أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - عن أيام ابتسام وغادة














المزيد.....

عن أيام ابتسام وغادة


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 7557 - 2023 / 3 / 21 - 13:19
المحور: الادب والفن
    


ليس لأنها كانت وجها تلفزيونا، بل لأن ابتسام عبدالله صنعت الحلم بلغتها، تكتب بهدوء مفرط نصها المفعم بالرقة في أشد لحظات الصخب. ومن يقرأ روايتها “مطر أسود مطر أحمر” التي كانت بمثابة أولى الشهادات عن الموت الذي اجتاح العراقيين عام 1991، يتعرّف على أم خالد التي لم تفرط بإنسانيتها في أشد أيام الانكسار التي مرت على بلدها.
كعادته يقوم الموت بكسر قلوبنا البعيدة عمن نحب وهو يأخذ ابتسام عبدالله، السيدة التي من فرط رقتها لا تسمع صوتها إلا هامسا. كنا جيلا صحافيا يعمل في كنف وداعتها في جريدة الجمهورية البغدادية على مدار سنوات. وأنا واحد من الذين تعلم من صبرها، مع أن الصحافيين بلا صبر، كنت أنتهز اللحظة التي أكون معها، فأمارس “لعبتي الصحافية” وأطلق أسئلتي عليها، وهي تقبل بود قل نظيره بالدخول في شراك تلك اللعبة.
لطالما تأسيت معها على التنسيق الأبله لتلفزيون بغداد آنذاك عندما بث واحدا من أروع حواراتها في برنامجها الشهير “سيرة وذكريات” مع الشاعر محمود درويش في نفس توقيت نقل مباراة مصيرية للمنتخب العراقي بكرة القدم، فضاع الحوار الشعري المثير تحت أقدام الكرة. كانت قناتان تبث برامجهما آنذاك، لكن من يملك من العراقيين في منزله جهازين للتلفزيون، ومن في الأسرة من يفضل حوارا مع شاعر على كرة القدم!
امتلكت الروائية والصحافية ابتسام عبدالله التي اختطفها الموت هذا الأسبوع، خزينا صحافيا عبر تجربة الحوارات التي كانت تقدمها على الشاشة، وتجربة عمل في الصحافة المكتوبة، وقراءة وترجمة باللغة الإنجليزية، جعلها تستثمر كل ذلك في الكتابة.
من يستمع إلى ذكرياتها عندما رافقت فيروز في زيارتها الأولى والأخيرة للعراق منتصف سبعينات القرن الماضي، يكتشف الانبهار بفيروز الفنانة والإنسانة معا، فيما ربطتها صداقة نادرة بالروائية غادة السمان، وكانت أم خالد أشبه بعين الكاتبة السورية على العراق كلما أرادت أن تعرف شيئا عن تلك البلاد التي لم تكفكف دموعها.
عندما سألتها عن غادة الإنسانة أكثر من الكاتبة التي كنا نقرأها كل بطريقته، قالت “كنت الوحيدة القادرة على كبح جماحها كلما زارت العراق”! فغادة السمان كانت تعيش التمرد.
عندما اصطحبت أم خالد غادة مرة إلى مدينة الكاظمية لتتجول في أسواقها الأثرية، اقتربتا من المرقد، فقالت لها لندخل من دون ارتداء العباءة العراقية ونكسر كل تلك التقاليد!
ضحكت ابتسام على تهور صديقتها الكاتبة السورية وسحبتها جانبا، فحتى التسامح المجتمعي آنذاك لم يكن يسمح بتلك اللعبة التي تريد غادة السمان ممارستها في مدينة الكاظمية.
في يوم شتائي، من الطابق الرابع في جريدة الجمهورية بداية تسعينات القرن الماضي، كانت أم خالد تحمل ما يشبه المفاجأة لي، في زمن شح علينا الكتاب الجديد تحت وطأة طوق الحصار الأعمى. قالت “خذ النسخة الوحيدة التي وصلت العراق، كتاب رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان”.
قرأت الكتاب الصغير بلهفة الفاقد للكتب الجديدة، وكتبت عنه بعد أيام عرضا مليئا بالتساؤلات. بعد ذلك بسنوات عندما حملتنا الأيام إلى شمال أفريقيا وأنا أتجول أمام بسطات بيع الكتب في العاصمة تونس، وجدت الطبعة الثانية من كتاب “رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان” وقد وضعت على غلافه الثاني فقرات من مقالي المنشور آنذاك في جريدة الجمهورية.
كانت أم خالد كعادتها تتراسل مع صديقتها غادة وتبعث لها قصاصات الصحف والمجلات العراقية التي تكتب عنها، في زمن الورقة والقلم.
فأي قسوة للموت وهو يصدم ذاكرتنا ويرفض أن يبقي لنا الذكريات لتبقى حية. رحلت ابتسام عبدالله التي أحبها، بعد ثلاثين عاما على تلويحتها الأخيرة لي بالوداع.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المدونة العمياء عن المحتوى الهابط في العراق
- دروس الكراهية من بن غفير إلى المالكي
- الوقت يقيس جودة حياتنا
- حرب الحمقى على الموتى
- ومتى كان غير حديث التصدع في العراق؟
- قبو شاهق للفساد في بغداد
- من يشعر بوجع زكية جورج؟
- الهادي الجويني في المشرق العربي
- السوداني لا يظهر ذيله إلا خنوعا


المزيد.....




- رواية -الحرّاني- تعيد إحياء مدينة حرّان بجدلها الفلسفي والدي ...
- ضجة في إسرائيل بعد فوز فيلم عن طفل فلسطيني بجائزة كبيرة.. و ...
- كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي ...
- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...
- -أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح ...
- “انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف ...
- وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا ...
- الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار ...
- سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو ...


المزيد.....

- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - عن أيام ابتسام وغادة