أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرحمن مصطفى - بين كينز وماركس نقاط الإتفاق والإختلاف بينهما















المزيد.....

بين كينز وماركس نقاط الإتفاق والإختلاف بينهما


عبدالرحمن مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 7004 - 2021 / 8 / 30 - 09:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


لم تكن الماركسية قفزة في الهواء أو نتاجا فكريا دون تمهيد على أرض الواقع وكذلك الكينيزية ،الماركسية هي نتاج الاستغلال المصاحب للنظام الرأسمالي والكينيزية نتاج لأزمة النظام الرأسمالي ؛فالأولى هي احتجاج على الظلم القابع في قلب النظام الرأسمالي وبالتالي فهي طامحة الى تجاوز هذا النظام ،أما الثانية فهي احتجاج من داخل النظام الرأسمالي على أزماته وفوضويته ؛كان ماركس ناقدا لأكثر العواقب كارثية لهذا النظام (الإغتراب أو الاستلاب الاقتصادي) ،في المقابل كان كينز ناقدا لفوضوية الرأسمالية والعواقب الكارثية التي تنجم عن ترك هذا النظام يعمل بمساره الخاص دون تضبيط وهو ما أنتج الإحتكار أولا ابتداءاً من نهاية القرن التاسع عشر ،والأزمات الداخلية التي نجمت عن منطق التراكم الرأسمالي دون حساب أو حدود ،في هذه المقالة أسعى الى الفصل بين النقد الماركسي والكينيزي للرأسمالية وتبيان نقاط الإختلاف في المنهج والنظرية ،وأيضا توضيح محاور الإتفاق بينهما ..

لم يكن ماركس ناقدا (اقتصاديا صرفا) للرأسمالية ،والاقتصاد عند ماركس لا يوضح بإدارة موارد الإنتاج ،وكيفية التوليف بين الموارد المختلفة (النادرة) وهذا هو جوهر تعريف مالتوس والاقتصاد النيوكلاسيكي أو المبتذل (بلغة ماركس) ،فالاقتصاد هو إدارة الموارد النادرة وكيفية تحقيق "الإشباع"لأقصى ما يمكن ،ولهذا كان مالتوس يتخوف من اختفاء موارد الأرض بفعل التكاثر اللانهائي للبشر وكذلك تخوف ريكاردو أيضا من ندرة الموارد الزراعية ،وماركس فند هذه التصورات في كتاب رأس المال وأعطى مثالا على هذا بأزمة ايرلندا التي شهدت انخفاضا كبيرا بالسكان بفعل الهجرات وفي نفس الوقت فقرا أكثر وعجزا أكبر في الاقتصاد ،والقرن العشرين كذب هذه التصورات عن نهاية البشرية ؛مع هذا لم يكن ماركس ناقدا أخلاقيا صرفا للرأسمالية ولو كان كذلك لما اختلف نقده عن نقد سابقيه من الاشتراكيين الطوباويين أو الاشتراكية الإقطاعية ،فماركس حلل سير عمل النظام الرأسمالي وأزماته وعواقبه وكوارثه الخ...لكن مغزى نقده لم يكن اقتصاديا بمعنى ايجاد حل اقتصادي للأزمة ،وليست الاشتراكية حلا أو وصفة اقتصادية ؛ولو كانت كذلك لما اختلفت عن جوهر الرأسمالية من ناحية قبولها بالاستلاب الاقتصادي ،والنظام السوفيتي والصيني حاليا لم يتجاوزا الاستلاب الاقتصادي ،فهذه الأنظمة المحكومة بمنطق التراكم وتحقيق أعلى معدلات النمو لم تخرج من منطق الاستلاب الاقتصادي فالاقتصاد هنا موجه للخارج أي القدرة على منافسة ومقارعة الأنظمة الأخرى وذلك من خلال قيادة الدولة للاقتصاد،وبطبيعة الحال لم تخلو هذه الأنظمة من العديد من مزايا الاشتراكية كتوزيع الثروة والدخل بحيث يوضع في الاعتبار اللامساواة أو التفاوت الطبقي ،لكن الاقتصاد في ظل رأسمالة الدولة السوفيتية أو الصينية موجه بالدرجة الأولى للتراكم أي تحقيق أعلى معدلات النمو وبهذا لم تتجاوز الاستلاب الاقتصادي الذي هو جوهر النظام الرأسمالي ..والاستلاب الاقتصادي للتوضيح هو المساوق للاغتراب ؛ أي أن يكون الانسان خاضعا للآلة وبدلا من أن يكون مُخضعا لها ،وأن يكون خاضعا للنقد والربح ،والدول التي تبغي تحقيق أعلى معدلات النمو بالدرجة الأولى وإعطاء مسألة اللامساواة والتوزيع الاجتماعي والديمقراطية (الاجتماعية) هي دول محكومة بالاستلاب الاقتصادي وهذا حال الصين في الوقت الحالي والاتحاد السوفيتي سابقاً..الاقتصاد عند ماركس يوضح بالصراع الطبقي بالدرجة الأولى ويمكن أن يعمم هذا على الصراعات الأخرى (بين الأمم والشركات الخ..) .

