أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - رويدة سالم - هل تمثّل الإنسانيات الرقمية ثورة فعلية في صلب الدراسات الأدبية؟















المزيد.....

هل تمثّل الإنسانيات الرقمية ثورة فعلية في صلب الدراسات الأدبية؟


رويدة سالم

الحوار المتمدن-العدد: 7608 - 2023 / 5 / 11 - 19:58
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


كتاب "الأدب في المُخْتَبَرِ" لفرانكو موريتي



كتاب "الأدب في المختبر"، من منشورات ايتاك، في 18 أكتوبر 2016، ضمن مجموعة Theoria Incognita، هو ثمرة عمل استكشافي قام به المختبر الأدبي التابع لجامعة ستانفورد بإشراف الإيطالي فرانكو موريتي، الأستاذ والباحث في مجال تاريخ الأدب، وقد أسس مركز دراسة الرواية والمختبر الأدبي Stanford، ونشر موسوعة عن الرواية مؤلفة من خمسة مجلدات بين (2001-2003) كما كتب العديد من المقالات لمجلة اليسار الجديد ووقعت ترجمة نصوصه لأكثر من عشرين لغة.
يضمّ هذا الكتاب ثمانية مقالات، هي على التوالي: الشكلية الكمية- كتجربة، والأسلوب على مستوى الجملة، و"التفعيل" أو حول دور القياس في النظرية الأدبية الحديثة، والحجم الصوتي في الرواية، ولغة البنك- لغة تقارير البنك الدولي، والفقرات- القياس والمواضيع والشكل السردي، والنموذج/الأرشيف- باعتبارها ديناميكيات واسعة النطاق في المجال الأدبي، والنسيج الروائي- موضوع جديد في دراسة الأدب.
وهي مقالات تجيب، جميعها، على التساؤل التالي: هل تقوم الإنسانيات الرقمية بثورة فعلية في صلب الدراسات الأدبية مانحة لنا فهما في نفس الوقت أكثر اتساعا وأكثر تفصيلا للأعمال الأدبية ولأدائها؟ وتقدّم هذه المقالات بعض نتائج النقد الحاسوبي الحديث للأدب، عبر مقاربة علمية وتجريبية وكمية للحقائق الأدبية، وتُركّز، خاصة، على الرواية الإنجليزية للقرن التاسع عشر، من أجل إعادة النظر في تلك المفاهيم العريقة الخاصة بالجنس الروائي والأسلوب والتوجهات والوحدة الثيمية عبر استعمال الخوارزميات والبرامج.
تابع المختبر الأدبي، الذي ظهر في الألفية الثانية، هذا النهج في البحث الحديث والتجريبي والذي غدا تشاركيا، عبر مراوحة مستمرة بين البرمجيات والنقاشات والحسابات والمفاهيم. وقدم نتائجه، التي تشبه كل واحدة منها "مقالا علميا مؤلفا كسمفونية ماهلار"، في لوحات تشكِّل - بالإضافة إلى كونها تتمتع باستقلالية في النشر (نشر كل مقال بصورة مستقلة ومجانية على موقع الواب التابع للمختبر الأدبي)- فصول هذا الكتاب الذي يقوم بتحليل هذه المقاربة الجديدة للأدب.
يعجّ الكتاب بالأشكال (الرسوم البيانية، والرسوم الشجرية، وصور شاشة الحاسوب، والجداول، والغيوم النقطية "أي البيانات التي تعتمد على العديد من المتغيرات") ، وهي أشكال فيها عرض للبيانات التجريبية التي تشكل صلب موضوع دراسة النقد الحاسوبي، وتحتلُّ مكان مقتطفات الأعمال التقليدية للـ" microlecture" (المحتوي البيداغوجي المصمم للتعلُّمِ من خلال الانترنت أو عبر الهواتف الذكية). وتتيح التعليقات التوضيحية، بعد ذلك، شرح الأساليب المستخدمة وبعض الميزات البارزة لتلك الأشكال. في حين