أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي - المسار- العدد 36















المزيد.....



المسار- العدد 36


الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)


الحوار المتمدن-العدد: 6475 - 2020 / 1 / 28 - 00:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



العدد /36/ كانون ثاني / يناير 2020

1. الافتتاحية :
نص من البرنامج السياسي للحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) لعام2019:
الوضع السوري

كان انفجار الأزمة السورية بدءاً من درعا 18اْذار 2011 تعبيراً عن انفجار البنية السياسية-الاقتصادية-الاجتماعية-الثقافية لسوريا ما بعد 8 آذار 1963: ساهمت "رياح الربيع العربي" في إشعال عود الثقاب الذي حصل في حوران في يوم الجمعة ذاك وقد كان هناك حطب سوري جاف كثير جاهزاً للاشتعال. لم يكن هناك من مؤامرة خارجية بل بنية داخلية انفجرت ذاتياً وعملياً كان مستغلوا الأزمة السورية كلهم من المتقاربين مع النظام السوري في فترة 2004-2010: تركيا 2004، قطر 2006، فرنسا 2007، السعودية 2009، الولايات المتحدة 2009.
من الضروري هنا البحث عن البذور الأولى لهذه الأزمة هل كانت في 17نيسان 1946 أم في 22شباط 1958[الوحدة السورية المصرية] أم في 8 آذار 1963 عندما بدأت سيطرة حزب البعث على السلطة في سوريا أم في 16تشرين ثاني1970؟
نحن نقول بمصطلح الأزمة السورية من خلال واقع سوري حصل منذ يوم18آذار2011 أنتج استعصاءاً توازنياً لم تستطيع فيه السلطة التغلب على المعارضة، ولا المعارضة التغلب على السلطة، ولم يستطيعا إنتاج تسوية ثنائية بينهما، وهذا ما ولد أزمة سورية عامة هي الأكبر منذ يوم الجلاء الفرنسي عام 1946، وقد استغل الخارج الإقليمي هذه الأزمة السورية، ثم الخارج الدولي منذ عام 2012 ، لكي تتحول الأزمة السورية الى أزمة دولية-إقليمية-محلية.
نحن لا نقول إنه كانت هناك ثورة بل كان هناك حراكاً اجتماعياً معارضاً واسعاً، ولكنه لم يمثل أغلبية مجتمعية، وإذا أردنا الدقة فقد كان هناك ثلاث أثلاث متساوية في الموالاة والمعارضة والتردد وهذا وضع مستمر حتى بعد مايقارب تسع سنوات من الأزمة السورية، وبالتأكيد هذا التوازن الذي أنتج ذلك الاستعصاء هو الذي منع أن يحصل في دمشق عام 2011 ما حصل في القاهرة مع حسني مبارك في يوم 11 فبراير من ذلك العام، ثم منع التوازن الإقليمي والدولي ذلك فيما بعد.
من هذا المنطلق ما كان ممكناً سقوط النظام السوري لا عبر آليات داخلية ولا إقليمية ولا دولية.
ومن هذا المنطلق يأتي منطق التسوية الذي ننادي به والذي يجب أن يكون بحكم طبيعة الأزمة السورية المركبة في طوابق ثلاث: دولية وإقليمية ومحلية، لكي تكون التسوية ذات طابع دولي - إقليمي - محلي، وإلا لن يكتب لها الاستمرار، والمؤشرات كلها تدل على أن بيان جنيف 1 لعام 2012 والقرار الدولي 2254 لعام 2015 سيكونان عماد هذه التسوية.
من الواضح عبر مسار الأزمة السورية ومآلاتها أنه قد أصبح هناك هيمنة للخارج الدولي والإقليمي على الداخل السوري وتحكماً بمسارات الأزمة ومفاتيح الحل، وأن هناك هيمنة للخارج على الداخل السوري، وأن هذا سيحدد الكثير من مسارات الأزمة السورية مستقبلاً ومسار التسوية السورية والوضع السوري ما بعد التسوية. هذا يعني أن التوازنات المحلية ليست هي المقررة في التسوية السورية وهناك مؤشرات من أكثر من ثماني سنوات من الأزمة على أن العامل الدولي، أي واشنطن وموسكو، هو الأقوى في تقرير مسارات الأزمة السورية من العامل الإقليمي الذي كانت أنقرة والرياض وطهران وإلى حد" ما" الدوحة هي عناصر الفعل فيه.
ثبت في هذا الصدد أن عناصر التوافق الأمريكي الروسي لم تكن متوافرة في جنيف 4 وأيضا لم تكن متوفرة في جنيف 3 وأيضا في جنيف2. في جنيف3 كان الإقليمي قادراً على العرقلة ولكنه لا يملك من دون الدولي القدرة على تنجيح المفاوضات ولكنه يستطيع عرقلتها. لهذا كان جنيف4 مثل جنيف3 من حيث مآلات الفشل، وخاصة من خلال تداخل الموضوع الأوكراني مع الموضوع السوري في الصفقة الأمريكية الروسية التي يبدو أن عناصرها لم تكتمل بعد. على الأرجح أن الأزمة السورية ستطول ولن يكون هناك حل قريب في المدى المنظور.
أظهرت الأزمة السورية ظواهر عديدة :بنية سورية متماسكة اجتماعياً أكثر من دول جوار مرت بانفجارات عديدة سابقة: لبنان1975-1990،عراق2003-2016،تركية1984-2016،حيث وقعت هذه الدول في تفتت اجتماعي طائفي(لبنان)وطائفي – اثني(العراق بين السنة والشيعة وبين العرب والأكراد)واثني(تركية بين الترك والأكراد منذ تمرد حزب العمال الكردستاني المسلح بيوم15آب1984)،فيما سوريا لم تظهر انقساماً اجتماعياً على أكثر من تخوم :موالاة –معارضة –تردد، وكانت هذه التخوم الثلاثة عابرة للطوائف والأديان وإن كان غالبية كاسحة من الطوائف الإسلامية غير السنية مع السلطة وكذلك عند المسيحيين، فيما يلاحظ أن هناك انقساماً واضحاً منذ بداية الأزمة وعلى أسس اقتصادية-اجتماعية-ثقافية-سياسية، بين السنة العرب السوريين يجعلهم يصطفون في مواقع مختلفة في (الموالاة)و(المعارضة)و(التردد).
كان الأكراد السوريين في موقع وسطي بين الموالاة والمعارضة بكل أحزابهم وفي الجسم الاجتماعي، وكانوا أقرب إلى استغلال ضعف السلطة في الشمال الشرقي وفي الشمال من أجل تنفيذ مشاريع خاصة جغرافية – سياسية أخذت شكل (الإدارة الذاتية) عام2014و(الفيدرالية)عام2016.كان انقسام السنة العرب السوريين على أسس اقتصادية- اجتماعية- ثقافية-سياسية وانقسامهم في التخوم الثلاثة وبينها: موالاة-معارضة-تردد،وعدم تصرفهم كطائفة وهو ما تكرر أيضاً في أحداث1979-1982،هو الذي منع انجرار سوريا إلى الحرب الأهلية وإلى اقتصار الصراع السوري في حدود سلطة-معارضة، وإلى عدم انتصار المعارضة، وإلى عدم سقوط السلطة، حيث بالتأكيد كان (تجار دمشق وحلب)أقوى وأهم للسلطة كسند ومعين من (الفرقة الرابعة)في أزمة وصراع2011-2019.
السلطة السورية تستند إلى تحالف ثلاثي نشأ منذ يوم 16تشرين ثاني1970 وحتى الآن بين المؤسسة العسكرية والفئات البورجوازية ومؤسسة الاسلام الرسمي.الرأسمالية السورية تعزز نموها وأخذت شكلها الحالي عبر أربعة مراحل بدأت كل منها في 1974و1991و2004و2011.مازال هذا التحالف قائماً وهو يشكل قاعدة اقتصادية- اجتماعية- ثقافية للنظام الحالي ساهمت في حمايته من السقوط في أزمتي1979-1982و2011-2019. (السلطة) صنعت (الثروة)وكانت هي الرحم الذي ولدت منه الأخيرة.هناك اتجاه من (رأسمالية الدولة) نحو(اقتصاد السوق)بدأ عام1991ولكن تحت رعاية سلطة غير ديمقراطية ومستبدة.
هناك ظاهرة بانت في2011-2019وهي ضعف المعارضة السورية ليس فقط في التنظيم وإنما في عدم قدرتها على القبض على الوقائع السياسية وتحويلها إلى رؤية وبرنامج سياسيين، لتظهر المعارضة بحالة أقرب إلى حالة (الفوات السياسي) تجاه الوقائع وهو ما يلمس كثيراً في مسار(المجلس الوطني)2011و(الائتلاف الوطني)2012،وهما خلال ثمان سنوات لم تصب كراتهما أبداً ليس فقط شباك المرمى بل حتى لم تلامس أخشاب المرمى الثلاث، إذا لم نقل بأنها كانت تصيب المدرجات أو تتجه إلى خارج نطاق الملعب. كانت (هيئة التنسيق الوطنية) استثناءً ضمن ذلك. كانت المعارضة السورية مثالاً على عدم قدرة معارضة منظمة في أحزاب، ولو خارجة بحالة جرح عميق بسبب القمع والسجون، على القبض على قيادة حراك عفوي جماهيري قوي وتقديم برنامج له، وهو ما يخالف حالة مماثلة رأيناها في ثورة شباط1917الروسية التي قادت إلى إسقاط حكم القيصر. أظهر الأفراد السوريون خلال الأزمة مدى استقطاباتهم في مواقع موالاة - معارضة - تردد وعدم وجود جسور بين هذه المواقع الثلاث وكان الحوار بينهم أقرب إلى حوار الطرشان ولكل واحد منهم له "أبطاله" و "شياطينه" وقناته التلفزيونية أو قنواته التي لا يشاهد غيرها ويمارس عبرها نزعة تصديقية امتثالية لكل ما يقدم له. لم يكن عند السوريين في أزمة2011-2019مرونة الشامي وقدرته على تدوير الزوايا والتقريب بين الآراء المتضادة، وهي أمور كانت معتادة عند السوريين بشكل عام اجتماعياً بالقياس للعراقيين وتعود للتجارة في جذورها، وكانت تلمس أيضاً في الحياة السياسية السورية ب فترة1946-1958 فيما كشفت أزمة 2011-2019غيابها عند السوريين ضمن المجتمع وعند السياسيين. أظهرت سوريا مابعد18آذار2011مدى قوة (نزعة الاستعانة بالخارج من أجل حسم صراع داخلي) ليس فقط عند الكثير من المعارضين وقاعدتهم الاجتماعية منذ خريف2011، وهو ما يعود إلى الفشل في تكرار ما حصل ضد حسني مبارك عندما تم إسقاطه بقوة الشارع المصري الداخلية وحياد الجيش، وإنما وجدت أيضاً هذه النزعة عند الموالين الذين لم يتملكهم الوسواس من الاستعانة بإيران وحزب الله والمليشيات الشيعية العراقية- الأفغانية ثم القوات الروسية من أجل مجابهة المعارضة السورية المسلحة. يظهر ذلك مدى تهزهز الرابطة الوطنية الداخلية السورية حتى يتم الاستعانة بالخارج عند طرفي صراع داخلي من أجل حسم هذا الصراع لصالح أحدهما، كما يظهر ضعف منطق التسوية عندهما، وهو ما ظهر فعلاً خلال السنوات السابقة عندما أتت قوة دفع التسوية السورية من قبل الخارج الدولي منذ بيان جنيف في30حزيران2012،وإن كان هنا من الضروري تسجيل أن أول من طرح التسوية كان مؤتمر حلبون الذي عقدته(هيئة التنسيق الوطنية)يوم17أيلول2011في حالة عانت بسببها الهيئة الكثير من الهجمات السياسية والاستنكارات والاتهامات من معارضين كثيرين كانوا يريدون إسقاط النظام بوسيلتي(العنف المعارض)و(الاستعانة بالخارج)، وكانا مثل التوأم المولودان بوقت واحد في خريف2011.أظهر الكثير من السوريين، في الموالاة والمعارضة، ميولاً قوية نحو العنف والمجازر من خلال يدهم ولسانهم وقلبهم ،ولتبرير ذلك من خلال أدلجة سياسية عقائدية ولم يكن هذا مقتصراً على الإسلاميين بل شمل علمانيين في المعارضة وفي الموالاة، وقد كان هذا النزوع الجديد عند السوريين مفاجئاً حيث كانت الصورة النمطية عن السوري مختلفة عن صورتي العراقي والجزائري. أظهرت سوريا2011-2017أنها أرضاً رخوة ،مثل اليمن والصومال والجزائر، يمكن لتنظيمات مثل (النصرة-الفرع الشامي لتنظيم القاعدة) و (داعش) من خلالها أن تلاقي بيئة خصبة للنمو والتمدد والانتشار، ولم يكن هذا بسبب (النص الديني)،حيث كانت (الموحسن)في محافظة دير الزور و(سلقين)في محافظة إدلب تسميان في السبعينيات ب(موسكو الصغرى)بسبب انتشار الشيوعيين القوي فيهما، فيما لاقت (النصرة) و(داعش)انتشاراً قوياً فيهما، وهو ما يجب استخدام التحليل الماركسي حيث تعزى وتربط الاتجاهات الأيديولوجية السياسية وتحولاتها وتبدلاتها بعوامل اقتصادية-اجتماعية وليس ب(الثقافة)، وهو ما يمكن تطبيقه على حزب البعث حيث كان أغلب نوابه في عام1954قد أتوا للمجلس النيابي من خلال أصوات محافظتي حماة وحلب التي كانت تضم الأخيرة بضمنها محافظة إدلب بالخمسينيات، فيما كانت هذه المحافظات الثلاث في أحداث1979-1982القاعدة الاجتماعية الأساسية لـ(الإخوان المسلمون)في معارضتهم المسلحة ضد سلطة حزب البعث.




