانستان 1979-1989التي كانت ميداناً تم فيه استنزاف الاتحاد السوفياتي مماعجل في انهياره وتفككه.
ستكون سوريا من أول المتآثرين بمايجري في أوكرانيا،مهما كانت النتيجة هناك.

------------------------------------------------------------------------
أوكرانيا: احتمالات
- يوسف الطويل -
هناك تساؤلات عديدة حول نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد طالب المستشار الألماني والرئيس الفرنسي في اتصال مع بوتين لوقف الحرب فورا معتبرين أن الحل يتم وفق المفاوضات بين الجانب الروسي والأوكراني ، وفي نفس الوقت قد فشلت المحادثات الثنائية بينهما برعاية تركية في أنطاليا دون التوصل لاتفاق حول أي بند ، فيما أعلنت روسيا في وقت سابق أن أحد أسباب غزوها لأوكرانيا هو وجود معامل لتطوير أسلحة بيولوجية لأمريكا على الأراضي الأوكرانية ، وهناك مخاوف غربية في هذا الصدد من استعمال روسيا للأسلحة الكيماوية في أوكرانيا ، وقد هدد مسؤولون غربيون أن استخدام روسيا للأسلحة الكيماوية في أوكرانيا سيؤدي لعمل عسكري غربي ضد روسيا .
قد أعلنت لندن فرض عقوبات على سبعة أوليغارشيين روس بينهم ابراموفيتش مالك نادي تشيلسي لكرة القدم، واتهمت وزارة الدفاع البريطانية روسيا باستخدام قنبلة فراغية حرارية في حربها على أوكرانيا، وقد دعمت لندن المقاومة الأوكرانية بأسلحة منها مضاد دبابات.
سابقا في أوائل الحرب الروسية قد وجهت انتقادات لإدارة الفيس بوك على السماح لمسؤولين روس بنشر أخبار حول أسباب الحرب التي تثبت الدعاية الروسية لها، وذلك من قبل مؤسسات وأفراد في أمريكا بالدرجة الأولى، فيما حجبت روسيا الفيس بوك في مجالها، بالادعاء، أن هناك فرض لرقابة توصف بالمتشددة على المحتوى الذي يروج وجهة النظر الروسية.
أشار بايدن أن غزو روسيا لأوكرانيا لن يحقق نصراً نهائيا بل سيؤدي للسيطرة على مناطق جزئية في أوكرانيا، وقد شكل القضاء الأمريكي فريق عمل للتحقيق في أنشطة جرمية قد ارتكبها أفراد ومؤسسات بينهم أثرياء روس نافذين.
قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون لاين أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري الروسي بحلول 2027، مضيفة أنها ستقترح في هذا الصدد خطة في منتصف أيار هذا العام.
فيما أشار المستشار الألماني أولاف شولتس رفضه لانضمام أوكرانيا السريع للاتحاد الأوروبي، وأشار إلى اتفاق الشراكة الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا في عام 2017 لتعميق العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانبين.
إن كثافة التصريحات والاجتماعات والاتصالات واللقاءات تبين عمق الأزمة الأوكرانية عالميا وأهميتها الاستراتيجية ، ويدل المسار الذي أخذه الموقف الروسي على احتمالية عدم قدرة روسيا على إحراز نصر في أوكرانيا بسبب المقاومة الأوكرانية الشرسة والدعم الذي تتلقاه من بعض الدول الغربية ، وهذا في حال تحققه فسيقود لتخفيف التدخلات الروسية في عدد من دول العالم والمنطقة العربية وخاصة سوريا والتي قد تأخذ طابع الانسحاب الروسي من سوريا ، وملئ هذا الفراغ من قبل الإيرانيين ( إذا تم الاتفاق بين الغرب وإيران حول البرنامج النووي وحدوده وضوابطه ) الذي أعلنت إيران رفضها لربط هذا الاتفاق بالأزمة الأوكرانية من أي طرف كان في إشارة ضمنية للروس .
بالمقابل فأن الموقف الأوروبي قليل الحماس للتدخل لصالح الحكومة الأوكرانية قد أدى إلى سخط القيادة الأوكرانية التي كانت تريد دعما من قبل أمريكا والأوروبيين، والتي أيضا ربطت سقوط كييف بسقوط أوروبا كلها.
هناك دعوات في الاتحاد الأوروبي لتقليل اعتماده على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2027 لضمان استقلالية الموقف الأوروبي فيما يخص النشاطات الروسية مستقبلاً، ووفق ما يبدو فأن الاتحاد الأوروبي حالياً مستعد لتحمل الخسائر الناجمة عن العقوبات على الروس في سبيل عدم إحراز روسيا نصراً في أوكرانيا، وهذا يشكل امتدادا للموقف الأمريكي.
من جهة أخرى على المستوى العربي ، فأن الأزمة الأوكرانية ألقت بثقلها على الاقتصادات العربية التي (بالدرجة الأولى ) تعتمد في وارداتها على القمح الروسي والأوكراني ،كمصر التي تستورد 50% من روسيا و30% من أوكرانيا ، وهذا الحال ينطبق على السودان وليبيا واليمن وسوريا ( القمح الروسي ) بنسب متفاوتة ، وينطبق على لبنان التي تشكل أوكرانيا المصدر الرئيسي للقمح بالنسبة له بنسبة 50% من احتياجاته ، والذي قد تؤدي الأزمة الأوكرانية لتأجيل الانتخابات المقررة ب15 أيار من هذا العام ، مضاف إليه ، الخوف من ارتفاع أسعار النفط والغاز ومدى القدرة على تأمين المحروقات .
فقد هوى سعر صرف الليرة السورية يوم الأربعاء 9 آذار مستوى هو الأدنى له مقابل الدولار في العاصمة دمشق منذ 29آذار عام 2021 ، وقد أدت ارتفاع أسعار الزيوت عالميا إلى ارتفاعها محلياً ، ولا يمكن فصل رفع الدعم من قبل السلطة السورية مؤخراً كرد فعل استباقي على الحرب الروسية الأوكرانية عن الأزمة الأوكرانية والغزو الروسي ، وتعد سوريا في مجال أسعار الغذائيات هي الأعلى من معظم الدول العربية بنسبة 40% وفق بعض التقديرات ، مضاف إليه ،ارتفاع أسعار تكاليف الشحن للمواد المستوردة عالميا بنسبة 30% إضافة لتكاليف التأمين وارتفاع سعر صرف الليرة في السوداء السورية بنسبة 20% مما أدى إجمالاً وكمحصلة نهائية لارتفاع أسعار مواد الإكساء والبناء .
إجمالاً قد يجد السودانيون والسوريون واليمنيون واللبنانيون ومواطنون من دول عربية أخرى صعوبات في توفير الخبز على طاولة الطعام كون روسيا وأوكرانيا موردي القمح الرئيسيين بالنسبة لهم، وكون القمح الروسي حتى لو وجد بديل عنه فأن الطلب عليه من كافة دول العالم سيكون في مستوياته العليا وسيكون بأسعار أعلى، وستؤدي الحرب الروسية الأوكرانية لأزمات جديدة مرحلية على الدول العربية التي تعتمد عليها في وارداتها مما (من المحتمل القريب) سيؤدي لاضطرابات وموجة ثورية جديدة.
هذه التطورات تطرح العديد من الأسئلة حول ما إذا كان الغزو الروسي سيؤدي لتحقيق نصراً نهائياً في أوكرانيا بسيطرته على كييف وتعيين حكومة موالية له ، مما سينعكس بتوازن دولي جديد ، أم سينكسر ولن يحقق مراده مما سينعكس على الملفات الدولية والإقليمية الأخرى كاحتمالية انسحاب روسيا من سوريا على سبيل المثال ، وهذا يطرح سؤالاً حول مستقبل بوتين السياسي والشعبي والشخصي في حال عدم تحقيق الحرب الروسية لأهدافها وانكسارها بسبب شدة المقاومة الأوكرانية ، ويطرح هذا الموضوع سؤالاً آخر حول مدى قدرة أوروبا لتحجيم جماح روسيا ومدى قدرتها ومرونة بنيتها لاستبدال الوقود الأحفوري الروسي بالوقود القطري على سبيل المثال كما اقترحت قطر سابقاً ، وهل سيظل النزاع في حدود أوكرانيا أم أن الوضع سيتطور ليشمل بلدان الناتو ، رغم أن هذا الخيار مستبعد بسبب التوازن النووي والعسكري ، ولأن خوض روسيا المعركة مع أوروبا سيكون استنادا لخيارات آنية قد تجر عالم لحرب نووية تدمر البشر والحجر والبنى التحتية ( التي في حال تدمر البنى التحتية الروسية ، فأن روسيا لن تستطيع النهوض مجددا من غير دعم الدول الغربية ) مما سيضع روسيا في مرحلة نهوض على المستوى الاقتصادي قد تستمر لعشرات السنين لتستعيد طاقتها مجدداً ، وهذه الطاقة لن تعود كسابق عهدها ، بل ستكون محكومة بشروط وتوازنات دولية لن تستطيع باقتصادها الضعيف أن تكسرها مما سيضعها في دائرة الانهزام والضعف والتبعية .
بشكل عام فأن الروس لن يتجاوزوا الخطوط الحمراء في نوعية الأسلحة المستخدمة من قبلهم في أوكرانيا، والتي حددت أوروبا حدود الأسلحة الروسية التي من المسموح استخدامها من قبل الروس في أكثر من مناسبة بطرق غير مباشرة وضمن حدود الدبلوماسية.
عن روسيا والثالوث الإمبريالي

سمير أمين
جريدة الأخبار، الإثنين 14آذار2022

(هذا النص من أجزاء مختارة من مقال لسمير أمين (1931 -2018) بعنوان «الإمبريالية المعاصرة»، نشرته مجلة «مونثلي ريفيو» في الأوّل من تموز 2015.)
لا يزال العالم المعاصر يواجه التحدّيات نفسها التي واجهتها ثورات القرن العشرين. لا يزال التعميق المستمر للتناقض بين المركز والأطراف، والذي يميّز انتشار الرأسمالية المعولمة، يؤدّي إلى النتيجة السياسية الرئيسية نفسها: إن تغيير العالم يبدأ بالثورات الوطنية الشعبية المناهضة للإمبريالية ـــــ وربما المناهضة للرأسمالية ـــــ والتي هي الثورات الوحيدة المطروحة في المستقبل المنظور. لكن هذا التحوّل لن يكون قادراً على تجاوز الخطوات الأولى والمضيّ قدماً على طريق الاشتراكية بعدها إلّا عندما تبدأ شعوب المراكز بدورها؛ النضال من أجل الشيوعية التي يُنظر إليها على أنها مرحلة أعلى من الحضارة الإنسانية العالمية. والأزمة النظامية للرأسمالية في المراكز تقدّم فرصة لترجمة هذه الإمكانية إلى واقع.

