أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رويدة سالم - الحاكم بامر ربه - بشار الاسد (فصل من رواية)















المزيد.....



الحاكم بامر ربه - بشار الاسد (فصل من رواية)


رويدة سالم

الحوار المتمدن-العدد: 4414 - 2014 / 4 / 4 - 07:38
المحور: الادب والفن
    


كانت الحرية اصل الاشياء الى ان صنع الانسان العبودية
في ذاك اليوم من تلك السنة الفارقة التي صنعت تاريخا جديدا لبعض البشر وابتلعت في عمق الجب بقية الخلائق تراءت للكون بنت لم تفارق سنين الطفولة بعد. كانت ملقية في اهمال كثوب ممزق شبه ميتة على سرير خشن في غرفة قذرة. تنفسها خافت وقلبها يخون الجسد الهزيل الضعيف جدا في تواطؤ متعمد. وجهها الشاحب لا يزال يحمل بقايا خوف وألم. عيناها الواسعتين الجميلتين النصف مغمضتين كانتا بلون الدم المراق على اطراف الحشايا. على الخد كانت لا تزال هناك اثار بكاء طويل هز كل كيانها قبل ان تفقد الوعي تماما وتستسلم لذئب مزق جسدها منذ حين.
جلس على اريكة غير بعيد منها رجل في السبعين من العمر إلا قليلا تبدو عليه علامات الثراء الفاحش يلعق بقايا كأس نبيذ معتق ويشتم ابخرة القنب الهندي المحترق على الجمر بين يديه. انتابه احساس بارتقاء نفسي وفرح لا محدود ملك عليه كيانه. على خده الايمن كان هناك بعض الصبغ الاحمر الذي كان يزين شفتي البنت. وفي رقبته اثار جروح دامية سببتها اظافرها في محاولاتها الفاشلة التخلص من قبضته. سحب نفسا عميقا من البخار المنتشر. اغمض عيونه كاتما الدخان في صدره لبرهة. القى برأسه الى الخلف في حين انبعثت دوائر الدخان من بين شفتيه المنفرجتين قليلا راسمة اشكالا مجنونة لدوائر تضيق حينا وتتسع احيانا ترتفع متعانقة راقصة تتقارب في قبلات ثملي علّها تروي ظمأ لاتحاد ابدي تفشل في بلوغه ثم تتباعد سريعا في تلاشيها الحتمي.
غزى كيانه حنان قلبي لا يعلم منبعه ثم تولدت أوهام وهلوسات لم يتمكن من تحديد كنهها. اضطربت لديه مقاييس الزمان والمكان. شعر انه يعيش في عالم يزداد اتساعا وتراءت أمامه مشاهد عديدة متجددة باستمرار لا نهاية له. تباعدت المسافات بينه وبين الاشياء التي تؤثث الغرفة. بدى وكأنه فقد كل عامل من عوامل الاتزان الزماني والمكاني. فتح عينيه اخيرا. تأملها طويلا دون ان ينبس بكلمة.
ماذا يدور بخلدها وهل عرفت اخيرا معنى النشوة التي حدثتها عنها معلمتها حليمة قبل ان تسلمها اليه واعدة اياها بمستقبل باهر وأمان لا ينتهي ؟
عندما بلغت الحدود كانت منهكة. سارت لأيام طويلة حافية القدم عارية الجسد بعد ان تهرأ نعلها وتمزق ثوبها. فرت من برقة مع من تبقى من اهلها لكنها وصلت وحيدة. هناك حيث اقيمت مخيمات لاستقبال اللاجئين تلقفتها اكف الذئاب الموتورة. الذئاب الجائعة دوما المكشرة الانياب وأنوفها تشتم الفضاء بحثا عن صيد جديد.
آوتها " المنظمة الدولية لأزمة اللاجئين البرقيين" في بقعة صحراوية معزولة خالية من البشر. قصرت الخيام المقدمة على الايفاء بالحاجة فتكدسوا على الرمل مباشرة رغم الشتاء العاصف الذي بدأ يطرق الابواب. استسلموا لقدرهم مسلوبي الارادة والأمل. تكوموا فوق بعضهم بحثا عن بعض دفئ مفقود. ندرة الماء وخواء البطن انهكاهم وتجربة العبور قوضت اركان ما بالنفس من عزة.
تفاقم الوضع سوءا عندما "حدث بمصر مطر عظيم وسقط برد كثير في الليل في شهر رجب ولم يزل الى وقت المغيب الشفق. وبعد رقة من الليل نزل من الجبل سيل عظيم الى القاهرة وطرح زهاء ثلاثمائة دار ومات تحت الردم عدد متوافر من الناس وقتل ايضا من الناس عددا كثيرا". (تاريخ الانطاكي)
جرف السيل الخيام بالنزر القليل الذي حوت. وجد اللاجئون انفسهم في العراء. خاضوا في الطين والماء لأيام عديدة. صارعوا الموت. واروا الجثث التي سرعان ما بدأت تتحلل. جمعوا ما تبقى من الخيام الممزقة ونصبوها من جديد. في خضم ذاك السوء المتزايد اضطربت اسعار الحنطة وسائر الحبوب والأقوات وتزايدت في كل مصر. تسلل المهربون ليلا للمستودعات التي نصبت قرب المخيم. نهبوا كل المئونة سرا وباعوها في الاسواق السوداء فلم يبقى ما يسد الرمق. "اقترن غلو الاسعار بنقص القوت فألمت بالناس امراض حادة وعلل وأوبئة القت كثيرا من الخلق". (تاريخ الانطاكي)
اعتلّ المنفيون وتساقطوا كفراشات ضعيفة احرقتها موجة ثلج مباغتة لكن بنت ألاثني عشر نجت من ذلك الدمار الطبيعي الذي بلغ بالكل حدود الجنون.
