أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - رويدة سالم - باتريك شاموازو: النيوليبراليّة عملية غادرة تستنزف إنسانيةَ الإنسان















المزيد.....

باتريك شاموازو: النيوليبراليّة عملية غادرة تستنزف إنسانيةَ الإنسان


رويدة سالم

الحوار المتمدن-العدد: 6753 - 2020 / 12 / 6 - 15:26
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


حوار: جون فيليب كازيي


من الإصدارات التي جلبت انتباه النقّاد في فرنسا خلال هذه العودة الأدبية في الموسم الثقافي 2018-2019 نُلفي كتاب "أُخْوةٌ مُهاجِرون" للباحث الفلسفيّ باتريك شاموازو الحاصل على جائزة الغونكور سنة 1992، وهو عبارة عن رواية بوليفونية عالية الشعريّة، بطلتاها "جان" المتطوّعة بالعمل الجمعياتيّ، و"هند" الكاتبة المختصّة في التحقيقات، وقد صدرت ضمن منشورات الجيب لـدار النشر "بوان Points" في صائفة 2018. وبهذه المناسبة، أجرى معه الصحفي الثقافي جون فيليب كازيي حوارا حول مناخات روايته من حيثُ صلتُها بوقائع المعيش الثقافي والاجتماعي الأوروبي، وما يعتمل فيه من صراع الهُويّات، وتنامي الهجرة، وتزايد مظاهر العنف، وضيق الأفق الاقتصادي، وتنامي الأزمات السياسيّة، وهو ما يدعو إلى البحث عن سبيل إلى عالَم ممكن يعيش فيه الكلّ عيشًا سعيدًا خارج شروط العرق والدّين والحزب والجنسيّة . وقد ذكر شاموازو في حواره أنّ مصطلح "مهاجرون" لا يحيل إلى أي تصنيف قانوني مثل "طالبي اللجوء" أو اللاجئون" لأننا حين ننظر إلى التاريخ الإنساني سندرك أن تطور عملية استيطان البشر للمناطق الخالية على الكرة الأرضية قد تمّ عبر ظاهرة هجرات مكثفة ومستمرة تثبتها كل الثقافات بل وكل ADN بشري. وأكّد، أيضا، وجوبَ التنديد بأيّ سلوك يَسْبغ على المهاجرين صورةَ العدو ويُجرّدهم من إنسانيتهم و"يتركهم يموتون، أو يقمعهم، ويطردهم، ويحصرهم في مناطق فاقدي كلّ الحقوق"، مبينا في هذا الصدد أن "التجريد من الانسانية يستوجب الاستنكار"، ومطالبا ببناء عالَم جديد، عالم ترابطي، "لا وَفْقَ شروط المجتمع وإنّما على أساس تضامن متعدد الأبعاد وقابل للتطور، وعلى أساس أخويات غير متوقعة وعرضية." ونظرا لأهمية هذا الحوار، فقد تكفّلت مجلّة "الفيصل" بترجمته لعرضه على قرّائها.
* مثلما هو حال شخصيات رواياتك السابقة، فالمهاجرون في كتابك الأخير "أخوة مهاجرون" لا تُحَدِّد ظُرُوفُهم وحدها سيماتِهم بل هم يكشفون، علاوة على ذلك، عن علاقات السلطة والهيمنة. فأنتَ تربط، في هذا الكتاب، الوضعَ الحالي للمهاجرين بالرأسمالية والنيوليبرالية اللتين يُمثل الربح الماديّ عقيدتَهما الوحيدة. فما الذي يمييز الليبيرالية الحالية؟ وما هي مشمولات هذه السلطة؟ وما الذي يتعرض إليه المهاجرون اليوم؟
- النيوليبرالية هي عملية غادرة لاستنزاف إنسانية الإنسان. إنها تميل إلى تجريد الفرد من الطابع الإنساني وقد نجحت في امتطاء صهوة عملية الفردانية التي كانت نهاية المجتمعات القديمة قد سرّعت من وتيرتها وقد عرفت كيف تجعل اليد الخفية للسوق تختطف الفرد المجبر على بناء ذاته وأخلاقياته ومفهوم العيش داخل ذاته وتختزله إلى مستهلك قهري. وفي الاستهلاك القهري تتلخص وتضيع كلٌّ من الرغبة الكبرى في الوجود والعيش والمصير إضافة إلى فكرة التضامن أو حسن الطوية والحياء الطبيعي.