في غضون ذلك، هناك تحدٍّ مزدوج يواجه شعوب ودول الجنوب: أوّلاً، التنمية الرثّة التي تفرضها الرأسمالية المعاصرة على جميع أطراف النظام ليس لديها ما تقدّمه لثلاثة أرباع البشرية. على وجه الخصوص، يؤدّي هذا النمط من التنمية إلى التدمير السريع لمجتمعات الفلاحين في آسيا وأفريقيا، وبالتالي فإن الاستجابة للمسألة الفلاحية ستحكم إلى حد كبير طبيعة التغيّرات المستقبلية.
ثانياً، إنّ الجيوستراتيجية العدوانية للقوى الإمبريالية التي تعارض أي محاولة من جانب شعوب ودول الأطراف للخروج من مأزقها، تجبر هذه الشعوب على هزيمة السيطرة العسكرية على العالم من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيّين واليابانيين.
في سبعينيات القرن الماضي، قدّمت أنا وسويزي وماغدوف أطروحة، صغتها أنا وأندريه غوندر فرانك في عمل نُشر عام 1978، قلنا فيها إن الرأسمالية الاحتكارية تدخل عصراً جديداً يتميّز بالتفكيك التدريجي ـــــ ولكن السريع ـــــ لأنظمة الإنتاج الوطنية. لم يعد من الممكن تعريف إنتاج عدد متزايد من سلع السوق بعلامة «صنع في فرنسا» (أو الاتحاد السوفياتي أو الولايات المتحدة)، بل بعلامة «صنع في العالم» لأن تصنيع هذه السلع مقسّم الآن إلى أجزاء موجودة هنا وهناك في جميع أنحاء العالم. إنّ إدراك هذه الحقيقة، التي أصبحت الآن فكرة شائعة، لا يعني أنّ هناك تفسيراً واحداً فقط للسبب الرئيسي للتحوّل قيد الدراسة. من جهتي، أفسّر هذا التحوّل بالقفزة للأمام التي حقّقتها الاحتكارات في مستوى مركزية السيطرة على رأس المال، وهي القفزة التي وصفتها بالانتقال من رأسمالية الاحتكارات إلى رأسمالية الاحتكارات المعمّمة. توفّر ثورة المعلومات، من بين عوامل أخرى، الوسائل التي تجعل من الممكن إدارة نظام الإنتاج المشتّت عالمياً. لكن بالنسبة إليّ، لا تُطبّق هذه الوسائل إلا كاستجابة لحاجة موضوعية جديدة أوجدتها القفزة إلى الأمام في مَركزَة السيطرة على رأس المال. أدّى ظهور نظام الإنتاج المعولم هذا إلى إقصاء سياسات «التنمية الوطنية» المتماسكة (المتنوعة والمتفاوتة في الفعالية)، لكنه لم يستبدلها بتماسك جديد، يُفترض أن يمثّله النظام المعولم. والسبب في ذلك هو عدم وجود برجوازية معولمة ودولة معولمة، وهو ما سأقف عنده لاحقاً. بالتالي، فإنّ نظام الإنتاج المعولم غير متماسك بطبيعته.