2. بين فصول اللعبة الأميركية
10يناير2020
المصدر: thelevantnews.com

مصطفى سعد
الاقتصاد أولاً، لا يقاتل جندي أميركي خارج أراضيه.
نقطتا ارتكاز بنى عليهما الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما سياساته خلال فترة حكمه، بعد أن قرر الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، والاتجاه شرقاً نحو الشرق الأقصى، فجاء الاتفاق مع ايران المسمى (اتفاق 5+1) من خلال بروتوكول لوزان في 2 نيسان 2015 الذي كان بمثابة التمهيد للاتفاق الذي عقد في فيينا بيوم14تموز2015،الذي وصفه أوباما بالاتفاق التاريخي.
ليأتي بعد الرئيس الديمقراطي رئيساً جمهورياً هو دونالد ترامب، في مرحلة تشهد تصاعداً حاداً لليمين في المشهدين الأوروبي والأميركي.
الاتفاق الذي تم وصفه بالتاريخي من قبل الديمقراطيين، رأى به ترامب ضعف أميركي واضح، فرجع عنه وأراد تحجيم نفوذ إيران في المنطقة والتضييق عليها.
الإدارة الأميركية طالما تحدثت عن تغيير سلوك النظام الإيراني، واكتفت بتغيير السلوك لكن يبدو أن للرئيس الحالي رؤية مختلفة تهدف إلى إسقاط النظام، فأعلن قانون الطوارئ ضد إيران (القانون الصادر من الرئيس كارتر عام 1981 على إثر احتجاز 52 دبلوماسي أميركي من السفارة الأميركية في طهران). تلك الواقعة التي لم ينسها ترامب، واستعادها بوضوح، بعد قتله لقائد فيلق القدس قاسم سليماني، فقام بفرض عقوبات على البنك الوطني الإيراني، وحاول منع بيع النفط الإيراني لزيادة الغضب في الشارع الذي عبّر عن رفضه لواقعه وللسلطة القائمة التي تحكم بلاده في مظاهرات واحتجاجات عارمة دائماً ما كانت تقمع بالحديد والنار.
رغم أن النظام القائم حالياً في إيران يختلف اختلافاً كلياً عن الحكومة الديمقراطية التي كان يرأسها الراحل محمد مصدق، والذي عمل على تأميم النفط الإيراني بين عامي 1951 و1953، مما جعل بريطانيا حينها تتخذ بحق إيران عقوبات اقتصادية خلقت هوة وفجوة عميقة بين الشارع والحكومة، فساهمت الولايات المتحدة بدعم عملية انقلابية على تلك الحكومة، هذا ما لا يمكن أن تنساه طهران، وقد يكون الرئيس الجمهوري السابق (إيزنهاور) مثالاً يعمل ترامب على الاقتداء به للتعامل مع طهران اليوم.
ولكن عندما نتحدث عن قتل قاسم سليماني لابد أن نسأل أنفسنا لماذا الآن؟
كان للتدخل العسكري الأمريكي المباشر في سوريا ثلاثة أهداف وهي محاربة الإرهاب والقضاء على داعش والوصول لتسوية سياسية في سوريا وإخراج إيران وقواتها من سوريا.
لكن تخلي أمريكا عن الإخوان المسلمين منذ عام 2013 جعل الرئيس التركي رجب أردوغان يبحث عن نقاط تجمعه بنظيره الروسي الذي يتوافق مع إيران بالشأن السوري، فعملوا على محادثات الأستانا، والتي نتج عنها ما يسمى الدول الضامنة والتي تشكل كل من روسيا وتركيا وإيران.
خروج مظاهرات في لبنان تضم الشارع اللبناني بعيداً عن انتماءاته الدينية والمذهبية والحزبية والموقف الصارم لحزب الله (الذراع الإيرانية في الداخل اللبناني)، وليأتي بعدها ثورة الشعب العراقي بمختلف أطيافه حتى الذين كانت إيران تعتبرهم في صفها أو من الموالين لها، وكلهم رفضوا الوصاية الأجنبية إيرانية أو غير إيرانية، والحديث عن قمع الحشد الشعبي لتلك المظاهرات وحصار سفارة واشنطن في بغداد من قبل بعض عناصر الحزب وأحزاب موالية له وتعمل معه.
إجهاض الثورة العراقية وإيجاد شرخ في الشارع العراقي، هدف يهم أميركا وإيران بالإضافة لكون الانتخابات الرئاسية الأميركية ستجري هذا العام فأراد الرئيس الشعبوي ترامب ضرب أكثر من عصفور بصاروخ واحد على صعيد الداخل والخارج، وهو يريد أن يظهر للشارع الأميركي وللعالم أنه مازال وفياً للقيم التي خاضت لأجلها أميركا حروبها عبر عقود طويلة لتكون الأقوى دائماً على عكس ما كان سابقه.
وبعد اغتيال سليماني ومن معه غرد ترامب عبر تويتر أن إيران لا تكسب حرب، لكنها لا تخسر مفاوضات، في رسالة واضحة أنه لا يرغب في التصعيد العسكري، لكنه رد على تهديدات إيران بأنه مستعد تماماً للمواجهة إذا ما اختارت طهران ذلك.
قتل قاسم سليماني لا يعني إيقاف المشروع الإيراني أو إنهائه، فالأنظمة عموماً والثيوقراطية خصوصاً لا ترتكز على أفراد بعينهم، ولا تتوقف عليهم، ودائماً تأتي بالبديل المعدّ سلفاً فلماذا إيران فجر يوم الأربعاء تقوم بضرب قاعدتي إربيل وعين أسد، دون الإعلان عن وقوع قتلى في صفوف القوات الأمريكية حتى الآن، بينما لم تحرك ساكناً بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو أمر آثاره وتبعياته أهم وأخطر بكثير من موت قائد عسكري لا سيما أنها ترفع شعار المقاومة والتحرير؟
إيران أيضاً تريد إحراج ترامب في الداخل الأميركي، ونقلت المقامرة التي يلعبها رئيس الولايات المتحدة إلى عقر داره. فهي تدرك بأن ليس من مصلحة ترامب انتخابياً إرسال مزيد من الجنود إلى منطقة الشرق الأوسط، في مغامرة خطرة لن يكون الرابح فيها منتصراً بالفعل. وخاصةً بوجود مسار آخر في اللعبة السياسة الأمريكية أبرز ممثليه الآن مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، الذي يمثل امتداد لسياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما.
---------------------------------

