|
المسار- العدد 33
الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)
الحوار المتمدن-العدد: 6395 - 2019 / 10 / 31 - 09:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العدد /33/ نشرين أول /أوكتوبر 2019
، " بيان من الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) حول العدوان التركي " في يوم 9تشرين أول2019قامت القوَّات العسكرية التركية بغزو أراضي شمال شرق سوريا بغطاء أميركي -روسي، ما يشكِّل عدواناً سافراً على سيادة الدولة السورية على أراضيها، وما يمثِّل تطوُّراً خطيراً في مسار الأزمة السورية حيث كان رفض النظام السوري في عام 2011 للحل السياسي السوري – السوري واتِّجاهه للحل الأمني-العسكري قد فتح باباً مشرَّعاً لتدخُّلات خارجية قاد إلى تحكُّم الخارج الدولي-الإقليمي، ليس فقط بمسارات الأزمة السورية وإنَّما أيضاً إلى فقدان السوريين جميعاً للقدرة على تقرير مصير سوري للأزمة. لقد قام حزبنا منذ عام2011 بانتهاج خط سياسي يرفض استعانة السوريين ،مهما كانت مواقعهم في السُّلطة والمعارضة، بالخارج، وقد قلنا منذ ذلك العام بأنِّ لا حل أمني- عسكري للأزمة بل حلاً عبر تسوية سياسية، وقد أبلغنا بشكل مباشر قياديين في (حزب الاتحاد الديمقراطي)بأنَّ استعانتهم بالأمريكان وتغطيتم لبناء قواعد عسكرية أميركية على الأرض السورية هو فعل مرفوض وطنياً وبأنَّ الأمريكان سيغدرون بهم و"يطعنوهم في الظهر"، كما أنَّ ادخالهم سوريا في صراع تركي- تركي ،بفعل تبعية (حزب الاتحاد الديمقراطي) لـ(حزب العمال الكردستاني)،ستقود أنقرة إلى عقد صفقات دولية من أجل القضاء على فرع سوري لحزب عبدالله أوجلان يحاول إقامة منطقة خاصة له عند الحدود السورية - التركية تحت اشراف وتوجيه من قيادة جبال قنديل، وهذا ما يدخل سوريا في نفق عميق تقود إليه الأطماع التركية المعروفة في الأراضي السورية. إنَّنا ندين الغزو العسكري التركي لأراضي بلدنا سوريا ،حيث يتذرَّع الأتراك باتفاقية أضنة التي وقعها النظام السوري عام1998معهم والتي هي مرفوضة وتفتقد إلى أي مشروعية دستورية وقانونية سورية ، وندين كل طرف أو شخص أو فريق سياسي سوري شارك أو أيد أو صمت عن هذا الغزو باعتباره أخذ موقفاً لاوطنياً، ونطالب بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية ،ونحن نرى بأنَّ يوم9تشرين أول2019هو منعطف فاصل يعطي إشارات واضحة على مدى فقدان السوريين لسيادتهم ،وهو ما يدعو كل السوريين، مهما كانت مواقعهم في السلطة والموالاة والمعارضة والتردُّد، من أجل السعي نحو تبني وانتهاج خط سيادي وطني سوري يرفض ويسعى إلى اخراج كل القوَّات غير السورية، سواء كانت نظامية أو غير نظامية وسواء كانت مساندة لهذا الطرف السوري أو ذاك، من الأراضي السورية ،مع سعي السوريين إلى حل سياسي ينهي الأزمة السورية على أساس القرار الدولي 2254لعام2015 الذي يقول في نصَّه بإقامة " حكم ذو مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية " من أجل الانتقال من الاستبداد إلى دولة الحق والقانون والديموقراطية كطريق وحيد نحو استعادة سيادة بلدنا سوريا الذي يعاني الآن من الاحتلالات والهيمنات الخارجية واستباحة أرضه. دمشق -12تشرين أول2019 الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) الافتتاحية: 1. "هزيمة الإسلاميين السوريين ومعهم المعارضة السورية المسلحة" عندما انتخب شكري القوتلي رئيساً للدولة السورية من قبل البرلمان عام 1955 كان ذلك كسراً للقاعدة السورية: "من يخسر لا يعود لمركزه السابق ولا ينجح"، عندما حصل ذلك بعد ست سنوات من إطاحة حسني الزعيم به في أول انقلاب عسكري سوري. حكمت هذه القاعدة الملك فيصل بن الحسين الذي خسر إثر (معركة ميسلون) حكم دمشق عام 1920، وقد حاول بعد توليه في العام التالي حكم العراق، هو ومن خلفه من الهاشميين في بغداد حتى عام 1958، العودة إلى حكم دمشق تحت شعار "الهلال الخصيب" من دون نتيجة. لم يستطع القوتلي الاستمرار في منصبه وذهب تحت ضغط العسكر وحزب "البعث" وسلًّم عاصمة الأمويين لعبد الناصر عام 1958. كان الظن بعد هزيمة (جماعة "الإخوان المسلمين" في سورية) في أحداث 1979 ــ 1982 بأنَّها لن تستطيع تصدُّر المشهد السياسي السوري المعارض ثانية، وبأنَّها قد فقدت حظوظ الوصول إلى السلطة: عندما قدمت الجماعة وثيقتي "ميثاق الشرف الوطني" و"المشروع السياسي لسوريا المستقبل" بعامي 2001 و2004 كان هناك ترجيحات في المعارضة السورية اليسارية بأنَّ "الإخوان" قد استخلصوا دروس هزيمة حماة عبر البعد عن نزعة العسكرة وأنَّهم في اتجاه نحو الإيمان بالتعددية الفكرية ــ السياسية. شاركت الجماعة في تأسيس "إعلان دمشق" مع طيف واسع من المعارضة السورية في 16 تشرين أول 2005 ولكنهم من دون أن يطلعوا حلفاءهم قاموا بقفزة مفاجئة في شباط 2006 عبر الاتفاق مع نائب الرئيس السوري المنشق عبد الحليم خدام لتأسيس تحالف سياسي جديد، ثمَّ من أجل خلع هذا القميص الجديد ونحو محاولة الاتفاق مع السلطة السورية، عبر جهود من رجب طيب أردوغان وخالد مشعل، استغلّوا حرب غزة وأعلنوا "تجميد نشاطهم المعارض" في كانون الثاني 2009. لمَّا فشلت تلك المساعي قام "الإخوان" بخلع القفازات الناعمة التي كان يمثلُّها المراقب العام للجماعة علي صدر الدين البيانوني وانتخبوا قيادة متشدِّدة من حمويين ثلاثة: رياض الشقفة مراقباً عاماً، وفاروق طيفور نائباً للمراقب العام، ومحمد حاتم الطبشي رئيساً لمجلس شورى الجماعة، أثناء اجتماع في آب 2010 جرى في تركيا، وهم ثلاثتهم تلاميذ لمروان حديد وسعيد حوى اللذين نظرا للسلاح المعارض الإسلامي في السبعينيات. على الأرجح كان هذا الاجتماع في تركيا مؤشِّراً على غيوم اعترت العلاقات التركية ــ السورية التي بدأت في عام 2004 بأجواء جديدة لم تشهدها علاقات دمشق وأنقرة منذ عام 1946.عندما انفجر الوضع الداخلي السوري مع درعا في 18 آذار 2011، كان الكثير من المعارضين تتملَّكهم الخشية من أن يحاول "الإخوان"، أو "السلفيون الجهاديون السوريون" الذين برزت قوتهم في عراق ما بعد التاسع من نيسان 2003، أسلمة الحراك السوري المعارض واقتياده إلى السلاح. زادت هذه الخشية عندما كان الإسلاميون، وتابعيهم من "الليبراليين الجدد" في "اعلان دمشق"، وراء فشل تشكيل "جبهة عريضة معارضة" من خلال محادثات جرت حول وثيقة حوارية للمعارضة وضعت في التاسع من أيار2011 ثم كانا، أي "الإخوان" و"اعلان دمشق"، وراء فشل محادثات الدوحة في الأسبوع الأول من أيلول 2011 مع "هيئة التنسيق" لما أصرَّا في الوثيقة التي تمَّ التَّفاوض حولها على رفض تضمين أي كلام يتضمن "رفض العنف المعارض ورفض التَّدخُّل العسكري الخارجي". في تشرين أول 2011، وبعد أيام قليلة من تشكيل "المجلس الوطني السوري" في الثاني من ذلك الشهر في اسطنبول، أخذ مجلس شورى جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا قراراً بالعمل المسلح مثل قرار مشابه أخذه مجلس شورى "التنظيم العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا" في نيسان 1979، أي قبل مجزرة مدرسة المدفعية في حلب يوم 16 حزيران 1979 والتي نفَّذها تنظيم الطليعة لجماعة "الإخوان" قبل أن يتَّحد مع "التنظيم العام" و"تنظيم الطلائع الإسلامية" بقيادة عصام العطار في "مؤتمر الوفاق" في كانون أول 1980. يبدو أنَّ القراءة الإخوانية كانت بأنَّ دمشق لن يتكرر بها سيناريو تونس 14 كانون الثاني 2011 والقاهرة 11 فبراير 2011 عندما الشارع أسقط الحاكم، بل يمكن أن تكون هناك "محاولة سورية" لتكرار السيناريو الليبي عندما قاد "العنف المعارض" ضد القذافي إلى استجرار التدخل العسكري الخارجي لحلف "شمالي الأطلسي". كان فاروق طيفور في خريف 2011 هو المتحكِّم بالمال القطري والموزَّع له تحت رعاية تركيا وكان هو الذي يجبر التشكيلات العسكرية المعارضة، وخصوصاً للمنشقين عن الجيش السوري النظامي، على أسماء إسلامية لهذه التشكيلات وعلى الانضواء تحت أجندات الإسلاميين. لم يتحقَّق السيناريو الليبي في سوريا وقد طالب رياض الشقفة بمؤتمر صحافي يوم 18 تشرين ثاني 2011 بتدخُّل عسكري تركي في محاولة لوضع أردوغان في سوريا بموضع كأنَّه ساركوزي في ليبيا قبل أشهر (تحت قيادة من الخلف أميركية وفق تعبير أوباما). يبدو أنَّ الفيتو الروسي في مجلس الأمن يوم الرابع من تشرين الأول 2011 ثم إرسال قطع الأسطول الروسي للبحر الأسود إلى طرطوس بعد أسبوع من طلب الشقفة قد منعت ذلك. كانت الأجواء تقول بقرب وصول "الإخوان المسلمين" إلى السلطة في تونس والقاهرة. بعد ثلاثة أيام من صدور "بيان جنيف1" في 30 حزيران 2012، وهو اليوم نفسه الذي تولَّى فيه محمد مرسي السلطة المصرية، رفض فاروق طيفور عرض ناصر القدوة، نائب المبعوث الدولي كوفي عنان إلى سوريا، بإدراج قبول مؤتمر المعارضة السورية المنعقد في القاهرة في الثاني والثالث من تموز 2012 ببيان جنيف في نص بيان المؤتمر الختامي، وقد شهد تموز 2012 ذروة الجهد العسكري الإسلامي مع سقوط شرق حلب ومع محاولة لاختراق قلب مدينة دمشق عبر هجوم من الغوطة الشرقية تزامن مع تفجير مكتب الأمن الوطني أثناء اجتماع خلية الأزمة في يوم 18 تموز. كان واضحاً من تدويل الأزمة السورية، ودخول موسكو على خط الدِّفاع عن السلطة السورية: قال لافروف أمام وفد من هيئة التنسيق في نيسان 2012: "نحن ندافع عن موسكو في دمشق" ــ بأنَّ الموجة الإخوانية ستنحسر في دمشق بعد مدها القوي وتسيُّدها السلطة في تونس والقاهرة ومشاركتها بالسلطة في صنعاء وطرابلس الغرب، وهذا ليس فقط بحكم الرفض الروسي لتلك الموجة بل أيضاً بحكم الرفض السعودي لتلك الموجة الإخوانية التي كان يتزعمها أردوغان، حيث لم ينسَ آل سعود مصير الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى التي دمرها محمد علي باشا الحاكم المصري عام 1818 بأمر السلطان العثماني. انضمَّت واشنطن، بعد قبول منها بالموجة الإخوانية إثر سقوط حسني مبارك يوم 11 شباط 2011، إلى رافضي ونابذي تلك الموجة الإخوانية إثر قتل الإسلاميين الليبيين للسفير الأميركي في ليبيا في بنغازي يوم 11 أيلول 2012، وهو ما حكم مصير "الإخوان" بالسقوط في القاهرة وتونس عام 2013 ونزع الملف السوري