أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - وظيفة هزة الجماع حسب ويليام رايش (الجزء الأول)















المزيد.....

وظيفة هزة الجماع حسب ويليام رايش (الجزء الأول)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7708 - 2023 / 8 / 19 - 00:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ضمن سياق تحليلنفسي امتد من عام 1919 إلى حوالي عام 1930، ظل فرويد يرى في وليام رايخ (1897-1957) طالبا متميزا، واعدا، ويحميه من هجمات المحللين الآخرين. عندما أعطاه رايش كتابه الأول "وظيفة هزة الجماع" (1970)، صرخ فرويد: "هذا عمل عظيم"! الذي يفيد به هذا التعجب هو أن فرويد درس الجنسانية (النشاط الجنسي)، ولكن لم يسبق له أن درس هزة الجماع، حيث بدت له ظاهرة ثانوية تختتم النشاط الجنسي، أي ظاهرة إفرازات، لن يكون لها في حد ذاتها سوى تأثير فسيولوجي ونفسي ضئيل أو معدوم.
تسمح لنا دهشة فرويد هذه بفهم أين وكيف يتموقع رايخ إزاء عمله: استكشاف ما لم يصل إليه المؤسس. لأنه إذا كان فرويد هو بالفعل المخترع الثوري للجنسانية عند الأطفال، مستكشف آلياتها وتأثيراتها النفسية المرضية، لم يقترب حقا من التتمة، ما نسميه الجنس التناسلي، الذي يتم إحلاله منذ سن البلوغ، والذي يهتم به رايخ.
من جانب آخر، إذا تحرر فرويد تدريجيا من الأسس العصبية الحيوية للأداء النفسي وكذلك من القواعد الجسدية، فسوف يعود رايخ إليها لتعميقها، لا سيما من خلال رد الاعتبار للجسد وعلم وظائف الأعضاء وإحلاله (الجسد) مكانا مهما في العلاج التحليلنفسي: الجسد له لغته الخاصة، ولكنه أيضا ذاكرة، وبالتالي فهو محاور مهم.
علاوة على ذلك، إذا كان فرويد قد أشار إلى آثار الحضارة على النشاط الجنسي البشري من خلال التنازلات التي تفرضها (فرويد، 1969)، ومساهمته بالتالي في تكوين "الباثولوجيات" (علم الأمراض)، فإن رايخ سيذهب بتفكيره أبعد من ذلك، خاصة مع فكرة الطاعون العاطفي* (emotional plague).
وهكذا تتماشى تماما الفترة الأولى من عمل رايخ - الفترة الفيينية من 1920 إلى 1930 - مع امتداد ابحاث مؤسس التحليل النفسي، وبهذا المعنى كان فرويد يدعم رايخ الشاب.
إذا قمنا بتصفح منشورات التحليل النفسي الحالية، ندرك بسرعة مفرطة أن الجسد غالبا ما كان غائبا، على غرار الجنس التناسلي، الذي لا يعتبر سوى مرحلة نهائية من التطور الجنسي للفرد، ولا يستفيد من أي تعليق أو دراسة.
والأسوأ من ذلك، أن البعض لا يزال يؤيد الخطاب الطبي النفسي للقرن التاسع عشر الذي أكد على أن النشاط الجنسي التناسلي في خدمة تكاثر النوع، ماحيا ما أشار إليه فرويد بكونه خصوصية النشاط الجنسي البشري: تحرر من حتمية التكاثر لحساب خدمة التمتع (فرويد، 1905).
قاد مثل هذا التوجه رايخ إلى طرح سؤال مركزي عن الوظيفة الطبيعية لهزة الجماع، سواء من جانبها الفسيولوجي أو من جانبها العلائقي التبادلي، وتظهر أدنى ملاحظة هذه الأهمية المركزية لهزة الجماع لدى الكائن البشري، سواء كان خصما شرسا لها أو باحثا متعصبا عنها.
ملاحظة أخيرة وهي من الواضح أن كلا من فرويد ورايخ - ولكن بشكل مختلف - يؤيدان الجنسانية باعتبارها خيرا وليس شرا، مثلما تتصوره الدول والأديان والأخلاق البرجوازية.
فضلا عن ذلك، كان الاستهلال الذي خص به رايخ مقاله لعام 1927 فرويديا للغاية: "الحب، العمل، المعرفة هي مصادر حياتنا. ولذلك يجب أن يحكموها" (« La Génitalité dans la théorie et la thérapie des névroses », dans Premiers Écrits, t. 2, Paris, Payot, 1982, p. 7).
بالنسبة لهذين المحللين، يعتبر النشاط الجنسي مركز الحياة الاجتماعية والنفسية للفرد. منذ اللحظة التي نصنف فيها ضمن هذا الخيار للجنس على أنه جيد، يتم تصنيفنا بحكم الأمر الواقع ضمن خيار آخر، خيار الفرد ضد الجماهير، ما يضعنا في مواجهة الأخلاق الجنسية المتحضرة أو البرجوازية التي تحولنا في الواقع إلى موبوئين أو متمردين. ولأن الجنس في حد ذاته أمر فردي - ولهذا السبب بالتحديد نتعرض الجنسانية للهجوم من قبل الأخلاق.