وبهذا ماركس لم يكن محكوما باكتشاف قوانين للسوق أو الاقتصاد كما يفعل الاقتصاديين في الوقت الحاضر،لأن هذه القوانين غير موجودة أصلاً،فالبشر هم الصانعون للأحداث الاقتصادية وليست هذه قوانين مفروضة عليهم،والصانعون ليسوا أفرادا كما يفترض الاقتصاد النيوكلاسيكي بل الطبقات ،وفي أزمان سيطرة رأس المال تحكم الطبقة البرجوازية المجتمع اقتصادا وسياسة ،والطبقات الأخرى الأقل حضورا تكون محكومة بسلطة هذه الطبقة ،ويحسب أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة (أو معظمهم) أن الاقتصاد محكوم بقوانين مفروضة عليهم من الخارج (قوانين طبيعية أو آلهية!) ..

قانون القيمة هو تعبير عن هذا الاستلاب ،وليس كما يفترض البعض أنه تحديد للأسعار! لم يكن هدف ماركس تحديد الأسعار كما يفعل الاقتصاديون الرأسماليون الذين يجهدون أنفسهم لمعرفة نقطة توازن العرض والطلب لتحديد الأسعار التوازنية والكميات المنتجة التوازنية أيضا (وهذا يشمل سوق العمل والسلع والنقود ويفترضون مسبقا أن النقد محكوم بتفاعل العرض والطلب ! وحتى يغيبون دور الاحتكارات في تحديد الأسعار بطريقة ساذجة) وهو هدف خيالي لا يمكن تحقيقه ،ويفترض مسبقا أن الاقتصاد نظام استاتيكي ثابت ..ماركس حلل نظام القيمة كنظام يفترض اغتراب الكائنات البشرية ،وأن القيمة التبادلية هي الحاكمة في النظام الرأسمالي أما القيمة الاستعمالية التي تعبر عن الحاجة فهي مغيبة ،أي كل شيء يفرض على البشر من الخارج ورغماً عن ارادتهم .

