أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرحمن مصطفى - هل كان برتراند راسل معادٍ للشيوعية ؟ نموذج الليبرالي القديم في النظر الى الرأسمالية والبلشفية















المزيد.....

هل كان برتراند راسل معادٍ للشيوعية ؟ نموذج الليبرالي القديم في النظر الى الرأسمالية والبلشفية


عبدالرحمن مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 7679 - 2023 / 7 / 21 - 04:25
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


هذه المقالة ليست عرضا موجزا لرؤية راسل للإشتراكية والرأسمالية في اعتبارها رؤية مفكر ليبرالي عاش قرابة المئة عام بقدر ما هي عرض لمنهجية التعاطي مع مثل هذه القضايا ومدى الاختلاف بين الليبرالية القديمة والليبرالية الجديدة التي باتت تهيمن على الخطاب السياسي والإقتصادي وحتى الثقافي في العالم، لايمكن اختزال تاريخ الليبرالية الى تيار واحد في رؤيتها للنظام الاقتصادي والسياسي الأمثل وفي منهجية التعاطي مع الأزمات السياسية ،بمعنى أنه لايمكن عزو طروحات فون هايك وميلتون فريدمان وفرانسيس فوكوياما الذي بشر بنهاية التاريخ مع الرأسمالية الى جورج برنارد شو وول ديورانت وبرتراند راسل أو حتى أدم سميث وريكاردو،يمكن التقاط الخطوط العريضة بين التيارين لكن هناك اختلاف جوهري في التعاطي مع الاقتصاد والسياسة ،يمكن استشفاف النزعة التشاؤمية في الليبرالية القديمة ،بمعنى أنها كانت نقدية فيما يتعلق بالنظام الرأسمالي وحتى النظام الديمقراطي ،وهذا يرجع لتعاطيها مع النظم الاقتصادية والسياسية بتناقضاتها وصراعاتها الداخلية ،فمثلا لم يكن رواد الليبرالية القديمة ينظرون الى العلاقة بين الطبقات بكونها علاقة تناغمية وأن ازدياد ثروة الطبقة العليا سينعكس ايجابا على الطبقات السفلى تباعا ،ففكرة الصراع الطبقي مضمَنة في الاطروحات التي قدمها أدم سميث الذي تحدث عن العلاقة التناقضية بين الأرباح من جهة والأجور والريوع من جهة أخرى وفي فكرة ريكاردو عن ميل معدل الأرباح الى الهبوط بسبب ابتلاع الريع للدخل بفعل تناقص الأراضي الزراعية ذات الجودة الجيدة ونقص الموارد عموما (بالعكس من فكرة ماركس الذي أرجع هبوط معدل الأرباح الى ديناميكيات النظام الرأسمالي التنافسية والتي تفرز مستويات عليا من التقانة الصناعية التي تستبدل العمل الحي) أو حتى رؤية راسل لمصير النظام الرأسمالي بأنه سيجر الطبقات المغبونة الى العنف والثورات المسلحة رغم معارضة راسل لهذا النهج لكن الثورات العنفية هي نتيجة لا مفر منها للسياسات التي تتبعها الحكومات الغربية كما بين ذلك في كتابه البلشفية نظرية وممارسة..كان الليبراليون القدامى متشائمين فنظرتهم الى المجتمع البشري كانت على أنه تجمع يحوي من التناقضات والصراعات التي تقصي أي أمنيات حول امكانية تحقيق الرخاء المشترك بحيث تكون جميع الطبقات والأمم راضبة فالصراع والتنافس حاضر دوماً وأن الطبقة لايمكن أن تشعر بالرخاء الا على حساب الأخرى وكذا العلاقة بين الأمم ..لهذا كانت طروحاتهم حذرة يشوبها الشك واللايقين ولم يكونوا مبشرين بدين جديد كما هو الحال بالنسبة لليبراليين الجدد ..كمثال رؤية ميلتون فريدمان وهايك للرأسمالية الخالصة (اقصاء الدولة كليا عن التدخل) باعتبارها الترياق الوحيد لكل مشاكل البشرية لايمكن اعتبارها الا شكلا فجاً للإيديولوجيا لإطروحات نفر من الليبراليين في القرن التاسع عشر وهي رؤية خلاصية طوباوية لاتختلف بشيء عن رؤية المتحمسين للشيوعية دون أي رؤية نقدية وتاريخية لواقع المجتمعات ،بل حتى اختلاف نظرة الليبراليين القدامى الى الإنسان ،فهي كانت نظرة تشاؤمية محافظة ،فالإنسان كان وفقا لهذا التيار حبيسا لعواطفه ومشاعره وكان من السذاجة وفقا لهذه الرؤية أن يترك المجتمع دون نظم وضوابط ..بينما ينظر رواد الليبرالية الجديدة الى الإنسان على اعتباره آلة عاقلة يمكن أن تحسب المخاطر وتتجنبها وتتنبأ بالمستقبل كما يتضح ذلك أكثر في الفرع الاقتصادي لهذه الأيديولوجيا الاقتصاد النيوكلاسيكي ..وهكذا يتضح في رؤية الليبرالية الجديدة النزعة التقدمية الساذجة التي كانت سائدة لدى فلاسفة التنوير في القرن الثامن عشر (مع اختلاف أن هؤلاء كانوا أقل حماسا للبرجوازية التقدمية فعلا في عصرهم بينما الليبراليون الجدد أكثر حماسة للبرجوازية الطفيلية في زمنهم!) فالاختلاف الرئيسي يكمن في أن الليبرالية القديمة كانت نقدية ومتشائمة وحذرة بينما الليبرالية الجديدة مبشرة ومتيقنة من اطروحاتها ..

