أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - عقيدة العصمة بين النص والأفتراض ج2















المزيد.....

عقيدة العصمة بين النص والأفتراض ج2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7680 - 2023 / 7 / 22 - 11:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العصمة أصطلاحا
يري البعض أن العصمة إصطلاحا هي ملكة أو لطف من الله يمنحها لمن أراد لسبب خاص وعلة محدودة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم، فقد عرّفها الشيخ المفيد في الاصطلاح الشرعي بأنّها (لطفٌ يفعلُهُ اللهُ تعالى بالمكلّف، بحيث تمنع منه وقوع المعصية، وترك الطاعة، مع قدرته عليهما)، بمعنى أن منع مسبق لا يمكن معه أن يقع المعصوم في الذنب والخطأ فما فوقهما مع أنه قادر عليها، هذا المنع مع القدرة هو تحصين ملكي ذاتي تكويني إذا، وهو موضوع خروج عن الطبيعية البشرية أصلا بمعنى أن الله أختار البعض من الناس لأن يكونوا بدرجة الملائكة من عصم الذنب والخطأ مع لحاظ أن الملائكة غير قادر أصلا عن الأتيان بالمخالفة، مما يجعل المعصوم بدرجة من السمو والتكييف الذي لا يناله الفرد طبيعيا بالأستواء الرباني الوارد في النص القرآني " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا"، فهنا العصمة بهذا المفهوم اخرج الإنسان من طبيعته التي وصفها الله تعالى تأكيدا لمن نصفهم بالمعصومين بقوله " قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا".
وتلطيفا للغلو في مفهوم العصمة وعلى عكس ما يشاع بين العامة فقد عدل أو هذب البعض المعنى بقوله (ليس معنى العصمة انّ الله يجبُرهُ على ترك المعصية، بل يفعل به ألطافاً، يترك معها المعصية، باختياره، مع قدرته عليها) ، السؤال المهم هنا إن كان المعصوم غير مجبر على ترك المعصية بأختياره والمعتمد فيها على لطف الله، فما هو معنى اللطف هنا مع أن الله لطيف بالعباد كلهم وليس للمعصوم وحده "اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ" الشورى (19)، يقول المدعي هنا أن العصمة من رزق الله يرزق به من يشاء ويمنعه عمن يشاء وفق سياق الآية، الجواب نعم يرزق من يشاء خبر مطلق وحكم عام لا يختص به أحد ولا يمتنع منه أحد، فلماذا إذا رزق العصمة للأنبياء فقط ومن مصنفهم معصومين إذا؟.
نعود للآية الأولى ((وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)) فاطر 35، التي يسوقها البعض للتدليل علة عصمة المعصوم بأعتبار أن النص فيها يتعلق بفضل الله ورحمته على المخاطب من الحفظ من الضلال، ويعللون هذا الحفظ ليس بكونه سابق للتكوين ولكن لوجود قدرة زرعها الله في المعصوم عبر العلم، ولكون النبي عالم فهو معصوم بعلمه من أن يقع في الذنب والخطأ، هذا تبرير ظاهره مقبول وباطنه شبهة كبرى، فعلى قول السيد الطبطبائي في تفسير الميزان لهذه الآية يذكر " بان من جميع ما قدّمناه انّ هذه الموهبة الالهية التي نسميها قوّة العصمة نوع من العلم والشعور يغاير سائر أنواع العلوم في انه غير مغلوب لشيء من القوى الشعورية البتة، بل هي الغالبة القاهرة عليها المستخدمة إيّاها ولذلك كانت تصون صاحبها من الضلال والخطيئة مطلقاً" .
السؤال أين الشبهة في هذا الكلام؟ عند العودة لكل المصادر الفقهية والنصية التي يعتمدها الفقهاء والمجتهدون وعموم المفكرين المسلمين فيما يخص عصمة البشر ومنهم الانبياء، هي أدلة ظرفية تأوليه يمكن أن تؤول وتفسر أيضا بالضد أو بمفهوم اخر، بينما الأدلة التي تنفي العصمة عن كل الكائنات الا ما أراد الله أن يجعله معصوما من الخطأ فهي أدلة نصية محكمة لا يمكن تفسيرها ولا تأويلها خلاف النص، من الأدلة الاولى قوله والله يعصمك من الناس هنا العصمة تدور بمعنى "المنع" كما قلنا سابقا، وهي أن الله هو من يحمي الرسول ويمنع عنه الناس لإكمال مهمته على الوجه المطلوب دون أن يناله ما يخشى عليه وعلى الرسالة من أذى الناس وضررهم.