مع الايام تزايدت عللهم. غزتهم الأمراض التنفسية والإسهال والجفاف وتملكهم الرعب حتى صاروا اثرى الخلق مكسبا.
اخيرا فُتحت ابواب الجنة الموعودة. ظهرت سيدة وقورة. كانت ذات دين وتقوى. بنى عبيدها بيتا واسعا عند اطراف المخيم. كثرت الاعطيات وتوفر الطعام لكل جائع. خطب الدعاة الذين رافقوها في الرجال ان حيّ على الجهاد. الصلاة جهاد وتحرير البلاد جهاد وترك النساء في حماية أم خالد الى ان يحين النصر وتتحرر البلاد من الطاغي جهاد.
بسمل الدعاة وركعوا فركعوا. تعوذوا وحوقلوا وتضرعوا فأمنوا.
- آمين. آمين.
كثرت حلقات الذكر وتوسعت. تذكر كل ناس اسم الله وخشع. تشبعوا بالإيمان.
لكن اين نقطة الانطلاق ؟
- في بغداد خليفة اصطفاه الله وبارك سلفه. سيحيي الدين ويدافع عن اسماء القديسين. منحه الله حديثا ابارا من الذهب الاحمر. ذهب لن ينضب ابدا يسيل في عروق المملكة ويوسع ارزاق اهلها. ذهب لا يقل عن الزيت طيبا لا تحد منافعه. سيمتلكون بعد النصر بعض فوائده وسيصيرون بحول الله من جملة الزيتيين الابرار.
- هلموا الى طريق الحق. نادى الامام.
- من سيحمي الحريم والأطفال ؟
من العدم تقدم ملاك الرحمة المتجلي. طمئن بآي من القرآن الحشد فحمدلوا.
- امضوا في سبيل الله ولا تجزعوا. يوما ما سترد الامانات. صدق الله وعده.

جمعت النساء والبنات وأدخلن الدار الواسعة. بعون الله سيحفظن من الخطيئة التي تهددهن الى حين عودة الرجال غانمين.
عالجتهن طبيبات مختصات وأطعمنهن. منع من الدخول عليهم حتى اباءهن. النفس أمارة بالسوء وان كان الزائر محرما. قام على خدمتهن المخصيون واهتمت بتربيتهن العجائز.
عادت الدماء لتسري في عروق قتلها العوز.
بعد اشهر من الغياب زارتهن أم خالد. جالست المسنات من بينهن وحادثتهن طويلا. الى متى سيبقين في الخلاء. من يضمن عوادي الزمن. قررت ارسال البنات الى قصرها في جنوب الشام في مرحلة اولى فوافقن. وعدت ان يعشن في سلام حياة كريمة ترضي الله ورسوله ويدرسن ما ينفعهن في حياتهن المستقبلية الى ان يجعل لهن الله مخرجا فقبلن يديها وغمرنا دمعا وامتنانا.
غمرهن الامل. هللن فرحا. سيلتحقن بفلذات اكبادهن ما ان تستقر امور الصبايا في الشام.
- ما أكرمك اللهم. رددت الامهات.

اقترب شخص ما. لم يرينه سابقا. سلم بحياء شديد ثم وقف بينهن خافضا البصر. اشارت اليه أم خالد فاقترب منها. همست في اذنبه بشيء ما ثم أمرت ان يؤخذ الى عنبر الصبايا. ابتسم. قبل يديها الممدودة وتقهقر الى الوراء. سبقته بعض الخادمات. علت الجلبة وتضاحكت البنات. استمر الامر وقتا طويلا ثم سكن كل شيء. عاد العبد الاسود العظيم الجثة للظهور مجددا. اشار بصمت ففهمت أم خالد ان الركب جاهز. استأذنت من رفيقات السهرة. قبلنها بحرارة. وعدتهن بأخذهن في الرحلة القادمة ثم خرجت متهللة الوجه راضية.
انطلقت القافلة على بركة الله. أحاط بها حرس مدججون بالسلاح وتقدمتها السيدة الطيبة في خيمة جميلة نصبت لها على ظهر احد الجمال. لم يلتفت احد الى الوراء. ساروا قدما ولم يعلم احد ان من بقي في الدار لقي نحبه تلك الليلة. بعد مضيء عدة ايام ارتفعت رائحة عفونة في الفضاء وتكاثرت الذئاب. من يدري ما سبب الوباء المباغت الذي فاجأ من بقي بالمخيم. مات سر المخيم المنكوب ولم يفطن احد للقافلة التي ابتلعتها صحراء سيناء والتي حملت كل الصبايا الجميلات.
تواصلت الرحلة لأيام. كان الطريق طويلا وشاقا لكن رغم الارهاق والتعب ونقص النوم لم يتوقف المسير إلا عند بلوغ الشام.
في قصر عند تلة عالية حط المسافرون رحالهم. تسلم الحرس مستحقاتهم ورحلوا. سيقت الصبايا الى غرف اعدت لهن. بعد نوم طويل اخذنا الى حمام جماعي عند الطرف الغربي للقصر. دخلن حوضا كبيرا ملئ ماء دافئا وبتلات ورد. تراشقن بالماء وتضاحكن. راقبتهن سيدة القصر برضا. كان وجهها يفيض فرحا. قامت نساء خبيرا بغسل اجسادهن ودلكنهن بالصابون والمراهم. مشطن شعرهن وقصصنه. البسنهن ملابس حريرية ناعمة وزينهن ثم أتى الخصيان وحملوهن الى غرفهن. في المساء جمعهن الخدم في بهو القصر حيث كانوا قد نصبوا طاولة كبيرة وضعوا فوقها كل ما تشتهي النفس من لذيذ الطعام والغلال والفواكه. بعد العشاء أتت أم خالد تتبعها عجوز وجهها مطلي بالأصباغ.