برتراند راسل هو فيلسوف ليبرالي سليل عائلة أرستقراطية وهو غني عن التعريف وكان مثقفا عضويا بمعنى أنه كان يتعاطى مع قضايا عصره ومشكلاته وأزماته المحتدمة ،لبرتراند راسل كتاب البلشفية نظرية وممارسة فيه يعرض رؤيته للثورة البلشفية ونظرية الماركسية والرأسمالية وتم كتابته في عام 1920 وهذا الكتاب جاء بعد زيارة قام بها برتراند راسل الى روسيا والتقى فيها بقادة بارزين كلينين وتروتسكي وكامنييف وزينوفييف ومع أدباء مؤيدين للثورة كمكسيم غورغي ،وعن هذه الزيارة التي كتب عنها الكثير في اللغة العربية مثلا نستشف أن راسل كان معارضا 100 بالمئة للمشروع البلشفي وأنه في لقائه مع لينين خرج ممتعضا ونافرا من دوغمائية لينين وأنه كان مناديا بالرأسمالية الإصلاحية وغير ذلك مما لا نجده بالصورة التي عبر عنها راسل عن تجربته في هذا الكتاب ..وراسل كان ثاقب النظر في المآلات التي ستؤول اليها الثورة بتحليل ظروفها والملابسات التي أحاطت بها ،فهو قد تنبأ بالسياسة الاقتصادية الجديدة قبل عام من تطبيقها ولعل ذلك يعود الى ما التمسه من لقائه مع لينين ،وبالطبع لبرتراند راسل وجهات نظر يمكن أن تناقش فيما يتعلق بنقده للمادية التاريخية ووضعه السيكولوجيا في معارضة المنهج المادي التاريخي ..ومما يدعوا للنظر الخلاصات المختلفة التي يخرج منها المفكرين في تعاطيهم مع إرث الماركسية فهناك من يؤمن بالماركسية بالتزامن مع اعتقاده بأن الرأسمالية طريق لا مفر منه ! وهناك من يكون ناقدا للماركسية وفي نفس الوقت يؤمن بأن الاشتراكية ينبغي أن تكون بديلا مستعجلاً عن شرور الرأسمالية وهذا حال برتراند راسل ..فهو ناقد للماركسية ومنهجها كنظرية لكنه مؤمن بالاشتراكية بل بالشيوعية |
وهو ما يعبر عنه في بداية الكتاب ويصرح أن الشيوعية لامفر منها لتلافي أزمات الرأسمالية لكنه يعارض المنهج البلشفي في بلاده وهو كان ناقدا للثورات مع رؤيته أن الرأسمالية ستفرز الثورات العنفية وهذه قدرها المحتوم! وهو كان يرى أن الرأسمالية ستنتهي من تلقاء نفسها وفي بضعة عقود أو ستدوم الى 50 عام كحد أقصى بفعل معونة أمريكا ! أي أنه وضع سقف أعلى لعمر الرأسمالية في 1970! وهو ما لم يكن ! لكن استمرار الرأسمالية بعد هذا التاريخ تزامن مع تغييرات ضخمة في بنية النظام فأسواق التداول المالي تجاوزت القطاع الإنتاجي ..أسواق المشتقات المالية كانت تقدر ب 4 أو 5 أضعاف القطاعات الانتاجية عشية أزمة الرهان العقاري في 2008 ! ومستوى اللامساواة بلغ حداً من اللامعقول الذي كان سيحتم معارضة راسل الشاملة للرأسمالية ،حيث أن ثروة 8 أشخاص قدرت بثروة النصف الأفقر من سكان العالم !فضلا عن الكوارث البيئية ومشكلات التنمية في دول العالم الثالث..هذا كان الثمن الذي ينبغي أن تدفعه البشرية لإدامة عمر الرأسمالية أكثر !

