أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي - المسار- العدد 47















المزيد.....



المسار- العدد 47


الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)


الحوار المتمدن-العدد: 6775 - 2020 / 12 / 30 - 19:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




العدد /47/ كانون الأول / ديسمبر 2020
--------------------------------------------------------------------------------
الافتتاحية:


1. - مسار الحركة الشيوعية العربية:محاولة للمراجعة -


ارتبط نشوء الحركة الشيوعية العربية بثورة تشرين الأول/ أكتوبر البلشفية الروسية عام 1917. وكاد تفكّك الاتحاد السوفياتي عام 1991 أن يجعل الشيوعيين العرب في حالة موت سريري. يعطي هذا صورةً عن تبعية الحركة للمركز السوفياتي، وهو ما لم يكن مقتصراً على السياسة والتنظيم بل شمل الفكر والثقافة.

ومع ذلك، لم تكن هذه الحركة تعتمد على أوكسجين خارجي فقط، بل بلغت حدّاً بأن تكون قوّةً سياسيةً كبرى، في العراق وسوريا والسودان، فيما كان لها دور ثقافي كبير في مصر ولبنان، وهو مايدّلُ على انغراز في التربة المحلية العربية.

ففي مراحل عدّة، كان العامل السوفياتي مساعداً لنمو الأحزاب الشيوعية، وتقويتها. فحينما انتصرت الحركة السوفياتية الرئيسية على النازية، ساعدت في نشوء وإحداث مدٍّ شيوعي عربي في العراق 1945-1948، وفي سوريا 1945-1947. كان دور موسكو في مساعدة الرئيس المصري جمال عبد الناصر في حرب 1956 عاملاً رئيسياً في نشوء مدٍّ شيوعي جديد في سوريا، في 1957-1958، وفي العراق 1957-1963، وفي مصر 1957-1958.

وفي مراحل أخرى، كان الموقف السوفياتي دافعاً لإحداث كوارث عند الشيوعيين العرب،مثل موقف موسكو في تأييد قرار تقسيم فلسطين، وفي تأييد قيام دولة إسرائيل، دفع الشيوعيون العرب ثمنه غالياً في دمشق وبغداد، عامي 1947-1948، ومثل دفع موسكو بالشيوعيين العراقيين للصدام مع العروبيين، إثر ثورة 14 تموز 1958،منذ أيلول ، وهو ماكان سبباً في اعتقالات رأس سنة 1959 للشيوعيين السوريين والمصريين من قبل عبد الناصر. ثم كانت المجازر المتبادلة بين الشيوعيين والعروبيين في العراق، التي بدأت في الموصل، في آذار1959، وبلغت ذروتها ردّاً على ما فعله الشيوعيون، هناك، بمجزرة ارتكبها البعثيون ضدهم إثر انقلاب 8 شباط 1963. حينها، ضغطت موسكو على الشيوعيين المصريين لحل حزبهم عام 1964، بعد زيارة خروتشوف للقاهرة، وعلى الشيوعيين العراقيين للتقارب مع حكم عبد السلام عارف، عبر «خط آب 1964». ثم ضغط الكرملين على الشيوعيين السوريين والعراقيين للركوب في مركبي النظامين البعثيين في دمشق 1972، وبغداد 1973. فيما قاد هذا الضغط السوفياتي على الشيوعيين السودانيين إلى التعاون مع النميري، وإلى انشقاق الحزب الشيوعي السوداني عام 1970، وإلى الدفع بعبد الخالق محجوب، الرافض لضغط موسكو إلى انقلاب 19-22 تموز 1971 الفاشل.

في مراحل ثانية، كان العامل الذاتي سبباً في النمو والانغراز في التربة المحلية. يُلاحظ ذلك في الحزب الشيوعي السوداني، بين النشوء في 16 آب 1946، وضربة النميري في 22 تموز 1971. وحتى في مرحلة ما بعد إعدام محجوب، والشفيع الشيخ، استطاع الشيوعيون السودانيون اثبات أنهم رقم صعب في المعادلة السياسية السودانية، طوال أربعة عقود لاحقة. وهذا لم ينتج عن مهارات ذاتية فقط، بل عن تجذّر الحزب عميقاً في التربة المحلية.


في العراق يُلاحظ هذا في فترة قيادة يوسف سلمان يوسف، «فهد»، للحزب بين عامي 1941 و1947، وفي فترة قيادة حسين الرضي، «سلام عادل»، 1955 -1963 وعندما تحوّل الشيوعيون العراقيون، في الفترة الأولى، إلى قوة كبرى في الأوساط العمالية والطلابية، سيطروا على فئة المثقفين. وفي الأوّل من أيّار 1959، أنزلوا مليون شخص إلى شوارع بغداد، في بلد لم يتجاوز مجموع سكانه، يومها، عشرة ملايين نسمة.
كان هناك نمو ذاتي في الحزب الشيوعي السوري في فترة النضال ضد ديكتاتورية الشيشكلي (1951-1954). وبعد سقوطه، وبداية الفترة البرلمانية، حيث عكست الأصوات الكبيرة التي أخذها خالد بكداش في دمشق في انتخابات 1954 ذلك. كذلك الأصوات التي نالها أحمد محفل في حلب، عندما كاد أن ينجح أمام مرشح حزب الشعب. وكان النمو الكبير للحزب عام 1957 مؤدياً إلى تحوّل الحزب إلى القوة السياسية الكبرى في دمشق. وهو ما دفع عروبيين كثيرين للارتماء في أحضان عبد الناصر، خوفاً من ترجمة المدّ الشيوعي في الانتخابات البرلمانية، المرتقبة، عام 1958.

وفي فترة 1967-1970، شهد الحزب الشيوعي السوري مدّاً في العضوية والامتداد، بحكم صدمة هزيمة 5 حزيران 1967. كانت أزمة الحزب في عامي 1971-1972، ثم انشقاقه عاملاً أساسياً في توقف ذلك المدّ، الذي كان ردّ فعلٍ على فشل عبد الناصر والبعث أمام اسرائيل. وهو ما شهدنا آثاراً له إثر هزيمة حزيران في سوريا، إذ تحوّل عروبيون كثر في «حركة القوميين العرب» و»حركة الاشتراكيين العرب» و»البعث» نحو الماركسية. وهو ما تولّدت عنه ظاهرة «الحلقات الماركسية»، بين عامي 1971-1973.


كان هذا التحول قد شمل الكثير من قيادات «حركة القوميين العرب» في الوطن العربي، من جورج حبش، إلى نايف حواتمة، ومحسن ابراهيم، وعبد الفتاح اسماعيل. لم يستطع الشيوعيون العرب تحويل هذه الهجرة إلى الماركسية عند العروبيين إلى نمو ذاتي، في التنظيمات الشيوعية. وهو ماقاد إلى نشوء تنظيمات ماركسية موازية للشيوعيين، كـ»منظمة العمل الشيوعي» في لبنان، و»رابطة العمل الشيوعي» في سوريا.


لم يكن هنا العامل الذاتي عند الشيوعيين قادراً على استيعاب هذه الهجرة، لذلك أدّى هذا إلى بناء بيوت موازية ولكن في الاتجاه الماركسي نفسه. وهو ما يدلُّ على تخلخل البناء الشيوعي الذاتي. فيما رأينا «الإخوان المسلمين» بعد خروجهم من السجن عام 1971 يستوعبون في مصر 1973- 1975 شباب «الاتجاه الإسلامي الجديد»، في الجامعات ويستوعبون «اتجاه سيد قطب»، الذي تنافر معهم في السجن، ما دفع حسن الهضيبي للردّ على سيد قطب في كتاب «دعاة لا قضاة»، عام 1969.


كان هذا التخلخل بادياً في السبعينيات عند الشيوعيين العرب بشكل عام، مع بداية موجة المدّ الإسلامي، لو لم يكن هناك أحزاب نمت بالسبعينيات، مثل «الحزب الشيوعي اللبناني»، في ظرف تنامي اليسار اللبناني أمام اليمين الكتائبي - الشمعوني، وفي ظل الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان. وفي الثمانينيات، كانت هناك حالة جزرٍ عند جميع الشيوعيين العرب. وقد كاد التفكك السوفياتي أن يقود إلى الموت التنظيمي - السياسي، وهو ما تفادته العديد من الأحزاب الشيوعية العربية. فيما هناك أحزاب شيوعية في تونس، وفلسطين، قد تخلّت عن الماركسية وعن اسمها الشيوعي، ولبست لبوساً أيديولوجياً - سياسياً - تنظيمياً آخر. وهو ما كان، أيضاً، حال الكثير من الشيوعيين العرب الأفراد الذين تحولوا إلى «الليبرالية الجديدة». .


خلال ربع قرن من بدء التفكك السوفياتي، لم تجرِ حتى الآن مراجعة جديّة عند الشيوعيين العرب للتجربة، من أجل استخلاص خلاصات فكرية - سياسية- تنظيمية جديدة. هناك ملامح منذ 3 تموز 2013، مع سقوط حكم «جماعة الإخوان المسلمين»، في القاهرة وهي المكان االذي تبدأ به الموجات الفكرية _ السياسية _ العربية، «الليبرالية» عام 1919 مع سعد زغلول، و»العروبية» في 23 تموز 1952، والمد الإسلامي المصري في النصف الأول من السبعينيات، على انتهاء موجة المدّ الإسلامي، وبداية الجزر في حركة هذا التيار الفكري - السياسي - التنظيمي.


هذا يمكن تلمسه من البصرة إلى الرباط، ومن حلب إلى عدن. هناك ملامح على بدء موجة يسارية عند العرب، يمكن أن تكون العدّة الفكرية _ السياسية _ التنظيمية الحالية للأحزاب، والحركات، والتنظيمات الشيوعية، والماركسية العربية غير مناسبة أو قادرة على استيعاب هذا المد اليساري الجديد، إذا لم تقم بنفضة ذاتية كبرى،فكرية أولاً، في بيوتها الداخلية.