3. بدائل السياسة
سمير سالم

عمقت الأزمة السورية من الشرخ السياسي والاجتماعي – الاقتصادي القائم في سوريا، والذي قام على أطياف متنوعة من أشكال السياسة، وطرق التعامل مع الواقع، حيث بقي بعض هذه القوى والشخصيات في خانة الرغبوية السياسية، أو في خانة ممارسة اللعبة السياسية بدلالة الآخر. فعلى الرغم من السنوات التسع للأزمة السورية التي استنفذت فيها البلاد القسم الأكبر من مواردها البشرية والمادية في صراع مسلح يبدو محض عبث لا طائل منه. صراع مسلح تم تقسيم الحدود الحمراء داخله بدقة، ولا يسمح لحملة السلاح الآخرين بتجاوزها. إلا أنه ما زال هناك قسماً كبيراً من أصوات السلطة السورية – إن لم تكن السلطة بأكملها- تنادي بخطاب يتمحور حول محاربة الإرهاب القادم من بقاع الأرض في "الحرب على سوريا"، وإن كانت هذه السلطة نفسها قد تخلت بشكل تدريجي عن محاربة الإرهاب بوصفه السبب الأساسي في ضرورة وجوده. وما زال هناك قسماً من المعارضة السورية لا يخرج من حلم إسقاط النظام عن بعد، وإن كان لا يدرك أي طريق قد يقوده إلى ذلك الحلم، ولا يهم إن كان ذلك الحلم سيتحقق على ظهر الدبابة الأجنبية، أو بقوة السلاح المموّل من الخارج بالضرورة. خلقت الأزمة السورية مفهوم للقادة الذين يقفون خلف الجماهير، يبحثون في المعاجم عما يشفي غليل هذه الحشود، ولا يهم إن كان ما يشفي غليل هذه الحشود قابل للتطبيق، أم مجرد كلام ينتمي إلى خانة الرغبات التي لا تملك ما يسمح لها بالتحول إلى حقائق.
السلاح في مقابل السياسة:
في الفترة التي امتدت من 1979 إلى 1982 شهدت سوريا تجربة مسلحة قام خلالها الجناح العسكري للإخوان المسلمين بارتكاب مجازر وأعمال انتقامية أدت إلى أحداث أليمة، وقام النظام بحجتها بضرب الحياة السياسية والأحزاب على امتداد سنوات طويلة حتى ربيع دمشق 2001 الذي لم يدم طويلاً، ويمكن اعتبار حياته القصيرة بمثابة دليل على عدم وجود رغبة أو إمكانية داخل النظام لإصلاح آلياته، وبعده إعلان دمشق 2005. إلا أن النبض السياسي لم يعد إلى الشارع السوري علناً وفعلياً حتى عام 2011، مع الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي. وما كان ضرباً للحياة السياسية في عقود مضت، تحول إلى ضرب الحياة السورية على جميع المستويات، ودخلنا المستنقع السوري الذي لم نستطع الخروج منه إلى الآن، وسط انقسام في صفوف المعارضة السورية على آليات حل الأزمة السورية، وحلم النظام بعودة عقارب الساعة إلى الخلف، حتى بعد 9 سنوات غيرت كل ملامح الهوية السورية، وانحدر الواقع السوري بحدة لم يتوقعها أكثر المتشائمين.
ومع ذلك إلى ساعة كتابة هذه السطور ما زال البعض ينظّر للسلاح كأداة وحيدة لإسقاط النظام، قد يكون السلاح امتداد للسياسة في بعض الحالات التاريخية. إلا أننا هنا في حالة اختبرنا فيها السلاح على مدار سنوات طويلة، على الرغم من رفض قوى سورية معارضة للسلاح منذ بداية الحراك السوريّ، على رأسها هيئة التنسيق الوطنية وأحزابها التي لها تاريخ طويل في مواجهة استبداد النظام السوريّ. ولا يعود رفض السلاح كوسيلة للتغيير السياسي، لأسباب أخلاقية فحسب، بل إيماناً من هذه القوى بأن السلاح غير قادر فعلياً على إسقاط النظام، وهو ليس ملكاً لحامله بل ملكاً بالدرجة الأولى لمنتجه والجهة التي تمدّ المسلحين به. بالإضافة إلى أن تسلح الحراك سيجره إلى ملعب لا يمكنه أن ينتصر داخله.
وعلى الرغم من أن ما أطلق عليه "الطريق العسكري لإسقاط النظام" قد أثبت عبر السنوات الطويلة فشله في زعزعة النظام فعلياً، وخصوصاً على صعيد المكانة الدولية، فهذه الدول لم تعمل جدياً على إسقاط النظام، على الرغم من خطابها الذي استمر لسنوات، والذي تحدث عن ضرورة إسقاط النظام السوري كسبيل وحيد إلى التغيير. وإن كانت بعض الدول والجهات قد ساهمت في إذكاء النار السورية بالتسليح والتمويل، إلا أن كل من هذه الدول، كانت تمارس لعبتها الخاصة على الأراضي السورية، وفق رؤى عديدة متباينة بين هذه الدول التي لديها طموحات مختلفة.
وكان خوف هيئة التنسيق الوطنية أن التسلح قد يقود إلى استبدال النظام الدكتاتوري الأمني، بنظامٍ آخر لا يحقق ما يرضي تطلعات الشعب السوري بالانتقال إلى نظام ديموقراطي عادل، لذلك كان حل هيئة التنسيق الوطنية منذ البداية حلاً تسووياً، مع تأكيدها على رفض العنف والعسكرة، والتدخل الخارجي العسكري، والطائفية. كما أن موقف الحزب الشيوعي (المكتب السياسي)، رأى حينها أنه لا يمكن إسقاط النظام بالسلاح لأن سوريا تختلف عن العراق، وليبيا، وتونس، ومصر، ليس لاختلاف كبير في الوقائع الموضوعية في سوريا عن غيرها فقط، بل لأن القوى الإقليمية والدولية لها حسابات مختلفة في سوريا، فلا بديل عن الحل التسووي. وما اعتبره بعض الأطراف حينها موقفاً طوباوياً في وجه النظام السوري، أثبت أنه كان نظرة واقعية إلى المستقبل.
بين اللجنة الدستورية واللا حل:
في 23 أيلول 2019، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن تشكيل لجنة دستورية سورية، تضمّ ممثلين عن النظام والمعارضة والمجتمع المدني لـ "مراجعة الدستور" على أساس القرارات الدولية ذات الصلة وخاصة القرار 2254، وذلك سعياً إلى إيجاد حل سياسي في سوريا، معرباً عن اعتقاده الراسخ أن "تشكيل لجنة دستورية يتولى السوريون أنفسهم تنظيمها وقيادتها، يمكن أن يشكّل بداية طريق سياسية نحو حل". إذاً يمكننا القول إن اللجنة الدستورية كانت خطوة طبيعية كبداية لطريق الحل السياسي في سوريا، حلّ يقوم على معطيات جديدة دولية وإقليمية، تستند بدورها على استعصاء الأزمة السورية وتكلفتها الباهظة. لاقت اللجنة الدستورية منذ انطلاقتها الكثير من العراقيل، من جهة النظام الذي اعتبر فجأة أن وفده، هو "وفد مدعوم من الحكومة"، ليعلن عملياً أنه لن يوافق بالضرورة على ما ينتج عن لقاءات هذه اللجنة. بالإضافة إلى ما سرب عن مطالب لا تتعلق بالدستور تم طرحها من قبل وفد النظام، وهي ما بدا بمثابة اتجاهاً واضحاً لتعطيل عمل هذه اللجنة، وإن كان أحداً لا يملك إجابة عن فائدة هذه الخطوة فعلياً بالنسبة إليه. ومن جهة بعض الأصوات المعارضة، فإنها انتقدت اللجنة الدستورية منذ الساعة الأولى لتشكيلها، واعتبرتها خطوة تضفي "الشرعية" على النظام، وأنها خيانة لأحلام الحراك، وما إلى ذلك من شعارات لا تمثل الواقع الأليم الذي يمرّ به السوريين كل يوم، وهو أكثر ألماً بكثير من الاكتفاء بمشاهدته والتعليق عليه. فالسوريون يبحثون عمّا يوقف أو يخفف من آلامهم.
مهما كانت نتائج عمل اللجنة الدستورية، فإنها تمثل انطلاقة لمسار الحل السياسي في سوريا، ومن الصعب اليوم إنكار أن الحل السياسي هو أفضل الاحتمالات المتبقية بلا منازع، فسيناريوهات الحل الأخرى – إن أمكننا تسميتها سيناريوهات حلّ-كحلول التقسيم، أو المجلس العسكري، فهي سيناريوهات نرى أنها ستتسبب بزيادة عمق الجرح السوري. وستجعل المستقبل السوري بمزيد من الأزمات والتي ستحتاج منه وقتاً أطول للتعافي.
ليس التغيير في سوريا مساراً اختيارياً، بل هو مساراً حتمياً، فكما قال الفيلسوف اليوناني هرقليطس: "لا يخطو الرجل في نفس النهر مرتين أبداً". فالحل السوريّ سيأتي لا محالة، مهما كانت العوائق التي تعترض طريقه. فعقارب الساعة السورية لن تعود إلى ما قبل 2011، ولن تبقى عالقة في السنوات التي عاشها السوريين بشقاء، بل الأعوام المقبلة ستعيد رسم الخارطة السورية بالمعنى السياسي والاقتصادي-الاجتماعي – ونأمل ألا تعيد رسمها بالمعنى الجغرافي -، لتخلق سوريا بمعايير جديدة ومعطيات جديدة، على جميع القوى السورية باختلاف إمكاناتها وفاعليتها، التأقلم معها وإخراج أفضل ممكناتها، والتكلفة التي دفعها الجسد السوري بكل أجزاؤه وعلى كل الأصعدة، مهما كانت باهظة فقد تم دفعها، إلا أن الحلّ السياسي وحده قادر على إيقاف التكلفة عند حد معيّن، وتأمين السبيل الأفضل لتحقيق ما يحقق مصلحة غالبية السوريين وأحلامهم في الحرية والعدالة.