برتراند راسل لم يكن مؤيداً لشكل من الرأسمالية الإصلاحية ..بل كان يؤمن بنوع من الانتقال السلمي من الرأسمالية الى الاشتراكية بفعل تطور التقنية وتطور خبرات العمال والموظفين ،فتطور مهارات العمال سيجعل الطبقة الرأسمالية طبقة طفيلية تماما وسيدير العمال مصانعهم بمنأى عن الملاك الرأسماليين وهو يرى أن هذا ممكن التحقق في الدول المتقدمة ولا أعرف كيف سيتم ذلك ..ولعل رؤية راسل هذه كانت تفاؤلا مبالغا به بالثورة التي تحققت في صميم النظام الرأسمالي بالانفصال التام بين ادارة المصنع وملكيته في بدايات القرن العشرين ..وهذا ما لم يتحقق خصوصا مع مزاولة الرأسماليين أنفسهم لمهام الإدارة ..راسل لم يكن ينظر للمشكلة بالمفاضلة بين الشيوعية والرأسمالية فهو كان مؤمنا بالإدارة الذاتية للعمال في مصانعهم بل كانت في كيفية الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية وهو كان رافضاً للثورات في الدول المتقدمة ويرى أنه لو قامت ثورة بلشفية في بريطانيا مثلا فسينجم عن ذلك مجاعات ستطال نصف سكان بريطانيا! ليس بفعل المنهج البلشفي بالحكم نفسه بل بالحصار الذي ستواجهه هذه التجربة خصوصا أن نصف الصناعة البريطانية كانت تعتمد على القطن المستورد من أمريكا فضلا عن قطع التجارة من أوروبا وهروب الرأسماليين بأموالهم الى الخارج وهذه رؤية فيها شيء من الوجاهة (ولو أنني اعتبر أن الثورة البلشفية ليست خياراً بل نتيجة لظروف معينة وهذه رؤية راسل نفسه كما سيتضح فيما بعد) راسل يرى أن الثورة الشيوعية تمتلك شروطها المادية بأتم صورة في أمريكا فهي دولة تحتوي على موارد كثيرة ونسبة كبيرة من السكان تملك انتاجها الذاتي وتجارتها الذاتية فضلا عن صعوبة حصار أمريكا لكن العامل الأهم الغائب في أمريكا آنذاك هو العامل الذاتي أو الوعي الطبقي للأمريكيين ..بينما كان هناك وعيا طبقيا بضرورة الشيوعية الى حد ما في بريطانيا وبصورة أكبر في الدول القارية في أوروبا ..لم يحبذ راسل المنهج البلشفي في الانتقال الى الاشتراكية لكنه لم يكن ينظر الى البلشفية كشر كحال بعض الليبراليين الجدد وممن أفرزتهم الثورة البلشفية نفسها في روسيا! كيلتسن وياكوفليف وتشوبايس الخ..