من النتائج المهمّة الأخرى لهذا التحوّل النوعي للرأسمالية المعاصرة ظهور الإمبريالية الجماعية للثالوث (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان)، والتي حلّت محل الإمبرياليات الوطنية التاريخية (الولايات المتحدة، بريطانيا العظمى، اليابان، ألمانيا، فرنسا وعدد قليل من الدول الأخرى). تكمن علّة وجود الإمبريالية الجماعية في وعي برجوازيات الأمم الثلاث بضرورة إدارتها المشتركة للعالم، ولا سيما لمجتمعات الأطراف الخاضعة والتي لم تخضع بعد.
يستخلص البعض نتيجتين ترتبطان بأطروحة نشوء نظام إنتاج معولم: ظهور برجوازية معولمة وظهور دولة معولمة، وكلاهما يُفترض أن يجد أساسه الموضوعي في نظام الإنتاج الجديد هذا. يقودني تفسيري للتغيّرات والأزمات الحالية إلى رفض هاتين النتيجتين.
لا توجد برجوازية معولمة (أو طبقة مهيمنة) في طور التكوّن، سواء على المستوى العالمي أو في بلدان الثالوث الإمبريالي. يقودني هذا إلى التأكيد على حقيقة أن مَركزَة السيطرة على رأس مال الاحتكارات تحدث داخل الدول القومية للثالوث (الولايات المتحدة، كل عضو في الاتحاد الأوروبي واليابان) أكثر بكثير ممّا يحدث في العلاقات بين شركاء الثالوث، أو حتى بين أعضاء الاتحاد الأوروبي. تتنافس البرجوازيات (أو المجموعات الاحتكارية) داخل الأمم (والدولة القومية تدير هذه المنافسة، جزئياً على الأقل) وبين الأمم. لذا، فقد تولّت المجموعات الاحتكارية الألمانية (والدولة الألمانية) قيادة الشؤون الأوروبية، ليس من أجل المنفعة المتساوية للجميع، ولكن أوّلاً وقبل كل شيء لمنفعتها الخاصة. على مستوى الثالوث، من الواضح أنّ برجوازية الولايات المتحدة هي التي تقود التحالف، مرة أخرى بتوزيع غير متكافئ للمنافع. إنّ الفكرة القائلة بأن السبب الموضوعي ـــــ أي ظهور نظام الإنتاج المعولم ـــــ يستلزم بحكم الواقع ظهور طبقة مهيمنة معولمة تستند إلى الفرضية الأساسية القائلة بأن النظام يجب أن يكون متماسكاً. في الواقع، من الممكن ألا يكون متماسكاً، بل إنه بالفعل غير متماسك، بالتالي فإن هذا النظام الفوضوي غير قابل للحياة.
في الأطراف، تحدث عولمة نظام الإنتاج بالتزامن مع استبدال التكتلات المهيمنة في العصور السابقة بكتلة مهيمنة جديدة تسيطر عليها البرجوازيات الكومبرادورية الجديدة، التي لا تشكّل عناصر مكوّنة لبرجوازية معولمة، بل مجرّد حلفاء ثانويين لبرجوازيات الثالوث المهيمن. وكما لا توجد برجوازية معولمة في طور التكوّن، لا توجد أيضاً دولة معولمة في الأفق. والسبب الرئيسي في ذلك هو أن النظام المعولم الحالي لا يضعِف الصراع (المرئي بالفعل أو المحتمل) بين مجتمعات الثالوث ومجتمعات بقية العالم، بل في الواقع يزيد من حدّته. إنني أعني بالفعل الصراع بين المجتمعات، وبالتالي الصراع المحتمل بين الدول. فالميزة المستمدة من موقع الثالوث المهيمن (أي الريع الإمبريالي) تسمح للكتلة المهيمنة (في المركز)، التي تشكّلت حول الاحتكارات المعممة، بالاستفادة من شرعية يعبِّر عنها تقارب جميع الأحزاب الانتخابية الرئيسة، يميناً ويساراً، والتزامها المتساوي بالسياسات الاقتصادية النيوليبرالية والتدخّل المستمر في شؤون الأطراف. من ناحية أخرى، فإن البرجوازيات الكومبرادورية الجديدة في الأطراف ليست شرعية ولا تتمتع بالمصداقية في نظر شعوبها (لأن السياسات التي تخدمها لا تمكّن من «اللحاق بالركب»، وغالباً ما تؤدي إلى مأزق التنمية الرثة). بالتالي، فإن عدم استقرار الحكومات الحالية هو القاعدة في هذا السياق. ومثلما لا توجد برجوازية معولمة، حتى على مستوى الثالوث أو على مستوى الاتحاد الأوروبي، لا توجد أيضاً دولة معولمة على هذين المستويين؛ لا يوجد سوى تحالف من الدول. بدورها، تقبل هذه الدول عن طيب خاطر التسلسل الهرمي الذي يسمح لهذا التحالف بالعمل: تتولى واشنطن القيادة العامة، وتتولى برلين القيادة في أوروبا. تظل الدولة القومية في مكانها لخدمة العولمة كما هي.
هناك فكرة متداولة في التيارات ما بعد الحداثية مفادها أن الرأسمالية المعاصرة لم تعد بحاجة إلى الدولة لإدارة الاقتصاد العالمي، وبالتالي فإن نظام الدولة في طور الانهيار لصالح ظهور المجتمع المدني. لن أعود إلى الحجج التي طوّرتها في مكان آخر رداً على هذه الفرضية الساذجة، التي، علاوة على ذلك، تروّج لها الحكوماتُ المهيمنة وطائفة الإعلاميين التي تخدمها. لا رأسمالية بلا دولة؛ لا يمكن السعي نحو عولمة رأسمالية بدون تدخلات القوات المسلحة الأميركية وإدارة الدولار. ومن الواضح أن القوات المسلحة والمال هما من أدوات الدولة، وليس السوق. ولكن نظراً لعدم وجود دولة عالمية، فإن الولايات المتحدة تنوي القيام بهذه الوظيفة. تعتبر مجتمعات الثالوث هذه الوظيفة شرعية، أمّا المجتمعات الأخرى فلا. لكن ما المهم في هذا؟ إنّ من نصبوا أنفسهم «مجتمعاً دولياً»، أي مجموعة السبع زائد السعودية، التي أصبحت جمهورية ديموقراطية بالتأكيد، لا يعترفون بشرعية رأي 85 في المئة من سكّان العالم!
بالتالي، هناك اختلاف بين وظائف الدولة في المراكز الإمبريالية المهيمنة ووظائفها في الأطراف الخاضغة أو التي لم تخضع بعد. فالدولة في الأطراف الكومبرادورية غير مستقرّة بطبيعتها، وبالتالي فهي عدو محتمل، إن لم تكن عدواً بالفعل. هناك أعداء أُجبرت القوى الإمبريالية المهيمنة على التعايش معهم، على الأقل حتى الآن. هذا هو الحال مع الصين لأنها رفضت (حتى الآن) خيار الكومبرادورية الجديدة وواصلت مشروعها السيادي للتنمية الوطنية المتكاملة والمتماسكة. أصبحت روسيا عدواً بمجرّد أن رفض بوتين الاصطفاف سياسياً مع الثالوث وأراد عرقلة الطموحات التوسعية للثالوث في أوكرانيا، حتى لو لم يتصوّر (أو لم يتصوّر بعد؟) أن يترك قفص الليبرالية الاقتصادية. إن الغالبية العظمى من الدول الكومبرادورية في الجنوب (أي الدول التي تخدم برجوازياتها الكومبرادورية) هم حلفاء، لا أعداء، طالما بدت كل دولة من هذه الدول ممسكة بزمام الأمور في بلادها. لكن القادة في واشنطن ولندن وبرلين وباريس يعرفون أن هذه الدول هشّة، فما إن تهدّد حركة تمرّد شعبي ـــــ سواء كان لها إستراتيجية بديلة صالحة أما لا ـــــ إحدى هذه الدول، حتى يدّعي الثالوث الحق في التدخّل، ما قد يقود حتى إلى التفكير بتدمير هذه الدول، بل تدمير المجتمعات فيها. هذه هي الإستراتيجية المطبّقة حالياً في العراق وسوريا وأماكن أخرى. إنّ علّة وجود إستراتيجية الثالوث، بقيادة واشنطن، والمتمثّلة في السيطرة العسكرية على العالم، تكمن بالكامل في هذه الرؤية «الواقعية»، التي تتعارض بشكل مباشر مع النظرة الساذجة ــــــ على طريقة نيغري ــــــ لدولة معولمة في طور التشكيل.
إنّ الهجمة المستمرة للإمبريالية الجماعية للولايات المتحدة-أوروبا-اليابان على جميع شعوب الجنوب تقف على ساقين: الساق الاقتصادية، أي النيوليبرالية المعولمة المفروضة باعتبارها السياسة الاقتصادية الوحيدة الممكنة. والساق السياسية، أي التدخلات المستمرة بما فيها الحروب الاستباقية ضد من يرفضون التدخلات الإمبريالية. رداً على ذلك، فإن بعض دول الجنوب، مثل دول «البريكس»، تقف في أحسن الأحوال على ساق واحدة فقط: فهي ترفض الجيوسياسة الإمبريالية لكنها تقبل النيوليبرالية الاقتصادية. ولهذا السبب، فهي تظل عرضة للخطر، كما تظهر حالة روسيا الراهنة. نعم، عليهم أن يفهموا أن «التجارة حرب»، كما كتب ياش تاندون.
جميع دول العالم خارج الثالوث هم أعداء أو أعداء محتملون، باستثناء أولئك الذين يقبلون الخضوع الكامل لإستراتيجيته الاقتصادية والسياسية. في هذا الإطار، تعتبر روسيا «عدوّاً». أياً كان تقييمنا لما كان عليه الاتحاد السوفياتي، فقد حاربه الثالوث لمجرّد أنه مثّل محاولة للتطوّر بشكل مستقل عن الرأسمالية/ الإمبريالية المهيمنة. بعد تفكّك النظام السوفياتي، اعتقد بعض الناس (في روسيا على وجه الخصوص) أنّ «الغرب» لن يعادي «روسيا الرأسمالية»، تماماً كما حدث مع ألمانيا واليابان اللتين «خسرتا الحرب لكنهما ربحتا السلام». لقد نسوا أنّ القوى الغربية دعمت إعادة إعمار البلدان الفاشية السابقة تحديداً من أجل مواجهة تحدّي السياسات المستقلة للاتحاد السوفياتي. الآن، بعد أن اختفى هذا التحدّي، أصبح هدف الثالوث هو الخضوع الكامل، أي تدمير قدرة روسيا على المقاومة. يوضح التطوّر الحالي لمأساة أوكرانيا حقيقة الهدف الاستراتيجي للثالوث: نظّم الثالوث في كييف (في 2014) ما يجب أن يسمّى بـ«انقلاب أورو-نازي». إنّ خطاب وسائل الإعلام الغربية، الذي يزعم أن سياسات الثالوث تهدف إلى تعزيز الديموقراطية، هو مجرّد كذبة. تم «دمج» دول أوروبا الشرقية في الاتحاد الأوروبي ليس كشركاء متساوين، بل كـ«أشباه مستعمرات» للقوى الرأسمالية/ الإمبريالية الكبرى في أوروبا الغربية والوسطى. إن العلاقة بين الغرب والشرق في النظام الأوروبي تشبه إلى حد ما العلاقات بين الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية!
لذا، يجب دعم سياسة روسيا في مقاومة مشروع استعمار أوكرانيا. لكن هذه «السياسة الدولية» الروسية الإيجابية محكومة بالفشل إن لم يدعمها الشعب الروسي، ولا يمكن كسب هذا الدعم على أسس «قومية» فقط؛ يمكن كسبه فقط إذا كانت السياسة الاقتصادية والاجتماعية المتّبعة داخلياً تعزّز مصالح غالبية الشعب العامل. بالتالي، فإن السياسة الموجهة نحو الناس تعني الابتعاد قدر الإمكان عن الوصفة «الليبرالية» والقناع الانتخابي المرتبط بها، الذي يدّعي إضفاء الشرعية على سياسات اجتماعية رجعية. بدلاً من ذلك، يمكنني أن أقترح إنشاء نوع جديد من رأسمالية الدولة ذات البعد الاجتماعي (أقول الاجتماعي وليس الاشتراكي). من شأن هذا النظام أن يفتح الطريق أمام خطوات لاحقة باتجاه تحوّل إدارة الاقتصاد إلى الاشتراكية، بالتالي أمام خطوات حقيقية جديدة باتجاه اختراع ديموقراطية تستجيب لتحدّيات الاقتصاد الحديث.
إن بقاء سلطة الدولة الروسية ضمن الحدود الصارمة للوصفة النيوليبرالية يقضي على فرص نجاح سياسة خارجية مستقلة وعلى فرص أن تصبح روسيا دولة صاعدة حقاً تتصرّف كفاعل دولي مهم. لا يمكن للنيوليبرالية أن تجلب لروسيا سوى تراجع اقتصادي واجتماعي مأساوي، ونمط من «التنمية الرثة»، وتبعية متنامية في النظام الإمبريالي العالمي. بحيث تزوّد روسيا الثالوثَ بالنفط والغاز وبعض الموارد الطبيعية الأخرى، وتؤول صناعاتها إلى حالة من التعاقد من الباطن لصالح الاحتكارات المالية الغربية. في مثل هذا الوضع، الذي لا يبعد كثيراً عن وضع روسيا اليوم في النظام العالمي، ستظل محاولات العمل بشكل مستقل على الساحة الدولية هشة للغاية، مهدَّدةً بـ«العقوبات» التي ستعزّز الاصطفاف الكارثي للأوليغارشية الاقتصادية الحاكمة في صف مطالب الاحتكارات المهيمنة في الثالوث، والهروب الحالي لـ«رأس المال الروسي» إثر أزمة أوكرانيا خير دليل على هذا الخطر. إن الرد الفعّال الوحيد على هذا الخطر هو إعادة بسط سيطرة الدولة على تحرّكات رأس المال.
خارج الصين، التي تنفذ مشروعاً وطنياً للتنمية الصناعية الحديثة بالترافق مع تجديد الزراعة الأسرية، لا تزال الدول الأخرى المسمّاة بالبلدان الصاعدة في الجنوب (البريكس) تسير على قدم واحدة فقط: فهي تعارض عمليات السلب والنهب التي تمارسها العولمة المُعسكرة، لكنها ما تزال حبيسة «سترة المجانين» النيوليبرالية.
------------------------------------------------------------------------------------
- روسيا الجريحة -
- محمد سيد رصاص –
- "نورث برس"،6آذار2022 -

