أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - رويدة سالم - قصة الخصوصية في أمريكا الحديثة















المزيد.....

قصة الخصوصية في أمريكا الحديثة


رويدة سالم

الحوار المتمدن-العدد: 7625 - 2023 / 5 / 28 - 18:47
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


من بين أهم الكتب التي تناولت موضوع الخصوصية كتاب :" The Known Citizen: A History of Privacy in Modern America ". والكاتبة Sarah E. Igo هي مؤرخة أمريكية ولدت سنة 1967، ودَرسَت بجامعة هارفورد وتُدرِّس التاريخ في جامعة بنسلفانيا. تشمل اهتماماتها الأكاديمية الثقافة الأمريكية الحديثة وتاريخ الأفكار وتاريخ العلوم الإنسانية. وقد ساهمت، بفضل غزارة إنتاجها وفاعليتها في صياغة البرامج والمواد الدراسية، مساهمةً كبيرة في الأُسس الأكاديمية للمؤسسات العديدة التي عملَت فيها.
صدر كتابها - موضوع البحث- عن دار " Cambridge, Massachusetts : Harvard University Press, 2018" في شهر ماي 2018، ويحوي 592 صفحة، ويتكون من مقدمة وخاتمة وثمانية فصول هي، تقنيات الإشهار، ووثائق الهوية، والمرآة المثقوبة، وحق البقاء وحيداً، وقوانين الخصوصية والسماح، والسجن القياسي، وإتيقا الشفافية، وقصة الذات.
النقطة التي ينطلق منها نص سارة إيغو هي إقرار القاضي، لويس برانديز قبل أن يصير رئيساً للمحكمة العليا، وشريكه صامويل وارين، بـ"الحق في الخصوصية" في المادة الأخيرة من مراجعة قانون هارفارد سنة 1890. وقد وقع اقتراح هذا الحق رداً على انتهاكات الصحافة التي كانت تحوِّل كلام الأفراد وسلوكاتهم المشبوهة بل وحتى الشائعات التي تُطلق عنهم إلى تُهَم حقيقية.
طال شيء من التشويش، منذ البداية، هذا الحق في الخصوصية الذي ينص على حماية الفرد من تدخلات المجتمع، بسبب مزيج متنوِّع من التهديدات التي طالته مع ظهور التصوير الفوري والتنصّت على الهواتف وفتح الرسائل السرية والتطفّل اللاأخلاقي على البريد...
يُظهر لنا كتاب "المواطن المعروف" أن تأمين الحدود بين الشؤون الخاصة والهوية العامة أصبح شغل المواطن الأساسي وأن الأميركيين يتَّخذون، في كل يوم، قرارات بشأن حياتهم الخاصة من قبيل كيف سيكون بإمكانهم تقديم أنفسهم لمجتمعهم الخاص؟ وما الذي يجب مشاركته؟ ومتى؟ وما مقدار ما يجب عرضه من خصوصيتهم؟ ولمن يتوجهون به؟
لكن كيف صارت الخصوصية مهمة جداً في الحياة الأمريكية؟ تتبع سارة ايغو هذه القيمة المجتمعية الزئبقية وتوضّح أن الخصوصية لم تكُن، دائماً، مسألة ذات أهمية عامة. ولكن مع نهاية القرن التاسع عشر، ومع تضخّم قطاع الأعمال والمؤسسات الاجتماعية والحكومة الفيدرالية ، شرع المواطنون بشكل متزايد في التفكير بأن خصوصيتهم مُهدَّدة وطالبوا بـها حمايةً لوثائقهم ومراسلاتهم وأُسَرهم وبيوتهم ووضعهم الصحي وعلاقاتهم الشخصية ومحادثاتهم وعاداتهم الشرائية والاستهلاكية، وتصفّح الإنترنت. وقد جعلت الصحافة الشعبية وتقنيات الاتصالات، والبيروقراطية الاجتماعية والتكتيكات البوليسية، ودراسات السوق واختبارات مكان العمل، وقواعد بيانات المعلومات العلمية والحاسوبية، وموجزات ووسائل الإعلام الاجتماعية، من تلك الخصوصية موضوعاً يحتل المقام الأول في الثقافة الأمريكية، وذلك عبر تقديم وجهة نظر شاملة حول الخصوصية كما عاشها وتخيَّلها الأمريكيون المعاصرون.
يكشف لنا كتاب إيغو كيف أن حماية الخصوصية أصبحت هي اللغة الأساسية لمراقبة الحدود المتغيرة باستمرار بين الـ"أنا" الشخصية والمجتمع، كما يسرد التاريخ الطويل للأنا منذ عصر "التصوير الفوتوغرافي الفوري إلى عصر البيانات العملاقة، موضّحاً الطريقة المُثيرة للدهشة التي شكَّل عبرها النقاش حول ما ينبغي أن يبقى مخفياً عن الآخرين السياسة والمجتمع الأميركيين.
يحتل علماء الاجتماع مكانةً بارزةً في كتاب إيغو. فهؤلاء الخبراء، الذين يدرسون حياة المواطنين ويَجمعون كل أنواع البيانات عن عاداتهم وما يفضّلونه، يشكّلون حلقة الربط بين كتابها السابق، " The Averaged American" حيث بيَّنَت المؤلفة كيف أن دراسات العلوم السلوكية قد غيَّرت الطريقة التي ينظر بها الأميركيون إلى بعضهم البعض، وكتابها "المواطن المعلوم". وهو متابعة لما كانت إيغو قد بدأته وتمر فيه من العام إلى الخاص، عبر طرح سؤال جديد هو: إلى أي مدى يمكن أن نعزل أنفسنا عن ضغوط المجتمع التنظيمية – وهل نحن قادرون على فعل ذلك؟
