أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي - المسار- العدد 53















المزيد.....



المسار- العدد 53


الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)


الحوار المتمدن-العدد: 6941 - 2021 / 6 / 27 - 23:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




العدد53،حزيرانيونيو2021
-------------------------------------------------------------------

افتتاحية العدد:
- استعصاء الأزمة السورية -

تحركت الأزمة السورية نحو حل تسووي لمرتين في سنواتها العشرة:المرة الأولى بعد اتفاق 14أيلول2013بين واشنطن وموسكو لنزع السلاح الكيماوي السوري،وماتبع ذلك بعد أسبوعين من صدور القرار2118الذي تبنى بيان جنيف1 بنصه الكامل في ثنايا القرار،وماتضمنه القرار بالدعوة إلى انعقاد (مؤتمر جنيف2).انكسر الاتفاق الأميركي الروسي في شباط 2014نتيجة اندلاع الأزمة الأوكرانية التي اتهمت موسكو الأميركان بإشعالها.المرة الثانية التي تحركت فيه الأزمة السورية كانت أيضاً حصيلة لتوافق أميركي- روسي حول التدخل العسكري الروسي في سوريا بداية من يوم 30أيلول.كان التوافق حول ذلك قد أنتج في شهرين ونصف لاحقين وثيقتي فيينا وانعقاد مؤتمر الرياض للمعارضة السورية الذي أنتج وفداً للمعارضة السورية من أجل التفاوض مع الحكومة السورية،ومن بعده صدور القرار2254الذي دعا لانعقاد (جنيف3)الذي بدأ في 29كانون ثاني2016.أفشلت تركية مسار (جنيف3)من خلال دفع رياض حجاب إلى تعليق مشاركة وفد المعارضة في (جنيف3).
خلال السنوات العشر الماضية من عمر الأزمة السورية لم تكن هناك سوى هاتين المحاولتين لحل الأزمة.يوحي ذلك بأن مفتاح حل الأزمة السورية موجود في البيت الأبيض وفي الكرملين،وبأن كلاهما معاً يستطيعان وضع الأزمة السورية على سكة الحل،وبأن محاولة منفردة لحل جزئي يتبناه أحدهما لايستطيع تحريك عملية تسوية الأزمة حتى ولووقفت معه أطراف اقليمية،كماحاول الروس في النصف الأول من عام2021.
في هذا المجال يلفت النظر بأن انفراط (جنيف3)في عام2016قد أعقبه ،في ظل توتر أميركي- روسي،التواجد العسكري الأميركي في شرق الفرات في موازاة التواجد العسكري الروسي في غرب الفرات.كماأن تقاربات موسكو وأنقرة منذ صيف2016قد ولدت بغطاء الكرملين خلال سنوات2016-2019 مناطق للتواجد العسكري التركي في خط ادلب – عفرين –اعزاز- الباب- جرابلس وفي خط تل أبيض- رأس العين،وهو ماأتاح للأتراك لأن يصبحوا اللاعب الثالث في الأزمة السورية،فيماهناك لاعب رابع أقل قوة من الأتراك هو اللاعب الايراني.
اللاعب الاقليمي يستطيع عرقلة حلول الأزمة،وهو مارأيناه من الأتراك عبر تابعهم رياض حجاب في نيسان2016عندما كانت أنقرة في حالة تجابه مع كل واشنطن وموسكو،ولكنه لايستطيع انتاج حل للأزمة حتى ولوتحالف وتعاون مع أحد اللاعبين الكبار،أي الأميركان والروس.
استعصاء الأزمة السورية ينتج الآن من التوتر غير المسبوق في العلاقات الأميركية- الروسية منذ نهاية الحرب الباردة،وبالذات في عهد جو بايدن،وهو توتر لايتعلق بسورية بل له علاقات بملفات عديدة تمتد للضغط الأميركي على الروس لابعادهم عن نسج حلف مع الصين التي يراها الأميركان المنافس الأكبر أمام القطب الأميركي الأوحد للعالم،وتمتد للملف الأوكراني الذي يريد الأميركان عبر ادخال أوكرانيا في حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي جعل أوكرانيا الجدار الشرقي للناتو من أجل عزل روسيا عن أوروبة ،وهي التي يراها الكثير من الغربيين أنها كانت تشكل تهديداً للقارة العجوز
ليس مظهره الأخير تداعيات ثورة أوكتوبر1917التي هزت العالم واعتبرها اليمين الأوروبي تهديداً خطيراً له ،فيماكانت روسيا عند يساريي القرن التاسع عشر زعيمة للقوى المحافظة الرجعية القديمة عبر مثالي مشاركة القيصر الروسي في هزيمة نابليون بونابرت والثورة الفرنسية عام1815في واترلو وإعادة آل بوربون للحكم في باريس ومشاركة القوات الروسية لآل هابسبورغ الحاكمين في الامبراطورية النمساوية في قمع الثورة المجرية عام1849.تستخدم سورية الآن ،عبر الضغط الاقتصادي،من أجل اجبار الروس على تقديم تنازلات في أوكرانية ومن أجل اجبارهم للابتعاد عن الصينيين،ويبدو أن سيناريو أفغانستان في الثمانينيات عندما تم تحويل أفغانستان لمستنقع غرق فيه السوفيات يريد الأميركان تكراره في سوريا ضد الروس،إلاإذا استجاب الكرملين لمطالب الأميركان في أوكرانية وفيمايخص العلاقة الروسية- الصينية.
-----------------------------------------------------------------

البيان الختامي
في ظروف بالغة التعقيد داخلياً واقليمياً ودولياً، وبعد عشر سنوات من انطلاق ثورة الشعب السوري، حاملة الوعد بالخلاص من الاستبداد والطغيان، يستمر شعبنا في نضاله لنيل الحقوق المشروعة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وفي ظلِّ مجريات الواقع السوري الناتج عن امتلاك النظام لأدوات العنف، واستعصاء بنيته على الإصلاح والتغيير، التي جعلته ينتهج في مواجهة ثورة الشعب السوري، الحل الأمني العسكري، الذي تمثّل باستقدام ميليشيات طائفية، وتدخّل جيوش أجنبية عمّت الأرض السورية، وانتشار التنظيمات الارهابية المتطرفة. ما أدى إلى الاقتتال والتدمير والاعتقال والتهجير، وحرب الوكالة التي تعيشها سوريا، وجعل وطننا ساحة صراع ومناطق نفوذ لكلّ المتدخلين، ما زاد معاناة الشعب السوري فقراً ونقصاً في الخدمات، وتأمين الحاجات الأساسية من الخبز والدواء والوقود.
في ظل هذه الظروف، عقدت الأطراف المشاركة في الجبهة الوطنية الديموقراطية (جود)، المؤتمر التأسيسيَّ للجبهة "إلكترونياً" بتاريخ ١٨/٥/٢٠٢١، وقد حاول النظام منعه، كما منع عقده أول مرة فيزيائياً في دمشق بتاريخ٢٧/٣/٢٠٢١، عندما قامت عناصر أمنه بمحاصرة مكان انعقاد المؤتمر وأرغمت الحاضرين على الخروج.
بدأت أعمال المؤتمر بانتخاب رئيس له، ونائب للرئيس، ومقرر، وأمين للسر، وتمت مناقشة مشاريع الوثائق (الرؤية السياسية، واللائحة التنظيمية) حيث أُقرَّت اللائحة التنظيمية وتمت المصادقة عليها، كذلك تمت الموافقة على الرؤية السياسية مرفقة ببعض التحفظات ومقترحات التعديلات، وأحيلت إلى الهيئة المركزية لمناقشتها واتخاذ القرارات بشأنها. وانتخب المؤتمر من بين أعضائه هيئة للرقابة والتقييم.

وشُكّلت الهيئة المركزية على قاعدة التوافق ديموقراطياً، واستناداً إلى اللوائح التنظيمية التي اعتمدها المؤتمر، حيث تمثَّلت فيها كافة مكونات الجبهة، ومنتخبو الشخصيات الوطنية المستقلة المشاركة فيه، حسب ما حددته اللائحة التنظيمية.
‏وتم إطلاق الجبهة الوطنية الديموقراطية (جود)، التي ستضطلع بالعمل الوطني لبناء جبهة موسعة مفتوحة لكل القوى والشخصيات الوطنية المعارضة داخل سوريا وخارجها، ما يسهم في تحقيق مشروع التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل لنظام الاستبداد القائم بكل رموزه ومرتكزاته، والمساهمة بإنجاز الانتقال السياسي، وبناء الدولة الديموقراطية الحديثة، دولة الحق والقانون والمؤسسات المنتخبة، الدولة الحيادية اتجاه الأديان والمذاهب، التي تكرس مبدأ المواطنة الحرّة المتساوية في الحقوق والواجبات لكل أفراد الشعب السوريّ، دون تمييز أو إقصاء على أساس القومية أو الدين أو المذهب أو الجنس أو الاتجاه السياسي، وإلغاء جميع أشكال التميز ضد المرأة وضمان مشاركتها السياسية الفاعلة غير المنقوصة وفق ما حدده قرار مجلس الأمن (1325)، دولة يتمتع مواطنوها بالحقوق القومية الثقافية والاجتماعية، في إطارِ سيادة سوريا، ووحدتها أرضاً وشعباً، وصولاً إلى الدولة المدنية الديموقراطية التي تحقّق الحرية والعدالة والمساواة، وتمثِّل طموح شعبنا منذ نيله الاستقلال.
هذا، وطالب المؤتمر المجتمع الدولي والجهات صاحبة القرار وهيئات ومنظمات المجتمع المدني محلية ودولية، كذلك القوى والأحزاب السورية بضرورة الضغط السياسي على النظام، والسعي الحثيث ودون إبطاءٍ للإفراج عن كافة معتقلي الرأي في معتقلات النظام، وغيرها من المعتقلات أيضاً، وتبيان مصير المغيبين والمختفين قسرياً، والعمل الجاد للعودة الطوعية للمهجرين، والنازحين داخل البلاد إلى مناطق سكناهم. كذلك
دعاها جميعاً لوضع الخطط والعمل على إخراج كافة القوى والميليشيات الأجنبية، ووقف العمليات العسكرية على التراب السوري.

إن إطلاق "جود"، يأتي سعياً لاستعادة السيادة الوطنية وتخليص البلاد من جميع الاحتلالات، ومن نظام ينتهج الحل الأمني والعسكري، متشبثاً بالسلطة، وأجهزته الأمنية تكم الأفواه، وتعتقل وتقتل تحت التعذيب وتتحكم بكل مفاصل الدولة والمجتمع، وما زال النظام حتى هذا التاريخ، يعطّل الحل السياسي الذي نصّت عليه القرارات الدولية خاصة بيان جنيف1 لعام 2012، وقراري مجلس الأمن الدولي 2118/ لعام 2013 و2254/ لعام 2015، والقرارات الأخرى ذات الصلة، مسوّفاً ‏تحت ذرائع شتى بغيةَ التَّنصّل من الاستحقاق السياسي والدستوري، وتشكيلِ "هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية" التي تهيء لمناخٍ ديموقراطي وبيئة آمنة للانتقال السياسي، ووضع دستور عصري للبلاد يُستفتى عليه شعبياً، وإجراء انتخابات نزيهة بإشراف أممي، ‏مستفيداً من التناقض والاختلاف والصراع الدولي والإقليمي حول الملف السوري.
واختتم المؤتمر فعالياته بتوجيه التحية للشعب السوري، الذي لم يبخل بالعطاء في سبيل الحرية على مرِّ تاريخه، ما تجلّى في ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ثورة آذار 2011.
الرحمة للشهداء، والشفاء للجرحى والحرية للمعتقلين والمخطوفين والعودة الآمنة للمهجرين، والنصر للثورة.
الجبهة الوطنية الديموقراطية (جود)
الهيئة المركزية
٣٠ /٥/٢٠٢١

الموقعون:
- التيار السوري للبناء والتجديد-سبت
- الجمعية الأهلية لمناهضة الصهيونية ونصرة فلسطين
- الحركة التركمانية الديمقراطية السورية
- الحزب الاجتماعي الديمقراطي
- الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي
- المبادرة الوطنية في جبل العرب
- تجمع الشباب الوطني
- تكتل السوريين
- تجمّع بنّا الوطن
- حركة الاشتراكيين العرب
- حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي
- حزب البعث الديمقراطي الاشتراكي العربي
- حزب العمل الشيوعي في سورية
- كوادر من الشيوعيين في جبل العرب
- مجموعة المستقلين في هيئة التنسيق الوطنية
شخصيات وطنية مستقلة
- ابراهيم الجباوي
-سليمان الكفيري
-محمد ملّاك