هناك نصوص تفسر مرامي الفاعلين في الحدث السياسي ،مثل كراس "موضوعات نيسان" للينين الذي كان أقرب إلى نص سيناريو لثورة أوكتوبر 1917بعد ستة أشهر، وبحالة مماثلة يمكن ادراج نص خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 21شباط2022،أي قبل ثلاثة أيام من حدوث الغزو الروسي لأوكرانية، وفي هذا الإطار يمكن القول بأن هذا الخطاب لايعطي فقط مرامي حدث24شباط2022 أوحتى أسبابه بل يعطي صورة عن أيديولوجية وذهنية رجل يقوم الآن بهز العلاقات الدولية القائمة في فترة مابعد الحرب الباردة وربما يستطيع قلبها باتجاه عالم متعدد الأقطاب.
هنا،نجد في خطاب بوتين رؤية قومية روسية للمكان حيث يعتبر أن "الاتحاد السوفياتي عام1922قد أقيم فوق مكان كان اسمه الامبراطورية الروسية"،من دون أن يتطرق لماهي الماهية القومية عند قوميات وإثنيات متعددة كانت تعيش ضمن مكان الدولة الروسية التي تبلورت و تشكلت بين عامي1547و1881 من تأسيسها مع اعلان ايفان الرهيب قيصراً وتحويلها لامبراطورية من قبل بطرس الأكبر في 1721وصولاً لعملية ضم أراضي لها كان آخرها تركمانستان في عام1881 .في محل آخر من الخطاب يمكن أن نلمس عند بوتين رؤيته للقوميات والإثنيات الأخرى بأنها "روسية"عندما يقول ،وهنا يقصد الأوكران الذين أعيد انضمامهم للدولة الروسية عام1654بعد أن كانوا جزءاً من الدولة الروسية الأولى التي قامت في كييف عام862 ومن ثم دمرها المغول بفترة 1237-1240،بأن "الناس الذين كانوا يعيشون في الجنوب الغربي من ماكان يدعى بالأرض الروسية كانوا يقولون عن أنفسهم بأنهم روس ومسيحيون أرثودكس ،وهذا قبل القرن السابع عشر وبعده".في محل آخر من الخطاب يتطرق بوتين إلى تأكيد روسية الساحلين الشماليين للبحر الأسود وبحر آزوف من خلال قوله بأن "المنطقة المذكورة كان اسمها (روسيا الجديدة – نوفوروسيا)"في زمن حكم الامبراطورة كاترينا الثانية1762-1796وهي منطقة تم تشكيلها إدارياً بعد أن نتجت عن الحرب التي ظفرت فيها روسيا بتلك الأراضي بعد هزيمة العثمانيين بمافيها شبه جزيرة القرم حيث تم آنذاك انشاء مدن أوديسا وخيرسون وماريوبول واستوطن الروس فيها ،فيماكانت القرم يسكنها المغول التتار .هنا،يصل بوتين إلى الذروة الدرامية في سرديته التاريخية عندما يعتبر بأن لينين عند اعلان قيام الاتحاد السوفياتي في 30كانون الأول1922وعبر وجود جمهورية أوكرانية السوفياتية فيه كان هو " صانع أوكرانية ومهندسها المعماري"في تأكيد ضمني من الرئيس الروسي على أن أوكرانية هي دولة مصطنعة وأن هناك ثلاثة صانعين لها هم : 1- لينين عندما أعطاها ساحلي البحر الأسود وآزوف واقليم الدونباس(لوهانسك ودونيتسك) وشرق وغرب نهر الدينيبرفي"اقتطاع ماكان تاريخياً أرض روسية من دون سؤال الملايين عن ماذا يريدون"،2- ستالين من خلال اقتطاع أجزاء من اراضي بولندا والمجر ورومانية وضمها لأوكرانية بعد معاهدة 1939مع الألمان،3- خروتشوف من خلال نقله لتبعية شبه جزيرة القرم من جمهورية روسيا السوفياتية إلى جمهورية أوكرانية السوفياتية في عام1954. يمكن هنا في الخطاب،تلمس شيء آخر من النزعة القومية عند بوتين عندما ينتقد اصرار لينين وضد رأي قوميسار القوميات ستالين على النموذج الكونفيدرالي للاتحاد السوفياتي وعلى تضمين دستوره التأسيسي "حق تقرير المصير بمافيه حق الجمهوريات السوفياتية في الانفصال"،وأن هذا كان "لغماً "انفجر في عام1991 وقاد لتفكك الاتحاد السوفياتي بعد أن قادت الأزمة الاقتصادية و"أزمة الاقتصاد الموجه في منتصف الثمانينيات لتقوية النزعة القومية المحلية"في عموم الاتحاد السوفياتي ،وهو يقول في خطابه بأن "مبادىء1922هي ذات طابع خيالي وغير واقعي وهي مدمرة لأي دولة"،ثم يقوم بمدح ستالين عندما جعل كل هذا حبراً على ورق من خلال انتهاج النموذج المركزي في تركيز السلطات بيد المركز في موسكو(نص الخطاب بترجمته الانكليزية في موقع الرئاسة الروسية:
www.en.kremlin.rueventspresident ranscripts)

هنا،يمكن القول بأنه كان هناك تصورات عدة عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صنعها وشكلها الآخرون عنه،مثل الشيوعيون الذين اعتبر الكثير منهم أنه "استمرار للينين" مادام قد قال قبل سنوات بأن "انهيار الاتحاد السوفياتي كان كارثة"،ومادام قد لاحظ هؤلاء بأن الحزب الشيوعي الروسي يقوم بتأييد بوتين في سياسته نحو إعادة تقوية بلاده بطريق كان واضحاً بأنه سيقود إلى مجابهة مع الغرب الأميركي- الأوروبي ،فيماكان كثيرون وخاصة عند العرب يعتبروه "مقاوماً"أوصديقاً وحليفاً لمايسمى "معسكر المقاومة والممانعة" التي يمده هؤلاء من بكين إلى طهران وحتى كاراكاس ،فيماهناك صورة ثالثة يمكن أن يخمنها المرء عندما تكون زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا ماري لوبين من أشد المعجبين بالرئيس الروسي،وصورة رابعة عندما تكون الكنيسة الأرثودكسية في موسكو،وهي حليفة الحكم القيصري والعدو الفكري للبلاشفة،من أشد الحلفاء المحليين للرئيس بوتين خلال فترة حكمه التي بدأت من رأس السنة في عام2000.
في هذا الصدد،يمكن أن يجيب نص خطاب 21شباط2022عن أين هو الموقع الأيديولوجي لبوتين،حيث نجده في موقع اليمين الروسي السلافي الأرثودكسي الذي كان ماقبل ثورة أوكتوبر1917،وهو يريد أن يعيد توحيد "الأرض الروسية"وليس ماكان يقوله شيوعيون عن أنه يريد "احياء الاتحاد السوفياتي". يمكن لسير معارك الحرب التي تجري الآن أن تجيب من حيث أن تحركات الجيش الروسي تتركز في اقليم الدونباس وفي ساحلي البحر الأسود وبحر آزوف وفي مجرى نهر الدنيبر من الشمال عند كييف وحتى خيرسون جنوباً ،ومن الواضح من مقابلة وزير الخارجية لافروف الأخيرة مع "الجزيرة"بأن موسكو لها مطالب جغرافية أبعد من الدونباس.في هذا الصدد فإن نقد بوتين للينين لايجب أخذه من موقع سياسي بل من موقع أيديولوجي قومي روسي موجه ضد شخص أقام دولة أممية وليس قومية عبر أيديولوجية ماركسية كانت على تضاد مع النزعة السلافية - الارثودكسية وهما عنصرا القومية الروسية التي تنتمي لدولة 1547التي قالت عن نفسها أنها "روما الثالثة"بعد سقوط "روما الثانية"،أي القسطنطينية بيد العثمانيين عام1453،وسقوط "روما الأولى"عام476بيد البرابرة،ولاتنتمي لنزعة التغريب التي بدأت مع بطرس الأكبر 1682-1725تلك النزعة لأوربة روسيا التي اعتبرت البلشفية ذروتها،وهنا يلاحظ كثرة استعمال كلمة (الغرب)عند الكثير من المسؤولين الروس وخاصة لافروف في طريقة تقول أنه هو (الآخرالمضاد )،تماماً كماكان القوميون العروبيون يقصدون من استعمال تلك الكلمة .
بالنسبة للمحتوى السياسي لخطاب الرئيس بوتين فإن قوله بأن "حلف الأطلسي- الناتو لايريد دولة كبيرة ومستقلة كروسيا بجواره" يعطي صورة عن أن خوف الروس من تمدد الناتو نحو أوكرانية ،الموضوعة كخطط منذ عام2008،هي مخاوف وجودية تتعلق بأن ذلك التمدد هدفه برأيهم تمزيق وتفكيك الاتحاد الروسي كماجرى مع الاتحاد السوفياتي،وليس فقط هي مخاوف سياسية أوعسكرية.
كتكثيف:إذا جمعنا ماقاله زعيم الكرملين عن أخطار تمدد الناتو شرقاً مع ماقاله تجاه لينين،فإن هناك على مايبدو احساس عند الرئيس فلاديمير بوتين بأن عملية تكوين الاتحاد السوفياتي قد طمست القومية الروسية وأن عملية تفككه قد قلصت مساحة روسيا الجغرافية إلى حدود أقل من مساحتها التي كانت قبل ثلاثة قرون عندما أعلن بطرس الأكبر الامبراطورية في عام1721وجعلتها أضعف مما كانت عليه عندما أصبحت دولة كبرى بعد هزيمة نابليون بونابرت في غزوه لروسيا عام1812 وأقل كثيراً عماكانت عندما أصبحت دولة عظمى في عام1945في عالم من الثنائية القطبية الأميركية- السوفياتية. كل هذا وذاك يعني أن هناك جرحاً في الكبرياء القومية الروسية يقوم بوتين بالتعبير عنه ،وأن روسيا الجريحة هي التي تتصرف ماتتصرفه الآن من أجل حماية نفسها من التفكك ومن أجل استعادة مكانتها أوشيء من التي كانت لها في العلاقات الدولية،وأن ماجرى في يوم 24شباط2022هو تعبير عن انفجار هذا الجرح.
بوتين ضد لينين:عن النسخة البوتينية لتاريخ روسيا واوكرانية