كان الرابط الرمزي في المجتمعات القديمة يغذي كل ما يشكل الإنسانية الإنسان. فهو لم يكن يشمل فقط تحقيق الأمن والشراب والغذاء لكن كان يضيف إليها الإحساس بالإلهي وطعم المقدس والمفهوم الوجودي الذي يمنحه كل من الفرح والصداقة والاحتفال والحب والمودة والهبة والمشاركة. وكان "العمل" نظامَ أنشطة تخلق مزيجا من الإبداع والفرص وتحقيق الذات. في حين أن الرابط الرمزي النيوليبرالي يمحو كل الشعرية الإنسانية. إذ يلغي كل الوسائط ولا يقدم، كعلامة وكرمز، للفرد المعزول إلا البريق الحالك للربح الشامل وخبراته ومعاييره. لم تعد توجد وساطة رمزية بين الفرد والاقتصاد، ولا بين السياسة والاقتصاد، وإنما توجد فقط السلطة المطلقة للسوق وللأرقام وللخبرة وللحق. ومثال ذلك أن الحكومة الفرنسية الأخيرة ليست سوى تجميعا لأخصائيين تقنيين وخبراء. ضمان المستقبل اليوم بالنسبة إلى شخص عادي لا يتمثّل، فقط، في الحصول على الحاجات اليومية لكنه غدا تكديسا لأكبر قدر ممكن من الكسب دون مراعاة لأي أخلاقيات. فالوجود صار يعني أكبر قدر ممكن من الربح مهما كانت الوسائل لتحقيق ذلك. إن هذا هو ما يترأس تفرعات النظام البيئي الرقمي الذي نَعْلَق فيه أكثر فأكثر وهو ما سيكون بمثابة غاية التقدم النيزكي للعلوم والنانوتكنولوجيات. سترى البشرية نفسها تتضخم عبر كل أنواع الرقاقات المعرفية لكن مع مخيال سينحصر في الربح فقط. لذا يجب التفكير في التالي: المنحدر من "الفرد-المستهلك-بطاقة-الاتمان" إلى "الروبوت-البيولوجي-المستهلك" مفتوح ودون وجود لأدنى نتوء يمكن تعليق المقاومات الجديدة عليه. في مثل هذا العالم، المُنَاقِض تماما لما هو حياتي، وشديد العدوانية لما هو حيوي حقا، صار غير مرغوب في هذه الديناميكية شديدة العمق إنسانيا مثل تدفقات الهجرة، هذه القوة الحيوية التي تنتشر فجأة والتي، لكونها بالغة البشرية، قد صارت مجهولة من طرف الجميع. علاوة على ذلك فالكوكب بأكمله ونظامه البيئي الحيوي وقعت التضحية بهما في سبيل النظرة العدمية قصيرة المدى للربح.
* تصف هذه السلطة بالبربرية وتستعمل كلمة "بربري" وتُعَرِّفها بعجز الإنسان عن تعرُّف ما هو إنساني فيه. فما مفهوم "البربرية" في إطار قلقك ممّا يتعرض إليه المهاجرون اليوم؟
- بالنسبة إلي ليس البربري من هو غريب عن ثقافة أو حضارة أو رؤية مّا للعالم، وإنما هو الغريب عن الجهد الذي علينا بذله في أعماقنا لكي نكون أكثر إنسانية. اللاإنساني هو جزء من الإنساني وهو عنف الزواحف الكامن فينا والذي علينا كبح جماحه باستمرار. والبربرية كما أفهمها وكما أعتقد أنها موجودة هي جزء من "التجرّد من الإنسانية". إن التجرّد من الإنسانية هو مؤسسة شبه نظامية تقوِّض ماهو أكثر إنسانية لدى الإنسان. أبلغ مثال على ذلك العبودية التي مورست في جزر الكراييب وفي الأمريكيتين. لقد تقلصت أزمة المهاجرين، التي هي مسألة إنسانية بإمتياز، إلى كونها فقط معطى إحصائي-اقتصادي في إطار التخبط السياسي. وبما أن العقيدة الليبرالية مهيمنة على المخيال السياسي، فالسياسي العادي، ذاك العاجز أمام شرور الرأسالمالية، لا يملك إلا أن يشرع في خلق ما هو غير إنساني فيه عبر تركه المهاجرين يموتون في البحر المتوسط أو أمام