هل كان راسل معارضا على طول الخط للبلشفية ؟

على العكس من التصورات المضللة لم يكن راسل معارضا ً للبلشفية في موطنها روسيا ..بالطبع كان راسل يعتبر أن البلشفية دين ودوغما ولكنه لم يعارض وجودها في روسيا بقدر ما عارض دعوتها الخارجية ..راسل لم يكن يرى أن البلشفية كانت انقلابا على الديمقراطية بل كانت تطورا طبيعيا لمسار الأحداث في روسيا ..فالمطلب الأول لثورة فبراير كان تحقيق السلام وهو ماعجزت عنه الحكومة الليبرالية فضلا عن عجزها في حل مشكلة الأرض ،راسل التقى بالأديب الروسي مكسيم غورغي وقال راسل أنه لو كان روسياً لكان مؤيداً للحكومة البلشفية ليس لبرنامجها بقدر ما أنها كانت الأقل سوءا بين البدائل وكان البديل الأكثر تحدياً هو الفوضى والحروب القومية بين روسيا وجيرانها أو عودة النظام القيصري بصورة أبشع مما كان عليه كما حدث مع عودة الملكية في فرنسا بعد هزيمة نابليون في واتلرو1815 ..برتراند راسل كان معارضاً للتدخل الغربي في روسيا الى جانب الجيش الأبيض ورأى أن ذلك سيجعل روسيا تتحول أكثر الى الديكتاتورية بل حتى الى الامبريالية لمواجهة الخطر الغربي ..وهو صرح بأن الحكومة البلشفية لا تحمل أي نوايا امبريالية بطبيعتها على عكس ساسة الغرب وأن لينين اكثر رغبة في السلام وبناء العلاقات التجارية أكثر حتى من حزب العمال البريطاني ! ..وفي لقاء راسل مع لينين استشف راسل نوع من الإيمان الديني لدى لينين في الماركسية وأن ذلك كان نابعا من صدقه ومع عدم اهتمامه بالحريات الفردية وعبر راسل عن ذلك بالتناقض الكامن بين الإيمان بالحرية والرغبة في حل كل الشرور البشرية ..فمن يسعى الى حل جذري لمشاكل البشرية سيتحول الى بونابرت جديد! وراسل تحدث عن تواضع لينين الى درجة أنه كان سيتعذر معرفته لو رآه دون أن يعلم أن كان الذي أمامه هو لينين ! وأنه لم يستشف أي رغبة في السلطة من لينين بقدر ما رأى فيه رغبة جامحة لإثبات تفوقه على الآخرين واثبات وجهات نظره ..
راسل كان حاذقا في كتابه وفي صواب توقعاته فهو كان يرى أن الشيوعية فشلت في روسيا وهذا كان عنوان لفصل من الكتاب ..والمعنى من هذا ليس أن المشروع البلشفي فشل بل أن ما كان يتحقق ليس هو الشيوعية بل نظام هو وريث صريح لنظام بيتر العظيم أو بطرس الأكبر ! بمعنى أن روسيا كانت تسير في طريق التحديث ولو أنها كانت تتبنى رؤى وشعارات الثورة الشيوعية العالمية ..ومن هذا يتحدث راسل عن الحياة اليومية في روسيا ويصرح بأنها كانت كئيبة وأنه كان هناك تناقضا واضحا بين الريف والمدينة فسكان الريف كبرت طموحاتهم بعد توزيع الأرض عليهم وكانوا يسعون لتعظيم أرباحهم ومواردهم ولو على حساب سكان المدن وكان من الصعوبة بمكان التعامل مع هذا التناقض ..وفي هذا صرح راسل بما يخالف رؤاه السياسية بأن الديمقراطية لاتصلح مطلقاً في روسيا لأنه اذا حكمت الديمقراطية في روسيا فسيموت سكان موسكو وبيتروغراد جوعا! أمن البلاشفة تبادلا بين منتجات الريف ومنتجات المدينة (التي كانت في معظمها منتجات ورقية آنذاك!) كانت هذه العلاقة لاترضي الفلاحين لكنها كانت ضرورية آنذاك للحيلولة دون انتشار المجاعات في المدن الروسية فكان من المستحيل أن يقبل بتصرف الفلاحين بمشيئتهم ..راسل هنا لايبشر بالديمقراطية الشكلية على أنها خيار كوني ويقارع بها خصومه بل يصرح بتعذر امكانية تحقيقها في تجربة روسيا الصعبة وعموما هذا لاينطبق على فترة لينين بل على فترة ستالين وراسل حتى تنبأ بما سيؤول اليه الأمر من عمالة للأطفال ولساعات طويلة ولسيطرة الآلة على العامل بدلا من أن يطوع العامل الآلة لمصلحته كما تحقق ذلك في تجربة ستالين وذلك كان ناتجا من ظروف روسيا الطبيعية ومع العلم أن الأرض في روسيا أقل خصوبة ب 7 أو 8 مرات مما هو في أوروبا القارية (يمكن مراجعة كتاب الاتحاد السوفيتي من النشوء الى السقوط) وبالمناسبة يمكن المقارنة بين تجربة التراكم الأولي للدول الغربية وتجربة الاتحاد السوفيتي على الأقل لم يستعبد الاتحاد السوفيتي شعوبا في دول أخرى أو أن يسن قوانين صارمة من قبيل قطع الأذن أو رهن الإنسان كعبد في حال تخلفه عن العمل اذا ما وُجد هاربا أو متسكعا من شخص آخر ! كما هو مدون في كتاب رأس المال لماركس لظروف العمالة في انجلترا أو المظاهر الطبقية القبيحة من قبيل جر السجناء بالسلاسل أمام العامة (ومعظمهم من متعثري الديون) أو شراء النواب في بريطانيا كما (هو موضح في المجلد الأخير من موسوعة وول ديورانت) ستالين يلام بالدرجة الأولى على حملات التطهير الفاشية التي قام بها ضد رفاقه أولا وهذا موضوع آخر ..

