أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رويدة سالم - ملحمة كاميل كلوديل التراجيدية















المزيد.....

ملحمة كاميل كلوديل التراجيدية


رويدة سالم

الحوار المتمدن-العدد: 7616 - 2023 / 5 / 19 - 21:37
المحور: الادب والفن
    


تزامنا مع الذكرى المئوية لوفاة النحات الفرنسي الشهير أوغيست رودان (نوفمبر1840 – نوفمبر 1917)، وبحثًا في أُفقِ حياته الشخصية التي كان لها أثر بيِّن في نتاجه الفنيّ، أُفتُتِحَ، في 26 مارس 2017 بباريس، متحفٌ فنيّ يُخلِّد ما بقي من أعمال عشيقته "كاميل كلوديل-camille claudel" التي كانت قد أتلفت بنفسها في لحظات هيجانها العصابيّ أغلب منحوتاتها. تُعبِّر مقولتها "يعذبني شيء ما غائب دوما" أبلغ تعبير عن ذلك التشظّي المادي والنفسي، الذي آلت إليه بعد سنوات من الابداع الفني ومن عشق معلّمها رودان. وهذه البطلة الدرامية، ذات المصير التراجيدي، هي نحاتة فرنسية ولدت في 8 ديسمبر سنة 1864 وتنتمي إلى أسرة برجوازية، وهي أخت الشاعر والأكاديمي والدبلوماسي بول كلوديل. منذ طفولتها، أغرمت كاميل كلوديل بفن النحت وعندما استقرت عائلتها في نوجنت سيرسان، استرعت منحوتاتها الطينية انتباه الرسام والنحات الفرنسي ألفريد بوشي، أصيل تلك المنطقة والمقيم في باريس، فأقنعها، كما ورد في كتاب جانيت سوتر الموسوم "كاميل كلوديل"، بأن موهبتها استثنائية ونصح والدها بأن يسمح لها بممارسة ذلك الفن. في العام 1882، انتقلت الأسرة إلى باريس لأن الابنة قررت أن تجعل من النحت، الذي كانت أمها تمقته، مهنتها. هناك، أخذت كاميل دروسا في أكاديمية كولاروسي وأنشأت ورشتها الأولى حيث التحقت بها نحاتات معظمهن انجليزيات ومن بينهن جيسي ليبسكومب صديقتها الحميمة. عملت خلال تلك السنة تحت إشراف ألفريد بوشي الذي ألهمته تمثال "شابة تقرأ" ووقعه بـ "إلى كاميل كلوديل تذكار من ألفريد بوشي". في نهاية السنة، طلب هذا الأخير من أوغيست رودان أن يعوضه في دروس النحت التي يقدمها لتلك المجموعة من الشابات لأنه مجبر على السفر إلى روما وهكذا تعرفت كلوديل سنة 1883 وكان عمرها آنذاك تسعة عشر عاما على الفنان رودان الذي يكبرها بتسع وعشرين سنة وأصبحت تلميذته.
حبّ عاصف
أثارت أعمالها الفنية الأولى إعجاب رودان، مثل "العجوز هيلين" و"ول ذو 13 سنة" وهي منحوتات يظهر فيها التأثير الواقعي والتعبيري لمعلّمها مع لمسة كلاسيكية وتأريخية خاصة بها. وبسبب ذلك، ضمّها إلى مجموعة مساعديه ومن ثمّ شاركت في العديد من أعماله مثل برجاوزيو كاليه. ورودان نفسه أكد ذلك حين قال: "صارت الآنسة كلوديل مساعدتي الرائعة. أستشيرها في كل شيء" ويضيف لمن كانوا ينتقدونها "حددت لها مكان الذهب لكن الذهب الذي وجدَتْه لها وحدها". خلقت عبقرية هذه النحاتة الشابة وموهبتها الأصيلة وعزيمتها القوية وذلك التوافق الفني الذي نشأ بينهما تواطئا وحميمية سرعان ما جعلتها تتحول إلى ملهمة معلمها وموديله ثم صديقته الحميمة وعشيقته. استمرت قصة حبهما العاصف عشر سنوات. ولئن لم تنته تلك العلاقة بالزواج رغم وجود حمل متكرر يؤكده أخوها بول في إحدى رسائله سنة 1939 لصديقته ماري رومان رولان قائلا إن أخته أجهضت بجنين سنة قطيعتها مع رودان وأن بقاءها في مستشفى المجانين هو تكفير عن ذنوبها. وذكر سيرج جيرار في كتابه -رودان الرجل البرونزي- أنه "عند قراءة مذكرات جيسي ليبسكومب نكتشف أن كاميل أجهضت مرات كثيرة"، غير أن تلك العلاقة العشقية المضطربة أثمرت عدة أعمال فنية خالدة يظهر فيها بجلاء تأثير كل منهما على الأخر. فمن جهة، كان رودان معجبا بوجه كاميل واستلهم منه عدة بورتريهات من بينها منحوتة "الفجر أو فرنسا " إضافة إلى رائعته "القبلة". ومن جهة أخرى، أنجزت هي أيضا، في فورة عشقها له، ومتأثرة بأسلوبه، منحوتاتها الخالدة مثل "ساكونتالا" التي استمرت في العمل عليها لعامين وعندما عُرِضت تلك المنحوتة سنة 1888 لاقت قبولا جيدا من الجمهور والنقاد ومنحوتة "الشابة حاملة رزمة القمح" والتي أعتُبِرت كنزا وطنيا سنة 2003.
