أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ سليمان النجاب 10















المزيد.....

مرايا الغياب/ سليمان النجاب 10


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7506 - 2023 / 1 / 29 - 15:53
المحور: الادب والفن
    


16

كتبت في دفتر اليوميات:
وأنا أقرأ كتاب أنطوني سامبسون عن مانديلا، لاحظت كم كان مانديلا معنياً بكتابة الرسائل إلى خارج السجن كلما تيسر له ذلك! لاحظت كم كان معنياً باستلام الرسائل من زوجته ويني ومن بقية أفراد أسرته ومن أصدقائه وصديقاته!
وأنا أقرأ الكتاب، تذكرت شغف سليمان بكتابة الرسائل حينما كان في السجن أو حينما كان مختفياً. تذكرت ما كتبه د. حسن عبد الله عن رسائل المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية إلى زوجاتهم وأبنائهم وأمهاتهم وآبائهم. رسائل تفصح عن كثير من مشاعر الحب والشوق، ولا تفصح إلا عن قليل من الأحوال السيئة في السجون، بسبب الرقابة المفروضة على رسائل المعتقلين.
تذكرت بعض رسائل المعتقلات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية، التي استوحى منها إميل حبيبي، أو نسج على منوالها مقتطفات من رسائل وردت في قصته الجميلة "الحب في قلبي".

17

وكتبت:
وأنا أقرأ كتاب أنطوني سامبسون، استوقفني ما قاله مانديلا في حفل زفاف ابنته زندزي في قاعة فندق كارلتون في جوهانسبورغ. ألقى كلمة في نهاية الحفل وصف فيها "كيف أن خيطاً واحداً مر عبر سني حياة كل المقاتلين من أجل الحرية: لقد تزعزعت حياتهم الخاصة مع أسرهم زعزعة كاملة".
وقال في كلمته: "راقبنا أطفالنا وهم يكبرون بلا توجيهنا، وعندما خرجنا، قال أبنائي مثلاً: اعتقدنا أن لدينا أباً وأنه سيعود في يوم من الأيام، لكن ما أثار خيبتنا أن أبانا قد عاد، وهو يتركنا وحدنا كل يوم تقريباً لأنه أصبح أباً للشعب".
ويؤكد مانديلا في الكلمة نفسها أنه رغم كل هذه المشكلات، فإن القرار الذي اتخذه من أجل المضي في طريق النضال "كان –وما يزال- القرار الصحيح الذي يجب أن نلزم أنفسنا به". ص650
وفي الكتاب نفسه، وصف لاهتمام مانديلا بتوجيه أبنائه من داخل سجنه عبر الرسائل التي كان يكتبها لهم. رسائل تعبر عن تعلق الأب بمصائر أبنائه وبمستقبلهم.
وأنا أقرأ الكتاب، تذكرت أن ألوف المعتقلين الفلسطينيين مارسوا ذلك ويمارسونه في السجون الإسرائيلية. ومارسه سليمان عبر العديد من رسائله، أثناء اختفائه، وأثناء منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي لزوجته وأبنائه من الذهاب إلى الخارج، بعد زيارة للضفة الغربية، لمواصلة الإقامة معه في دمشق، إلا إذا وافقت الزوجة على مغادرة الوطن نهائياً وعدم العودة إليه، فلم توافق على هذا الشرط، وبقيت هي والأطفال في الوطن، بعيدين عن سليمان أربع سنوات، وسليمان بارك لها بالطبع موقفها الشجاع (مع ذلك يظل المناضل إنساناً له مشاعره الرقيقة. كتب لها رسالة جاء فيها: البيت موحش، وأشياؤكم تذكرني بكم).
وفي رسالة كتبها بتاريخ 29 / 11 / 1984 إلى ابنه فراس الذي أصبح شاباً وهو بعيد عنه، جاء فيها: "في يدك الآن أن تبني نفسك بنفسك، وأن تقرر مصيرك ودربك في الحياة. أمامك نماذج كثيرة، بعضها جيد، وبعضها سيء. أنا واثق من اختيارك، يساعدك في ذلك أن تقرأ، وأن تحب التاريخ الذي يتحدث عن رجال عظماء لأنهم نذروا حياتهم لقضية عظيمة".
وجاء فيها: "فالأب دائماً يحس بمسؤولية خاصة تجاه أولاده، وهو يريدهم دائماً أن يكونوا أحسن منه. وأنا أسأل نفسي دائماً: هل ساعدتُك؟ هل ساعدتُ مها وفؤاد لتكونوا أحسن مني؟ أمكم رائعة، حتى لو غضبت، هي مثال عظيم، استفيدوا منها دائماً".
وأنا أستنتج من ذلك كله: كيف تتشابه هموم المناضلين! كيف تتشابه هموم البشر!