الجدران والأسلاك الشائكة التي ترتفع في عالمنا الغربيّ. لقد صار التغاضي عن الموت مربحا سياسيا لأنه يسمح للسياسي بتصوّرِ أنه نَصَّبَ نفسه حاميًا لنا من التزامنا الإنسانيّ، لأن ما غدا مقبولا فقط، هو العلاقات التي ينظّمها السوق. والسوق، من جهته، يقوم بالشيء نفسه عبر إرساء الهشاشة، والبؤس، والدمار الفكري، ومحو الكرامة المشتركة التي كان قد تحدث عنها جورج أورويل، ورفع القيود ضد الجشع المالي والتجاري (الماركونتيل)... لو أنك استبدلت أطواق نجاة المهاجرين بقوانين عمل صغيرة ستفهم أكثر ما أرمي إليه. إن التدمير وإلغاء القيود المجتمعية والتغاضي عن الموت في عرض البحر تنبع من المبدأ نفسه أي: الربح الاقتصادي الشامل الذي يفرز ما هو مجرد من الإنسانية.
* كتابك مُشْبع بتصوّر للتاريخ يجعل منه تراكما للأحداث أكثر من كونه تتابعا لها أي هو نوع من تقليب صفحات تتّصِل فيها الطبقات التاريخية مع بعضها بعضًا. بينت كيف أن ما يبدو قد انقضى إنما هو مايزال قائما تحت أشكال جديدة في الوضعية الحالية للمهاجرين. كيف تشرح هذه الوضعية من وجهة نظر التاريخ؟
- إنّ غريزة الهجرة هي معطى مجتمعي قديم، فهجرة المجتمعات هي من كانت تنتج مجتمعات أخرى، وكانت تضمن بالتالي التوازن لمن كانت ترمي بهم بعيدا عن حياضها. لكنها، في نفس الوقت، معطى جديد، لأن أولئك الذين هاجروا على مدى تاريخ مجتمعاتنا البشرية، والذين يهاجرون اليوم أيضا، تحملهم رؤى وتصورات وأمنيات أو رغبات في عالَم جديد. كان كريستوف كولومب مهاجرا مسلحا لكن المهاجرين العراة يقصدون العالم بحثا عن لقمة العيش أما المهاجرون المسلحون فهم يندفعون لغزو العالم وفرض قناعاتهم الإطلاقية. لا يرحل المهاجرون العراة أو المعوزون أو الجرحى بحثا عن غنيمة والتشفّي من الآخر، وإنما هم مسكونون بتلك الرؤى التي تتجاوز أقاليمهم الخاصة. إنهم يعتاشون من تلك الصور الداخلية التي تأتيهم من كل ما يقرؤونه أو ما يَشْتَمُّونه أو ما يشعرون به أو ما يجهلونه أو ما يتلقونه من العالم. فهؤلاء الذين يندفعون في كل ذلك التدفق غير واضح المعالم والذين يُترَكون ليموتوا في كل مكان هم مجموعة من غدٍ بالغِ الفرادة في مادّة العالم، وكل مستقبل هو غير قابل للاختزال لأي شيء آخر غير ذاته ويستحيل تماما توقعه. مهاجرو العالمية العراة، هؤلاء، هم منفيو العالم القديم، إنهم يمنحون ديناميكيات جديدة لمكونات مخيالنا القديمة. لذا يجب أن نغير رؤانا وأن ننظر إليهم بطريقة هي في الوقت نفسه بالغة العقلانية وشديدة الشاعرية مثل دوار اليرعات في ليل لا مخرج منه.
* ما شدّني على نحو خاص في كتابك هو منحك للتجربة الرهيبة للمهاجرين بعدا آخر غير تجربة كونهم مجرد ضحايا. وقد كتبتَ: "ما نحسدهم عليه هو ما يقرؤونه من الآن فصاعدا في كتابِ العالَم". أنت لا تعتبر المهاجرين فقط ضحايا لكن حاملين لتجربة غير مسبوقة لما هو عليه العالم وما هي عليه بعض إمكاناته ولمتخيّل مختلف عن العالم. ما الذي يمكن أن يميز العالم من منظور المهاجرين؟