من أيدي تركيا وتسليمه الى روسيا منذ اتفاق السابع من أيار 2013 في موسكو بين كيري ولافروف. منذ عام 2013 كان واضحاً غروب شمس الأصولية الإسلامية الإخوانية وبداية تصدُّر "السلفية الجهادية" للمشهد الإسلامي السوري: كان هناك تنظيمات في الوسط بين "الأصولية" و"السلفية الجهادية"، مثل "لواء التوحيد" و"أحرار الشام"، ولكن كانت تنظيمات "السلفية الجهادية"، مثل "جبهة النصرة" (الفرع السوري لتنظيم القاعدة) و"داعش"، هي الأقوى عسكرياً، وهذا ما جعل الرايات السُّود متصدِّرة للعمل العسكري السوري المعارض، وعندما جاء القرار الدولي 2170 في يوم 15 آب 2014، أي بعد شهرين من سقوط الموصل بيد "داعش"، كان واضحاً بأنَّ المجتمع الدولي، وبالذَّات في الغربين الأميركي والأوروبي، قد أصبح يرى التَّناقض الرئيسي مع (الرايات السود) التي ضربته في نيويورك 2001 ومدريد 2004 ولندن 2005، وليس مع السلطة السورية. كانت حلب كانون الأول 2016 هزيمة ثانية للإسلاميين السوريين بعد هزيمة حماة شباط 1982 تلقَّاها السلفيون الجهاديون بعدما سبقهم إلى ذلك قبل ثلث قرن الأصوليون الإخوانيون، ثمَّ تكَّررت هذه الهزيمة في الغوطة وحوران عام2018: ألا يدل مصير الاسلاميين السوريين، الذين تحوَّلت فصائلهم إلى قوة متنقِّلة بيد التركي، كما تظهر عملية غزو9تشرين أول 2019للأراضي السورية من قبل الأتراك، على أنَّ الهزيمة ليست فقط للإسلاميين السوريين بل أيضاً للعمل المسلَّح المعارض، فيما لم تهزم المعارضة السورية السلمية التي بحثت منذ عام2011عن حل تسووي سياسي للأزمة السورية؟
2. لماذا "نبع السَّلام"؟ مصطفى سعد
شهدت الانتخابات البرلمانية الأخيرة المقامة العام الماضي في تركيا تراجعا واضحا لحزب العدالة والتنمية، ليخسر بموجبها 68 مقعدا نيابيا، أي يخسر الأغلبية المطلقة الحاصل عليها منذ عام 2002، وبالتَّالي يفقد قدرته على تشكيل حكومة منفردة للمرَّة الرابعة على التَّوالي. وبحسب بيانات صدرت عن المعهد الإحصائي التركي في 11 آذار 2019 أنَّ نمو الاقتصاد التركي تدهور بشكل ملموس نهاية عام 2018، فوصل إلى 2.6%، مقابل 7.4% في 2017، متأثِّرا في ذلك بانكماش حاد تعرَّض له خلال الربع الأخير من 2018. وفي عام 2019 تعرَّض حزب العدالة والتنمية لضربتين قاسيتين، إحداهما خلاف داخلي ضمن صفوف الحزب بقيادة وزير الخارجية أحمد داؤود أوغلو والقيادي البارز على بابكان، والثانية في انتخابات البلدية حيث خسر أهم بلديات تركيا أنقرة وإسطنبول، (أردوغان الذي كان قد صرَّح خلال الحملة الانتخابية أنَّ من يفوز ببلدية اسطنبول يفوز بتركيا) بعد أن حقق الحزب ورجب طيب أردوغان انتصارات انتخابية غير مسبوقة في تركيا. وللحد من تراجع شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية، كان لابد من البحث عن حلول أو مشاريع تتفق عليها أغلبية القوى السياسية التركية والشارع التركي. القضية الكردية ومحاربة حزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية لدى تركيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرهما من دول الناتو أكثر ما يجمع عليه الأتراك على اختلاف توجهاتهم السياسية أو انتماءاتهم الدينية والقومية (بما فيهم قسم كبير من أكراد تركيا)، وقضية اللاجئين السوريين وترحيلهم بعد اعتراضات كثيرة على وجودهم لأسباب في معظمها اقتصادية.
فجاء القرار ببدء عملية "نبع السلام" لتحقيق أهداف داخلية وخارجية صرَّح عنها أردوغان بوضوح وبشكل مباشر منها ضرب وحدات الحماية الكردية-التي هي جسد يعلوه رأس، هذا الرأس هو حزب العمل الكردستاني- وإنهاء أي تواجد عسكري كردي مسلح. مازالت تجربة كردستان العراق بعد حرب الخليج الثانية 1991 وبعد انسحاب قوات صدام حسين من الشمال ماثلة في أذهان وعقول الأتراك ولن يسمحوا لوحدات الحماية الكردية بتكرار ذلك في سوريا وإقامة حكم ذاتي، وقد قال أردوغان في اجتماع اللجنة النيابية: أن الحل الأسرع هو أن يترك الأكراد سلاحهم ويضيف أيضا -بحسب ما جاء في وكالة رويترز-"إن َّالعملية التركية ستنتهي عندما تكمل تركيا إقامة المنطقة الآمنة، وأنَّ تركيا غير مستعدَّة للتَّفاوض على ذلك ". ممَّا يعني تغيير ديمغرافي في الشمال السوري بإعادة اللاجئين السوريين ليقيموا على الشريط الحدودي، وخاصَّة في شرق الفرات وبقية المناطق ذات الغالبية الكردية، فلا تستطيع القوى الكردية المطالبة بالانفصال أو بحكم فيدرالي للبلاد. في التاَّسع من شهر تشرين الأول دخلت القوات التركية الأراضي السورية، وقد استند تركيا في دخولها على اتفاقية أضنة غير الشرعية الموقعة مع الحكومة السورية 1998، وبموافقة الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وظهر هذا جليَّا في مجلس الأمن من خلال فيتو أميركي -روسي مشترك لأول مرة منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 وإن كانت الغايات مختلفة. ترامب يريد متابعة ما بدأ به الرئيس الأسبق باراك أوباما في انسحابه من الشرق الأوسط للتركيز على الشرق الأقصى، بالإضافة لكونه أكَّد في أكثر من مناسبة أنَّ اعتماده على القوى الكردية ودعمه لها مرتبط بمحاربة داعش فقط، وهو الذي ينتظر استحقاق انتخابي العام القادم، ويعلم أنَّ الكتلة الأكبر من الناخبين الجمهوريين والديمقراطيين مع انسحاب قوَّات بلادهم من سوريا. أما بوتين فهو يرى أنَّ مصلحة بلاده في رجوع "مجلس سوريا الديمقراطية" وجناحها العسكري "قوَّات سوريا الديمقراطية" إلى دمشق، وسيطرة الحكومة السورية على المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية بشرط ألاَّ يكون تأثير العملية العسكرية التركية سلبيا على العملية السياسية لحل الأزمة السورية. وبحسب رويترز أيضا جاء على لسان المتحدث باسم الكرملين السيد ديمتري بيسكوف من خلال مؤتمر صحفي: "إنَّ موسكو تحترم في الوقت نفسه حق تركيا في الدِّفاع عن النفس." الموافقة الأمريكية الروسية للتَّدخُّل العسكري التركي في سوريا، لا تعني عدم وجود معارضين لها على الصعيد الإقليمي والدولي وتهديدات من تسع دول أوروبية منها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا، لكن هذا لن يمنع أردوغان من مواصلة العملية، كما في السابق فقد سبق عملية "نبع السلام" عمليتين عسكريتين على الأراضي السورية، الأولى "درع الفرات" في خط جرابلس – الباب – أعزاز 24 آب 2016، والعملية العسكرية الثانية "غصن الزيتون" في عفرين 20 كانون الثاني 2018 والعمليتين بدون رضا أوروبي. من أهم نتائج التَّدخُّلين السابقين حصول الأتراك على غطاء روسي لتواجدهم العسكري في محافظة إدلب. وبعد اتفاق أردوغان - بوتين 17 أيلول 2018 أخذ الأوَّل شريطا حدوديا يمتدُّ من جرابلس حتَّى منطقة ربيعة قرب بلدة كسب التابعة لمحافظة اللاذقية على طول الحدود السورية- التركية إن كان عبر قوات تركية رسمية أو من خلال قوات سورية محلية من الإسلاميين التابعين سياسيا لأنقرة بشكل مباشر. لكن يبقى السؤال الأهم ماذا سينتج عن العملية الثالثة؟ بداية علينا أن ندرك أنَّ المنطقة اليوم مقسَّمة لمناطق نفوذ الدول الكبرى وتوازن القوى الدولية والإقليمية الفاعلة لا يمكن كسره من قبل طرف ما. التركي يدرك جيدا أنَّه ليس بمقدوره القضاء على الأكراد أو الوصول بجيشه إلى دمشق مثلا، ولذلك بدأ بين منطقتين غالبية سكانهما من السوريين العرب الذين لا تجمعهم علاقة جيدة مع قوات سوريا الديمقراطية (رأس العين وتل أبيض) لكن بالتأكيد هدفه أبعد من 120 كم. هدفه العسكري إقامة نقاط تحول دون تمدُّد "قوات سوريا الديمقراطية" وتثبيت وجوده على مدى طويل نسبيا لسببين الأول: لتكون تلك العملية هي الأخيرة من نوعها للقضاء على امتداد حزب العمال الكردستاني في سوريا بعد أن حقَّق في السنوات القليلة الماضية نجاحا في القضاء على أعداد كبيرة منه ومن قياداته في كل من تركيا وجبال قنديل في العراق. والثاَّني أنَّ اللجنة الدستورية التي تشكَّلت وبدأت عملها أخيرا تبدو آخر مسارات الحل السياسي للأزمة السورية، ولأن قسما من المعارضة السورية يتبع بقراره لأنقرة كالمجلس الوطني والإخوان والمسلمين، فقد ترى أنقرة أنَّه بتواجدها على الأراضي السورية تملك ورقة قوة تفاوض بها وعليها في المستقبل القريب. وإذا كانت المسألة الشرقية في القرن التاسع عشر الذريعة لتدخل القوى الإمبريالية في منطقتنا، فإنَّ هذه "المسألة الشرقية" مستمَّرة في أشكال أخرى إلى يومنا هذا. لذلك على جميع السوريين من كافة الاتجاهات السياسية والإثنيات إدانة أي تدخُّل خارجي وعدم الاستعانة بأي قوة أجنبية أو الاصطفاف خلفها والعمل لإعادة السيادة على كافة الأراضي السورية وخروج جميع الجيوش والمقاتلين الرسميين وغير الرسميين الذين استباحوا هذه البلاد لبناء وطن حر مستقل من غير أي تبعية لأي دولة. وطن تسوده قيم الديمقراطية والمواطنة والعلمانية ________________________________________
3. اللجنة الدستورية السورية
