|
- إضاءات في العبودية -
شاكر كتاب
أستاذ جامعي وناشط سياسي
(Shakir Kitab)
الحوار المتمدن-العدد: 7704 - 2023 / 8 / 15 - 10:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1- من أين تأتي الرغبة في العبودية؟ اقصد ان يجد الانسان في نفسه رغبة متهالكة ان يكون عبداً لأحد ما أو لشيءٍ ما. ويذهب هو نفسه جاهداً ليجد مبرراتٍ يقنع بها نفسه أولاً ثم يقنع بها غيره كيف انه عبدٌ وكيف صار عبداً وكيف يجب ان يكون عبداً. 2- هناك من يجد نفسه مشدوداً بأربطة متينة الى جذور العبودية. حالة جدا غريبة لكنها غدت جدا طبيعية. غريبة لأنها تتنافى مع آدمية الإنسان ، وطبيعية لأنها غدت متوفرة بابتذال في حياتنا اليومية. من خطباء الدين من لا يرى في الإنسان إلا ان يكون عبداً. ويعلنها صراحةً أن العبودية هي سبب وجود الانسان على الأرض. وطبعا يجب ان نفهم بوضوح انه لا يقصد فقط ان الانسان يعبد الله سبحانه " وما خلقت الجنَّ والإنسَ إلا ليعبدونِ" وهو ما يسميه بالعبودية ، انما يقصد ان العبودية يجب ان تنتقل من الله غير المرئي الى ممثليه المرئيين من سادة وشيوخ وأئمة مساجد وخطباء ووكلائهم المنتشرين. ثم تنتقل العبودية منهم الى كل "أولي الأمر". والبسطاء من الناس تراهم ركّعاً سجّداً أمام هؤلاء أصحاب عقول القرون الوسطى وثقافات الخرافة والأساطير. 3- كيف نفهم ان هناك من يفدي نفسه ودم أطفاله وحياة أهله لقائد يحمل في جوفه معدة تهضم الطعام وتملأ الأمعاء الدقيقة والغليظة بالفضلات التي يصعب عليه دفعها لأنه مصاب بالتخمة التي تسبب مشاكل بالتفريغ وتصاحبها غازات وانتفاخات؟ هل ولماذا ينسى هذا العبد! ان هذا المعبود هو بشر مثله ولو قيّض لنا ان نعريهما من ملابسهما سنجد ان الجسدين لا يختلفان عن بعضهما بشيء؟ إذن ما سر العبودية وهذا الذل وهذا الهوان؟. 4- هناك عبودية من نوع آخر. الحنين الى زعماء وقادة راحلين ، مضت على رحيلهم عقود وبعضهم قرون. لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. وأنا اتفهم هذا الحنين استنادا الى ضعف المشاعر الانسانية والعواطف وتعطيل شبه تام للعقل والمنطق والإحساس بالحاجة الشديدة لمتكأٍ نفسيٍ أو حتى روحي. لكن ان تنسى ان بعض هؤلاء القادة قد دمروا بلادك واهلك وعرّضوا الوطن للهلاك والدمار والخراب ، وان تنسى ان من بين ضحاياهم اباك " وجارك ثم جارك ثم جارك ثم أخاك " فهذا غياب تام للوعي وانسياق فاضح لتبعية عمياء تماماً تؤدي بك الى العبودية ، والدليل هو هذا التأليه الغريب لأشباح هؤلاء الراحلين ولأسمائهم وأسماءٍ أضيفت إليهم ، بمبادرات من العبيد ، حتى تجاوزت عدد الأسماء الحسنى. 