أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - بوح الذاكرة: عبرات معلم مقبل على الانتحار شنقا















المزيد.....

بوح الذاكرة: عبرات معلم مقبل على الانتحار شنقا


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7701 - 2023 / 8 / 12 - 09:42
المحور: الادب والفن
    


في البداية، أسارع إلى تنبيه القارئ الكريم اني سوف أخصص هذه الحلقة لموت معلم متدرب بالانتحار شنقا. لقد وقعت هذه الواقعة في خريف 1988 الذي تزامن مع التحاقي، لأول مرة، بالمدرسة القروية التي تم تعييني بها من قبل نيابة ورزازات بعد قضاء سنة من التكوين في مركز غاندي بالدار البيضاء.
لن أشغل نفسي بالتفكير في تقديم مزيد من التفاصيل وأنا بصدد التمهيد لهذا الحكي المرتكز على الذاكرة. سوف تاتي التفاصيل تباعا وتلقائيا إذا ما أرخيت العنان لذاكرتي البعيدة المدى مع حرص شديد على الانتقاء والتشذيب وفق منهجية كتابة المذكرات التي سبق لي أن خضت فيها تجربة ناجحة ولو على شاكلة مقال عرف طريقه إلى النشر بجريدة "الاتحاد الاشتراكي" خلال شهر دجنبر من سنة 1994.
بعد تسلمي دبلوم التخرج من مركز التكوين في بداية صيف 1988، قضيت عطلة الموسم على إيقاع انتظار اليوم الذي سأشد فيه الرحال إلى أحد الأقاليم الجنوبية قصد الالتحاق بمقر عملي الجديد كمدرس ينتمي للشعبة النموذجية؛ أي مكلف بتدريس جميع المواد المقررة في المدرسة الابتدائية المغربية علما أن هناك شعبة أخرى خاصة بمدرسي اللغة العربية وما يرتبط بها من مواد. مما لا شك فيه أن هذا الوصف يتضمن بشكل مضمر استعدادا عفويا بله ساذجا للنفي الطوعي. لكن ما قولك أمام هذا الواقع : مكره أخاك لا بطل؟
عندما أوشك فصل الصيف على نهايته، التحقت بإدارة مركز غاندي لتكوين المعلمات والمعلمين بالدار البضاء لأتسلم حوالة المنحة الأخيرة التي تتجاوز قيمتها بالكاد مبلغ 500 درهم. أنا الآن مقبل على السفر إلى مدينة ورزازات وليس في حوزتي سوى هذا المبلغ الزهيد الذي انطلاقا منه يتوجب على تدبير أمور حياتي اليومية في انتظار تسوية وضعيتي المادية من قبل وزارة المالية. لكم أن تتصوروا مدى الصعوبة التي يتطلبها هذا الانتظار نظرا لطول مدته الزمنية ( أربعة أشهر) بالنسبة لمعلم متدرب يتحدر من عائلة معدمة.
قبل موعد الالتحاق بالنيابة بيومين، نزلت ضيفا على خالتي ب (كارتي كوبا ) الواقع في محيط مسجد الحسن الثاني وكانت في جيبي مجموعة من الأوراق كتبت عليها موضوعا بعنوان " قراءة في قصيدة الكفر" وكنت أنوي إرسالها إلى جريدة عمر بنجلون لتنشرها في صفحة" على الطريق" المخصصة آنذاك للمبتدئين الذين لمسوا في أنفسهم ميولا إلى الكتابة. وما كاد اليوم ينتصف حتى كنت قد أودعت رسالتي لدى أقرب مركز بريد.
بما أني لم يسبق لي أبدا زيارة مدينة مراكش، قررت المبيت في أحد الفنادق الشعبية المجاورة لساحة جامع الفنا التي غالبا ما اشتقت لرؤيتها كما هي حتى أقارنها بما اختزنه خيالي عنها من صور ومشاهد خصوصا بعدما علمت من خلال قراءاتي أن كتابا وفنانين مشاهير قرروا المكوث قريبا من عوالم هذه الساحة الغريبة الأ طوار. وفعلا كان لي ما أردت. شيء ما يسر لي تلك الليلة الحصول على غرفة بأحد الفنادق القريبة من الساحة؛ ألا وهو انتهاء عطلة الصيف والاستعداد لدخول بكل المواصفات جديد.
وضعت أغراضي في الغرفة التي تشبه حماما لشدة سخونتها وافتقارها لجهاز من شأنه تكييف هوائها الشبيه بنفس ( بفتح الفاء ) ولهاث تنين وما لبثت أن خرجت منها قاصدا الساحة التي سكنت خيالي واحتضنت أحلامي. لم تستهوني " الحلاقي" التي لم تكن فرجاتها ومشاهدها غريبة عني لا لشيء سوى لأني من أبناء العاليا-المحمدية الذين أتاح لهم سوق الأحد – قبل ترحيله إلى حماعة بني يخلف القروية - فرص التمتع بهذا الفن الشعبي الذي انتشر في ربوع المغرب انطلاقا من ساحة جامع الفنا. وبينما أنا اتجول في رحاب الساحة، خطرت ببالي فكرة التبضع من هذا الفضاء الذي لا يوفر الفرجة والترفيه لمرتاديه فقط بل هو في نفس الوقت سوق عامر بأصناف المأكولات والمتعلقات المغرية بالشراء. هكذا انطلت علي أحابيل هذا الفضاء السحري الخالد ووجدتني منهمكا في صرف كل ما أملك من نقود مقابل اقتناء أشياء ثانوية لكنها أساسية لمعلم مجتهد مثل مشداة الورق وأقلام وكنانيش...
في صباح اليوم الموالي، التحقت كسائر المعلمين المتدربين بالنيابة في مدينة ورزازات لأكتشف أنه قد تم تعييني بمجموعة مدارس تانسيفت بضواحي مدينة أكدز التي أصبحت الآن محسوبة على إقليم زاكورة. كان على الجميع الالتحاق بمقرات عملهم ابتداء من يوم غد. بعد سؤالي عن الوجهة التي تقع فيها مدرستي قيل لي بأن أتوجه إلى أكدز ومن هناك يمكن لي الالتحاق بفرعية الفكارة التي تبعد عن أكدز بحوالي 30 كيلومتر. في محطة الحافلات تبين لي أن المتخرجين الجدد عددهم غفير وأنهم يتحدرون من جهات مختلفة.
هكذا وجدت نفسي في الحافلة المتجهة إلى زاكورة عبر أكدز جالسا بجانب شاب يحمل مثلي تعيينا جديدا كمعلم في السلك الابتدائي. عند توديعنا للمدار الحضري لمدينة ورزازات، تبادلت أطراف الحديث مع زميلي الجالس بجانبي فعلمت أنه من مواليد مدينة آسفي وآن في حوزته ، فضلا عن دبلوم التخرج، شهادة تساوي الإجازة نالها من إحدى مؤسسات التعليم العالي بفرنسا. من خلال ملامح وجهه ونبرات صوته لمست أنه غير راض على وضعيته الجديدة ومن الصعب عليه أن يتجرع مرارة العيش بعيدا عن أهله وذويه وأنه غير مستعد لأداء المهام المنوطة به في بيئة صحراوية لا عهد له بها من قبل. حاولت أن أنصحه بأن يكون رجلا وأن يصبر على المكاره ليبرهن لأسرته بأنها يمكن أن تعتمد عليه وأنه صار يتمتع بما يكفي من الاستقلالية لتأهيله لإدارة شؤون حياته بنفسه.
عندما توقفت الحافلة بأكدز، أدرك رفيقي أني بلغت المحطة الأخيرة من رحلتي بينما تستمر رحلته إلى أبعد من هنا. أثناء اللحظة التي عزمت فيها على توديعه، بدأ يجهش بالبكاء والدموع تسيل مدرارا على خذيه. تأثرت لحاله وكدت أنخرط بدوري في نوبة بكاء حاد لولا رباطة جأشي التي أورثني إياها الفقر.
بمناسبة عطلة منتصف الدورة الأولى (من أصل ثلاث في النظام القديم) وقد تصادفت مع عيد المولد النبوي ، تواجدت بأكدز حيث وجدت أن الجريدة التي راسلتها قبل مجيئي إلى هنا قد نشرت في نفس الصفحة المذكورة سلفا مقالي المعنون ب "قراءة في قصيدة الكفر" في عددها الأخير. بالطبع، قرأت هذه القصيدة في جريدة البيان الثقافي التي كانت على موعد مع قرائها يوم الإثنين أسبوعيا. في نفس اليوم، بلغني خبر انتحار المعلم المسفيوي شنقا بدوار يقع في ضواحي زاكورة. لقد قيل لي أن الهالك وضع حدا لحياته بهذه الطريقة في غفلة من زملائه الذين لم يستطيعوا لسبب من الأسباب إمداده بشحنة من الصبر كافية لإعطائه الأمل في الحياة.