احتج كينز على ماركس والاقتصاديين الكلاسيك الذين افترضوا أن مصدر القيمة هو العمل ،وأن جانب العرض هو المحدد للأسعار بينما ركز كينز على جانب الطلب (اجرائيا مع إيمانه بتفاعل العرض والطلب)،كما أسلفت لم يكن هدف ماركس هذا ،وفعليا لم يكن الاقتصاديون الكلاسيكيون غُفلاً عن هذا ،فهم فرقوا مثلا بين الأسعار الطبيعية التي تعبر عن قيم المنتجات وقبل أن تدخل السوق والمحكومة بعوامل الإنتاج حصراً وأسعار السوق المعبرة عن تفاعل العرض والطلب،وماركس أكد على دور العرض والطلب في تحديد الأسعار في المجلد الثالث من كتاب رأس المال ،وبينما غيب مالتوس والاقتصاديون النيوكلاسيك دور الإنتاج وتقدم الانتاجية في تحديد الأسعار وركزوا على هدف خيالي هو إيجاد الاسعار والكميات التوازنية ،حلل ماركس نظام القيمة كتعبير عن نظام الإنتاج وربط تفاعل العرض والطلب بمحددات التنافس وهي قيم مختلف السلع في قطاع ما ،وبالتالي تفاعل العرض والطلب يكون محدداً بالقيم الانتاجية ،فلو كان الطلب أعلى مثلا ستحدد القيمة بالمنتج الأكثر تكلفة أو المنتج الذي يكلف أكثر في عملية الانتاج والعكس صحيح أي عندما يكون العرض أعلى نسبيا فالسلع ستباع بالمنتج الأقل تكلفة وهكذا..،قد يضع البعض بعض العوامل الأخرى كالرغبة والحاجة والعادات والأذواق الخ..وكل هذه تصنف تحت مظلة الطلب وماركس كما ذكرت لم يغيب هذا العامل الذي اعتبره عاملا مؤثراً في التبادل أي السوق.والعجيب أن الاقتصاد النيوكلاسيكي الذي يدرس في الجامعات يغيب مشكلة حقيقية في بنائه المنطقي ،فهو من جهة يعتبر أن العرض والطلب هم المحددان للأسعار بتفعالهما التبادلي في السوق ومن جهة أخرى يعتبر أن الأسعار تلعب دوراً في تحديد كمية الطلب أو كمية العرض وهنا يقع الاقتصاد النيوكلاسيكي في تناقض وفي الدور..وهذا ليس غريبا فرواد هذا الاقتصاد يتجنبون مناقشة مبادئ منظومتهم المنطقية أو المشاكل الرئيسية في الاقتصاد ويشغلون أنفسهم في الشكليات ..

نظام القيمة كتعبير عن نمط الإنتاج وشكله الآخر الاستلاب يعبر أيضا عن التراكم أو زيادة الانتاجية وهذه يعبر عنها فيما يعرف بالأسعار الثابتة التي تقيس التغير الذي يطرأ على منتج معين من ناحية الكمية المنتجة منه استناداً الى سنة أساس ،أي معرفة أسعار سلعة ما في سنة محددة مثلا في 2015 انطلاقاً من أسعار نفس السلعة في سنة سابقة 2011 مثلا ..

وبهذا لم يكن ماركس معنياً بتحديد الأسعار فهذه المشكلة ينشغل في بحثها الاقتصاديون النيوكلاسيك أو الذين يعتبرون الاقتصاد علما منفصلا عن علم الاجتماع ،كانت فكرة ماركس حول قانون القيمة مرتبطة بنظام الإنتاج وليس التبادل أو السوق كما افترض الذين لم يخرجوا من بوتقة التفكير الاقتصادي المحض،وقانون القيمة يعبر عن الاستلاب الاقتصادي وتبعية البشر للنقد والربح والآلة وفي ظل هذا النظام يسعى الجميع أو الغالبية أفراداً وجماعات ودول الى تحقيق الربح وأعلى معدل نمو وهكذا يحكم الاستلاب الاقتصادي النظام الاجتماعي ،والعامل يعمل لتحقيق فائض القيمة وليس حاجته،وهكذا النظام الاقتصادي العالمي محكوم بالتراكم الرأسمالي اللانهائي وعندما تسود القيمة التبادلية وعلى حساب القيمة الإستعمالية أي الانتاج يكون موجهاً للسوق بالدرجة الأولى ،ولو أن الانتاج السلعي كان سائداً في عصور سابقة على الرأسمالية،لكن الفرق أن الفائض لم يكن غاية وبذلك لم يكن فائض الانتاج معروفاً مسبقاً في نسب معينة ،فالطبقة العليا كانت تنفق أموالها لتحقيق مظاهر الأبهة والترف ،أما الرأسماليون فهم يعملون لتحقيق الربح أو الزهد الدنيوي كما يعبر عنه البروتستانتيون! وفائض القيمة التي يرجوها الرأسمالي هو ما عبر عنه بول باران فائض القيمة الفعلي أي المخصص حصراً نحو التراكم وإعادة الإنتاج ولا يشمل استهلاك الطبقة الرأسمالية ..وهذا لا يعني أن ماركس لم يهتم بمسألة الأسعار لكن اعتبرها كمسألة ثانوية وحللها في القسم المتعلق بالسوق ،وحلل قانون القيمة في القسم الأول من كتاب رأس المال والذي تناول الانتاج .