- سيكون عالما قابلا للإدراك والعيش والتحقق والتنظيم بإعتباره عالم امتلاء أفقي بالحياة، له من الإتيقا ما ينأى به عن العدواة وانعدام الرحمة، وخاصة عن تلك الإنسانية العمودية التي بإمكانها أن تستغلّ كل النظم البيئية وفقا لمصلحتها الخاصة فقط. في مثل هذا العالم ارتحال الجميع نحو/عبر بعضهم بعضًا يصير معطى أوّليا وأساسيا لا يتعارض مع أي استمرارية أو أي أمن جماعي. سيكون هناك "عالم الترابط" ومثل ذلك العالم سيعزز الحصة الشعرية للطابع الإنساني والتي لا تتعارض مطلقا مع الحياة، وسيعيد إرساء الشاعرية الإنسانية في عمق الغائية السياسية. إن ما سيجعل الأمر، بالتحديد، مثيرا للاهتمام هو أنه عندما نعتمد الإنساني للعمل على الغائية السياسة ذاتها فنحن نعارض بالطريقة الأكثر راديكالية والأكثر حسما الشموليةَ النيوليبرالية التي يبدو لنا اليوم أنها لا تقهر.
* نُلفي في كتابك تثمينك للهجرة، وجعلك منها فرصةً لتعزيز الترابط بين الناس، ورفضا منك صريحا للخطاب الفرديّ الواحد. هذه القائمة حماسية للغاية ويبدو لي أن لها نتائج شعرية وسياسية على حد سواء. هل سيكون لمفهوم الترابط، مثلما تتوسع في شرحه، مغزى سياسيًّا نقديًّا؟
- كل ترابط إنساني يفترض امتلاء بالعناصر التي تقوم بينها علاقة الترابط نفسها. وبلوغ الامتلاء يمر عبر تلك الإمكانية في أن نكون في اتصال والتقاء وفي تبادل مع الكل وبشكل أفقي. فالفرد الذي سيمتلك مخيالا علائقيا والذي سيعمل على بناء ذاته في علاقة ترابط ستَغْتَنى علاقتُه بتعدُّدِه الخاص، وبتعدُّد الإبداع الانساني، وأيضا بارتباطه بالحيوانات وبالطبيعة وبالاختلاف والكنوز اللانهائية المتولدة عن إنسانيتنا. سيؤثر فيه كل شيء، وسيشعر بأنه حارس كل شيء، ولن تتحقق ذاته إلا عبر حلم تحقيق الأفضل والأكثر تطويرا للجميع. وهذه هي، في العمق، أكثر النوايا السياسية مهابَةَ. نحن لا نحتاج، في الترابط، إلى ترديد مصطلحات "الأخوة" و"المساواة" و"البيئة" و"الهوية" ودون إخضاع أي شيء لنظام معيّن، كل شيء يتمحور وينتشر في إطار الفعل الترابطي ذاته الذي ينحصر تواجده في ما هو أقدر على تنمية كل أشكال الوجود وكل الصيرورات.
* يبدو لي أن شعرية الترابط تلك موجودة بشكل محوري في كتابك. فما هي خاصياتها الأساسية، وهل يمكن أن تكون حاضنة لشعريّة العالَم؟
- فكرة الترابط تفترض في البدء علاقة إبداعية مع الذات. يبني المرء ذاته على احتماليات مفتوحة بالشكل الأكثر حيوية، وإذًا، الأكثر غموضا وبكل ما لا يمكن تصوره. سيفعل كل أحد ما في وسعه حسب الشدّة التي سيتعين عليه تحملها، لكن سيحيا كل واحد تلك المغامرة. والعالم سيُبنَى، لا حسب حُكّام المجتمع، لكن على أساس قاعدة التضامن متعدد الأبعاد والتطوري وقاعدة الأخوة غير المتوقعة والعرضية. إذ أن ثنائيتي تضامن-عالم /أخوة-عالم هما مرغوب فيهما أكثر من فكرة "مجتمع-/عالم"، كما أنّ العيش في إطار الترابط هو أكثر مدعاة للإعجاب من مفهوم "العيش معا" الذي يتخذ غالبا لهجات المجتمعات المحلية.
* في تأملاتك حول الترابط ونتائجه، من هم الكتاب والفنانون والفلاسفة الذين تستحضرهم؟ أفكر بطبيعة الحال بإدوارد غليسان وتستشهد أنت كذلك في كتابك بآخرين كجيل دولوز. بماذا تدين لهؤلاء المبدعين وما الذي يثير اهتمامك بشكل خاص في أعمالهم؟