من هنا اعتبر راسل أن توقف الصناعة هو الشر الأعظم في روسيا وأن ذلك لايعود لسياسة البلاشفة بل لتوقف امداد روسيا بالفحم البولندي بعد الحرب الروسية البولندية (وبولندا كانت محكومة آنذاك بنظام اشتراكي منشفي أمم الأرض والصناعات الثقيلة! لكنه كان على علاقة حميمة مع الغرب) فضلا عن تخريب آبار النفط بواسطة دينيكين (قائد في الجيش الأبيض)..كل هذا سيفرز نظاما متشيئا في روسيا (اغتراب العمال والناس عموما وغلبة التقييم المادي والسلعي لمختلف مناحي الحياة) وهو ما كان!..

في النظرية الماركسية يعارض راسل اعتبار الاقتصاد بأنه العامل الأوحد في حركة المجتمع بدلالة أن هناك مشاعر ورغبات في النفس البشرية غير الربح والتملك منها السلطة والجاه مثلا ..راسل هنا يطرح المادية التاريخية في مقابل علم النفس ..لكن مشكلة هذه النظرة أنها تركز مجهودها التحليلي على الأفراد ..لا أحد ينكر أن هناك مشاعر غير حب التملك و الربح تؤثر في الإنسان ..وفي هذا أكثر ما يبرز هو التنافس القومي وحب الوطن وهذا ما يعتبره راسل أحد أبرز نواقص الماركسية ،فهناك رأسماليون قوميون ومستعدون أن يضحوا بعوائدهم مقابل أن ينصروا أوطانهم ..لكن مرة أخرى مشكلة هذا الطرح أنه يتناول الموضوع من زاوية الأفراد ..الحروب تبدأ بفعل تضارب المصالح الاقتصادية لكنها تتطور فيما بعد الى مشاعر قومية ولايستبعد من ذلك المتنافسين الاقتصاديين من رجال أعمال وتجار ..فهم يجرون الناس الى الحرب رغبة في الحفاظ على مصالحهم لكن بعد ذلك ينجرون أنفسهم الى الصراع الذي اختلقوه وتستعر الحرب بفعل اتقاد الشعور القومي لكنها تتوقف كما بدأت بالرجوع الى المصالح وتحكيم العقل ..