يؤكد النص، السردي والنظري في الوقت ذاته الطبيعةَ الاستكشافية للبحث مع ذكر مراحله المتتالية، والفرضيات، والمحاولات المترددة، والمفاجآت، وخيارات التوجيه، مستخلصا منها الاستنتاجات، التي تفرض نفسها نتيجة للاكتشافات أو الإخفاقات، وإعادة البناء المفهومي الذي يتحتم القيام به والمسارات الجديدة التي يقود إليها البحث. وأخيرًا، تمزج الحواشي السفلية، المكثفة في بعض الأحيان، العمل الأكاديمي، والمناقشات، والتكهنات. على سبيل المثال: يمكن أن يبدو الحماس، الذي تثيره بنية هذه "اللوحات" والذي أبداه فرانكو موريتي في المقدمة، لباحث في العلوم الفيزيائية، مدهشا. لكن من اليسير فهم أن الإنسانيات الرقمية، عند مقارنتها بالطريقة الكلاسيكية لدراسة الأدب (قراءة الأعمال "عن كثب"، واختيار المقاطع الرئيسية، وبناء تفسير وحيد)، هي، في الواقع، مدعوة لإضفاء الشرعية على منهجيتها غير الموضوعية الميالة إلى الإيجابية والإحصائية، والتي تعرَّضت لانتقادات شديدة: فمثلا قرر أعضاء المختبر الأدبي نشر مقال "الشكلية الكمية" – وهو الفصل الأول من الكتاب – بأنفسهم، كما هو على الانترنيت، لأنه وقع رفض نشره من قبل مجلة "مشهورة جدا". ولذلك، فكل فصل هو فرصة استغلها أعضاء المختبر لإبراز كيف يعمل النقد الحاسوبي، وكيف يتضح أن "تفعيل" بعض المفاهيم والأسئلة المتكررة للنظرية الأدبية هو أمر مثمر وهام وواعد. وذلك لأنه إذا كان على المرء أن يدرس الأدب من خلال ما هو قابل فيه للبرمجة حاسوبيا، يظل السؤال هو معرفة ما الذي يمكن أن يوفِّره هذا الجمع "للبيانات الضخمة"، وخاصة هل أن بإمكانه تعديل فكرتنا ذاتها عن الأدب وتاريخه وقصصه.
في الواقع، تقدم الإنسانيات الرقمية ذاتها على أنها قطيعة واضحة مع الماضي، ويبدو المختبر الأدبي مهموما بتجديد فهمنا للحقائق الأدبية بشكل جذري، متبنيًا نبرة حماسية وشبه تنبّؤية، وذلك لأن حياة المختبر تعرف "لحظات سحرية"، هي نوع من الرؤى، "يرى"، خلالها، أعضاؤه أشياء لا يلحظها شخص منفرد! لكن المثير، بشكل خاص، في هذه الصفحات، هو "الطريقة التي يمكن أن تُحاور بها سلسلةً من التدابير الكمية، المفاهيمَ، إلى أن تحوِّلها تدريجيًا". ونتيجة لذلك، يبدو أن النقد الحاسوبي، بدلا من تقليص الأعمال الأدبية إلى أرقام، يسفر عن رؤية توليفية للمجرة الأدبية، أي عن "مورفو-سوسيولوجيا" مبنية على حقائق متينة ومدركة للطبيعة المحدودة والتخمينية لاستنتاجاتها.
يبدو من العسير، في الحقيقة، تلخيص كل هذه التقارير التجريبية، لأن الملاحظات العامة تمتزج مع الوصف المُضجر لأدوات المعلوماتية المستخدمة، ومع اختيار المتون والجداول البيانية، مما يثير اكتشافات متسلسلة، وتحولات هيكلية في البحث (وهو ما يبلغ حدَّ التخلي عن المشروع الأولي، في بعض الأحيان) والمقاصد القصوى meta-considerations حول الأهمية في حد ذاتها لهذه النتائج. وعموما، فإن البعد المثير للفضول والمفارق للنتائج التجريبية هو ما يبدو أنه يقود، في كل الاتجاهات، بعض الاستنتاجات العامة، والتحدِّيات المستقبلية، ضمن سياق يبدو كالولادة الجديدة لاختصاص جديد. وينجم، عن ذلك، نوعان من المساهمة في الدراسات الأدبية: "التوثيق" لبعض الأطروحات المعروفة، مما يجعل من الممكن أيضًا التحقق من وثوقية البرنامج المستخدم، والأهم هو "مكننة" المفاهيم المركزية للنقد الأدبي التي صارت أكثر " واقعية "وأكثر دقة. وبالمناسبة، لا مناص من ذكر أن البيانات التجريبية تتيح دحض بعض جوانب النظريات الأدبية الكلاسيكية.