من الواضح أن الخصوصية هي مفهوم متغيّر، ولحصرِهِ فحصت إيغو، بمهارة، التعريفات التي اقترحها العلماء في إطار جهودهم لتجاوز جوهر الخصوصية المراوغ، مبيِّنَةً أن محاولاتهم كانت مفيدة ولكن غير حاسمة. مما يجعل الحل الأمثل هو تقبل تنوّع مفاهيم الخصوصية. تذكر إيغو، في إطار جردها للرحلة الماراثونية للخصوصية من الملكِيّة الفيكتورية إلى عرض الذات على وسائل التواصل الاجتماعي، عشرات المناقشات العامة المنسية – بدءاً من استخدام بصمات الأصابع للعثور على المُشتَبه بهم جنائياً إلى اختراع أرقام الضمان الاجتماعي التي تُمكِّنُ من تتبُّعِ مدّخَرَات العمال، ومن رواج اختبارات الشخصية في في عصر الووتر جيت- والتي تُظهِر، جميعها، مرونة الخصوصية باعتبارها أداة للحد من تطفّل المجتمع على الفرد مهما كان شكل ذلك التطفل.
تُشير الفصول الأخيرة من كتاب إيغو إلى ما يتهدد الخصوصية، لا من الحكومة أو الشركات الكبرى، ولكن من الأفراد ذاتهم. فثقافة الإفصاح والكشف الذاتي الحالية غذَّت شغف الاعترافات العلنية عن الخصوصية، وشجَّعت رغبة وسائل الإعلام في فضحها، إضافة إلى فضح تفاصيل الحياة الحميمية للسياسيين والمشاهير، وغمرت الشاشات التلفزيونية بالاستغلال المفرِط لحالات مرض المواطنين العاديين ولأطفالهم ولعلاقاتهم الجنسية. ولكن – مع مرور الأمريكيين من الخوف من الأخ الأكبر لأورويل لعرض "الأخ الأكبر" على شاشة التلفزيون- وفيما يبدو أنه خلوص إلى حكم مسبَق عن واقع اختفاء الخصوصية، توضِّح إيغو أن الحماسة المعاصرة للإشهار تتزامن مع تجدّد القلق بشأن حدود الخصوصية. وما يوحِّد هذه التأكيدات المختلفة، هو الشكاوى المطالبة بالتحرر من التدخلات المتزايدة التي يفرضها على الأفراد مجتمع صار على مدى المئة والخمسين سنة الماضية، أكثر حداثة وتنظيما وأصبح مؤتمناً على صَوْن الوثائق التي تقدر تقنياً على الرصد والتطفل.
إستقت إيغو عنوان كتابها من قصيدة "دبليو إتش أودين"، "المواطن المجهول"، وقد كتبها سنة 1940، مباشرة بعد هجرته من بريطانيا إلى الولايات المتحدة. وتتحدث هذه القصيدة التهكمية، المكتوبة على شكل شاهدة قبر، عن مواطن "مجهول" يتمُّ تعريفه عبر سلسلة من الكودات المُشابهة لرقم الضمان الاجتماعي، وتُشير الأبيات الأخيرة من القصيدة إلى حدود المعرفة التي يمتلكها المجتمع حول ذلك الرجل. "هل كان حراً ؟ هل كان سعيداً ؟ فنحن كمجتمع، نريد أن نعرف قدر ما نستطيع عن خصوصية الآخرين. وكأفراد ، نسعى للحفاظ على هامش من غفلان الهوية، شيء من المجهولية.
يتناول هذا الكتاب مجدداً أسئلة الشاعر لفتح مسيرة الخصوصية المثيرة للجدل في الولايات المتحدة الحديثة مبيِّناً أن الأمريكيين المعاصرين أثاروا أسئلة مماثلة حول أولئك الذين يسعون إلى معرفتهم ، سواء لأغراض الحكم أو الربح ، من أجل الأمن أو الرخاء ، من أجل الرفاهية الاجتماعية أو البحث العلمي. وبالفعل ، فإن الحد المناسب لـ "معرفة" مواطن في بلد ديمقراطي ورأسمالي قد أصبح من أكثر الجدالات المستمرة للأمريكيين. إلى أي مدى يجب على مجتمع مّا أن يتمكن من مراقبة حياة أفراده؟ وما هو الجزء من الذات الذي سيتوجب على الشخص كشفه طواعية ؟ ما هي الجوانب من حياة الشخص التي تستحق أن تُعرَف - ولصالح مَن - وأي الأجزاء التي هي حقاً ملكاً له ؟ أين ومتى يمكن ضمان خصوصية الشخص؟
ذكرت سارة إيغو أنه قبل فترة طويلة من الإنترنت "كانت الخصوصية هي البوابة الأمثل للتعبير عن الطريقة التي اكتشف بها مواطنو الولايات المتحدة تدريجياً حقيقة أنهم يعيشون في مجتمع صناعي حديث. وهو أمر دعَّمه الاعتراف الأخير لـفيسبوك بأن المعلومات الشخصية لعشرات الملايين من المستخدمين قد تمت إعادة استخدامها لأغراض سياسية معمِّقاً بذلك القلق الذي تُثيره مسألة الخصوصية في العصر الرقمي. لقد جمعت إيغو، في كتابها هذا، بين جميع اختصاصاتها التاريخية والاجتماعية والحقوقية، وقدَّمت للقارئ عرضاً شاملاً ظهر في الوقت المناسب تماماً وكُتِبَ بطريقة جذّابة ومحفّزة على القراءة.