4. الهدف الاستراتيجي لإسرائيل في سوريا

ياكوف لابين
ورقة بحثية اسرائيلية صادرة عن (مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية)-
9 آب/أغسطس 2019
Israel’s Strategic Goal in Syria""
by Yaakov Lappin
BESA Center Perspectives Paper No. 1,250,
August 9, 2019
"مركزبيغن- السادات للدراسات الاسترتيجية"
ترجمة هيئة التحرير
ظهرتْ تقارير إعلامية في بداية شهر تموز/يوليو، حول موجة واسعة من الضربات الإسرائيلية المزعومة على أهداف المحور الإيراني في جميع أنحاء سوريا. تُعد التقارير بمثابة تذكير بحرب الظل المُستمرّة التي تدور بين تل أبيب وطهران، وتسلِّط الضوء على الهدف الاستراتيجي طويل الأمد لإسرائيل. زُعم أن الضربات أصابت مواقع أسلحة إيرانية وحزب الله. وشملت تلك الضربات مرافق التطوير والتخزين والنقل، والتي يبدو أن بعضها مُدمَج في القواعد العسكرية للجيش السوري. وقيل إن الأهداف المحيطة بدمشق وحمص وغرب سوريا قد أُصيبت جميعها، الأمر الذي أدّى إلى سقوط عدد من الضحايا. كانت إسرائيل قبل فترة طويلة من بدء الولايات المتحدة لسياسة الضغط الاقتصادي الأقصى على إيران، تطبِّق سياستها الخاصة بالوقاية القصوى - ولكن المنخفضة - في سوريا، وهذه السياسة مستمرّة.
أعطت المؤسسة العسكرية الاسرائيلية، باستخدام معلومات استخباراتية متقدّمة مقرونة بقوّة نيران دقيقة، الأولوية لهدف تعطيل بناء آلة الحرب الإيرانية في سوريا. لقد تصرَّفت إسرائيل أيضاً في العديد من المناسبات لمنع إيران من استخدام سوريا كمنطقة عبور وإنتاج للأسلحة المتقدّمة، مثل الصواريخ الموجَّهة، لصالح حزب الله في لبنان.
يتضمَّن هذا الجهد تتبُّع الرحلات الجوية ومصانع الأسلحة والقوافل البرية المشبوهة ومجموعة من أنشطة إنتاج الأسلحة الإيرانية وتهريبها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وشملت حملة الحرب بين الحروب الإسرائيلية أيضاً وفقاً للتقارير، ضربات ضدّ الجهود الإيرانية لبناء ممرّ برّي يربط العراق بسوريا لغرض نقل الأسلحة والميليشيات التي تدعمها إيران.
تمثل تقارير الضربات الإسرائيلية المزعومة قمة جبل جليدي كبير للغاية. حيث يبدو أن إسرائيل مصمِّمة على عدم السماح لإيران ببناء قواعد هجومية بطائرات بدون طيار ومصانع صواريخ وشبكات إرهابية بالوكالة لتهديد مواطنيها، ويعمل سلاح الجو الإسرائيلي بسرعة عالية على مدار الساعة لمراقبة التهديدات الناشئة وتعطيلها.
تمَّ توضيح الهدف الاستراتيجي الشامل لإسرائيل لهذه الضربات من قبل مدير الموساد يوسي كوهين بعد ساعات من الهجوم المزعوم في 1 تموز/يوليو، عندما صرَّح في مؤتمر هرتسليا، "أعتقد أن إيران ستصل إلى استنتاج مفاده أن الأمر لا يستحق العناء".
يعكس هذا البيان الهدف الإسرائيلي الأوسع، والذي لا يقتصر فعلياً فقط على إيقاف تعزيز القوّة الإيرانية في سوريا. بدلاً من ذلك، فإن هدف إسرائيل هو جعل المرشد الأعلى خامنئي، والحرس الثوري الإسلامي (IRGC) وفيلق القدس التابعة له تصل إلى استنتاج مفاده أنهم لن يكونوا قادرين على تهريب قدراتهم الهجومية إلى سوريا دون أن تلاحظ إسرائيل ذلك وتتخذ إجراءً حيثما تشعر أنه ضروري.
تمَّ تنفيذ مئات الضربات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة لدفع إيران إلى تغيير مسارها وتقليص مشروعها في سوريا. ومن المأمول أن تكون النتيجة الصافية للضربات هي أن إيران مُجبَرة على إجراء تحليل للتكاليف والفوائد وأن تستنتج أن استثماراتها في سوريا سوف تتبدَّد.
كان ردّ إيران حتى الآن هو اللعب مع إسرائيل لعبة القط والفأر: إنها تهدر أنشطتها مؤقتاً قبل رفع مستوى الصوت وتحويل تركيز أنشطتها لتعزيز قواتها بعيداً عن جنوب سوريا، بالقرب من الحدود الإسرائيلية ودمشق، ونحو الصحراء العميقة الوسطى السورية. أكَّد كوهين هذا في كلمته قائلاً إن الموساد شهد قواعد بناء الإيرانيين وحزب الله في شمال سوريا. يتضمَّن هذا على الأرجح المحاولات الإيرانية لاستخدام قاعدة التيفور الجوية في وسط سوريا كبديل لمطار دمشق الدولي لتهريب الأسلحة المتقدِّمة وتخزينها قبل توزيعها إلى سوريا ولبنان. وقال كوهين خلال خطابه: "إنهم يعتقدون خطأً أنه سيكون من الصّعب الوصول إليهم".
حاولتْ إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، استكمال خطواتها العسكرية بضغوط دبلوماسية إضافية على إيران لدحر أنشطتها في سوريا. جاء ذلك في شكل اجتماع ثلاثي مهم، عُقد في القدس (المحتلة، هيئة التحرير)في 24 حزيران/يونيو، حضره مستشارو الأمن القومي من روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل لمناقشة الوضع في سوريا. لا تزال نتائج هذا الجهد غير واضحة. وأشار مستشار الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف علناً، على الأقل، إلى أن موسكو ليست في عجلة من أمرها لحلّ تحالفها مع إيران في سوريا، الأمر الذي جعل البلدين (روسيا وإيران) ينسِّقان العمليات الجوية والبرية لتأمين نظام الرئيس بشار الأسد. وقال باتروشيف خلال المؤتمر: "لقد كانت إيران وستكون حليفة وشريكة لنا، حيث قمنا بتطوير العلاقات تدريجياً لبعض الوقت، على الصعيدين الثنائي والمتعدِّد الأطراف". و "إن أي محاولات لجعل طهران تبدو وكأنها التهديد الرئيسي للأمن العالمي، ووضعها في نفس سلة داعش أو أي جماعة إرهابية أخرى، أمر غير مقبول. لقد ساهمت إيران كثيراً في مكافحة الإرهاب في سوريا، الأمر الذي ساعد على استقرار الوضع. ندعو شركائنا إلى ممارسة ضبط النفس وبذل الجهود لتخفيف المخاوف والتوترات. يجب بذل الجهود لتخفيف التوترات بين (إسرائيل) وإيران ".
يبدو أن موقف موسكو العَلني يوحي بأنه على الرغم من أن روسيا منفتحة للضغط على إيران للابتعاد عن الحدود الإسرائيلية، فإنها إما لا تستطيع أو لن تعمل على طرد الإيرانيين ووكلائهم من سوريا. ولا يزال الوجود الإيراني ضرورياً لتحقيق الاستقرار لنظام الرئيس الأسد، ولا يزال للإيرانيين دور استراتيجي يلعبونه في المشروع الروسي طويل الأجل في روسيا، على الرغم من التصدّع والتوترات الواضحة التي تظهر بين موسكو وطهران بسبب تباين المصالح في سوريا.
تعمل إيران من جانبها على مواجهة محاولات إسرائيل لتجنيد روسيا ضد المحور الإيراني. في الأيام الأخيرة، صرَّح عضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في المجلس الإيراني أنه على الرغم من العلاقات الروسية الإسرائيلية، فقد تمكّنت طهران من الاستفادة القصوى من "الورقة الروسية" في أنشطتها في سوريا، وفقاً لتقرير صادر عن مركز مئير عميت Meir Amit للاستخبارات والإرهاب.
يبدو أن المنافسة الإسرائيلية الإيرانية على النفوذ الروسي ستستمرّ، وهو ما يضع موسكو في موقف المُحكِّم في سوريا - وهو ما يناسب هدف روسيا المتمثل في العودة إلى وضع القوة العظمى في الشرق الأوسط. لذلك كان ردّ إيران الشامل هو محاولة التغلّب على الضربات الإسرائيلية وأن تكون مرنة في مقاربتها لبناء القوّة في سوريا، دون التخلّي عن طموحها في تحويل البلاد إلى امتداد لجبهة حزب الله - اللبنانية ضد إسرائيل.
يمكن لإيران في مواجهة ضغوط العقوبات الاقتصادية الأمريكية المتزايدة، أن تسعى إلى تنشيط الوكلاء أو الأصلاء في سوريا لاستهداف إسرائيل. يبدو أن إيران قد حاولت بالفعل مثل هذا الاستفزاز في 1 حزيران/يونيو، عندما تمَّ إطلاق صاروخين على جبل حرمون من سوريا. استهدف الانتقام الإسرائيلي مدفعية نظام الرئيس الأسد وبطارية دفاع جوّي ومراكز مراقبة. أسفر الهجوم طبقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، عن مقتل ثلاثة جنود سوريين وسبعة "مقاتلين أجانب" هم أفراد إيرانيين ومن حزب الله. يبدو أن الصراع الإسرائيلي الإيراني في سوريا سيستمر، وسيسعى الجانبان لتجنيد روسيا ضد الآخر. أظهرت إسرائيل بشكل حاسم، تصميمها على تفعيل القوّة العسكرية لإبقاء إيران تحت المراقبة في سوريا. وقد عبَّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن هذا العزم في 14 تموز/يوليو خلال زيارته لكلية الدفاع الوطنية التابعة للجيش الاسرائيلي. وقال "في الوقت الحالي، الجيش الوحيد في العالم الذي يقاتل إيران هو الجيش الإسرائيلي".
_______________________________________________


5. لمحة عن الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي)بين عامي1972و1980 -
- بسام شاغوري -
(النص كتبه أحد أعضاء الحزب في باريس عام1982)

أزمة الحزب والانشقاق

تُقَسّم عادة" أسباب أزمة الحزب وانشقاقه إلى أسباب سياسية وتنظيمية. وتتلخص الأسباب التنظيمية في ثلاث نقاط:
) 1. حكم وعبادة الفرد ) عند خالد بكداش.
2. تضخم المركزية على حساب الديمقراطية داخل الهيئات وفيما بينها.
3. خلل عام في عمل الهيئات التنظيمية يتمثل خاصةً في غياب المؤتمرات والانتخابات، وبشكل عام غياب النظام الداخلي.

لكن هذا التحليل لايصلح كنمطلق لدراسة تاريخية، إذ أنه يعبر عن روْية المشاركين في الأحداث من طرف (المكتب السياسي) أطلق هذا الاسم على الحزب الشيوعي) المكتب السياسي) لأنه في انشقاق3نيسان1972وقف خمسة من أعضاء المكتب السياسي ضد بكداش من أصل سبعة. عدا أن هذه الأ سباب لاتكفي لنشوء أزمة، لأن العديد من أعضاء الحزب تعودوا على الممارسات التنظيمية في الحزب وتأقلموا معها، وكانوا يجدونها طبيعية..

لقد بدأت الأزمة مع وعي أن هذا الوضع غير طبيعي. ويمكن ردّ نشوء هذا الوعي إلى عدة عوامل، يمكن إجمال أهمها فيما يلي::
1. نقد الستالينية وعبادة الفرد في الحركة الشيوعية العالمية أثناء حكم خروتشوف، وانعكاسات ذلك على الحركة الشيوعية المحلية، خاصةً في الحزب الشيوعي اللبناني مع مؤتمره الثاني /1968/ وتحضيراته..