2. - مأزق الحل السياسي في سورية بين النظام والمعارضة -

لم يكن الحل السياسي مع بداية الانفجار السوري في منتصف آذار لعام ٢٠١١عامل إستقطاب أو تجميع للقوى الفاعلة في المجتمع السوري، لا عند النظام ولا عند المعارضة بتكويناتها المتعددة ، بل كان من أحد الأسباب الرئيسة في التباعد والاختلاف بينهما في الداخل والخارج .
فعلى أرضية هذا الاختلاف لم تستطع المعارضة السورية على ضعفها وشرذمتها أن تكون جسما موحدا مستقل الارادة وقادراُ على مجابهة نظام استبدادي استمر عشرات السنين في قمع شعبه ، حيث نجد أن سقف المطالب عند الحراك الشعبي العفوي (عند التنسيقيات )منذانطلاقته لم يتجاوز بعض الحقوق الديمقراطية في الحرية والمساواة والعدالة والكرامة وتعديل أو إلغاء بعض مواد الدستور السوري.
كما لم يكن أيضا الحل السياسي عند المجلس الوطني السوري منذ تشكيله في تشرين الأول من عام ٢٠١١ في استنبول مطروحا ضمن أهدافه والتي كان في مقدمتها اسقاط النظام السوري، وقد ضم هذا التشكيل كل من الإخوان المسلمين وحزب الشعب الديمقراطي ومجموعات ليبرالية وبعض الشخصيات المستقلة ، بينما تطور سقف المطالب عند الائتلاف الوطني الذي تشكل في١١ تشرين الثاني / نوفمبر من عام ٢٠١٢ في الدوحة وكان مقره استنبول من المجلس الوطني السوري و(الجيش الحر )ولجان التنسيق المحلية والمكون التركماني والمجلس الوطني الكردي وبعض الضباط المنشقين من الجيش السوري النظامي، وقد دعا منذ تأسيسه إلى العمل العسكري لإسقاط النظام السوري والى ودعم الكتائب المسلحة والى التدخل الخارجي كما حدث في العراق وليبيا، أما الجيش الحر والذي تكون من ضباط وصف ضباط وأفراد منشقين من الجيش النظامي وتم تشكيله في تموز / يوليوعام ٢٠١١ بقيادة العقيد رياض الأسعد فقد رفع شعار إسقاط النظام منذ انطلاقته إضافة إلى حماية المتظاهرين والدفاع عنهم من عنف النظام .
كانت هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغير الديمقراطي هي الطرف الوحيد والسباق من بين أطراف المعارضة السورية في طرح الحل السياسي للازمة في سورية عبر بيان تأسيسها في حزيران لعام ٢٠١١ والى تشكيل حكومة موقتة لمرحلة إنتقالية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ورفض العمل المسلح والحفاظ على سلمية التظاهر وإنهاء العمل بقانون الطواري والقيام بإصلاحات سياسية وإقتصادية،وكان هذا الموقف لدى هيئة التنسيق الوطنية نابعا من تقديرها الدقيق في ميل ميزان القوى لصالح النظام والى ضعف المعارضة المنهكة بفعل الاستبداد والقمع الذي مورس عليها خلال عشرات السنين ،كما نجد أن سقف المطالب عند هيئة التنسيق الوطنية إرتفع في المؤتمر الموسع المنعقد في حلبون بتاريخ 1792011حيث أكدت على الحفاظ على سلمية التظاهر ورفض أي عمل عسكري أو تدخل خارجي في الصراع الدائر في البلاد كما دعت إلى توحيد المعارضة السورية .
ضمت هيئة التنسيق الوطنية عند تأسيسها حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي والحزب الشيوعي السوري ( المكتب السياسي ) وحزب العمل الشيوعي والحزب الاجتماعي الديمقراطي وحركةالاشتراكيين العرب وستة أحزاب كردية، منها حزب الاتحاد الديمقراطي، وشخصيات مستقلة ، وبذلك شكلت هيئة التنسيق الوطنية منذ بداية تأسيسها وعبر مشروعها للحل السياسي في سورية مركز استقطاب للمهتمين بالحل السياسي داخليا وعربيا ودولياً، حيث نجد أن جامعة الدول العربية في مبادرتها للحل الأزمة في سورية قد تبنت أغلبية بنود خارطتهاللحل السياسي ، ولكن نجدها من جهة اخرى قد فقدت ديناميتها وتأثيرها في الوسط السياسي والاجتماعي الداخلي بسبب تعميم الإحتراب على الحراك الشعبي وسيطرة صوت البنادق والمدافع على المشهد السياسي في المدن السورية وتغول النظام في القتل والاعتقال وتهجير المواطنين من مدنهم وقراهم وهيمنة شعارات الإسلام السياسي المتشدد، أمثال داعش وفرع القاعدة :أي تنظيم النصرة ،وسيطرتها على مدن وقرى ومساحات واسعة من الارض السورية ، كما بقي تأثيرها الإقليمي والدولي محدودا أيضا بسبب إستقلالية قرارها السياسي – الوطني وعدم ارتهانها للسياسات الإقليمية أو الدولية، كما أدى تجميد الأحزاب الكردية السورية عضويتها في هيئة التنسيق الوطنية منذ عام2016إلى إنهاء دورها في الشمال الشرقي السوري بعد أن أصبح إهتمام تلك الاحزاب الكردية ، يتمحور حول الانفصال عن الدولة وقدرتها على تشكيل ادارتها الذاتية في المناطق التي سيطرت عليها بقوة السلاح بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وبدعم من القوات الامريكية المتواجدة في المنطقة وذلك انسحاب قوات النظام من منها.
رغم المساعي الكبيرة التي بذلتهاجامعة الدول العربية ممثلة بأمينها العام نبيل العربي عامي ٢٠١١ و٣٠١٢ وايضا الجهودالكبيرة لمصر في مؤتمري القاهرة لعامي ٢٠١٢ و٢٠١٥ للوصول إلى تجميع أطياف المعارضة السورية على خارطة طريق الحل السياسي ، الا انها لم تكلل تلك المساعي بالنجاح وذلك بسبب تهرب النظام من تطبيق الحل السياسي بالنسبة لجهود جامعة الدول العربية او رفض بعض اطراف المعارضة في الائتلاف الوطني للحل السياسي.
استطاعت الارادة الدولية بعد صدور القرار الدولي ٢٢٥٤ لعام٢٠١٥ وبفعل التوافق الروسي الأمريكي حوله ، أن تجمع أطراف المعارضة السورية عبر مؤتمري رياض ١ في عام ٢٠١٥ ورياض ٢ في عام ٢٠١٧على الحل السياسي وعلى قاعدة بيان جنيف واحد وبقية القرارات الأخرى ذات الصلة بالأزمة السورية وبذلك أصبحت هيئة التفاوض السورية هي الممثل الشرعي للمعارضة السورية ومعترف بها دوليا بهذه الصفة في مفاوضات الحل السياسي بين المعارضة والنظام .
وعلى الضفة الأخرى من خارطة الانفجار السوري،لم يكن النظام مهتما بالحل السياسي للأزمة التي يعيشها الشعب السوري منذ ٢٠١١رغم الجهود التي بذلت من بعض الدول العربية والاقليمية والدولية ومن جامعة الدول العربية ومن مجلس الأمن الدولي ، فهو وبسبب بنيته الاستبدادية الفاسدة جابه الحراك الشعبي من اليوم الأول له بكل عنف ووحشية و اعتبره مؤامرة كونية عليه هدفها إنهاء" دوره المقاوم والممانع" للعدو الصهيوني ، فقد جابه هذا الحراك بالرصاص الحي والاعتقالات الجماعية والتصفيات الجسدية وكان غير مكترث للمطالب الإصلاحية التي نادى بها الحراك في بدايته كما لم يعطي إذن صاغية واستمر بالمراوغة مع مساعي جامعة الدول العربية لحل الازمة عبر الجلوس لطاولة المفاوضات مع المعارضة السورية على قاعدة المبادرة العربية التي قدمتها في نوفمبرلعام ٢٠١١ ، كما تهرب ولايزال من التعامل ايجابيا مع القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن وقام بعرقلةأغلب جلسات مفاوضات الحل السياسي التي عقدت في جنيف بينه وبين هيئة المفاوضات السورية والتي تناوب على تيسيرها منذ صدور القرار الدولي ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥ اثنان من المندوبين الدوليين أعلنوا فشلهم من الوصول الى حل سياسي للأزمة القائمة بسبب انعدام الارادة الداخلية والدولية الجادة لإنجاحها سواء من أطراف النزاع السورية أو من الدول المنخرطة فيه ، هذا ولاتزال الأبواب مغلقة أمام الميسر الدولي الرابع(بيدرسون بعد كوفي عنان والأخضر الابراهيمي وديمستورا) سواء في المسار السياسي المعطل منذ أكثر عامين أو على مسار اللجنة الدستورية الذي بدأت جلساتهامع نهاية تشرين أول2019 في جنيف فهي بدورها لم تحقق أي تقدم يذكر .
ما يعقد الحل السياسي عند النظام ويعطيه سخونة اكثر هو ما يعيشه الداخل السوري بجانبه الاقتصادي – الاجتماعي الذي أصبح يشكل كارثة حقيقية فاق كل التقديرات لما يرافق هذا المشهد من تشديد القبضة الأمنية واعتقالات مستمرة واحتقان في الجنوب السوري و بطالة وفقر وفساد معمم ومشاكل اجتماعية يصعب حلها ،ومدن وبلدات ومنازل وبنية تحتية مدمرة ، وشعب نصفه بين مهجر ونازح وحوالي 150ألف بين معتقل أو مغيب ، إضافة إلى تواجد قوات روسية وايرانية وميليشيات عراقية وايرانية وأفغانية واحتلال قوات أمريكية وتركية لأراضي سورية وأصبح لكل منها دور لا يمكن تجاوزه عند ترتيب الحل السياسي، هذا إلى إنخفاض قيمة العملة السورية أمام الدولار والعملات الأخرى ، وارتفاع جنوني لأسعار المواد الغذائية والأساسية جعلت المواطن السوري يقف عاجزا أمامها ،وأصبح أكثر من ٨٠/. من الشعب دون خط الفقر ، وعقوبات اقتصادية، أمريكية وأوربية بدأت على سورية مع تنفيذ قانون قيصر الأمريكي في حزيران هذا العام.
أمام هذه الصورة السوداء في المشهد السوري من حيث مأزقه في الحل السياسي ، ومع فقدان الأمل عند الشعب السوري من عدم وجود نهاية لأزمته، وباعتبار تلك الأزمة لاتزال مرهونة للإرادة الدولية والدول الفاعلة فيها؛ فهل تنجح تلك الارادة في المستقبل القريب في تحقيق الحل السياسي على قاعدة بيان جنيف واحد والقرارات الأخرى ذات الصلة كما نجحت في تجميع المعارضة الموافقة على الحل السياسي عبر رياض ١ ورياض ٢ ، ام أصبح إنجاح الحل السياسي في سورية بحاجة إلى أليات عمل جديدة .


3. -هل العروبة رابطة قومية أم هوية حضارية عمادها الارادة الموحدة والمصير المشترك –

- د . حبيب حداد –


تفاقمت مخاطر أزمة المجتمعات العربية ، منذ مطلع هذا القرن ،وبخاصة في البلدان التي شهدت انتفاضات التغيير الشعبية فيما سمي بالربيع العربي . وقد كان اخطر مظاهر هذه الأزمة ،كما هو ماثل الان ، ما تعلق منها بصراع الهوية و صيانة مقومات الوجود ، الذي هو بلا ريب في ابعاده وبكل مايترتب عليه من نتايج ،صراع استعادة الذات للشعوب العربية واستعادة وتعظيم طاقاتها وقدراتها الذاتية ، من اجل تجاوز حالة التخلف والتشرذم وعوامل الإعاقة والارتداد، ومن ثم مواصلة عملية التقدم والتحضر ومواكبة مسار العصر .
فإلى اي مدى كان يخطر في بال اجيالنا السابقة والحالية ولكل نخب الأمة الفكرية والسياسية والثورية والإصلاحية انه سياتي مثل هذا الزمن الصعب الرديء الذي تتنازع فيه كل قوى ومكونات الأمة حول حقيقة هويتها ،وحول أهمية امتلاكها لوعي عقلاني لتاريخها وماضيها ، ولروءية سديدة وارادة موحدة لصنع المستقبل الذي تستحقه .


من وجهة نظرنا، هناك عاملان اثنان يفسران هذا الوضع الذي يندر ان تواجهه شعوب اخرى في عالم الْيَوْمَ : أولهما ان البلدان العربية منذ ان احرزت استقلالها الوطني ، بانهاء الوجود الاستعماري المباشر ، قد أخفقت حتى يومنا هذا في بناء دول مدنية ديمقراطية حديثة ، تكرس مبدأ المواطنة الحرة المتساوية دون اي تميز او تهميش او إقصاء . وثانيهما هو عصر العولمة هذا الذي تعيشه البشرية منذ عقدين من الزمن ، بكل إيجابياته وسلبياته وبكل تأثيراته المباشرة وغير المباشرة على مختلف الدول والمجتمعات . فإلى جانب عملية الترابط المالي والاقتصادي والتكنولوجي والسياسي التي وحدت قارات كوكبناالارضي ، والتي كانت كما هو منتظر لصالح الدول الأكثر تطورا ، كان هناك انتعاش وازدهار للقيم المتعلقة بحقوق الانسان- الفرد -المواطن
وحق الشعوب في تقرير مصيرها ،وحقوق المكونات والجماعات القومية والثقافية والدينية .كماطرحت بعض الاتجاهات التي ترافقت مع العولمة ، مسالة الحدود والموازنة بين الحرية الفردية والمصلحة العامة وجوهر الحقوق والواجبات التي تربط ما بين المواطن ومجتمعه ، اي ان هذه القيم والأفكار المستجدة التقت ،او كانت امتدادا لأفكار وقيم المرحلة التي سميت ما بعد الحداثة . وكانت نتيجة ذلك ان هذه القيم والأفكار الانسانية الخيرة في مراميها وغاياتها طرحت على مجتمعات متخلفة مثل مجتمعاتنا العربية ، مجتمعات غير مهيأة بعد للتفاعل السليم معها ،لانها لم تبلغ في تطورها المستوى الذي يوفر لها المناعة والوحدة الوطنية والمجتمعية المطلوبتين لمواجهة مثل هذه التحديات الموضوعية .