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مالي تلغي 11 اتفاقية استعمارية فرضتها فرنسا على دول إفريقية ...
- دقت طبول الحرب في الساحل وبدات رمال الصحراء تغلي
- موقع ابن رشد الفيلسوف والقاضي والفقيه بين الإسلام والمسيحية ...
- فرنسا بين التدخل العسكري في النيجر ورفض مشاركتها في القمة 15 ...
- موقع ابن رشد الفيلسوف والقاضي والفقيه بين الإسلام والمسيحية ...
- النيجر: حول التدخل العسكري المتوقع من المجموعة الاقتصادية لد ...
- أمريكا تعسكر مضيق هرمز وخليج عمان بدعوى مضايقة واعتراض إيران ...
- موقع ابن رشد الفيلسوف والقاضي والفقيه بين الإسلام والمسيحية ...
- المحكمة الفدرالية تطلق سراح ترامب بكفالة إذا انتهك شروطها يت ...
- حسن حامي: الطفولة الدبلوماسية أكثر سخافة من الهواية السياسية ...
- الحزب الشيوعي السوداني يطلق نداء إلى مواطنيه بعدم خوض الحرب ...
- حسن حامي: الجزائر مهووسة بالاحتفاظ بأراض انتزعتها ظلما من جي ...
- فرنسا تستخدم غواصة Suffren في عمليات خاصة
- ترامب يقود الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري رغم مشاكله ال ...
- ترامب يمثل أمام المحكمة بتهمة محاولته قلب نتائج الانتخابات
- ساحل العاج: وفاة رئيس البلاد السابق هنري كونان بيديه
- لماذا اختار بيدرو ساشيز المغرب مكانا لقضاء العطلة؟
- مناضلو حزب الشمعة بتمارة ينظمون دوة حول مستجدات إعادة هيكلة ...
- الاشتراكي الموحد بتمارة ينظم ندوة حول مستجدات إعادة هيكلة دو ...
- اللجنة الوطنية لقطاع التعليم بالاشتراكي الموحد توصي الحزب بع ...


المزيد.....




- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...
- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد رباص - بوح الذاكرة: عبرات معلم مقبل على الانتحار شنقا