بعد مخاض طويل استمر لما يزيد على عام، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في 23 أيلول 2019 موافقة الحكومة السورية و هيئة التفاوض السورية المعارضة على إطلاق اللجنة الدستورية السورية، وتضم اللجنة الدستورية ممثلين عن النظام والمعارضة والمجتمع المدني لمراجعة الدستور، بهدف تعديله أو صوغ دستور جديد، على أن تكون هذه الخطوة "بداية مسار سياسي يلبي التطلُّعات المشروعة لجميع السوريين". وكان تشكيل اللجنة وفقاً للقرار 2254، وينص القرار الذي صوَّت عليه مجلس الأمن في 18 كانون الأول 2015 على بدء محادثات السلام في سوريا في كانون الثاني 2016، وكان القرار اعتماداً على بيان جنيف الذي تضمَّن خطَّة واضحة للانتقال السياسي، ودعم بيانات فيينا الخاصة بسوريا والتي صدرت بتاريخ 30 تشرين الأول 2015 و14 تشرين الثاني 2015 باعتبارها الأساس في تحقيق عملية الانتقال السياسي بهدف إنهاء النزاع في سوريا. وتضمَّن القرار 2254 عدداً من النقاط أهمها: - التَّأكيد على أنَّه ما من حل دائم للأزمة الراهنة في سوريا إلاَّ من خلال عملية سياسية جامعة. - يحث جميع الأطراف في العملية السياسية التي تتولَّى الأمم المتحدة تيسيرها على الالتزام بالمبادئ التي حددها الفريق الدولي، بما في ذلك الالتزام بوحدة سورية واستقلالها وسلامتها الإقليمية وطابعها غير الطائفي، وكفالة استمرارية المؤسسات الحكومية، وحماية حقوق جميع السوريين، بغض النظر عن العرق أو المذهب الديني، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء البلد. - يدعم عملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدِّد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرَّة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلَّبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر، على النحو المنصوص عليه في بيان اجتماع المجموعة الدولية في فيينا المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015. - يشدِّد على ضرورة قيام جميع الأطراف في سورية باتخاذ تدابير لبناء الثقة من أجل المساهمة في فرص القيام بعملية سياسية وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، ويدعو جميع الدول إلى استخدام نفوذها لدى الحكومة سورية والمعارضة السورية من أجل المضي قدما بعملية السلام وتدابير بناء الثقة والخطوات الرامية إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار. ودعا المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن اللجنة الدستورية السورية، إلى بدء اجتماعاتها في جنيف في 30 تشرين الأول الجاري. جاء ذلك ضمن وثيقة قدمها الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن وتضمنت المعايير المرجعية وقواعد عمل اللجنة. ونصت الوثيقة على أنَّ المبعوث الخاص دعا اللجنة الدستورية إلى بدء اجتماعاتها في جنيف في 30 تشرين الأول. المرجعية والقواعد الإجرائية الأساسية: المادة 1: الولاية - تُعدُّ اللجنة الدستورية، في سياق عملية جنيف التي تُيِّسرها الأمم المتحدة، مشروع إصلاح دستوري يحظى بموافقة شعبية كمساهمة في التسوية السياسية في سوريا وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 (2015)، ويجب أن يتضمَّن الإصلاح الدستوري من ضمن جملة أمور في الدستور والممارسات الدستورية في سوريا استناداً إلى نص وروح المبادئ الإثني عشر. - يجوز للجنة الدستورية مراجعة دستور 2012 بما في ذلك في سياق التجارب الدستورية السورية الأخرى وتعديل الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد. المادة 2: التكوين والهيكل - يكون للجنة الدستورية هيئتين واحدة كبيرة وأخرى صغيرة. - تتألف الهيئة الكبيرة من 150 رجلاً وامرأة -50 ترشحهم الحكومة، و50 رشحتهم هيئة التفاوض السورية و50 مجتمع مدني. - تتكوَّن الهيئة الصغيرة من 45 رجلاً وامرأة -15 ترشحهم الحكومة من بين الخمسين، و15 من الذين رشحتهم هيئة التفاوض و15 من بين 50 للمجتمع مدني. - تقوم الهيئة الصغيرة بإعداد وصياغة المقترحات الدستورية وتقوم الهيئة الكبيرة بتبنيها. يمكن عقد الهيئة الكبيرة، بالتوازي أو بشكل دوري أثناء سير عمل الهيئة الصغيرة، لمناقشة المقترحات واعتمادها. المادة 3: صنع القرار - يجب أن يحكم اللجنة الدستورية شعور بالتسوية والمشاركة البنَّاءة التي تهدف إلى التَّوصُّل إلى اتفاق عام بين أعضائها من أجل الحصول على أوسع دعم ممكن من الشعب السوري، وتحقيقاً لهذه الغاية، تتقدَّم الهيئات إلى الأمام وتتخذ القرارات بتوافق الآراء حيثما أمكن، ولكن بخلاف ذلك يتطلَّب التَّصويت دعماً بنسبة لا تقل عن 75٪ من الأعضاء في الهيئة المعنية (أي 113 عضواً حاضراً للتصويت في الهيئة الكبيرة، 34 عضواً حاضراً للتصويت في الهيئة الصغيرة). على أن تكون عتبة التصويت البالغة 75٪ ثابتة. المادة 4: الرئاسة - يكون للجنة الدستورية ترتيبات رئاسة متوازنة مع رئيسين مشاركين -واحد ترشحه الحكومة السورية والآخر ترشحه هيئة التفاوض السورية. - يشرع الرئيسان المشاركان بتوافق الآراء في رئاسة الهيئتين الكبيرة والصغيرة. - يمارس الرئيسان المشاركان بتوافق الآراء الصلاحيات اللازمة لضمان التقيد بالنظام الداخلي وحسن سير عمل اللجنة الدستورية، وقد تشمل وظائفهم: - رئاسة وتوجيه الاجتماعات والدورات. - اقتراح وضمان مراعاة النظام الداخلي. - تسهيل واقتراح جدول أعمال وخطط عمل تمكّن من مناقشة جميع القضايا، على ألا يؤثر الخلاف في قضية ما على باقي القضايا. - تحديد المتحدثين وتوجيه الدعوات إليهم. - تشجيع تعميم مراعاة التوزيع بين الجنسين. - تلقي الأفكار والمقترحات وطرحها على النقاش حسب الاقتضاء. - التنسيق مع المبعوث الخاص للتأكد من أن دوره التسهيلي متاح امام الجميع لضمان تأدية واجباتهم. المادة 5: التيسير - يسهل المبعوث الخاص عمل اللجنة الدستورية التي تقودها سوريا والمملوكة لسوريا، بما في ذلك من خلال دعم الرئيسين المشاركين للتوصل إلى توافق في الآراء وتقريب وجهات النظر بين الأعضاء من خلال بذل مساعيه الحميدة عند الحاجة. - يستعرض المبعوث الخاص بانتظام تطورات العملية الدستورية من خلال رفع تقاريره إلى مجلس الأمن. المادة 6: ثقة وسلامة وأمن أعضاء اللجنة الدستورية - هناك التزام قوي ومشترك ببناء الثقة يبدأ بضمان عدم تعرُّض أعضاء اللجنة الدستورية وأقاربهم أو منظمات المجتمع المدني وكياناتها السياسية الذين يشكلون جزءًا منها للتهديد أو المضايقة أو الإجراءات ضد شخص أو ممتلكات ترتبط مباشرة بعملهم في اللجنة الدستورية ومعالجة وحل أي حوادث ومخاوف في حالة حدوثها. المادة 7: أحكام إضافية - تماشياً مع شروط الاختصاصات والقواعد الإجرائية الأساسية التي تتمتَّع بموافقة الأطراف السورية، يجوز للجنة الدستورية الاتفاق على قواعد إجرائية أخرى ضمن عملية اللجنة الدستورية لضمان عملها الفعال والمستدام في جميع المسائل دون شروط مسبقة. - تتفق الأطراف السورية على أنَّه ولصالح الشعب السوري وحده، تعمل اللجنة الدستورية على وجه السرعة وبشكل مستمر لتحقيق نتائج وتقدم مستمر، دون تدخُّل أجنبي، بما في ذلك امكانية فرض حدود زمنية من الخارج. - يجوز للجنة الدستورية الاتفاق على أي تعديلات قد تكون ضرورية على طول الطريق في هذه الاختصاصات والقواعد الإجرائية الأساسية لتمكين اللجنة الدستورية من المضي قدمًا، وقد تسعى إلى بذل المساعي الحميدة للمبعوث الخاص حسبما قد يكون ضروريًا. - تتفق اللجنة الدستورية على وسائل الموافقة الشعبية ونقلها إلى النظام القانوني السوري للإصلاح الدستوري الذي تبنته اللجنة الدستورية، وقد تسعى إلى بذل المساعي الحميدة للمبعوث الخاص حسب الحاجة.
4. المنافسَة بدون كارثة: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تتحدّى الصين وتتعايش معها بنفس الوقت؟ https://www.foreignaffairs.com/ كورت إم. كامبل، جيك سوليفان 1 آب/أغسطس 2019 ترجمة هيئة التحرير
لا تزال الولايات المتحدة في خضم إعادة التفكير الأكثر أهمية في سياستها الخارجية منذ نهاية الحرب الباردة. على الرغم من أنَّ واشنطن منقسِمة بمرارة بشأن معظم القضايا، إلاَّ أنَّ هناك إجماعاً متزايداً على أنَّ عصر التَّعامُل مع الصين قد وصل إلى نهايته. ويدور النقاش الآن حول ما سيأتي بعد ذلك. تحتوي هذه المناقشة مثل العديد من المناقشات على مدار تاريخ السياسة الخارجية للولايات المتحدة، على عناصر من الابتكار المُنتِج والديماغوجية المدمّرة. يمكن أن يتفق معظم المراقبين على أنه، كما وضعَتْ استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب في عام 2018، فإن "المنافسة الاستراتيجية" ينبغي أن تحفز نهج الولايات المتحدة في المضي قدماً في بكين. لكن كثيراً ما تثير أطر السياسة الخارجية التي تبدأ بكلمة "إستراتيجية" أسئلة أكثر من إجابتها. "الصبر الاستراتيجي" تعكس تلك الأسئلة عدم اليقين بشأن ما يجب القيام به ومتى. وتعكس أيضاً، "الغموض الاستراتيجي" وعدم اليقين بشأن ما يجب الإشارة إليه. وفي هذه الحالة، تعكس "المنافسة الاستراتيجية" حالة من عدم اليقين بشأن ما انتهت إليه هذه المنافسة وماذا يعني الفوز. إنَّ الاندماج السريع لتوافُق جديد قد ترك هذه الأسئلة الأساسية حول المنافسة الأمريكية الصينية بلا إجابة. ما الذي تتنافس عليه الولايات المتحدة بالضبط؟ وما الذي يمكن أن تبدو عليه النتيجة المرجوة لهذه المنافسة؟ إن الفشل في ربط الوسائل التنافسية لتوضيح النهايات، سوف يسمح لسياسة الولايات المتحدة بالانحراف نحو المنافسة من أجل المنافسَة ومن ثم الوقوع في دائرة المواجهة الخطيرة. لقد تجاهل صُنّاع السياسة والمحلِّلون الأمريكيون، وبحق، بعض الافتراضات الأكثر تفاؤلاً والتي قامت عليها استراتيجية الارتباط الدبلوماسي والاقتصادي التي استمرَّت أربعة عقود مع الصين (والتي وصفها، كورت كامبل، بالتفصيل في العام الماضي، بالمشاركة مع ايلي راتنر). ولكن ربما يستبدل صُنَّاع السياسة في عجلة الاندفاع نحو احتضان المنافسة، بمجموعة جديدة من التفكير القائم على التمنَّيات بالنسبة إلى القديم. كان الخطأ الأساسي في الارتباط هو افتراض أنَّه يمكن أن يُحْدِث تغييرات جوهرية في النظام السياسي والاقتصاد والسياسة الخارجية في الصين. تواجِه واشنطن خطر ارتكاب خطأ مشابه اليوم، بافتراض أنَّ المنافسة يمكن أن تنجح في تحويل الصين حيث فشلت المشاركة، ولكن هذه المرة فرض الاستسلام أو الانهيار. على الرغم من الفجوات الكثيرة بين البلدين، سوف يحتاج كل منهما إلى الاستعداد للعيش مع الآخر كقوة رئيسية. يجب أن تكون نقطة الانطلاق للنهج الأمريكي الصحيح هي التواضع حول قدرة القرارات المُتَّخذة في واشنطن لتحديد اتجاه التطورات الطويلة الأجل في بكين. يجب أن تكون الإستراتيجية الأمريكية دائمة بدلاً من الاعتماد على الافتراضات حول مسَار الصين، مهما جلب المستقبل للنظام الصيني. يجب أن تسعى لتحقيق ليس حالة نهائية شبيهة بالنتيجة النهائية للحرب الباردة، بل حالة ثابتة من التعايش الواضح بشروط مواتية للمصالِح والقيم الأمريكية. ويشمل هذا التعايش عناصر من المنافسة والتعاون، مع جهود الولايات المتحدة التنافسية الموجَّهة نحو تأمين تلك الشروط المواتية. قد يعني هذا احتكاكاً كبيراً على المدى القريب مع تحرُّك السياسة الأمريكية إلى ما بعد الارتباط، بينما في الماضي، كان تجنُّب الاحتكاك، في خدمة العلاقات الإيجابية، هدفاً في حد ذاته. وللمضي قدماً، يجب أن تكون سياسة الصين أكثر من نوع العلاقة التي