لقد تبلورت العروبة بوصفها هوية مميزة لشخصية هذه الأمة ، بكل مكوناتها القومية والإثنية والثقافية والدينية، في خضم الكفاح التحرري منذ بدايات عصر النهضة اي منذ منتصف القرن التاسع عشر في مواجهة الاحتلالين العثماني والغربي ، وفي قلب معركة التحرر لتجاوز وضعية التخلف والتجزئة والتبعية ، واللحاق بالعالم المتقدم استجابة للسوءال المركزي الذي طرحه رواد مرحلة التنوير والنهضة آنذاك ، وهو لماذاتقدم الآخرون وتخلف العرب والمسلمون ؟ ولقد كانت الهوية العروبية منذ ان طرحت هوية علمانية حضارية جامعة لشعوب وكيانات هذه الأمة ، دون اية هيمنة من قطر على اخر ودون اي إلغاء لقطر على حساب اخر ، وذلك في مواجهة دعوات واتجاهات تسييج وعزل الكيانات القائمة كأمم نهائية قادرة بذاتها على الاستمرار في عصر التحديات الكبرى .اذ في مقابل ذلك وتأكيدا لحقائق التاريخ والجغرافيا ، وتجسيدا لارادة المصير المشترك كانت العروبة على الدوام ، وباستيعاب دروس تجارب الماضي القريب والبعيد، الحافز الموجه لكيانات هذه الأمة نحو المزيد من روابط التعاون والتنسيق والمزيد من الخطوات العملية نحوالتكامل والتوحد وفق اية صيغة تجسدارادة شعوبها في عصر ينحو نحو التجمع في تكتلات كبرى تخدم مصالحها المشتركة .

وعندما طرح رواد عصر النهضة قبل قرن ونصف من الزمن شعار الدين لله والوطن للجميع ، تعبيرا عن المضمون العلماني الإنساني الحضاري لهذه الأمة لم يكن يخطر في بالهم ان يأتي بعد هذا الزمن كله ، معارضون سوريون حاليون لنظام القهر والاستبداد وحلفاء موضوعيون للتيارات الاصولية الجهادية ، وبعضهم ينسب نفسه لاتجاهات التقدم واليساروالعلمانية ، ليعلنوا ان هذا الشعار يشكل تحديا صارخا لمقومات هوية الشعب السوري الدينية والاقوامية والإثنية ،كما انه يعتبر تزييفا وتهديدا لهويته الدينية وتراثه الاسلامي الأصيل !!!! . وإذا كانت مقومات الهوية وبالتالي ماهيتها ، بالنسبة لأي شعب اوأمة ، تغتني وتتجدد باستمرار في مسار التطور الخاص والمسارالتاريخي الإنساني الأشمل ، اي انها تكتسب عناصر ومقومات جديدة وتستغني وتتجاوز عناصر ومقومات عفا عليها الزمن ، فان المقومات المكونة لهوية العروبة وما تجسده من شخصية واحدة مميزة ،وتخصيصا في نسختها السورية اوالشامية ، قد تعاقبت وتكاملت على امتداد اكثر من ثلاثة آلاف عام

فالعروبة ليست هوية القومية العربية بمفهومها التقليدي ولا الامة العربية امة مكون واحد في نسيج مجتمعاتها ٠ ومفهوم الاقلية والاكثرية على اساس عرقي او اثني غير وارد في كيان الدول الديمقراطية الحديثة بل ان هذا المفهوم يرتبط بحجم التيارات والاحزاب السياسية ، وهو وضع غير ثابت يتغير بفعل الارادة الشعبية المعبر عنها عن طريق الاستفتاءات والانتخابات الدورية ٠

ان الهوية الوطنية السورية ،التي هي الْيَوْمَ سلاح السوريين لإنقاذ وطنهم من مخاطر الماساة التي يعيشها ، هي في حيويتها وابعادها التاريخية والمستقبلية جوهر الهوية العروبية الحضارية لشعبنا. فإذا تم قطع اواصر الوطنية السورية عن عمقها وجذورها التاريخية من جهة ، وعن آفاقها وبعدهاالمصيري والحضاري العروبي من جهة ثانية ، فكيف يمكن لنا ان نتصور ان تظل الهوية الوطنية السورية هوية جامعة وحية مجسدة لارادة شعبنا السوري الواحد بكل مكوناته وأطيافه ؟؟؟ وإذا كانت هوية اي أمة من الامم او اي شعب من الشعوب في عالمنا لا تقوم على أساس النظرة المتكاملة والوعي الموحدلماضي هذه الأمة ، وهذا الشعب ، ولا تعبر عن الإرادة المشتركة والمستقبل الموحد لكل منهما فكيف يمكن لهما ان ينجحا وينتصرافي معركة التحدي الحضاري باعتبار ان مصلحة وخير الانسان - المواطن ينبغي ان يظلا غاية كل نظام ودولة في هذا العصر .

واذا كان البعض يرى ،فيما عرضناه من وجهة نظر ،موقفا توفيقيا اومصلحيا، لا يتفق مع واقع مجتمعاتنا العربية ومنها مجتمعنا السوري ، فاننا نود ان نوءكد حقائق التاريخ القريب والبعيد وفي مقدمتها ان حركة القومية العربية ،برغم ماشاب مسيرتها من بعض الاتجاهات والانحرافات الشوفينية والعصبوية المدمرة ، التي لاتعبر عن جوهرها ،لدى بعض الاحزاب القومية التقليدية ، كانت على الدوام حركة كفاح تحرري لشعوب مضطهدة ومقهورة ومجزأة ،وكانت على الدوام جزءا من حركةالتحرر الإنساني الأشمل من اجل ممارسةالشعوب لحقها في تقريرمصيرها وانتصار قيم الحق والعدل والسلام في عالمنا.
لقد كان الامر الطبيعي ان يشهد الفكر السياسي العربي عمليات مراجعة وتجديد في ضوء النكسات والهزائم التي منيت بها حركة لتحرر- العربية والتي تلاحقت منذ ستينات القرن الماضي : فشل تجربة الوحدة بين سورية ومصر ، هزيمة الخامس من حزيران من عام1967 , سقوط النظامين الوطنيين التقدميين في مصر وسورية نهاية سبعينات القرن الماضي ،اتفاقات كامب ديفيد وما تبعها من اتفاقات معلنة وغير معلنة، ارتدادات انهيار المعسكر الاشتراكي ، غزو العراق وتدمير دولته وشرذمة مجتمعه ...... ، ولقد واجهت مهمة التجديد هذه كل تيارات حركة التحرر العربية ،من يسارية وقومية وليبرالية ووطنية وإصلاحية ، وان ألقيت هذه المسوءولية بالدرجة الاولى على التيارات النهضوية العروبية .

والامانة الموضوعية تقتضي منا في هذا المجال ان نشيد بالدور الذي اضطلع به مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت ،كما لا بد هنا ان نشيد بتلك المبادرة التي قام بها لفيف من المفكرين والقادة السياسيين السوريين في مطلع العقد الماضي ، الذين انتموا للعديدمن تيارات الفكر القومي في سورية ،وذلك بتشكيل لجنة ضمت هوءلاء وحددت مهمتها في صياغة مشروع نظري لتجديد وتطوير الفكر القومي العربي وطرح هذا المشروع على النقاش العام ،وقد اتيح لي شخصيا ،ولو في وقت متاخر ،ان أشارك في اعمال هذه اللجنة ، وقد انجزت هذه اللجنة نصف مهمتها بصياغة هذا المشروع النظري ،لكن لم يتم طرحه مع الأسف على النقاش العام بسبب التطورات التي تلاحقت فيما بعد وبسبب عدم توفر الامكانات والوسائل الإعلامية لاستكمال انجاز هذه المهمة . وخلاصة ما ينبغي توضيحه في عملية تجديد الفكر العربي ما يتعلق منه بضرورة التمييز بين رابطةالقومية العربية والرابطة القومية لكل من المكونات القومية والثقافية الاخرى في مجتمعاتنا العربية من أمازيغ وكرد واشوريين وكلدان وأرمن وتركمان وشيشان وشركس و....من جهة ، وبين هويةالعروبة الثقافية الحضارية الانسانية المعبرة عن المصير الواحد والمصلحة المشتركة لكل شعوب الأمة العربية بكل مكوناتها من جهة اخرى ، فالعروبة من وجهة نظرنا لاتتطابق من حيث ماهيتها مع مفهوم وكينونة القومية العربية ،والامة العربية شان بقية امّم العالم الاخرى لا يمكن قصرها في ان تكون أمة مكون قومي واحد من مكوناتها مهما بلغ حجمه بل هي أمة المجتمع بكامله وبكل مكوناته القومية ،وهذاهو المفهوم المعاصر لكل أمة ، المفهوم النظري والوضعي الذي يفتح الأفق امام كل أمة كي تنتقل من حيّز القوة والإمكان الى حيّز الفعل والوجود عندما تنجح اجزاوءها وكياناتها المتعددة ببناء دولة المواطنة الحديثة التي تكرس مبدأ المواطنة الحرة المتساويةدون اي تمييز ، الدولة التي يصبح فيها مفهوم ووجود الأكثرية والأقلية ، غير المستقر والدائم التحول ،هو مفهوم الأكثرية والأقلية السياسية والمجتمعية ،

العروبة اذن ليست رابطة قومية بل هي هوية جامعة ورسالة حضارية لشعوب وكيانات أمة مجزاة هي الأمة العربية ، وهذه العروبة لا يمكن ان تكون في موقع التناقض والتضاد مع الهويات الوطنيةالقطرية لكل من بلدان العالم العربي، بل ان ما يجسد حقا ابعاد جوهر الهوية العروبيةالحضاريةالجامعة ، هو كما أسلفنا ان تعبر الهويات الوطنية لكل من البلدان العربية القائمة عن إرادة شعوبها في تكوين دول مدنية ديمقراطية حديثة مواكبة للعصر ، فهذا هو المسار السليم والموضوعي لتكامل مشروعات التنمية والتطور والتعاون المشترك ، واستعادة بناء مقومات النظام الإقليمي العربي لمواجهة كل التحديات التي تواجهها الأمة . ان صراع الهويات ، واشتداد هجير وإعصار الروابط والعصبيات ما قبل الوطنية ، الذي تشهده الان معظم البلدان العربية ، وفي مقدمتها سورية ،وما يرافقه من حرب شعواء في دلالات المفاهيم والمصطلحات على صعيد النخب الفكرية والسياسية ليس الا نذيرا صارخا عن غياب المشروع الوطني الديمقراطي الجامع في كل منها ،وهذا المشروع الغاىب والمغيّب ان هو الا تعبير عن ازمة الثقافة والوعي في مجتمعاتنا التي هي بدورها الجانب الاشد خطورة ، والثمرة الاقسى مرارة في الأزمة الشاملة لتلك المجتمعات .