- هكذا تتوزع المعابر داخل مناطق السيطرة في سوريا
- المصدر: مركز جسور للدراسات

مضت عشر سنوات على الحرب السورية، توزّع خلالها البلد تحت مناطق نفوذ مختلفة باتت حدودها شبه ثابتة منذ شهور طويلة، إلا أن هذه المناطق ليست منقطعة تماماً عن بعضها البعض وإنما تربطها معابر مختلفة تستخدم لأغراض تجارية ومدنية ونقاط تهريب.
- ونشأت هذه المعابر الداخلية نتيجة الحصار والمعارك المستمرة بين أطراف الصراع السوري في مناطق السيطرة المختلفة.
- كما تُعد نقاطاً فاصلة بين هذه المناطق، ومورداً هاماً للدخل للجهة المسيطرة عليها، حيث يتم تحصيل رسوم عبور للأفراد والسلع والسيارات، وتميل الجهات المسيطرة دائماً لتطوير هذه المعابر لأسباب تتعلق بالموارد المتحصلة منها.
- وبحسب تقرير لمؤسسة "جسور للدراسات"، فإنه وحتى في أشد الظروف لم تنقطع العلاقات التجارية وحركة الأفراد بين هذه المناطق، ففي كل منها ميزة لا تتوافر في غيرها، ونتيجة العلاقات الاجتماعية والمصالح الاقتصادية للأفراد صار انتقالهم عبر هذه المناطق أمراً طبيعياً رغم مخاطره.
- كما استخدمت بعض المعابر كمراكز لتسهيل عملية التفاوض بين هذه الأطراف.
- وقالت مؤسسة "جسور" إن المقايضة استُخدمت في كثير من حالات التبادل في سوريا، مع تراجع دور النقود وأهميتها، فربما تتوافر النقود دون توافر السلع، والبائع أصبح أقل اهتماماً بالنقود لصالح الاهتمام بالسلع.
- المعابر بين النظام وقوات سوريا الديمقراطية
- ولاحظ التقرير وجود أكثر من ١٥ معبراً بين مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية ومناطق سيطرة النظام، خمسة منها على الأقل تعد معابراً رسمية تتدفق منها السلع بين الطرفين، كما يستخدم بعضها المدنيين بشكل رئيسي .
- ويعد معبر "التايهة" (جنوب غرب مدينة منبج) و"الهورة" (شرق مدينة الطبقة) أبرز المعابر بين الطرفين، وهما معبران حيويان بالنسبة للنظام، إذ تمر قواته من خلالها إلى مناطق سيطرته داخل مناطق قسد، كما يحصل عبرهما على المحروقات.
- وتتمثل أهمية هذه المعابر لقسد من خلال الموارد المتأتية منه، وإمكانية الضغط على النظام من خلاله.
- وتتوزع المعابر والنقاط حسب المحافظات بين النظام وقسد:
- حلب: التايهة.
- الرقة: شنّان، الهورة، شعيب الذكر.
- الحسكة: دوار المطار، دوار مرشو.
- دير الزور: المحيمدية، الصالحية، جديد عكيات، جديد بكارة، صبحة، البصيرة، الشحيل، الطيانة، ذبيان، درنج، الجرذي.
- المعابر بين النظام والمعارضة المسلحة
- رأى التقرير أن سيولة الحركة في جانب المدنيين في المعابر الفاصلة بين المناطق التي يسيطر النظام وتلك التي تسيطر عليها المعارضة، أقلً منها مقارنة مع حالة مناطق سيطرة قسد، حيث تقتصر حركة المدنيين على الموظفين وبعض الطلاب، وغالباً ما يتعرض بعضهم للاعتقال أو الإهانة، ولكن الحركة التجارية مستمرة في أغلب الأوقات.
- فمعبر "قلعة المضيق" الذي سيطر عليه النظام عام ٢٠١٩، كان يساهم في حركة تجارية واسعة، كما حافظت قوات المعارضة وقوات النظام لسنوات طويلة على وجود وسطاء تجاريين بين الطرفين.
- لكن مع تمايز هؤلاء الوسطاء وانحيازهم لطرف على حساب الآخر، فقد ضعفَت الحركة التجارية التي تتدفق أحياناً عبر معابر التهريب أو من خلال فتح مؤقت لكل من معبر "ميزنار" أو معبر "سراقب" كما يتم استخدام معبر "أبو الزندين" قرب مدينة الباب لاستقبال المهجرين من مناطق النظام في أغلب الأوقات وكذلك لعمليات تجارية غير رسمية، وغالباً ما يتم استخدام المعابر بين مناطق قسد ومناطق المعارضة كمعابر وسيطة لتحرك السلع والأفراد من مناطق النظام إلى مناطق المعارضة أو العكس مروراً بمناطق قسد.
- المعابر بين قوات سورية الديمقراطية والمعارضة المسلحة
- يعتبر معبر "عون الدادات" قرب جرابلس هو المعبر الرسمي لتدفق السلع والأفراد بين مناطق قسد ومناطق المعارضة، ويدخل عبر المعبر المحروقات والمواد الغذائية والإلكترونيات وغيرها من السلع المهمة للطرفين، كما توجد معابر تهريب أخرى أقل أهمية وأكثر ضبطاً، كما هو الحال في معبر "أم جلود" وذلك لحساسية الوضع بين الطرفين، واتهام كل منهما للآخر بزعزعة الأمن في مناطقه.
- وتتوزع المعابر والنقاط حسب المحافظات بين قسد والمعارضة المسلحة:
- حلب: عود الدادات، أم جلود، براد.
- الرقة: اعيوه.
- وتتمتع مناطق قسد بأهمية كبيرة للمعارضة لنقل البضائع من وإلى مناطق النظام وأحياناً لإقامة علاقات تجارية مع العراق.
- المصدر: مركز جسور للدراسات
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------
- أرقام حول إعادة اعمار سوريا –