شرحت لهن ان اقامتهن بالقصر ليست مجرد نزهة وأن هناك عملا كثيرا ينتظرهن حسب صنفهن. فهمنا الى أي اصناف ينتمين لما قامت الطبيبات بالكشف عن عذريتهن. وضعت الصبايا العذارى والطفلات ما دون الخامسة عشر في الجناح الايمن للقصر وهو جناح اقرب الى الحديقة الكبرى وقاعاته كلها تمتاز بنوافذ كبيرة ان فتحت بدت القاعات كمسارح ضخمة لا تخفي ايا من تفاصيلها. في حين اخذت الشابات ممن سبق لهن الزواج او العمل كجواري الى الجناح الايسر. جناح لا يقل ابهة عن نضيره لكنه اقل بهجة. قدمت للعذارى مرافقتها العجوز ذات الاصباغ "حليمة" وقالت لهن انها من ستشرف عليهن وستعتني ببرنامجهن اليومي. ورافقت البقية الى جناحهن بعد التوصيات الصارمة والتهديد بالطرد من القصر في حال الشغب. انسحبت سيدة القصر وتولت العجوز شرح ما ينتظرهن من عمل.
في الصباح يبدأ درس اللغات على يدي معلم بارع استقدم خصيصا من بيزنطة ثم في العاشرة يخرجن للحديقة حيث يقوم بستانيو أحد ملوك الهند تعليمهن فنون الاعتناء بالزهور وصناعة التحف من القصب والخيزران. بعد الغداء يذهبن الى قاعة الرقص حيث تقوم على تدريبهن راقصات مختارات من بين اشهر راقصات الشرق. بعد حصة الرقص تبدأ حصة الموسيقى والغناء. وفي المساء بعد العشاء ستتولى حليمة تعليمهن فنون الغزل والغرام اجمل ما يمكن ان تتعلمه انثى خلقت لتكون متعة للملوك الموقرين والأبطال العظماء والأثرياء المبجلين.
كان اليوم الاول مرهقا لهن جميعا. رغم الاجهاد اقبلن على الدرس بانطلاق روح صافية وان كانت في اعماقها تخشى النفي من الجنة الارضية.
اعتقد انهن وجدن الدروس ممتعة رغم التعب فتنافسن لإرضاء معلميهن.
في المساء لما اجتمعن في القاعة الكبرى جلست ام خالد على اريكة تراقبهن. لم تفارق ابتسامة الرضى وجهها. امرتهن حليمة بأن يلبسن ما خف من الملابس الحريرية التي تظهر فتنة الجسد وجماله. تولى المخصيون تغيير ثيابهن. ندت عنها ضحكة عندما احمرت وجوههن خجلا. رفضت الشابات من بينهن ان يلمسهن العبيد لكن العجوز نهرتهن بقسوة فامتثلن وقد فاضت عيونهن بالدمع. عاتبتها أم خالد في دلال طالبة منها ان تترفق بهن بما انها تجربة العري الاولى لهن. ثم بدا الدرس.
طلبت منهن ان يشكلن فرقا من زوجين وان يقلدنها في كل ما تقوم به. وقفت وسطهن وقد اختارت اخد المخصيين شريكا. احتضنته وضمته الى صدرها الضخم وبعين قاسية امرتهن ان يفعلن مثلها فخضعن. ثم بدأت تجربة التقبيل.
- يجب ان تكون القبلة على الشفتين وان يكون وضع الراسين متقاطعا لكي لا نقطع التنفس عن الشريك. جربن ذلك. التحام اكثر. قرب اكبر. الشفتان تسحقان تماما. ما الذي يعتريكن ايتها الكسولات ؟ من لا تريد ان تقوم بالتمرين فلتذهب لغرفتها ولتجمع ثيابها وترحل.
ترددن قليلا لكن بالنهاية خضعن. الي اين سيرحلن على كل حال ؟
- لنمر الى التجربة الموالية. انظرن مليا. هكذا نمص شفتي الشريك. نقضمها كتفاحة ناضجة. نعتصرها ونشرب خمرها. احسنتن يا غزالاتي الرائعات.
فجأة تقيات احدى البنات. اغرقت وجه رفيقتها التي اجهشت بالبكاء.
-يلعنكن أيتها الغبيات الفاشلات.
لم تفارق الابتسامة وجه أم خالد. أمرت العبيد ان ينظفوا المكان وان يغيروا ثياب البنتين بسرعة لكي يستأنف الدرس.
بعد برهة شرع كل زوجين في تجربة القبلة الحارة الشبقة.
توالت الايام واستمرت الدروس بوترية جادة وصارمة. كل من أظهرت تهاونا او نفورا عوقبت بالحبس والحرمان من الطعام فسرى الجد والنشاط في صفوف الطالبات وتحسن الاداء بسرعة فائقة. تعلمن اللغات العالمية كلها والكلمات البذيئة المستفزة والأغاني الماجنة والرقصات المثيرة.
دربتهن حليمة على اثارة الشريك بإظهار مفاتن الجسد. تعلمن في وقت قياسي كيف يتمنعن وكيف يعدن بوصل ويبخلن به.
