أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ بشير البرغوثي4














المزيد.....

مرايا الغياب/ بشير البرغوثي4


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7579 - 2023 / 4 / 12 - 14:22
المحور: الادب والفن
    


10

كان يأتي من فلسطين إلى عمان بين حين وآخر.
في عمان، تجمع عدد من قادة الحزب العائدين من المنافي البعيدة أو المبعدين قسراً من الأرض المحتلة. وأنا عدت من براغ إلى عمان بعد انهيار التجربة "الاشتراكية" هناك، وبعد إغلاق مجلة "قضايا السلم والاشتراكية" التي عملت فيها ثلاث سنوات.
كانت عمان تعيش أول عهدها بالديمقراطية، تكثر فيها الندوات السياسية والثقافية والتجمعات. وتتشكل فيها الأحزاب العلنية، والشارع فيها موّار بأنشطة واجتهادات. وكان بشير يأتينا دوماً بأفكار جديدة. لم يتردد يوماً عن تقديم المقترحات والمبادرات التي تهدف إلى تطوير عمل الحزب وتحسين أدائه، وكذلك المبادرات التي ترمي إلى تطوير النضال الوطني الفلسطيني وتعزيز مشاركة الجماهير فيه. ولم يتوقف عن طرح الأسئلة. يطرح الأسئلة ويحث رفاقه على تقديم إسهاماتهم الفكرية والسياسية، ويستثير السجالُ الفكري قدراته الذهنية على نحو فريد. وهو، كما لاحظت، من أشد الكارهين للكسل الفكري وبعض مظاهر التواكل التي تتبدى مع الزمن، لدى هذا المسؤول الحزبي أو ذاك. كان يتألم حينما لا يجد من يحاوره باستفاضة، حول ما يطرحه من أفكار وتأملات. ولربما كان حساساً أكثر مما ينبغي في بعض الأحيان، ما يجعل مزاجه معتكراً، يزيده اعتكاراً ضبطه لأعصابه إلى أبعد حد مستطاع (كان يبدي إعجابه بالقدرات الفكرية لماهر الشريف، ويعلق عليه آمالاً كبيرة، وقد عُرضت على ماهر عضوية المكتب السياسي للحزب غير مرة، وفي كل مرة كان ماهر يعتذر عن عدم قبوله لهذه العضوية، ويعلن انحيازه إلى ضرورة تكريس وقته لكتابة الدراسات).
زياراته لعمان قربتنا منه وقربته منا، وجعلتنا نكتشف ما في شخصيته من جوانب إنسانية. هو بسيط صادق، وليس ممن يرتدون الأقنعة، أو يثبتون على وجوههم "البوزات" لغايات الشهرة الإعلامية أو اقتناص الإعجاب. سلوكه الشخصي هو السلوك نفسه أينما حلّ، بغضّ النظر عن المرتبة، أو الشهرة التي جلبتها إليه قدراته الفكرية ومثابرته على النضال.
جاء ذات مرة من القدس للإقامة في بيت أخته بعض الوقت، وحينما علم الدكتور أسعد عبد الرحمن بوجوده في عمان، دعاه لتناول طعام العشاء. دعاني أنا أيضاً، وكان العشاء على شرف أحد المثقفين العرب (نسيت من هو ذلك المثقف) الذي جاء لإلقاء محاضرة في قاعة مؤسسة عبد الحميد شومان. كان المطعم في جبل عمان. لم يكن معي في البيت سوى ابنتي باسمة، وكان عمرها آنذاك عشرين سنة. كانت أمها وأختها غادرتا عمان إلى القدس لقضاء أسبوعين هناك. اصطحبت ابنتي معي وذهبنا إلى المطعم.
وكان على المائدة ما يقارب خمسة عشر مدعواً. في تلك الليلة، انهمك بشير في حوار سياسي مع بعض المدعوين، حول التطورات التي أعقبت هزيمة العراق، في الحرب التي شنتها عليه أمريكا وحلفاؤها العام 1991. تلك الليلة، كان بشير جدياً على نحو لم أعهده فيه من قبل. ولم يلجأ إلى المزاح مرة واحدة.
ربما لأن ذلك الصيف كان ينذر بتطورات مزعجة، بعد تلك الهزيمة التي انعكست آثارها سلباً على القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد الموقف الخاطئ الذي وقفته القيادة الفلسطينية إبان الفترة التي سبقت الحرب، أقصد تأييد صدام حسين في غزوه للكويت.
وربما لأن مزاج بشير الشخصي لم يكن مهيأ للمزاح. وربما لأنني ما زلت أحمل تصورات رومانسية عن شخصية المناضل الحزبي، كما لو أن من واجبه أن يظل حبيس طقوس معينة لا يتعداها إلى سواها، ولي في ذلك توقعات مبالغ فيها بعض الشيء.
على سبيل المثال: ذات مرة، التقى بشير ونعيم وسليمان في موسكو. تحمست لهذا اللقاء الذي جاء بعد أزمة داخلية لم تستمر طويلاً، لها علاقة بتسمية ممثل الحزب للجنة التنفيذية وبتوزيع الصلاحيات في فرع الخارج. اعتقدت أن الرفاق الثلاثة يمضون جل وقتهم في مناقشة قضايا الحزب. في حين أن منطق الحياة يقول غير ذلك.
وعلى سبيل المثال: حينما جاء بشير إلى براغ، حل ضيفاً على قيادة الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي. اغتنمت فرصة وصوله إلى الفندق، ورحت أطرح عليه السؤال تلو السؤال عن أوضاع الناس في الأرض المحتلة، وعن آفاق النضال ضد الاحتلال. ولم أنتبه إلا بعد وقت إلى أن الرجل متعب من السفر، وأن هذا الوقت بالذات، وقت وصوله توّاً إلى الفندق، ليس الوقت المناسب للبدء في حوار سياسي جاد.
وعلى سبيل المثال: حينما عرفت أن "بشير" وعبد المجيد حمدان يقيمان في شقتين متجاورتين في مدينة البيرة، اعتقدت أن هذا خير وبركة، حيث يمضي الرفيقان أغلب وقتهما وهما في حالة اجتماع، يفكران معاً ويضعان الخطط التي من شأنها أن تأخذ الحزب إلى الأمام.
في حين أن منطق الحياة يقول غير ذلك، وأنا أتعجب من رومانسيتي الآن.
يتبع...