2. ظهور جيل شابِ جديد في الحزب بتأثير التطورات السياسية المحلية (المقاومة، الناصرية، هزيمة حزيران 1967...) والعالمية (فييتنام، كوبا، التدخل السوفييتي في تشيكوسلوفاكيا عام1968...)، يرغب في تطوير الحزب ودفعه إلى خطِ سياسي جديد، ودور جديد. الأمر الذي يصطدم مع سلطة بكداش المطلقة. فبكداش هو الذي كان يرسم سياسة الحزب. كان ضرورياً إذن التخلص من سلطة بكداش وجعل المؤسسة التنظيمية تعمل وفق قواعد تنظيمية مستقلة عنه..

أما الجانب السياسي للأزمة، فإن جذوره تعود إلى الخلافات حول القضايا القومية التي أجّجتها ظاهرتان متكاملتان:
1. عزلة الحزب بسبب مواقفه السياسية القومية عن قطاع هام من المجتمع.
2. نجاح وانتشار الحركات القومية والوطنية (البعث، الناصرية، المقاومة) وحركات التحرر الوطني بشكل عام..

بدفع من هاتين الظاهرتين، بدأ الجدل في الحزب حول القضايا القومية، خاصة قضية فلسطين والوحدة العربية. لقد كانت مواقف الحزب تجاه هاتين القضيتين مناقضةً لعواطف غالبية المجتمع السوري، الأمر الذي حدّ من امتداده الشعبي، وعزز صورته كحزب مرتبط بالخارج وقليل الاهتمام بالقضايا الوطنية. فقد أقرّ الحزب قرارالتقسيم (تقسيم فلسطين 1947) تماشياً مع موقف الاتحاد السوفييتي، كما اتخذ موقفاً قليل الحماس من وحدة سورية ومصر عام 1958.
من جهة أخرى، دفع انتشار ونجاح القوى القومية ذات التوجه اليساري بالعديد من أعضاء الحزب الى التفكير في هذه الظاهرة. كان تيار بكداش قليل الثقة بهذه القوى، في حين أن عناصر أخرى (لاأتكلم بعد عن تيار...) من الحزب كانت مشدودة بعض الشيء إليها، وتتساءل عن أسباب نجاحها..

تفسر هذه النقاط الموقف القومي الحماسي لتيار المكتب السياسي: الوحدة العربية، الحزب الشيوعي العربي الموحّد، القضية الفلسطينة، تشكيل منظمة أنصار الفدائية (منظمة فدائية شكلتها الأحزاب الشيوعية العربية في المنطقة وكان مسؤولها في سورية رياض الترك) وكذلك التقارب مع النطام البعثي اليساري الناشىء في 23شياط1966 والأنظمة المشابهة في المنطقة (مصر، العراق، الجزائر. اليمن الديمقراطي، ليبيا، السودان).

تعود بداية الأزمة إلى مابعد الانفصال عن مصر (1961)، لكنها لم تتوضح إلا بعد المؤتمر الثالث (1969) الذي عقد بتأثير ضغط القاعدة الحزبية ونمو الاحتجاج داخل الحزب الذي تزايد على إثر ازدياد أهمية المقاومة الفلسطينة، وهزيمة حزيران (1967) والمؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني (1968) الذي أعطى مثلاً هاماً في نقد عبادة الفرد وماضي الحزب وسياسته ( كان الحزبان السوري واللبناني حزباً واحداً حتى عام1964).
بعد المؤتمر الثالث، أصبحت سلطة بكداش مهددة. كان من الممكن أن يتساهل بكداش مع مشروع البرنامج السياسي المطروح على المؤتمر الثالث إذا عُدِّل قليلا" لتخفيف لهجته القومية. لكنه شعر بالخطر عندما بدأ المكتب السياسي واللجنة المركزية المنتخبان من المؤتمر يمارسان دورهما القيادي مما يحد من دور وأهمية الأمين العام. أي أن الخطر بالنسبة له كان تنظيمياً. لكن الأزمة ماكانت لتؤدي الى انشقاق بهذا العمق لولا تأثير رياض الترك الذي كان بشخصيته قادراً على لعب دور "الزعيم" لتيار المكتب السياسي رغم عدم تجانسه. في الحقيقة، كان تيار بكداش منسجماً أكثر بكثير من تيار المكتب السياسي الذي كان يجمعه رفض بكداش والحماس للمسائل القومية، دون تصور واضح للاتجاه الذي سيذهبه الحزب بعد عدة سنوات. بالنسبة للموقف من السوفييت، فهو لم يكن عدائياً من طرف المكتب. بل إن قسماً منه كان يعتقد حتى اللحظة الأخيرة ويأمل (حتى مابعد بيان 3 نيسان 1972 الذي كرّس الانشقاق) بأن يعترف السوفييت بالمكتب ويتخلى عن بكداش. وكانت الأغلبية تكنّ للاتحاد السوفييتي عواطف حميمية وصادقة.
لحسن الحظ (!) لعبت ملاحظات السوفييت على مشروع البرنامج في أيار1971 واستغلالها من قبل تيار بكداش ثم عدم اعتراف الحركة الشيوعية العالمية والاتحاد السوفييتي بالحزب دوراً إيجابياً في استقلاله التنظيمي. الأمر الذي أفسح المجال أمام مواقف نقدية تجاه الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية فيما بعد..

وأتت عودة الثلاثي (ظهير عبد الصمد، دانيال نعمة، ابراهيم بكري ومن معهم) إلى حزب بكداش في أواخر عام 1973، لتعزز هذا المسار التطوري وخاصة" لتخلص الحزب من ثقل ثلاثة قياديين تقليديين ولتفتح المجال أمام رياض الترك ليصبح الأمين الأول للحزب وبالتالي قائده.

كرس انعقاد المؤتمر الرابع (كانون أول1973) انقسام الحزب وأنهى الجدل حول "وحدته". أي أنه جعل الوضع "رسميا". أما على المستوى السياسي فهو لم يضف شيئاً ذا قيمة الى مشروع البرنامج المطروح على المؤتمر الثالث، إذ عدل من الصياغة وأبقى الروح والأفكار الأساسية التي يمكن تلخيصها ب :
1. نفس قومي حماسي مع الوحدة العربية وتحرير فلسطين.
2." موقف قومي إيجابي من النظام السوري الذي وصف ب"وطني- تقدمي
3. موقف إيجابي من المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفييتي، مع التأكيد على الاستقلالية بين الأحزاب الشيوعية.
4. التأكيد على النظام الداخلي واحترام الهيئات وأسس عملها على مبادئ المركزية الديمقراطية "التنظيم اللينيني".

وباختصار؛ فإن صورة الحزب بعد المؤتمر الرابع كانت تشابه إلى حد بعيد صورة الحزب الشيوعي اللبناني : حزب شيوعي تقليدي مابعد الستالينية مع نفس قومي واضح.

لكن الانتصار الحقيقي لم يكن البرنامج السياسي للمؤتمر الرابع, لقد كان هذا الانتصار يكمن في التغلب على بكداش وتياره. فانقسام الحزب كان أهم وأعمق انقسام لحزب شيوعي في المنطقة. كان انقساماً عمودياً أنتج حزبين متعادلين في العدد (تقريباً)، على خلاف الانقسامات الأخرى في المنطقة (العراق ، الأردن) التي تميزت بخروج قسم ضئيل من الأعضاء وبقاء الجسم الأعظم من القيادة والقاعدة مع الأجنحة الموالية للسوفيات.. وهذا ،بحد ذاته، انتصار، لاسيّما وأن كثيرين كانوا يراهنون على انتهاء حزب المكتب دون الدعم السوفييتي واعتراف الحركة الشيوعيية به.

من المؤتمر الرابع إلى المؤتمر الخامس

بعد المؤتمر الرابع، نشط الحزب سياسياً وتنظيمياً. وتوسعت صفوفه بشكل ملحوظ خلال عامي 1974/1975. تلك كانت فترة انفراج وحرية نسبيين. وكان الحزب يشارك في الجبهة الوطنية التقدمية، لكن في لجان المدن واللجان المحلية فقط. ولم يكن له أي ممثل في القيادة المركزية، في حين كان لحزب بكداش ممثلان هما : خالد بكداش ودانيال نعمة. وكان للحزب أيضاً ثلاثة نواب في مجلس الشعب (من أصل حوالي 170 نائباً، وهم : يوسف نمر (دمشق)، نوري حجّو الرفاعي (حمص، توفي عام 1976) وميشيل عيسى (طرطوس).

على الصعيد المالي، كان الحزب يعاني من صعوبات حقيقية. ومن أجل حلِّها قام بجمع قرض عام1974من الأصدقاء والأعضاء استطاع من خلاله الاعتماد على نفسه والاستمرار دون المساعدات والمعونات الخارجية. أما الجريدة المركزية "نضال الشعب" فكانت تصدر بانتظام كلّ شهر، وكانت تطبع بشكل نصف سري- نصف علني في إحدى المطابع الخاصة في دمشق (وذلك حتى أواخر 1979). كما كانت المنظمات التابعة للحزب (اتحاد الشباب الديمقراطي ورابطة حماية الأمومة والطفولة) تنشط بشكل نصف علني- نصف سري. وكانت تقيم احتفالات ورحلات ومعسكرات.

باختصار ؛ في تلك الفترة لم يكن هناك صدام بين الحزب والسلطة (1974-1975) والاعتقال الوحيد -على حد علمي- كان اعتقال ناصيف خوري (وهو عضو لجنة مركزية) عام 1974 (أو 1975) والذي استمر شهراً بسبب علاقة له مع ضابط في الجيش /على ماأذكر.

إلا أن النقاش الداخلي في الحزب كان يتعمق باتجاه انتقاد السلطة والابتعاد عن مؤسساتها (خاصة بعد اتفاق فصل القوات بين سورية واسرائيل في حزيران 1974) وذلك لحساسية الموقف القومي في الحزب واعتباره أهم عامل في تقييم السلطة. وفي جميع الأحوال، لم يتخذ الحزب يوماً موقفاً متزلفاً من السلطة، و لامدحها يوماً. بل كانت مداخلات نوّابهِ في مجلس الشعب ومقالات الجريدة تنتقد باستمرار سياسة النظام الاقتصادية من موقع يساري دون أن تذهب الى درجة القطيعة معه.

في تلك الفترة، كان الهم الأساسي للحزب منصبّاً على قضية "تسوية مشكلة الشرق الأوسط" وكان يرفض ويدين بشدة كل التسويات المطروحة في حين كان اهتمامه بالوضع الداخلي لسورية يأتي في الدرجة الثانية. لكن المسائل الاقتصادية : التضخم النقدي، ارتفاع الأسعار، الفساد، الرشوة وسوء الإدارة .. الخ (إضافة إلى عدم جدية النظام السوري في معارضة مشاريع التسوية) أخذت تشغل حيّزاً أكبرَ من الاهتمام في "النقاشات الداخلية"، لدرجة أنها دفعت بقسم من الحزب للتخلي عن رؤية النظام على أنه "وطني- تقدمي".