4. - لمحة عن الاقتصاد الإيراني المعاصر -

- نادر عازر –

قام الشاه رضا بهلوي (الذي حكم إيران بين عامي ١٩٢٥ و ١٩٤١) بتحسين البنية التحتية الشاملة للبلاد، ونفَّذ إصلاحاً تعليمياً، وشن حملة ضد النفوذ الأجنبي، وأصلح النظام القانوني، وأدخل صناعات حديثة. خلال هذا الوقت، شهدت إيران فترة من التغيير الاجتماعي، والتنمية الاقتصادية، والاستقرار السياسي النسبي.
تنازل رضا بهلوي عن العرش وخلفه ابنه محمد رضا بهلوي (الذي حكم من ١٩٤١ حتى ١٩٧٩)، لكنه لم يُحدث أي تغيير جوهري في الاقتصاد الإيراني خلال الحرب العالمية الثانية، وما بعدها.
ومع ذلك، أدت الزيادة السريعة في عائدات النفط والمساعدات الخارجية المستمرة بين عامي ١٩٥٤ و ١٩٦٠ إلى زيادة الاستثمار، والتطور الزراعي، والنمو الاقتصادي السريع، وخاصة في القطاع الحكومي.
بعد ذلك، زاد التضخم، وانخفضت قيمة العملة الوطنية (الريال)، وحدث عجز في التجارة الخارجية. أدت السياسات الاقتصادية المطبقة لمكافحة هذه المشاكل إلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي ودخل الفرد بحلول عام ١٩٦١، ثم تباطئ الاقتصاد بحلول عام ١٩٧٨ حيث وصل هروب رأس المال بين ٣٠ إلى ٤٠ مليار دولار أمريكي.
مع الثورة الإسلامية بقيادة روح الله الخميني عام ١٩٧٩، نفّذت الحكومة عمليات تأميم، وأصبح أكثر من ٨٠٪ من الاقتصاد تحت سيطرتها، إلا أن الحرب الإيرانية-العراقية تسببت بخسائر بشرية كبيرة، واقتصادية بحوالي ٥٠٠ مليار دولار.
حاولت بعدها إيران تطوير قطاعات الاتصالات والنقل والتصنيع والرعاية الصحية والتعليم والطاقة في البلاد (بما في ذلك منشآت الطاقة النووية المحتملة)، وبدأت في دمج أنظمة الاتصال والنقل مع تلك الموجودة في الدول المجاورة. وتم تحديد أهداف طويلة المدى تشمل الاستقلال الاقتصادي، والتوظيف الكامل، ومستوى معيشة مريح.
بين عامي ١٩٨٠ و ٢٠٠٠، شهدت إيران تضاعفاً في عدد السكان، وفي حجم الطبقة الوسطى من ١٥٪ إلى ٣٠٪، إلا أنها عانت من انخفاض متوسط العمر، والإنتاج الزراعي، وجعلت البلاد تستورد الكثير من طعامها، وتسببت بهجرة متواصلة من الريف إلى المدن.
في العام ٢٠٠٥ انخفضت ميزانية العلوم والبحوث، إلا أن قطاعي الخدمات والصناعة شهدا نمواً، فيما لم تتأثر إيران كثيراً من الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨ بسبب عزلتها النسبية عن الاقتصاد العالمي. واستمر النفط محتلاً أكثر من نصف إيرادات الحكومة.
تحتل إيران المرتبة الثانية في العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي بعد روسيا، والرابعة في احتياطيات النفط الخام.
من عام ٢٠١٦ وحتى ٢٠٢١، وضعت الحكومة الإيرانية سادس خطة خمسية للتنمية، وفق التقويم الفارسي، تتكوّن من ثلاث ركائز: تطوير اقتصاد مرن، والتقدم في العلوم والتكنولوجيا، وتعزيز التميز الثقافي. وتوقّعت نمواً اقتصادياً سنوياً بنسبة ٨٪.
من بين الأولويات الرئيسية للحكومة خلال فترة الخمس سنوات: إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، والقطاعين المالي والمصرفي، وتخصيص وإدارة عائدات النفط. وبدأت الحكومة الإيرانية في بيع أسهم شركات مملوكة من الدولة عبر سوق الأوراق المالية، وأصدرت سندات إضافية من خلال مزادات عقدها البنك المركزي الإيراني.
وبدل أن تؤدي عمليات الخصخصة إلى تملّك الشركات من رجال أعمال مهرة، ذهبت في معظمها إلى الحرس الثوري الإيراني وشركائه، الذي يعتقد أنه يسيطر على ثلث الاقتصاد الإيراني وخاصة قطاعات البناء، وتطوير حقول النفط والغاز، والاتصالات، وصناعة السيارات، والمجمّعات الطبية.
إلا أن إيران خضعت لعقوبات اقتصادية، وضوابط على الصادرات من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب تصنيفها كدولة داعمة للإرهاب، ومخاوف من برنامجها النووي، حتى توقيع الاتفاق النووي في تموز ٢٠١٥ (المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة) بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا.
وافقت إيران بموجب الاتفاق على تقييد برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ في كانون الثاني ٢٠١٦، فعاد إنتاج النفط الإيراني وعائداته، وانتعشت السياحة، مما أدى إلى نمو سريع في الناتج المحلي الإجمالي، لكن النمو الاقتصادي انخفض عام ٢٠١٧ مع تراجع إنتاج النفط، كما أن الولايات المتحدة، بقيادة دونالد ترامب، انسحبت من الاتفاق وأعادت فرض العقوبات تدريجياً منذ أيار ٢٠١٨.
في عامي ٢٠١٩ و ٢٠٢٠ انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لإيران بنسبة ٦,٨٪، وانكمش قطاع النفط بنسبة ٣٨,٧٪، مع تراجع صادراته إلى أقل من ٠,٧ مليون برميل في اليوم، وذلك بعد انتهاء الإعفاءات الأمريكية من العقوبات لكبار مستوردي النفط الإيراني.
من جهة أخرى، نما الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة ١,١٪، مدفوعاً من القطاعين الزراعي والصناعي، الذين زادت تنافسيّتهما بانخفاض سعر الصرف، إلا أن الاقتصاد بشكل عام تأثر جراء جائحة كورونا وتحوّل إيران إلى بؤرة لانتشار الفيروس في المنطقة.
عانى الاقتصاد الإيراني من تضخم عالي في عامي ٢٠١٩ و ٢٠٢٠ مرتفعاً إلى ٤١٪، وانخفضت بشدة قيمة الريال الإيراني، وارتفعت أسعار البنزين، وتأثرت الأسر منخفضة الدخل وازدادت فقراً.
انخفض فائض الحساب الجاري الإيراني، حيث أدت القيود التجارية وتوسيع قائمة السلع الخاضعة لحظر الاستيراد والعقوبات الثانوية الأمريكية على المعاملات المصرفية المتعلقة بالتجارة مع إيران إلى انخفاض صافي الصادرات الحقيقية بنسبة ٢٦,٩٪، وتقنين احتياطيات النقد الأجنبي، كما تسارع انكماش التجارة غير النفطية إلى ٣٠٪ في الربع الثاني من العام ٢٠٢٠.
يعاني أيضاً الاقتصاد الإيراني من هشاشة القطاع الخاص، وانخفاض مستويات الاستثمار، وغياب الحرية الاقتصادية والتجارية، وانخفاض الإنتاجية منذ ما قبل الاتفاق النووي، ومن مستويات عالية من البطالة، لا سيما بين النساء والشباب الإيراني الحاصل على تعليم جامعي.
انخفض معدل الفقر في إيران (وفق معيار البنك الدولي بـ ٥,٥ دولار أمريكي في اليوم) بين عامي ٢٠٠٩ و ٢٠١٣ بمقدار ٥ نقاط مئوية إلى حوالي ٨٪، إلا أنه ارتفع عام ٢٠١٧ إلى ١٠,٩٪.
هناك تفاوت كبير بين المناطق الحضرية والريفية، مع ارتفاع معدلات الفقر بنسبة تصل إلى حوالي ٢٧٪ في المناطق الريفية، مقارنة بحوالي ٦٪ في المناطق الحضرية.
ازدادت نسبة البطالة في إيران بعد انخفاض عام ٢٠١٩، وجاءت على الشكل التالي:
١٢,٤٪ (توقعات ٢٠٢١)
١٢,٢٪ (تقديرات ٢٠٢٠)
١٠,٧٪ (تقديرات ٢٠١٩)
١٢٪ (٢٠١٨)
وبحسب موقع حقائق العالم، فإن الاقتصاد الإيراني يتسم بعدم الكفاءة، وبأنه مقيّد بسياسات الدولة. ورغم امتلاكه قطاعات زراعية وصناعية وخدمية كبيرة، إلا أنه يعتمد كثيراً على صادرات النفط والغاز. فيما تمتلك الحكومة الإيرانية وتدير بشكل مباشر مئات الشركات المملوكة للدولة، وتسيطر بشكل غير مباشر على العديد من الشركات التابعة لقوات الأمن في البلاد.
ويرى اقتصاديون أن انتشار الفساد والأسواق غير الرسمية، ووجود ضوابط للأسعار، ونظام مصرفي يحتفظ بمليارات الدولارات من القروض المتعثرة، تشكّل عبء على الاقتصاد، وتقوّض إمكانات النمو بقيادة القطاع الخاص.
يشمل نشاط القطاع الخاص ورش العمل الصغيرة، والزراعة، وبعض الصناعات التحويلية والمعدنية، والخدمات، بالإضافة إلى البناء متوسط-الحجم، وإنتاج الإسمنت، والتعدين.
وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي للناتج المحلي الإجمالي للعام ٢٠٢٠ فإن إيران جائت في المرتبة ٢١ بـ ٦١٠ مليار دولار وعدد سكانها ٨٥ مليون نسمة، وتأتي قبلها تركيا وعدد سكانها ٨٢ مليون نسمة، وبعدها بولندا وعدد سكانها ٣٨ مليون نسمة.
الناتج المحلي الإجمالي - معدل النمو الحقيقي:
٣,٧٪ (تقديرات ٢٠١٧)
١٢,٥٪ (تقديرات ٢٠١٦)
١,٦٪ (تقديرات ٢٠١٥)
وتأتي حصة القطاعات الثلاثة الكبرى من الناتج المحلي الإجمالي:
الخدمات: ٥٥٪ (تقديرات ٢٠١٧)
الصناعة: ٣٥,٣٪ (تقديرات ٢٠١٦)
الزراعة: ٩,٦٪ (تقديرات ٢٠١٦)
من أهم المنتجات الزراعية: الزعفران، والتمور، والعسل، والتوت، والقمح، والأرز، والشعير، والذرة، والقطن، والتبغ، والشاي، والبقوليات، والبطاطس، والسكر، والفواكه، والمكسرات، إلى جانب ما تنتجه المواشي من ألبان ولحوم وصوف وجلود، إضافة إلى الكافيار.
من أهم المنتجات الصناعية: البترول والبتروكيماويات، والغاز، والأسمدة، والصودا الكاوية، والمنسوجات، والإسمنت، ومواد البناء الأخرى، ومعالجة الأغذية (خاصة تكرير السكر وإنتاج الزيوت النباتية) وصناعات معدنية، وسيراميك، ونحاس، وأدوات منزلية وكهربائية، وسيارات، وشاحنات، وأسلحة متنوعة من دبابات، وناقلات جند، وصواريخ موجهة، وأنظمة رادار، وسفن عسكرية، وغواصات، وطائرات مقاتلة.
وبحسب تقديرات العام ٢٠١٧ فإن القوى العاملة في إيران تتألف من ٣٠,٥ مليون شخص، إلا أنه يوجد نقص واضح في العمالة الماهرة، وهجرة متزايدة لحاملي الشهادات.
ويأتي توزّع القوى العاملة على القطاعات بالشكل التالي:
الخدمات: ٤٨,٦٪
الصناعة: ٣٥,١٪
الزراعة: ١٦,٣٪
حجم الصادرات:
٩٣,٤ مليار دولار (تقديرات ٢٠١٨)
٩٨,١ مليار دولار (تقديرات ٢٠١٧)
٨٤ مليار دولار (تقديرات ٢٠١٦)
الصادرات - الشركاء (تقديرات ٢٠١٧):
الصين ٢٧,٥٪، الهند ١٥,١٪، كوريا الجنوبية ١١,٤٪، تركيا ١١,١٪، إيطاليا ٥,٧٪، اليابان ٥,٣٪.
الصادرات - السلع:
نفط ٦٠٪، والباقي منتجات كيماوية وبتروكيماوية، وفواكه، وجوز، وسجاد، وإسمنت، ومواد خام.
الواردات:
٦٠,٨ مليار دولار (تقديرات ٢٠١٨)
٧٥,٥ مليار دولار (تقديرات ٢٠١٧)
٦٣,١٤ مليار دولار (تقديرات ٢٠١٦)
الواردات - السلع:
معدّات صناعية، وآلات، ومواد غذائية، وسلع استهلاكية أخرى، وخدمات فنية.
الواردات - الشركاء (تقديرات ٢٠١٧):
الإمارات ٢٩,٨٪، الصين ١٢,٧٪، تركيا ٤,٤٪، كوريا الجنوبية ٤٪، ألمانيا ٤٪.
احتياطيات النقد الأجنبي:
١٠٥ مليار دولار (تقديرات ٢٠١٩)
١٠٨ مليار دولار (تقديرات ٢٠١٨)
تبنّت السلطات الإيرانية من العام الحالي ٢٠٢٠ استراتيجية شاملة للإصلاحات في سوق العمل في رؤية اقتصادية تمتد لعشرين عاماً، تهدف إلى تعزيز قدرات البلاد وتنميتها وتخفيف الاعتماد على النفط، إلا أن التطورات الإقليمية، والتدخلات في دول الجوار، والعوامل الداخلية، وجائحة كورونا، والعقوبات الأمريكية، وتراجع مبيعات النفط، تظهر أن الرؤية تتعثّر مع معاناة الاقتصاد من التضخم، وتدهور متواصل في قيمة العملة، وازدياد نسبة البطالة والفقر.
المراجع:
البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وموقع كتاب حقائق العالم لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.