تريد الولايات المتحدة أن تكون عليها، يجب أن يكون أيضاً حول أنواع المصالح التي تريد الولايات المتحدة تأمينها. فالحالة المستقرّة التي يجب على واشنطن اتباعها هي صحيحة، لمجموعة من الشروط اللازمة لمنع دوامة تصاعُدية خطيرة، حتى مع استمرار المنافسة. يجب على صُنَّاع السياسة في الولايات المتحدة ألا يرفضوا هذا الهدف باعتباره بعيد المنال. وسيكون للصين بالطبع، رأي فيما إذا كانت هذه النتيجة ممكنة. وبالتالي يجب أن تظل اليقظة كلمة مرور في العلاقات الأمريكية الصينية في الفترة المقبلة. وعلى الرِّغم من أنَّ التَّعايش يوفِّر أفضل فرصة لحماية المصالح الأمريكية ومنع التوتُّرات الحتمية من أن تتحَّول إلى مواجهة مباشرة، فإنَّ هذا لا يعني نهاية المنافسة أو الاستسلام بشأن القضايا ذات الأهمية الأساسية. بدلاً من ذلك، يعني التعايش قبول المنافسة كشرط يجب إدارته بدلاً من أن يكون مشكلة يجب حلّها. دروس الحرب الباردة، وليس منطق الحرب الباردة بالنظر إلى الخطاب الحالي المضطرب بشأن المنافسة، هناك إغراء مفهوم للعودة إلى منافسة القوى العظمى الوحيدة التي يتذكرها الأمريكيون لفهم المنافسة الحالية: الحرب الباردة. القياس له جاذبية بديهية. تُعتبر الصين مثل الاتحاد السوفييتي، منافس بحجم القارّة مع نظام سياسي قمعي وطموحات كبيرة. كما أن التحدّي الذي تفرضه عالمي ودائم، وستتطلب مواجهة هذا التحدّي نوعاً من التعبئة المحلية التي اتبعتها الولايات المتحدة في الخمسينيات والستينيات. لكن القياس غير مناسب. فالصين اليوم منافس وندّ، وهي بالمستوى الاقتصادي أكثر تطوّراً وأكثر هدوءاً من الناحية الدبلوماسية وأكثر مرونة أيديولوجية من أي وقت مضى من الاتحاد السوفييتي. وعلى العكس من الاتحاد السوفيتي، فإن الصين مندمجة بعمق في العالم وتتشابك مع الاقتصاد الأمريكي. لقد كانت الحرب الباردة حقاً صراعاً وجودياً. وبُنِيت استراتيجية الاحتواء الأمريكية على التنبُّؤ بأن الاتحاد السوفييتي سوف ينهار ذات يوم تحت ثقله -أنه احتوى على "بذور الانحلال الخاص به"-كما أعلن جورج كينان، الدبلوماسي الذي وضع الاستراتيجية لأول مرة. أما اليوم فلا يوجد مثل هذا التنبؤ. سيكون من المضلِّل بناء سياسة احتواء جديدة على فرضية أن الدولة الصينية الحالية سوف تنهار في نهاية المطاف، أو مع ذلك كهدف. وعلى الرغم من التحدّيات الديموغرافية والاقتصادية والبيئية الكثيرة التي تواجهها الصين، أظهر الحزب الشيوعي الصيني قدرة رائعة على التكيف مع الظروف، وغالباً ما يكون ذلك بوحشية. وفي الوقت نفسه، مكّنها قدرتها على مراقبة الشعب والذكاء الاصطناعي من استبداد رقمي أكثر فاعلية -حركة تجعل العمل الجماعي الضروري للإصلاح أو الثورة صعباً، ناهيك عن التنظيم. قد تواجه الصين مشاكل داخلية خطيرة، لكن توقع الانهيار لا يمكن أن يشكل الأساس لاستراتيجية حكيمة. وحتى لو انهارت الدولة، فمن المحتمل أن يكون ذلك نتيجة لديناميات داخلية وليس بسبب الضغط الأمريكي. إن مقياس الحرب الباردة في الوقت ذاته يبالغ في التهديد الوجودي الذي تشكِّله الصين، ويحسّن من مواطن القوة التي تجلبها بكين للمنافسة طويلة الأجل مع الولايات المتحدة. على الرغم من أن خطر نشوب صِراع في المناطق الساخنة في آسيا أمر خطير، فإنه ليس بأي حال من الأحوال مرتفعاً، كما أنه لا يمثل خطر التصعيد النووي أكبر ممّا كان عليه الحال في أوروبا أثناء الحرب الباردة. هذا النوع من حافة الهاوية النووية التي حدثت في برلين وكوبا ليس له نتيجة طبيعية في العلاقات الأمريكية الصينية. كما أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين لم تغرِق العالم في حروب بالوكالة أو أنشأت كتل متنافسة من دول متحالفة أيديولوجياً تستعد للصّراع المسلح. على الرغم من تقلُّص الخطر، إلا أن الصين تمثل منافِساً أكثر تحدّياً. ورغم أنه لم يصل أي خصم للولايات المتحدة في القرن الماضي، بما في ذلك الاتحاد السوفييتي، إلى 60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة، لكن الصين تجاوزت هذه العتبة في عام 2014، من حيث القوة الشرائية، وكان ناتجها المحلي الإجمالي يزيد بالفعل بنسبة 25 في المائة عن الولايات المتحدة. والصين هي الرائدة عالمياً، وهي القوة الناشئة في العديد من القطاعات الاقتصادية، واقتصادها أكثر تنوُّعاً ومرونة وتطوراً عمّا كان عليه الحال في الاتحاد السوفييتي. كما أن بكين أفضل في تحويل الثقل الاقتصادي في بلدها إلى تأثير استراتيجي. وفي حين أن الاتحاد السوفييتي أعاقه الاقتصاد المُغلق، فقد تبنّت الصين العولمة لتصبح الشريك التجاري الأول لأكثر من ثلثي دول العالم. تحدِّد أنواع الروابط الاقتصادية بين الأفراد والتكنولوجيات التي كانت غير موجودة في الصراع العسكري الأمريكي السوفييتي، العلاقات بين الصين والولايات المتحدة والعالم الأوسع. وتعَدْ الصين بصفتها جهة فاعلة اقتصادية عالمية، مركزاً رئيسياً في ازدهار الحلفاء والشركاء الأمريكيين، ويتدفق طلابها وسياحها عبر الجامعات والمدن العالمية، ومصانعها هي تطبيق لكثير من التكنولوجيا المتقدمة في العالم. تجعل هذه الشبكة الكثيفة من العلاقات من الصعب حتى البدء في تحديد البلدان التي تصطف مع الولايات المتحدة والتي تصطف مع الصين. قد تتطلع إكوادور وإثيوبيا إلى بكين للحصول على الاستثمار أو للحصول على تقنيات المراقبة، لكنهما بالكاد يرون هذه المشتريات كجزء من الابتعاد الواعي عن الولايات المتحدة. حتى مع بروز الصين كمنافس أشد من الاتحاد السوفييتي، فقد أصبحت أيضاً شريكاً أمريكياً أساسياً. سيكون من المستحيل حل المشكلات العالمية التي يصعب حلّها بشكل كاف حتى عندما تعمل الولايات المتحدة والصين معاً إذا فشلت في القيام بذلك، فالتغير المناخي يتصدرها أولاً، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة والصين هما أكبر ملوثين. وهناك مجموعة من التحدّيات الأخرى العابرة للحدود الوطنية -الأزمات الاقتصادية والانتشار النووي والأوبئة العالمية -تتطلب أيضاً قدراً من الجهد المشترك. ولم يكن لهذه الضرورة المُلِحّة للتعاون مثيل في الحرب الباردة. في حين أن فكرة الحرب الباردة الجديدة جلبت دعوات لإصدار نسخة محدثة من الاحتواء، إلا أن مقاومة هذا التفكير جاءت من مؤيّدي "الصفقة الكبرى" المُيسَّرة مع الصين. ستتجاوز مثل هذه الصفقة شروط الانفراج الأمريكي-السوفياتي : في هذا السيناريو، ستسلِّم الولايات المتحدة فعلياً للصين مجالاً للتأثير في آسيا. يدافع المؤيِّدون عن هذا التنازل حسب الضرورة بالنظر إلى الرياح المعاكسة المحلية والانحدار النسبي للولايات المتحدة. يتم التسويق لهذا الموقف بشكل واقعي، لكنه ليس أكثر قابلية للتطبيق من الاحتواء. إن تخلّي الصين عن أكثر المناطق ديناميكية في العالم من شأنه أن يُلحق أضراراً طويلة الأجل بالعمال والشركات الأمريكية. وسيضر الحلفاء والقيم الأمريكية بتحويل الشركاء السياديين إلى أوراق مساومة. تتطلب الصفقة الكبرى أيضاً تنازلات أمريكية صارمة ودائمة، مثل إلغاء التحالفات الأمريكية أو حتى الحق في العمل في غرب المحيط الهادئ، للحصول على وعود مضاربة. ليس فقط هذه التكاليف غير مقبولة، بل ستكون صفقة كبيرة أيضاً غير قابلة للتنفيذ. ولكن من المحتمل أن تنتهك الصين الصاعدة الاتفاقية عندما تتغير أولوياتها وقوتها. يميل المدافعون عن سياسة الاحتواء الجديدة إلى رؤية أي دعوة للتعايش كوسيلة لتنفيذ الصفقة الكبرى، كما يميل دعاة الصفقة الكبرى إلى رؤية أي اقتراح بالمنافسة المستمرّة كحالة من الاحتواء. تحجب هذه الفجوة مساراً بين هذين التطرفين -مسار لا يستند إلى الاستسلام الصيني أو إلى سيادة أمريكية -صينية. بدلاً من ذلك، يجب أن يكون الهدف هو تأسيس شروط تعايش مواتية مع بكين في أربعة مجالات تنافسية رئيسية -الحكم العسكري والاقتصادي والسياسي والعالمي -وبالتالي تأمين المصالح الأمريكية دون إثارة نوع من تصوُّرات التهديد التي ميَّزت التنافس الأمريكي السوفييتي. كما ينبغي على واشنطن أن تستجيب لدروس الحرب الباردة بينما ترفض فكرة أن منطقها لا يزال سارياً. نحو الردع المُستدام من المحتمَل أن تكون مخاطر واشنطن وبكين على النقيض من المنافسة العسكرية في الحرب الباردة، والتي كانت صراعاً عالمياً حقيقياً، محصورة في المحيط الهادئ والهندي. ومع ذلك، تضم المنطقة أربعة مواقع ساخنة على الأقل: بحر الصين الجنوبي، وبحر الصين الشرقي، ومضيق تايوان، وشبه الجزيرة الكورية. لا يرغب أي من الطرفين في النزاع، لكن التوترات تتصاعد حيث يستثمر كلاهما في القدرات الهجومية، ويعزِّز وجودهما العسكري في المنطقة، ويعملان في مكان أقرب بكثير. تخشى واشنطن من أن الصين تحاول طرد القوات الأمريكية من غرب المحيط الهادئ، وتخشى بكين من أن الولايات المتحدة تحاول تدميرها. وبالنظر إلى مضايقة الصين للطائرات والسفن البحرية الأمريكية، فإن الحوادث البسيطة قد تتصاعد إلى مواجهات عسكرية كبرى، وقد حذَّر الأدميرال وو شنغ لي، القائد البحري السابق لجيش التحرير الشعبي، من أن أي حادث من هذا القبيل "قد يُشعل الحرب". لكن التعايش في المحيط الهادئ والهندي من قبل كلا الجيشين يجب ألا يتم رفضه على أنه أمر مستحيل. كما يجب على الولايات المتحدة أن تقبل أن الأسبقية العسكرية ستكون صعبة، بالنظر إلى مدى انتشار الجيش الصيني، والتركيز بدلاً من ذلك على ردع الصين عن التدخل في حرية المناورة وفي الإكراه المادي لحلفاء الولايات المتحدة وشركائها. كما سيتعيَّن على بكين أن تقبل أن تظل الولايات المتحدة قوة مقيمَة في المنطقة، مع وجود عسكري كبير، وعمليات بحرية في الممرَّات المائية الرئيسية، وشبكة من التحالفات والشراكات. من المرجَّح أن تمثل تايوان وبحر الصين الجنوبي أهم التحدّيات لهذا النهج الشامل. كما أن أي استفزاز عسكري أو سوء تفاهم في كلتا الحالتين يمكن أن يؤدّي بسهولة إلى اندلاع حريق أكبر، مع عواقب مدمِّرة، ويجب أن يحفِّز هذا الخطر بشكل متزايد تفكير القادة الكبار في كل من واشنطن وبكين. بالنسبة لتايوان، ربما يكون الالتزام الضّمني بعدم تغيير الوضع الرَّاهن من جانب واحد هو الأفضل الذي يمكن أن نأمله في ضوء التعقيدات التاريخية المَعنية. ومع ذلك، فإن