أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الرفيق طه - امود او الساقطة المتمردة: قراءة في مسرحية مونودراما.















المزيد.....

امود او الساقطة المتمردة: قراءة في مسرحية مونودراما.


الرفيق طه

الحوار المتمدن-العدد: 7649 - 2023 / 6 / 21 - 22:53
المحور: الادب والفن
    


في ظلمة حالكة،صوت نسائي يحاكي الاحزان على نغمات الجيتارة. كشف الستار الخشبة. يتوسطها جسد ملفوف في ثوب ابيض شبه شفاف. جسد يترنح و كأنه رضيع غادر لتوه رحم امه.
على نبضات ايقاعات شدت العيون الى ذلك الشيء الغريب و هو يتحرك قبل ان ينفجر بصوت ثائر.انها انثى تتمرد على الثوب الذي يلفها. تصرخ من الاختناق.و كأنها تبحث عن ان تتنفس هواء ناذرا. تهدد بالتخلص من اللباس. لباس ليس لباسا اصلا، تؤكد ان الاصل هو العري ، فلماذا لا نتحرر .هكذا تملأ الركح صراخا و هي تسير بين مربعات فارغة تشعرك انك تنظر في بوثقة عميقة. بين المربعات دروب طويلة في الزمان و المكان. في الخشبة شساعة الكون و ظلم ساكنته. هذه الانثى تملؤه كاملا و تسيطر على كل اركانه،هكذا يشعر المتلقى الذي يتابع الممثلة و قد احتلت الركح كله.
اخذت مكانا في مقدمة يمين الخشبة لتسرد حكايتها، عبر اطارات مستطيلة ، ابلغتنا انها وحيدة والديها بين ثلاث اخوة ذكور. لكل واحد منهم خصوصيات لكن اكتسبوا السلطة الفطرية عليها. سلطة الاخوة لا تقل عن سلطة استبداد الاب. الام تكتسب سلطة من الاب و الاخوة و كل المحيط. الفتاة وحدها لا سلطة لها ، الكل مستبد و هو مصدر سلطة ، هي وحدها لا حق لها ان ترد لا امر و لا طلب. مملوكة في جسدها و رغباتها و حتى في شهواتها و لما لا حتى في افكارها.
بسلاسة ذكية و نحن نترنح بين الاطارات المستطيلة و بين دروب المربعات وضعتنا الممثلة امام زواج طفلة بذكر ستيني. تجسد الممثلة الذكور بالسقيطة ( كلمة تتكرر مرات و مرات ،ترمز الى الذكور )،او الجسد المذبوح. اجساد بلا ارواح و لا عواطف.
اجبرت على الزواج من الستيني الذي لم تعرف معه غير الاغتصابات اليومية. طفلة مكان أم لشبان و شابات و اطفال تركتهم زوجة ماتت و اخرى هربت بلا رجعة.
زواج اجبرت عليه بدعوى ان الزوج له املاك و جاه و اشياء اخرى ، و المهم انه ذكر و كلمته مسموعة. كل ذلك لم يعد له وجود او معنى بعد اتمام الزواج. الطفلة ،الزوجة، تعيش في كنف عائلة متعددة الابعاد. كل شيء متناقض مع ذاته. و هي الوحيدة تعيش الكره على الحب و الابتسامة و صراع داخلي لا يطاق. تخدم الكل و لا تأخذ الا غير ما يرضيها. حضن الزوج جهنم كل ليلة.و اكراه الابناء طيلة اليوم.
تجرأ الاخ الاصغر للزوج بتقبيل الانثى المسكينة. كان الرفض الشكلي و الاعجاب الضمني. كان جسد المسكينة ينتظر كل لحظة يسقط بين يدي الخليل الجديد، تمارس زنى المحارم.
لكن رغبة الجسد اقوى من كل الحاضر و و المستقبل.
تخلت الممثلة عن الاطارات المستطيلة لتتيه بنا بين المربعات العميقة في ظلمة حالكة ببطن منتفخ و جنين متحرك في الرحم و خليل هارب. هذا الذي غاب بلا رجعة ، السقيطة غدر.
الكل في الاسرة ينتظر مولودا ذكرا يوشح به الزوج الستيني ذكورته بين الرجال و لا احد يعلم انه حمل محارم.
بين دروب المربعات تهرب بنا الممثلة بين الغابات و السهول لياتيها المخاض بلا جدع شجرة مثمرة و لا عين ماء تتدفق.
تم المخاض و كان المولود فتاة. لفت الام مولودتها في ثوبها الشفاف و ما بقي من الممثلة الا الجسد الحقيقي الممشوق. الجسد الانثوي يواجه الواقع بجرأة و شجاعة على خشبة المسرح. الجسد الانثوي الذي يضعنا امام اوهامنا و هواجسنا يسيطر على الخشبة و على الفضاء كله. نشعر بالضعف كما نشعر بالالم. نحن امام مرارة الحقيقة في جسد الانثى التي اختزلت كل القهر و الظلم و الاستبداد في ثوب اعادت لف المولودة به مرة اخرى.
الجسد الانثوي كان اقوى و اعلى من كل الابراج في عالم الخشبة. لطمتنا الممثلة بالوجه المكشوف و كأنها مرٱة نرى فيها حقيقتنا اجسادا بلا ارواح."سقيطة " نحن جميعا ،ذكورا و اناثا امام الجسد الانثوي في شكله و مضمون. هذا هو الجسد كوسيلة للجنس و هذا هو الجسد ككارثة للتعذيب و القهر و الاستبداد. هذا هو الجسد الذي نعشقه ،و هذا هو الجسد الذي نحبه عاريا و نكرهه عاريا. هذا هو الجسد الذي نريد تملكة و لا نريد الشعور بٱلامه.
نعم انه الجسد الانثوي الذي نعتقد انه يظلمنا بجماليته و هو نفسه الجسد الذي نغتصب حاجته و رغبته بلا رحمة و لا شفقة.
الجسد الانثوي وحده سيد على الركح، على الخشبة شامخ و قوي و سافر امام القهر و الاضطهاد. لكنه يحمل رضيعة انثى في احضانه و دفئه.
بين المربعات تتسكع الساقطة بين دروب المدينة بعد الهروب من قرية مولدها. لا هدف و لا سبيل لها الا ان تجد مبيتا يحضنها و رضيعتها في غابة الذئاب و الضباع التي تترصد نهش قدسية جسدها البريء. وحده حارس السيارات تجد فيه ملجأ لها ،لانه يوفر لها مبيتا هانئا في اي سيارة تحضنها و رضيعتها الى السابعة صباحا ،لتنتشر في الارض كالعادة .
اصوات فيضان هائج لمسيرات احتجاج تطالب بالحرية و رفع الاستبداد تسيطر على المكان، صرنا نحن نشعر اننا في الشوارع و الانتفاضة على اشدها.
التحقت الانثى الساقطة و بين ذراعيها رضيعتها تردد الشعارات ،تعرف معاني بعضها و تجهل اغلبها. لكنها تجد نفسها جزءا من الانتفاضة. تدخل القمع ، الجيش و الشرطة و البوليس السري ، هرولة المتظاهرين للنجاة برؤوسهم من نيران القنابل الموجهة للاجساد البشرية. السقيطة اصبحت جمعا و افرادا تشتم رائحة الدم و البارود. هرول الجسد الانثوي بين الدروب بلا وجهة او الهدف هروبا من القمع.
صدر الخطاب الواضح على كل امواج الاذاعة و التلفزة يتوعد كل الشعب بالاوامر التي صدرت. لا مأمن لاحد صغير او كبير ، تطبيق الاحكام الاستبدادية بلا تردد. وحده خطاب الدكتاتور لمحمود درويش يلخص ما سمعه الجمهور حين كان الجسد العاري في ظلمة حالكة يواجهنا بظهره ، اننا في عذاب القبر . هنا لا سائل و لا مجيب، لكن الخطاب مستبد بأوامره.
ٱلة الاعتقال تصفد الجسد العاري و تضعه امام قاض اصدر حكمه بعشرين سنة نافذة.
دخلت الممثلة بنا السجن و حكت لنا عن حنان التي تحن في السجينات و الاخرى التي تتقمص صفة الشيخ المفتي .
حنان انتفضت ضد موظف اعتدى على عذريتها، دمر حياتها بقطع ذكورته و دخلت السجن و كانت تخرج لتعود بنفس الجرم كل مرة، لكنها اطيب و احن السجينات على بعضهن.
اما المفتية فتردد ببغاوية ما تسمعه و تتلقاه من خطابات على مسامع الاخوات. بعضهن تدمع عيونهن لما تسمعن. و اخريات لا يكترثن لما يدور و لكنهن يتلذذن لحظات مع حنان. الساقطة المتمردة تتيه بنا في اغوار سجن الاجساد الانثوية. اتاها العفو قبل اربعة اشهر من نهاية محكوميتها، عشرون سنة. العبث. او العفو ، او العبث.
يعود الجسد العاري ليغتسل على الركح. اغتسال حقيقي بالماء و الصابون. جسد انثوي يتخلص من كل اوساخ التصقت به.
مونودراما امودو تسدل الستار بنهايتها . امود او الساقطة المتمردة اداء و تأليف فاطمة الزهراء السندادي.
اخراج خالد العقل
غناء سكينة السندادي
موسيقى نور الدين القصبة
اضاءة فريد الحاجي
مؤثرات صوتية محمد بومليك.
سي محمد طه. المغرب