الخروج للحديقة كان لتطبيق القواعد المدروسة في المساء اكثر من الاهتمام بدرس البستنة. كنا يختفين خلف الاشجار حيث يطبقن في الهواء الطلق ما تعلمنه. لم يغضب اهمال هذه المادة البستانيين. كانوا يسترقون البصر مستمتعين بمراقبتهن يتغازلن ويتبادلن القبلات.
في احد الايام عندما ابتعدت فتن ولعوب وراء شجيرات الورد اقترب منهن ازاد اكبر بستانيي القصر. تلمس اجسادهن الغضة. طوقهن وضمهن الى صدره وقبض على رقبة فتن وغاب في قبلة ساحرة. طعنة حادة في جنبه الايسر جعلته يفيق من سكرته. كان مرجان واقفا وراءه وقد امسك بيده اليمنى برقبته وباليسر بالسكين المغروز عميقا في صدره. فرت البنات باكيات الى داخل باحة القصر في حين تقدمت أم خالد منه. تفلت على وجهه ثم تسلمت السكن وغرزته مباشرة في القلب. تهاوى البستاني ميتا. حمله زملاؤه والقوا به للنمور التي التهمته في لمح البصر.
كان درسا قاسيا لكل من لم يعرف بعد قوانين القصر.
بعد ان اغتسلت من الدماء التي تناثرت على يديها أمرت سيدة القصر ان تجلب فتن ولعوب الى غرفة الاجتماعات ثم أمام رفيقاتهن قامت شخصيا بتأديبهن. لا يسلم الجسد لأي رجل إلا في علاقة شرعية توافق عليها أم خالد ويباركها رجل الدين الخاص. لكي لا ينسين ابدا أمرت بجلد البنتين بقسوة ثم بسجنهن في غرفتين فرديتين بدون طعام لمدة ثلاث ايام. غادرن الحبس بعد يومين فقط نزولا عند طلب حليمة التي اشفقت عليهن. طلبن المغفرة وبللن الايدي دمعا.
ترسخ الدرس عميقا مما لا شك فيه في عقل الكل.
المداعبات البريئة مسموح بها بين البنات لكنها محظورة بشكل قطعي مع الرجال فالجسد تذكرة عبور لعالم لم يفتح ابوابه بعد ولن يقرر أوان ولوجه إلا سيدة القصر.
في مساء ذلك اليوم جعلت حليمة مخصيها ينام على السرير في حين قامت هي بممارسة كل فنون اللعب بالصولجان الذكوري المقدس وان كان ميتا ودعكه ولعقه. لا سبيل للتقيؤ او الاشمئزاز. من تظهر أي تهاون او تردد لن يكون مصيرها اقل قسوة من أزاد.
وجاء موسم الحصاد.
شهد القصر في تلك الفترة من السنة حركة لم يعتدها طيلة الاشهر التي قضتها البنات فيه. لم يتوقف الخدم عن العمل لا بالليل ولا بالنهار. قامت الخياطات بتفصيل فساتين مثيرة من الحرير الخالص الشديد الشفافية والرقة للصبايا. اهتم البستانيون بوضع اللمسات الاخيرة على مساكب الزهور المزروعة بنظام في ارجاء المكان. شذبوا شجيرات الورد وعلقوا في اغصان الاشجار التي بانت براعمها الندية الرقيقة فوانيس ورقية بألوان زاهية متغيرة. وسعوا المجاري المائية التي تتفرع من نهر غير بعيد عن القصر ليزداد منسوب الماء الذي لا يراه المتجولون في المكان لكن يسمعون خرير تساقطه على الصخر فيضفي على الفضاء حولهم سحرا أخاذا حتى ان السائر في الممرات ليخيل اليه انه في الجنة الحقيقية التي ذكرتها الكتب المقدسة بكل ما حوته من ارائك منصوبة وربيع ابدي معطر وأبكار دفعن الى خارج الغرف يتدافعن في لهوهن وترتفع ضحكاتهن صافية عذبة في حين تقوم عاملات التنظيف بإعادة ترتيب كل اثاث القصر بعد ان دهنت الجدران بلوني الشبق والشهوة الاحمر والبنفسجي.
انتهت الاستعدادات قبيل ايام قليلة من مقدم الزيتيين تجار الذهب الاحمر وأثرياء الشرق السعيد وملوكه او ممثليهم ومهوسي المضاربة في اسواق الرقيق من العالم كله الى المدينة. كان قصر أم خالد في هذه الفترة من السنة القبلة التي لا يخطئها أي قادم يعرف الاماكن المناسبة لعرض اثمن ما يشتهى وتتوق له الانفس. مع حلول الظلام تسللوا عبر الازقة محاطين بحرسهم الشخصي الى ان بلغوا البوابات. هناك تركوا مرافقيهم وانسابوا بصمت الى مكان اعد خصيصا لهم حيث يراقبون كل ما يجري في الباحة الخارجية وغرف القصر التي فتحت نوافذها على مصراعيها دون ان تراهم أي عين متطفلة.
وبدا المزاد.
بدأ المهرجان السنوي الذي طالما حدثت حليمة البنات عنه اخيرا. بين الاشجار التي بدأت براعمها تكتسي ازهارا صغيرة بيضاء ووردية اصطف عازفون مهرة وبدؤوا العزف. تتالت السهرات.
كانت العروض خيالية : عذارى فائقات الروعة تتراوح اعمارهن من تسع سنوات الى الخمس عشر على اقصى تقدير.