ودمتم بخير



#رويدة_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من المشروع الحديث إلى العالم السائل، حوار مع زيغمونت باوْمان
- ملحمة كاميل كلوديل التراجيدية
- المسؤولية أو عبء الحرية
- قانون الفضاء الألكتروني: القانون على محك الإنترنيت
- هل تمثّل الإنسانيات الرقمية ثورة فعلية في صلب الدراسات الأدب ...
- زيغمونت باوْمان: -أبناء المجتمع السائل- عن عصر ما بعد الحداث ...
- -الأدب الرقمي كقيمة مُشجِّعة على الاكتشاف-
- مستقبل المهن، الثورة التكنولوجية ستخلق مهما أم أن العمل سيند ...
- لامركزية الانترنيت وفكرة خلق خدمات أكثر أمانًا ومتانة وعدلا
- هيلين دو بوفوار.. الفنّانة التي عانت أزمةَ -الأخت الصُّغرى-
- الاختفاء من الشبكة العنكبوتية واستخدام البيانات الشخصية في ا ...
- الفقد الطوعي للخصوصية : كيف تطور مفهوم -الخصوصية- من جون ستي ...
- السيلفي بوصفه تمجيدا للتفاهة جونثان دوداي
- فلسفةُ الحُشود: اتَّبِع الحركةَ وتجنَّب التَّحْديقَ في الآخر ...
- حماية البيانات في عصر إنترنت الأشياء (القانون، والحَوْكَمة و ...
- العمل في عصر ما بعد الرقمنة: أي مهن لسنة 2030.
- هل تُشكِّل الروبوتات والذكاء الاصطناعي خطرا على البشرية؟
- إيقاعُ الجسد وفلسفةُ الرّقص
- مبدعاتٌ إيرانياتٌ يُحارِبْنَ شرورَ وطنٍ بصِيغة المُؤنَّثِ : ...
- ميناتا ساو فال: رائدة الكاتبات الفرانكفونيات


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - رويدة سالم - قصة الخصوصية في أمريكا الحديثة