- في مطلع العام 2019، تراوحت تقديرات تكلفة إعادة الإعمار بين 250 و400 مليار دولار، وهي أرقام تجعل ميزانية 2018 التي وضعتها الحكومة والبالغة 3.9 تريليون ليرة سورية، أو حوالى 8.9 مليارات دولار، تبدو قليلة للغاية بكاملها ، ومن إجمالي هذه الميزانية، وصل المبلغ المخصّص لإعادة الإعمار إلى 50 مليار ليرة سورية، أي أنه لا يتجاوز 115 مليون دولار. وبالتالي، لا تتحمّل الحكومة السورية عملية إعادة الإعمار الهائلة هذه ،
- هذا وتراجع الناتج المحلي الإجمالي الإسمي في سورية بشكل ملحوظ من 61.1 مليار دولار في العام 2010 إلى 17.1 مليار دولار في العام 2017. وفي العام نفسه، ارتفع معدل الفقر في البلاد بأكثر من 90%، حتى أن صحيفة الوطن الموالية ذكرت أن أحد أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجهها سورية هي معالجة التفاوت الصارخ في توزيع الثروات والمداخيل.
- قال مصدر أممي إن إعادة إعمار سوريا قد يستغرق أكثر من نصف قرن
- أضافة لما سبق ذكره اعلاه أيضا ستكون هناك شريحة ضيقة هي المستفيدة من اعادة الاعمار ، هذه الشريحة هي المتحكمة بكل صغيرة وكبيرة بالبلد وبيدها السلطة والقرار الاقتصادي والسياسي ، لأنه فعليا المواطن السوري يعيش ويلات الحرب على كافة الصعد وليس هو المقرر في سياسات السلطة ، وفي النهاية يبقى السؤال الأخير ما هي مصادر تمويل عملية إعادة الإعمار في ظل استمرار الحرب خاصة مع عجز الدولة السورية عن التكفل بها ؟
-
- المصادر :مركز مالكوم كير - كارنيغي للشرق الاوسط
------------------------------------------------------------------------------------------------
- مجتمع مدني سوري عابر للحدود :ايجابياته، سلبياته -
تفاوت حضور المجتمع المدني في سورية قبل وبعد الانفجار السوري في ٢٠١١ و السبب في ذلك مرتبط بالمتغيرات والتطورات السياسية التي حدثت وما رافق ذلك من صراع على السلطة بعد الاستقلال .
فبعد الاستقلال ، وبسبب التوجه الديمقراطي، الليبرالي للسلطة فقد أولى القانون السوري آنذاك اهتماما كبيرا وملحوظا بالجمعيات الأهلية والنوادي الثقافية والفنية و الرياضية والمنظمات الخيرية و الشبابية والنسائية والمؤسسات الاجتماعية والأحزاب السياسية ، بدءاً بالقانون ٤٩ لعام ١٩٤٥ الخاص بالجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية ومرورا بالقانون ٥٢ لعام ١٩٤٩ الخاص بتأسيس الأندية وانتهاء بإقرار دستور ١٩٥٠ الذي تضمن حق المواطنين بتأسيس الجمعيات ومنحها حريتها واستقلالها ، ثم القانون (٤٦) لعام ١٩٥٣ الخاص بالجمعيات والأحزاب السياسية الذي اعتبرها جزءاً أساسياً من حياة المجتمع وحق من حقوق المواطنين .
مع قيام الوحدة السورية المصرية وبسبب السياسة المركزية القوية للسلطة السياسية المطبقة أنذاك، غابت جميع تلك الحقوق الممنوحة سابقا بفعل تطبيق القانون (٩٣) لعام ١٩٥٨ الذي أسس فهماً جديداً لمصطلح الجمعيات بما يتوافق ويلتزم بسياسة الوحدة ، كم حدد لها الإطار القانوني لعلاقتها القوية بالحكومة ودورها المحدود في المجتمع ، هذا إضافة إلى حل جميع الكيانات والأحزاب السياسية استنادا إلى ما هو كان قائما في مصر .
مع صدور هذا القانون بدأ دور منظمات المجتمع المدني بالغياب في حياة المجتمع وتطوره واستمر هذا الوضع في سورية ولهذا التاريخ بسبب طبيعة النظام الاستبدادية – الشمولية، من خلال صدور جملة قوانين ومراسيم بين أعوام ١٩٦٣ و١٩٨١وكان أخرها حل جميع النقابات العلمية والمهنية التي كانت تتمتع بهامش من الاستقلالية فأصبحت جزءاً من أجهزة الدولة وسلطة حزب البعث القائد للدولة والمجتمع وفقاً للمادة الثامنة من الدستور السوري لعام ١٩٧٣ .
تكمن أهمية حضور منظمات المجتمع المدني من خلال نشاطها الحر الذي يؤمن إقامة التوازن بين سلطة الدولة من جهة و الهيئات والتجمعات الخاصة والأفراد من جهة أخرى أو خلق توازن بين ظلم الأنظمة والحكومات واستغلالها المالي والاقتصادي للمجتمع والأفراد مع المطالب بالحقوق والحريات والعدالة ويتجسد هذا الدور من خلال أنشطتها في الحياة الاقتصادية والمالية ومدى تأثيرها في توجيه التجمعات الاجتماعية والكيانات السياسية والثقافية في النشاط الاجتماعي الطوعي الحر او قدرتها على ضبط ايقاع وانفعالات الافراد من خلال استيعابهم ضمن انشطتها المتعددة الأمر الذي يدفع أنظمة الاستبداد والشمولية الى تقييد نشاط وحركتها في المجتمع عبر القوانين والملاحقة والاعتقال منعا من تعبئة الافراد والمجتمع بقيم التغيير والحقوق والعدالة.
اقترن فهم السوريين للمجتمع المدني قبل ٢٠١١ باحتكار السلطة له ،وبالتالي لم يعد شائعا أو متداولة في المجتمع حتى ٢٠١١ لذلك لا يمكن اعتبار أغلب المنظمات والنقابات والنوادي والجمعيات والاتحادات الا جزاً من النظام الحالي ولا ينطبق عليها صفة المجتمع المدني لأنها فقدت هذه الصفة كونها خضعت منذ تأسيسها لسلط الاستبداد وتأتمر بتوجيهات عبر القوانين والمراسيم واللوائح الناظمة لحركته ، باستثناء فترة ما بعد منتصف التسعينات من مرحلة الأسد الأب عند تراخي القبضة الامنية للنظام وبداية الالفية الثانية في مرحلة استلام الأسد الابن حيث انطلقت ولفتر قصيرة ظاهرة ما سمي بلجان أحياء المجتمع المدني فتشكلت بعض المنظمات والمنتديات الثقافية والحقوقية من شخصيات ذات خلفيات سياسية تطالب بالإصلاح وإصدار قانون للأحزاب والحريات السياسية ووقف العمل بقانون الطوارئ ، الا ان تلك الظاهر لم تعمر طويلا بسبب إغلاق أغلبها واعتقال وملاحقة الناشطين ضمنها، هذا بالرغم من أنه لا يمكن اعتبار تلك الأنشطة متوافقة مع مفهوم المجتمع المدني ولا معبراً عنه بسبب غلبة الطابع السياسي أو الحقوقي إضافة إلى أنها لم تترك أي اثراً اجتماعي أو أهلي يمكن أن يبنى عليه مستقبلاً في إيجاد حالة من التوازن بين مؤسسات النظام وبين المجتمع ، ومع ذلك اقدم النظام على قمع تلك الأنشطة واعتبرها تشكل تهديداً للسياسة الداخلية أو تشكل قوة ضغط امام السلطة الفتية أو أن تكون عائقاً امامه من توسيع قاعدته الاجتماعية ، وقد صرح حينها عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية آنذاك وبعد حملة الاعتقالات على الناشطين فيها ( لن نسمح بتحويل سورية إلى جزائر أخرى)
في بداية ٢٠١١ وبعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سورية ومع فقدان السلطة المركزية قدرتها على تشديد الرقابة والملاحقة ، برزت طفرة جديدة وغير مسبوقة تحت اسم ( التنسيقيات ) البعض منها داخلية وأخرى خارجية وغير موحدة ،وطال نشاطها بعض جوانب الحياة ، كتنظيم الاحتجاجات والتظاهرات وتأمين مراكز صحية لمعالجة المصابين والجرحى من جراء العمليات العسكرية الجارية إضافة إلى تأمين بعض الخدمات الاجتماعية كتأمين المواد الإغاثة بعد تفاقم الأوضاع الانسانية ، وقد تركز هذا النشاط في المناطق التي انحسر عنها سلطة النظام .
مع ازدياد الأعمال العسكرية وملاحقة واعتقال الناشطين في المجال الإنساني والاغاثي والسياسي سواءً في مناطق سلطة النظام ، أو لسبب صعوبة العيش في المناطق التي انحسر عنها النظام ، دفع الكثير من الشباب والنشطاء البحث عن ملاذات أمنة خارج سورية أو في مناطق سلطة الأمر الواقع في الشمال أو الجنوب أو في المناطق الشرقية لممارسة أنشطتها مما ساهم في ارتفاع نسبة المنظمات خارج سورية أو خارج سلطة النظام مما أدى بتلك المنظمات إلى فقدان وانتهاء دورها المباشر في تلبية الاحتياجات المحلية ، الاهلية من جهة ، والى فقدان استقلاليتها في العمل المجتمعي أو الاغاثي أو الإنساني بسبب التأثير المباشر وغير المباشر من قبل الدول أو سلطات الأمر الواقع في عملها أو في تغييره وفق أجندات سياسة تلك الدول أو التضييق عليها والحد من أنشطتها .
كان لبيان جنيف واحد لعام ٢٠١٢ والقرار الدولي ٢٢٥٤ لعام ٢٠١٥ لمؤتمر بروكسل عام ٢٠١٧ ولتوجهات الدول المانحة والداعمة للحل السياسي في سورية دورا كبيرا في إعطاء بعداً جديدا سياسيا ودوليا لما سمي بمنظمات المجتمع المدني السوري و في تمييع دورها المستقل ، فقد اعتبرت تلك القرارات الخاصة بالأزمة السورية أن المجتمع المدني جزءاً من حل الأزمة وطرف ثالث إلى جانب كل من النظام و المعارضة ، الأمر الذي أعطى الحق لتلك الدول الفاعلة والمانحة والمؤثرة في الحل السياسي للتدخل المباشر في عمل مجموعات ونشاط المجتمع المدني كما أعطى ذلك الحق للمنسق الدولي الخاص بسورية السيد دي مستورة حينها من انشاء غرف خاصة بالمجتمع المدني وغرفة بالمرأة السورية وجعل منها كوتا مستقلة عن بيئتها ومجتمعها وممثلة فوق العادة في كافة المؤتمرات وجولات التفاوض وأصبحت تلك الغرف خاضعة للدول المانحة أو لوصاية المنسق الأممي الخاص وتوجهاته الفكرية والسياسية، كم تمثلت تلك المجموعة في تشكيل اللجنة الدستورية وبنفس النسب التي تمثلت فيها المجموعات الأخرى بالرغم من غياب رؤيتها الواضحة أو المشتركة فيما بينهم وقد اتضح دورهم الثانوي وغير الفاعل من خلال اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف،وبصرف النظر عن الاستفادة من الخبرات المتعددة التي حصلت عليها مجموعات المجتمع المدني التي تأسست خارج الحدود السورية ، وهي عديدة، فأن هذا التحول بفعل القرارات الدولية قد شكل عند الكثير من نشطاء المجتمع المدني بوابة للوصول الى دول ومراكز ومواقع وشبكات دولية كبيرة وهامة وساعدهم على تلقي الدعم وتدفق الأموال الهائلة الامر الذي ساهم في إفساد العديد منهم وتغيير اهتماماتهم نحو نحو النشاط السياسي أوالتركيز على مصالحهم الشخصية والخاصة ، كما أدى هذ أيضاعند الكثير من أعضاءها الى ضعف الاستقلاليتهم اتجاه سياسة المانحين فأصبح دورها في مجتمع النزوح أو في اللجوء محدودا وغير مؤثر ً وذلك لأن مجتمع النزوح في أغلب تلك الدول وخاصة في الدول الأوربية لم يكن بحاجة إلى الحماية أو الرعاية في وقت يكون المجتمع السوري في الداخل في حاجة لكافة أنواع المساعدة وهي عاجزة عن تقديمها لهم بسبب البعد أو تقييد النشاط باستثناء البعض منها أو بفضل جهود بعض الأفراد عندما أخذوا على عاتقهم مهمة توثيق الأحداث مثل ( اعتقال ،تعذيب، قصف ، قتل ، نزوح ، تهجير ) وتقديمها لدول أو منظمات حقوقية أو للإعلام ساهمت في بعض الأحيان في صياغة قوانيين أو مواقف سياسية ، كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية عند أصدار قانون قيصر .
لايزال أمام تشكيلات المجتمع المدني الكثير من التحديات سواء ً في الداخل أو في مناطق سلطات الأمر الواقع أو في دول المهجر ، ففي الداخل ، تعتبر منظمات المجتمع المدني ، في حال وجودها وأخذ دورها رغم المنع المفروض عليها ، منافسا للسلطة ومصدر تهديد حقيقي لها ومدخل لحضور المعارضة في الحياة السياسية ، لذلك على الناشطين في هذا المجال أن تستعيد حضورها عند قاعدتها الاجتماعية بعيدا عن مفهوم النخبة او العصبة او الانتماء الديني او القومي وان تنهي النزاعات والانقسامات فيما ببنها وأن تعالج أمراض الفساد المنتشر بين أعضاءها وان تعبر عن نفسها عبر دورها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والخدمي والاغاثي في حال طال النزاع في سورية ، اما في دول اللجوء و في مناطق سلطات الأمر الواقع فالأمر يختلف كثيرا عن الداخل السوري ، فعلى أكثرية المنظمات المتواجدة فيها أن تحل مشكلة ضعف الاستقلالية أمام سلطة المانحين وهذا مدخل لها لحل مشكلة الفساد فيها، وان يكون لها رؤية وبرامج وأولويات واضحة تهم الشعب السوري وتساعدهم في مواجهة أزماتهم العديدة ، أي تبيئة مشاريعها وفق حاجات المجتمع السوري بمعزل عن رغبات ومشاريع افتراضية لاتخدم الشعب السورية تفرضها الدول المانحة والفاعلة بالازمة السورية كما عليها أن تبلور في نشاطها دوراً ضاغطاً على حكومات دول اللجوء مستفيدة في ذلك من حضورها المفروض دوليا في مفاوضات الحل السياسي، لإنجاح العملية السياسية السياسي وفقاً لبيان جنيف والقرارات الدولية ذات الشأن باعتبارها طرفاً وجزءً من الحل الذي تيسره الامم المتحدة ، وأيضاً باعتبار أن نجاح الحل السياسي المنشود هو الذي يؤمن لها البيئة المجتمعية المستقرة و المستدامة والأمنة في الداخل السوري ليكون من خلاله تحقيق نجاحها.





-


- حرب الخامس من حزيران كماعايشتها -
- حبيب حداد -

دروس الخامس من حزيران هل استوعبت حقا؟

ترى كيف يمكن لنا الآن بوعينا الراهن وبعد انقضاء هذه المدة الزمنية الطويلة أن نعيد تعيين الأسباب الرئيسية التي كانت وراء هزيمة الخامس من حزيران ...وكيف لنا أن نحاول من جديد الإجابة على السؤال الذي ما يزال يطرح نفسه علينا حتى اليوم وهو هل تم استيعاب الدروس التي ترتبت على تلك الهزيمة الكبرى في مسار الأحداث اللاحق؟

ذلك يتوقف طبعًا على وجهة النظر التي تتناول هذا التقييم .فمن الناحية العسكرية وكما أوضحنا سابقا كانت حرب الخامس من حزيران حربا استباقية بمعنى أن إسرائيل هي التي بدأتها وهي التي امتلكت زمام المبادرة فيها ،بعد أن كانت قد هيأت لها وحددت توقيتها. هذا جانب في الموضوع لا يجوز إغفاله لكن السبب الأساس فيما وراء النتائج الكارثية التي أسفرت عنها تلك الحرب إنما يرجع إلى حالة الجيوش العربية الثلاثة عشية الحرب سواء من حيث إعدادها أو من حيث اداءها في غمارالمعارك التي خاضتها.

فبالنسبة للقوات المسلحة المصرية التي كانت تمثل المجهود الحربي الرئيسي في عملية المواجهة، والتي كانت الهدف المباشر للأعمال الحربية الإسرائيلية طوال الأيام الثلاثة الأولى ، فإن المطلعين والمحيطين بواقع الحال (عبد اللطيف بغدادي – دروس الهزيمة – مذكرات مراد غالب و ير الخارجية المصرية السبق) يعزون أسباب هزيمتها والخسائرالجسيمة التي منيت بها إلى ما يلي:
● كان ثلث الجيش المصري يقاتل في اليمن منذ خمس سنوات في ظروف قاسية استنزفت طاقاته بدرجة كبيرة.
● لم يكن هناك إعداد مهني ومعنوي كاف لأفراد الجيش في مواجهة كل الاحتمالات.
● لم تكن هناك قيادة عسكرية وكفوءة على رأس القوات المسلحة.
● لم يكن قد تحقق بعد التنسيق الضروري والمطلوب بين الجيوش الثلاثة في الجبهات الجنوبية والشمالية والشرقية.
● الازدواجية في هرم السلطة بين الرئاسة من جهة وبين قيادة القوات المسلحة من جهة ثانية.
● وقوف الولايات المتحدة الامريكية إلى جانب إسرائيل ومشاركتها الفعلية والمباشرة في هذه الحرب.