- أمتلك بفضل هؤلاء الفلاسفة جمالية في الكتابة، لهذا أعتبر نفسي قبل كل شيء فنانا. تلك الجمالية هي مثل مجال طاقة أطبّقه على الأسئلة التي أطرحها على نفسي أو الظواهر التي تفرض نفسها على صيرورتي الخاصة في ترابطي بالآخرين. ومذاك، تجد تلك الأحداثُ وتلك الأسئلة نفسَها وقد تحولت -إن جاز التعبير- إلى رؤية خاصة بي، إلى يوتوبيا تمثّل أوكسيجيني الوحيد، وهي لا تهدف إلى فرض نفسها على أحد، وإنما تدخل في علاقة ترابط مع كل أولئك الذين يطرحون على أنفسهم أسئلة شبيهة والذين يتصرفون أو يواجهون أحداثا من نفس النوع. إدوارد غليسان يمنحني قوة شعرية تفلت من أفكار النظام وتواجه ما هو غير مرئي وما يشمل غير العقلاني وما لا يخاف من اليوتوبيا. ويحمل لي دولوز تلك الحرية التي تضفيها علاقته بالشعر وبكل الفنون على المنهج الفلسفي. أنا فنان الترابط الإنساني.
* نلاحظ، في كتابك، أن تأملاتك تتغذى أيضا من أناس ومن مجموعات ليسوا كُتابا أو فلاسفة ولكنهم حاملون لفكر ووجهات نظر تساهم بشكل مّا في الترابط الإنساني. كيف تتناول تلك المجموعات على سبيل المثال العمال المارتينكيِّين وماهي علاقتك بهم؟
- يتغذى المخيال العلائقي من كل شيء بشكل ليس بالضرورة علميا ولا مباشرا، وأحيانا هو بالكاد محسوس، وغالبا ما يكون جذّابا كمغناطيس. لا أتوقف عن العثور عن أخوة وأخوات يمثلون بالنسبة إليّ مصادرَ غير متوقعة ولديهم بُنى مخيال قريبة مما لدي ويرون العالم، مثلي، بالحيوية وحسن الطوية والحياء أو السذاجة نفسها. لا أحتاج إلى صالونات أو لقاءات أو حوارات عالية المستوى الثقافي ولا إلى عمل نضالي ميداني، بل أحتاج فقط إلى مجرد صداقات تقام وإن عن بُعد، وأخوة تكشف عن نفسها في صمت.
* تشير في كتاب "أخوة مهاجرون" إلى المفارقة التالية: في عصر ما يطلق عليه بـ"العولمة"، تتموقع أوروبا اليوم في (خانة) المنسي من العالم والغائب عنه إضافة إلى عدم قدرتها على استيعاب ما هو خارج حدودها. يُمكن تعريف ما عليه أوروبا اليوم بالافتقار إلى خبرة العالم التي، في المقابل، يحملها إليها المهاجرون. فالتثمين الذاتي لأوروبا، على النقيض، يُعدُّ، هنا، نقيصة. بعيدا عن مسألة علاقتها بالمهاجرين، أين تلاحظ، اليوم، علامات هذا التفقير لأوروبا وعجزها؟ وفي علاقة بهذا النوع من الصلة المميزة لأوروبا الحالية مع العالم: ماذا بإمكان الأدب الذي يكتبه كتاب أوروبيون أن يفعل لتقويض هذه التجربة والصمود أمامها وخلق شيء آخر؟
- المخيال غير المعلن لأوروبا هو مخيال الإمبراطورية. عندما يتعين علينا التفكير/البحث في أشكال المنظمات التي تتجاوز حدود الوطنية وحتى ما وراء العالمية يأتي شكل واحد إلى أذهاننا وهو شكل الإمبراطورية. الرائع إسحاق أسيموف ذاته تركها تخدعه في رائعته "فونداسيون". لأنّ الإمبراطورية هي في حد ذاتها عُزلة. إنها تخلق صمتا كبيرا، وتستهلك التنوُّعَ، وتقلص فجائية المصائر إلى جمود وقَدَريّة لامفر منهما. إن اللغة الانجليزية التي وسعت إمبراطوريتها في جميع أنحاء العالم تحولت إلى كود تقني-تجاري وخسرت روعة لغة شكسبير. لن يصير بإمكان المتخيل العلائقي أن يلد إمبراطورية جديدة ما لم ترافقه، في العمق، شعرية مهيبة تغذي فكرة سياسية خيِّرة ومتواضعة ومنفتحة على المصائر غير المسبوقة. السيادات العلائقية هي تضامنية وأفقية، والوحدة هي نقطة التقارب للتنوع المحفوظ ، والجميع يشعر أنه حارس ومسؤول عن ازدهار الحياة. كلّ حبة غبار هي العالَم والعالم موجود في كل حبة غبار.