أما النص والدليل من الوجهة الأخرى والذي هو محل بيان الشبهة الكبرى من الكلام السابق، هي أن النبي ليس معصوما بذاته عصمة تكوينية خاصة فيما يرد بالتبليغ عن الله، وانما النص هو المعصوم بدليل قول الله أنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون وأيضا من نفس نص الآية محل الأستشهاد " وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا، فالفضل هنا لاحق لنزول الكتاب إذا كانت العصمة تعنى الفضل والرحمة والرزق، فهم معصوم تابع لمعصوم تكويني مطلق وهو الكتاب، ولو افترضنا افتراضا أن الرسول أراد أن يغير أو يبدل في النص فالعصمة التكوينية للنص لا تسمح له ولا يمكن أن تكون ممكنة لأنه محفوظ من عند الله.
فالعصمة لأمر الله وقوله وإرادته وهي من تنعكس إيجابيا من خلال ايمان الرسول بهذه العصمة كجزء من إيمانه العام بما أرسل به وله ومنه، فيستعصم بها ويمنع نفسه من الزلل أو الخطأ لأنه تعلم من الكتاب ومن وحي الله ومن علم الله الذي علمه أن الكتاب لا يقبل اي تغيير أو تبديل والدليل قوله تعالى (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يونس 15، وهنا يناقض رأي وقول السيد الطبطبائي في كلامه السابق بدون دليل على أن ((إنّ الاَمر الذي تتحقق به العصمة نوعٌ من العلم يمنع صاحبه عن التلبس بالمعصية والخطأ))، في ذكر في مكان أخر من التفسير السابق أن ((العصمة الالهية التي هي صورة علمية نفسانية تحفظ الاِنسان من باطل الاعتقاد، وسيّء العمل))، فمرة هي قضية نفسانية عملية بمعنى أنها تكوينية وليست تحصيلية، ومره أنها كسبية نتيجة العلم بما علم الله، وهذا قول غير دقيق ولا صحيح، فالعلم أمرٌ الذي تتحقق به العصمة هو علم لاحق للاصطفاء والأختيار والبعث بأعتبار تاريخ البعث والعلم بما جاء في كتاب الله، أي ان العصمة شيء والعلم أمرٌ آخر وفقا لنص الآية التالية "وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" الشورى (52).
ومن فهم البعض لمعنى العصمة من وجه أخر أنهم قالوا بأنها تعني (وليست العصمة مانعةً من القدرة على القبيح، ولا مضطرة للمعصوم إلى الحسن، ولا ملجئه له إليه، بل هي الشيء الذي يعلم الله تعالى إنّه اذا فَعَلهُ بعبدٍ من عبيده، لم يُؤثِر معه معصيةً له)، هنا نعود لمعنى المنع الطبيعي من أن يكون المعصوم قادرا على الذنب والخطأ وإن قالوا بالقدرة عليه، فالنتيجة واحدة في الحالين، أن تكون قادرا وأنت ممنوع عليك أن تقدر، أو أن تكون غير قادر من الأساس على ما هو ممنوع أصلا، فلو كان أحدا من البشر معصوما من الخطأ بالحالتين لبطل أجره وتكليفه ولا ثواب له لأنه مجبر على صيغة تفصل بينها وبين سلوكه، والله تعالى يقول ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها، وعندما نسند لأحد العصمة التكوينية ونقول أنه من المعصومين تكوينيا مع القدرة أو عدمها، فأننا نخرجه من تسوية الله للنفس طبيعيا، وأنه كائن مختلف عن البشر وبذلك ننفي قول الله والرسول وما أنا إلا بشر مثلكم.