الخلاصة ، لم يكن راسل مناديا بالرأسمالية اطلاقا وهو اعتبر أن الرأسمالية شر ليس لما تفرزه من لامساواة عميقة بين الأفراد بقدر ما هو في تنافيها المحتم مع الديمقراطية ،ففي المجتمع الرأسمالي يحكم الرأسماليون السيطرة على الدعاية والإعلان ويتغولون على السياسة ويوجهونها فمن الحمق الظن مثلا أن تأثير بيل غيتس يساوي تأثير بائع الخضار في النظام السياسي الأمريكي! ونقد راسل هذا للرأسمالية كان قبل أن ينغمس المال بالسياسة بصورة أكبر كما حدث في عهد النيوليبرالية الى درجة أن يصبح هناك شركات للترويج للأحزاب السياسية وتسويقها أمام الناخبين ،منهج راسل في التعاطي مع الثورة البلشفية لا يمت بصلة لنهج الليبراليين الجدد ..فليست الديمقراطية وحرية السوق نظما كونية قابلة للتحقق في أي ظرف



#عبدالرحمن_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فكرة الاشتراكية الديمقراطية كبديل عن الشيوعية ..
- -الماركسية بلا قناع-نقد فون ميزس ممثل الليبرالية الجديدة للم ...
- المشروع السوفيتي وأسباب سقوطه
- أزمة الرأسمالية النيوليبرلية
- فالح عبدالجبار ومابعد ماركس
- التنوير الليبرالي بين الوهم والواقع
- الاشتراكية والسوق ،هل يمكن التوفيق بينهما ؟
- مساهمة روزا لوكسمبورج في الاقتصاد السياسي الماركسي (كتاب ترا ...
- حول أزمة التضخم الحالية وتناقضات الرأسمالية
- ما هي طبيعة النظام الاقتصادي في الصين ؟
- خرافة جائزة نوبل في الاقتصاد
- بين كينز وماركس نقاط الإتفاق والإختلاف بينهما
- الاشتراكية ورأسمالية الدولة
- تشويه توماس بيكتي لأفكار كارل ماركس
- مناقشة كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين لتوماس بيكتي.
- النظرية العامة لكينز رؤية نقدية 2
- النظرية العامة لكينز رؤية نقدية
- التفسيرات المعاصرة للوعي
- (((علم))) الإقتصاد المعاصر بين الزيف والواقع4
- (((علم))) الإقتصاد المعاصر بين الزيف والواقع 3


المزيد.....




- مؤسس -تويتر- يعرب عن دعمه للمتظاهرين في جامعة كولومبيا
- بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه..شرطة جورجيا تفرّق المتظ ...
- تدمير فلسطين هو تدمير كوكب الأرض
- مصير فلسطين في ضوء العدوان على غزة
- بعد تداول فيديو -صراخه على متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين-.. رو ...
- لا لاتفاق العار، لا للمس بمكاسبنا في حرية الإضراب والتقاعد و ...
- مئات المتظاهرين في تل أبيب يطالبون بصفقة لتبادل الأسرى
- ‏ -الفوضويون- ينفذون أعمال شغب في مونتريال والشرطة تتصدى بال ...
- مدججين بمعدات مكافحة الشغب.. الشرطة الأمريكية تواجه وتعتقل م ...
- ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-صريخ- روبرت دي نيرو في متظاهرين ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرحمن مصطفى - هل كان برتراند راسل معادٍ للشيوعية ؟ نموذج الليبرالي القديم في النظر الى الرأسمالية والبلشفية