خالص المودة والاحترام



#رويدة_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أي مهن للمستقبل في ما بين سنوات 2030 و2050 ؟
- هو وهي والquiproquo الازلي
- الأنوثة بين التجريم الذكوري والبناء الحضاري
- قصور من رمال
- الانثى في الرواية التونسية
- بداية القرن XIX تأليف صحيحي مسلم والبخاري
- ذهان Psychoses
- التعليم والأصولية وتفريخ العنف
- التاريخ وهم أم حقيقة: مقبرة توت غنج أمون مثالا
- دهشة الملائكة : هيفي
- دهشة الملائكة 1 : لاجئ إيزيدي
- بعض مما روي عن الصبايا
- خربشة على أسوار ذاكرة مهدرة
- وهم الثورة وجنون الرعاع
- وكان لولادة الآلهة أنبياء صاغوا نيرا من اوهام
- وكانت الحكمة تاجا من اشعة شمس داستها نعال الجهلة
- الحاكم بامر ربه : صنعت فوضى اللعبة السياسية الها كونيا جديدا
- الحاكم بامر ربه (فصل ثان من رواية)
- الحاكم بامر ربه - بشار الاسد (فصل من رواية)
- نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج. الاخير


المزيد.....




- تحطيم الرقم القياسي العالمي لأكبر تجمع عدد من راقصي الباليه ...
- قطر: نعمل حاليا على إعادة تقييم دورنا في وقف النار بغزة وأطر ...
- -تصعيد نوعي في جنوب لبنان-.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إ ...
- البحرية الأمريكية تكشف لـCNN ملابسات اندلاع حريق في سفينة كا ...
- اليأس يطغى على مخيم غوما للنازحين في جمهورية الكونغو الديمقر ...
- -النواب الأمريكي- يصوّت السبت على مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- شاهد بالفيديو.. العاهل الأردني يستقبل ملك البحرين في العقبة ...
- بايدن يتهم الصين بـ-الغش- بشأن أسعار الصلب
- الاتحاد الأوروبي يتفق على ضرورة توريد أنظمة دفاع جوي لأوكران ...


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - رويدة سالم - باتريك شاموازو: النيوليبراليّة عملية غادرة تستنزف إنسانيةَ الإنسان