5. - عوائق الحركة النسوية السورية وآفاقها -
- جمال عامر -

ليس من قبيل المصادفة أن الحركة النسوية بدأت في أواخر القرن التاسع عشر خلال فترة النهضة العربية وهي فترة من النهضة الثقافية التي بدأت في مصر سرعان ما انتشرت في لبنان وسوريا وغيرها من البلدان الناطقة بالعربية.
"مريانا مرّاش"التي كانت تكتب في الصحف في عام 1870 وتدعو إلى تحرير النساء (وربما كانت أول امرأة عربية تفعل ذلك) .
كان تطور الحراك النسوي العربي شبه متوقف في كل الدول العربية نتيجة سيطرة الأنظمة الاستبدادية عليها ، و كان موقف أنظمة مابعد إنقلاب الثامن من آذار 1963 لحزب البعث من الحركة النسوية السورية إما الحظر أو الاحتواء أو الاستيعاب ، وقد أوقف هذا التطور الطبيعي للحركة النسائية ، عندما حصلت الموجة النسوية الثانية في العالم في الستينات تقريبًا وبدأت تطرح مفهوم توزيع الأدوار الاجتماعية بين الرجل والمرأة بالمجتمع، تم التصديق والانضمام إلى اتفاقية السيداو من قبل سورية بالمرسوم رقم -330- تاريخ 25-9 - 2002،وتحفظت سورياعلى بعض المواد بسبب مخالفتها للشريعة الإسلامية في انتقاص لحقوق المواطنة المتساوية اياً كان الجنس ، وفي امتهان لكرامة المرأة .
ما زالت المرأة السورية تعاني الإضطهاد الطبقي الذكوري ، حيث ينطبق وصف أنجلس عليها كون الذكر هو البرجوازي والانثى هي البروليتاريا ، وما زالت العائلة الأبوية هي المسيطرة والسائدة ، وما يتبعه ذلك من تربية الأطفال على الخضوع والطاعة للسلطة الأقوى ، بدلا من التربية المستندة إلى أحدث النظريات العلمية التي تبينت فائدتها وصحتها المبنية على التنشئة الديمقراطية والثقة بالنفس والتفكير والنقد والابتكار وحفظ الكرامات وتقديس الكرامة الإنسانية ، وهذا ما ينعكس على المستوى المجتمعي ، من خلال المشاركة الديمقراطية ، وتعزيز الحوار الديمقراطي ، والعمل لاستقلال منظمات المجتمع المدني كافة و..الخ .
وصلت معدلات الردة نحو الطائفة والمذهب والدين لمستويات عالية قبل انفجار الأزمة السورية في عام 2011 ، باشتداد حالات التدين المتطرف، وذلك لا يمكن عزوه للثقافة المحلية فقط ، بل أيضاً إلى الممارسات الاستبدادية والسياسات الاقتصادية - الاجتماعية وترسيخ السلطة لنظام العائلة الأبوية وسيطرة الذكر على كل مفاصل حياة العائلة وقرارها وتربية الأطفال، وإحياء العلاقات القبلية والعشائرية والدينية ( خاصة مع تدخل المؤسسة الدينية الإسلامية في التشريع كما عززه الدستور السوري الحالي والقديم ) ، وذلك أمام إنحسار للحركة النسوية.
يلاحظ نخبوية الحركة النسوية السورية ، وهذا ما يفرض مجددا تحديد الأولويات النسوية في تحديد التوافقات والخلافات، ووضع برنامجنسوي يشمل مطالب النساء في مختلف ميادين العمل والحياة بدءاً من المرأة العاملة وصولاً الى المطالب المشتركة للنساء من مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية ، لتحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل ، وتنفيذ الكوتا بأبعادها ، وإنعاش المرأة و..الخ.
يلاحظ أيضا سيادة التعصب التنظيمي للحركات النسوية ، مما يعيق ويجزىء العمل النسوي ويحول دون تحقيق أهدافه النسوية ، هذا يتطلب الوعي النسوي في التقريب بين برامج واستراتيجيات الحركات النسوية السورية للإنتظام بإئتلاف نسوي يحقق الوحدة النسوية ويوحد الجهود النسوية ، لوضع استراتيجية عمل نسوي موحدة ووضع رؤية برنامجية للعمل النسوي تشمل مطالب النساء في كافة قطاعات العمل والحياة العامة والخاصة لتجاوز النخبوية في العمل ، وتبعثر الجهود أيضاً ، وإضافة للوحدة الاستراتيجية ، يعمل عامل مهم خاصة بعد انفجار الأزمة السورية في عام 2011 وهو المتمثل بضرورة الإنخراط ( للحركات والتجمعات النسوية ) ضمن مشروع وطني ديمقراطي ، ذلك من خلال التمثيل المتساوي مع الرجل في مفاوضات السلام ، و من خلال المشاركة في المؤسسات التي تمثل منظمات المجتمع المدني اثناء المفاوضات لإنجاز الحل السياسي التسووي السوري وفق القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية ، وهذا ما يضمنه القانون رقم1325 الصادر من مجلس الأمن لعام 2000الذي يضمن للمرأة أثناء النزاعات من المشاركة في مفاوضات السلام .
هناك أيضا عامل مهم في مصداقية عمل الحركات والتجمعات النسويين ، الذي يحدد أبعاد العمل النسوي ، كاستقلال القرار النسوي بعيدا عن أي تجاذبات واستقطابات قد تجر الحركة النسوية السورية للإرتباط بمشاريع اقليمية ودولية ، وهذا يتطلب العمل من أجل الحفاظ على الوجه المستقل للحركة النسوية السورية ، وتمثيلها لأوسع مجال من القطاعات التي تعمل المرأة بها ، وأوسع مشاركة من قبل النساء من مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية في القرار النسوي .
من غير الوحدة في إستراتيجية العمل النسوي ، والتوافق على برنامج نسوي يمثل كافة النساء في كافة القطاعات والفئات الاجتماعية والعمرية، والإنخراط في مشروع وطني ديمقراطي ، ستبقى الحركة النسوية تعاني النخبوية وتمثل فئات معينة للمرأة كالفئات الوسطى ، وتبعثر الجهود، ولن تستطيع الوصول لأبعد من ذلكوالمتمثل بتحويل الحركة النسوية لممثل أساسي للمرأة في كافة قطاعات العمل والحياة ، ومن مختلف الإنتماءات الاجتماعية والعمرية ، بالتالي توحيد الجهود للوصول للضغط المطلوب على الطبقة السياسية الحاكمة لتحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل ، وتنفيذ الكوتا ، و إنعاش وتنمية المرأةو..الخ .