18

وأتابع وصف سليمان وهو يتصرف ببساطة لا تكلف فيها. وألاحظ كيف أن حضوره الأليف يتبدى في أبسط التفاصيل.
من ذلك، أنني ركبت الطائرة أول مرة في حياتي وأنا في الرابعة والثلاثين من العمر.
كانت الطائرة رابضة في مطار دمشق، وقد جئنا إليها من بيروت. كنا وصلنا بيروت منذ شهرين، بعد أن قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إبعادنا من أرض الوطن. ركبنا السيارة متجهين إلى دمشق، نمنا تلك الليلة في بيت ضمين حسين عودة، (أحد قادة الحزب في الأرض المحتلة، أبعدته سلطات الاحتلال من البيرة العام 1974 ثم عاد إلى الوطن بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، ومات العام 2006) وفي الصباح المبكر اتجهنا إلى مطار دمشق، للسفر إلى هلسنكي لتقديم شهادة أمام لجنة من مجلس السلم العالمي عن تجربتنا في سجون الاحتلال.
أخذت الطائرة تتحرك ببطء فوق مدرج المطار، وراح سليمان يشرح لي تفاصيل اللحظة التي تنفصل فيها الطائرة عن الأرض، ثم تحلق في السماء. إنها لحظة عادية، لا تستحق أي تهيب أو قلق، هذا ما قاله سليمان، الذي لا يتخلى عن حرصه على أصدقائه ورفاقه حتى في أبسط التفاصيل.
فيما كانت الطائرة موغلة في اقتحام السماء، كنا، سليمان وأنا، نراجع همومنا على الأرض. نراجع تلك الهموم ونحلم أحلاماً كبيرة، والطائرة لا تتراجع عن هدفها المحدد: هلسنكي النائمة في حضن الشمال.
وكنا معاً في بودابست، وهي أول مدينة أوروبية أحط فيها الرحال.
كنا أربعة مسافرين متجهين إلى هلسنكي. وعلينا أن ننتظر في بودابست أربع ساعات في انتظار أن تطير الطائرة إلى هناك. مشينا في شوارع بودابست دون كلل، وكنت مبهوراً بالمدينة، بشوارعها وسياراتها وأبنيتها المتراصة المنتشرة في كل اتجاه، بنهر الدانوب فيها، بأشجار الأرصفة وبالمقاهي والمطاعم المكتظة بالناس.
وكنا نعلق على كل شيء نراه أو نصادفه في طريقنا. جلسنا في مقهى مطل على النهر. راقبنا السفن الراسية على حافة النهر، انتظاراً لرحلات لا نعرف مداها. راقبنا الخلق الذين يتدفقون في الشوارع مثل سيل لا ينقطع عن الجريان. وكنت مغتبطاً بكل شيء. بودابست تعيش يوماً من أيام الربيع المشمسة، والحياة تتفتح من حولنا مثل زهور يانعة.
وصلنا إلى هلسنكي عصر أحد الأيام، وكنا قادمين من مواقع شتى.
جئنا، سليمان النجاب وعبد الله الحوراني والدكتور مصطفى ملحم وأنا، من بيروت (سليمان ومصطفى وصلا إلى بيروت قادمين من عمان). جاءت المحامية فيليتسيا لانغر والكاتب مردخاي أبي شاؤول من تل أبيب. وكان مازن الحسيني يعمل في مجلس السلم ويقيم في هلسنكي. أقمنا في فندق لم أعد أتذكر اسمه.
فيليتسيا لانغر كانت تدافع عن سليمان وعني أثناء وجودنا في السجون الإسرائيلية، وهي الآن ترانا للمرة الأولى بعد خروجنا من وراء القضبان. أبدت اهتماماً كبيراً بنا، أبدت اهتماماً خاصاً بسليمان، لأنها كانت معجبة بصموده تحت التعذيب في زنازين المخابرات الإسرائيلية. كنا نلتقيها في المطعم التابع للفندق، ونتبادل الذكريات عن تلك الأيام. وذات مرة التقط لنا مصور بارع صورة ضمتنا نحن الأربعة: فيليتسيا لانغر، سليمان النجاب، مردخاي أبي شاؤول، وأنا. وما زلت أحتفظ بالصورة في أرشيف الصور لدي، حتى الآن.
الإقامة في الفندق كانت ممتعة بعد شظف العيش في الزنازين. كان ذلك هو الفندق الأول الذي أقيم فيه في مدينة أوروبية، وكانت هلسنكي المدينة الأوروبية الأولى التي أزورها وأقيم فيها بضعة أيام. بالنسبة لسليمان لم يكن هذا هو الفندق الأول الذي يقيم فيه، إذ سبق له أن زار أوروبا والاتحاد السوفياتي مرة واحدة في سنوات الخمسينات، رغم ظروف العمل الحزبي السري آنذاك.
ومن هلسنكي وصلنا نحن الأربعة إلى موسكو بالقطار. كانت الرحلة مريحة للأعصاب ونحن نرى المساحات الخضراء المترامية أمامنا على امتداد النظر. حللنا ضيوفاً على لجنة السلم والتضامن في الاتحاد السوفياتي، وكانت معنا مرافقة روسية تعرف العربية، وهي شابة يسربلها الخجل. أقمنا في فندق روسيا في مدينة موسكو. الفندق ضخم مكون من طبقات عدة. جاءت ابنتا أخي سليمان، سلوى ونجوى، اللتان تدرسان في الاتحاد السوفياتي لزيارته في الفندق، وجاء ابن أخته كذلك لزيارته. اغتبط سليمان كثيراً بهذا الجو الأسري الذي تشكل من حوله دون تخطيط مسبق.
قضينا في موسكو أياماً رائقة، ثم عدنا في الطائرة إلى بيروت، ومن بيروت عاد سليمان إلى عمان.
يتبع...



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب9
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب8
- مرايا الغياب/سليمان النجاب7
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب6
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب5
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب4
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب3
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب2
- مرايا الغياب/ سليمان النجاب1
- مرايا الغياب/ أمينة7
- مرايا الغياب/ أمينة6
- مرايا الغياب/ أمينة5
- مرايا الغياب/ أمينة4
- مرايا الغياب/ أمينة3
- مرايا الغياب/ أمينة2
- مرايا الغياب1
- ظل آخر للمدينة61
- ظل آخر للمدينة60
- ظل آخر للمدينة59
- ظل آخر للمدينة58


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - مرايا الغياب/ سليمان النجاب 10