ويقول البعض أنه ليس كلُّ الخلق يُعْلَمُ هذا من حاله، بل المعلوم منهم ذلك هم الصّفوة والاخيار، قال الله تعالى ﴿ ِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ ... ﴾ 6، وقال ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ 7، وقال ﴿ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ﴾ 8، إن مثل هذه الآيات دلائل وحجج على أن الله عندما يختار البعض من البشر لرسالة أو أمر فهو يختارهم على علم ما فيهم من قدرة على عدم الذنب والخطأ، وبالتالي فهو لا يختار إلا من عصم نفسه أو هو يعصمه لأجل ذلك ليكون أمينا على الرسالة ومبلغا كاملا وتماميا لها، فتكون العصمة المسبقة شرطا للتبليغ والبعث والإرسال ولا يجوز أن يبعث الله أحدا دون عصمة أصلية تكوينية أو تحصيلية.
الحقيقية التي يقفز عليها البعض أن الشروط الأساسية للبعث والإرسال والتبليغ أو ما يسمى القواعد والأسس العملية، تستوجب يشكل أساسي أن يكون الحامل متوافقا مع المحمول ومماهيا له في الشكل، فلا يمكن مثلا أن يرسل الله نبيا لا يعلم أو لا يستطيع أن يعلم ويتعلم، كذلك لا يمكن أن يكون غير قادرا على الإيمان بما أرسل من أجله أو اختير لها كما في قصة النبي الذي أخلد (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الأعراف ﴿١٧٦﴾، النتيجة التي يتوقعها العقل أن المختار إن لم يكن مهيأ وقادرا على أن يمارس خياره بأختياره بين الخطأ والصح أو الذنب وعدمه، فأنه يفقد القدرة أساسا على التمييز بينهما وبالتالي لا يمكنه أن يكون دليلا لا على الصح ولا دليلا على الطاعة وعدم الذنب.
الدليل على المعصومية حتى في الصورة التي يقدمها أكثر القائلين بأنها سلوك تحصيلي ناتج عن العلم بما علم الله لبشر من بين البشر، فهي أيضا تفترض أن المعصوم عالم قبل أن يكون معصوما وهذا منطق كلامهم ودليل حجتهم، بينما القرآن الكريم ونصوصه تشير إلى أن العلم تحصيل تطوري تراكمي وهو جزء من عملية الإعداد النبوي أو الإرسالي، وبالتالي فالمتكون من معصومية العلم يتطور ويتراكم بمقدار ما يعلم من علم الله، وعلم الله في قوله وكتابه، فيكون سبب المعصومية الأساس كما قلنا هو مقدار ما تعلم لا مقدار ما منحه الله من لطف أو ملكة أو موهبة.
فالعصمة إذا تتكامل مع الكتاب وتنبع منه، ولا معصومية أخرى لها مصدر أخر، وهنا يثار السؤال حول ما يعرف بمعصومية غير النبي كما هو شائع عند بعض المسلمين، فإن كانت العصمة كما ذكرنا مصدرها العمل التام والمطلق بالكتاب، فتكون والحال أنها متاحة لمن يقدر أن يجسد القرآن عملا وسلوكا ومنهجا، أي إمكانية عامة غير مخصوصة إلا بشرط العلم والعمل وليس من خلال فرض الله أو وصيته ويتساوى فيها من باب الإمكان الأفتراضي الجميع.
أما إذا كانت مشروطة بتوفيق الله وإرادته للبعض دون الكل فعلينا أن نقر بأن الله غير عادل مع الجميع، لأنه خص بلا عدل وحدد قبل العمل والأختبار والبلاء، فمنح المعصومية للبعض ليس على أساس ما تعلم وعمل بل على أساس أنه يعلم بأن هؤلاء ليسوا ممن يستطيعون أن يرتكبوا الذنب والخطأ أبتداء كما يقول "إنّ العصمة هي القدرة على الطاعة، وعدم القدرة على المعصية، وهو قول أبي الحسن البصري"، وذكر أخرون "بانّه الاَمر الذي يفعله الله تعالى بالعبد من الاَلطاف المُقرِّبة إلى الطاعات، التي يعلم معها انّه لا يقدم على المعصية، بشرط أن لا ينتهي ذلك الاَمر إلى الإلجاء".