تايوان ليست مجرَّد نقطة وميض محتملة، إنها أيضاً أكبر نجاح لم يُطالب به في تاريخ العلاقات الأمريكية الصينية. نمت الجزيرة وازدهرت في الفضاء الغامض بين الولايات المتحدة والصين نتيجة للنّهج المرِن والدقيق الذي تبنّاه الجانبان عموماً. وبهذه الطريقة، يمكن للدبلوماسية المتعلِّقة بتايوان أن تكون بمثابة نموذج للدبلوماسية المتزايدة التحدِّيات بين واشنطن وبكين حول مجموعة متنوِّعة من القضايا الأخرى، والتي من المُحتمل أن تشمل المشاركة المكثفة، واليقظة المتبادلة ودرجة من عدم الثقة، وتدبير الصبر وضبط النفس الضروري. وفي الوقت نفسه، فإن فهم بكين في بحر الصين الجنوبي، أن التهديدات لحرية الملاحة يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على اقتصاد الصين قد يساعِد -عندما يقترن بالردع الأمريكي -على تعديل مشاعرها القومية. ستحتاج واشنطن لتحقيق مثل هذا التعايش، إلى تعزيز إدارة الأزمات الأمريكية الصينية وقدرتها على الردع. وعملت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على الرغم من حالة الخِصَام أثناء الحرب الباردة، بشكل متضافِر للحدّ من خطر تصاعُد حادث عَرَضي إلى حرب نووية، وقاموا بإنشاء خطوط عسكرية ساخنة واتفاقيات موقعة للحدِّ من الأسلحة النووية. وتفتقر الولايات المتحدة والصين إلى أدوات مماثلة لإدارة الأزمات في وقت زادت فيه المجالات الجديدة للنزاع المُحتمل، مثل الفضاء والفضاء الإلكتروني، من خطر التصعيد. يحتاج البلدان في كل مجال عسكري، إلى اتفاقات تكون على الأقل رسمية وتفصيلية مثل اتفاقية الحوادث البحرية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وهي اتفاقية عام 1972 التي وضعت مجموعة من القواعد المحدَّدة التي تهدف إلى تجنُّب سوء التفاهم البحري. كما تحتاج الولايات المتحدة والصين أيضاً إلى مزيد من قنوات وآليات الاتصال لتجنُّب الصراع -وخاصة في بحر الصين الجنوبي للسماح لكل جانب بتوضيح نوايا الطرف الآخر بسرعة أثناء وقوع حادث. كما لا ينبغي أن تظل العلاقة العسكرية الثنائية رهينة للخلافات السياسية، ويجب على كبار المسؤولين العسكريين من كلا الجانبين الدخول في مناقشات أكثر تواتراً وموضوعية لبناء العلاقات الشخصية وكذلك فهم عمليات كل جانب. ومن الناحية التاريخية، فقد ثبَتَ أن التقدم الذي تمَّ احرازه في بعض هذه الجهود، وخاصة التواصُل مع الأزمات، أمر صعب: يَخشى القادة الصينيون من أن التواصل بشأن الأزمات يمكن أن يشجع الولايات المتحدة على التصرُّف دون عقاب، ويتطلب نقل الكثير من السلطة لكبار الضباط العسكريين في هذا المجال. لكن هذه المخاوف قد تتراجع، بالنظر إلى قوة الصين المتنامية والإصلاحات العسكرية. لا تتطلب استراتيجية الولايات المتحدة الفعاّلة في هذا المجال الحدّ من خطر نشوب نزاع غير مقصود فحسب، بل وردع أيضاً النزاع المتعمَّد. كما أنه لا يمكن السماح لبكين باستخدام تهديد القوة لمتابعة أمر واقع في النزاعات الإقليمية. ومع ذلك، فإن إدارة هذه المخاطر لا تتطلَّب أولوية عسكرية أمريكية داخل المنطقة. وكما جادلَ مسؤول الدفاع السابق بإدارة ترامب إلبريدج كولبي، أنَّ "الردع دون هيمنة -حتى ضد خصم كبير ومخيف للغاية – أمر ممكن". لضمان الردع في منطقة المحيط الهادئ الهندية، يتعين على واشنطن إعادة توجيه استثماراتها بعيداً عن المنصّات باهظة الثمن والضعيفة، مثل حاملات الطائرات، نحو قدرات غير متماثلة أرخص، ومصمَّمة لتثبيط المغامرة الصينية دون إنفاق مبالغ ضخمة. وهذا يستدعي أخذ صفحة من كتاب اللعب في بكين. يتعيَّن على الولايات المتحدة مثلما اعتمدت الصين على صواريخ كروز المضادة للصواريخ البالستية الرخيصة نسبياً، أن تتبنّى طائرات حربية طويلة المدى بدون طيار مقرّها حاملات، ومركبات بدون طيار تحت الماء، وغواصات صاروخية موجّهة، وأسلحة عالية السرعة. كل هذه الأسلحة يمكن أن تحمي الولايات المتحدة والمصالح المتحالفة معها، وهذا سيتضعف ثقة الصين في أن عملياتها الهجومية ستنجح وتقلِّل من خطر الاصطدام وسوء التقدير. كما يجب على الولايات المتحدة أيضاً تنويع وجودها العسكري نحو جنوب شرق آسيا والمحيط الهندي، وذلك من خلال استخدام اتفاقيات الوصول بدلاً من القواعد الدائمة عند الضرورة. لأن هذا من شأنه أن يضع بعض القوات الأمريكية خارج مجال الضربات الصينية، مع الحفاظ على قدرتها على معالجة الأزمات على الفور. كما سيكون لديهم استعداد للتعامُل مع مجموعة واسعة من الحالات الطارئة تتجاوز النزاعات التي تشمل الصين، بما في ذلك المساعدات الإنسانية، والإغاثة في حالات الكوارث، ومكافحة القرصنة. تأسيس الوصفة تعتبِر الصين على عكس الاتحاد السوفييتي، الذي ركّز موارده على القوة العسكرية، أن الجيواقتصاد هو الساحة الرئيسية للمنافسة. فقد استثمرت مع التطلع نحو المستقبل، بكثافة في الصناعات والتكنولوجيات الناشئة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والتصنيع المتقدم، والتكنولوجيا الحيوية. كما تسعى الصين إلى الهيمنة في هذه المجالات جزئياً عن طريق حرمان الشركات الغربية من المعاملة بالمثل. منحت الولايات المتحدة الصين علاقات تجارية طبيعية دائمة، ودعمت انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، وحافظت بشكل عام على واحدة من أكثر الأسواق المفتوحة في العالم. لكن من خلال مزيج من السياسة الصناعية والحمائية والسرقة الصريحة، وضعت الصين مجموعة من الحواجز الرسمية وغير الرسمية أمام أسواقها واستغلت الانفتاح الأمريكي. أدّى هذا الخلل الهيكلي إلى تآكُل الدعم للعلاقات الاقتصادية الأمريكية الصينية المستقرة، وتواجه العلاقة خطراً كبيراً بالانفصال حتى لو تمكّن الرئيس الصيني شي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب من التوصُّل إلى هدنة تجارية على المدى القريب. لم يعد الكثيرون في مجتمع الأعمال الأمريكي على استعداد للتسامُح مع الممارسات غير العادلة التي تنتهجها الصين، والتي تشمل توظيف قراصنة الدولة لسرقة الملكية الفكرية، وإجبار الشركات الأجنبية على توطين عملياتها والمشاركة في المشاريع المشتركة، ودعم الدولة، والتمييز ضد الشركات الأجنبية. سيتطلب التخفيف من حدة هذه الاحتكاكات المتزايدة مع حماية العمال الأميركيين والابتكار، جعل وصول الصين الكامل إلى الأسواق الرئيسية في جميع أنحاء العالم مرهوناً برغبتها في اعتماد إصلاحات اقتصادية في الداخل. وسيتعيَّن على واشنطن، من جانبها، أن تستثمر في المصادر الأساسية للقوة الاقتصادية الأمريكية، وأن تبني جبهة موحَّدة من الشركاء المتشابهين في التفكير للمساعدة في إقرار مبدأ المعاملة بالمثل، وحماية زعامتها التكنولوجية مع تجنُّب الجروح الذاتية. إن أكثر العوامل الحاسمة في المنافسة الاقتصادية مع الصين هو السياسة الداخلية للولايات المتحدة. يجب أن يكون للحكومة دور تلعبه في دفع القيادة الاقتصادية والتكنولوجية الأمريكية. ومع ذلك، فقد تحوَّلت الولايات المتحدة عن أنواع الاستثمارات العامة الطموحة التي قامت بها خلال تلك الفترة على وجه التحديد -مثل نظام الطرق السريعة بين الولايات الذي دافع عنه الرئيس دوايت آيزنهاور والمبادرات البحثية الأساسية التي قدّمها العالم فانيفار بوش -حتى في مواجهة منافس اقتصادي أكثر تحدّياً. يجب على واشنطن زيادة الأموال المخصَّصة لأبحاث العلوم الأساسية بشكل كبير والاستثمار في الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي والقدرة الحاسوبية. وفي الوقت نفسه، يتعيَّن على الحكومة الفيدرالية زيادة استثماراتها في التعليم على جميع المستويات وفي البنية التحتية، وعليها أن تتبنّى سياسات للهجرة، بحيث تستمر في تعزيز الميّزة الديمغرافية والمهارات للولايات المتحدة. إن الدعوة إلى اتخاذ موقف أكثر تشدُّداً تجاه الصين مع الحدّ من الاستثمارات العامة هو هزيمة للذات، ووصف هذه الاستثمارات بأنها "اشتراكية"، بالنظر إلى المنافسة، أمر مثير للسخرية بشكل خاص. في الواقع، إن أشخاص أيديولوجيين غريبين مثل السناتور إليزابيث وارين، (ديمقراطية ماساتشوستس)، والسيناتور ماركو روبيو، (جمهوري فلوريدا)، يعرِضون حجج مقنعة لتبنّي سياسة صناعية جديدة للولايات المتحدة. يجب أن تعمل واشنطن على رأس هذا الأساس المحلي، مع الدول ذات الأفكار المتشابهة لتحديد مجموعة جديدة من المعايير حول القضايا التي لا تتناولها منظمة التجارة العالمية حالياً، من المؤسَّسات المملوكة للدولة إلى سياسات الابتكار المحلية وإلى التجارة الرقمية. من الناحية المثالية، فإن هذه المعايير تربط بين آسيا وأوروبا. ولتحقيق هذه الغاية، ينبغي على الولايات المتحدة أن تنظر في بدء مبادرة لوضع قواعد لديمقراطيات السوق الموضوعة على نظام منظمة التجارة العالمية، والتي من شأنها سد هذه الثغرات. المنطق واضح ومباشر، فإذا كانت الصين تأمل في التمتع على قدم المساواة مع هذا المجتمع الاقتصادي الجديد، فيجب أن تفي أطرها الاقتصادية والتنظيمية بنفس المعايير. إن الجاذبية لهذا المجتمع ستقدم للصين خيار: إما كبح جماحها الحر والبدء في الامتثال لقواعد التجارة، أو قبول شروط أقل مؤاتاة من أكثر من نصف الاقتصاد العالمي. إذا اختارت بكين التمسُّك بأن الإصلاحات الضرورية ترقى إلى تغيير النظام الاقتصادي، فبإمكانها بالتأكيد أن تفعل ذلك، لكن العالم سيكون في حدود حقوقه في تقديم معاملة متبادلة للصين. قد تحتاج واشنطن في بعض الحالات، إلى فرض تدابير متبادلة على الصين من جانب واحد، من خلال التعامل مع صادراتها واستثماراتها بنفس الطريقة التي تتعامل بها بكين مع الصادرات والاستثمارات الأمريكية. ستكون هذه الجهود صعبة ومكلفة، وهذا هو بالتحديد السبب في أن قرار إدارة ترامب باختيار المعارك التجارية مع حلفاء الولايات المتحدة بدلاً من حشدهم إلى موقف مشترك تجاه الصين هو مضيعة للرافعة المالية الأمريكية. سيتعيَّن على الولايات المتحدة أيضاً حماية مزاياها التكنولوجية في مواجهة سرقة الملكية الفكرية من الصين، والسياسات الصناعية المستهدفة، ودمج قطاعاتها الاقتصادية والأمنية. سوف يتطلب القيام بذلك بعض القيود على تدفق الاستثمار في التكنولوجيا والتجارة في كلا الاتجاهين، ولكن ينبغي متابعة