أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - إيكاروس بغداد بمذاق تمر مر














المزيد.....

إيكاروس بغداد بمذاق تمر مر


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 7647 - 2023 / 6 / 19 - 16:21
المحور: الادب والفن
    


بينما كانت الحشرات الفضية البراقة ترمي بحممها القاتلة على بغداد عام 1991، اخترت أن أقرأ آنذاك كتاب ريجارد كوك “بغداد مدينة السلام” في مسعى نفسي لترميم أضلاع الجسور المحطمة، وكأن العودة للتاريخ تزيح طبقة الغبار الأسود عن روح المدينة.
اليوم، عادت لي بغداد بذاكرتها وأنا أكمل قراءة رواية “إيكاروس” لزهير الهيتي، النص الذي تستهلكه أزمة معنويات انتابت المدينة منذ تاريخ الثالث عشر من تموز “يوليو” 1958 الذي رسمه الهيتي بطريقة ملهمة وموجعة ومتسائلة، عندما وقفت المدينة على ضفة الدم المسفوح للملك فيصل الثاني.
ثمة ابتكار تقني في “إيكاروس” يمكن أن نسميه عدة روايات في رواية واحدة، ففصول الرواية تبدأ من الرابعة فجرا في ذلك اليوم التاريخي، وتستمر على هذا المنوال حتى تنتهي في العاشرة مساء من نفس يوم الثالث عشر من تموز.
كل فصل في هذه الرواية يكتفي بذاته، وكأنه نص قائم من ذاكرة المدينة التي رُسمت في يوم ما على لسان الملا عبود الكرخي بتمر، لكن ما أقسى مرارة مذاقه.
فعندما يخرج العيارون من جحورهم وقت الكوارث، لا أحد يستسيغ مفردة الضمير، ذلك ما يريد أن يوصلنا إليه زهير الهيتي في هذا النص الذي يكاد يكون قطعة ثمينة من قلب بغداد الموجوع بالسنين. وكأنه يحذرنا من تكرار دورة التاريخ “من قال إنها لم تتكرر بعد مجزرة 1958؟”.
أبطال الرواية من سليمة بائعة اللبن في ضواحي بغداد وابن خالتها الشيوعي الكسول ومرورا بسيدة المجتمع البغدادي المتمدن سهيلة الصفار وعامر الشيوعي الخائن المنهار تحت التعذيب، ومرجانة المشؤومة ضحية المجتمع، حتى جبار لغوة الذي يرى في البروليتاريا بمثابة فتاة سوفييتية فاتنة قادمة إلى بغداد من بلاد ماركس للعمل في ملهى شوقية العورة أو كسياسية لإضفاء العدل في بلاد تحكمها الطبقة البرجوازية.
لا يرتبط كل هؤلاء الأبطال في الرواية مع بعضهم، وإنما بغداد من تجمعهم لتصل إلى لحظة إغلاق باب الفرح بمقتل الملك الشاب فيصل الثاني. لتبدأ بعدها “متوالية السحل” وكأن ماركس نفسه قد تنبأ بها في بغداد عندما كتب مرة “إن التاريخ أعاد نفسه أولاً كمأساة ثم مهزلة”!
كانت براعة الهيتي في أن يجد في إيكاروس معادلا أسطورياً لقصة مدينة اختصرها في نهار واحد، جعلنا نتعرف على أماكن المدينة وبائعات الهوى فيها وموقفهن المشرف في إنقاذ بغداد من فيضان دجلة، وبداية تشكيل ثقافة المدينة ومدارسها ومكتباتها وأغانيها ومطربيها ورساميها.
الهيتي نحت لبغداد وجهاً يعبر عن ملامحها وأوجاعها وأشقيائها وسفلتها ولصوصها وأديانها، وهو يسير بالقارئ إلى تلك الليلة الدموية في قصر الرحاب.
نبوءة الرواية يمثلها مرتاد حانة إيكاروس المختلف عن روادها من الفقراء وغير المتعلمين والقريبين من الأشقياء والمجرمين.
هذا الذي يجعل من إيكاروس بأجنحته الشمعية الذائبة قدراً عراقياً، وهو يقرأ مستقبل بغداد أمام اليوناني بلبل صاحب الحانة، وينصحه بترك البلاد الذاهبة إلى المأساة. فهناك في هذا البلد من عَملَ “ومازال يعمل اليوم” بدأب شيطاني لزمن عنوانه الغدر، فمأساة إيكاروس تكررت في مذبحة قصر الزهور لتستمر متوالية القتل بنفس القوى الشريرة، بدأت عندما افتتح الشيوعيون وليمة الفتك في اتفاق شيطاني والجماهير تجري خلفهم كالوحوش للمجزرة، فالغرائز الثورية والحيوانية ومن ثم الطائفية لا بد من أن تتلاحم حتى يحدث السقوط الكبير لبغداد. وهكذا تنعقد سلسلة الشر المدمر لكل إنجاز حضاري تحقق.
أما الطيبون، وهم بالتأكيد كثر في بغداد، ولسوء قدرها اكتفوا على مر التاريخ بالنظر والتحسر وصفق اليد بالأخرى وقد تُذرف بعض الدموع، لكنهم لم يمدوا لبغداد يد المعونة، أو لأنهم لا يقدرون على ذلك!



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بايدن أم ترامب: ذعر الخفافيش العمياء
- فائق حسن وصدام حسين
- عمار الحكيم زعيم العروض الصوتية الزائفة
- عودة إلى سوينتون والصائغ
- ومتى كانت كرة القدم عادلة؟
- ما ينتظر الحكومات…
- مرة أخرى، الإعلام الغربي أطلق النار على قدميه!
- تويتر مشتاق لدورسي
- سعادة السوداني بغياب الدرس الصحفي عن عرّاف وقرداحي
- الموت حائر أمام أغاني عبدالكريم عبدالقادر
- رئيسي يربت على كتف الأسد “انتصرنا”!
- العالم يمتلك ما يكفي من الشجاعة للابتعاد عن واشنطن
- جوانا تقربنا من الوعد الزائف
- أنا أصدّق ماسك، ومتى كذب!
- التكرلي فضّل وينترسون على بالدوين
- وزيرة تهوي إلى الحضيض
- الصرافية سيد الجسور
- هل الغرب نظيف أخلاقياً بما يكفي بشأن العراق
- إجحاف بحق الأغنية الوطنية العراقية
- كرسي مخزي للسوداني في قمة الديمقراطية


المزيد.....




- الحرب على غزة و-الكوميديا الإلهية-.. تخلطان أوراق الثقافة وا ...
- شريهان تحتفل بزفاف نجمة شهيرة: ابنة قلبي.. ولدت في أجمل أيام ...
- توجه سعودي لتأسيس لوبي فاعل يعزز مكانة المملكة عالمياً
- -دعنا لا نقف إلى جانب العار-.. 235 فنانا ومؤثرا فرنسيا يطالب ...
- مصر.. وفاة المخرج والناقد الفني محمد لبيب
- حساب خامنئي يغرّد باللغة العبرية عن -نهاية إسرائيل-
- كافكا الآخر في مئويته.. كيف تشكلت سمعته من معطف الحرب البارد ...
- مقهى الصعاليك.. ملتقى رجال الفكر والأدب في القدس
- صدور المجلد الخامس والأخير من موسوعة -بوشكين- في روسيا
- عازف بيانو فرنسي مندهش من- تديّن- الشعب الروسي (فيديو)


المزيد.....

- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - إيكاروس بغداد بمذاق تمر مر