فإن كان هذا الأمر لا يؤدي إلى الإلجاء كما يقولون فما هو معنى فعل الله بالعبد من الألطاف وقد ناقشنا هذا الموضوع من قبل، الحقيقة التي يلف حول الكثيرون ولا يريدوا أن يقولوا أن العصمة أفتراض وضعي المطلوب منه أن نضع الرسول أو المعصوم فوق إنسانيته وبشريته دون قول الله، لنبين فقط أن الرسول ص قد أدى الواجب والوظيفة في غاية الأتقان والكمال والتمام ، بجهده وجهاده وإخلاصه ليس لأنه كذلك كبشر وإنسان طبيعي، ولكن لأن الله كما نفهم جعله مسلوب الإمكانية والفعل المخالف، وبذلك نجعله كائنا مختلفا ومخالفا لكل ما ورد في خصوص الأنبياء والرسل من وصف لماهية بشرية طبيعية فقط.
هذا الكلام السابق ينسحب ليس على الأفراد والكائنات التي تعي وتدرك وتتفاعل مع وعيها وادراكها، ولكنه ايضا ينسحب على كل الموجودات في الوجود، ما عدا قواعد وقوانين الوجود الكلية ومعادلاتها التي تضمن الديمومة والبقاء الابدي، لذا لا مقدس ولا معصوم من التغيير والتبديل الا الله وإرادته، وهي ايضا معصومة بأشاءته هو فقد قال هو "كل يوم في شأن"، بمعنى أنه وهو الدائم مرتبط أيضا في التبدل والتغير وفقا لرؤيته هو وليس من ذاتيه المحضة، فهو كل يوم في شأن إذا أراد أن ينفذ ما يقتضي ابديته وازليته وفناء كل شيء إلا هو، والمقصود باليوم ليس التحديد الزمني الذي نعرفه وانما التحديد المعنوي الذي يشير لكيفية التبديل، هذا هو خلاصة ما أقره الله قبل التكوين والخلق بقانون كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام، ووجه الشيء عنوانه الأساسي وليس العضو المادي في الجسد، فوجه الله هي قوانين التمظهر الرباني ومعادلات التحكم المطلقة والكلية وقواعد البقاء والفناء التي لا تتغير ولا تتبدل لأنها سنة الله، فلا قدس ولا معصومية ولا استثناء لمخلوق كائنا من كان ليشارك الله فيما لا يجوز ومحال أن يشرك به أحد أو يسمح لأحد أن يشاركه.
اذا مفهوم المعصومية الذي يسوقه الفقهاء والمفكرون الإسلاميون بالصيغة المطروحة يتناقض تماما مع أحقية التكليف وجوبيته على الناس ومنهم الانبياء والرسل، الله تعالى يقول وليبلوكم أيكم احسن عملا بمعنى أن الله يضع الإنسان المكلف امام خيارات مختلفه ليبلو فيها المؤمن، ويمتحن إيمانه من خلال خياره الحر في اتباع أيكم احسن عملا، وعندما لا نضع المؤمن بشكل خاص ونحن نتكلم عن درجات عالية جدا في الإيمان أمام خيار البلاء ونضعه في خانة المعصومية التكوينية من اي خطأ، فإن النتيجة المتحصلة لهذا المؤمن لا تصلح أن تكون احسن عملا، لأنها تفتقد لحرية الاختيار وشرط الابتلاء.
ويتحول المعصوم إلى مجرد روبورت ينفذ الأوامر فقط ولا يسأل ولا يوسئل، وهذا خلاف طبيعة النبي والرسول التي تنص على أنه "لا تذهب عليهم نفسك حسرات" ولا تجعل من نفسك مسؤولا عنهم، "إنما انت منذر" وهم مأمورون بالطاعة من باب "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، المهم أن تبلغ وتجتهد في التبليغ بالعناية القصوى دون أن تتبع الهوى أو تقصر في التبليغ، كما ورد في أية اليوم أكملت لكم دينكم.....، فالرسول مجتهد في مورد التنفيذ والتبليغ على أن يكون اجتهاده ليس في مورد النص، بل بمورد العمل به وتبليغه وتوضيحها للناس، وهذا هو مبدأ الاجتهاد العملي الإيماني بلا تزويق ولا معصومية ولا قدرة خارقة بلا حجة ولا سبب يعلنه الله ويبلغه للناس.