أما كينز فقد كان مهتما بالطابع الفوضوي للنظام الرأسمالي ،فأولى اهتماماً بمسألة التوقعات وبمحدداتها الثلاث الميل الحدي للاستثمار (أي ما يتوقعه المستثمرون عند اضافة عنصر استثماري جديد) والميل للاستهلاك (مايتوقعه المستهلكون عندما يخصصون دخلاً اضافيا للإنفاق) وتفضيل السيولة (الادخار بدلا من الإنفاق) وكينز أدخل العامل السيكولوجي في تحليله وهو مايغيبه النيوكلاسيكون الذين يغرقون في رطانة الإنسان العاقل الذي يعرف مسبقاً ما يريد ويتوقع سير الأحداث وتغيرات الأسعار تعبر عن عقلانيته! من خلال هذه المحددات تصور كينز أن نظام دعه يعمل دعه يمر سيغرق بالفوضى لو ترك دون تدخل الدولة ،لهذا أيد كينز سياسة إنفاق الدولة بغض النظر عن طبيعة هذا الإنفاق حتى لو كان في عمل الحفر وطمرها ! (كما عبر كينز) وهذا أدى الى تضخم القطاع الخدمي وبالتالي أدى الى نشوء أزمة تضخم أي ارتفاع الأسعار ،لأن انفاق الدولة كان موجهاً نحو الخدمات العسكرية والمدنية ؛وهكذا حل مشكلة البطالة التي أولاها كينز اهتماماً رئيسياً يمر عن طريق خلق ضغوط تضخمية على السلع وهو ما كان ،وجاءت أزمة حرب مع قطع امدادات البرول 1973 وسببت ركوداً اقتصادياً حاداً فترافقت معدلات الأسعار المرتفعة مع ركود انتاجي بعكس ما فسر فيليبس،ولقد كان كينز حاسماً في رفضه سياسة الأجور المرنة التي أيدها النيوليبراليون والنيوكلاسيك وفضل عليها السياسة التضخمية ،بهذا لم يكن تحليل كينز موجهاً لتحقيق أعلى معدلات النمو كما يفعل رواد الاقتصاد المبتذل النيوليبرالي والنيوكلاسيكي،بل موجهاً لإيجاد حل للمشاكل المرافقة للتراكم الرأسمالي البطالة واستقرار النظام ،وقد ربط تحليله الاقتصادي بالجوانب الاجتماعية في القسم الأخير من كتابه النظرية العامة ،وكينز أثنى على تحليلات التجاريين في القرنين السابع والثامن عشر واعتبر اهتمامهم بجانب الطلب والحفاظ على توازن الميزان التجاري كعلامة نبوغ ،يفترض النيوكلاسيك والنيوليبراليون الآن بأن تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات يمر عن طريق الاقتراض في حال اختلال الميزان التجاري أو تدفقات رأس المال وفي عصرنا هذا من خلال طبع النقود اللامحدود! في السابق كان اختلال ميزان المدفوعات في دولة ما يُحل أوتوماتيكيا أو ما يقرب من هذا ؛ففي ظل قاعدة الذهب اذا ما اختل ميزان المدفوعات في دولة ما ؛ كان ملاك الذهب يخرجون ذهبهم من هذه الدولة ويؤدي ذلك الى انخفاض قيمة العملة ورفع الصادرات كنتيجة حتى يعود الميزان الى استقراره ،لكن مع إلغاء قاعدة الذهب في عهد نيكسون جرى التخلي عن هذه السياسة ،واستبدل بها الإقتراض اللانهائي الناتج عن طبع العملة اللامحدود وبهذا يكون منطق الهيمنة أو طغيان الهيمنة على الاقتصاد وهذا ما يتجاهله الاقتصاديون ويغرقون في تحليلاتهم الخيالية لاكتشاف قوانين للسوق! كينز وبمهاجمته للادخار اعتبر أن قاعدة الذهب عائق في طريق حل مشكلة البطالة لأن قاعدة الذهب تعوق انفاق الدولة الزائد والذي يفترض ضغوط تضخمية في الاقتصاد،وطالب باستخدام العملة المعدنية وبصورة أكبر بسبب عامل الاهتلاك الذي يطرأ على هذه العملة وضرورة صك عملات معدنية جديد دورياً يمكن تجنب مشكلة الإدخار الزائد ،رفض كينز (نسبياً) للاستلاب الاقتصادي يتضح أكثر مع تشجيعه وثنائه على الإنفاق الاستهلاكي ،وبطبيعة الحال كان كينز مهتماً بتشجيع الاستثمارات أيضاً من خلال انفاق الدولة ومن خلال اتباع سياسة نقدية جيدة ،وكينز لم يكتفي فقط بضرورة التصحيح النقدي (كما يفعل الاقتصاديون النقديون النيوكلاسيك) بل أيضا من خلال تدخل الدولة في الاقتصاد أي هو كان من مؤيدي الاقتصاد المختلط ،الضغوط التضخمية ستحد من مشكلة الادخار وسيادة القطاع المالي وهذا ما قصده كينز بالقتل الرحيم لأصحاب الريع في كتابه النظرية العامة ،على العكس من ذلك يجهد النيوكلاسيكيون والنيوكينيزيون أنفسهم لإيجاد طريقة لتعظيم المنفعة الانتاجية (الربح) وبهذا هم واقعون تحت سطوة الاستلاب الاقتصادي ،والطرق المتبعة سطحية جداً أو عامة جداً لدرجة عدم تحقيقها أي فائدة وأصحاب الشركات والمصالح التجارية أدرى بهذه الطرق ولا يحتاجون لأكاديمي ليخبرهم بها

