أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ مؤنس الرزاز4














المزيد.....

مرايا الغياب/ مؤنس الرزاز4


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7639 - 2023 / 6 / 11 - 14:26
المحور: الادب والفن
    


10

وكان لجبل اللويبدة مكانة كبيرة في نفسه، عاش مؤنس في عدد من بيوت هذا الجبل. وفي هذا الجبل شهد بعض المسرات وشهد الكثير من الألم. في هذا الجبل كانت له اجتماعات وندوات ومواقف وتأملات. كان بيت صديقه الدكتور في هذا الجبل. رابطة الكتاب في هذا الجبل. فندق "الكناري" الذي لطالما تردد عليه مع عدد من أصدقائه الكتاب في هذا الجبل.
في واحد من نصوص اعترافاته التي نشرها قبل وفاته، كتب مؤنس عن جبل اللويبدة قائلاً: "جبل اللويبدة مركز محيط دائرة حياتي المفرغة. ثمة عائلات من عمان الشرقية حسنت أوضاعها المادية فانتقلت إلى جبل اللويبدة. ملامح الجبل تتغير، تغذ الخطوَ مع خطواتي نحو شيخوخة مبكرة وهبوط طبقي واضح. كيف ارتبط مصيري بمصيرك أيها الجبل المكدود؟ سوف أغادر معمعان القتال بعد أن خسرت كل معاركي وربحت حربي، سأقطع خط الهاتف، وأعطب جرس الباب، فاعذروني".
ويضيف كما لو أنه يتوقع حلول النهاية في وقت قريب "أعتذر من البشرية كلها عن وجودي، عن إشغالي حيز قدمين على هذه الكرة الأرضية، أعتذر عن كميات الهواء التي تنشقتها، فقد كان غيري من أصحاب مرض الربو أو سرطان الرئة أولى بها والله أعلم".