من الواضح أن رايخ احتفظ بهذه التسمية للمتمرد الموبوء، وكذلك أولئك الذين مددوا بعض جوانب فكره مثل هربرت ماركوز. فرايخ موبوء، وبالتالي سيرفضه الجميع وفي كل مكان. سهل الرفض تطوره النفسي ونهايته الحزينة التي تقدم حجة مريحة تسمح بإخفاء كل أعماله. ومع ذلك، فمن المثير للاهتمام تسليط الضوء على بعض ميزاتها، سواء بالنظر إلى إبداعيتها أو إلى نصيبها من الحقيقة.
اعتبر رايخ موبوء، وتلك طريقة لقلب ما وصفه بأنه "طاعون عاطفي"، طاعون أفرزته الحضارة والأخلاق القمعية. كمثال على ما قصده رايخ بهذا الوصف، دعونا نقتبس من الملخص الذي قدمه روجر دادون (1975: 351) هذه الفقرة: "أولئك الذين ألقوا الحجارة الأولى، والذين أطلقوا الشائعات القاتلة، والذين أطلقوا الشرطة والقضاة والكلاب والحشد والأطباء النفسيين في أعقاب السارق، المتشرد، اليهودي، الأسود، المهاجر، المهمش، وأولئك الذين يطلقون بصرخات صوفية عالية "حقائقهم" الدينية، السياسية، العلمية الغاضبة، كل هؤلاء الذين لا حصر لهم والذين يندفعون في الجوقة - من الكنيسة أو الحزب أو الطائفة - خلف الفوهرر، يتجمعون معا ويشكلون حشدا لتذوق الافتراء، ونشر الشائعات، والنفخ في الكتائب بالتصفيق، وإطعام الرهانات، والركض إلى الإعدام خارج نطاق القانون، والتأكد من حسن إدارة المصحات والسجون والمعسكرات، والكتلة الهائلة التي يفترض أنها صامتة والتي تتمتع دائما برمي الحجارة الأخيرة - هذه بعض النماذج المصابة بالطاعون الشخصي الاجتماعي الذي وصفه رايخ مطولا تحت عنوان الطاعون العاطفي ".
ذلك لأن هذه الحضارة التي يظهرونها لنا، ما هو وجهها الآخر، أي واقعها اليومي؟ رايخ يجيب: "القتل الجنسي والإجهاض الإجرامي، الحرمان الجنسي للمراهقين، اغتيال القوى الحيوية لدى الأطفال، كثرة الانحرافات، فرق الإباحية والرذيلة، استغلال توق الإنسان للحب من قبل الشركات والإعلانات التجارية، وآلاف الأمراض النفسية والجسدية، الشعور بالوحدة والانهيار المعمم، وفوق كل ذلك، الضجيج العصابي لمنقذي البشرية الناشئين - كل هذه الأشياء بالكاد يمكن اعتبارها زينة الحضارة" (رايخ، 1970: 182).
وحتى المثل الأعلى للمجتمع الماركسي سيثبت أنه مخيب للآمال (سيطلق عليه رايخ "الديكتاتورية الحمراء") عندما أدلي بالملاحظة التالية: "بالنسبة للماركسيين: المسببات الجنسية للعصاب هي خيال برجوازي، أصلها يكمن في الحاجة المادية" (رايخ، 1970: 68). هنا، يرد رايخ بأن الحاجة الجنسية هي حاجة مادية وتم طرده من الحزب الشيوعي.
المجتمع، مهما كان، يعارض الرغبة الانتعاظية الأصيلة، من أجل تكريس الإنسان للعمل القهري والمرهق. هذه هي الأطروحة التي نجدها عند فرويد في "محاضرات تمهيدية في التحليل النفسي" من 1915 إلى 1917 (Œuvres complètes de Sigmund (Freud, t. 14, PUF, 2000.
يفرض المجتمع أهدافا معادية للميول الجنسية ولكنه يستثمر بقوة في الإثارة الجنسية السابقة على التناسل كتعويض عن الحرمان المفروض: الشذوذ المنتصر، الشفوية الغامرة، السادية المؤسسية، عرض الاستهلاك والتلصص، تمائم وفتيشيات طقوسية مرتبطة بالمال، بالسلطة، وبالتراكم. هكذا يوجه حسية الإنسان نحو أهداف التخدير والتضخيم تلك، وإذا انحرفنا عن هذه القاعدة، يظهر عندئذ كرب شديد. يعتمد تفكير رايش على ازدواجية أساسية: المتعة والتوسع، أو القلق والتقلص. يتعلق الامر بتأثيرين ونتائجهما، سواء كانت نفسية أوفسيولوجية.
_________________________
(*) رجل رأى ولدا وبنتا يتبادلان القبل يجانب الشارع بالليل، جري بسرعة نحو عسكري ليبلغ بهما، فيتم القبض عليهما بتهمة ارتكاب فعل فاضح في الطريق العام. لما نوقف المشهد ونرجعه إلى الوراء، نجد أنه مواطن نموذجي (شريف وصالح) لا يعرف لا الولد ولا البنت، لكن عندما كان يسير في طريقه إلى البيت، فجأة رآهما يتبادلان القبل. لما نسرَّع المشهد ﻵخره ونرى العسكري ماسكا الولد والبنت وهو بيحاول جرهما إلى القسم ليعمل لهما محضرا، سوف تجد المواطن واقفا يتلصص عليهما من بعيد بتشف رهيب وانتصار عظيم. هذا الشعور بالتشفي سماه المحلل النفسي وليام رايش الطاعون العاطفي.
(يتبع)