أما بالنسبة للجيش السوري على الجبهة الشمالية فإن ما أصبح معروفا للجميع ودون الخوض في التفاصيل هو أن هذا الجيش لم يكن حينها في وضعية تؤهله لمواجهة إسرائيل في حرب شاملة من هذا النوع. وبصدد هذه الوضعية يجدر بنا هنا أن نستعيد أمرين أكد تطور الأحداث المتعاقبة مدى خطورتهما. وأولهما هو أن الجيش السوري كان قد عانى من عمليات تصفية متتالية حرمته من خيرة ضباطه وكوادره، بداية من وقوع الانفصال، واستمرت بعد الثامن من آذار عبر الصراع الذي دار بين الضباط البعثيين والناصريين بهدف الاستحواذ على السلطة مرورا بما تم بعد حركة الثالث والعشرين من شباط من تصفيات داخل الحزب نفسه. فلقد حرمت حملات التصفية المتتالية هذه القوات المسلحة من كفاءات نوعية كانت بأمس ّالحاجة إليها والتي لا يمكن تعويضها إلا بعد انقضاء وقت طويل وبإمكانات كبيرة. أما الأمر الثاني فهو أن ما سمي بتجربة الجيش
العقائدي التي كانت آنذاك رائجة في البلدان الاشتراكية من الصين إلى كوبا لم يثبت أنها كانت الصيغة الملائمة والأصلح لبلدان العالم الثالث التي تقودها حركات التحرر الوطني. اذ ما لبثت تلك الجيوش بعد انجاز هدف الاستقلال الوطني من الوجود الاستعماري المباشر أن تطلعت إلى السلطة وأقامت أنظمة ديكتاتورية شمولية أو فردية صادرت إرادة شعوبها وأجهضت عملية استكمال تحررها.
وأود أن أشيرهنا مرة أخرى إلى أنني إذا كنت لم اتطرق في الحديث كفاية عن وضع الجيش الأردني الذي انضم إلى اتفاقية الدفاع المشترك قبل أيام من حرب حزيران وخاضها مع الجيشين المصري والسوري وأبلى بلاء حسنا في الدفاع عن القدس كما يشهد بذلك جميع المراقبين، فليس ذلك إغفالًا لدوره او انتقاصًا من شأنه وإنما يرجع أساسًا لعدم معرفتي الكافية بأوضاع هذا الجيش الأمر الذي لا أسمح لنفسي
الخوض في موضوع لا يتوفر لدي الحد الأدنى من المعرفة عنه.
هكذا كان إذًا حال القوات العربية بصورة عامة عشية حرب حزيران،وهذه الصورة العامة لا يمكن لها ان تتجاهل وتطمس تلك
التضحيات الجسام التي قدمتها الجيوش الثلاثة دفاعًا عن وطنها أو أن نغفل تلك البطولات الجماعية والفردية التي شهدتها جبهات القتال. غيرأن تقديربل تمجيد تلك التضحيات وهو أمر واجب شيء، وغياب الاستراتيجية الدفاعية الفعالة التي تتوفر على مقومات الصمود والانتصار لكل من هذه الجيوش الثلاثة او لجهدها المشترك شيء آخر.
أما من الناحية السياسية فقد أكد تطور الأحداث على مدار نصف القرن الماضي بأن اسراىيل قد عملت على الدوام على استثمار نتائج الحرب العسكرية وما تزال من خلال فرض سياسة الأمر الواقع على الانظمة العربية وربما على جامعتها أيضا حتى يأتي ذلك اليوم الذي تتمكن فيه من تصفية جوهرالقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني لشعب يكافح من أجل استعادة وطنه وإنشاء دولته المستقلة.
على مدار ثلاث سنوات أعقبت حرب حزيران عاش النظامان المصري والسوري حالة صراع داخلي يتمحور حول التوجهات السياسية التي ينبغي انتهاجها على مختلف الصعد لمواجهة التحديات المطروحة والاستعداد المطلوب لتحرير الأرض المحتلة. ونظرا لمركزية القيادة في مصراالتي تتلخص بشخص الرئيس عبد الناصرفقد ظل هذا الأمر مغيبًا حتى رحيله. أما في سورية فقد ظهر هذا الصراع بصورة مكشوفة وتمحور حول خطين: خط تتبناه المؤسسات الحزبية وكان يرى ضرورة إجراء مراجعة شاملة لأوضاع البلاد وإدخال إصلاحات جدية في مختلف الميادين، وذلك على الرغم من أن أبعاد هذا الإصلاح لم تكن تصل إلى حد إرساء الحياة الديمقراطية بصيغتها الدستورية الكاملة. وخط آخر تمثله القيادة العسكرية وكان يرى أن النهج الذي
يمكن من تحرير الأرض المحتلة ينبغي أن يعطي الأولوية للتضامن والعمل العربي المشترك وللحلول السياسية والدولية لمشاكل المنطقة.
لقد انتهت حالة الصراع الداخلي تلك التي عاشها النظامان المصري والسوري بإجهاض هاتين التجربتين المتميزتين في حركة التحرر العربية وذلك على يد تيارات اليمين والارتداد التي خرجت من رحم كل منهما، بحيث يمكن القول إن المشروع النهضوي العربي الذي مثل هذان النظامان طليعته قد دخل في أ ازمة ذاتية نتيجة عوامل داخلية تتعلق بطبيعة القوى التي كانت تقودهما من جهة ونتيجة السياسات العدائية التي وجهت لهما من قبل إسرائيل والدول الإمبريالية الغربية وقبل ذلك من قبل الانظمة العربية الرجعية من جهة ثانية .-
هكذا ومع نهاية عام 1970وقيام ما سمي بحركة تشرين التصحيحية في سورية كان هناك نظام آخر سرعان ما استكمل هويته كنظام شمولي فردي أقرب ما يكون إلى الانظمة السلطانية التي عرفتها القرون الوسطى. ومع قيام ما سمي بحركة مايو التصحيحية عام 1971 في مصر وتصفية رموز النظام الناصري واستفراد السادات بالسلطة دخلت حركة التحرر العربية في منعطف تراجعي خطير نظرا للدور المركزي لهذين البلدين في الوضع العربي عامة.
لقد سادت في هذه الفترة التي أعقبت حرب حزيران وحتى منتصف السبعينيات حالة من البلبلة وعدم وضوح الرؤية وتميزت مواقف العديد من النخب العربية الفكرية والسياسية بردود الفعل تجاه التطورات التي تلاحقت في المنطقة. حتى أن قوى اليسار كادت تجمع أن السبب الرئيس في هذه الهزيمة يعود إلى الدور الذي اضطلعت به البورجوازيةالصغيرة في قيادتها لحركة التحرر العربية وأن الخلاص من هذا المأزق يتحقق الآن وليس غدًا في قيادة الطبقة العاملة وأحزابها الثورية لهذه الحركة. وبالتالي فإنه على الطبقة العاملة أن تتقدم الصفوف وتضطلع بهذه المسؤولية ! كما نتذكراليوم تلك المواقف الخاطئة التي اتخذها العديد من الشخصيات والاحزاب في تلك المرحلة، والا كيف نفسر مثلًا أن كاتبا أو صحفيًا مرموقًا مثل السيد محمد حسنين هيكل الذي يضع نفسه دوما في موضع المؤتمن والمدافع عن تراث عبدالناصر يبايع حركة السادات التصحيحية منذ أول يوم لقيامها وينّصب نفسه منظرًا وشارحا لسياساته طوال أربع سنوات أي حتى إبرام اتفاقية فصل القوات التي أشرف على تنفيذها هنري كيسنجر؟ وكيف نفسر أن أحزابا وحركات سياسية سورية ناصرية ويسارية وماركسية لا يشك في إخلاصها ووطنيتها شاركت في نظام الأسد طوال السنوات الخمس الأولى من قيامه مبررة موقفها هذا باختبار صدق النظام في الوعود التي قطعها والشعارات التي رفعها. فغادرت بعد أن تأكد لها أن لا نوايا النظام الحقيقية كانت كذلك ولا طبيعته أو هويته التي تبلورت تسمحان له بتنفيذ أي من تلك الوعود والشعارات التي طرحها أو نادى بها .

أحداث خطيرة عاشتها الامة منذ حرب حزيران وحتى اليوم، ومياه كثيرة مرت تحت جسر المشروع النهضوي العربي فأثرت في هذا المشروع سلبًا أو إيجابا ، وما زالت تلك التاثيراتً تستهدف جوهر هذا المشروع فتدفع بعضهم إلى ضرورة إجراء مراجعة جذرية له من حيث الأهداف والمهمات والمرحلية وأساليب العمل والإنجاز ، وتدفع بعضهم الآخر إلى الشك في صحة أو صوابية هذا المشروع من أساسه وبالتالي في إمكانية نجاحه فتدعو إلى الإقلاع عنه وإعلان وفاته مركزة على ان هذا المشروع يلغي او يتناقض مع المشروع الوطني في نطاق كل قطر .

شعارات ومفاهيم جديدة طرحت في ساحة الفكر السياس ي العربي منذ حرب حزيران وحتى اليوم الذي شهد فيه العديد من البلدان العربية تلك الانتفاضات الشعبية التي جاءت في سياق ما سمي بالربيع العربي، ونتيجة قصور الوعي وغياب الحياة الديمقراطية ظلت تلك الشعارات والمفاهيم سواء في ماهيتها ودلالتها أم في علاقاتها مع بعضها في حالة من الاختلاط والإرباك وأحيانا في حالة من التضاد والتناقض وأبرز مثال على ذلك جدل أو صراع الثنائيات في الفكر العربي المعاصر مثل الصراع بين القطري والقومي وبين الأصالة والمعاصرة وبين التحرير والتنمية وبين الحرية والعدالة الاجتماعية وبين العلم والإيمان.
خلاصة القول وبنظرة موضوعية إلى أوضاع المجتمعات العربية اليوم، ونحن نعيش في عصر العولمة بكل ما تحمله من مخاطر
وتحديات وبكل ما تتيحه من فرص وامكانيات، فإن الاستجابة لتلك التحديات ,التي خلفتها حرب حزيران وما أعقبها من تطورات بما في ذلك حرب عام 1973 التي بددت نتائجها الإيجابية , ظلت حتى الآن قاصرة ومحدودة ودون المستوى المطلوب. فالمجتمعات العربية ما يزال كل منها يعيش أ زمة بنيوية شاملة، أ زمة نظام ومجتمع، واستمرارهذا الواقع تتحمل مسؤوليته أساسا السلطات الحاكمة من جهة والنخب الفكرية والسياسية من جهة أخرى. فعلى صعيد الأنظمة الحاكمة ومع وجود بعض التفاوت بين نظام وآخر ظلت الحلول حتى الآن قاصرة وجزئية لا تتناول جذور عملية التنمية والإصلاح الشامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بل إن بعض تلك الإصلاحات الجزئية التي تمت في بعض البلدان العربية، وخاصة في مجال الحريات العامة، كثيرا ما تم التراجع عنها والارتداد عليها. أما على مستوى المجتمع المدني وبخاصة التيار العام الذي يشمل النخب الفكرية والسياسية فلا بد من الاعتراف بالحقيقة الماثلة أمامنا وهي أن التعامل مع التحديات المطروحة ما يزال يتسم بردود الفعل الحماسية تارة او بالانغلاق والعزلة والعودة إلى الماضي بدافع الحفاظ على الخصوصية والدفاع عن الهوية المهددتين تارة أخرى !!! وما نشهده اليوم هو طغيان موجة الأصولية والشعبوية بمختلف ألوانها التي تشل قدرة العقل العربي على التطور وتحول دون امتلاكه للوعي النقدي العلمي المطلوب. وهذا الواقع يجعل من عملية التنويراليوم المهمة المركزية الملحة
التي تتقدم على غيرها من المهمات في مجتمعاتنا وذلك من أجل بناء ثقافة عقلانية عصرية، ثقافة تكرس قيم العدالةوالديمقراطيةوالعلمانية وتكفل لهذه المجتمعات تجاوز حالة التخلف التي تعيشها ومواكبة مسارالعصر.
شهدت مرحلة ما بعد حرب حزيران تطورات هامة على الصعيدين العربي والعالمي وكان لهذه التطورات انعكاساتها المباشرة على الأقطار العربية الثلاثة التي احتلت أراضيها ٠ فعلى الصعيد الدولي ا زدادت حدة الحرب الباردة بين المعسكرين: الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة والاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي مع اتساع شقة الخلاف الصيني السوفييتي داخل هذا المعسكر الأخير وتمثلت بؤر الصراع بين هذين المعسكرين في مختلف الساحات وفي مقدمتها الحرب الفيتنامية والصراع العربي الصهيوني وكذلك الحروب في العديد من الساحات في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ولو بالوكالة
أو بطريقة غير مباشرة. أما أبرز تلك التطورات على الصعيد العربي فقد تمثلت بتعاظم
دور الشعب الفلسطيني من أجل ممارسة حقه في تقريرمصيره ونيل حقوقه الوطنية المشروعة في الحرية والاستقلال، وترافق ذلك بصورة رسمية في انتقال قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى فصائل المقاومة بعد استقالة السيد أحمد الشقيري ليخلفه بصورة مؤقتة السيد يحيى حمودة وانتقالها بعد ذلك إلى السيد ياسر عرفات رئيس حركة فتح .وفي العراق قامت حركة 17-30 تموز التي أنهت نظام عبد الرحمن عارف وجاءت بحزب البعث إلى السلطة، وفي السودان حدث انقلاب الخامس والعشرين من مايو عام 1969الذي جاء بجعفر النميري ومجموعة من الضباط الناصريين والشيوعيين إلى السلطة وذلك قبل أن يرتد عليهم ويصفي معظمهم وينفرد بالسلطة. وفي ليبيا قامت ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969 بقيادة العقيد معمر القذافي ومجموعة من الضباط الشباب ذوي الميول الناصرية.
ولعل العامل الأهم الذي ميز تلك المرحلة هو موقف الشعوب العربية في مختلف أقطارها الذي اتسم بالحماس والتضحية والاستعداد للمساهمة في تحرير الأرض المحتلة ومحو آثار العدوان . وقد كان نزول الملايين من الجماهيرالمصرية إلى شوارع القاهرة وغيرها من العواصم العربية كما ذكرنا رفضا لاستقالة عبد الناصر ومطالبتها له بالاستمرار في تحمل المسؤولية أسطع برهان على ذلك .