ترجمة"الجمهورية نت"،2آذار2022
https://www.aljumhuriya.net/ar/node/3364/
أجرى الصحفي الأمريكي إيزاك شوتنر هذه المقابلة مع سيرغي بلوخي بعد حديث فلاديمير بوتين المتلفز يوم الإثنين 21 شباط، والذي أنكر فيه وجود هوية أوكرانية مستقلة عن روسيا. صدر الأصل الإنكليزي في مجلة ذا نيويوركر بتاريخ 23 شباط، أي قبل الإجتياح الروسي بيوم، تحت عنوان: Vladimir Putin s Revisionist History of Russia and Ukraine.
أعلن فلاديمير بوتين صراحةً عن قناعته بعدم وجود أساس تاريخي لاستقلال أوكرانيا، ووصل به الأمر إلى التصريح، يوم الاثنين 21 شباط، بأن أوكرانيا الحديثة هي «صنيعة روسيا بالكامل». تعبّر تصريحات بوتين عن استيائه من الزعماء الأميركيين والأوروبيين بسبب ما يراه سحب أوكرانيا غرباً منذ نهاية الحرب الباردة. ولكن ما يكمن وراء غضبه هذا هو رفض مشروع سياسي تجسد في الاتحاد السوفييتي. لسنوات، شكّك بوتين في شرعية الجمهوريات السوفييتية السابقة، زاعماً أن لينين قد زرع «قنبلة موقوتة» بمنحه هذه الجمهوريات حق تقرير المصير في سنوات الاتحاد الأولى. يبدو بوتين في خطاباته وكأنه يحاول إعادة الزمن إلى الوراء، لا ليرجع به إلى أيام الاتحاد السوفييتي في ذروته، بل إلى سنوات الإمبراطورية الروسية القيصرية.
تحدثتُ مؤخراً مع سيرغي بلوخي، البروفيسور المتخصص في تاريخ أوكرانيا وأوروبا الشرقية في هارفارد، وصاحب كتاب بوابات أوروبا، الذي يروي تاريخ نشوء الهوية الأوكرانية (ويصدر له قريباً كتاب جديد هو ذرّات ورماد: تاريخ الكوارث النووية حول العالم). ناقشنا أصول المخاوف الروسية بشأن اللغة والهوية الأوكرانيتين، والرد الممكن من الأوكرانيين على الغزو الروسي، وما يقوله لنا خطاب بوتين عن العلاقة المعقدة بين الدولتين.
إلى أي مرحلة تاريخية يعود نشوء شكل من الهوية الأوكرانية يمكننا التعرف إليه اليوم، حسب رأيك؟
تتوقف الإجابة على المكوّن الذي تتحدث عنه من مكونات الهوية. إذا كنت تقصد اللغة، فهي قديمة جداً. وإذا كان المقصود المكوّنات الدينية للهوية، فهي تعود إلى أكثر من ألف سنة. ولكن أول مشروع سياسي أوكراني حديث يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، كما هو الحال في العديد من المجتمعات. المشكلة التي واجهتها أوكرانيا هي أنها كانت مُقسّمة بين قوتَين: روسيا القيصرية وإمبراطورية النمسا-المجر. ولقد تنبّهت روسيا مبكراً إلى الخطر الذي يمثله وجود لغة أوكرانية منفصلة وأدبيّة على وحدة الإمبراطورية الروسية. لذلك، اعتباراً من ستينيات القرن التاسع عشر، جرى لأكثر من أربعين عاماً منع النشر والطباعة باللغة الأوكرانية، وهو ما حدّ من تطور اللغة الأدبية الأوكرانية. كان ذلك، إلى جانب الانقسام بين الإمبراطوريتين، عاملاً مساهماً في هزيمة الأوكرانيين الذين حاولوا نيل استقلالهم خلال الحرب العالمية الأولى وخلال الثورة، وهي المرحلة التي حاول فيها أبناء جنسيات أخرى تحقيق الهدف نفسه، وبعضهم نجح في ذلك.
ما التهديد الذي مثّلته الهوية الأوكرانية، ولا سيما اللغة، لروسيا؟ هل كانت المسألة سلوكاً إمبريالياً تقليدياً ناجماً عن عدم الثقة بالأقليات ولغاتها، والكراهية تجاهها؟
كان الروس يشاهدون ما يجري في أوروبا في تلك المرحلة، ولاسيما في فرنسا، حيث نشأت فكرة خلق لغة واحدة من لهجات أو لغات متعددة، وهو ما اعتُبِر مرتبطاً بوحدة الدولة. وهذا يعني أن الفكرة عالمية. أما الملمح المحدد والمرتبط بما يجري اليوم هو فكرة وجود أمة روسيّة، أو سلافيّة، كبيرة واحدة، لعلها تضم عدة قبائل، ولكنها أمّة واحدة. هذا هو المثال من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والذي يتمثله بوتين اليوم حين يصرح بعدم شرعية أوكرانيا كأُمّة. ثمة اتصال مباشر بما يجري اليوم.
كتبتَ مؤخرًا: «تأسس الاتحاد السوفييتي بين 1922 و1923 كدولة شبه فدرالية، عوضاً عن دولة مركزية موحدة، ليستوعب أوكرانيا وجورجيا، الجمهوريّتين الأكثر ميلاً للاستقلال». هل لك أن تتوسع في هذا؟
سيطر البلشفيون على معظم أراضي الإمبراطورية الروسية بالاعتراف، على الأقل شكلياً، باستقلال الجمهوريات المختلفة التي كانوا يضمونها. وحتى عام 1922، كانت أوكرانيا دولة مستقلة. حين وقّع البلشفيون معاهدة رابالو مع ألمانيا عام 1922، طرح بعض الأوكرانيين أسئلة حول أحقّية ممثّلين روس بتوقيع الاتفاقيات نيابة عنهم، ما أوصلهم إلى الإيمان بوجوب إقامة دولة موحدة. اقترح ستالين الوحدة بين الجمهوريات المختلفة المنضمة إلى الاتحاد السوفييتي، أما لينين فاتخذ صف الأوكرانيين والجورجيين الذين احتجوا على الوحدة، وقال إن الواجب إنشاء «دولة اتحاد» لأنه كان يتطلع إلى ثورة عالمية.
هل لك أن تعرّف اصطلاح «دولة اتحاد» بشكل أوضح؟
رسمياً، تبنّى الاتحاد السوفييتي المساواة بين الجمهوريات، من روسيا الكبيرة إلى إستونيا الصغيرة. السبب وراء لعبة الاستقلال هذه هذه هو إعلان هذه الجمهوريات استقلالها أو نضالها لتحقيقه، ولكن البلاشفة نجحوا في السيطرة من خلال تقبّل بعض التطلعات القومية والثقافية، بما في ذلك منح الجمهوريات الحق في استخدام لغاتها.
كيف تغيرت العلاقة الروسية الأوكرانية بعد وفاة لينين واستلام ستالين السلطة؟
لم تتغير فور وفاة لينين لأن ستالين استمر في تنفيذ سياسات لينين أول الأمر، حيث أطلق حملة من أجل تقبل الأوكرانيين وغيرهم، وتقبل لغاتهم وثقافاتهم، فكان الجورجيون ينطقون بالجورجية والأرمن يتحدثون الأرمنية، ولكن الفكرة كانت تقبّلهم ما داموا يؤمنون بالفكرة الشيوعية وينتمون إلى المشروع الشيوعي.
وبعد ذلك، في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، بدأ ستالين بتغيير سياسته. يمكن تتبّع الإحياء التدريجي لأهمية اللغة الروسية والثقافة الروسية، التي كانت تُعتَبَر قبل تلك المرحلة إمبريالية ورجعية. ولكن، حتى في ذلك الحين، لم يشجّع الروس اللغات الأخرى ولكنهم لم يهاجموها في الوقت نفسه، وذلك حتى المجاعة في أوكرانيا بين عام 1932 وعام 1933. هذه المجاعة مثّلت نقطة تحوُّل من جوانب متعدّدة، لأن الروس عندها لم يستهدفوا الحبوب فقط بل استهدفوا اللغة الأوكرانية أيضاً.