تحليل كينز كان متمحوراً حول مشكلة التوقعات وعدم الاستقرار المصاحب لها (ليس كالفرضيات السطحية حول التوقع العقلاني الذي يفترضه رواد الاقتصاد النيوكلاسيكي) ،لكن مشكلة كينز أنه لم يتجاوز هذا الإطار ،ولم يتناول مشكلة الاحتكار التي هي العامل الأبرز في الركود الاقتصادي والبطالة الناجمة عنها ،لاشك أن الريع المالي يرتبط عضويا بمشكلة الاحتكار ،لكن السياسة التي افترضها كينز أي إماتة الادخار والريع لم تؤدي الى النتائج المرجوة وانقلبت النيوليبرالية على دولة الرفاه الاجتماعية في أمريكا وأوروبا ،وكان ذلك نتاجاً لحدود الحلول التي قدمها كينز ،قد يقول البعض أن التجربة الماركسية شهدت انهياراً أيضاً مع تفكك الاتحاد السوفيتي ،لكن ماركس لم يقدم وصفات وحلول اقتصادية (من داخل النظام) كما فعل كينز ،بل طالب بتجاوز النظام الاستغلالي والاستلاب الاقتصادي والاتحاد السوفيتي لظروف موضوعية فُرضت عليه لم ينخرط في هذا المسار بل غرق أكثر في مسار الاستلاب الاقتصادي (تحقيق أعلى معدلات النمو وتطوير القدرات الدفاعية للبلاد) ، كان من الصعب ترويض أصحاب الريع المالي من خلال الضغوط التضخمية ؛ فالطابع العابر للقارات لادخاراتهم وأصولهم المالية كان عاملاً حاسماً في تجنيبهم من الوقوع في براثن هذه المشكلة وكذا نفوذهم في مراكز صنع القرار وسطوتهم على السوق بقدرتهم على تحديد الأسعار وترويض القطاعات الإنتاجية ولو أنهم تكبدوا خسائر فادحة بفعل الحرب العالمية الثانية ونفس هذه السياسات التضخمية لكن الحل كان يفترض أكثر من هذه الوصفات الاقتصادية ..