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساركوزي: انتحاء ماكرون على الجزائر -يأخذنا بعيدا عن المغرب، ...
- إبراهيم غالي يدعو من مدينة بومرداس الجزائرية إلى -حرب شاملة- ...
- شذرات من سجل الشهداء
- الأمم المتحدة تكشف عن حصيلة مقلقة للقتلى الفلسطينيين
- المقاربة النظرية والبيروقراطية لمطلب التربية على القيم باءت ...
- الكذب حقيقة لا بد من ظهورها
- هل يمثل صعود المتدينين المتشددين إلى السلطة في إسرائيل مقدمة ...
- خمسة قتلى وأربعة جرحى حصيلة هجوم مسلحين بأيعاز من فرنسا على ...
- موقع ابن رشد الفيلسوف والقاضي والفقيه بين الإسلام والمسيحية ...
- موقع ابن رشد الفيلسوف والقاضي والفقيه بين الإسلام والمسيحية ...
- بوح الذاكرة: عبرات معلم مقبل على الانتحار شنقا
- مالي تلغي 11 اتفاقية استعمارية فرضتها فرنسا على دول إفريقية ...
- دقت طبول الحرب في الساحل وبدات رمال الصحراء تغلي
- موقع ابن رشد الفيلسوف والقاضي والفقيه بين الإسلام والمسيحية ...
- فرنسا بين التدخل العسكري في النيجر ورفض مشاركتها في القمة 15 ...
- موقع ابن رشد الفيلسوف والقاضي والفقيه بين الإسلام والمسيحية ...
- النيجر: حول التدخل العسكري المتوقع من المجموعة الاقتصادية لد ...
- أمريكا تعسكر مضيق هرمز وخليج عمان بدعوى مضايقة واعتراض إيران ...
- موقع ابن رشد الفيلسوف والقاضي والفقيه بين الإسلام والمسيحية ...
- المحكمة الفدرالية تطلق سراح ترامب بكفالة إذا انتهك شروطها يت ...


المزيد.....




- اقتلعها من جذورها.. لحظة تساقط شجرة تلو الأخرى بفناء منزل في ...
- هيئة معابر غزة: معبر كرم أبو سالم مغلق لليوم الرابع على التو ...
- مصدر مصري -رفيع-: استئناف مفاوضات هدنة غزة بحضور -كافة الوفو ...
- السلطات السعودية سمحت باستخدام -القوة المميتة- لإخلاء مناطق ...
- ترامب يتهم بايدن بالانحياز إلى -حماس-
- ستولتنبرغ: المناورات النووية الروسية تحد خطير لـ-الناتو-
- وزير إسرائيلي: رغم المعارضة الأمريكية يجب أن نقاتل حتى النصر ...
- هل يمكن للأعضاء المزروعة أن تغير شخصية المضيف الجديد؟
- مصدر أمني ??لبناني: القتلى الأربعة في الغارة هم عناصر لـ-حزب ...
- هرتصوغ يهاجم بن غفير على اللامسوؤلية التي تضر بأمن البلاد


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - وظيفة هزة الجماع حسب ويليام رايش (الجزء الأول)