6. - من زوايا الذاكرة:بدء الاستقرار في ألمانية الديمقراطية ( 1960-1961) -

- الدكتور جون نسطة -


سارت بنا السيارة برفقة السيد كين من مطار برلين الشرقية،عبر طرقات مظلمةً محاطة بغابات كثيفة،وسط استغرابنا وتوجسنا.إلا أن السيد كين وضح لنا بأننا متوجهين إلى بيت تابع للنقابات الالمانية يستضيف النشطاء النقابيين للاستراحة ولقضاء الاجازات السنوية،وهناك ينتظرنا الرفاق السوريين الذين وصلوا قبلنا وعلى دفعات متقاربة.وهذا البيت يقع على بعد ثلاثين كيلو مترا من برلين .
المهم وصلنا هناك وكانت الساعة تشير إلى الثامنة مساءا،وتفاجئنا باستقبال حافل وحار من رفاق كنا لانعرف اكثريتهم،فيما عدد بسيط منهم من مدينة حمص،طلال موصلي،كميليو مقدسي،ورامز غطاس.كان عددهم يتجاوز العشرين رفيقا من كل مدن ومحافظات القطر السوري.
تناولنا وجبة العشاء جماعة،وكان طعام العشاء أول احتكاك لنا على الطريقة الالمانية،خبز ألماني داكن اللون على شكل شرحات،وقطع من الزبدة،وشرائح لحم مجفف وشرائح من الجبن الأصفر وقليل من قطع البندورة،مع الشاي.
بعدها استلمنا غرف نومنا في الطابق الأول من هذا البيت الانيق المريح.
كان للبيت مديرا ألمانيا لطيفا مهذباً لكنه جديا صارما،ولا يتكلم سوى اللغة الألمانية.وكانت ثلاثة سيدات يقمن بخدمتنا ونظافة غرفنا وامور غسيلنا الخ.من بينهن شابة جميلة،انيقة،لطيفة ،ابتسامتها مستمرة علىَ محياها ،تقوم بخدمة طاولات الفطور والغداء والعشاء،واكتشفت مع الوقت أن عددا كبيرا من الرفاق واقع بحبها ويظن البعض منهم بأنها هي واقعة في غرامه أيضآ،وهي ترضي الجميع بنظراتها اللطيفة.هذا شكل تنافس وتوتر بين بعض الرفاق.
وهناك توتر أخر لمسته يقوم على المزاحمة على قيادةٍ الفريق الحزبية وخصوصا بين الرفيقين طلال الموصلي ومحمد العطري،وكلاهما كانا من طلاب الجامعة في دمشق.
بعد أيام قلاءل وصل من بيروت ايضا ثلاثة رفاق من حمص ايضا وهم زياد إدريس والطيب تيزيني وفريد أتاسي .
وصل عدد الفريق الى 28 رفيقا .
وهم حسب الترتيب العشوائي ومن زوايا الذاكرة أيضآ.
نذير دباغ،من الدرباسية،عبد الله حنا من الدير عطية،ابراهيم طعمة من قرية قطينة بجوار حمص،زياد إدريس من مدينة حمص،اسماعيل سراج من الجزيرة السورية،طلال موصلي من حمص،عبد الخالق سعادة من اللاذقية،محمد العطري من مدينة حلب،عبد القادر محفوظ من مدينة حلب,فواز الجابر من محافظة السويداء ،أديب كوا من أصول حورانية،كمال زبيدي من مدينة حلب،فريد أتاسي من حمص،حنا عيسى من الجزيرة السورية،رزوق طولاب من حلب،رامز غطاس من حمص،الطيب تيزيني من حمص،كميل مقدسي من حمص،سلطان أبازيد من درعا،شكيب رزق من قرية صحنايا،حبيب الشايب من صيدنايا.
بعد ايام جاءنا الرفيق أحمد فايز الفواز من برلين وكان يدرس الطب هناك ،وهو مسؤول المنظمة الحزبية الطلابية في كل ألمانيا،ورحب بنا بإسم الحزب وألقى حديثا سياسيا شرح فيه الاوضاع السياسية والمعيشية آلتي يعاني من وطأتها الشعب السوري عموما والظروف الصعبة التي يمر فيها حزبنا الشيوعي السوري.وكلف أيضآ الرفيق عبد الله حنا،بقيادة مجموعتنا على أن يستعين بمن يراهم أكفاء من الرفاق بهذه المهمة،وتمنى لنا مستقبلاً طيباً وودعنا.
وبعد ايام قلائل دعاني الرفيق عبد الله حنا مع الرفيق عبد القادر محفوظ لعقد اول إجتماع لقيادة هذه المنظمة .تدارسنا وضع كل رفيق على حدة ووضعنا خطة للعمل لفرض النظام والانضباط على الجميع،بظروف معقدة من حيث تكوينات المجموعة،من حيث الأعمار المختلفة،والأصول الاجتماعية،والثقافيةالمتعددة.
كان الرفيق عبدالله رجلا حازما ً متزمتاً الى حد بعيد في تطبيق النظام الذي وضعه هو ،من حيث ساعات الخروج من البيت وساعات القدوم،وطلب الاذن بزيارة القريتين القريبتين من إقامتنا ،وموعد الاجتماعات الحزببة وتنظيم أمر المداخلات ومدتها الخ.
كانت النقابات تنظم لنا كل نهاية أسبوع رحلة سياحية ثقافية إلى عدد من المدن الالمانية بإشراف الرفيق كين.وأهمها رحلة إلى مدينة فايمار،مدينة أول مسرح وطني ألماني،مدينة غوته وشيلر.وحضرنا مسرحية هناك رغم أننا لم نكن نعرف اللغة الألمانية،ونمنا في فندق فخم ،كان المجرم النازي ادولف هتلر قد أقام فيه أيضآ برقم 7للغرفة،نفس الغرفة التي نام فيها الرفيق محمد العطري ،الملقب ب (أبو العطور).
وبالقرب من مدينة فايمار يقع معسكر اعتقال كبير ضم الآلاف من الشيوعين والاشتراكيبن والمعارضين الالمان واليهود والغجر والأسرى الروس والبولانديين وغيرهم،قمنا بزيارته متجولين بمهاجع وأقسام المعسكر كلها،والصدمة الأكبر كانت حين رأينا أفران الجثث المتعددة والتي كانت تعمل ليلاً و نهاراً،وزرنا ايضا قاعات الموت،عندما يقوم الحراس النازيين بدفع المعتقلين الأبرياء إليها ،على أنها غرف استحمامات،وكان بالفعل يتدلى من سقوفها دوشات معدنية.وعندما تمتليء القاعة تبدأ غازات الموت تهطل من الدوشات.
وزرنا ايضا المهجع الذي كان يقيم فيه الرفيق إرنست تيلمان،زعيم الحزب الشيوعي الألماني،الذي تعرض لعذابات شديدة،من فرق التعذيب النازية بغرض انتزاع معلومات عن تنظيمات حزبه،ولما فشلوا بذلك قاموا بقتله بالرصاص.
وتركت هذه الزيارة للمدرسة،في نفوسنا أثراً كبيراً سيبقى مرافقا لوعينا طول العمر ،في حثنا الدائم على معاداة النازية والفاشية،وكل أشكال الإستبداد والديكتاتورية.
وبعدها زرنا مدينة دريزدن التاريخية،عاصمة ملوك السكسون وأبرزهم أوكست القوي،صاحب العمران والقوة العسكرية بنفس الوقت.قمنا بزيارة المتاحف الغنية بأجمل اللوحات الأوربية،وقمنا بحضور باليه بحيرة البجع في دار الاوبرا،التي تعتبر بذاتها من روائع الفن المعماري.
كانت مدينة دريزدن لا تزال تعاني من آثار الحرب العالمية الثانية،وخصوصاً من ليلة الرابع عشر من شهر شباط 1945،عندما قام الطيران الحربي الاميركي بتدمير المدينة وقتل ثلاثين ألفاً من سكانها الأبرياء،همجية ليس من بعدها همجية،وذلك رغم أن الحرب كانت قد حسمت لصالح قوى التحالف الدولي ضد ألمانيا الهتلرية.كان الهدف من هذه العملية البشعة ترك المدينةَ مهدمة والتي سيدخلها الجيش الأحمر السوفياتي والتي ستقع ضمن دائرة نفوذه.
وهذا كان أيضا بالنسبة لنا نحن الشباب درسا ً عملياً على الأرض،كيف أن الامبريالية الاميركية لاتهتم بأرواح البشر ولا حضارة الحجر عندما يكون الهدف يخدم مصالحها ويضعف من قوة المنافس المنتظر على الساحة العالمية،الاتحاد السوفياتي.
وكذلك قمنا بزيارة عدد من المدن الصناعية وتعرفنا على الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة الإشتراكية لبناء القاعدة المادية لمتابعة تحصين البلد ضد مؤا مرات الغرب المستمرة.
كان الرفيق الألماني السيد كين يرافقنا ويرعانا في كل هذه الزيارات.ومنها ايضا زيارات إلى المولات التجارية ومحال الأزياء الرجالية،وكان يقول لنا ادخلوا وانتقوا ماتحتاجون اليه وما يروق لكم من ألبسة داخلية وخارجية،وخصوصا الشتوية،والاحذية،والقمصان والبيجامات الخ.ويقوم بنهاية حملة المشتريات بالتوقيع على ورقة من قبل المتجر،بكل بساطة وسرور.
وبعد فترة قصيرة من تواجدنا في بيت الاستراحة هذا كلفوا معلمة لغة ألمانية باعطاءنا دروس أولية باللغة الألمانية،وكانت سيدة ذكية وصبورة.وبعدها كلفوا مدرساً للقيام بهذه المهمة،رجل متقدم بالعمر متقاعد،يعشق لغته ويجلها ويعلمها لنا برغبة داخلية عميقة.
استمرت إقامتنا في هذا البيت الجميل،الذي يقع على ضفاف بحيرة اسمها بلوسين،محاطا بأشجار الغابات الباسقة،الى نصف شهر نيسان ،وعندها قام الرفاق في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الموحد باعلامنا بضرورة أن نتعرف على الطبقة العاملة وكيف تعمل وتناضل وتعيش على الارض،قبل ان ندخل إلى الجامعات .وتم توزيعنا بقلم واشراف الرفيق عبد الله حنا.على ثلاثة مجموعات،تلتحق بثلاث مصانع كبيرة في ثلاث مدن مختلفة.
وقام الرفاق الألمان قبل ذلك بتنبيهنا بأن علينا أن نقول لمن يساءلنا عن هويّتنا بأننا لبنانيون وليس سوريون.
يرجع السبب بذلك،الى كون جمهورية ألمانيا الديموقراطية،كانت تسعى للاعتراف الدبلوماسي من قبل الجمهوريه العربية المتحدة.ووجودنا كمعارضين سياسين على أرضها وبضيافتها،قد يشوش ويمنع هذا المسعى،الذي يهمهم نجاحه الى ابعد الحدود.
توجهنا عبد الله حنا وطلال الموصلي ومحمد العطري وفواز الجابر وزياد إدريس،وأنا إلى مدينة كارل ماركس،وهي الآن بعد الوحدة الالمانية رجعت الى اسمها القديم كمنيتس،وسكنا في بيت بسيط مع عائلة ألمانية.وفي اليوم التالي نقلونا إلى المصنع الذي علينا أن نعمل به.استقبلنا مدير المصنع،يرافقه المسؤول الحزبي،مرحباً ومتمنياً أن تتعلم بعض المهارات الصناعية،وأن نقيم علاقات طيبة مع العاملين.المعمل كان ينتج آلات للخراطة المعدنية الدقيقة جدآ،ومتعاقد مع الإتحاد السوفياتي للتصدير الى معامل الصناعة هناك.
كان علينا الإستيقاظ من النوم الساعة الخامسة والنصف صباحا،للتغسيل والحلاقة واللباس وتناول الفطور،ثم الركوب بالباص الى المصنع البعيد عن بيتنا نصف ساعة على الأقل بالباص طبعا.وكان علينا أن نستبدل ملابسنا ،بثياب المصنع الزرقاء،ونبدأ بالعمل الساعة السابعة صباحاً إلى الرابعة مساءا،يتخللها فرصة الفطور الثاني،وهذه عادة عمالية تلتزم بها كل المعامل والادارات،فى الساعة التاسعة والنصف،يتناول الفرد فيها ما قد جلبه معه الى العمل من سنديوشات مع القهوة طبعا.وفي تمام الساعة الثانية عشر ظهرا يدقق الجرس معلنا فرصة الغداء.نذهب لتناوله في مطعم المعمل وهي وجبة ساخنة ،مؤلفة عادة من قطعة لحم مطبوخ وعليها صلصة ،وجنبها بطاطا مسلوقة ساخنة طبعاً.كانوا لا يستخدمون الأرز ولا الخبز على الاطلاق.كنا نتوقف عن العمل الساعة الرابعة بعد الظهر ثم نتوجه الى غرفات الحمام لغسيل Hجسادنا من بقايا الزيوت المعدنية والغبار الصناعي ونخرج من باب المصنع حوالي الرابعة والنصف،لنسرع إلى شراء ما نحتاجه لطعام العشاء وللفطور في الثاني.نحضر طعام العشاء وننتهي منه وتكون الساعة قد قاربت الثامنة مساء،ونكون نحن متعبين بل في غاية التعب،فنلجأ إلى أسرتنا ونتحدث قليلاً ثم نغط في نوم عميق وهكذا كل يوم دواليك.
إدارة المصنع فرضت علينا في البداية أن تكون رواتبنا ،مثل بقية العمال،تبعاً للانتاج حسب القطعة المنجزة.ولأن كفاءتنا وتدريبنا كان ضعيفا،بالنسبة لبقية العمال،فإن رواتبنا ستكون منخفضة جدآ ،وهذا ما جرى في الشهر الاول،مما اضطرنا للذهاب الى مكتب أمين الحزب في المصنع وشرحنا له الموقف،وأبدى تفهما ً كبيراً ووعدنا بأنه سوف يعمل مع الإدارة لتعيين راتب مقطوع شهري بغض النظر عن كمية الإنتاج.
بعد فترة وجيزة ،ونتيجة لنقص فيتامينc في غذائي ،ظهر عندي التهاب باللثة التي بداءت بالتهتك مع أوجاع شديدة،أرسلوني لعند طبيب أسنان،وكان طبيباً جاهلاً على مايبدو،لأنه بدأ يعالجني بمحلول معلم لا غير ولم يدرك بان مرضي يرجع إلى سبب عام ،وليس موضعي،وهو نقص في فيتامين c ،بقينا على هذه المعالجة القاصرة عدة أيام،حتى زالت لثتي من الوجود ،ولم أعد أستطيع فتح فمي.بعد فترة جاء عضو في ا للجنة المركزية للحزب الاشتراكي الموحد، الى المصنع ليحقق عن أسباب عجز المصنع عن انجاز مهماته بالتصدير،المتفق عليه،الى الإتحاد السوفياتي.لما رآني بهذا الوضع وسأل من أنا وعرف بأني شيوعي من سوريا،أعمل مع رفاق لي بهذا المصنع مؤقتاً،انتفض غضبا ً بوجه سكرتير الحزب،مستغرباً أمر اهمالنا لهذه الدرجة المخزية.اتصل فوراً بمشفى المدينة المركزي،وأمر جميع أطباء المشفى بالبقاء بانتظار قدومه.ركبنا في سيارته الى المشفى وأمر بفحصي لمعرفة نوع المرض وأسبابه ،ولمن يتبع في علاجه من الإختصاصات الطبية.التشخيص جرى سريعاً وواضحاً وبدأ الأطباء فوراً بعلاجي،عن طريق حقني بالوريد بكميات عالية من فتامينc وبقيت في المشفى عددة ايام،حتى تحسن وضعي وبدأت أستطيع فتح فمي وتناول طعامي،وبعدها عدت الى العمل في المصنع من جديد،وظل الرفيق المركزي يتابع الاهتمام بنا ويسأل عن أوضاعنا،الى الحد الذي طلب من أمين الحزب بالمصنع ان يؤمن لنا كل يوم كيساً من الفواكه يشمل كمية كبيرة من الليمون والبرتقال والتفاح والموز وغيره من الفواكه،ولما قال له أمين الحزب بأن هذه الكميات غير متوفرة بالسوق،نهره وقال متوفرة ولكنها تذهب الى الفنادق الخمس نجوم التي يذهب اليها الأغنياء من بقايا البورجوازية،وبعض مدراء المصانع.وفعلا كان علينا ان نحمل كل يوم شبكة مليئة بالفواكه الى البيت،تفوق، بأضعاف،عن حاجتنا.
مضت هذه الاربعة الاشهر الصعبة والمريرة كالكابوس بالنسبة لي على الأقل،مقارنة بالاشهر السابقة من الدلال وكرم الضيافة والسياحة والرفاهية.ففي منتصف شهر آب ،ذهبنا الى منطقة جبلية عالية شهيرة برياضة التزلج،ونزلنا ،بضيافة اتحاد نقابات العمال،بفندق فخم جدا ،وقضينا فيه مدة أسبوعين كاملين،مع بقية رفاقنا الاخرين الذين جاؤو ا من بقية المدن،التي توزعنا عليها.كانت فترة جميلة جدا كإجازة بعد فترة العمل المرهق.
.
فرحنا بلقاء بعضنا البعض،وكانت فرحتي أكبر بلقاء صديق العمر وحبيب الروح وأنيس النفس عون جبور،الذي لم أنفك عنه منذ الطفولة إلا خلال فترة العمل هذه.
وبالعودة الى الفندق فكان يقع في بلدة صغيرة مشهورة في الشرق والغرب الألماني اسمها Oberhofوكان اتحاد النقابات يستقبل ضيوفه الأجانب من كل اقطار العالم،ولذلك كان طعامه ذات نوعية عالية ومتنوع المذاق.وفي مساء كل يوم يقام حفل موسيقي راقص،تشارك فيه جميلات الصبايا الالمان من المدينةَ ذاتها،وكان الشراب من نبيذ وبيرة وغيرهما من المشاريب الروحية مفتوح لنا بدون حساب ولا حدود.هنا أريد أن أروي قصتين.الأولى في احدى الأمسيات او بالأصح الليالي وكنت أجلس على طاولة أصدقاء منهم الرفيق المرحوم الدكتور سلطان ابا زيد نشرب الخمر،واذا به يهمس في أذني بأنه يشعر بدوخة سكر ومضطر لأن يستفرغ،فأخذت من يده مسرعا الى حمام المطعم ووضعت راءسه على حافة المرحاض الافرنجي ،وبدأ بالاستفراغ،فما كان مني سوى أن أضرب رأسه بقبضة يدي،وهو يلتفت مستغربا متسائلا عن السبب في ذلك،فكنت اقول له ..انت بفعلك هذا وعدم مقدرتك على تحديد كمية الكحول التي تتحملها ..أهنت الشراب وبهدلته.
والحادثة او الرواية الثانية...كنا نجلس في إحدى الليالي الى طاولة ضمت قيادي من الاتحاد المغربي للشغل،والرفيق المرحوم رامز غطاس،الذي كان يراقص صبية حسناء في كل جولة رقص،أملا بتطيبقها باللغة العامية،وإذا بشاب إفريقي أسود يسبق رامزاً ويطلبها للرقص وتستجيب لطلبه،وخلال الرقص بدت تضع رأسها عل كتفيه،ورامز يغضب ويشتم ،فلاحظ ذلك صديقنا المغربي هذا الأمر،وما إن عاد الزنجي الى مقعده ،حتى قام النقابي المغربي متوجهاً إليه ليصفعه على وجهه صفعات حادة وقوية ويركله بساقه ويرميه أرضا وهو يصرخ به كيف لك أيها العبد الذليل ان تأخذ هذه الصبية من يدي سيدك العربي، وأنا في بيتي العشرات من العبيد أمثالك يخدموني ويقبلون حذائي.
نحن استغربنا هذا الموقف من نقابي تقدمي يساري ولم نستطع تفهمه .
بعد انتهاء إجازتنا الجميلة هذه توجهنا جميعاً إلى مدينة لايبزغ الشهيرة للدخول في معهد لتدريس اللغة الألمانية،ولتبدأ صفحة جديدة من رحلة العمر.