إهمال كينز للصراع الطبقي أيضا وللظروف الاجتماعية الكبرى كالحروب حال دون إدراكه للمحرك الفعلي للاقتصاد ،فالثورات الشيوعية في دول الجنوب وفي بعض الدول الأوروبية (ألمانيا والنمسا وايطاليا الخ..) أدت الى فرض شروط جديدة على الطبقة الرأسمالية ولعبت الدولة دوراً تنموياً اجتماعياً في أوروبا كسياسة داخلية ولو أنها أبقت على استغلالها لدول الجنوب وهذا ما تجاهله كينز ،وهو كان مهتماً حصراً بمشاكل الاقتصاد البريطاني وأفكار كينز ذاتها لم يكن لها أن تتحقق لولا التغيرات السياسية والاجتماعية في العالم،كانت فكرة كينز حول الميل الحدي للاستثمار تعبيراً عن إيمانه بلاعقلانية النظام الرأسمالي وأن الضامن للاستقرار ليس السوق بل الدولة من خلال انخراطها في الاقتصاد ..

الخلاصة كان ماركس واعياً بمشكلة الاستلاب الاقتصادي وبهذا انطلق في تحليله لقانون القيمة والتراكم وقد اعترض كينز على نواتج الاستلاب الاقتصادي (كالميل للإدخار أو تفضيل السيولة) وتفضيله للإنفاق الاستهلاكي والترف الخ..كينز ركز في تحليله على مشكلة عدم استقرار الاقتصاد بفعل (الطبيعة البشرية) وهو بهذا لم يكن كماركس الذي استخدم المادية التاريخية في تحليلاته فليس هناك طبيعة بشرية ثابتة ،كلاهما اعترفا بفوضوية الرأسمالية وبتوليدها المستمر للأزمات واللامساواة ..



#عبدالرحمن_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاشتراكية ورأسمالية الدولة
- تشويه توماس بيكتي لأفكار كارل ماركس
- مناقشة كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين لتوماس بيكتي.
- النظرية العامة لكينز رؤية نقدية 2
- النظرية العامة لكينز رؤية نقدية
- التفسيرات المعاصرة للوعي
- (((علم))) الإقتصاد المعاصر بين الزيف والواقع4
- (((علم))) الإقتصاد المعاصر بين الزيف والواقع 3
- (((علم))) الإقتصاد المعاصر بين الزيف والواقع 2
- (((علم))) الإقتصاد المعاصر بين الزيف والواقع
- وحدة الوجود
- المجتمع والحداثة بين التفسير الماركسي والتفسيرات الأخرى
- النظرة الماركسية للمعرفة (ونسبية المعرفة والموضوعية المطلقة)
- نقد العقل المحض لكانط وتاريخية الأفكار الفلسفية
- برتراند راسل وماوراء المعنى والحقيقة (2)
- برتراند راسل وماوراء المعنى والحقيقة


المزيد.....




- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرحمن مصطفى - بين كينز وماركس نقاط الإتفاق والإختلاف بينهما