أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ سليمان النجاب4














المزيد.....

مرايا الغياب/ سليمان النجاب4


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7476 - 2022 / 12 / 28 - 13:25
المحور: الادب والفن
    


6

كتبت في دفتر اليوميات:
من كل بلاد زارها أحضر معه أنواعاً من البذور. من كل مدينة زارها أحضر معه أشتالاً من نباتات الزينة. الحديقة تألقت بما فيها من ورود وأزهار ونباتات. أصبحت محط أنظار الزوار.
باعدت بينها وبينه المسافات. عاد إليها للمرة الأخيرة بعد غياب، واستقر في حضنها إلى الأبد.

7

ها هي الأيام تمضي وتباعد ما بيننا.
لم أعد أراك في مكتبك ولا في مكتب الحزب ولا في أي مكان. لم أعد أسمعك وأنت تعرض وجهة نظرك في ما يقع من أحداث سياسية.
غير أنني أحاول تخمين رأيك في هذه القضية أو تلك. كنتَ متحفظاً على عسكرة الانتفاضة، وطالبت بضرورة التركيز على طابعها الشعبي (لم يكن الفلتان الأمني الذي جلبته معها العسكرة قد تفاقم كما هي حاله الآن). وحينما نشب خلاف بين الأهل في الناصرة حول بناء مسجد شهاب الدين بالقرب من كنيسة البشارة، كنتَ معنياً بألا تتعرض الأخوة المسيحية الإسلامية لأي شرخ أو عطب.
لم تكن حزبياً بالمعنى الضيق للكلمة. كنت مرناً في تفكيرك وفي ممارساتك السياسية. لذلك، نظرت إليك قطاعات واسعة من الناس ومن القوى الوطنية الفلسطينية، باعتبارك قائداً حزبياً ووطنياً في الوقت نفسه، تشهد على ذلك جنازتك وهي تجتاز شوارع البيرة ورام الله. سار الآلاف من منتسبي القوى السياسية المختلفة، ومن الناس العاديين، خلف جثمانك وهم يتأسون على رحيلك، وكتب عنك كتاب مختلفون مقالات تحتشد بالتقدير لك ولمواقفك.
جنازتك تجتاز الشوارع على وقع الموسيقى الجنائزية وهتافات الشباب والشابات، ويمضي جثمانك إلى قرية جيبيا، يجتاز حاجز سردا الاحتلالي. وأمضي خلف جثمانك وأتذكر آخر مرة رأيتك فيها. كنتَ شعرتَ بإرهاق يلازمك بين الحين والآخر، وأشار عليك الأطباء بإجراء فحوصات طبية للتأكد من حالتك. جئتُ لكي أزورك ولأطمئن على صحتك. قلتَ لي إن الأمور لا تدعو إلى القلق. جلسنا في شرفة بيتك الذي على كتف الجبل، تحت أشعة الشمس الشحيحة التي تتسلل إلينا من خلف الزجاج، في أحد أيام كانون الأول، العام 2000 ، ولم يكن شبح الموت قريباً منا آنذاك، أو هكذا اعتقدنا، وتشعبت أحاديثنا يومها، تحدثنا في السياسة وفي الأدب، وانشدَّ اهتمامك إلى جدارية محمود درويش، ورحت تثني على روعة الإبداع فيها، وكنت أعرف أنك تمارس متعة القراءة بشغف.
حينما يعجبك نص أدبي ما، تكثر من التحدث عنه أمام الأصدقاء، وإذا كان النص قصيدة فإنك تحفظها كلها أو تحفظ مقاطع منها، ترددها باستمتاع. وقد كان من حسن حظي أنك قرأتَ كثيراً مما كتبتُ، وحظيت منك بملاحظات قيمة حول ما كتبت سواء لجهة السلب أم لجهة الإيجاب. كنت تعلن رأيك دون مجاملة، وأذكر أنك كنت تنصحني بقراءة كتاب قرأته فأعجبك، وكنت أفعل الشيء نفسه تجاهك، كنت أحضر لك من مكتبتي كتباً قرأتها فأعجبتني، وأذكر أن آخر كتاب ظل عالقاً بيني وبينك، هو سيرة المفكر المصري د. عبد الرحمن بدوي، التي أثارت ردود أفعال عديدة بسبب ما تضمنته من هجاء صريح لثورة 23 تموز 1952 ولبعض الشخصيات الثقافية في مصر. وصلك الكتاب من الخارج، وقلت لي إنك لم تنته من قراءته بعد، ووعدت بأن تعيره لي.
