أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - الصرافية سيد الجسور














المزيد.....

الصرافية سيد الجسور


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 7585 - 2023 / 4 / 18 - 17:49
المحور: الادب والفن
    


يتسنى لي اليوم أن أقّدر عمري آنذاك في ذاكرة يقظة، عندما وقف أبي الذي كنت بصحبته في مكان مفتوح تحيط به الطرقات والمنازل. وقال “لقد ولدت هنا!” لم يكن أي أثر لبيت في المكان الذي حدده فقد تغيرت ملامح المنطقة وفتحت طرقات فيها، لكن بذاكرته المعمارية استطاع أن يحدد المكان عن قرب. لم أكن قد تجاوزت الخامسة من عمري آنذاك لكن تلك القصة الفلكلورية لم تغادر ذاكرتي ما حييت. ومن حسن حظي كان مكان عملي بعد سنوات في صحيفة الجمهورية في منطقة الوزيرية التي لا تبعد كثيرا عن المكان الذي حدده أبي لمكان ولادتي عام 1964.
كان جسر الصرافية المحاذي لمبنى الجريدة أشبه بهيكل مشيد بالقصائد المغسولة بماء دجلة، كنا نمر على مقربة منه يوميا وإن لم يأخذنا الطريق إليه، ذلك الجسر الذي يعبّر عن مكين بغداد أكثر من مكانها، وكأنه الجزء المرئي من روحها وهو يربط منطقتي الوزيرية والعطيفية في كرخ ورصافة بغداد على نهر دجلة.
لم يغب هذا الجسر الحديدي الذي يكاد يكون أشبه بجسر “فيرث أوف فورث” الذي بات رمزا لإسكتلندا، عن ذاكرتي، لكن استذكار تدميره من قبل الميليشيات في مثل هذه الأيام قبل ستة عشر عاما، عندما قطع أوصاله تفجير في الثاني عشر من أبريل 2007 بنوازع طائفية مبتذلة، يجعله حاضرا في صورة تأريخية تتجدد كلما مرت عليها الأيام.
ثمة حكاية تقول إن الجسر كان معدا لأن يشيّد في مدينة سيدني الأسترالية، إلا أن السلطات العراقية تعاقدت عام 1948 مع شركة بريطانية لتحويره ليكون على نهر دجلة، وبالفعل قدر لهذا الجسر أن يكون قلبا لبغداد بقي ينبض بالحنين حتى فجره العقل القبوري.
موقع الجسر يكاد يكون الطريق الأمثل للعشاق مثلما هو للحالمين بحرية التجوال، فهو يبتعد قليلا من مركز المدينة وتحيط به البيوت التي أرخت لتاريخ العراق السياسي والثقافي عبر سكنتها من نخبة المجتمع العراقي في مناطق كانت في يوم ما رئة بغداد في بساتين العطيفية والوزيرية والأعظمية.
واحدة مع أسرار كاتبة عراقية راحلة كانت تمر بسيارتها صباح كل يوم قرب جسر الصرافية توقف المركبة، وتترجل منها بمحاذاة الجسر تتأمل هيكله الحديدي ككائن أسطوري أو مثل ابن وحيد يكاد يسافر عن عيني أمه في أي لحظة، تملأ رئتيها بالهواء المشبع برائحة أمنا النخلة وأشجار البرتقال والصفصاف وهي تحنو على أوراق السيسبان، تضغط على الوقت قبل أن تترك الجسر إلى مكان عملها القريب.
هكذا ترك جسر الصرافية في ذاكرة أي بغدادي حكاية، أما أنا فقد كانت آخر حكاياتي معه قبل ثلاثين عاما عندما مررت تحته في مساء شتائي بارد في زيارة لمنزل فنان رائد أطمئن على صحته، قضيت معه بضع ساعات كانت آخر مرة أراه فيها قبل أن أغادر البلاد دون عودة، وقبل أن يغادرنا هو إلى العالم الآخر.
عندما فجر العقل القبوري الجسر عام 2007 كان يهدف إلى تقطيع أوصال بغداد، واختار المنطقة المعبرة عن روح المدينة وتآلفها وكأنه في ذلك يكسر مدونة التاريخ المطمئنة. ليلتها انكسر قلبي وأنا البعيد عنه آلاف الكيلومترات، مثل قلب كل العراقيين الذين يعرفون جسر الصرافية أو عاشوا تحت ظله أو لوحوا لحبيباتهم في الطرقات المحيطة به. لذلك بقي هذا التاريخ جرحا وكأنه يمثل ذلك المقطع الباهر من قصيدة صديقي الشاعر عريان السيد خلف التي لحنها الموسيقار محمد جواد أموري لصوت سعدون جابر، والذي بقي منزله على بعد خطوات من جسر الصرافية “شما يطول الجرح بينا يطيب/ بس ما ينمحي”!



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الغرب نظيف أخلاقياً بما يكفي بشأن العراق
- إجحاف بحق الأغنية الوطنية العراقية
- كرسي مخزي للسوداني في قمة الديمقراطية
- التبضع من سوق الغبار السياسي في العراق
- الأغاني كلها تخذل كاظم السعدي
- استرضاء من أُرغم على تجرع السم
- عن أيام ابتسام وغادة
- المدونة العمياء عن المحتوى الهابط في العراق
- دروس الكراهية من بن غفير إلى المالكي
- الوقت يقيس جودة حياتنا
- حرب الحمقى على الموتى
- ومتى كان غير حديث التصدع في العراق؟
- قبو شاهق للفساد في بغداد
- من يشعر بوجع زكية جورج؟
- الهادي الجويني في المشرق العربي
- السوداني لا يظهر ذيله إلا خنوعا


المزيد.....




- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - الصرافية سيد الجسور