7. - ما العمل؟ عن السؤال الصعب الذي يؤرق السوريين -
2020-11-29: "جريدة"العربي الجديد

- برهان غليون –
1
القضية السورية في الطريق المسدود
بعد ما يقرب من عشر سنوات من الصراعات الدموية داخل سورية وعليها، وما رافقها من حرب الإبادة والتغيير الديمغرافي، وما نجم عنها من انهيارات في الدولة والمجتمع والثقافة والخدمات الاجتماعية، ومن دمار العمران وتهجير ملايين البشر وإلحاقهم بمخيمات النزوح واللجوء، وأكثر من عقد للخروج بتسويةٍ، ولو على حساب تنازلات شعبية كبيرة، لا تزال القضية السورية في طريق مسدود، ولم ننجح في التقدّم خطوة واحدة على طريق حلها، بل إنها تزداد تعقيدا، مثلما يزداد الوضع تعفنا على جميع المستويات. والسبب هو، ببساطة، أننا خسرنا الحرب، لكن النظام لم يربح شيئا، ولكنه غرق في الدماء التي سفكها، وسوف يزداد غرقا كلما تقدّم الزمن، ولا يملك أي مخرج بديل للمخرج الذي يسعى، هو وجميع حلفائه، لتجنبه، أي السقوط الحر في هاوية الفوضى والخراب والعذاب التي لا قعر لها.
والقضية التي نتحدث عنها ليست معجزة. إنها، ببساطة، التغيير السياسي، والانتقال من حكم الأسرة والعشيرة والمافيا، الذي فقد مرتكزاته الداخلية تماما بعد ثورة السوريين، إلى حكمٍ يخضع لإرادة الشعب، بالمعنى المتعارف عليه، والمعبّر عنه بصندوق الاقتراع، كما أصبح عليه معيار الحكم الصالح في هذا العصر في كل بقاع العالم. وهي القضية التي لا تزال معلقةً وممنوعة من الصرف، والتي من المستحيل، في الوقت نفسه، تجاوزها أو المرور من فوقها، ليس لأن ثمنها دفع مسبقا من دماء ملايين الناس وذلهم وقهرهم وتهجيرهم وتعذيبهم، ولكن أكثر من ذلك، لأنها أصبحت طافيةً على سطح الأحداث والأفكار والحياة السورية بأكملها، وصارت مصدر خرابٍ تشكل الدولة ذاتها أكبر ضحاياه. ولم يعد بالإمكان إيجاد أي حلٍّ لأي مشكلة، صغيرة أو كبيرة، اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو تربوية أو صحية، من دون إصلاحها. وكلما تأخرت المواجهة والحل زاد التعفّن والخراب، وتفاقمت مشكلات السوريين جميعا، من القاعدة إلى القمة.
هناك بالتأكيد أنظمة استبدادية أو ديكتاتورية دموية ربحت الحرب ضد ثورات شعبية، واستطاعت أن تستعيد توازنها، وتعيد ترميم بعض الشرعية، لأنه كان لديها مشروع سياسي للمجتمع والدولة، ولو عملت عليه بوسائل قمعية. وهذا كان مصير نظم شيوعية قديمة عديدة. أما الأسد فلا يحمل في جعبته ومعسكره أي مشروع سياسي يعني المجتمع بأكمله، ولا حتى طبقة منه، وإنما الإصرار على إعادة تثبيت السلطة العائلية المافيوية، وهذا ما يتطلب بعد ثورة عارمة تجديد وزيادة الاستثمار في إعادة بناء آله القهر والقمع والتلاحم أكثر مع قوى الاحتلال الأجنبية التي أصبحت صاحبة الكلمة الطولى في كل القرارات السياسية، المصيرية وغير المصيرية، واستكمال حرب الإبادة الجماعية والتفرقة الطائفية، تنويع سبل البلطجة والسلب والنهب لموارد البلاد والسكان، لتعويض ما حرمته منه الحرب من عوائد وكلّفته من نفقات. ما يعني أيضا تعزيز سياسة التغيير الديمغرافي، وتجزئة البلاد وتفكيكها، وتحييد كل منطقة بالمنطقة المجاورة، وتسعير الخلافات والنزاعات الطائفية والمذهبية والأقوامية. هذا هو المشروع الوحيد الذي يحمله تجديد حكم الأسرة، أي وضع الدولة، كما لم تكن في أي وقت سابق، في خدمة النشاطات المافيوية، وتعميم طرق عملها ووسائلها في القتل والعنف والاحتيال، وتحويل الشعب إلى أدوات وخدم يتسولون لقمة عيشهم على أبواب مليشياته، وفي حاويات فضلات جيوش احتلاله، ولا خيار لهم سوى الركوع أمامه والتضرّع له. وهذا لا يعني في الواقع سوى شيء واحد، هو استمرار الحرب لكن بوسائل أخرى، فلن تستطيع المافيا التوقف عن العنف، ولن يتوقف الشعب عن المقاومة، مهما كلفته من خسائر وتضحيات.
في المقابل، لا يبدو أن هناك عند أحد مما يسمى المجتمع الدولي، أو ينتمي إليه، أي اعتبار لمصير الملايين من الناس المشرّدين والأطفال المحرومين من التعليم، بل من الكساء والدواء والطعام. وحتى شهرزاد الدول التي سمّت نفسها "تجمع أصدقاء الشعب السوري" سكتت عن الكلام المباح. لا يوجد، منذ عشر سنوات، إلا الألاعيب السياسية الصغيرة والغش والاحتيال الدبلوماسي واللفظي والاستهزاء بعقول الناس ومشاعرهم، وتركهم لمصيرهم. يتهرّب الجميع من مسؤولياته، ويخفي هربه وراء دعم بعض المنظمات الإنسانية، في انتظار معجزةٍ لم تأت ولن تأتي
ولا يختلف عن ذلك موقف مؤسسات المعارضة التي تحاول التغطية على عجزها ومراوحتها في المكان ببعض الاستعراضات المضحكة. بالمقابل، لا تكفّ معنويات الناس عن التدهور والانهيار بوتيرة تدهور شروط حياتهم اللاإنسانية وانهيارها، حتى بلغ اليأس مداه، بينما لا تزال مافيا النظام وحماتها من الروس والإيرانيين يراهنون على خداع المجتمع الدولي، ويسعون إلى كسب الوقت لإعادة تأهيل النظام.
2
وهم الرهانات الخارجية
ما الذي أودى بنا إلى هذه الهاوية، وأفقدنا أي مقدرة على التأثير على مصيرنا، وحرمنا من أي اختيار؟ لا يوجد عامل واحد وراء الأحداث الكبيرة، وإنما تضافر عوامل متعدّدة. وفي حالتنا المأساوية، لا يمكن الشك في أن الصراعات الإقليمية والدولية المستمرة، والموقع الجيوسياسي والاستراتيجي الذي تمثله سورية، كانا حاسميْن في تحويل الصراع من صراع سياسي داخلي إلى صراع إقليمي ودولي، لم يعد للسوريين مكان مؤثر فيه. لكن افتقارنا، في الثورة والمعارضة، إلى استراتيجية واقعية وناجعة، للرد على هذا العداون المتعدّد الأطراف، الداخلي والخارجي، لعب دورا لا يمكن إنكاره في ما وصلنا إليه. وأعتقد أن ما حدّ من قدرتنا على بلورة مثل هذه الاستراتيجية الناجعة تعلقنا بأوهام ثلاث، لا نزال لم نتحرّر منها.
الوهم الأول وجود التضامن الدولي مبدأ فاعلا في السياسة. اعتقدنا، مثل شعوب ضعيفة كثيرة في حالتنا، أن العلاقات الدولية مبنية على مواثيق وقوانين وأعراف دولية، لا يستطيع أي طاغية أن يتجاوزها، أو أن لا يحسب حسابها، أو على الأقل أن يمرّ بمشروع حربه الإبادية من دون أن يستثير رد فعل من الموقعين على تلك المواثيق والقوانين، وأن يدفع ثمن خرقها. لكن أثبتت الوقائع، للأسف، أنه لا يزال من المبكر رهان الشعوب الضعيفة على مثل هذا المبدأ الأخلاقي في الحياة الدولية، فقد مرّ الأسد بمشروعه، واستمر في حربه الإبادية من دون أن يستفز أحدا أو ينال عقابا من أحد.
الوهم الثاني انحياز الغرب الديمقراطي، بل دعمه الحتمي أي مشروع ثورة أو تغيير ديمقراطيين في العالم. وهو الوهم الناجم عن الاعتقاد بوجود تناقض استراتيجي وحتمي بين معسكري الديمقراطية والديكتاتورية، وأن الغرب الديمقراطي لا يمكن، من منطلق حماية مصالحه ذاتها، أن يتخلى عن دعم حركاتٍ ديمقراطيةٍ تقرّب منه بلدانا وشعوبا ترزح تحت سلطة الاستبداد. وقد شهدنا في سورية تعاونا استثنائيا بين الدول الديمقراطية الغربية والنظم شبه الشمولية في موسكو وطهران، لم نعهده أو لم ندرك إمكانية تحققه من قبل. وكم كان صعبا إقناع النشطاء في السنة الأولى للثورة بأن الغرب الديمقراطي لم يكن جاهزا لنجدة الثوار السوريين، حتى لو طالبوا بذلك، وأعلنوا يوما للتظاهر باسم "جمعة التدخل الدولي".
لكننا ندرك اليوم أن دمقرطة العالم ليست على أجندة أيٍّ من الدول الديمقراطية، وأن ما يهم هذه الدول، وما يهيمن على جدول أعمالها، بالدرجة الأولى والثانية والعاشرة، هو "الأمن" والأمن وحده، قبل أي مبدأ أو غاية أخرى. وهي تعتقد، لسوء حظها وحظنا، أن أمنها الذي يتخذ طابعا هوسيا اليوم يتحقق بشكل أفضل أو أوثق من خلال دعم النظم الديكتاتورية، خصوصا في تلك البلدان التي تعرف مسبقا أن أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسة عميقة ومعقدة، لا يستقيم حلها من دون تعديلاتٍ في السياسات العالمية، وتقديم تنازلاتٍ مكلفة من الدول المتقدّمة للدول النامية والفقيرة في المسائل الاقتصادية والاستراتيجية. الوهم أن الدول التي تبني قوتها على استغلال البلدان الفقيرة واستخدامها لتحقيق مآربها الاستراتيجية يمكن أن تكون عونا في دعم التحولات الديمقراطية خارج نطاق ناديها هو من مخلفات أوهام الحرب الباردة.
والوهم الثالث حتمية انتصار الحق، والاعتقاد بأن الحق سلطان، وأن عدالة ثورتنا السلمية لا يمكن أن تخفى على أحد، وأن الظلم الفادح الذي يتعرّض له شعبنا، الواضح كوضوح الشمس، لا يمكن ألا يستفز ضمير العالم ويحثّه على الانتصار لقضيتنا والتفاعل معنا. وقد تبيّن لنا أن الحق لا ينفصل في السياسة والعلاقات الدولية عن المصلحة، وأنه من الممكن لتوافق مصالح أخرى أن يغيبه تماما، أو حتى يحول دون الاعتراف به وإنكاره إذا اقتضى الأمر، حتى من دون أن تكون هذه المصالح المتوافقة شرّيرة بالضرورة أو قائمة على نية الشر. وهذا يعني أن الحق في عالمٍ قائمٍ على التنازع والصراع لا يضمن بالوراثة، ولا يثبت بالقانون وحده، وإنما ينتزع ويفرض بالقوة. وأن القانون من دون قوة تطبيقه لا قيمة له ولا أثر. وفي حالتنا السورية، لم نكن ضحية تحالف مصالح مناقضة لتثبيت حقنا في التغيير والسيادة والتنمية والحرية فحسب، وإنما أكثر من ذلك ضحية تقاطع مصالح دولية يصعب التوفيق بينها. فكما أن لدى دول كثيرة، إقليمية وغير إقليمية، مصالح مشتركة في أن تبقى سورية مسرح حرب تخوض عليه معاركها وتحل عقدها، ليس لديها أي مصلحة مشتركة في أن تعود سورية مستقلةً وحرّة وموحدة.