ولم يصلني الكتاب، لأنك سافرت إلى عمان بعد ذلك بفترة قصيرة. اتصلت هاتفياً بمكتبك ذات صباح، فأخبرتني السكرتيرة أنك في عمان. ثم قيل لي: أثبتت نتائج الفحوصات أنك مريض بسرطان الدم.
حينما أعود بالذاكرة إلى الوراء، أراك على امتداد السنوات الخمسين الماضية، مناضلاً لا يكل عن تعبئة الجماهير من أجل الخبز والحرية والكرامة، ومطارداً داخل الوطن غير مرة، تقيم في بيوت سرية في نابلس مرة وفي القدس مرة أخرى ، معتقلاً في السجون، ومبعداً ضد إرادتك، مقيماً في المنافي، وقائداً في الحزب وفي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وما زلت أتذكر الساعة التي أعقبت انتخابك عضواً في اللجنة التنفيذية للمنظمة.
غادرنا قاعة قصر المؤتمرات في الجزائر بعد أن انتهت دورة المجلس الوطني الفلسطيني الثامنة عشرة العام 1987، واتجهنا إلى مقر إقامتك على مقربة من قصر المؤتمرات. كنا نحن، رفاقك الذين شاركوا في دورة المجلس الوطني نشد على يدك، ونعبر لك عن ثقتنا بك. حفلت تلك اللحظات بالمشاعر والانفعالات، ولاحظت أنك بحاجة إلى قليل من الراحة، وإلى الإنفراد بنفسك قليلاً بعد الصخب الذي عايشته في قاعة المؤتمر وفي الكواليس التي لا يمل منها الفلسطينيون، إذ يلجأون إليها كلما بدا أنهم على وشك أن يختلفوا.
لم أشاهدك مملوءاً بالبهجة والأمل، مثلما كنت في ذلك اليوم.
ولم أشاهدك تبكي إلا مرة واحدة، حينما احتدم الصراع داخل قيادة الحزب الشيوعي الأردني أواخر السبعينات من القرن الماضي. عدتَ من بيروت إلى عمان، بعد إبعادك من أرض الوطن، وأقمت في عمان بين أبناء شعبك من أردنيين وفلسطينيين، ورحت تواصل دورك في صفوف الحزب. إلا أن الصراع انفجر في قيادته وتصاعد شهراً بعد آخر وسنة بعد أخرى، وأصدرت اللجنة المركزية للحزب آنذاك قراراً بتجميد عضويتك في المكتب السياسي، استناداً إلى قناعتها بارتكابك مخالفات تنظيمية.
بدوتَ غير مصدق ما جرى، فانفجرت باكياً. وران على اجتماع اللجنة المركزية وجوم مغلف بالحزن، وبذل جميع الحاضرين تقريباً، جهودهم لتهدئتك وللتخفيف من حدة انفعالك. لم تتوقع ذلك القرار، وكنت ترى أن الأمر كله يتعلق باختلاف في الاجتهادات.
ولم تهتز قناعاتك، لم تحمل في قلبك حقداً على أحد.
يتبع...



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب3
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب2
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب1
- مرايا الغياب/ أمينة7
- مرايا الغياب/ أمينة6
- مرايا الغياب/ أمينة5
- مرايا الغياب/ أمينة4
- مرايا الغياب/ أمينة3
- مرايا الغياب/ أمينة2
- مرايا الغياب1
- ظل آخر للمدينة61
- ظل آخر للمدينة60
- ظل آخر للمدينة59
- ظل آخر للمدينة58
- ظل آخر للمدينة57
- ظل آخر للمدينة56
- ظل آخر للمدينة55
- ظل آخر للمدينة54
- ظل آخر للمدينة53
- ظل آخر للمدينة52


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ سليمان النجاب4