هذه الجهود بشكل انتقائي بدلاً من الجملة، وفرض قيود على التقنيات التي تعتبر حيوية للأمن القومي وحقوق الإنسان وتسمح بالتجارة والاستثمار المنتظمين لأولئك الذين ليسوا كذلك. يجب تنفيذ هذه القيود المستهدفة بالتشاور مع الحكومات الأخرى، يمكن أن يؤدي عدم القيام بذلك إلى بلقنة النظام البيئي العالمي للتكنولوجيا، وذلك من خلال إعاقة تدفق المعرفة والموهبة. من شأن مثل هذا التطوُّر أن يحيّد الميزة التنافسية الرئيسية للولايات المتحدة بالنسبة للصين: اقتصاد مفتوح يمكنه الحصول على أفضل المواهب العالمية وتجميع أكبر التوليفات من جميع أنحاء العالم. وفي الوقت نفسه، قد يؤدّي تجاوز القيود على التكنولوجيا إلى دفع البلدان الأخرى نحو الصين، خاصة وأن الصين هي بالفعل الشريك التجاري الأكبر للأغلبية. في هذا الصدد، فإن حملة إدارة ترامب الصاخبة والأحادية الجانب إلى حد كبير ضد مشاركة الشركة الصينية Huawei في تطوير البنية التحتية G5 قد توفر درساً تحذيريًا. لو أن الإدارة قامت بالتنسيق مع الحلفاء والشركاء مسبقاً، وحاولت وضع بعض السياسات الإبداعية -على سبيل المثال، إنشاء مبادرة إقراض متعدّدة الأطراف لدعم شراء بدائل لمعدات Huawei -لكانت حققت نجاحاً أكبر في إقناع الولايات بدراسة البائعين الآخرين. عندها ربما تكون قادرة على تحقيق أقصى استفادة من التأخير لمدة عامين الذي تواجهه Huawei الآن في طرح G5 بعد وضعها على قائمة الكيانات التابعة لوزارة التجارة الأمريكية والتي لا يمكن تزويدها بالتكنولوجيا الأمريكية. ستتطلب الجهود المستقبلية لتقييد التجارة مع الصين في قطاع التكنولوجيا مداولات متأنية والتخطيط المسبق والدعم المتعدِّد الأطراف إذا أريد لها النجاح، وإلا، فإنهم سيخاطرون بتقويض الابتكار في الولايات المتحدة. تأييداً للديمقراطيّة وليس ضد الصين تشير المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين إلى بروُز نموذج جديد للمنافسة. ولكن على عكس الحرب الباردة، مع الانقسام الأيديولوجي الحادّ بين كتلتين متنافستين، فإن خطوط الترسيم تبدو غامضة هنا. على الرغم من أن لا واشنطن ولا بكين تنخرط في نوع من التبشير الذي يميّز الحرب الباردة، فإن الصين قد تشكِّل في نهاية المطاف تحدياً أيديولوجياً أقوى من الاتحاد السوفييتي، حتى لو لم تسعَ صراحة إلى تصدير نظامها. إذا كان النظام الدولي انعكاساً لأقوى دوله عظمى، فإن صعود الصين إلى مكانتها كقوة عظمى سوف يميل إلى الاستبداد. قد يثبْت اندماج الصين في الرأسمالية الاستبدادية والمراقبة الرقمية أكثر ديمومة وجاذبية من الماركسية، كما أن دعمها للأوتوقراطيين والمتسللين الخلفيين سوف يتحدّى القيم الأمريكية ويوفر للصين غطاء لممارساتها الفظيعة، بما في ذلك احتجاز أكثر من مليون من عرق اليغور في شمال غرب الصين. قد يتساءل البعض عما إذا كان تعرية الحكم الديمقراطي في جميع أنحاء العالم مهماً لمصالح الولايات المتحدة، نعم هو كذلك. من المرجَّح أن تتماشى الحكومات الديمقراطية مع القيم الأمريكية، وتتابع الحكم الرشيد، وتعامِل شعوبها بشكل جيد، وتحترم المجتمعات المفتوحة الأخرى، وكل هذا يميل إلى جعلهم أكثر جدارة بالثقة والشفافية، وبالتالي شركاء اقتصاديين وأمنيين أفضل. يمكن لواشنطن أن تضع شروطاً أفضل للتعايش مع الصين في المجال السياسي من خلال التركيز على تعزيز جاذبية هذه القيم من أجلها، وليس لتسجيل نقاط في سياق المنافسة الأمريكية الصينية. ومع نموّ الوجود الصيني في جميع أنحاء العالم، ينبغي على الولايات المتحدة أن تتجنّب الميل الذي كان شائعاً للغاية خلال الحرب الباردة: رؤية دول ثالثة فقط من خلال علاقتها بحكومة منافسة. إن بعض سياسات إدارة ترامب -مثل الاحتجاج بعقيدة مونرو في أمريكا اللاتينية وإلقاء خطاب عن إفريقيا يتعلق إلى حد كبير بمواجهة الصين -تعكس هذا النهج القديم. إن المسلك الذي يُشرِك الدول عن قصد بشروطها الخاصة سيفعل المزيد من أجل تعزيز المصالح والقيم الأمريكية بدلاً من الاستجابات السريعة للمبادرات الصينية التي تجعل الدول تشعر بأن واشنطن تهتم بها فقط باعتبارها ساحات معركة في منافستها مع بكين. توفر المبادرة الصينية الحزام والطريق الفرصة الأكثر وضوحاً لتطبيق هذا المبدأ في الممارسة. فبدلاً من محاربة الصين عند كل منعطف -على كل منفذ، وجسر، وخط سكة حديد -يتعيَّن على الولايات المتحدة وشركائها تقديم موقفهم الإيجابي الخاص بالدول حول أنواع الاستثمارات عالية الجودة والتي ستخدُم التقدّم على أفضل وجه. دعم الاستثمارات ليس لأنها مناهضة للصين ولكن لأنها مؤيدة للنمو، مؤيدة للاستدامة، ومؤيّدة للحرية، وستكون أكثر فاعلية على المدى الطويل -خاصة لأن الاستثمارات التي تقودها الصين قد أثارت درجة من ردود الفعل في البلدان على تجاوزات الكلفة، والفساد، والتدهور البيئي، وظروف العمل السيئة. في ضوء ذلك، فإن أفضل دفاع عن الديمقراطية هو التأكيد على القيم الأساسية للحكم الرشيد، وخاصة الشفافية والمساءلة، ودعم المجتمع المدني، ووسائل الإعلام المستقلة، والتدفق الحرّ للمعلومات. يمكن أن تقلِّل هذه الخطوات من خطر التراجع الديمقراطي وتحسين الحياة في العالم النامي وتقليل النفوذ الصيني. سيتطلّب مسار العمل هذا ضخ أموال متعدّدة الأطراف من الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها الذين يمكنهم منح الدول بدائل حقيقية. لكن الأمر يتطلّب شيئاً أكثر جوهرية أيضاً: تحتاج الولايات المتحدة إلى ثقة أكبر في الاعتقاد بأن الاستثمار في رأس المال البشري والحكم الرشيد سينجح بشكل أفضل على المدى الطويل. سيكون التركيز على المبادئ بدلاً من النتائج ضرورياً أيضاً لوضع معايير للتقنيات الجديدة التي تثير أسئلة صعبة حول أخلاقيات الإنسان. وسيكون هناك صراع حاسم في السنوات المقبلة لتحديد السلوك المناسب ومن ثم الضغط على المتلكّئين للتوافق. ينبغي على واشنطن أن تبدأ في تشكيل معالم هذه المناقشات دون مزيد من التأخير. وأخيراً، فإن التعايش مع الصين لا يمنع ولا يستطيع أن يمنع الولايات المتحدة من التحدُّث علانية ضد معاملة الصين الفظيعة وغير الإنسانية لمواطنيها والاحتجاز التعسُّفي لعمال المنظمات غير الحكومية الأجنبية. لقد ترك الصمت النسبي للغرب بشأن احتجاز بكين الجماعي للأويغور وصمة عار أخلاقية، ولذا يتعيّن على الولايات المتحدة وشركائها تعبئة الضغوط الدولية للمطالبة بوصول طرف ثالث محايد إلى المحتجزين ومعاقبة الأفراد والشركات المتواطئين في الاحتجاز. قد يهدِّد الصين أن مثل هذا الضغط سوف يزعزع استقرار العلاقات. ومع ذلك، ينبغي على واشنطن أن تجعل التحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان جزءاً روتينياً يمكن التنبؤ به من العلاقة. السّعي وراء المنافسة والتعاون غالباً ما يؤخذ على سبيل الإيمان بأنه كلما أصبحت العلاقات الأمريكية الصينية أكثر قدرة على المنافسة، فإن مساحة التعاون سوف تنكمش، إن لم تختف. ولكن حتى كخصوم، وجدت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي طرقاً للتعاون في عدد من القضايا، بما في ذلك استكشاف الفضاء، والأمراض المُعدية، والبيئة، والقضايا العالمية. إن الحاجة إلى التعاون بين واشنطن وبكين أكثر حدّة، بالنظر إلى طبيعة التحدّيات المعاصرة. ينبغي على القادة في كلا البلدين النظر في التعاون في مثل هذه التحدّيات العابرة للحدود الوطنية، ليس كتنازل من طرف واحد ولكن كحاجة أساسية لكليهما. يتعيّن على واشنطن لتحقيق التوازن بين التعاون والمنافسة بشكل صحيح، أن تفكر في تحليل تسلسل العلاقات بين كل منهما. لقد سعت الولايات المتحدة تاريخياً إلى التعاون أولاً والتنافس في المرتبة الثانية مع الصين. وفي الوقت نفسه، أصبحت بكين مريحة جداً في التنافس أولاً وتتعاون في المرتبة الثانية، حيث تربط -صراحة أو ضمنياً -عروض التعاون للتنازلات الأمريكية في المجالات ذات الاهتمام الاستراتيجي. ينبغي على واشنطن للمضي قدماً، أن تتجنّب أن تصبح المُلتمِس الشغوف بالتحدِّيات العابرة للحدود. في الواقع، الأمر الذي يمكن أن يحدّ من نطاق التعاون هو جعله ورقة مساومة. وعلى الرغم من أنها قد تبدو غير بديهية، إلا أن المنافسة ضرورية على الأرجح للتعاون الفعَّال مع بكين. في العقلية الإستراتيجية الصفرية للعديد من المسؤولين الصينيين، فإن تصوُّرات القوّة الأمريكية وعزمها مهمّة للغاية، والبيروقراطية الصينية تركز منذ فترة طويلة على التحوّلات في كليهما. قد يكون من المهم بالنظر إلى هذه الحساسية، بالنسبة لواشنطن إظهار قدرتها على الصمود، وحتى فرض التكاليف، مثلما تتحدث بجدّية عن إيجاد قضية مشتركة. أفضل طريقة، إذاً، هي القيادة بالمنافسة، والمتابعة بعروض التعاون، ورفض التفاوض على أي روابط بين المساعدات الصينية بشأن التحدّيات والتنازلات العالمية بشأن المصالح الأمريكية. ما وراء الثنائية هناك درس آخر للحرب الباردة ينبغي على صانعيّ السياسة في الولايات المتحدة أن يضعوه في الاعتبار: أن أحد أعظم نقاط القوة للولايات المتحدة في منافستها مع الصين لا يتعلق بالبلدين فقط، فلدى كل منهما الكثير ليفعلوه مع بلدان أخرى. يمكن للوزن المشترك للحلفاء والشركاء الأمريكيين تشكيل خيارات الصين عبر جميع المجالات -ولكن فقط في حال إذا قامت واشنطن بتعميق كل تلك العلاقات والعمل على ربطها معاً. على الرغم من أن الكثير من النقاش حول المنافسة بين الولايات المتحدة والصين يركز على بعدها الثنائي، فإن الولايات المتحدة ستحتاج في نهاية المطاف إلى تضمين استراتيجيتها الصينية في شبكة كثيفة من العلاقات والمؤسَّسات في آسيا وبقية العالم. هذا هو الدرس الذي يجب على إدارة ترامب القيام به لتتذكره. وبدلاً من الاستفادة من هذه المزايا الدائمة، فقد نفّرتْ العديد من أصدقاء الولايات المتحدة التقليديين -بالتعريفات الجمركية، وطلبات الدفع مقابل القواعد العسكرية، وأكثر من ذلك بكثير – وتخلَّتْ عن أو قوَّضت المؤسَّسات والاتفاقات الرئيسية. ساعدت الولايات المتحدة في تصميم وقيادة العديد من المنظمات الدولية، من الأمم المتحدة والبنك الدولي إلى منظمة التجارة العالمية، هي مؤسَّسات والتي وضعت قواعد الطريق المقبولة على نطاق واسع بشأن قضايا مثل حرية الملاحة والشفافية وتسوية المنازعات، والتجارة. يوفر التراجع عن هذه المؤسسات مهلة ومرونة على المدى القصير على حساب النفوذ الأمريكي على المدى الطويل ويسمح لبكين بإعادة تشكيل القواعد وتوسيع نفوذها داخل تلك المنظمات. يتعيَّن على الولايات المتحدة أن تعود إلى رؤية التحالفات كأصول تستثمر فيها بدلاً من خفض التكاليف. لا ترغب بكين في غياب أي قدرة ذات مغزى على بناء شبكتها الخاصة من الحلفاء القادرين، أكثر من الولايات المتحدة في تبديد هذه الميزة طويلة الأجل. سيكون إنشاء تعايش واضح مع الصين أمراً صعباً تحت أي ظرف من الظروف، لكنه سيكون مستحيلاً تقريباً بدون مساعدة. إذا كانت الولايات المتحدة تهدف إلى تعزيز الردع، وإقامة نظام تجاري أكثر عدالة وأكثر تبادلاً، والدفاع عن القيم العالمية، وحلّ التحدَّيات العالمية، فببساطة لا يمكنها أن تمارس الأمر بمفردها. من اللافت أنه يجب أن يقال، ولكن لذلك يجب: لكي تكون فعّالة، يجب أن تبدأ أي استراتيجية للولايات المتحدة بحلفائها. _________________________________