من كتابنا: "النهضة المعاقة"

- 54عاماً على هزيمة حزيران –
- (آثار الهزيمة على مشرق ومغرب الوطن العربي والقضية الفلسطينية وسبل النهوض الثوري)
(ورقة مقدمة للندوة الحوارية اعداد الرفاق في موقع الاوراق/حزب النهج المغاربي - المغرب)
- غازي الصوراني-
- "بوابة الهدف الاخبارية"،562021 -
منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تطلعت شعوب بلاد الشام و مصر وبلدان المغرب الى الخلاص من السيطرة الاستعمارية العثمانية والانجليزية والفرنسية ، وذلك بتأثير من الأفكار النهضوية الليبرالية الديمقراطية والتقدمية للروّاد النهضويين ، فمن مصر وبلاد الشام : رفاعه الطهطاوي والافغاني والكواكبي ومحمد عبده وسليم تقلا (مؤسس صحيفة الاهرام) وميخائيل نعيمه وناصيف اليازجي وإبراهيم اليازجي وزكي الأرسوزي ونجيب عازوري وقسطنطين زريق وساطع الحصري ومحمد عزة دروزة ويعقوب صرّوف وفارس نمر وبطرس البستاني وأحمد الشدياق ولطفي السيد وقاسم أمين وسلامه موسى وشبلي شميل وطلعت حرب وفرح انطون وأحمد امين وطه حسين وجورجي زيدان واسماعيل مظهر وخليل السكاكيني واسعاف النشاشيبي واديب اسحق والشيخ علي عبد الرّازق ، ومن بلاد المغرب : أبو القاسم بن حَلّوش وأحمد الفاسي وفرحات الدراجي الليشاني ، وابن باديس وباعزيز بن عمر الزواوي والطاهر بن عاشور والشيخ عبد القادر الياجوري والسعيد عليلي اليجري والهادي زَرّوقي وعلّال الفاسي ، واستمرت تلك العملية النهضوية في الانتشار على الرغم من تأسيس حركه الاخوان المسلمين عام 1928 في اطار سياسي مجتمعي نقيض لكافه الافكار النهضوية سالفة الذكر ثم جاءت ثوره يوليو حامله للعديد من المواقف الثورية ضد الملك والاستعمار وضد رموز الاقطاع .
إلا أنّ ثوره يوليو تفرّدت عبر قيادتها عموماً ، ومن خلال القائد الراحل جمال عبد الناصر خصوصاً في تطبيق رؤاها وبرامجها الوطنية بصوره أحاديه نقيضه للديمقراطية ولمجمل الافكار التعددية السياسية بمختلف اطيافها اليمينية واليسارية ، ما يعني ان سنوات ثوره يوليو حتى هزيمه حزيران كانت تفتقد للديمقراطية السياسية والمجتمعية الامر الذي شكل سبباً رئيساً في الهزيمة ، الى جانب ضعف تطبيق مشاريع التنمية المجتمعية وهشاشة التطور الاقتصادي والسياسي واستمرار مظاهر الفقر في أوساط العمال والفلاحين ، واستمرار قمع القوى اليسارية وتزايد مظاهر الاستبداد والفساد ، واستشراء هيمنة البيروقراطية العسكرية واجهزتها الأمنية ومحاولتها الانقلابية الفاشلة لإسقاط نظام عبد الناصر ، الذي صمد على الرغم من استمرار تآمر التحالف الامبريالي الصهيوني والحكام العرب الرجعيين ضده حتى لحظه وفاته في 28 أيلول 1970 ، ومن ثم بداية مرحله الانفتاح بعد حرب اكتوبر وصولا الى معاهده كامب ديفيد التي فتحت الابواب مشرعه امام تزايد اوضاع التبعية والاستبداد في مجمل البلدان العربية ، ومن ثم تزايد التراجعات والمواقف العربية الرسمية الهابطة ضد القضية الفلسطينية وقواها الثورية من ناحيه ، و تزايد انتشار القوى الكومبرادوريه والرجعيه وتحالفاتها مع النظام الامبريالي العالمي على حساب قضايا الجماهير الشعبية من جهه ، وعلى حساب القضية الفلسطينية من جهة ثانيه ، حيث شهدت مجمل البلدان العربية في المشرق والمغرب حاله من التراجع والانهيار غير مسبوقه في كل تاريخها الحديث والمعاصر ، وذلك عبر تفاقم تراكمات نتائج الهزيمة والانهيارات السياسية والمجتمعية المتصلة في أنظمة الكومبرادور منذ كامب ديفيد 1979 حتى اللحظة .
والان في الذكرى الرابعة والخمسين على هزيمه الخامس من حزيران 67 باتت بلدان الوطن العربي مجرد رقم أو كمّ ، أو عدد حسابي لا يحسب له أحداً حساباً ، وصارت الذكرى- منذ ذلك التاريخ الى يومنا هذا – مناسبة لتكريس الخضوع والتبعية والاستبداد والاستغلال والتطبيع ، بعد أن فقد معظم حكام الأنظمة وعيهم الوطني واستباحوا وعيهم القومي لحساب مصالحهم وتراكم ثرواتهم التي تنزف دماً من كل مساماتها، لا فرق بين نظام ملكي أو أميري أو جمهوري فكلهم في الاستبداد والاستغلال والفساد وتراكم الثروات سواء .
فقد دخلنا إلى هذا القرن ، الحادي والعشرين ، مجردين من أسلحتنا الإستراتيجية، بعد أن أصبحت أنظمتنا في المشهد السياسي الدولي الراهن مجرد أدوات في خدمة مصالح العدو الإمبريالي وركيزته "إسرائيل" في بلادنا، وفي ظل هذا الخضوع لم تعد هذه الأنظمة تعرف لنفسها خطراً معيناً سوى شعوبها عموماً والجماهير الشعبية الفقيرة خصوصاً التي باتت تدرك أن العدو الرابض في أوضاعها الداخلية اشد خطراً من العدو الخارجي .
على أي حال ، كثيرة هي الأسئلة والإشكاليات المثارة بعد أربعة وخمسين عاماً من هزيمة حزيران، أسئلة كبرى، مقلقة وعميقة، جادة وشاملة، وعلى مختلف المستويات سياسياً وفكرياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعسكرياً وأمنياً، ولعل أخطرها وأهمها السؤال المحوري الكبير :لماذا هزمنا؟ ولماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟
الجواب باختصار مكثف ، يكمن في الأنظمة العربية وأجهزتها الطبقية والأمنية التي أسست وراكمت حالة عميقة من مظاهر ومؤشرات التبعية والفساد والاستبداد والتخلف الاجتماعي والاقتصادي، واستغلال ثروات شعوبها ، بمثل ما كرست كل وسائل القهر والقمع الإجرامي لحساب مصالح حكامها اللذين –في معظمهم- وجدوا في التحالف الامبريالي الصهيوني "ملاذهم الآمن" وخضعوا لشروطه ومقتضياته، على حساب أماني وتطلعات شعوبهم ، حيث استطاعت الحركة الصهيونية ودولتها بعد (73) عاماً على النكبة، وبعد (54) عاماً على هزيمة حزيران، أن تحقق العديد من الأهداف في ظل التحالف الاستراتيجي بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية.
فلقد تمكنت دولة العدو الإسرائيلي، ومن خلال الدعم المادي والسياسي الأمريكي على وجه الخصوص، من أن تتحول اليوم إلى دولة إمبريالية صغرى في الشرق الأوسط، كما أصبح الوضع العربي الرسمي في حالة ينظر فيها إلى القضية الفلسطينية باعتبارها عبئاً ثقيلاً على كاهله يسعى إلى الخلاص منه طالما كان في ذلك ضمانة لمصالح النظام الحاكم وشرائحه الطبقية (البيروقراطية والكومبرادورية).
لقد ألغت هزيمة حزيران / يونيو مبدأ: التحدي والاستجابة، وجعلت المنتصر أكثر انتصاراً، والمهزوم أكثر هزيمة ، ولهذا -كما يقول فيصل دراج- اخترع العرب حروبهم الصغيرة، ليبرهنوا أنهم يخوضون الحرب ولم يغادروا أرضها ، فعلاوة على الحرب اللبنانية، كان هناك الخلاف السوري - العراقي. والخلاف المصري - الليبي، وحروب السودان ، والخلاف الجزائري - المغربي، و"حروب المخيمات الفلسطينية في لبنان".
لم تكن المراجعة للهزيمة الحزيرانية بمستوى الحدث: معظم المراجعات بُنيت على أن سبب الهزيمة مرتبط بالمسائل العسكرية، ولم تبنَ الرؤية على أن الهزيمة هي هزيمة لبنية كاملة: سياسية - عسكرية - اقتصادية - اجتماعية – ثقافية ، من هنا جرى تقليص «الهزيمة» إلى «النكسة». الأمر الذي أنتج، بلغة علماء السياسة "أنظمة الخوف"، التي يقف على رأسها مرجع وحيد لا يخاف إلا من شعبه، وعلى شعبه أن يرهبه وأن يخاف منه، وكان على هذه "الأنظمة الاستثنائية" أن "تحارب" السياسة وحرية الأحزاب السياسية وحرية القول، فقد شكّلت حرب حزيران / يونيو، في لحظة أولى، هزيمة للأنظمة العربية، ومثّلت، في لحظة تالية، هزيمة للشعوب العربية ، المحاصرة بالإحباط والأحكام العرفية، ذلك بأن في الهزيمة انتصارات للأنظمة التي قاتلت ولم تقاتل ، وتحولت -كما يضيف د.فيصل دراج- الى قوى رجعية جديدة ، ولهذا بدا حديث البعض عن "نهضة عربية جديدة"، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، مثيراً للسخرية، إذ لا يمكن استنهاض مجتمع انهارت مؤسساته العسكرية والاقتصادية والثقافية والقضائية ونشرت سلطته الخوف والإحباط وتفاقمت واستمرت مع بقاء الأنظمة المهزومة التي لم تعترف بالازمة او بالهزيمة ، وبالتالي فإن الوضع الشاذ "للأمة العربية" في تعاملها مع الهزيمة، ما يعارض دروس التاريخ واجتهادات المؤرخين : فمن المفترض أن الهزيمة تستنهض الإرادة القومية الجماعية، وهو أمر لم يتحقق، بسبب انهيار المشروع القومي، قبل الهزيمة وبعدها".
لقد أسست هزيمة 5/حزيران/67 لمرحلة جديدة في الوطن العربي كله، عنوانها مشهد تفكك النظم الوطنية التقدمية، والذي تجلى بعد رحيل القائد الوطني جمال عبد الناصر، ومن ثم بداية عصر الانفتاح وانهيار المشروع القومي، وتكريس التبعية والخضوع للغرب الرأسمالي بصورة غير مسبوقة.
وفي مثل هذا المناخ، كان من الطبيعي أن يجدد التيار الديني عموماً وحركة الإخوان المسلمين خصوصاً، نشاطهما بعد هزيمة حزيران التي كانت مصدر ارتياح للعديد من قادة الإخوان المسلمين، وفي الواقع، فان عودة جماعات الإسلام السياسي، كان نتيجة تضافر مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، ومن بين هذه العوامل، سيادة مظاهر الاستبداد وافتقاد الحريات قبل هزيمة حزيران وما بعدها، وتعثر مشاريع التنمية، وتنامي الاستقطاب الاجتماعي، وانتشار الفساد، وتوسع مساحات الفقر وتفاقم البطالة وتراجع فرص العمل، وتنامي الشعور بالإحباط واليأس في صفوف الجماهير الشعبية.
ولذلك كانت هزيمة حزيران 1967 بداية النهاية لمرحلة التحرر القومي الديمقراطي، خلقت المناخ العام، والمقومات اللازمة لإعادة إحياء التشكيلات والتكوينات الاجتماعية الطبقية القديمة والمستحدثة، بصور وأشكال معاصرة، تتوافق مع شروط الانفتاح والتحالفات السياسية العربية الرسمية التي تولت قيادتها أو توجيهها الأنظمة الأكثر رجعية وتخلفاً وتبعية في بلادنا.