في مرسوم صدر عام 1932، أوقف ستالين دعم تعليم اللغة الأوكرانية في أماكن إقامة الأوكرانيين خارج أوكرانيا، سواء كانوا في روسيا أم في جمهوريات أخرى. بذلك، منع الروس التعليم أو النشر باللغة الأوكرانية خارج جمهورية أوكرانيا السوفييتية الاشتراكية. ونفّذت روسيا سياسات فرضت سيطرة أشد على الأنشطة الثقافية الأوكرانية داخل أوكرانيا، وذلك لمواجهة احتمال نشوء نزعة قومية أوكرانية. بعدها، استهدف الروس أبرز شخصيات الحزب الشيوعي الأوكراني و
والمؤسسة الثقافية الأوكرانية، حتى انتهى الأمر باثنين من هذه الشخصيات، على الأقل، بالانتحار عام 1933. لم تكن مجاعة فحسب، بل ظاهرة أوسع. وقد قال رافائيل ليمكين، الذي وضع مفهوم الإبادة الجماعية، إن الإبادة الجماعية في أوكرانيا لم تحدث بالمجاعة وحدها بل بالهجوم الأوسع على المؤسسات واللغة والثقافة في أوكرانيا.
أود الانتقال إلى تفكك الاتحاد السوفييتي بعد ستين عاماً واستقلال أوكرانيا. كيف تنظر إلى ما جرى عام 1991 وتلك السنوات الأولى من استقلال أوكرانيا؟
كان هناك اختلاف هائل بين تلك الفترة والفترة بين 1917 و1918. في الفترة الأولى، ارتبطت فكرة قيام دولة أوكرانية أو اندلاع ثورة أوكرانية بالبعد القومي، رغم وجود العديد من الأقليات على الأراضي الأوكرانية، ومنها الروس والبولنديون، الذين نظر كثير منهم إلى فكرة استقلال أوكرانيا بعين القلق والشك. ولكن، بحلول عام 1991، تغيرت فكرة الأمة الأوكرانية وصلتها باللغة والثقافة، وأصبح قيام الدولة الأوكرانية في المخيلة العامة عملية إقامة دولة مدنية ناشئة. في ذلك الوقت، كان سكان المدن الصناعية الكبيرة يتحدثون الروسية، ورغم ذلك بلغت نسبة المؤيدين للاستقلال أكثر من 90 في المئة في شهر كانون الأول (ديسمبر) 1991. كان للقومية واللغة أهمية، ولكنها أهمية ثانوية، وعبّرت أغلبية السكان في المناطق الأوكرانية كافة عن تأييدها للاستقلال.
كيف تتجلى الانقسامات اللغوية بين السكان، عدا عن الانقسام بين الغرب والشرق؟
تاريخياً، كانت اللغة الأوكرانية هي لغة الأرياف. شهدت البلاد، خلال القرن العشرين، عملية تحديث وتمدين، ودمج الفلّاحين وسكّان الأرياف السابقين في الثقافة المدينية من خلال اللغة الروسية. أدى ذلك إلى نشوء مجموعة كبيرة من الناس يرون في اللغة الأوكرانية لغتهم الأم وينتمون إلى الهوية الأوكرانية رغم أنهم كانوا ينطقون بالروسية.
يُخيّل إلي أن هذا قد تغير إلى حد ما، أعني اللغة التي يتحدث بها الناس في المدن الكبيرة.
وقع هذا التغير خلال السنوات الثماني الماضية. لعل بعض التحركات بهذا الاتجاه وُجِدت قبل ذلك، ولكن تبني اللغة الأوكرانية كان، في الواقع، رد فعل على الحرب التي اندلعت عام 2014. كانت ذريعة روسيا حماية السكان من القمع الثقافي وغيره من أشكال القمع. نتيجة ذلك، اتّخذ الشباب، ولا سيما طلبة الجامعات، في المدن الكبيرة قراراً واعياً بالتحدث بالأوكرانية. لم يكن ذلك صعباً على الذين تعلّموا اللغتين في طفولتهم، فازداد عدد من يستخدمون اللغتين، أو يفضّلون اللغة الأوكرانية ويرسلون أطفالهم إلى مدارس تُدرِّس باللغة الأوكرانية.
هل لخطاب بوتين هذا الأسبوع علاقة بالمحادثة التي نخوضها؟
ما نراه في خطاب بوتين هو رفض سياسات الحقبة السوفييتية، فقد حمّل الاتحاد السوفييتي المسؤولية عن كل شيء، حتى إنشاء أوكرانيا. ما نراه اليوم هو عودة إلى فهم الهوية الروسية كما كان قبل الثورة البلشفية، وهي فكرة إمبريالية للغاية عن الأمة الروسية، التي تضم الروس والأوكرانيين والبيلاروسيين. يكاد الحال اليوم يكون كما كان عليه في منتصف القرن التاسع عشر، حين حاول مسؤولو الإمبراطورية الروسية تعطيل نمو وتطور الثقافة والأفكار الأوكرانية.
هل هذه الفكرة حول روسيا التي تشبه الإمبراطورية، والتي لا تسمح بوجود هوية أوكرانية إلا داخلها، تجذب عدداً كبيراً من الأوكرانيين وإن لم يكونوا الأغلبية؟
لاقت هذه الفكرة رواجاً، بالتأكيد، في القرم عام 2014، حيث كان معظم سكان المنطقة من أصل روسي، وهؤلاء رفضوا فكرة الهوية الإقصائية، الأمر الذي مهّد الطريق لمقولة: نعم، لعلنا أوكرانيون، ولكن المجال يتّسع لدور أكبر لروسيا.
هل ترى أن هناك بعض الشوفينية داخل روسيا، حتى بين مَن لا يؤيدون بوتين، إزاء المسألة الأوكرانية؟ أم تستشعر انقساماً أكبر في روسيا؟
كان كثيرون يشعرون بأن القرم تنتمي إلى روسيا، حيث كانت نسبة تأييد بوتين مرتفعة بعد ذلك. أما فيما يتعلق ببقية الأراضي الأوكرانية، فثمة بعض الغموض، حيث ازدادت المسافة بين روسيا وأوكرانيا في نظرة كل شعب إلى الآخر منذ اندلاع الحرب. لستُ عالم اجتماع، ولكني أشعر بأن تبنّي السردية الروسية لتاريخ أوكرانيا في تراجع. بدأ التاريخ الروسي في كييف، وهذا ما يتعلمه الأطفال في المدارس، وهذا مؤثر، ولكن الواقع يزيد من التشكيك في السردية التاريخية.
يبدو أنك ترى بأن بوتين، بشنّه هذه الحرب على أوكرانيا، قلّل من الشعور الشعبي الروسي بأنّ الجانبين دولة واحدة.
نعم، هذا هو انطباعي، ولقد ساهم الخطاب الروسي المقاوم للهوية الأوكرانية في ذلك. إذا واصل بوتين الحديث عن الفاشيين وما شابه، فهذا لا يساهم في تعميم شعور بالوحدة بين الشعبين. وصفت البروباغاندا الروسية المتظاهرين في ساحة ميدان بأنهم قوميون متعصبون. عندما تُصوّر مواطني دولة أخرى بهذه الصورة، فإن ذلك لا يعزّز خطاب الأخوة والوحدة.
إذا أقدمت روسيا على غزو معظم الأراضي الأوكرانية أو كلها، ما حجم المقاومة الذي تتوقعه؟ هل تشعر بأنه سيصعب قمع هذه المقاومة حتى إذا هُزِم الجيش الأوكراني رسمياً؟
نعم، هذا هو شعوري. وقد يختلف الأمر من منطقة إلى أخرى. قد لا يصل بوتين أبداً إلى غرب أوكرانيا. أعتقد أنه سيلقى مقاومة شديدة في وسط أوكرانيا. لم تقتصر نتائج هذه الحرب على تعزيز الهوية الأوكرانية وازدياد الارتباط بالثقافة الأوكرانية، فهناك شرائح كبيرة من الشعب الأوكراني لم تعد ترى في حمل السلاح للدفاع عن وطنها فكرة راديكالية. وقد خضع الآلاف للتدريب العسكري، ولسوف يقاتلون. لا أعلم متى وكيف، ولكن لا ريب عندي أن الروس سيواجهون مقاومة أوكرانية.
ما رأيك في تعامل الرئيس زيلينسكي مع ما يجري؟ تَحَوُّله من محاولة تهدئة المخاوف والذعر إلى السفر إلى ألمانيا للحديث عن الترضية لافت للنظر.
امتدت حالة الإنكار لفترة طويلة جداً. لا أعرف الأسس التي استند إليها في إنكاره ذلك، ولكنه كان منسجماً مع المجتمع الأوكراني الذي لم يكن يريد هذه الحرب، ولم يكن مستعداً لها، وبالتالي لم يرد التفكير فيها. وساد اعتقاد في أوكرانيا بأن بوتين لن يجرؤ على فعل شيء لأن العالم يراقبه عن كثب. ولكن هذا تغير في الأسبوعَين الماضيَين وأدرك الأوكرانيون أن الغزو حقيقة، وهذا هو سبب التغير في سلوك القيادة.

بالنسبة للصين... اللعنة على من أيقظ المارد الأوروبي
سمير التقي
"النهار العربي"،11آذار2022
سابقاً، ركزت البحوث الأميركية على سيناريوهات السلوك الروسي في حال إقدام بكين على غزو تايوان. ثم جاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليمد تايوان بحبل نجاة من حيث لا تتوقع.

في لحظة ما، أثار البيان المشترك الهام الصادر عن شي جينبينغ وفلاديمير بوتين مخاوف جدية عند البعض حول ما تعنيه الشراكة الروسية الصينية المعمقة "بلا حدود". ولكن السؤال بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الآن صار حول التكهن بكيفية عثور بكين على سبل لدعم الغزو الروسي لأوكرانيا على المدى القريب، لكن دون أي مخاطر ولا أي ضرر لموقعها من السوق العالمية.