الخذلان
بداية من 1893، وحفاظا على مكانته الاجتماعية، بدأ رودان يبتعد عن كاميل مفضّلا البقاء مع روز بيريه التي التقى بها سنة مولد كاميل وعاش معها طيلة تلك الفترة وهو أمر يؤكده قول صديقه أنطوان بورديل حين تمّ تقليد رودان وسام "فيلق الشرف" سنة 1903 :"أرفع الكأس لأشرب نخبك، يا رودان، يا أبا العواطف الجياشة ويا أبا الدموع... يا أيها العائد إلينا من الجحيم". وواصل تلبية الطلبات الرسمية التي كانت تنهمر عليه بل وأقام علاقة جديدة مع تلميذة أخرى تدعى صوفي بوستولسكا بين السنوات (1898 إلى 1905). في حين كان يتنازع كاميل السعي إلى الاستقلال الفني ورغبتها في الزواج منه. زواج وعدها به مرارا لكنه كان يتراجع عنه في كل مرة. أثناء ذلك الفراق التدريجي، صارت كاميل تعبر عن رفضها لانتهازيته وسطوة شهرته التي جعلت أغلب إنجازاتها تُعتَبَر من صنعه أو بإلهام منه. وللاستقلال التام عنه بل وتجاوزه، كان لديها، كما قالت لأخيها بول: " الكثير من الأفكار الجديدة... ترى أنها لا تشبه إطلاقا عمل رودان " سعت إلى إنجازها فكانت المنحوتات الرائعة "المثرثرات 1893" و"فارتومن وبومون 1905" وعازفة الناي 1905" و"الموجة 1897". لكن بسبب تفاقم العوز المادي وعدم تلقيها لأي طلبات عمل ومقاطعة أسرتها لها بعد وفاة والدها، حاميها الأوحد، تنامى شعورها بالغبن والإحباط فسجنت نفسها في منزلها وحولته إلى ورشة عمل ثم بدأ مرض العصاب يتآكلها بشكل متزايد حتى أنها صارت تتهم رودان عندما يطرق باب بيتها بأنه يأتي لسرقة أعمالها. وفي فورة جنون، حطمت جزء من منحوتاتها الأخيرة ومخطوطاتها التصويرية ومراسلاتها. سنة 1913، وحرصا منها على سمعة الابن الشاعر والدبلوماسي الشهير، وقّعت أمها، التي كانت علاقتها بها سيئة منذ الطفولة، على طلب إدخالها إلى مستشفى الطب النفسي وطالبت بالتضييق عليها في الزيارات والمراسلات ورفضت عودتها إلى البيت بعد أن قرر الطبيب أنها قد تعافت كما أنها لم تزرها إطلاقا في حين زارها أخوها بول 12 مرة، خلال الثلاثين سنة التي قضتها هناك. توفيت في 19 أكتوبر 1943 بسبب المجاعة ودفنت مع عدة جثث أخرى لأن عائلتها رفضت استلام جثمانها.
أيقونة النحت
إن كاميل كلوديل فنانة رائدة على المستوى العالمي. كانت تشذّب موادها الأولية الصلبة بنفسها وتحفرها وتشكلها وتنحتها للحصول على الحجم المناسب راغبة في أن تحيا التحوّل البطيء للمواد الأولية دون أن تستعين بأحد على عكس رودان، وعلى عكسه أيضا، تخلت بعد قطيعتها معه عن الانطباعية في النحت أي النمذجة التعبيرية للجسد العاري المميزة له وأقامت في منحوتاتها علاقة بين الطبيعانية والرمزية، وبين حركة النيو فلورنتين والنحت الحديث وعملت من ناحية أخرى على مواد صلبة مثل الرخام والعقيق في تركيبات مختلطة واعتمدت نوعا من التصميم غير المتناظر ولا المتوازن، خاصة في كل المنحوتات السير-ذاتية التي بلغت حميمية لم يتأتَّ لأحد غيرها بلوغها، مثل "المتوسلة" و"عصر النضوج" بنسختيها ومنحوتة "الفالس" (1895) التي يوجد منها عدة نسخ. وتبدو تلك المنحوتات، كما لو أنها ستتهاوى، وعدم الارتكاز ذاك يجذب نظر المشاهد ويأسره، كما يعبر عن التمزق الداخلي للفنانة. إن القوة الملحمية والحس المرهف ومأساوية المشهد والإتقان التام لتقنية التعبير عن التفاصيل هي الأدلة الحسية على مقدرتها الفنية الفائقة وهو ما جعل عملها أصيلا في تاريخ النحت مقارنة بعمل معلمها الشهير الذي سيبقى في نظر نقّاد فنّ النحت كلاسيكيا فحسب.