شيئا" فشيئا"، راحت مسألة معارضة الحزب للسلطة تطرح وتتعمق على المستوى التنظيمي، لم يكن الحزبُ بعدُ مهيئاً لصدام مع السلطة، فأغلب كوادره (إن لم نقل كلها) كانت مكشوفةً لأجهزة الأمن، خاصةً بسبب الصراع مع تيار بكداش وانفلاش التنظيم. الأمر الذي حدا به الى البدء بترتيب صفوفه. فمنذ نهاية 1975، شَكَّل عدداً من المنظمات السرية وبدأ يحتاط أكثر في علاقاته التنظيمية. لقد كانت سنة 1975 آخر سنوات حرية الحزب النسبية. إذ مالبثت أن تقلصت، بعد هذا التاريخ، نشاطات منظمة الشباب التابعة للحزب إلى حد كبير، وتوقفت تقريباً الرحلات والحفلات والمعسكرات..الخ. إاضافة إلى كل النشاطات التي قد تكشف كوادر الحزب.

لقد حبا الحزب أولى خطوات المعارضة عام 1976. ففي 30 آذار 1976، شاركت منظمة جامعة دمشق بتظاهرة يوم الأرض، دعما" ليوم الأرض" الفلسطيني، وهي مظاهرة مستقلة عن السلطة لكنها لم تكن عدائية" تجاهها. ومع أن عدائية الشعارات التي رُفِعَت في هذه المظاهرة كانت موجهة" ضدّ اسرائيل، إلا أن النظام لايسمح على الإطلاق بمثل هذه المبادرات المستقلة حتى ولو كانت تذهب في نفس اتجاه دعايته واعلامه.

قام الأمن طبعاً بتطويق المظاهرة، واعتقل عشرات من المشاركين فيها، ومنهم خمسة من الحزب هم : حكمت أبو جمرة (أطلق سراحه في شباط 1980)، غازي البدين (أطلق سراحه في تشرين أول 1976)، عبد الرزاق عز الدين (أطلق سراحه في تشرين أول 1976)، تيسير الشهابي (أطلق سراحه في تشرين أول 1976 ثم مالبث أن اعتقل بعدها وأطلق سراحه واستشهد أخيراً من جراء الغارة الإسرائلية على مقرّ منظمة التحرير في تونس عام1985حيث كان يعمل هناك ) وفرحان نيربية (أطلق سراحه في شباط 1980 ثم اعتقل في تشرين الأول 1980 ومازال في السجن).

في نيسان 1976، قاطع الحزب الانتخابات المحلية (أول انتخابات تُجرى بعد انتخابات مجلس الشعب في أيار 1973)، لكنه لم يعلن ذلك كتابياً.
في حزيران 1976، أدان الحزب في بلاغ رسمي نُشِرَ في "نضال الشعب" /عدد 190/ التدخل العسكري السوري في لبنان وطلب سحب القوات السورية منه، وأعلن تضامنه مع الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية.

بعد هذا الموقف، اتضح تماما" أن الحزب سيدخل آجلاً أو عاجلاً، في مرحلة معارضة مفتوحة مع النظام. خاصة" بعد أن سحب كل ممثليه من المجالس الفرعية للجبهة الوطنية التقدمية ولم يبق له في مؤسسات السلطة إلا نائبين في مجلس الشعب (ميشيل عيسى ويوسف نمر)، الثالث توفي عام 1976.
هذه المواقف الجريئة (ودخول الحزب المرحلة السرية تدريجياً)، لم تكن مقبولةً من بعض أعضاء الحزب وقياديّيه الذين كانوا متحفظين تجاه هذا التطور السريع للخط السياسي المخالف لاستنتاجات وتحليلات البرنامج السياسي للمؤتمر الرابع. كما انعكست هذه التطورات على التنظيم الذي شهد خلال سنيّ 76/77/78، هجرة معاكسة إلى خارج الحزب. لكن الحزب جذب، بالمقابل، عناصرَ جديدة" معارضة" للنظام. وبهذا الشكل، تجدد دم الحزب وتقلص حجم الأعضاء الذين عاشوا مرحلة البكداشية. لقد أشار التقرير التنظيمي المقدم للمؤتمر الخامس (1978) أن حجم الحزب العددي عشية المؤتمر يشكل ثلث حجمه في المؤتمر الرابع. وهذا يعني أن أكثر من ثلثي أعضاء الحزب قد تركوه، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أعضاءَ جديدين قد دخلوا إليه.
وبحسب تقرير تنظيمي داخلي صدر في أواخر 1979، فإن أعضاء الحزب الذين انتسبوا إليه مابين المؤتمرين يشكلون نصف حجم الحزب عام 1979. وبمعنى آخر فإن خمس أسداس أعضاء الحزب أثناء المؤتمر الرابع قد تركوه وهذا يعطي فكرة عن حجم التجدد.
خلال عام 1976، بدأ النقاش حول الديمقراطية (كان شعار المؤتمر الرابع هو:الديمقراطية الشعبية)، كذلك تعمقت النقاشات حول الاتحاد السوفييتي والحركة الشيوعية. وكان عدد من أعضاء الحزب يتابعون باهتمام ظاهرة الشيوعية الأوربية ويتحمسون لها (خاصة" من خلال كتاب سانتياغو كاريللو : الشيوعية الأوربية والدولة). وكان هذا يساعد في اتخاذ موقف نقدي من التجارب الشيوعية القائمة ويعمق الاستقلالية الفكرية للحزب تجاه الحركة الشيوعية الرسمية..
كان أول المواقف النقدية العلنية للحزب تجاه الاتحاد السوفييتي موقفه من مشكلة اريتريا. فالاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية تدعم نظام منغستو هيلا مريام الماركسي اللينيني في أثيوبيا وهو الذي يرفض حق تقرير المصير للشعب الارتيري . فقد نشر الحزب مقالاً (نضال الشعب عدد 196، حزيران 1977) يتضمن نقداً مبطناً للسوفييت لكن من منطلق اللينينية..

على أن الموقف الأكثر جرأة للحزب كان انتقاده للتدخل الفييتنامي في كمبوديا في كانون ثاني عام1979. بعد هذا الموقف "غير المفهوم" بالنسبة للكثيرين نظراً للمكانة الهائلة التي تحتلها فييتنام، يصبح سهلاً انتقاد التدخل الصيني في فييتنام(شباط1979)، ثم التدخل السوفييتي في أفغانستان في كانون أول1979..
على المستوى الداخلي، استمر الحزب بتطوير معارضته للنظام من خلال استراتيجية تقوم على عدة محاور مقاطعة مؤسسات النظام :
1. مقاطعة انتخابات مجلس الشعب عام 1977(عدد نضال الشعب رقم 197، تموز 1977)، وكل الانتخابات اللاحقة.
2. النشاط في المؤسسات النقابية الجماهيرية : المشاركة في انتخابات النقابات العمالية عام 1978، حيث حصل الحزب والقوى المعارضة الأخرى على بعض النتائج المشجعة (المصفاة في حمص). كذلك المشاركة الفعالة في انتخابات نقابات المهندسين وغيرها..
3. فضح المؤسسات النقابية الشكلية ومقاطعتها : مقاطعة الاتحاد الوطني لطلبة سورية الذي يعتبر وكراً للأمن. لقد تمت هذه المقاطعة بشكل علني، إذ أنه في عام 1977، شارك أعضاء الحزب في مؤتمرات الاتحاد وانتقدوا سياسة السلطة وتبعية الاتحاد للأمن ثم أعلنوا انسحابهم منه علناً، الأمر الذي أثار رجال السلطة وأدى إلى صدامات جسدية معهم في أكثر من كلّية (الزراعة، الفنون، الهندسة الميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق )....
4. دعم مظاهر الاحتجاج المدني ضد النظام : التعريف بنشاطات نقابة المحامين والمثقفين وغيرهم، والدفاع عنهم وإقامة صلاتِ حيّةِ معهم. كذلك الأمر فيما يخص الإضرابات العمالية..
5. التقارب مع القوى السورية الديمقراطية العلمانية المعارضة تمهيدا" لتوحيد مواقفها وتشكيل جبهة فيما بينها..
تُوِّجت هذه المرحلة بانعقاد المؤتمر الخامس للحزب في كانون أول 1978، الذي قدم رؤيةً جديدةً للوضع السوري لم تعهدها الأحزاب اليسارية سابقاً، وبشكل خاص الديمقراطية التي أصبحت الهدف الأساسي للنضال على خلاف المؤتمر الرابع الذي كان مؤتمر البرنامج القومي العربي والنظام الداخلي. بالمقابل، ونتيجة التركيز الشديد على ضرورة معارضة النظام، وضرورة البديل الديمقراطي، بقي تحليل الوضع الدولي تقليدياً ضعيفاً ومتخلفاً.
لاقى التوجه الجديد للحزب معارضةً من قبل بعض القياديين أهمهم يوسف نمر وواصل فيصل وصبحي أنطون أعضاء المكتب السياسي اللذين تركوا الحزب بعد المؤتمر الخامس مع عددِ قليل من أعضائه في دمشق، الحسكة وإدلب
من المؤتمر الخامس حتى آخر 1980