لم تلحظ الصبايا أي ضيف غريب عن الدار باستثناء الموسيقيين فتصرفن على سجيتهن دون ان يعتريهن الخجل. كن كالمسحورات وقد اغرقتهن أم خالد بشتى انواع الهدايا والوعود. سيكن فوانيس القصور السحرية وربما يوما ما سيكن ملكات متوجات وأمهات اولياء العروش. غنين وتمايلن وتعانقن وتلاعبن وتضاحكن على انغام الموسيقى.
كل ليلة أثناء الحفل كان المخصيون يقتربون من سعيدات الحظ يهمسون في اذانهن فيرافقنهم ويختفين. تناقص عددهن بشكل كبير.
في الليلة الثالثة استدعت سيدة القصر بنتي الإثني عشر سنة فتبعت المخصي ضاحكة غير مدركة لما ينتظرها. في غرفة جانبية وجدت أم خالد ومعها جمع من الرجال وكاتبها جالس تحت قدميها ورجل الدين بجوارها وعبدان اسودان قويان يقفان وراءها. ارتبكت البنت وأجفلت. حاولت الفرار لكن الخصيان الواقفين عند الباب امسكوا بها ودفعوها نحو سيدتها. سقطت في حضنها فربتت السيدة على خدها وطمأنتها. مسحت دمعها بطرف اصابعها مخاطبة شخصا ما :
- انها عذراء الروح والجسد. انت اكثر من يقدر الحرير النقي.
ابدى الضيف امتعاضه وهو يواصل تأمل الصبية بعيون تكاد تخرج من محجريها.
-ما اشد نحافتها. انها طفلة حقا.
- تأمل قدها الممشوق. انها كشجرة سرو باسقة.
تواصل نقاش حول ثمن شيء لم تعرف البنت كنهه. فاجأتها يد الكهل المسن الجالس قبالتها عندما شرعت تتلمس جسدها الصغير وتنساب الى ادق تفاصيله. ارتعبت وحاولت التملص لكن ام خالد حدجتها بنظرة صارمة جعلت الدم يتجمد في عروقها. ثبتت في مكانها في حين كان الرجل يمرر يديه فوق نهديها الصغيرين الذين بدآ يتفتقان بحياء. مرت اصابعه المرتعشة على خصرها النحيل ثم استقرت بين فخذيها. ارتعش جسد الطفلة لكن خوفها سمرها في مكانها. انهمرت دموعها في صمت. بُعيد معاينة البضاعة التي يبدو انها لاقت قبولا كبيرا في نفسه رمى بصرة كبيرة على الطاولة ثم جذبها نحوه وطوقها بذراعه. شعرت بضلوعها تسحق وأنفاسها تتقطع وهو يطبع قبلة طويلة على شفتيها. لم تستوعب ما يحدث فتشبثت بثوب سيدتها التي في حركة قاسية نزعت يدها ودفعتها نحو التاجر الثري. جرها خلفه وخرج.

ستنسى ككل اناث هذه البؤرة السوداء لما تعتاد الغزوات المباركة لرجال الطهر والفضيلة انكسار الطفولة في جسدها وستندمل جراحها ككل انثى يهد عشاق المغامرات السريعة كل جدران حصونها المنيعة أمام ما سيمنحها اياه الجسد من كسب وان فقدت في تجربة اولى الوعي وغابت في هذيان المعتوهين.
ارتخت يديه رويدا وسقط الكأس على السجادة المجاورة للسرير عندما تراءى له وجه ابنته الوحيدة. انها في مثل سنها تقريبا. بنت شقية وجميلة. فخره وتذكرته لبلاط الملك. ابتسم لما داعب عقله الحلم. جمع لها افضل المربيات وستكون هدية رائعة لا مثيل لها لبلوغ بعض السلطات. سيحفظها هناك تحت رقابة صارمة من اخوتها الذكور وخدم القصر والمربيات في قصره قرب ابار الذهب الاحمر بأرض سجستان الى ان يحين الاوان.
فجأة فكر :
- ماذا لو ؟
بدت علامات الكدر على وجهه. اضطرب. وقف وأسرع الى النافذة باحثا عن بعض الهواء. فتحها واستنشق هواء الليل البارد ملئ رئتيه.
- لو...
سيئدها في احد اباره او سيطلي بالذهب جسدها ويزين بالتمثال القصر لكي لا تبتعد كثيرا عن ناظريه حتى في موتها ولن يعلم أحد وسيبقى دوما رمزا خالدا للشرف. لن تكون اولى بنات الاثرياء التي تغيب عن الوجود دون ان يشعر العالم لحماية طهر مملكة اصحاب الذهب الاحمر... الزيتيين الافاضل ابا عن جد المكرمين من الله وعبيده.
عاد نظره اليها. اعتراه لبرهة بعض من اشفاق ثم طغى على عقله جنون رغبة ملحة. بدى ان تأثير القنب قد حمله الى مرحلة جديدة. اجتاحه احساس بالقوة. غمرته رغبة في تحطيم الاشياء. تردد. اقترب منها. ازاح الحاف الذي كان قد رماه على الجسد الغض. قميص ممزق تخفي بقاياه بوابة الجنة والجحيم. من هنا بدأ الخلق وهنا ايضا اجتمعت كل خطايا البشر. اقل او اكثر قليلا ما الفرق بالنهاية. لن يتغير شيء. لن تشعر ان فاض الربح عن الثمن وان ماتت لن يشعر العالم ولن تهتز عروش الرحمان.