5- ويرتبط بهذا الحنين ما يمكن تسميته بعبودية الماضي ، عبودية التراث والتاريخ. أنا لا أدعو أبداً إلى التخلي عن تراثنا وعن تاريخنا. بل أدعو إلى توظيفٍ علميٍّ وواقعيٍّ وحضاريٍّ لهذا التراث ومنجزاته الكبيرة وللتاريخ ونجاحاته وانتكاساته على حد سواء. لكن مغادرة زماننا الحاضر وواقعنا القائم لنتسكع في محاريب الماضي كي نعبدَ منه شخصياتٍ كانت فعلاً جليلةً وأدت أدواراً متميزة في أيامها وقدمت الكثير من الانجازات فهذا تشويه صارخ لهذه الشخصيات وابتذال لمكانتها في البناء وطمس لهويتها الحقيقية. وهذا له معنىً آخر أكثر خطورة ؛ وهو أن الشخص العابد للماضي ولشخوصه هو إنسان منقطع عن الحاضر. انقطاعه هذا له أسبابه ، منها أنه يخشى هذا الحاضر ويخافه فيلجأ إلى كهوف الماضي ليختبئ فيها من أنوار اليوم وثورته الثقافية والحضارية الكبرى. إذن ليس كل عودة إلى الماضي تأتي اعتزازا قوميا أو دينيا بالتاريخ أو التراث ، بل إن كثيرا ما تكون هذه العودة هروبا من الواقع وخشيةً شديدةً من حاضر قد يكون أثقل من القدرات العقلية للشخص المعني. إن الشخصيات التاريخية والتراثية التي يستحضرها الأدباء والشعراء المحدثين في نصوصهم الأدبية يتم توظيفها لمواجهة الواقع المعاش والتصدي له ومحاولة تفسيره وتُعد في النقد الأدبي توظيفاً فنياً وأدبياً لقدراتها الكامنة وطاقاتها الخلاقة وأنها وسيلة للتزاوج بين ما هو أنثروبولوجي وما هو أدبي. لكن عبادة هذه الشخصيات تقدح بمكانة الإنسان وتحوله عبداً ذليلاً لخيالٍ مريضٍ تمتد آثاره حتى يصاب المرء بالعقد النفسية والعزلة الاجتماعية ولا نستغرب أـبدا من انتشار الشيزوفرينيا في أيامنا هذه. 6- كيف لك ان تسجد لإنسان هو مثلك؟ هذا اولاً. لكن ، وهذا ثانيا ، ان كثيرا من هؤلاء القادة هم غرباء أساءوا إلى بلادك وداسوا على كرامتها وأهانوا شعبك وأسقطوا دولتك مرات عديدة ومزقوا مجتمعك. يتعاملون مع بلادنا كأنها أملاكم وكأنهم في بيوتهم. وترون أنفسكم وأنتم تخضعون بخنوع أمامهم وقدام أوامرهم ورغباتهم التي كانوا فيها مخلصين أمناء لمصالح بلادهم هم وشعبهم هم. لم تتعلموا منهم إخلاصهم لوطنهم لتكونوا مخلصين لوطنكم أنتم أيضاً. 7- كيف تسجد "لقائد" لص حرامي تافه يسرق أموال الدولة نهاراً جهاراً ويسرق ما على الأرض وما في باطنها وأسس إمبراطوريته المالية والعقارية والسياسية بعبوديتك ودمك وخضوعك وإيمانك الأعمى به؟ أنظر إلى حالة بلادك اليوم وقارن بينها وبين البلدان الأخرى وبين قائدك الفذ هذا وقادة هذه البلدان. هناك ، في بلدانهم ، قوانين صارمة ينفذها القضاء العادل بحق كل من يتلاعب ولو بشعرة من المال العام. وانظر ماذا يجري في بلادنا بفضل عبقرية قائدك هذا الذي أنت تعبده. 8- كيف تكون عبدا لمن يبيع بلادك ويتخلى عن أراضينا وخيراتنا ويرهن مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة بيد الدول الأجنبية مقابل بقائه في السلطة والرواتب والامتيازات ؟ ألا تلاحظ الفخفخة التي يتنعم بها معبودك ؟ ألا ترى أولاده وبناته كيف ينعمون بما لم يتعبوا من أجله بل جاءهم من شطارة أبيهم وغباء العبيد وخضوعهم واستسلامهم ؟. 9- هل يمكن للناس العقلاء تصديق أنك تنفذ أوامر معبودك حتى تلك التي تعد جريمة ؟ اذهب أقتل أخطف سلّب أو إحرق بيت فلان ومقر الحزب الفلاني. إسرق أموال الدولة وأموال الناس وخذ حصتك والباقي لنا ( للحزب أو الكتلة أو التحالف والحقيقة هي للزعيم نفسه). وعندما يستيقظ القانون ويلقى عليك القبض ستكون أنت المسئول لا غيرك وتراك عائلتك وأطفالك وجيرانك وأقاربك بأبشع الصور وأقبحها وأخزاها ، ثم تودع في السجن مدةً تتناسب مع حجم جريمتك التي ارتكبتها أنت لكن بتوجيه من إنسان آخر هو مثلك تماما بيد أنه يعرف كيف يتلاعب بعقلك ويغيبه نهائيا ويدفع بك نحو الشر. 10- كيف تسنى لهم استلاب أرواحنا وكرامتنا وآدميتنا وتحويلنا الى عبيد أمامهم ونفتخر بأحقر السمات وأرذلها وهي العبودية ؟ انتم تعرفون الله ، وتعرفون وطنكم وأمام أعينكم عائلاتكم وأطفالكم ولا تخجلون من ان تنحنوا بذلٍ وهوانٍ أمام رجال هم مثلكم لكنهم امتازوا عنكم بأفعالهم المذلة وإهانتهم لنا جميعا شعبا ووطنا. وقسمونا الى مذاهب وطوائف. وسرقوا خيرات بلادنا "ما ظهر منها وما بطن " وما زلتم ترون فيهم آلهةً فتعبدونهم. اليس فيكم رجل رشيد؟ 11- تساءل وانظر حواليك هل من شارع جديد أو منشأة أو مؤسسة أو مصنع أو معمل أو مزرعة أسسها قائدك لصالح البلاد ؟ بل تساءل هل قائدك هذا ومعبودك يفقه معنى الدولة والاقتصاد والسياسة والتجارة والعلاقات ألدولية ؟ اسأله هل قرأ كتابا بحياته؟ ولا تسأله عمّا إذا كان قد ألّف كتابا بيده لأن هذا مستحيل لقادتكم وأصنامكم. 12- يا ناس حرروا أنفسكم من عبودية مريضة مخزية رافقتنا منذ زمن سحيق. لا يرضاها الله ولا الانبياء ولا الفلاسفة ولا الأشراف في كل العالم وطوال كل التاريخ. حرروا أنفسكم وساعدوا الآخرين على التحرر. فآدمية البشر لا تتحقق إلا بالتحرر والنهوض بالذات من هوان العبودية الى ان تسير سويّاً "واثق الخطوة تمشي ملكاً " . 13- تذكر انك انسان والقائد ، الحي او الميت ، انسان مثلك. بإمكانك تقديره واحترامه وحبه والانتماء الى طريقه الفكري ، او السياسي كما تشاء ، لأنك حرّ لكن افعل هذا وأنت تحافظ على شرفك وآدميتك وكرامتك. والسلام على اهل العزة والكرامة من بني البشر ومن ابناء بلادنا الحبيبة عراقنا الجميل.
#شاكر_كتاب (هاشتاغ)
Shakir_Kitab#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-آداب السياسة وأصولها-
-
عن التغيير القادم.
-
- إضاءات في العقل والأخلاق -
-
-الهدايا المسلحة-
-
إضاءات عن الإنسان في الطبيعة
-
إضاءات في الفكر والسياسة 1
-
زلازل عراقية
-
المسؤول
-
الأكراد.
-
السلاح – أفكار بسيطة.
-
الفضائية في بلادنا.
-
العشوائية في بلادنا.
-
صوت من أجل الوطن
-
-الأصنام-.
-
السلاح
-
- التغيير-
-
أطالب بإلغاء المفوضية مع الانتخابات كلها
-
التحالفات في العراق
-
المشهد السياسي المعارض في العراق
-
مات الأخضر وما ماتت مشاغله!
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|