خلال الأشهر الأولى التي تبعت المؤتمر الخامس (أي خلال بداية 1979) تابع الحزب ترتيباته التنظيمية والسياسية التي تهدف إلى تأسيس معارضة محورها الديمقراطية السياسية، أي أنه كان يدفع باتجاه مجابهةِ مابين السلطة وتحالف القوى اليسارية العلمانية (أحزاب، أفراد، نقابات، مثقفين ...). ولاشئ بشير إلى أنه كان يتوقع معركة بين الإخوان المسلمين والسلطة، أو معركة بين السلطة والمجتمع بهذه السرعة. لقد كان يعمل ويخطط ويرتب على المدى المتوسط (عدة سنوات )..
خلال النصف الثاني من السبعينات، حدثت اغتيالات لشخصيات من السلطة، كانت هذه الأخيرة تنسبها عادةً إلى العراق. أما الحزب فكان يعيرها اهتماماً ثانوياً، وغالباً ما كان يرى فيها تصفيةَ حساباتِ بين أجنحة السلطة نفسها. لكن أحداً لم يكن يتصور أن يصل التحضير العسكري للإخوان المسلمين إلى المستوى الذي ظهر به خلال السنتين اللاحقتين..
لقد بدأت المعركة فعلياً بين الإخوان والسلطة مع مجزرة مدرسة المدفعية في حلب (16 حزيران 1979) التي نفذتها مجموعة من عناصر من التنظيم المسلح للإخوان بقيادة النقيب ابراهيم اليوسف وعدنان عقلة..
أدان الحزب هذه المجزرة (ملحق نضال الشعب، عدد 209) لكنه أكّد على رؤية الأزمة بشموليتها وبشقّيها الاستبدادي والطائفي وأن مُولِّدَها إنما هو السلطة نفسها، وطالب بالتغيير الديمقراطي للخروج منها..
وفي 30 آب 1979، وعلى إثر مقتل شيخ علوي (يوسف صارم)، جرت صدامات بين العلويين والسنة في مدينة اللاذقية، استمرت ثلاثة أيام..
أعتقد أنه بعد هذا الحدث، وعت قيادة الحزب تماماً أن البلد ستشهد صداماتِ مختلفةَ الأشكال مع السلطة. طبعاً، كان الإخوان المحرك المباشر لها من خلال أعمالهم العسكرية وكونهم كسروا هيبة أجهزة الأمن. إلا أن الطريق الذي ستذهب إليه هذه الصدامات وأشكال المعارضة المختلفة لم يكن محسوباً سلفاً، ولايمكن أن يُجيَّر لهذه القوة أو تلك بشكل مسبق. من هنا ضرورة أن يشارك الحزب في المعركة وأن يجنِّد قواه كاملةً لكي يزيد من احتمال جر قسم من المعارضة الشعبية إلى برنامجه السياسي في التغيير الديمقراطي. وهذا يعني بالضرورة عدم تشتيت الصراع وعدم فتح معركة مع الإخوان المسلمين قد تستفيد منها السلطة أولا"، وتحيّد الفئات الاجتماعية المحيطة بالحزب ثانيا"، وتضع الحزب وحلفاءه خارج انتصار غير أكيد لكنه ممكن ثالثا". لاسيما وأن الإخوان لايملكون برنامجاً سياسياً واضحاً. بل كانوا يلجأوون غالباً إلى شعاراتِ طائفية. وهذا يتوافق مع رغباتِ السلطة التي أرادت تصوير المعركة على أنها بين قوى طائفية-سلفية-رجعية- مرتبطة بالامبريالية، وبينها كقوة علمانية- يسارية- منفتحة، لكي تُعتَبرَ أهون الشرّين. وقد نجحت إلى حدّ كبير في دعايتها هذه. فهي لم تذكر على الإطلاق في هجومها العلني على الإخوان أن هنالك قوىً أخرى تعارضها، مع أن الحزب ثم (التجمع الوطني الديمقراطي) والنقابات المهنية، خاصةً نقابة المحامين، كانوا في قلب المعارضة النشيطة. وهذا بهدف تصوير الصراع على أنه بين قوتين فقط : السلطة / الإخوان، وعلى الباقين الالتفاف حول إحداهما وبالتالي تجند السلطة حولها كل الفئات والقوى السورية والعربية والدولية التي تخشى التيار الديني.

تسارعت أعمال العنف في أواخر 1979 إلى جانب أشكال المعارضة الأخرى. وقد ترددت السلطة حينا" في كيفية مجابهة هذه الظاهرة. فحاولت بادئ ذي بدء إبراز حسن نيتها من خلال الانفتاح على الفئات الهامة في المجتمع كالمثقفين والمهندسين وأساتذة الجامعات...الخ. لكي تكسب ودَّهم أو على الأقل حياديتهم، لكنها لم تجن إلا الانتقاد والمطالبة بتغييرات حقيقية لاتستطيع قبولها، وإلا وضعت وجودها في موضع الخطر. كما أرسلت وفوداً إلى مدن الشمال لتلتقي بالفعاليات الثقافية والاجتماعية لكي تجرَّها أو تحيّدها، لكن ذلك بقي أيضا" دون جدوى.
خلال عدة أشهر (حتى نيسان 1980) عاشت البلاد مرحلة من الديناميكية السياسية لم تعهدها من قبل، كان لها وجه شعبي، تمثل في مظاهرات وإضرابات المحلات في بعض مدن الشمال، ووجه سياسي من خلال البيانات والنقاشات والندوات التي تعبر عن زيادة الاهتمام بقضايا السياسة الداخلية وعن تحفز متزايد للمعارضة. كان الحزب في قلب الأحداث، وبالتحديد في وجهها الثاني . الأمر الذي أزعج السلطة والإخوان على حدّ سواء. فالأولى لم تنجح في تحييده باستخدام خطاب يساري والإخوان رأوا فيه (وبقوى التجمع) منافساً لهم يحاول أن يخطف قسماً من الجماهير التي حركوها هم، ويعقّد بالتالي لوحة المعركة مع السلطة. في هذا الإطار كان الإخوان متفقين تماماً مع السلطة على إبقاء المعركة بينهما. كمثال على ذلك دعوة الإخوان لإيقاف إضراب في حلب في 31آذار 1980كيلا يستغله الشيوعيون.
شهد شهر آذار أوج الحركة المعارضة بمختلف أشكالها. وفي منتصفه بالتحديد، أعلن التجمع الوطني الديمقراطي عن نفسه لأول مرة علنا" من خلال بيانه الشهير، الذي وزع في جميع أنحاء سورية بعشرات الآلاف من النسخ وطالب بتغييرات ديمقراطية جذرية لحل أزمة البلد. على إثر هذا البيان اعتقلت السلطة بضعة عشرات من أعضاء الحزب، وعدداً من أعضاء الأحزاب المشاركة في التجمع(ضم التجمع الحزب الشيوعي "المكتب السياسي"- حزب الاتحاد الاشتراكي العربي- حزب العمال الثوري العربي- حركة الاشتراكيين العرب- حركة23شباط)..
رداً على تصاعد المعارضة، وفشل أسلوبها الأول، اعتمدت السلطة الرد العسكري والقمع الجماعي منذ أواخر آذار. فأنزلت قواتها في المدن الشمالية (حلب، حماة، إدلب، دير الزور، جسر الشغور..) وبدأت عمليات مكثفة من التمشيط والاعتقال والمداهمة. ومارست أعمالاً همجيةً من القتل والسحل بغية بث الرعب في نفوس الناس وإسكاتهم. وقد نجحت في ذلك، إذ هدأت حركة المعارضة منذ نيسان. وفي الآن نفسه، حلت السلطة في 7نيسان النقابات المهنية (محامين، أطباء ومهندسين) التي أصبحت مركزاً للمعارضة المدنية نظراً لما يحتله هؤلاء الكوادر من مراكز حساسة. واعتقلت عدداً من النشطاء في هذه النقابات..
لكن، رغم كل ذلك، لم تتوقف العمليات العسكرية للإخوان، بل ربما ازدادت. إذ أن عنف السلطة سدّ الأبواب أمام أشكال الاحتجاج المدني من جهة، وأثار عواطف الناس وحقدهم من جهة أخرى. الأمر الذي دفع بقطاع من الشباب للالتحاق بالتنظيم الوحيد القادر على تعبئتهم عسكرياً: الإخوان المسلمين.
بالرغم من أن تنظيم الإخوان المسلح كان الأبرز والأكثر نشاطاً بما لايقاس، إلا أن بعض الأعمال العسكرية تمت من قبل مجموعات متفرقة تشكلت في بعض المدن (اللاذقية بشكل خاص) مع الجو الحماسي المعارض للسلطة وربما شكَّل قوامَها الأساسي بعضُ القبضايات والمهمشين اجتماعياً.

بعد انحسار حركة المعارضة الشعبية، طرح الحزب ثلاثة احتمالات ممكنة (رسالة اللجنة المركزية للداخل الحزبي في حزيران 1980):
1. استمرار انحسار المعارضة الشعبية والمسلحة.
2. تغير النظام من داخله ( انقلاب مثلاً).
3. تشكل جبهة وطنية عريضة من قبل كل القوى المعارضة، خاصةً القوى الديمقراطية والدينية. وأكد أن هذا الاحتمال الثالث لاتبدو ملامحه في الوقت الراهن(حزيران1980).,
وقد أثبتت الأيام الاحتمال الأول. وهذا لايعني أن الأعمال العسكرية انقطعت تماماً، كما أن قمع السلطة لم تخفّ حدته إن لم نقل أنه ازداد همجية.".
في 27 حزيران 1980، وإثر محاولة اغتيال الرئيس باليوم السابق، نفذت مجموعة من سرايا الدفاع مجزرة بشعة في سجن تدمر العسكري، راح ضحيتها حوالي (1000) سجينا". أعقب ذلك القانون رقم /49/ القاضي بإعدام كل منتسبِ للإخوان. وفي تموز من نفس العام، قامت المخابرات السورية باغتيال صلاح الدين البيطار في باريس.
اتحذ الحزب موقفاً جريئاً (عدد215 من "نضال الشعب") إزاء هذه الأعمال الهمجية، في حين سكتت أغلبية الأصوات السياسية المعارضة. لذلك قررت السلطة ضربه وتصرفت بذكاء لذلك. فقد شنت حملة اعتقالات منظمة وشاملة في كل أنحاء سورية بدءاً من ليل يوم 7 تشرين أول 1980، قبل يوم من توقيع معاهدة الصداقة السورية-السوفييتية ! حتى تحد من ردود الأفعال على هذه الاعتقالات من قبل القوى التقدمية و"اليسارية" المحلية والعالمية. لقد طالت الاعتقالات حوالي ألف حزبي بينهم أهم قادة الحزب : رياض الترك، عمر قشاش، أحمد فايز الفواز، منذر شمعة.
تركيب الحزب الاجتماعي
في تقرير تنظيمي للحزب صادر في أواخر 1979، نشر الحزب نتائج للاحصاء الذي أجراه، بالمقارنة مع احصاء 1975. وهذه هي نتائجه:

التركيب الطبقي والفئوي نسبة عام 79 نسبة عام 75
عمال 13,4 % %27,5
فلاحون فقراء 4,3 % %11
نساء 9,4 % %6
طلاب 42,8 % %33
باقي الفئات 31,1 % %22,5

. نسبة الشباب تحت الثلاثين من العمر تبلغ 66 % من حجم الحزب.
نسبة الأعضاء المنتسبين للحزب خلال الفترة بين المؤتمرين الرابع والخامس تبلغ 50%.
ملاحظات حول فكر الحزب السياسي خلال فترة 72-80
يتضمن فكر الحزب ثلاثة مركبات :
1. شيوعية تقليدية.
2. قومية شعبوية.
3. عقلانية وديمقراطية.
في الفترة الأولى التي تلت الانشقاق كانت المركبتان الأولى والثانية طاغيتين بشكل واضح ثم بدأتا بالتقلص شيئاً فشيئاً لصالح المركبة الثالثة حتى عام 1980.
- لم يتوصل الحزب إلى استنتاجاتِ فكريةِ تنسجم مع طروحه السياسية بعد المؤتمر الخامس. الأمر الذي أبقى الباب مفتوحاً أمام شرعية المركبتين الأولى والثانية، لكي تستعيدا مكانهما في فكر الحزب في أية لحظة. لذلك يبدو أحياناً خط الحزب ومواقفه متناقضةً وخاليةً من الانسجام.
- حرم اعتقالُ القيادة عام 1980 الحزبَ من متابعة تطوير خطه وفكره، وسمح بإعادة طرح أفكار شيوعية (تقليدية ) وقومية شعبوية، على أنها جزء من تراث الحزب الفكري والسياسي (وبالتالي = شرعية).