إن الوضع الراهن ، الذي تعيشه شعوبنا العربية ، لم يكن ممكناً تحققه بعيداً عن عوامل التفكك و الهبوط التي بدأت في التراكم منذ انهيار الوحدة العربية بين مصر و سوريا في أيلول 1961 ، و تطورت بعد هزيمة حزيران 1967 ، و تعمقت و امتدت بعد كامب ديفيد 1979 إلى اليوم ، لدرجة أن الستة عقود الماضية حملت معها صوراً من التراجع لم تعرف جماهيرنا -في كل بلداننا في المشرق والمغرب- مثيلاً لها في كل تاريخها الحديث ، فبدلاً مما كان يتمتع به العديد من بلدان الوطن العربي في الستينات من إمكانات للتحرر و النهوض الوطني و القومي ، تحول هذا الوطن بدوله العديدة و سكانه إلى رقم كبير –يعج بحركات وجماعات الاسلام السياسي بمختلف مسمياتها ويعج بالصراعات الطائفية الدموية والاثنية وبالنزاعات الداخلية و العداء بين دوله المفككة او الضعيفىة- ، لا يحسب له حساب أو دور يذكر في المعادلات الدولية ، و تحولت معظم أنظمته و حكوماته إلى أدوات للقوى المعادية، فيما أصبح ما تبقى منها عاجزاً عن الحركة و الفعل و المواجهة ، في إطار عام من التبعية على تنوع درجاتها وأشكالها السياسية و الاقتصادية و التكنولوجية والثقافية و السيكولوجية ، من خلال النمو السرطاني للتحالف البيروقراطي والكمبرادوري في مجمل بلداننا في المشرق والمغرب ، في ظروف فقدت فيها القوى و الأحزاب الديمقراطية الوطنية و القومية و اليسارية قدرتها –لأسباب ذاتية و موضوعية- على الحركة و النشاط و النمو، و تراجع دورها في التأثير على الناس أو على الأحداث من حولها .
و في مقابل هذا التراجع الرسمي العربي تتبدى هيمنة العدو الصهيوني بصورة غير مسبوقة، لم يستطع تحقيقها في كل حروبه السابقة مع العرب ، إلى جانب عمليات الترويض الأمريكي للأنظمة العربية الحاكمة، في السياسة و الاقتصاد و الفكر و الثقافة التي لم تنجح في تغيير الموازين و المعايير العسكرية و السياسية في الصراع العربي –الصهيوني لصالح إسرائيل فحسب ، بل نجحت في تغيير أسس ما يسمى بعملية التفاوض او المهادنة إلى الدرجة التي يجري التعامل معها الآن على قاعدة أن يعترف العدو الإسرائيلي بحقوق الشعب الفلسطيني وليس العكس .
والسؤال هنا .. أين يكمن الطريق إلى المستقبل ؟
في الإجابة عن هذا السؤال، أقول : لقد بات الرهان اليوم معقوداً على الرؤية الديمقراطية التقدمية العلمانية في بلادنا، المرتبطة باستنهاض أوضاع القوى والأحزاب والفصائل التقدمية العربية التي تعيش اليوم حالة من التفكك والتراجع والتأزم، ولا تؤهلها أوضاعها في اللحظة الراهنة للقيام بتحقيق وبلورة هذه الرؤية في المدى المنظور.
لكن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لشعوبنا العربية، في هذه المرحلة، يتطلب من هذه القوى تفعيل وإنضاج عوامل وأدوات التغيير الثورية والديمقراطية الحديثة، والاستجابة لمبرراتها وأسانيدها الموضوعية الملحة من قلب واقعنا الراهن.
بالتالي فإن الخطوة الأولى على طريق الخروج من الأزمة في المرحلة الراهنة التي تجتازها بلداننا العربية، تتمثل في العمل على إعادة تكوين اليسار وبناء القوى الشعبية، وذلك في إطار عمل طويل النفس يطاول مستويات عدة "من تحديد الأسس الفكرية، وسمات المشروع المجتمعي الاشتراكي المطروح كهدف راهن وتاريخي، وتحديد المراحل الإستراتيجية للتقدم في الاتجاه المرغوب ... والقوى الاجتماعية التي لها مصلحة في انجاز المشروع والقوى المعادية له .
إنّ الحديث عن كسر وتجاوز نظام الإلحاق أو التبعية والتخلف الراهن هو حديث عن ضرورة حتمية في المستقبل المنظور لشعوبنا العربية ولكل الشعوب والاثنيات الأخرى في المشرق والمغرب من أكراد أو أمازيغ وغير ذلك من القوميات التي تملك الحق بكل ابعاده التاريخية والسياسية والمجتمعية في التعبير عن هويتها الوطنية وثقافتها التاريخية المتميزة ، وهنا بالضبط أشير الى أن المجتمعات المغاربية سواء في المغرب او الجزائر وتونس و ليبيا وموريتانيا ..الخ تتميز بأن كل منها مجتمع ذو هويه وحضارة امازيغيه عربيه اسلاميه كهويه جامعه من الخطأ تجاوزها من ناحيه ، ومن الخطأ ايضا الحديث عنها كهويه مطلقه ومغلقه على ذاتها ، بل بالعكس ، إن التعدد الفكري عموما واليساري الماركسي الديمقراطي خصوصا كفيل من خلال التحليل الموضوعي لمصالح الجماهير الشعبية العربية او الأمازيغية بجسر الفجوات بين العروبة والأمازيغية ، وتوفير الاسس والمقومات السياسية والمجتمعية الكفيلة بتجاوز كافه الصراعات والتناقضات الإثنية والقوميه الشوفينيه بينهما ، اذ لا مصلحه للجماهير الشعبية الفقيرة في إثارة النزاعات العنصريه والانفصالية بين الامازيغ والعرب ، او بين أية قومية أخرى في بلادنا ، حيث ان القوى الرجعية والرأسمالية التابعة في الأنظمة الحاكمة بالتنسيق مع القوى الإمبريالية هي بالضبط صاحبه المصلحة في اثاره النزعات العنصريه الأمازيغية او العربية ، فالأمازيغي عربي بثقافته حسب المفكر الامازيغي العروبي الراحل محمد عابد الجابري ، كما ان العربي لا يمكنه تجاوز الحضارة الأمازيغية العربية ودورها التاريخي الجامع من خلال التزاوج والاختلاط والحياه المشتركة طوال اكثر من 1400 عام ، وبالتالي هناك كما يقول الجابري من تَعَرَّب وهناك من تَمزَّغ ولا وجود للنقاء ، ما يعني توفّر الإمكانية الموضوعية والذاتية في الحياة السياسية والمجتمعية المشتركة راهناً ومستقبلاً وفق قواعد وأسس الديمقراطية والنهضة والتقدم الإنساني ، ومن منطلق مقتضيات المصلحة العربية والأمازيغية المشتركة التي يمكن أن تلتحم في اطار جامع ومشترك بعيداً عن اي نزعه عنصريه او متعصبه ، مثالنا على ذلك العديد من النخب الامازيغية من أبرزهم رجل الدين التنويري والمناضل السياسي ضد الاستعمار الفرنسي ابن باديس ، والمناضل الوطني والقومي الامازيغي الشهيد المهدي بن بركة والرئيس الراحل هواري بومدين والرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقه والمناضل التقدمي ابراهام السرفاتي والمفكر الامازيغي المغاربي محمد عابد الجابري الذي استطاع ان يقدم لنا مثلاً يُحتذى ضمن هذا البعد المجتمعي التوحيدي الجامع على طريق النهوض لشعوبنا في مغرب الوطن العربي ومشرقه وفق مفاهيم وأسس الديمقراطية والتقدم الحداثي والاشتراكية التي أرى فيها مدخلاً وحيداً لأي حديث عن التعايش المشترك بين كافه الاعراق والعصبيات والاثنيات بعيداً عن اي نزاعات او اشكاليات من ناحيه ، وبما يحفظ ويحترم حق الجميع في التعبير عن وجودهم الذاتي وثقافتهم وخصائصهم بكل حريه من ناحيه ثانيه ، إذ لا حل لأوضاع مجتمعاتنا بكل تنوعها إلا من خلال الاشتراكية، ولكن هذه الضرورة ستكون ضرباً من الوهم إذا لم نمتلك وضوح الرؤيا للمخاطر التي تفرضها علينا العولمة الأمريكية وحليفها الاسرائيلي والرجعي العربي في بلادنا .
من هنا فإن الدعوة إلى مقاومة المشروع الامبريالي الصهيوني وعولمة الاستسلام، وهي دعوة إلى تفعيل النضال السياسي والطبقي ضد أنظمة الكومبرادور في بلادنا واسقاطها ، تمثل أحد أبرز عناوين الصراع العربي الراهن ضد التحالف الأمريكي الصهيوني وأدواته في بلادنا، من أجل التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية، مدركين أن أحد أهم شروط هذا التحدي العربي لهذه الظاهرة هو امتلاك عناصر ومقومات العامل الذاتي، الحزب الثوري الحامل للفكر الماركسي في صيرورته المتجددة، وبمنهجيه نقدية، للفكر والواقع معاً .
إن الدعوة للالتزام بهذه الرؤية وآلياتها تستهدف، في أحد أهم جوانبها ، تكريس وتعميق الهوية الفكرية الماركسية المتجددة في بنية القوى اليسارية، بصورة جدلية وخلاقة وواعية، لتسهم بدورها الطليعي المأمول في وقف حالة الإحباط واليأس التي تستشري الآن في الطبقات الاجتماعية الكادحة والفقيرة، بسبب توحش أساليب القمع والاستغلال حيث تتصدر الساحة السياسية العربية اليوم حالة استقطاب غير مسبوقة في التاريخ المعاصر لبلادنا في المشرق كما في المغرب ، عبر مجموعتان تختلفان شكلاً رغم جوهرهما الكومبرادوري الواحد : مجموعة الرأسماليين المنضوين تحت لواء السلطة أو أنظمة الحكم، ومجموعة الرأسماليين المنضوين أو المتنفذين في قيادة حركات الاسلام السياسي . أي أن مجتمعاتنا وساحاتها السياسية مسيطر عليها عملياً من جانب قوة واحدة (عبر برنامجين: اليمين "العلماني"، واليمين الديني) وهى الرأسمالية التابعة ، الطفيلية والكومبرادورية بالتحالف مع البيروقراطية الحاكمة وكلاهما محكومان –بهذه الدرجة أو تلك- لقاعدة التبعية والتخلف، كما أن كل منهما لا يتناقض في الجوهر مع الإمبريالية والنظام الرأسمالي.
ما يعني بوضوح: ان العداء للامبريالية لا يكون بالفعل متسقا -كما يؤكد المفكر الماركسي الشهيد مهدي عامل - الا بما هو عداء للراسمالية، ومن حيث هو هذا العداء بالذات ، ففي حقل علاقتها العضوية بازمة الامبريالية، من حيث هي، بالدرجة الاولى، أزمة نمط الانتاج الراسمالي نفسه، تتحدد حركة التحرر الوطني في ذلك الشكل التاريخي الذي يجعل منها جزءا من العملية الثورية العالمية، فلا سبيل الى تحرر وطني فعلي من الامبريالية الا بقطع العلاقة التبعية البنيوية بها هو بالضرورة تحويل لعلاقات الانتاج الرأسمالية القائمة في ارتباطها التبعي بنظام الانتاج الرأسمالي العالمي. بهذا المعنى وجب القول ان سيرورة التحرر الوطني في المجتمعات التي كانت مستعمرة، أعني في المجتمعات الكولونيالية، هي هي سيرورة الانتقال الثوري الى الاشتراكية".
وهنا بالضبط تتجلى أهمية مجابهة شعوبنا وجماهيرنا الشعبية في المشرق والمغرب – عبر قواها وأحزابها الوطنية التقدمية عموماً وأحزابها اليسارية الماركسية خصوصاً – لكل أشكال الاضطهاد والاستغلال والاستبداد في بلادها ، انطلاقاً من وعيها بضرورة مجابهة منطق العولمة وإزاحته واستبداله بمنطق الانتماء للأرض والشعب المتجذر تاريخيا فيها، ومجابهة منطق التبعية والرأسمالية بقيم الديمقراطية والتحرر الوطني والاشتراكية، ومجابهة منطق البرجوازية الكومبرادورية والطفيلية بمنطق الطبقة العاملة وقيم الإنتاج التنموي المستقل، وفق منطق العقل التاريخي العلمي، وأن نسعى إلى صياغة رؤية ثورية اشتراكية ديمقراطية، تقوم على استيعاب السمات الأساسية لثقافة التنوير والحداثة الأوروبية، و ما تضمنته من عقلانية علمية وروح نقدية إبداعية واستكشافية متواصلة في فضاء واسع من الحرية والديمقراطية.
ان النضال من اجل اسقاط رؤوس وانظمة الاستبداد وبناء النظام الديمقراطي الخالي من كل اشكال الاستغلال، هو في نفس اللحظة نضال من اجل الغاء علاقات ومظاهر التبعية للنظام الامبريالي وحليفه الصهيوني، وإذا كان الأمر كذلك، فان من واجبنا أن نطرح مجدداً السؤال التقليدي : ما العمل؟ ... ما هي العملية النقيض لذلك كله؟
إن الإجابة عن هذا السؤال مرهونة بصحوة حقيقية نشطة ، سياسياً وفكرياً وتنظيمياً ، من قبل أحزاب وحركات اليسار في بلادنا في كل ارجاء المشرق والمغرب، على الرغم من ادراكنا للطبيعة المركبة والمعقدة لأزمة هذه الأحزاب، ومرهونة أيضاً بتبلور ولادة احزاب وحركات يسارية ماركسية ثورية قادرة على التقاط هذه اللحظة، ومن ثم الالتزام بعملية النضال الحقيقي السياسي الديمقراطي والجماهيري من منظور طبقي، من أجل تحقيق الأهداف التي تتطلع اليها جماهيرنا الشعبية، وخاصة إسقاط رؤوس وأنظمة التبعية والاستبداد والتخلف والاستغلال، وتأسيس النظام الاشتراكي الديمقراطي الجديد .