5. "القبلة إلى اليسار كثيراً"...كيف اجتمع الإسلام وماركس؟
عبد الرحمن جمعة هل الإسلامُ يساريٌّ أم يمينيٌّ؟ كان هذا السُّؤال محوريًّا وحاسمًا في الفترة التي شهدت قطبين عالميَّين؛ هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتيّ، بعد الحرب العالمية الثانية. ويمكن القول إنّ عدد التنظيمات والهيئات والمفكِّرين الذين دعوا إلى "رسملة الإسلام"، أو قالوا إنّ الإسلامَ بطبيعتهِ يميلُ إلى الرأسماليَّة والسوق الحرّ، كانوا أكثر بكثير من الذين تبنَّوا صبغةً أكثر راديكاليَّة من الإسلام ضدّ الرأسماليَّة، وانحازوا بهِ نَحوَ المعسكر الاشتراكيّ، مستلهمينَ شخصيتي الصحابيين عليّ بن أبي طالب، وأبي ذرّ الغفاريّ، منتهجين نهجًا "ماركسيًّا إسلاميًّا"، مستلهمينَ تحليلًا طبقيًا "اقتصاديًا اجتماعيًّا"، للإسلام. بالجملة، كان نصيب هؤلاء الذين انحازوا بالإسلام نحوَ اليسار، من الانتقادات والهجوم الكثير، فأحد أركان الماركسيَّة الأساسيَّة أنّ "الدين أفيون الشعوب"، بينما لا تقولُ الرأسماليَّةُ ذلك. القليل من رجال الدين وقفوا إلى جانب هؤلاء اليساريين الإسلاميين، والكثير انتقدوهم وأخرجوهم من الملة، وبالتالي حاربوهم. لعلّ الفكرة مجنونة، أو مريبة، أن يقترنَ اسمُ الإسلام باسم "ماركس"، الرجل الذي أخرج فلسفتهُ إلى العالم، وتبناها الاتحاد السوفيتيّ، فأصبح وجهة الإلحاد في العالم. لكنّ "الإسلاميين الماركسيين أو اليسار الإسلامي أو الإسلاميين التقدميين" لا يعدمونَ تحليلاتٍ قد تكونُ منطقيةً للبعض، وقد لا تكون. في هذا التقرير عرضٌ لأبرز الأفكار، ولتجربتين هما الأبرز من بين التجارب التي انتهجت هذا النهج "الماركسيّ الإسلاميّ". الإطار النظري للإسلام والماركسية: علي شريعتي.. النموذج الأكثر نضجًا وتأثيرًا في رسالة علي شريعتي الأخيرة لوالده كتب أنَّه كرَّس حياتَهُ لمهمَّتَين.. أولًا: أن يثبت للمتديِّنين التقليديين أن الإسلام ثوريّ، وثانيًا: أن يقنع الثوريين من غير المتدينين بضرورة الرجوع إلى الإسلام. ربما يكشفُ الاقتباس السابق من رسالة شريعتي لوالده الجانب الأبرز من شخصيَّة شريعتي، واهتمامه بشكلٍ أساسيّ بقضيَّة "تثوير الدين". الجانب الآخر في حياة شريعتي هو الجانب النضاليّ الذي عاشهُ. ولد شريعتي لأسرةٍ دينيَّة، والده هو السيد محمد تقي شريعتي، ملَّا مستقلّ، عني بالإصلاح الديني، كان منضمًّا إلى "حركة تحرير إيران"، التي أسسها آية الله طالقاني ومهدي بازركان وغيرهما من معارضي الشاه. شريعتي بدأ حياته في كنف والده متأثرًا بأفكاره، إلى أن أصبح وحدهُ مفكِّرًا يتبعهُ الآلاف من الشباب المثقفين عبر إيران. في سنّ العشرين كان شريعتي ووالدهُ منضمَّينِ في إطارِ حركةٍ صغيرة من المثقفين تسمى بجماعة "الاشتراكيين الذين يخشونَ الله"، وهي إحدى الحركات المعارضة لحكم الشاه عقب انقلاب مصدق عام 1953. انتقل شريعتي لفرنسا ليدرس هناك علم الاجتماع والتاريخ، في باريس اختلط شريعتي أكثر باليساريين والمناضلين العالميين، أمثال فرانز فانون وإيما سيزار، وترجم كتاب حرب العصابات، لإرنستو تشي جيفارا، كما قُبض عليه في فرنسا أثناء المظاهرات الاحتجاجية على مقتل المناضل الإفريقي لومومبا، بالجملة كان سفر شريعتي لباريس نقطة تحوُّل كبيرة في حياته. عاد من باريس بداية الستينيات، وحين عودته تمّ القبض عليه للتحقيق معه، وخرج من السجن ليقوم بتدريس العلوم الإنسانية، ثم تدريس علم الاجتماع بجامعة مشهد. التأثير الأكبر لشريعتي كان تلك المحاضرات التي ألقاها في قاعة "حسينية إرشاد"، التي أسَّسَهَا أنصار حركة تحرير إيران عام 1967. لكنّ التأثير العظيم الذي كان يلقيه شريعتي في أذهان المثقفين الشباب الإيرانيين جعلهُ عرضةً للاعتقال مع والده، عام 1973، تدخلت السلطات الجزائرية – التي كان شريعتي على اتصال معها من أيام النضال الجزائري في فرنسا – فأفرج عنه بعد عامين تقريبًا، وظلّ تحت الإقامة الجبرية في إيران، إلى أن سُمح له بالخروج منها إلى لندن عام 1977، بعدها بأيام ربما تقارب الشهر، كان على شريعتي ميتًا في شقته. خرج نظام الشاه ليقول إنَّ سبب الموت نوبة قلبية ألمَّت به، لكنّ المعارضين وتلامذة شريعتي اتهموا جهاز السافاك (جهاز الاستخبارات الإيرانية) بقتله. هذه كانت حياة شريعتي الحافلة. أمَّا الإطار النظري فكان كالتالي. تأثَّر شريعتي بنظريات ماركس في التحليل الاجتماعي والاقتصادي، واستطاع أن يطوِّر بدورهِ تحليلًا طبقيًّا يلائمُ الإسلام ونشأته، فالصراع الطبقي في نظر شريعتي، تحوَّل إلى صراع بين فريقين؛ المحكومين من جهة، والحكام من جهةٍ أخرى، المستضعفين والمستكبرين. ولخصوصية على شريعتي الشيعيَّة استخدم الرموز الشيعيَّة للتدليل على فلسفته وتحليله، مستلهمًا حياة عليّ بن أبي طالب أولًا، وأبي ذر الغفاري ثانيًا، باعتبارهِ كان منافحًا عن حقوق الفقراء مقابل ما يمكن وصفه بـ "السياسات الاقتصادية" لبعض الخلفاء المسلمين في العصر الأوَّل للإسلام، كالخليفة عثمان بن عفان على سبيل المثال. إنّ الدّين الّذي لا ينفعُ الإنسانَ قبل الموت لا ينفعه بعد الموت أيضًا. -شريعتي انطلاقًا من نفس التحليل الاجتماعي/ الاقتصادي، اعتبر على شريعتي أنّ "الدينَ أفيون الشعوب" بالفعل، ولكن ليسَ بالطريقة التي عمَّمها ماركس وإنجلز، وإنما بالطريقة التي يعيشها الشيعة في وقته، الذين توقَّفوا عن العمل والتغيير باعتبار أنّ أمر الأمَّة موكلٌ بشكلٍ كامل للإمام الغائب. الثالوث الذي يتكوَّن منهُ فريق المستكبرين واضحٌ بشكلٍ كامل في قصَّة فرعون. ففرعون هو السلطة السياسيَّة، وهامان هو السلطة الدينيَّة متزاوجةً مع فرعون، والضلع الثالث المعضِّد لهما، هو قارون، ممثلًا عن السلطة الاقتصاديَّة. وبناءً على هذا الثالوث، كان هجوم شريعتي على رجال الدين الموالين للشاه، وبدأ في تحليل نشأة الإسلام، وأن جوهر الإسلام عدم وجود سلطة روحيَّة بين الناس والله، بل إنّهُ في تحليلٍ أعمق للنصوص القرآنيَّة، فإن اسم "الله" يأتي في أوقاتٍ كثيرة مرادفًا لاسم "النَّاس"، وبما أنّ الدين دينُ الله، فكذلك هو ملكٌ للناس وليس لفئةٍ معيَّنة، وبما أنّ المالَ مالُ الله، بالتالي فهو مالُ الناس وليس حكرًا على طبقةٍ أو فريقٍ معيَّن، منطلقًا من مقولته: "إذا أردت أن تعرف أيديولوجية أحدهم، فتِّش عن مصدر معيشته". شنّ شريعتي حربًا على الملالي، الذين دخلوا في الثالوث المقدس مع تجَّار البازار (السلطة الاقتصادية) والشاه (السلطة السياسيَّة). ما جعل الملالي يحاربونهُ كثيرًا، بالهجوم على موقفه المتصالح مع الماركسيَّة (الإلحادية كما وصفوها)، ومواقفه التي تهاجم رجال الدين وبعض النظريات الدينية الشيعية، وفقًا لشريعتي، فإنَّ غاية الإسلام هي الوصول لـ "المجتمع التوحيدي"، الذي لا يوجد تمايز فيه بين شخصٍ وشخصٍ آخر بسبب العرق أو الجنس أو النوع، التساوي التام بين الجميع، ربما تعتبر هذه هي الصيغة "الإسلاميَّة" من المجتمع "اللاطبقي" من ماركس؟! الجدير بالذكر أنَّ شريعتي اختلف مع ماركس حول بعض المفاهيم والمنطلقات، كما هاجم الكثير من الأنظمة الشيوعيَّة والمفكرين الشيوعيين، كما كان دائم الانتقاد للاتحاد السوفيتيّ، النقطة الأكثر اختلافًا بين شريعتي وماركس (والشيوعيين من بعده) هي نقطة رفضهم الدِّين، رأى شريعتي أنّ هذا الموقف من الدين موقف اختزاليّ، ولا يمكن النظر إلى الدين والأفكار والوعي (بوصفها مثاليَّات) باعتبارها انعكاسات الواقع الاقتصادي وحده، بل تؤثِّر تلك العوامل على حركة التاريخ، وعلى الاقتصاد نفسه. كان شريعتي مؤمنًا بأنّ الدين مثلهُ مثل القومية قوَّة جبَّارة قابلة للتحريك لغاياتٍ تقدميَّة لمناهضة الرأسمالية وقرينتها (الإمبرياليَّة). وقد بلغ تأثير شريعتي على الآلاف من الشعب الإيراني، والمثقفين، ما جعل الثوار يحملون صورته إلى جانب صورة الإمام الخميني في المظاهرات. مجاهدي خلق: المقاومة المسلحة لاستبداد الشاه. وللخميني! من رحم الحراك الثوري المناهض للشاه خرجت منظمة "مجاهدي خلق" في إيران، تأسَّست عام 1965، على يد ثلاثة طلاب جامعيين؛ هم محمد حنيف نجاد، وعلي أصغر بديع زادكان، وسعيد محسن، كانوا مشغولين بقراءة التراث الماركسيّ للخروج بأيديولوجيا جامعة، يستقطبون إليها بقيَّة شرائح الشعب للانضمام إليهم والكفاح ضد شاه إيران. بالجملة مؤسسو هذه الحركة من المناضلين الحقيقيين لنظام الشاه. ففي عام 1971 تمّ اعتقال جميع أعضاء اللجنة المركزيَّة، وشهدت بتجميع اللجنة المركزية في السجن ولادة المنظمة بشكلٍ معلن وواضح، واتخذت لها شعارًا، آية "فضَّل اللهُ المجاهدينَ على القاعدينَ أجرًا عظيمًا". هذا البعد الإسلاميّ في خطاب الحركة، والتنظير ثمّ التطبيق الماركسيّ، جعلها محطًّا للانتقادات والهجوم، خصوصًا من رجال الدين، ليس فقط من رجال الدين الموالين للشاه، وإنما رجال الدين الثائرون ضدَّه، مثل "آية الله طالقاني"، الذي حرَّم الجلوس مع الماركسيين على سفرةٍ واحدة! شهدت الحركة انقساماتٍ شديدة في صفِّها، إبانَ الثورة، فأعلنَ بعضهم ماركسيتهم تمامًا وانفصلوا عن الحركة، اعتمدت الحركة على كرَّاسات وكتب