__________________________________________

6. سلسلة الأمناء العامون للأحزاب الشيوعية العربية:
علي يعتة

ولد علي يعتة يوم 25 أغسطس/آب 1920 في مدينة طنجة المغربية عند مضيق جبل طارق لأب جزائري الأصل، ينحدر من منطقة القبائل استقر بالمدينة عام 1911، وأم من منطقة الريف بشمال المغرب .
سنة 1942 حصل علي يعتة على شهادة الدراسات التطبيقية العربية من كلية الآداب بمدينة الجزائر، وحصل في العام التالي على شهادة أصول العربية من الجامعة نفسها. ساهم في تأسيس الحزب الشيوعي المغربي عام 1943.
في عام 1945، وبدلاً من الفرنسي ليون سلطاني، أصبح علي يعتة في منصب أمين عام الحزب الشيوعي إلى جانب عضوية عدد قليل من المغاربة في حزب كان أقرب إلى فرع للحزب الشيوعي الفرنسي. ساهم ابتداء من منتصف الأربعينيات في تعزيز تمثيلية المغاربة في الحزب، ليقدم بنفسه صيف 1946 تقريراً سياسياً للجنة المركزية يطالب فيه بإنهاء "الحماية الفرنسية"، وإنشاء جمعية وطنية تأسيسية.
بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1956 تم منع الحزب عام 1960 وفي عام 1968 تولى علي يعتة منصب الأمين العام للحزب تحت اسمه الجديد "حزب التحرر والاشتراكية" إثر المؤتمر الثالث للحزب الذي انعقد بشكل سري، وليتغير هذا الاسم هو الآخر سنة 1974 ويصبح "حزب التقدم والاشتراكية".
تعرض علي يعتة للسجن في أيام الاستعمار وبعد الاستقلال على السواء، فقد زجت به سلطات الاحتلال في السجن بالدار البيضاء والجزائر ومرسيليا وباريس، وعرف بعد الاستقلال زنازين السجن الشهير "درب مولاي الشريف" بالدار البيضاء، وسجن "العلو" بالرباط.
قاد حزبه في ظروف ومنعطفات صعبة يظل أهمها فترة حل الحزب، حيث حافظ على قاعدة الحزب في صيغته الجديدة باسم حزب التحرر والاشتراكية ثم حزب التقدم والاشتراكية، وعمل عبر هذه المنعطفات على تكييف مواقف الحزب ومرجعياته مع الواقع السياسي المغربي، فقد دفع في اتجاه مشاركة الحزب في حركة المطالبة بالديمقراطية في إطار العمل المؤسساتي داخل البرلمان، وفي أواخر عمره، هيأ الأرضية الذهنية على مستوى حزبه للمشاركة في الحكومة وهو ما حصل في عهد خلفه إسماعيل العلوي بعد وفاة علي يعتة بحادث سير عام 1997.
مؤلفاته:
خلف علي يعتة بعض المؤلفات بينها "بعد تحرير الجزائر، مراحل توحيد المغرب العربي" سنة 1962، ثم "الصحراء الغربية المغربية" الذي صدر عام 1973، و"من أجل انتصار الثورة الوطنية الديمقراطية" الصادر عام 1975.
________________________________________منشورة سلسلة الأمناء العامون للأحزاب الشيوعية العربية على موقع الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي):
www.scppb.org

7. العدوانية والعنف والأيدلوجية

نقد الأيدلوجية
ولد مفهوم الأيدلوجية أو “علم الأفكار” منذ بداية القرن التاسع عشر، كمصطلح، على أيدي مجموعة من اللغويين الفرنسيين، وتحديداً، في عمل دستيو دي تراسي “عناصر الأيدلوجية” في سنة 1801.
لكن مما لا ريب فيه أن هذا المفهوم قد تعرض لتحولات هامة بفضل القارات المعرفية الجديدة التي تم اكتشافها على أيدي ماركس، ونيتشه، وفرويد، حيث لا يمكن لأي باحث رصين القفز فوق القطوع التي تركها حفرهم المعرفي.
لكن ضرورات الحفر المعرفي تستلزم المزيد من البحث والتنقيب بما يتعدى المصطلح وتاريخه الى البحث في ظاهرة الأيدلوجية ودورها التضليلي في تنضيد مستويات البنية الاجتماعية على نحو متراكم يبعدها عن محورها السياسي المحرك.
يصعب على الباحث الموضوعي أن يحصر علّة التضليل هذه في “الخبث الطبقي”، سواء للتحالف الطبقي المسيطر او للفئة المهيمنة فيه.
لا ريب ان مصالح الجماعات تنعكس في خطابات متنوعة ومتحيزة، لكنها ايضا مقنّعة بقناع التسامي أو الإعلاء كقيمة اجتماعية تضفي على الخطاب مشروعية أخلاقية.
هكذا يبدو العمل المشترك لـ ماركس وانجلس “الأيدلوجية الالمانية” في سنة 1845، والاعمال اللاحقة لكل من كارل مانهيم “الأيدلوجية والطوباوية” سنة 1929، ومدرسة فرنكفورت (خاصة: ماكس هوركهيمر، هربرت ماركوز، وثيودور أدورنو، وإريك فروم)، في ستينات وسبعينات القرن الفائت، إضافة الى مقالات لويس ألتوسّر “فرويد ولاكان” سنة 1964، و” من أجل ماركس” سنة 1965، و” الأيدلوجية وأجهزة الدولة الأدلوجية” سنة 1970، سلسلة من المقاربات في الاتجاه الصحيح.
لقد عمّقت هذه الاعمال فهمنا للأيدلوجية بتخصيبه بمفهوم اللاوعي الفرويدي ولاحقاً باللاوعي الجمعي عند يونغ، وأخيرأً مفهوم “الحس التاريخي” النيتشوي المعادي لكل فهم متافيزيقي وأنثروبولوجي للذاكرة، لأن التاريخ الحقيقي هو ذاكرة مضادّة تسخر من كل الأقنعة، مهما علا شأنها، في كرنڨال الحقيقة. لقد فضح نيتشه زيف القيم البرجوازية كقناع مضلِّل يخفي أنانيتها وإرادة السلطة في أعماق سلوكها.
يبدو أنّ التزييف كوظيفة أساسية للأيدلوجية يتطابق مع ظهور العناصر الاولى للّاوعي الجمعي، بدءاً بالديانات البدائية، كالطوطمية، والسحر، والوثنية، التي تستغرق طوري الوحشية والبربرية السابقين على عصر الحضارة.
هكذا يكون تاريخ تكوّن الأيديلوجية هو تاريخ تكوّن اللّاوعي الجمعي في إعلاءاته الأولى لقوى الطبيعة العمياء التي لا يمكن “مواجهتها ” الا بطقوس “الخارق” تماماً كما في الأحلام حيث كل شيء مستحيل فيها ممكن، حتى مواجهة الموت.
لم تتكلّس عناصر الأيدلوجية هذه في بنية إلا مع عصر الحضارة، وتحديداً مع تركّز الحرفة والتجارة ونشؤ المدن.
هنا بالضبط، ولأول مرة نشأت تلك العلاقة من التضايف بين حجم فائض الانتاج وحجم الكتلة البشرية المتفرغة للإنتاج الفكري. وهنا لافرق إن كان الفائض منهوباً من الداخل او الخارج الإمبراطوري، لأن الحضارتين اليونانية والرومانية أينعتا على جماجم العبيد.

الأيدلوجية والمأسسة
لا يمكن لأية أيدلوجية مهما علا شأنها أن تهيمن إلا بقوة المأسسة، ولا يمكن لأية طبقة او تحالف طبقي مسيطر الاستمرار في السلطة إلا بالهيمنة عبر مؤسسات الأدلجة المؤلفة: من الكنائس والمساجد، إضافة الى المدارس الرسمية والخاصة، والعائلة، والمؤسسات الحقوقية، مع الأحزاب السياسية المختلفة والنقابات، وأخيراً المؤسسات الفنية ووسائل الإعلام المكتوب والمسموع والمتلفز(2)، ونحن نضيف المعولم.

هذا الفهم للأيدلوجية قدمه ألتوسّر مستنداً الى أعمال غرامشي، وخاصة “رسائل من السجن”، حيث يتجاوز مفهوم الدولة كجهاز قمع على وجه الحصر ليكشف عن وظائف “مدنية” أخرى تقوم بها مؤسسات تابعة لها كالكنيسة، والمدارس، والنقابات، أي ما يسمى “المجتمع المدني”.
لكن هذه المقاربة كتبت بعد مئة وإحدى وثمانين سنة من الثورة الفرنسية (1789)، في مجتمع بلغت فيه البنية الاجتماعية زمان تطورها، وتحققت فيه العلمانية بشكل ناجز فقط في السنوات الأولى للقرن العشرين وذلك بالفصل الكامل للدين عن الدولة..













زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي
http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي
موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت:
www.scppb.org

موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن):
www.ahewar.org/m.asp?i=9135



#الحزب_الشيوعي_السوري_-_المكتب_السياسي (هاشتاغ)       The_Syrian_Communist_Party-polit_Bureau#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسار- العدد 35
- البرنامج السياسي للحزب
- المسار- العدد 34
- المسار- العدد 33
- بيان حول العدوان التركي
- المسار- العدد 32
- المسار- العدد 31
- المسار- العدد 30
- المسار- العدد 29
- المسار- العدد 28
- المسار- العدد 27
- بيان بمناسبة عيد الجلاء
- المسار- العدد 26
- حول الجولان العربي السوري
- المسار- العدد (25) – كانون ثاني /يناير 2019
- المسار- العدد (24) – كانون ثاني /يناير 2019
- رسالة تضامن مع انتفاضة الشعب السوداني والحزب الشيوعي السودان ...
- المسار- العدد 23
- الرؤية سياسية المعتمدة من اللجنة التحضيرية لتشكيل الجبهة الو ...
- بيان إشهار (الجبهة الوطنية الديمقراطية /القطب الديمقراطي)


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي - المسار- العدد 36