من منا اليوم قادر على أن يجسد في الواقع حقيقة الدين كرافع أخلاقي في المجتمع ويجعل من مبادئ السماء منهج وممارسة؟، بالتأكيد هناك من يقول أن الكثير منا بل الأمر ليس منعدما أو أحتماليا، فالكثير من المؤمنين اليوم يمثلون الدين وأخلاقه، الجواب أن نتمتع بأخلاق طيبه ونحن ندعي الإيمان بالله ليس هذا هو المطلوب، المطلوب أن تكون أخلاقياتنا مطابقة لروح الدين، الإحسان مقابل الإساءة والعفو عند المقدرة والحب لأخيك كما تحب لنفسك وقل الحق ولو على نفسك والأهم من كل ذلك أن الصلاة يجب أن تنهاك عن الفحشاء والمنكر والبغي، وأن تجعل من نفسك مؤمنا دوما من أن عين الله ترقبك أن كنت تدري أو لا تدري، الأخلاق الدينية الحقيقية هي من تقربك للمعصومية المختارة وليس الله هو الذي يجعلك معصوما بقدرته، لذا نجح الأنبياء في جذب الناس للإيمان ليس لأن الله جعلهم معصومين بالتكوين، ولكن لأنهم عصموا أنفسهم بأخلاق الدين وتساموا عن الرذائل والأخطاء والخطايا والذنوب.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقيدة العصمة بين النص والأفتراض ج1
- العتيق ... هو الذي رأى كل شيء _ رواية ح 13
- من حصاد المعصوم والمقدس
- خطوة للموت ... خطوة للحياة
- العتيق ... هو الذي رأى كل شيء _ رواية ح 12
- صورة الله في الأديان كمثل صورة حامل الدين
- دائرة الوعي... أم دائرة الوهم...
- المشروع التنويري ومهمات التأسيس التجديدي للفكر الديني
- الدين بين القيم الوجودية وزعم روح المثالية
- العتيق ... هو الذي رأى كل شيء _ رواية ح 11
- العتيق ... هو الذي رأى كل شيء _ رواية ح 10
- العتيق ... هو الذي رأى كل شيء _ رواية ح 9
- العتيق ... هو الذي رأى كل شيء _ رواية ح 8
- أنا جندي عربي
- العتيق ... هو الذي رأى كل شيء _ رواية ح 7
- العتيق ... هو الذي رأى كل شيء _ رواية ح 6
- عيد بلا أمي
- العتيق ... هو الذي رأى كل شيء _ رواية ح5
- العتيق ... هو الذي رأى كل شيء _ رواية ح4
- العتيق ... هو الذي رأى كل شيء _ رواية ح3


المزيد.....




- سوناك يدعو لحماية الطلاب اليهود بالجامعات ووقف معاداة السامي ...
- هل يتسبّب -الإسلاميون- الأتراك في إنهاء حقبة أردوغان؟!
- -المسلمون في أمريكا-.. كيف تتحدى هذه الصور المفاهيم الخاطئة ...
- سوناك يدعو إلى حماية الطلاب اليهود ويتهم -شرذمة- في الجامعات ...
- بسبب وصف المحرقة بـ-الأسطورة-.. احتجاج يهودي في هنغاريا
- شاهد.. رئيس وزراء العراق يستقبل وفد المجمع العالمي للتقريب ب ...
- عمليات المقاومة الاسلامية ضد مواقع وانتشار جيش الاحتلال
- إضرام النيران في مقام النبي يوشع تمهيدا لاقتحامه في سلفيت
- أبسطي صغارك بأغاني البيبي..ثبتها اليوم تردد قناة طيور الجنة ...
- إيهود أولمرت: عملية رفح لن تخدم هدف استعادة الأسرى وستؤدي لن ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - عقيدة العصمة بين النص والأفتراض ج2