لا يتوقع أن تكون الصين قد فوجئت بالغزو الروسي، لكنها فوجئت، كما الغرب، بمستوى مغامرة بوتين وعناده ونقص كفاءة إدارته لمقدراته، ناهيك عن حدّة الرد الغربي.

ذلك أن التناقض بين السرديات الصينية يبدو واضحاً. حاولت الصين الحفاظ على توازن في خطابها حول ما تسميه "المخاوف الأمنية المشروعة لروسيا"، لكن الصين استمرت تؤكد بالمقابل دعمها لمبادئ لسيادة عدم التدخل. وتوج هذا "التوازن" بالامتناع الأخير عن التصويت في مجلس الأمن الدولي بدل ما فعلته (بالفيتو) عام 2014.

ما زال الغرب يترقب السلوك الصيني، وثمة تسريبات عن جدل محتدم حول الموقف الصيني النهائي، ويرسم هذا الوضع مستوى تعقيد موقف الصين من الحوادث. فالعلاقات الصينية الروسية تتقاسم تاريخاً صراعياً طويلاً تنتابه موسمياً فترات من التعاون القصيرة، سرعان ما يجتاحها العداء. ورغم الخصومة مع واشنطن التي شكلت قاعدة للتعاون بينهما في السنوات الست الماضية، إلا أن الولايات المتحدة لا تماثل بينهما.

في نهاية المطاف، الصين بالنسبة للولايات المتحدة، قوة لا يمكن نفي دورها، ليتركز الصراع حول حصة الصين من تقسيم العمل الدولي والتقنيات العالية، على أساس التوافق على عدم المساس بالنظام الاقتصادي العالمي الذي بفضله حققت الصين معجزتها التاريخية. كما أن الصين لم ترد يوماً نشر الشيوعية الصينية ولا تغيير طبيعة الأنظمة في العالم الليبرالي. وتعلم الصين ذلك تماماً.

على العكس من ذلك، تعتبر الولايات المتحدة أن بوتين يعمل بوضوح لتقويض النظام الليبرالي الديموقراطي، والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، ولقد سعى لنسفها من الداخل والخارج، والترويج لنموذج الدولة الزبائنية بديلاً له، كما حاول في أميركا والمجر وإيطاليا وبريطانيا الخ.. وهو ما يغامر لأجله في أوكرانيا الآن. وتتهمه بأنه يعمل على تفكيك النظام الاقتصادي العالمي الراهن. لذلك فالتناقض معه أيديولوجي واستراتيجي بالضرورة.

تتأمل الصين بعناية التحولات المحتملة للحرب، لتقيس خطواتها، في ظل احتدام الجدل داخل الشرائح العليا للنخبة حول مآلات الصراع. فما تظهره النتائج العسكرية الراهنة من اختبار سلبي لمقدرات التجهيزات والآلة العسكرية الروسية يحوّل رؤيتها تحولاً مختلفاً. وحين تتحدث بعض الصحف الصينية باستغراب عن كيفية إقدام بوتين على وضع رأسه في رهان يكاد يكون صفرياً، نفهم حقيقة هذا الجدل. ومن اللافت أن بعض الصحف في شمال الصين تتحدث عن فلاديفوستوك وبعض مناطق شرق سيبيريا كمناطق صينية، فمع تراجع ميزانيات المركز، تذهب المقاطعات الروسية الطرفية لتعقد الصفقات المنفردة مع الصين وكوريا واليابان.

الصينيون هم سادة في قياس المخاطر، ورغم الطابع الشخصي للعلاقات بين قيادات القمة في البلدين، ثمة العديد من العوامل التي تجعلنا نعتقد أن الصين تحجم عن ملاقاة بوتين في مغامرته. فلطالما حاول بوتين إقناع الصينيين بوهن الغرب وانحداره. لكن سلوكه المغامر، ومسار الحوادث ينذران بعكس ذلك.

فبعد عقود طويلة من الـ Oste politisch لدمج روسيا في أوروبا، تقلب أوروبا، وخاصة ألمانيا، مسارها الاستراتيجي 180 درجة، مثلها مثل فرنسا وإيطاليا وهولندا. وهذا التغيير له أهمية جيوسياسية كبرى بالنسبة للصين. فعمق الانعطاف في عشرة أيام فقط، أعاد تسليح أوروبا واستعادة الناتو تماسكه. لينتقل النقاش الحالي في أوروبا حول "حرمان الحكومات الاستبدادية" ودرء ارتهان أوروبا "الجيني لأنظمة المعلومات - الاتصالات بالـ G5" للدول المستبدة، مهما كانت التكاليف.

وبعد، كانت العلاقات للصين مع أوكرانيا تقليدياً قوية واستراتيجية. فبالإضافة للعلاقات التجارية المثمرة جداً، زودت أوكرانيا الصين بالأسلحة، وأهمها حاملة الطائرات الوحيدة التي اشترتها من أوكرانيا، وقامت بتدريب الخبراء الصينيين على منظومات الملاحة والإبحار والتتبع. كما طوّرت العديد من منظومات الرادار الصينية وتكفلت بصيانة محركات الطائرات، بفضل مساعدة عدد لا يحصى من الخبراء الأوكرانيين. لذلك لن يفاجئنا أن لا تدير الصين الظهر لأوكرانيا. إضافة لذلك، تتوجس الأوساط الاقتصادية في الصين من مخاطر تذخير روسيا للطاقة وللإمدادات الغذائية، الأمر الذي ستمتد آثاره نحو الصين مباشرة.

يتساءل هؤلاء الباحثين الصينيين: لماذا نتوقع من الصين أن تساعد الاقتصاد الروسي الذي سيهوي للقاع؟ وما هو مردود ذلك على الاقتصاد الصيني، مقابل الأسواق التي ستغلق في وجهها وهي تمر في عز أزمة اقتصاد كوفيد البعيدة من نهايتها بالنسبة للصين، ما لم تنتج اللقاح للصيغ الجديدة للمرض. لم تغامر الصين بذلك سابقاً، لا مع إيران ولا مع فنزويلا. بل هي خفضت تعاملاتها معهما.