11

وأنا أعيد قراءة "جمعة القفاري" لاحظت كيف يستفيد مؤنس من التفاصيل اليومية، ويطوّعها لتصبح إشارات دالة في عمله الروائي. يستفيد من إغلاق مقر رابطة الكتاب الذي أقدمت عليه الحكومة أواخر الثمانينات، يستفيد من فضيحة بنك البتراء، من حذلقات بعض المثقفين في الجلسات والندوات واللقاءات، من انتهازية بعض الطامحين في المناصب، ومن الدخول في عصر الديمقراطية الأردنية الذي أنهى فترة طويلة من الأحكام العرفية.
يتناول مؤنس هذه التفاصيل، ويوظفها بذكاء في نصه الروائي، فلا تبدو نافرة مملة، لأن "مؤنس" يضعها في إطار فني يتشكل من شخصيات فنية لها حضورها، ومن تقنيات روائية تتراوح بين السرد الساخر والهلوسات المحمومة والقفشات القريبة من الروح الشعبية المحلية، ومن اللغة التي تخالطها شاعرية عذبة حينما تكون فصيحة متأثرة بالسرديات التراثية، وتتلبسها ظلال ثرية حينما تقترب من مفردات اللهجة العامية المحملة بكنوز التجربة ومرارة المعاناة. علاوة على الاستفادة من الأحلام والكوابيس التي تثري السرد، وتمنح الروائي فضاء متسعاً للتنقل فيه بحرية وانطلاق. وكذلك التناوب في عملية السرد بين مختلف الضمائر للشخصية الروائية الواحدة، بضمير الغائب مرة وبضمير المتكلم مرة أخرى وبضمير المخاطب مرة ثالثة.
وأنا أعيد قراءة الرواية، لاحظت كيف يستفيد مؤنس من ثقافته ويطوعها لخدمة مشروعه الروائي. كيف تسعغه ثقافته التراثية في تلوين أسلوبه السردي بمرويات لافتة للانتباه، وبرؤى ولطائف وأفكار. كيف تسعفه ثقافته الحديثة في الاستفادة من قراءته لجيمس جويس وفرجينيا وولف ووليم فوكنر، الذين تفننوا في ابتداع أسلوب التداعي الحر أو تيار الوعي. كيف يستفيد من قراءته لرواية "دون كيخوته" لثيربانتس، وتحويل بطلها إلى بطل روائي عربي أردني اسمه "عون الكياشطة"، الذي لم يظهر في الرواية التي تبشر بظهوره، لأن الرواية التي سيكتبها جمعة القفاري لم تكتب، لكن جمعة نفسه صاحب الحلم بكتابة هذه الرواية، يحمل في تصرفاته وفي سلوكه وفي مزاجه وفي عدم فهم الآخرين له وفي طيبة قلبه وسذاجته، الكثير من ملامح دون كيخوته أو عون الكياشطة المنتظر. كما لاحظت كيف يستفيد مؤنس من قراءته لرواية "المتشائل" لإميل حبيبي وما تزخر به من سخرية ومن تطويع لوقائع الحياة اليومية، والسمو بها عبر المعالجة الفنية البارعة إلى ذرى جديدة. لاحظت كيف استفاد مؤنس من ذلك كله، وصهره في بوتقة معاناته العميقة، وإبداعه الأصيل، ليشكل منه رواية تحمل سماته الخاصة، وتنتسب إلى مشروعه الروائي الذي رعاه بأرق الأعصاب وتوتر المشاعر وجهد العقل.
وأنا أعيد قراءة "جمعة القفاري" لاحظت كيف يبدو مؤنس مثقلاً بالمعاناة، بسبب ما يصف به بطل روايته، الذي يعبر عن مزاج مؤنس نفسه على هذا النحو أو ذاك، من عدم قدرته على التكيف. كيف يبدو راغباً في الخلاص من هذا الدور الذي يلعبه على مسرح الحياة. كيف يستعجل إسدال الستارة على هذه المسرحية التي يشارك فيها بأدوار متعددة (هل يمكن اعتبار فاضل القفاري وجهاً آخر لجمعة القفاري؟). كيف يستعجل قدوم الموت المعبر عنه مجازياً بإسدال الستارة! أو الدخول في فصل مؤلم جديد يقرره مخرج المسرحية دون أن يستشيره في شيء. كيف "كان قلبه يخفق بعنف، ورأسه يضج بالقلق والأمل وهو يبتسم ابتسامته العريضة!" ص218
هل كان مؤنس يقصد القلق من الدخول في فصل مؤلم جديد؟ ربما. هل كان يقصد الأمل في إسدال الستارة والانتهاء مرة واحدة وإلى الأبد من الألم؟ ربما، أو على الأرجح، فإن هذا هو المقصود.

12

كتبت في دفتر اليوميات:
ذهبت إلى رام الله هذا الصباح. اقتربت من حاجز قلنديا العسكري، أوقفت سيارتي خلف سرب طويل من السيارات. هنا يُحكم العسكر سيطرتهم على المكان. هنا أتعذب كل يوم وأنا ذاهب إلى عملي. أنتظر ساعة أو ساعتين قبل أن يسمحوا لي بالمرور. يجيئني صوت مؤنس من إذاعة مونت كارلو. يتحدث عن الأدب، وعن الكتابة وعن هموم الحياة. يتحدث عن ابنته التي أصبحت صبية لها رأيها في أمور كثيرة.
مؤنس يتحدث بصوته الرخيم، يتحدث بتؤدة ووقار.
كانت مونت كارلو تعيد بث حديث طويل أجرته معه قبل الغياب.



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرايا الغياب/ مؤنس الرزاز3
- الليلة الأولى... رواية لجميل السلحوت ضد الجهل
- مرايا الغياب/ مؤنس الرزاز2
- مرايا الغياب/ مؤنس الرزاز1
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي8
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي7
- مرايا الغياب/ بشير البرغوث6
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي 5
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي4
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي3
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي2
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي1
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب18
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب16
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب15
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب14
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب 13
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب12
- الأرملة... رواية اجتماعية لجميل السلحوت وديمة جمعة السمان
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب11


المزيد.....




- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ مؤنس الرزاز4