لذلك فإن قوى وأحزاب اليسار العربي ، تواجه في هذه اللحظة الثورية ، تحدياً كبيراً ، سيحدد مصيرها ووجودها ومستقبلها ، سواء بالنسبة للقوى والأحزاب التاريخية أو التقليدية القديمة ، أو بالنسبة للحركات والأحزاب الماركسية التي يمكن أن تولد اليوم أو غداً.
في هذا الجانب لابد من الإقرار بأن عوامل الاستنهاض الثوري الذاتي، في مجمل أحزاب اليسار في بلادنا ، باتت اليوم في حالة شديدة من الضعف والتراجع، غير مؤهلة –حتى اللحظة- لهذه المجابهة، مما وفر بالتالي فرص تراكم عوامل الأزمة البنيوية الشاملة فيها، وعندئذ لا مجال للحديث عن أي صحوة أو استنهاض إذا ما استمرت تلك الأزمة البنيوية.
لذلك ، فإن رسم أو وضع تصور لمغادرة الأزمة وتجاوزها، يجب أن يبدأ أولا عبر المراجعة النقدية لكل مكونات الخطاب السياسي وآليات العمل التنظيمي والكفاحي والمطلبي ، طوال العقود الستة الماضية، -شرط وضوح الهوية الفكرية الماركسية ومنهجها- ، نظرا لأولويتها كحلقة مركزية توفر الأرضية التي تـنبنى عليها الحلقات الأخرى (التنظيمية والسياسية والكفاحية والمجتمعية) بصورة موضوعية ومنضبطة، إذ أن المفصل الأساسي في أزمة اليسار العربي يتحدد –بصورة رئيسية- في العجز الفكري أو ضعف الوعي بالنظرية، ومن ثم العجز عن بلورة الرؤية الفكرية لتشخيص واقع مجتمعاته وصياغة البرنامج الديمقراطي البديل، الأمر الذي يتطلب خطوات استنهاضية عاجلة لخروج هذه الأحزاب من أزماتها قبل فوات الأوان .
إن نقطة البدء لعملية التصدي للوضع المأزوم ، و الارتقاء بالعامل الذاتي كعقل جمعي ، تتطلب توفير عنصر الوحدة الجدلية بين الوعي و الممارسة لدى كل عضو من اعضاء هذا الحزب أو ذاك ، في كل ما يرتبط بمفهوم الحزب و دوره ووظيفته و آلياته، خاصة وأننا نعيش اليوم ، أمام نتيجة مفزعة تتجلى في هذه الهوة المتزايدة الاتساع بين الجماهير من ناحية وأحزاب اليسار الماركسي العربي من ناحية ثانية، وهنا تتبدى الحاجة إلى إثارة وتفعيل عملية النقد الذاتي البنَّاء.
وعلى هذا الأساس ، فإنني أدعو إلى البدء في تفعيل عملية الحوار والبحث ، -بكثير من الهدوء والتدرج والعمق- بهدف ايجاد آلية حوار فكري من على ارضية الحداثة والماركسية ، حول كل القضايا السياسية والاقتصادية والمجتمعية الوطنية والاثنية والقومية والانسانية ، بما يخدم ويعزز الدور الطليعي -الراهن والمستقبلي- لقوى اليسار الماركسي في بلادنا، رغم كل الصعوبات والتعقيدات السياسية والطبقية في مجتمعاتنا، ورغم كل المعوقات التي تفرضها الهجمة العدوانية الصهيونية الامبريالية على شعوبنا من جهة ، وما يعتري هذه المرحلة من ادعاءات القوى الانتهازية الليبرالية الهابطة تجاه ضرورات الماركسية وراهنيتها من الجهة الأخرى...
الأمر الذي يفرض على قوى اليسار الماركسي أن تبدأ بعملية الاستنهاض الذاتي للخروج من أزماتها، واثبات وجودها ودورها في اوساط جماهيرها في كل بلدان المشرق والمغرب أولاً ، عبر برامج سياسية ومجتمعية تستجيب لمنطلقات الثورة الوطنية التحررية الديمقراطية ، بما يمهد إلى الخطوة الثانية التي تتجلى في البدء بعملية حوارية تستهدف وضع التصورات الفكرية والسياسية والتنظيمية من أجل إعادة بناء الحركة الماركسية الثورية الجامعة لكل قوى اليسار في بلادنا ، التي يجب أن تظل هدفاً استراتيجياً لكل احزاب وفصائل ومثقفي اليسار في بلادنا ، انطلاقاً من أن بلورة وتنشيط هذه الحركة، سيوفر اداة ورافعة نهضوية ديمقراطية تقدمية وثورية تسهم بدورها التاريخي في الدعوة الى بلورة أممية خامسة على المستوى العالمي من ناحية ، وفي تجاوز الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة والمتخلفة والمأزومة صوب تحقيق مهمات الثورة الديمقراطية والمشروع النهضوي على طريق بناء المجتمع الاشتراكي من ناحية ثانية .
إن الحاجة الموضوعية لاستنهاض فصائل وأحزاب اليسار الماركسي الثوري الديمقراطي في بلداننا ورص صفوفها وتقوية بنيانها، تبرز كضرورة ملحة في الظروف الراهنة المحكومة بكل عوامل التبعية والتخلف والصراع الطائفي والمذهبي او الاثني والهيمنة الخارجية، والهبوط السياسي والتراجع الاقتصادي والاجتماعي والافقار الداخلي مع كل مظاهر القلق والإحباط، التي باتت تشكل مساحة واسعة في الذهنية الشعبية في كل مجتمعاتنا، وبالتالي فإن هذه الحاجة الملحة لنهضة اليسار تزداد إلحاحاً في الظروف الراهنة التي تتطلب من قوى اليسار مشاركة فعالة ونوعية في قلب الحراكات والارهاصات الثورية الشعبية وقيادتها وتوجيهها صوب استمرار النضال لتحقيق أهداف الثورة الوطنية الشعبية الديمقراطية، وتجاوز قوى اليمين العلماني والديني .
لذلك فإن التحدي الكبير الذي يواجهنا اليوم يجب أن يبدأ بعملية تفعيل النضال السياسي والطبقي وتوجيهه صوب تغيير سياسي ثوري يحطم أنظمة التبعية والاستبداد والفساد في بلادنا، وذلك انطلاقاً من وعينا بأن هذه الأنظمة شكلت الأساس الرئيسي في تزايد واتساع الهيمنة الامبريالية على مقدرات وثروات شعوبنا العربية، كما شكلت الأساس الرئيسي في تزايد انتشار عملية التطبيع والاعتراف بشرعية الوجود الصهيوني الغاصب في بلادنا .
وبالتالي لابد من توفير كل المقومات والعناصر المطلوبة لتعزيز واستنهاض النضال الثوري في مجتمعاتنا، تجسيداً لشوق الجماهير وتطلعاتها وأمانيها للخلاص من كل معانياتها ومن كل أشكال اضطهادها، بما يضمن مشاركة جميع القوى الاجتماعية –خاصة جماهير العمال وكل الكادحين- في تحديد خياراتها واتجاهات تطورها تجسيداً لإرادتها وهدفها المركزي، وفكرتها التوحيدية وفق منظور الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية.
المسألة الفلسطينية والصراع مع العدو الصهيوني بعد 54 عاماً على الهزيمة:
أعتقد أن المهمة العاجلة أمام حركات وفصائل اليسار في بلادنا عموما والفلسطينية خصوصا ، أن تعيد النظر في الرؤية الإستراتيجية التحررية الديمقراطية ، الوطنية/القومية ببعديها السياسي والمجتمعي، انطلاقاً من إعادة إحياء وتجدد الوعي بطبيعة الدولة الصهيونية، ودورها ووظيفتها كمشروع إمبريالي لا يستهدف فلسطين فحسب، بل يستهدف –بنفس الدرجة- ضمان السيطرة الإمبريالية على مقدرات بلداننا واحتجاز تطورها، وبالتالي يجب أن تتأسس الرؤية لدى كافة قوى اليسار الماركسي في بلادنا، وفي المقدمة اليسار الثوري الفلسطيني، انطلاقاً من ذلك وليس من خارجه، فالدولة الصهيونية هي مركز ثقل الوجود الامبريالي في مشرق بلداننا ومغربها، ووجودها حاسم لاستمرار السيطرة الامبريالية، وضمان استمرار التجزئة والتخلف.
لهذا كان ضرورياً أن يعاد طرح الرؤية الوطنية من قلب الرؤية التقدمية الديمقراطية الأشمل، التي تنطلق من فهم عميق للمشروع الامبريالي الصهيوني وأدواته البيروقراطية والكومبرادورية والرجعية، من أجل أن يعاد تأسيس نضالنا الوطني والديمقراطي على ضوء هذه الرؤية ، ولا شك في أن هذه المهمة هي أولاً مهمة الماركسيين في بلداننا، وفي طليعتهم اليسار الثوري الفلسطيني المناضل من اجل استرداد الحقوق التاريخية على ارض وطنه فلسطين .
والى أن تتوافر هذه الشروط تدريجيا سوف يستمر الصراع كما هو، مهما طال واستمر الحديث عن التفاوض من اجل ما يسمى حل الدولتين وفق الشروط الإسرائيلية الأمريكية، فلن يكون في ذلك سوى تكريسا للهيمنة والسيطرة الأمريكية الإسرائيلية على مقدرات الشعوب العربية واستمرار احتجاز تطورها واستتباعها وتخلفها ، لضمان استيلاء التحالف الامبريالي/الصهيوني على ثروات بلداننا ومجمل فائض القيمة لثروات شعوبنا .
وبالتالي فإن حديثي عن حل الدولة الديمقراطية العلمانية هو حديث يستدعي-على الأقل نظرياً في هذه المرحلة- استنفار كل طاقات اليسار من أجل إعادة النظر في الخطاب السياسي وصولاً إلى خطاب/برنامج يستجيب لمعطيات وضرورات المرحلة الراهنة والمستقبل، الأمر الذي يستدعي حواراً جاداً ومعمقاً بين أطراف اليسار الماركسي في بلداننا لتحقيق هذه الغاية، ليبدأ مرحلة جديدة في نضاله من اجل إعادة تأسيس المشروع التحرري الديمقراطي النهضوي ، كفكرة مركزية توحيدية تلتف حولها الجماهير الشعبية، وفي الطليعة منها الطبقة العاملة وكل الكادحين والفقراء والمضطهدين والمُستَغَلين الذين سيمثلون روح هذه النهضة وقيادتها وأدواتها .
من ناحية ثانية لا بد لي من التأكيد على أن النضال من أجل تحقيق هدف إقامة دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها ، كفيل بحل المسألة اليهودية، وهذه القضية قد يفترض البعض محقا أو بدون وجه حق بأنه موقف طوباوي ، فإنني أقول بوضوح أن هذا ليس موقفاً طوباوياً بقدر ما هو حلم ثوري تتوافر مقوماته وإمكاناته في نسيج مجتمعنا الفلسطيني ومجتمعاتنا في المشرق والمغرب عموما، وفي أوساط الشرائح المضطهدة من العمال والفلاحين وشرائح البورجوازية الصغيرة الثورية التي تتطلع بشوق لشعوبنا.
أخيراً، إننا -كفصائل وأحزاب يسارية ماركسية ثورية عرباً وأكراد وأمازيغ وغير ذلك من التنوع الاثني في بلادنا - سواء في نضالنا التحرري ضد التحالف الامبريالي الصهيوني ، أو في نضالنا وصراعنا الطبقي الديمقراطي الاجتماعي الداخلي، فإن مجتمعاتنا بحاجة ماسة إلى مهماز يتقدم بها نحو الحداثة بكل مفرداتها ومفاهيمها العقلانية المتمثلة في حرية الفرد والمواطنة والديمقراطية والعلمانية والعدالة الاجتماعية ، وهي وجوه لعملة واحدة ، وبدون ذلك لن نستطيع أن ندخل الحداثة ونحن عراه، متخلفين وتابعين ومهزومين يحكمنا الميت (عصبيات وصراعات طائفية أو اثنية طبقية ، رجعية شوفينيه إلى جانب شيوخ قبائل وامراء وملوك عملاء ورؤساء مستبدين) أكثر من الحي (النهوض الوطني الديمقراطي)، ففي مثل هذه الاوضاع يحكمنا الماضي أكثر من المستقبل...فما هي قيمة الحياة والوجود لأي مثقف ماركسي ديمقراطي ان لم يكن مبرر وجوده تكريس وعيه وممارساته في سبيل مراكمة عوامل الثورة على الأموات والتحريض عليهم لدفنهم الى الأبد لولادة النظام الثوري الاشتراكي الديمقراطي الجديد المعبر عن مصالح وتطلعت العمال والفلاحين الفقراء والجماهير الشعبي.