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي3
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي2
- مرايا الغياب/ بشير البرغوثي1
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب18
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب16
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب15
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب14
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب 13
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب12
- الأرملة... رواية اجتماعية لجميل السلحوت وديمة جمعة السمان
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب11
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب 10
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب9
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب8
- مرايا الغياب/سليمان النجاب7
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب6
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب5
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب4
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب3
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب2


المزيد.....




- مهرجان كان السينمائي .. احتفال فني ضخم هل يعكر ترامب صفوه؟
- أحمد أبو الغيط: الأمة والثقافة العربية موجودة.. والسيف الإسر ...
- فنانون عالميون يستنكرون -الصمت- أمام -إبادة غزة- عشية افتتاح ...
- -الدفاع- في البرلمان الألماني: إما أن تستعدوا للدفاع أو تتعل ...
- بأقلام قطرية.. كاتبات صغيرات يرسمن أحلامهن بالكلمات
- اختتام مؤتمر الاتّجاه النفسي في النقد باتحاد الأدباء
- قبل 24 ساعة على انطلاقه.. مهرجان كان السينمائي يحظر العُري ع ...
- مغني الراب شون -ديدي- كومز أمام القضاء بتهم الاتجار بالبشر و ...
- الصين بعيون مغربية: هكذا عرفتُ الصين.. مُشاهدات أول طالب مغر ...
- -عليهم البدء بتعلم اللغة الروسية-.. برلمانية أوروبية توجه ند ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ بشير البرغوثي4