بعيداً من العنجهية العقائدية، يرجح بعض المراقبين أن يزن الصينيون الفائدة والتكلفة المحتملة. وفي الاحتفال بالذكرى الخمسين لتطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة والصين كان الحديث ودياً واستراتيجياً. وتم تأكيد الرغبة في التعاون مع الولايات المتحدة وآسيا. وبغض النظر عن هذا الجدل، فحقيقة الأمر أن روسيا بعد أوكرانيا لن تكون حليفاً ثانوياً للصين، بل ستكون حليفاً ثالثياً أو أدنى.
ورغم ذلك، من المتوقع جداً أن تحاول الصين الحد من آثار العقوبات على روسيا، وتعينها في تخفيف بعض ضوابط التصدير، الأمر الذي سيبقى في المدى التكتيكي ولفترات قصيرة.
ولكن على المدى الأبعد، الأنظمة الشمولية لا تجيد التحالف، وحين تفعل فلمدة قصيرة جداً لتنتهي فجأة. كان الأمر كذلك بين هتلر وستالين، وبين خروتشيف وماو تسي تونغ الخ.. خاصة أن الأهمية المركزية لروسيا بالنسبة للصين هي في احتمال كونها جسراً استراتيجياً نحو أوروبا، ولقد كسر بوتين هذا الجسر كسراً أرعن.
لذلك يبدو أن من الآمن أن نقول، إن غزو تايوان بات الآن أقل احتمالاً في المستقبل القريب، إذ لا ينقص الصين الشعور بالعظمة، بل إن تاريخ ازدهارها يكمن ببعدها عن المغامرة بمصالحها تحت أوهام الغطرسة.
----------------------------------------------------------------------------------------
كيف يرى كيسنجر حل الأزمة الأوكرانية؟
* اندبندنت عربية الاثنين 28 فبراير 2022
كتب هنري كيسنجر في "واشنطن بوست" في 5 مارس (آذار) 2014، أي بعد حوالى أسبوعين من ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، مقالاً استعرض فيه طبيعة الصراع في البلد الذي يمر هذه الأيام بحرب مع روسيا للدفاع عن سيادته على أراضيه، وأعادت بعض وسائل الإعلام نشر هذا المقال الذي بدا يستشرف الأزمة الحالية من خلال أحداث سابقة.
وقال كيسنجر، "إن المناقشة العامة حول الأزمة التي اندلعت وقتذاك كانت "تدور كلها حول مواجهة، لكن هل نعرف إلى أين نتجه؟".
وذكر وزير الخارجية الأميركي السابق (1973-1977) قراءه بأنه شهد في حياته المديدة (يبلغ في يومنا هذا 98 سنة) أربع حروب اندلعت "بكثير من الحماسة والدعم العام، لكننا لم نعرف في الحالات الأربع كيف ننهيها، وفي ثلاث منها، انسحبنا منها من طرف واحد"، مشدداً على أن "محك السياسة هو كيف تنتهي، لا كيف تبدأ".
وخلص إلى أن سعي أحد الطرفين، الروسي أو الغربي إلى الهيمنة على الآخر سينتهي آخر المطاف إلى حرب أهلية أو تفكك.
ولفت كيسنجر إلى أن المسألة الأوكرانية تُصوَّر كمواجهة، فهل تنضم كييف إلى الشرق أم إلى الغرب؟ لكنه رأى أن استمرار أوكرانيا وازدهارها يعتمد على عدم تحولها إلى "قاعدة أمامية" للشرق في مواجهة الغرب أو العكس بالعكس، "فهي يجب أن تعمل جسراً بين الطرفين". وأضاف، "على روسيا أن تتقبل أن محاولتها إجبار أوكرانيا على أن تكون دولة تدور في فلكها، بالتالي تحريك حدود روسيا مجدداً، سيحكم على موسكو بتكرار تاريخها من الدوران في حلقات مفرغة دورية من الضغوط المتبادلة مع أوروبا والولايات المتحدة".
وأردف يقول، "أما الغرب فيجب أن يفهم أن أوكرانيا في نظر روسيا لا يمكن أن تكون مجرد بلد أجنبي. فتاريخ روسيا بدأ في ما كان يُسمى روس الكييفية. والديانة الروسية انتشرت من هناك. وكانت أوكرانيا جزءاً من روسيا لقرون، وكان تاريخاهما متداخلين قبل ذلك. وخيضت بعض المعارك الأهم من أجل حرية روسية، بدءاً بمعركة بولتافا عام 1709، على التراب الأوكراني. ويقبع أسطول البحر الأسود الروسي (وسيلة روسيا لتوسيع السلطة في البحر المتوسط) في سيفاستوبول بالقرم، في مقابل إيجار بعيد الأجل. بل إن منشقين شهيرين مثل ألكسندر سولجنستين وجوزيف برودسكي أصرا على أن أوكرانيا جزء لا يتجزأ من التاريخ الروسي وفي الواقع من روسيا نفسها".
وكتب كيسنجر في "واشنطن بوست" يقول، "يجب على الاتحاد الأوروبي أن يدرك أن تمديده وإخضاعه البيروقراطيين للعنصر الاستراتيجي إلى السياسة المحلية في التفاوض في شأن علاقة أوكرانيا بأوروبا أسهما في تحويل المفاوضات إلى أزمة. فالسياسة الخارجية هي فن تحديد الأولويات. والأوكرانيون هم العنصر الحاسم. فهم يعيشون في بلاد ذات تاريخ معقد وبنية متعددة اللغات. فالجزء الغربي دُمِج في الاتحاد السوفياتي عام 1939 حين تقاسم ستالين وهتلر المغانم. ولم تصبح القرم، التي يُعد الروس 60 في المئة من سكانها، جزءاً من أوكرانيا إلا عام 1954، حين منحها نيكيتا خروتشيف، الأوكراني المولد، إلى أوكرانيا من ضمن الاحتفال بالذكرى الـ300 لاتفاق روسيا مع القوزاق".
ولفت إلى "أن الغرب كاثوليكي إجمالاً، والشرق أرثوذكسي روسي إجمالاً. وينطق الغرب بالأوكرانية، والغرب بالروسية إجمالاً. وأي محاولة يبذلها أحد الجناحين للهيمنة على الآخر (كما هي الحال) ستفضي في نهاية المطاف إلى حرب أهلية أو تفكك. وستعيق معاملة أوكرانيا كجزء من المواجهة الشرقية الغربية أي احتمال لوضع روسيا والغرب، لا سيما روسيا وأوروبا، في نظام تعاوني دولي".
ونبه كيسنجر إلى أن أوكرانيا لم تستقل إلا عام 1991، بعدما ظلت تحت أنواع من الحكم الأجنبي منذ القرن الرابع عشر، غير أن قادتها لم يتعلموا برأيه فن التسوية ناهيك عن المنظور التاريخي. واعتبر أن العمل السياسي في أوكرانيا بعد الاستقلال يبين بوضوح أن جذر المشكلة يقبع في جهود السياسيين الأوكرانيين المنتمين إلى فصيل لفرض إرادتهم على أجزاء معارضة لهم من البلاد، قبل قيام نظرائهم في الفصيل الآخر بالأمر نفسه مع أجزاء أخرى معارضة لهم. وقال إن فيكتور يانكوفيتش ويوليا تيموشنكو وقت كتابة مقالته كانا يمثلان هذين الفصيلين الرافضين لتشارك السلطة.
وحض كيسنجر الولايات المتحدة آنذاك على اتباع "سياسة حكيمة" إزاء أوكرانيا "تسعى إلى طريقة لتعاون الجزأين اللذين تتكون منهما البلاد مع بعضهما بعضاً. فنحن يجب أن نسعى إلى المصالحة، لا إلى هيمنة أحد الفصيلين". واعتبر "أن روسيا والغرب، ومختلف الفصائل في أوكرانيا، لا تعمل وفق هذا المبدأ. فكل طرف فاقم الوضع. لن تستطيع روسيا فرض حل عسكري من دون عزل نفسها في وقت تعاني فيه معظم مناطقها الحدودية اضطراباً. وبالنسبة إلى الغرب، ليست شيطنة فلاديمير بوتين سياسة، إنها ذريعة لغياب سياسة".
وإذ لام بوتين على التفكير في الحلول العسكرية منبهاً من اندلاع حرب باردة جديدة، وحض الولايات المتحدة على عدم معاملة روسيا كدولة ضالة يجب تعليمها قواعد سلوكية تقررها واشنطن، وضع نقاطاً عدة رأى أن تطبيقها كفيل بتوليد حل يناسب قيم الأطراف كلها ومصالحها الأمنية، "أولاً، يجب أن تكون لأوكرانيا حرية اختيار روابطها الاقتصادية والسياسة، بما في ذلك روابطها مع أوروبا. وعليها ألا تلتحق بحلف شمال الأطلسي، وهو موقف اتخذته قبل سبع سنوات حين طُرِح للمرة الأولى. ويجب منح أوكرانيا حرية إنشاء أي حكومة تتوافق مع الإرادة التي يعبر عنها شعبها قبل أن يختار القادة الأوكرانيون الحكماء سياسة مصالحة بين مختلف أجزاء البلاد. ودولياً عليهم السعي إلى موقف شبيه بموقف فنلندا التي لا تترك شكاً في استقلالها المتين وتتعاون مع الغرب في مختلف المجالات، لكنها تتجنب بحذر العداء المؤسسي إزاء روسيا".
ورأى كيسنجر "أن ضم روسيا للقرم لا يتوافق مع قواعد النظام العالمي القائم، لكن علاقة القرم بأوكرانيا يجب أن تكون أقل توتراً. ولهذا الغرض على روسيا الاعتراف بسيادة أوكرانيا على القرم، وعلى أوكرانيا تعزيز الاستقلال الذاتي للقرم في انتخابات تجرى بحضور مراقبين دوليين. وعلى العملية أن تشمل إزالة أي غوامض تتعلق بوضع أسطول البحر الأسود في سيفاستوبول". وقال، "هذه مبادئ، وليست وصفات علاجية. وسيعرف الخبراء في شؤون المنطقة أن الأفرقاء المختلفين لن يستسيغوا هذه المبادئ كلها. بيد أن المعيار ليس الرضا المطلق، بل عدم الرضا المتوازن [موازنة عدم الرضا]. وفي حال عدم تحقيق حل ما وفق هذه العناصر أو عناصر قريبة منها، سيتسارع الانجراف نحو المواجهة. وسيحل وقت المواجهة بسرعة".
www.independentarabia.com/node/307646
أوكرانيا
(لمحة تاريخية)
862:إقامة الدولة الروسية الأولى في كييف
1237-1240:تدمير دولة كييف الروسية من قبل المغول
مجرى القرن الرابع عشر:خضوع القسم الغربي من أوكرانية الحالية لسيطرة دولة الكومنولث البولندية- الليتوانية
1547:إقامة الدولة الروسية الثانية في موسكو
1654:ثورة الأوكران على دولة الكومنولث البولندية-الليتوانية ومن ثم انضمامهم للدولة الروسية
1721:اعلان الدولة الروسية امبراطورية من قبل بطرس الأكبر
ثورة أوكتوبر1917
نيسان1918-كانون الأول1918:إقامة الدولة الأوكرانية تحت رعاية الجيش الألماني
30كانون الأول1922:اعلان قيام الاتحاد السوفياتي ومن ضمنه جمهورية أوكرانية السوفياتية
1954:نقل تبعية شبه جزيرة القرم من جمهورية روسيا السوفياتية إلى جمهورية أوكرانية السوفياتية
26كانون الأول1991:قيام جمهورية أوكرانية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي
اتفاقية بودابست عام1994:تسليم السلاح النووي الأوكراني لروسيا
18آذار2014:ضم روسيا لشبه جزيرة القرم بعد شهر من سقوط الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكيفيتش الموالي لموسكو إثر مظاهرات "الميدان"بكييف،ومن ثم سيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا في الشرق على أجزاء واسعة من اقليم دونباس في دونيتسك ولوهانسك.
----------------------------------------------------------------------------------------------








زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي
http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي
موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت:
www.scppb.org

موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن):
www.ahewar.org/m.asp?i=9135



#الحزب_الشيوعي_السوري_-_المكتب_السياسي (هاشتاغ)       The_Syrian_Communist_Party-polit_Bureau#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسار- العدد 61
- المسار- العدد 60
- المسار- العدد 59
- المسار- العدد 58
- المسار- العدد 57
- المسار- العدد 56
- المسار- العدد 55
- المسار- العدد 54
- المسار- العدد 53
- المسار- العدد 52
- المسار- العدد 51
- المسار- العدد 50
- المسار- العدد 49
- المسار- العدد 48
- المسار- العدد 47
- لا للتطبيع لا للأنظمة التابعة
- المسار- العدد 46
- المسار- العدد 45
- المسار- العدد 44
- المسار- العدد 43


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي - المسار- العدد 62