تُصدرها باسمِهَا، كان أول هذه المنشورات كتاب "المعرفة/ شناخت" الذي ألفه حسين روحاني، ضمَّن فيه بعض المنطلقات النظريَّة للحركة ويعدُّ هذا الكتاب تلخيصًا لبعض كتب ستالين وماوتسي تونغ وجورج بوليتزر، وفقًا للكاتبة فاطمة الصمادي، في كتابها "التيَّارات السياسية في إيران". انطلاقًا من رؤيةٍ ماركسيَّة، تجاوزت حتَّى منطلقات على شريعتي، اعتبرت المنظمة أنّ الكتب المقدَّسة تخضع للسياق التاريخيّ والاجتماعي العام الذي نشأت فيه وأرسلت لتغييره، كما اعتبروا الأنبياءَ ثوَّارًا جاؤوا ليُعيدوا النَّاس إلى الفطرة السليمة التي لا عبودية فيها ولا رقّ. بالجملة اتخذت الحركة خطًّا أكثر تحرُّرًا من فكر شريعتي، الذي اعتبروهُ ملهمًا لهم، وقالوا إنهم قابلوه وأبدى إعجابه ببعض آرائهم وتحفظاتهِ على بعضها. لكنّ الحركة كانت راديكاليَّةً جدًا، فدخلت في حربٍ مفتوحة مع نظام الملالي الذي قادهُ الخميني بعد الثورة. قدَّمت المنظمة للثورة الإيرانية عشرات المئات شهداءَ، وقامت بعمليَّات مسلحة نوعية ضدّ نظام الشاه، وشاركت بشكلٍ واضح في إسقاطه. لكنّ الخميني بعد ذلك اعتبرهم "منافقي خلق"، وشنّ حربًا عليهم انتهت بالقضاء على قوتهم الضاربة بالفعل، هذا الانقلاب صاحبهُ عمليَّات مسلَّحة نوعية ضدّ النظام من قِبَل المنظمة. فقد قامت "مجاهدي خلق" بتفجير مقرّ حزب الجمهورية الإسلامية، وتسبَّبوا في مقتل 82 من رجال الدين ووزراء، من بينهم آيةُ الله بهشتي، رئيس مجلس القضاء الأعلى. كما فجَّروا مقرّ الرئاسة فقُتل الرئيس محمد علي رجائي، إلى جانب العديد من التفجيرات والحركات المسلحة النوعية، التي غرَّمت نظام الملالي خسائر فادحة. وبعد حرب الخليج الأولى (الحرب العراقية الإيرانية)، استغلَّت المنظمة انسحاب الجيش الإيرانيّ إلى العُمق فشنَّت هجومًا ضدّ القوات الإيرانية على إحدى الجبهات، وحاولت السيطرة على بعض المناطق التي تركها الجيش العراقي بعد احتلالها. انتهى الهجوم بفشلٍ ذريع وقتل منهم أكثر من 1800 مُسلَّح، كما أسر المئات، الذين أصدَرَ الإمام الخميني حكمًا بحقهم يقول بمحاكمة جميع أعضاء المنظمة على أنهم محاربون، فيقضى فيهم بحكم الإعدام! وهكذا كُتب للمنظمة أن تعيش في الخارج حاليًا، في الشتاتِ المنفى، لتقود المعارضة الإيرانية في الخارج، تحت غطاء حزب "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" المؤسَّس في باريس. الإسلاميون التقدُّميُّون في تونس. من داخل الحركة الإسلامية إلى آفاقٍ بعيدة من رحم الجماعة الإسلامية في تونس، والتي كانت تعتبرُ فرعًا من فروع جماعة الإخوان المسلمين، خرجت حركة الإسلاميون التقدميون، في الفترة التي أراد فيها الشيخ راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو تحويل الجماعة الإسلامية إلى حركة "الاتجاه الإسلامي" عام1981، اعترض بعض القيادات الهامَّة، على أساس اختلافهم في وجهة النظر القائلة بالانطلاق للعمل السياسي، فقد رأى هؤلاء المعارضون أن التحرُّك التربوي أهمّ من التجييش السياسي وخطوة سابقة له. لم تكن هذه هي نقطة الخلاف الوحيدة، وإنَّما كان هناك اختلافٌ نظريٌّ كبير، بدأهُ أحميدة النيفر وهو أحد الأعضاء المؤسسين للجماعة الإسلامية نفسها، كان النيفر رئيس تحرير مجلة المعرفة التابعة للجماعة، وكان قد نشر مقالًا يتضمن دراسة نقدية لتجربة الإخوان المسلمين، لكنَّه فوجئ بسحب المقالة من المطبعة دون علمه، فترك الجماعة الإسلاميَّة، سائرًا وراء أفكاره التقدميَّة التي تعارض كيانًا كالجماعة الإسلامية حينها، انضمّ إليه بعدها صلاح الدين الجورشي وزياد كريشان، وغيرهما، وأسسوا حركة "الإسلاميون التقدميُّون"، وهي تجربة لها إطارها النظري المختلف عن السائد. تنطلق الحركة من فرضيَّة أن العمل الاجتماعي والثقافي التربوي مقدَّم على العمل السياسي، وهي المعضلة التي وقعت فيها كلّ التنظيمات السياسية الإسلامية تقريبًا، انطلقت الحركة لتنتقد التوجه الفكري نفسه، بانتقاد أفكار سيِّد قطب – والتي كانت مسيطرة حينها على الجماعة الإسلاميَّة – نقدًا قويًّا، ووجهت بديلًا لفكرة الطليعة التي اقتنع بها سيد قطب، كما وجهت نقدًا شديدًا لموقفه شديد التعالي تجاه الجماهير. كما بدأت الحركة في وضع بعض التفسيرات الأخرى لمشاكل أخرى شائكة، كوضع المرأة في الإسلام، وموقفها من الولاية العامة وغيرها من المسائل التي لم تكن ضمن الطرح الفكري بشكلٍ كبير في هذه الحقبة، داخل جماعة الإخوان المسلمين تحديدًا. أسست الحركة مجلتها "15/21"، استدلالًا على القرن الخامس عشر الهجري، والقرن الحادي عشر الميلادي، مواكبينَ العصر في أفكارهم وتحليلاتهم وتناولهم للأحداث والواقع. قامت الحركة بتدشين مؤتمرها التأسيسي عام 1980 – في بيت أحد المؤسسين – وعلى مدار يومين تمت المصادقة على "اللائحة المستقبلية"، والتي تضمنت العديد من الرؤى العقدية والسياسية والفكرية. وكان هذا هو المؤتمر الوحيد للحركة. ربما لاختلاف أو لتتابع الزمن على الحركة، أو لعدم وجود ظهير قوي على الأرض (كالجماعة الإسلامية مثلًا وحزب النهضة)، لم تستدم الحركة، خصوصًا أنَّها كانت تعتمد على تجييش المثقفين والجامعيين إلى أفكارها، فظلت أفكارها حبيسة أذهان بعض النخب، ولم تنزل إلى أرض الواقع للتطبيق، أو حتَّى للاختبار. المصدر: https://www.sasapost.com/islam-and-marxism/
6. شخصيات ماركسية: "شهداء الحركة الشيوعية العربية: جوزيف قرنق" (موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي http://www.scppb.org)
ولد السياسي السوداني الجنوبي “جوزيف قرنق” في قرية جنوبية قرب مدينة واو، والتحق بكلية القانون بجامعة الخرطوم وتخرج منها، وكان أول طالب جنوبي يلتحق ويتخرج من كلية القانون. لأنه ولد في مناطق بدائية، فإنه لا يعرف تاريخ ميلاده بالضبط ولكن يبدو أن جوزيف قد ولد في أواخر عشرينيات القرن العشرين وبداية ثلاثينياته. في عام ١٩٥٤ قرر جوزيف الانفصال عن المجموعة السياسية الواقعة تحت نفوذ الزعيم “بوث ديو”، أحد مؤسسى “حزب الجنوب” الذي تحول فيما بعد إلى “الحزب الليبرالي”، وفي حوالي عام ١٩٥٥ انضم إلى الحزب الشيوعى السوداني، وكان نائباً في البرلمان عن الحزب بين عامي ١٩٦٥ – ١٩٦٩، كما عمل وزيراً لشؤون الجنوب، وانتخب في أول مؤتمر بعد ذلك عام ١٩٥٦ عضواً في لجنته المركزية. أصدر جوزيف قرنق صحيفة سرية باسم “أدفانس” تضمنت آراءه حول الحرب الأهلية السودانية الأولى ١٩٥٥ – ١٩٧٢ وسبل إيقافها. بعد عام من انقلاب ٢٥ مايو ١٩٦٩ بقيادة جعفر النميري الذي سانده الحزب الشيوعي بكوادره ظهرت بوادر جفوة بين الحزب والسلطة، مما أدى إلى قيام انقلاب آخر بقيادة الضابط هاشم العطا في التاسع عشر من يوليو ١٩٧١، كان جوزيف وقتها وزيراً في الحكومة ولا يوجد معلومات عن علمه المسبق بأمر الانقلاب وكان في مهمة لا علاقة لها بالانقلاب الذي أحكم قبضته على مواقع الجيش الرئيسية. بعد ثلاثة أيام من عمر الانقلاب تمكن جعفر النميري من العودة للحكم مرة أخرى، وتم اعتقال عدد كبير من المنسوبين للحزب الشيوعي السوداني، وتم الزج بهم في السجون وإعدامهم ومن ضمن هذه المذابح قدم جوزيف قرنق إلى حبل المشنقة. يعتبر جوزيف قرنق أحد المدنيين الذي أعدموا في محاكم عسكرية في يوليو ١٩٧١، مثل عبد الخالق محجوب والشفيع احمد الشيخ وغيرهم. كتقييم عام لمسيرة الشهيد جوزيف قرنق: كان مثالاً للجنوبي السوداني الذي فكر بحل وطني لمسألة الجنوب، وبأن مشكلة الجنوب تحل عبر “الخرطوم” وليس عبر “جوبا”. اختارت حركة “أنيانيا” بزعامة جوزيف لاغو طريق الحل الانفصالي في تمرد ١٩٥٥ – ١٩٧٢ حتى اتفاقية الجنوب في أديس أبابا مع النميري، ثم تبعها تمرد “الحركة الشعبية” بزعامة جون غارانغ منذ ١٩٨٣ حتى انفصال الجنوب عام ٢٠١١. ما زال مثال الشهيد جوزيف قرنق يقول بأن طريق وحدة السودان كان هو الطريق الأفضل، والدليل على ذلك فشل الدولة الجنوبية الجديدة التي انقسمت قبلياً بين قبيلتي الدينكا (الرئيس سيلفا كير) والنوير (نائبه المتمرد عليه إريك ماشار). ملاحظة: إن المواد المترجمة المنشورة تعبّر عن آراء كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء وتوجهات "الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي".
___________________
زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت: www.scppb.org
موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن): www.ahewar.org/m.asp?i=9135
#الحزب_الشيوعي_السوري_-_المكتب_السياسي (هاشتاغ)
The_Syrian_Communist_Party-polit_Bureau#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيان حول العدوان التركي
-
المسار- العدد 32
-
المسار- العدد 31
-
المسار- العدد 30
-
المسار- العدد 29
-
المسار- العدد 28
-
المسار- العدد 27
-
بيان بمناسبة عيد الجلاء
-
المسار- العدد 26
-
حول الجولان العربي السوري
-
المسار- العدد (25) – كانون ثاني /يناير 2019
-
المسار- العدد (24) – كانون ثاني /يناير 2019
-
رسالة تضامن مع انتفاضة الشعب السوداني والحزب الشيوعي السودان
...
-
المسار- العدد 23
-
الرؤية سياسية المعتمدة من اللجنة التحضيرية لتشكيل الجبهة الو
...
-
بيان إشهار (الجبهة الوطنية الديمقراطية /القطب الديمقراطي)
-
المسار- العدد 22
-
المسار- العدد (21)
-
سلامة كيلة.. وداعاً
-
المسار - العدد 20
المزيد.....
-
عمره مئات السنين.. كيف أصبح هذا الحي القديم رمزا مهيبًا في ا
...
-
فواز جرجس لـCNN عن الرد الإسرائيلي على صواريخ إيران: علينا ت
...
-
الجيش الإسرائيلي يرصد حوالي 20 قذيفة صاروخية أُطلقت من لبنان
...
-
لأول مرة منذ مقتل نصرالله.. وزير الخارجية الإيراني يصل إلى ل
...
-
الجيش المصري يتدرب لتدمير مقاتلات F-35 ودبابات ميركافا
-
الملك تشارلز يؤدي رقصة -الساموا- خلال حفل استقبال جاليات الك
...
-
في اليوم 364 للحرب: إسرائيل تصعد هجماتها الجوية في غزة والضف
...
-
غارة اسرائيلية تقطع الطريق الدولية بين سوريا ولبنان
-
مجلس الأمن يدعم غوتيريش بعدما اعتبرته إسرائيل -شخصا غير مرغو
...
-
-فايننشال تايمز-: رد إسرائيل على الهجمات الصاروخية الإيرانية
...
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|