بحركة سريعة نزع ثوبه. رماه بعيدا. تمدد فوقها. تمرغ. تمطى. تلوى. ازدادت دقات قلبه. طفق الدم الى رأسه. اتسعت عيناه. تراقصتا. اشهر سيفه. اغمده في قفل البوابة. دفعه عميقا. تتالت الدفعات. حركه في كل الاتجاهات. خُيِّل إليه انه سمع آهة. تعاظم الصدى. ازداد تدفق الدم في اوردته. واصل فتح بوابات الجحيم. لا بل الجنة الموعودة. انها الجنة. ابكار وان اعتلاهن الف مرة. لذيذة حد الجنون. مسكره حد الثمل. دار رأسه. نعيم ابدي لا يريده ان ينتهي. اكثر قليلا لن يضر. له كل الجنة ونعيمها. طعم عسل ينساب في حلقه. يغزو كيانه. يثير جنونه اكثر. انه لا ينتمي الى ارض الان. تركها وابتعد. غاب في عالم آخر. جسده صار بخفة نسمة وروحه – ان كان يمتلك حقا روحا - حلقت في سماء شاسعة. ينساب العسل الى ذروة السيف. ينفتح الباب ويدخل النعيم من بابه الاوسع. تتتالى دفقات اللذة. يتخدر. يذوب. تهدأ حركته. تخور قواه.
البنت التي اعادتها الغزوة الجديدة للحياة قليلا تصدر انينا مكتوما. يبدو انها تبكي لكن بدون دمع. شهقات تخنقها. لا تقدر ان تبدي اي صوت. ربما فقدت الصوت.
ليس اولى خساراتها فماذا يغير فقد اكثر ؟
حقا اقل او اكثر قليلا لن يمثل اي فرق بالنهاية. لن يتغير شيء. وان فاض الربح عن الثمن او ان ماتت لن يشعر العالم ولن تهتز عروش الالهة مجتمعة.

عندما ازاح ثقله عن جسدها استنشق ما تبقي منها الهواء في مثل حشرجة مؤلمة. فتحت فاها على اتساعه. بقي مفتوحا يعب الهواء. حامت حوله ذبابة وحطت على شفتها السفلى المنتفخة. ربما لم تقدر ان تغلقه ولم تتمكن من رفع يديها لهش الزائرة الثقيلة الظل. لم تتمكن من فتح عيونها التي غارت في محجريها وفي أطرافها ظهرت تجاعيد بؤس. ازداد ذبول وجهها. لم تعد تمتلك اية قوة لتسيطر على جسد تفاقم تفككه وفقدت الاحساس به نهائيا أما الروح... ليس لها روح.
لا يمكن ان يكون لأمثالها روح أصلا فلا تبتئس ايها القارئ لحالها. كثيرون من امثالها مروا من هناك ورحلوا. لم تبكهم عين ولم يتذكرهم ابد الدهر إلا حفار القبور كلما احتاج لإعادة حفر القبر لبيع الرفات لبعض السحرة او المجانين. امثالها لا يتألمون وان بدت عليهم أمارات عذابات الدنيا. انهم لا يشعرون. لا تطالبني رجاء بمنحها روحا لم تمتلكها ولن تمتلكها ابدا.
كيف يمكن ان يمتلك هؤلاء المنتهكون روحا كبقية البشر ؟
هم كائنات اتت الدنيا للقيام بدور واحد. ان تنتهك ثم ترحل دون ضجيج. تمضي في صمت مطبق دون ان تترك اثرا. اي اثر. آثارها ملعونة في الدنيا والآخرة. مجيئها خطيئة ورحيلها لن يكون رحمة. تحمل وصمة الانتهاك الاول وتظل مهما حاولت نقش اسمها على صخر الحياة منفية من ارض البشر ومن جنة الرحمان.
من ترى يمتلك رصاصة الرحمة الاخيرة التي تجعل ألامها تتوقف ؟
فكر:
- على أم خالد ان تجد حلا. هذا الحرير ناعم وجميل وممتع لكن عليه ان يبقى عاقرا يعانق ويخترق ويداس دون ان يصنع منه اي خياط مهما كانت فحولته ثوبا سيكون متهرئ مسبقا لن ينفع في ستر عورة.
في سكونها ذاك بدى له انها اغرقت في نوم عميق. اعتقد ان تنفسها قد انتظم وأن جسدها قد سكن. انتابه ارتياح أنها لم تمت. لم يكن اشفاقا. كان احساسا بالنشوة نابعا من حسن حسابات تاجر خبير لا يقبل ان يخسر بضاعة حصل عليها في مقايضة ذهبه الاحمر الذي جناه بعد سهر طويل على حافة البئر المقدس التي حبى بها الله عباده المخلصين. شعبه المفضل على العالمين.
سيعود غدا وبعد غدا وسيركب المطية متى وكيفما وأَنَّى شاء الى ان يتكسر القفل نهائيا وتعجز البوابة عن منح وهم الولوج الى الجنة حينها سيبحث عن حرير لم يلمسه مقص خياط بعد. سيترك لها لكرمه الكبير هذه الغرفة ثمنا وفاقا وسيجمع بقاياها على ذات السرير الذي لن تغيره ابدا وفاء لذكرى او انسياق وراء بؤس قدر احمق من سيصل بعده في عربة الدرجة الثانية ممن لا يقدر على دفع إلا اجرة الاثواب مستعملة.
وقف وسط الغرفة. كانت الفوضى حوله عارمة. فوضى مجنونة لا تختلف في شيء عما يعم البلاد كلها. بقايا الطعام منتشرة على المنضدة الصغيرة التي وضعها وسط الغرفة. قميصه ملقي هناك بجوار الاريكة قرب النافذة.