دمتم بخير



#رويدة_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسؤولية أو عبء الحرية
- قانون الفضاء الألكتروني: القانون على محك الإنترنيت
- هل تمثّل الإنسانيات الرقمية ثورة فعلية في صلب الدراسات الأدب ...
- زيغمونت باوْمان: -أبناء المجتمع السائل- عن عصر ما بعد الحداث ...
- -الأدب الرقمي كقيمة مُشجِّعة على الاكتشاف-
- مستقبل المهن، الثورة التكنولوجية ستخلق مهما أم أن العمل سيند ...
- لامركزية الانترنيت وفكرة خلق خدمات أكثر أمانًا ومتانة وعدلا
- هيلين دو بوفوار.. الفنّانة التي عانت أزمةَ -الأخت الصُّغرى-
- الاختفاء من الشبكة العنكبوتية واستخدام البيانات الشخصية في ا ...
- الفقد الطوعي للخصوصية : كيف تطور مفهوم -الخصوصية- من جون ستي ...
- السيلفي بوصفه تمجيدا للتفاهة جونثان دوداي
- فلسفةُ الحُشود: اتَّبِع الحركةَ وتجنَّب التَّحْديقَ في الآخر ...
- حماية البيانات في عصر إنترنت الأشياء (القانون، والحَوْكَمة و ...
- العمل في عصر ما بعد الرقمنة: أي مهن لسنة 2030.
- هل تُشكِّل الروبوتات والذكاء الاصطناعي خطرا على البشرية؟
- إيقاعُ الجسد وفلسفةُ الرّقص
- مبدعاتٌ إيرانياتٌ يُحارِبْنَ شرورَ وطنٍ بصِيغة المُؤنَّثِ : ...
- ميناتا ساو فال: رائدة الكاتبات الفرانكفونيات
- باتريك شاموازو: النيوليبراليّة عملية غادرة تستنزف إنسانيةَ ا ...
- أي مهن للمستقبل في ما بين سنوات 2030 و2050 ؟


المزيد.....




- “شاهد قبل أي حد أهم الأحداث المثيرة” من مسلسل طائر الرفراف ا ...
- تطهير المصطلحات.. في قاموس الشأن الفلسطيني!
- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...
- في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل ...
- أوبرا زرقاء اليمامة.. -الأولى- سعوديا و-الأكبر- باللغة العرب ...
- ابنة رئيس جمهورية الشيشان توجه رسالة -بالليزر- إلى المجتمع ا ...
- موسيقى الراب في إيران: -قد تتحول إلى هدف في اللحظة التي تتجا ...
- فتاة بيلاروسية تتعرض للضرب في وارسو لتحدثها باللغة الروسية ( ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رويدة سالم - ملحمة كاميل كلوديل التراجيدية