- الدكتور جون نسطة -:
- من زوايا الذاكرة -
في نهاية العام 1967، حضر إلى برلين بزيارة رسمية للحزب الاشتراكي الموحد في جمهورية ألمانيا الديموقراطية، الرفيق خالد بكداش الأمين العام للحزب الشيوعي السوري. وكان من الطبيعي أن يلتقي بنفس الوقت مع أعضاء المنظمة الحزبية السورية. فطُلب منّا الحضور إلى برلين، من كافة المحافظات في ألمانيا الديموقراطية للقاء مع الأمين العام. ولمّا وصلنا إلى هناك أخبرنا الرفيق فايز الفواز، بأن الرفيق خالد مصاب بوعكة صحية على شكل أنفلونزا، وأن الأطباء طلبوا منه الخلود إلى الراحة، لكنه مصر مع ذلك على لقائه معنا، وبهذا انتصرت ديكتاتورية البروليتاريا على ديكتاتورية الأطباء. وطُلب منّا أن لا نكثر من الأسئلة، حرصاً على صحته. دخلنا إلى القاعة بالصف، وكان أمامي في الصف صديقي عون جبور، وقبل أن ندخل إلى القاعة بمسافة قصيرة جداً سمعنا صوت الرفيق خالد يجلجل في القاعة، فالتفت إليّ عون قائلا، ما شاء الله صوته أعلى من أجراس أورشليم القدس، وهذا وهو مريض، فكيف سيكون صوته وهو معافى؟ المهم جلسنا على مقاعد خشبية تشبه المقاعد المدرسية، وفوجئت بجلوس الرفيق الشيخ محمود الأطرش إلى جانبي. ولمن لا يعرف من هو محمود الأطرش أوضح ما يلي: هو ابن أبوين جزائريين هاجرا إلى فلسطين حيث نشأ وتعلم في مدارسها، وانتسب مبكراً إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني. ومن هنا عمل ضمن صفوف "كومنتيرن"، القيادة الأممية للحركة الشيوعية العالمية التي كلفته مع نجاتي صدقي، الفلسطيني أيضاً، برعاية الحزب الشيوعي السوري اللبناني، وعمل على تعريب الحزب، حتى العام 1936 عند عودة خالد بكداش من موسكو من المدرسة الحزبية. وكان محمود الأطرش يعرف الساحة السياسية السورية اللبنانية بدقة وبالأسماء. كان سبق لي أن تعرفت عليه في فندقٍ "Sporthotel" عند لقائنا مع الرفيق يوسف فيصل. واحتفظت له باحترام خاص.
تكلم الرفيق خالد عن الوضع السياسي السوري وعن دور الحزب الناشط به، وتحدث عن استشهاد أحد الرفاق من الفلاحين في الجزيرة السورية دفاعاً عن حقوق الفلاحين في وجه أصحاب الأراضي الزراعية الكبار "الإقطاعيين، وكيف أن استشهاده كان له صدى كبير بين صفوف فلاحي المنطقة، ما جعل كثيرين منهم ينضمون إلى صفوف الحزب. وقال جملة مريبة أثرت في نفسي كثيرا، قال: "طبعاً نحن لم نكن نرغب بمقتل رفيقنا"! قالها بصيغة من يدافع عن نفسه، وكأنها موضع شك.
لم تطرح عليه أسئلة كثيرة حسب توصية الرفيق "فايز". وعندما هم بالخروج من القاعة، كان عليه أن يمر بين صفوف مقاعدنا، فقام الرفيق محمود الأطرش يريد أن يصافحه ويتحدث معه ولو قليلاً، فما كان من الرفيق "خالد" إلاّ أن تجاهله وأعطاه يده بسرعة خاطفة وتركها. رأيت في عيني الرفيق "محمود" الحزن والأسى وخيبة الأمل. وهذا ما ترك في نفسي انطباعا مؤثراً للغاية.
خرجنا من القاعة وتجمّعنا في ساحة المكان نتحدث عن انطباعنا عن هذا اللقاء. فجاء إلي أحد الرفاق وسألني بصوت منخفض، ألم تنتبه إلى "الجاكيت" الذي كان يرتديه الرفيق خالد؟ قلت: "لا". قال: "إنه جاكيت عتيق وكأنه اشتراه من البالة"، سوق الثياب المستعملة، "إنه جاكيت الشحادة". ثم قدم نحوي الرفيق زياد إدريس، وهو من محبي خالد بكداش المغالين، ويعرف موقفي النقدي اتجاهه، وأراد أن يحرجني أمام بقية الرفاق، فسألني بصوت مرتفع ما رأيك بالرفيق خالد؟ فأجبت بصيغة التورية: "الرفيق خالد في الأسرة، رئيسها، وفي القرية، مختارها، وفي العشيرة، شيخها، وفي الجمع، الآغا، وفي الحزب الشيوعي، الزعيم". فسكت على مضض، واكتفيت أنا بما قلت.
كنت وما أزال إلى اليوم، اعتبر الحزب الشيوعي داري، وبيتي، وأسرتي، وأهلي ووالديّ أبي وأمي.
ولكن مع الأسف في ذلك الوقت، قيادته أبي وأمي، قدّما لي صورة مغلوطة عن الأب والابن.
والآن أسمح لنفسي بالتحدث عن الجانب العاطفي في حياتي. ففي الشهر التاسع من العام ال1962، أي: في الصف الثاني طب، تطوعت مع رفاقي "الشيوعيين السوريين بكلية الطب، للذهاب مع الطلبة الألمان إلى مساعدة الفلاحين في قطاف البطاطا. وفي إحدى الأمسيات، فيما كنت في المركز الثقافي للقرية ألعب "البلياردو"، لاحظت فتاة جميلة ذات عينين زرقاوين تميلان للخضرة، واسعتين بشكل ملفت، تحدقان بي طويلاً وبإعجاب واضح، فتبسمت وتبسمت واقتربت مني واقتربت منها، وسلمت فسلمت، فاذا بها فتاة خجولة بريئة مرتبكة وكأنها تتحدث لأول مرة مع شاب لا يعرفها ولا تعرفه. تركت لعبة "البلياردو"، وبدأت بمحادثتها، فعرفت منها أنها تدرس الطب معي في ذات الصف، وأنها من مدينة تقع في منطقة جبلية على مقربة من حدود "تشيكوسلافيا"، وتسكن عند سيدة ألمانية في مدينة "لايبزغ" في غرفة استأجرتها في شارع ليس بعيداً عن سكني في بيت الطلبة. سألتها عن اسمها، فقالت: "هانيلوري شرايتر".
تناقشنا في تلك الأمسية طويلاً حول أمور شتى، بينها قضية الإيمان بالله من عدمه، قالت: :إنها لا تؤمن بالله الذي تقدمه الكنيسة، ولكنها تؤمن بقوة واعية تقود العالم وتنظمه على طريقة الفيلسوف الألماني "هيغل".
في واقع الحال كانت "هانيلوري"، التي ستصبح زوجتي بعد سبعة أعوام، إنسانة مثقفة تتقن عدة لغات: "روسية وانكليزية وتتكلم الفرنسية". تتابعت حواراتنا كلّ مساء بعد انتهاء عملنا في الحقل.
وعندما انتهت فترة عملنا هناك، عدنا كلينا إلى مقاعد الدراسة في لايبزيغ. وكنا نتواعد على اللقاء مرة أو مرتين في الاسبوع. لم يكن في ذهني بذلك الوقت، إقامة علاقة دائمة، ولم أكن أفكر ابدأ بموضوع زواج مستقبلي، لسببين: الأول وهو الأهم، أن قيادة الحزب أبلغتنا بقرار يُمنع فيه عضو الحزب بألمانيا الديمقراطية من الزواج بأجنبية، ألمانية كانت أو غير ألمانية، (بلغارية أو هنغارية مثلاً) تدرس أو تقيم في ألمانيا. والسبب الثاني، شخصيٌ يعتمد على واقع أنني لا أفضل الزواج من أجنبية بدوافع وطنية بحتة، وأخرى سياسية، لأنه من المعلوم في ذلك الزمان، أن نظرة المجتمع للمتزوج من اجنبية، فيها ملامح الشكوك بانتسابه للوطن، ومن جهة أخرى، من يريد من الشيوعيين أن يتطور في مدارج العمل الحزبي، عليه أن لا يكون متزوجاً من أجنبية خاصة أوروبية.
كان رفاقي من الأصدقاء المخلصين، قد تعرفوا عليها، وكنّا في الغالب نجلس ونتحدث سوية.
وكانت لغتها العربية ونطقها بتحسن وتطور من يوم لآخر، ذلك لأنها انكبت على دراسة العربية، وكانت تمضي ساعات طويلة في المساء والليل وهي تستمع إلى إذاعة القاهرة على الموجة القصيرة، وكانت الإذاعة العربية الوحيدة التي تصل إلى ألمانيا في تلك الأزمان.
حين تعرفت عليها كانت إضافة إلى اللغات التي تتقنها، ومنها اللاتينية أيضاً، تعزف بإتقان البيانو بإتقان، عن طريق معلم خاص يحضر إلى بيتها، وتجيد السباحة، بل تحمل وسام بطولة فيها، وتجيد لغة "الاختزال"، حاصلة على شهادة قيادة سيارة، تجيد الكتابة على الآلة الكاتبة، وتجيد التزلج على الثلج، وتمارس رياضات مختلفة. كانت إلى ذلك كله جميلة الوجه، رشيقة القوام، تتمتع بخلق سام وتواضع جم، ولهفة فوّارة.
دفع هذا كله أصدقائي كي يقولوا لي: "إنك محظوظ فوق العادة بتعرفك على هذه المرأة الملاك، ولن تلقى بحياتك امرأة مثلها، وإنها ظاهرة لن تتكرر، فاغتنم الفرصة وتزوجها، بل عليك أن تتزوجها".
من جهتها كانت مرتبطة بي بحب غير معقول يفوق الوصف. وكنت أقول لها: "لأنني أحبك لا أرغب أن أتزوجك، فطريقي صعب جداً مليء بالأشواك في وطني، وأمامي خدمة العلم العسكرية لمدة سنتين ونصف، دون دخل مادي يذكر، ثم أمامي خدمة الريف كطبيب، والريف يا عزيزتي في بلادي، ليس كريف ألمانيا، ففي أغلب القرى لا يوجد كهرباء، وأحيانا لا يوجد شبكة مياه". فكانت تقول لي: "أنا مستعدة للعيش معك في أصعب الظروف وأشدها هولاً".



زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي
http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي
موقع الحزب الشيوعي السوري( المكتب السياسي) على الإنترنت:
www.scppb.org

موقع الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي ) على (الحوار المتمدن):
www.ahewar.org/m.asp?i=9135



#الحزب_الشيوعي_السوري_-_المكتب_السياسي (هاشتاغ)       The_Syrian_Communist_Party-polit_Bureau#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسار- العدد 52
- المسار- العدد 51
- المسار- العدد 50
- المسار- العدد 49
- المسار- العدد 48
- المسار- العدد 47
- لا للتطبيع لا للأنظمة التابعة
- المسار- العدد 46
- المسار- العدد 45
- المسار- العدد 44
- المسار- العدد 43
- المسار- العدد 42
- المسار- العدد 41
- المسار- العدد 40
- المسار- العدد 39
- 38المسار- العدد
- المسار- العدد 37
- بيان حول مايسمى بصفقة القرن
- المسار- العدد 36
- المسار- العدد 35


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي - المسار- العدد 53