كتاب مقدس مفتوح داسه بقدمه في لجة العشق فتمزقت احدى صفحاته بعث في اعماقه احساسا متعاظما بالخطيئة. كان مخفيا في طيات ثوبها. سقط لما جذبها اليه وشرع في تمزيق فستانها. حاولت منعه فصفعها. بكت فصفعها اكثر. حاولت الهرب فأمسكها وحملها بين ذراعيه. كانت خفيفة جدا. ربما هي اصغر بكثير من السن التى منحتها اياها ام خالد. لا يهم السن. المهم انها تمتلك التفاحة التي اخرجت آدم من الجنة وهو يشتهي مداعبتها ويرغب في قضمها وابتلاعها دفعة واحدة. لكن البنت المشاكسة تملصت من بين ذراعيه وحاولت القفز من النافذة حينها اضطر لجرها من شعرها الى السرير. هي من ارغمه على كل ذلك العنف. كان دوما حنونا مترفقا في كل المغامرات السابقة ولن يحيد عن نهجه ابدا. انها اول مرة يعامل انثى بهذا الشكل الذي يستهجنه هو ذاته. ليس عيبا ان يعشق المتمنعات اللاتي يحاولن التعفف وان يثيره نفورهن وإصرارهن على ترك الستائر مسدلة وهي لم تقف عند حدود التمنع. حاولت الهرب وكان سيخسر ثروة دفعها ثمنا لتلك المرابية ام خالد. محاولة القفز من النافذة دفعت كل شياطين الانس والجن للتلاعب بعقله. فقد صوابه. عراها ورماها على الفراش وارتمى بكليته فوقها لتقييد حركتها. رآه يسقط لكنه لم يعره حينها انتباها. كل الذنب ذنبها هي انها أتت به لمثل هذا المكان. اللعنة على أم خالد كان يجب ان تنبهها او تقوم بتفتيشها. تراجع الى الوراء ليبتعد اكثر عن تلك الصفحات المقطعة التي بدت له رؤوس افاع تحاول ابتلاعه. وخزت قدمه قطعة بلور. انها بقايا قارورة العطر التي كسرها دون انتباه في سعيه لترويضها لا تزال شظاياها متناثرة عند المرآة المعلقة في الدولاب المفتوح. لعن أم خالد وهذا الكائن الممدة امامه. فجأة وقع بصره على تبانها الممزق. في اي لحظة من لحظات التماهي المطلق فعل ذلك ؟ لم يعد يذكر.
عاد بصره ليستقر على المصحف. انقبض قلبه. سرت في شرايينه قشعريرة. غمره احساس عجز كائن مقيد يذبح. شعر بالاختناق.
عاد لعقله صدى صوت مجنون عند القرافة يقول :
- هل يملك انسان القدرة على التوقف ما ان يشتد منحى المنحدر ويبدأ رحلة تسلق الهاوية ؟

شعر بأن الغرفة تضيق وتخنقه في تقلصها. بدأ الهواء يتناقص فيها بشكل ملحوظ. فتح فمه محاولا التنفس فامتلأ صدره بعفونة المكان. عليه ان يهرب. ان هذا الكائن المكوم هنا في شبه حياة عاري الجسد مثخنا بالكدمات ملطخا بدماء عذريته يثير مشاعر متضاربة لا يقدر على تحديد معالمها وحدود سطوتها وذاك المصحف الممزق هناك يجلده كلما وقع بصره عليه. بسمل وتعوذ وحوقل بحثا عن بعض امان نفسي. لم يأت اي جرم يعاقب عليه القانون والشرع. تزوجها زواجا عرفيا. هذا حقه. حق تضمنه النصوص. ما حدث بعد ذلك لم يكن خطأه. كان عرضيا وليس له فيه ذنب ثم ألم يخلق الله النساء متاعا للرجال. اين يكمن ذنبه اذا . عاد نظره ليستقر علي الطفلة المحطمة هناك عند حافة السرير. انتفض. تقهقر الى الوراء جارا ساقه الدامية التي اضحت بثقل الرصاص. رق قلبه.
اية انسانية هذه التي استفاقت دون سابق انذار لتكشف عريه ؟
فكر.
- انا رجل صالح رغم انفكم ايها الملحدون الكفرة دعاة العدالة والحرية ايا يكن اسمكم. كلكم ملاعين افاقين. لم اخالف شرعا ولا دنست دينا. لماذا تحاصرونني وتتهمونني. اخرجوا من عقلي واتركوني بسلام.

دعم هذا الرجل السبعيني ابا ركوة بالمال والرجال. ارسل نصف عبيده ممن كانوا في سجونه بعد ان علمهم الذبح الحلال لينظموا الى صفوفه ويجاهدون كل خارج عن الناموس. إذكاء الفوضى الخلاقة كما شرح له امير الروم في آخر اجتماع لهما هو السبيل الوحيد لذلك لن يتوقف. سيواصل جهاده وسيساهم في تحطيم الحاكم بأمر ربه ولن ينتظر جزاء ولا شكورا من احد. صحيح ان غايته الاساسية هي حماية ابار الذهب وان تحالف مع الشيطان لكن سيتم في خضم ذلك تحقيق شرع الله وهذا كسب عظيم.
لكن لماذا يسيطر عليه هذا الاحساس بالدونية والرغبة في الهرب ؟ من ماذا يهرب والى اين ؟
اكفهر وجهه. جمع ثيابه بسرعة والقرف باد على وجهه. توجه نحو الباب. فتحه وقبل ان يخرج القى نظرة اخيرة عليها.
في وسط الدار ارتدى ملابسه دون اي ترتيب ثم فتح الباب وانطلق راكضا.