#الرفيق_طه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زيارات فاضحة المستور
- اين نحن من الحرب في السودان
- كرة القدم و موقع الشيوعيين .
- حوار علمي،واقعي و متميز
- سليمان و البومة الحكيمة
- براز الابل
- حزب العدالة و التنمية و مرحلة الانهيار الشامل
- الجماعات الاسلاموية رأس واحد باجساد متعددة
- النقد بين تتفيه اليسار و وصولية العقلاء
- هل نحن ضد تقاعد بنكيران؟ طبعا لا.
- تأسيس لنقاش الحريات الفردية
- بيان النهج الدقراطي القاعدي مراكش بعد اغتيال بنعيسى
- جريمة التطبيع تملق و تزلف لكيان مغتصب
- الوجه الاخر لمسألة الروهنغا ببورمة
- حماة حراك المغرب 2017
- اعتقال ناصر الزفزافي
- ترامب ،كلينتون ، فوز و خسارة و وهم
- هل للماركسية راهنية ام ماتت بموت معلميها ؟
- .ستالين يدحر النازية و يؤسس لاخلاق الشيوعية -2- جزء من رد
- ستالين يتحدى المقصلة الخروشتشوفية -1- جزء من رد


المزيد.....




- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الرفيق طه - امود او الساقطة المتمردة: قراءة في مسرحية مونودراما.