ليس من مصلحة طهران وقف النزيف السوري، وإنما بالعكس، الدفع نحو مزيد من التفكّك والتمزّق والتعفّن، لتحقيق حلمها في تغيير مذهبي وديمغرافي واستراتيجي إقليمي، تعتقد أنه من مصالحها الاستراتيجية وحقها، وقد تقدّمت خطوات واسعة على طريق إنجازه. وفي المقابل، من مصلحة روسيا تأهيل النظام، وعدم المغامرة بما حققته من مكتسبات استراتيجية كبرى في ظله ومعه، وأي حل للقضية السورية يهدّد هذه المكتسبات أو يعيد النقاش فيها. ولا يمكن لإسرائيل أن تحلم بوضع أفضل على حدودها الشمالية من الوضع الذي أخرج سورية من أي حساباتٍ استراتيجية عقودا طويلة مقبلة، وربما أدى إلى زوالها كدولة موحّدة. ومن الأفضل لأنقرة، بل لا خيار لها، خوض الحرب الكردية التركية المستمرة منذ أكثر من خمسة عقود على الأرض السورية من خوضها على الأراضي التركية. أما دول الخليج، فيشكل الانهيار السوري فرصة لا تفوّت للتحلل من التزاماتها العربية القومية السابقة، وتجاوز حاجز القضية الفلسطينية للتفاهم مع إسرائيل، والتعويض عن انسحاب الإدارة الأميركية الاستراتيجي من المنطقة، بتحالف استراتيجي إقليمي قوي ليس في مواجهة طهران فحسب، ولكن في مواجهة ثورات الشعوب الجديدة القادمة. أما أميركا فقد وجدت في الجزيرة السورية أرضا داشرة، تبني عليها قواعد عسكرية ومشاريع خاصة، من دون أي التزامات قانونية تجاه أي دولةٍ أو سلطة سيادية. ولا يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن الجديدة ستغير موقفها جذريا، وتحمل على عاتقها عبء العمل على إزالة الانتداب/الاحتلال المتعدّد الأطراف على سورية.
3
في سبيل وقف التفكّك والانهيار
كنت دائما أعتقد، ولا أزال، أن القضية السورية لا حل لها إلا بأحد أمرين: تفاهم دولي أو تفاهم وطني داخلي. التفاهم الدولي، كما شهدنا، كان أحد رهاناتنا الوهمية الخادعة، وهو غير متوفر وغير محتمل حتى الآن. ولو استسلمنا له سوف ننتظر على الأغلب طويلا. وحتى لو تبدّلت الأوضاع وصدف وحصل التفاهم بين بعض الدول المعنية، فلن تكون التسوية فيما بينها إلا على ما يوافق مصالحها، ولن يهتمّ أحدٌ منها بتلبية مطالب الشعب، ولن يكون من مصلحة أحد مساعدتنا على استرجاع سيادتنا ورد حقوقنا المسلوبة. أما القرارات الدولية فبإمكانها الانتظار سنوات طويلة، كما حصل لأشقائنا الفلسطينيين من قبل.
أما العودة إلى الحرب والحلول العسكرية، فقد استنفدت أغراضها وتجاوزها الزمن. ولم يبق لنا من وسائل التغيير، اليوم، سوى العمل السياسي والاستثمار في إعادة بناء الوطنية، ولا أعني بها هنا إلهاب الحماس العاطفي أو التعصب القومي، إنما السياسة التي تهدف إلى إعادة توحيد الشعب الذي قسّمته الحرب وحكم العصابة المافيوية والاحتلالان، الداخلي والخارجي. وهذا لا يأتي من تلقاء نفسه مهما أطلنا الانتظار، ولا يمكن المراهنة في تحقيقه على المبادرات الخارجية، حتى الإيجابية منها. إنه يحتاج إلى عمل بطيء ومثابر وطويل وشاقّ لرأب الصدع. ويستدعي الابتكار في كسر جدران الكراهية والحقد والانتقام التي ولدتها الحرب، كما يتطلب الإبداع في فتح النوافذ والمعابر الصغيرة لإعادة التواصل واستعادة روح الحوار والاهتمام والاحترام المتبادل المفقود.
لا ينفي هذا المسار ولا يستدعي التخلي عن القرارات الدولية التي أقرت للسوريين الحق في الانتقال السياسي الديمقراطي، ولكنه يردّ على فشل المجتمع الدولي في تطبيقها، بعد ما يقارب السنوات العشر من إقرارها. وهو ينطلق من اعتبار ما أظهره النظام من فشل في تحمّل أي ذرةٍ من المسؤولية تجاه محنة الشعب التي تسبب فيها، واستمرائه في معاقبته وتعظيم معاناته وعذاباته، ومن التطلع إلى توحيد إرادة السوريين في التحرّر من براثن حكمه المافيوي، ومن الأمل في عودة الوعي إلى عديدٍ من فئات الشعب التي خدعها الأسد، بعد انكشاف ما آلت إليه حياة جميع السوريين، بسبب سياساته اللاوطنية، بل الانتحارية. هذا هو الطريق لتجاوز العطالة والعجز والدوران في الحلقة المفرغة المستمر منذ سنوات. ولا ينبغي، وليس من مصلحة السوريين الاستسلام لأمل تفاهم دولي سريع محتمل لتحقيق مصالحةٍ لا يمكن لأحد إنجازها غير السوريين، ولا يمكن إنجازها إلا بإنصاف الضحايا وإنزال العقاب العادل بمرتكبي جرائم الحرب من كل المناطق والانتماءات.
- لا أظن أن أحدا يملك رؤية واضحة للطريقة التي يمكن أن نتغلب فيها على حاجز الشك والخوف والكراهية، ونتجاوز خنادق العداء وانعدام الثقة، والتجرّؤ على المكاشفة ومصارحة الذات. ولا توجد أي إجابة جاهزة أو سهلة على مثل هذه الأسئلة الصعبة. ولكن بسبب ذلك أيضا أردت أن يكون هذا المقال مبادرة لدفعنا جميعا، على مختلف مشاربنا وطوائفنا واتجاهاتنا السياسية والفكرية، إلى التفكير والتأمل في مصيرنا الجماعي والوطني، والبحث معا عن خياراتٍ أخرى غير خيار التوكل والانتظار.
هل نستطيع، والمقصود هنا السوريون، أن نخرج من خندقي المعارضة والموالاة، ونفكّر معا كشعب في شروط الخروج من الحرب وإقامة السلام، ووضع أسس نظامٍ جديدٍ لا يقوم على الخوف والترويع المتبادل، ولا يستند إلى قوة القهر والإقصاء والعنف، ولكنه يراهن على تنمية روح المواطنة الحرّة والمسؤولية الجماعية والقيم الإنسانية، ويحل مشاعر الألفة والأخوة والعدالة محل مشاعر التعصب والعصبية القبلية، والألفة والثقة الوطنية محل الانحيازات الطائفية والانقسامات القومية؟
هذا هو التحدّي الكبير الذي نواجهه اليوم كسوريين، وليس كمعارضة فحسب. ولا يوجد تحد آخر سابق عليه. والتوافق على هذا المبدأ ــ الحوار هو خطوة أولى لإطلاق التفكير بأي حل. فكي نعيد بناء سورية دولة واحدة، ينبغي أن يكون هناك شعب واحد، وأن تكون لدينا القدرة والاستعداد معا للعمل من أجل تحقيق هذه الغاية الضرورية والنبيلة معا. ولا أشك في أن سورية تمتلك ما يكفي من العقول الحكيمة والنيرة وأصحاب الإرادة الطيبة الذين يدركون أن السير في هذا الطريق، الذي يعني للكثيرين منا تجرّع السم، ليس خيارا، ولكنه الشرط الأول لتقصير زمن المحنة والمعاناة عن أبنائنا، وتقريب زمن التعافي وتجنيب سورية، بلدا وشعبا، مخاطر التفكّك والانحلال. وأنا على ثقةٍ من أن لدى الروح التي تسكن هذه البقاع، العريقة في حضارتها وإبداعها، القدرة الدائمة على أن تولد من رمادها، كطائر الفينيق الذي نسجته من خيالها منذ آلاف السنين، والذي يبقى الأعمق والأجمل بين رموز خرافاتها الغنية والملهمة .
-------------------------------------------------------------------------------

8. – خاطرة -

- رغيف خبز بالدم -
- بهاء الشايب -
كم حطموك وقيدوك وأعطوك رغيف من الخبز، وأخذوا منك نصفه، وثم شاركوك على نصفك، واخذوا نصفك منك، واعطوك ربعه، وقاسموك على ربعك، وطلبوا منك ان تشكرهم وإلا وألا بأن يشكروك هم.
كم قيدوك يا أخي وأخذوا منك كل شيء، ومع هذا كله طلبوا أن تشكرهم وإلا وإلا.
مت يا اخي مت شامخ الرأس ولا تنحن مهما هددوك وقاسموك حتى على نفسك وأشيائك الخاصة.
مت يا اخي مرفوع الرأس ولا تنحني يا أخي مهما قيدوك وحاصروك.
مت من أجل وطننا، فوطننا لنا، وهم ليس لهم أي وطن ، لن يكسروك يا أخي لانهم ليسوا باقين ونحن الباقون يا أخي.

----------------------------------------------------------------------------------------------










زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي
http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي
موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت:
www.scppb.org

موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن):
www.ahewar.org/m.asp?i=9135



#الحزب_الشيوعي_السوري_-_المكتب_السياسي (هاشتاغ)       The_Syrian_Communist_Party-polit_Bureau#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا للتطبيع لا للأنظمة التابعة
- المسار- العدد 46
- المسار- العدد 45
- المسار- العدد 44
- المسار- العدد 43
- المسار- العدد 42
- المسار- العدد 41
- المسار- العدد 40
- المسار- العدد 39
- 38المسار- العدد
- المسار- العدد 37
- بيان حول مايسمى بصفقة القرن
- المسار- العدد 36
- المسار- العدد 35
- البرنامج السياسي للحزب
- المسار- العدد 34
- المسار- العدد 33
- بيان حول العدوان التركي
- المسار- العدد 32
- المسار- العدد 31


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي - المسار- العدد 47