ظل يجري طويلا في الطريق العام. المدينة المرهقة من النزف كانت ساكنة. انساب في الظلمة. شعر ان مراجل تغلي في أكثر من مكان وعند احد الاديرة سمع صدى صوت لم يقدر ان يحدد معالم صاحبه :
- ايها الانسان التائه في دروب حياة تعتقد انك تمتلكها اعلم اننا في النور جزء من الكون الشاسع نتوه فيه ونتضاءل حد التلاشي لكن الظلمة تمنحنا القدرة على طيه كله في حقبة صغيرة مانحا ايانا وهم امتلاكه والتحكم به على هوانا. تخشى العري وتسعى للتستر بالظلام فهل بلغت الاكتفاء بامتلاك طرف الخيط الذي يربطك اليه ويجعله في اطلاقيته جزء منك لتتلاعب في عماء بصيرتك بمصائر البشر ؟
تلك الكلمات اذكت خوفه من شيء لا يعلم كنهه. منتهك من بين آلاف من انتهك سيغمد خنجره في صدره او ربما نفسه فقط التي يتملص منها كل ما هو انساني لتظهر في صورتها الفجة القبيحة الباقية بعد كل البطولات الوهمية التي صار ايمانه بأنه برع في اجازها يتعاظم.
لقد صار يخشى الليل الذي نسج فيه كل خيوط الثورة قبل وقوعها بسنين عديدة في بلاطات ربطته بها فقط ابار الذهب الاحمر وفوائد الارباح.
يفتقد صخب الحياة التي يصير فيها جزء لا قيمة له من الكون رغم ما تفرضه من دراسة مسبقة لكل حركاته وحيث الخطيئة تعجز عن غوايته علنا.
لكن انى لمثله العيش في طهر النور وهو من ابناء الظلمات وصناعها رغم خوفه الدائم منها. كم يحتاج لقليل من نور ليحتمي به. النور الذي نعيش في كنفه دون ان يقدر اغلب البشر على رؤيته. نور يعم كل ما يحيط بنا فنرى انعكاس الاشياء دون ان ندرك كنهها ما لم تبح به طواعية. نور يضيء لنا العالم الخارجي كاشفا الاركان المعتمة واشد التعابير تكتما دون ان يفضح ما يخفيه الداخل. ذاك الداخل الذي تتلاعب الابجديات بمهارة لستر عهره.
هل تشتاق تلك الطفلة التي اغتصب الى النور مثلما يحتاجه هو الغارق في وطن عاهر يتاجر بكل قضاياه صغار البشر دون ان يجرأ على لفظ العلق خارج حدوده ؟ اية ثورة تدعون ايها البيادق التي تحرك وتوجه حيثما اراد لها اسيادها وأي قدرة يمكن ان يمتلكها وطن ينزف حتى فقد الوعي بما يجري في شرايينه ؟
اعتقد صادقا ان احساس بالخجل قد اعتراه رغم ان المجرمين لا يخجلون.
لفحت نسمة باردة وجهه فتوقف. دار حول نفسه. رفع عينيه فتعلقت بقصور الخليفة الحاكم بأمر ربه وحاشيته. اشاح بوجهه بسرعة. التفت الى الجهة المقابلة وشرع في الركض من جديد. ملأته ذكرى وعود ملك الروم بإحساس حنين وصورة البنت المحتضرة في غرفة الخطيئة اختزلت ألما غمره من حيث لا يدري.
حنين لحلم حماية دولية بيزنطية قوية تحمله مكللا بالمجد لكرسي ملك بغداد الضعيف حال مصاهرته وتساعده على الاطاحة بالبوهيين ليعيد المجد لأصحاب سنة رسول الله ويتمرغ في عز السلطة وثروات البلاد الاسلامية كلها قد بدأ يتسرب كرمل الشواطئ المنسية مع بداية تفكك وتناحر جماعة الناصر لدين الله وجماعة دولة المناهضين لعدو الشعب وجماعات بقية الفصائل الاخرى التي نبتت كالفطر وأنصارهم ومؤلهيهم ومع ازدياد الطامعين الجالسين هناك منتظرين في صبر وأناة من روم بيزنطة ويهود القدس للانقضاض على ما سيتبقى من بلد مقطع حتى الجذور وألم القطيعة القاسية مع ذات فقدت بوصلتها ولم تعد تدرك حدود الجائز والمباح مجتثة العروق ومقطعة الاوردة.



#رويدة_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج. الاخير
- نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج 4
- نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج 3
- نبش في تاريخ منسي - الكاهنة - رواية ج2
- نبش في تاريخ منسي ديهيا - رواية
- صلوات في هيكل حب - السجدة الثانية
- اسلاميون الافاضل تعالوا نتقصى ملابسات مقتل عثمان بن عفان بين ...
- صلوات في هيكل حب .. السجدة الاولى
- عثمان بن عفان حاكم ظالم ام سلف صالح
- حضور الغياب .. وقفة سياسية
- بحث في سيرة عثمان من منظور اسلامي
- الخلافة الراشدة عثمان وعلي والفتنة الكبرى - سياسة بلوس ديني
- صفحات من تونس- دخول الاسلام الى افريقية جزء 2
- صفحات من تونس- دخول الاسلام لافريقية
- صفحات من تونس- تاريخ شعب
- الخلافة الراشدة -- عمر بن الخطاب 2
- الخلافة الراشدة -- عمر بن الخطاب 1
- حضور الغياب.. صفحات مصرية
- حضور الغياب.. وريقات عراقية
- الخلافة الراشدة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رويدة سالم - الحاكم بامر ربه - بشار الاسد (فصل من رواية)