يتطرَّق الفصل الأول إلى مسألة الأنواع الروائية، وهي أول عمل تجريبي قام به المختبر الأدبي بين صيف 2008 ومارس 2010، وسيكون نموذجا للدراسات الموالية. وفي ذلك السياق، تبيَّن أن برنامج التعليم دوكيسكوب Docuscope، وهو "قاموس ذكي" قام بجرد أكثر من مائتي مليون كلمة إنجليزية وفقًا للمئة فئة لغوية وظيفية خاصة بأنواع أفعال اللغة TAL ، المرتبطة بتحليل عواملي غير خاضع للرقابة، يسجِّل وجود أو غياب بعض هذه الفئات في النصوص، تبيّن أن هذا البرنامج قادر على تصنيف ستة وثلاثين مسرحية لشكسبير، اُختِيرت ضمن مدونة تشادويك - هيلي، حسب الصنف مرتكبا خطأ واحد غير جدير بالذكر ويمكن التنبؤ به إذ أن النقاد أنفسهم منقسمون حوله. ومن ثمَّ يمكن الاستنتاج أن الكمبيوتر قادر على التعرف على الأنواع الأدبية. وبعيدا عن هذا الإثبات، فالاكتشاف المدهش يرتكز على الأساس الذي انطلاقا منه يتم ذلك التصنيف – وهو تصنيف أضحى واضحا عبر استخدام برنامج "الكلمات الأكثر شيوعًا"، والذي يضمُّ أربعة وأربعين خاصية لغوية وعلامة ترقيم. في الحقيقة، إذا كان النقاد وDocuscope قد اجمعا على تصنيف نفس الأعمال الأدبية ضمن النمط الروائي القوطي، الذي تتميز الرواية فيه، على وجه الخصوص، باستخدامها المتكرر للأحرف الدالة على المكان، فإن المؤشرات الدلالية، التي يتبعها كل منهما، مختلفة، فهي، بالنسبة للنقاد، كلمات تعبر عن موضوعات أو أحداث نموذجية، وبالنسبة إلى البرنامج هي وحدات أصغر وغير ذات معنى تقريبا (مثل أدوات التعريف، وعلامات الربط، والتنقيط، وما إلى ذلك). وبما أن النتائج توحي بمستوى لا مراء فيه من العمق، فإن منطق الأصناف الأدبية هو ما يجب إعادة التفكير فيه: ذلك أنّ "الأصناف الأدبية شبيهة بالمباني حيث تمتلك مميزات خاصة يمكن استشفافها في كل مستوى تحليل". وهكذا، عبر وضع نهج علائقي وتفضيلي باستخدام التحليل إلى المكون الرئيسي، وبالقطع مع النظريات الكلاسيكية التي تَفصِل كل صنف وتمجِّده منفردا، أخذ الباحثون في الحلم برسم خرائط عامة للحقل الأدبي تكون فيها التقارير مُحدَّدة بعامِليْن، هما المتغير الأسلوبي والمتغير اللغوي. وهكذا، إذا كان لا يبدو أن هذه الدراسة الأولى تعدّل بشكل جوهري معرفتنا الحالية للأنواع الأدبية ، فهي، على الأقل، تقترح مسارًا هاما، ألا وهو وجود "علاقة مباشرة بين مقياس [التحليل] وتمايز الوظائف النصية ". ومن هنا جاء شعار الإنسانيات الرقمية: "لمقاييس مختلفة، خصائص مختلفة".
توسعت دراستان لاحقتان في هذه الفرضية: الأسلوب على مستوى الجملة السردية المُكوَّنة من جزأين (الفصل 2)، والموضوع على مستوى الفقرة الروائية (الفصل 6). وتكمن الفكرة في أن العلاقة بين المستويات والوظائف النصية ليست معرِفية فقط، بل هي أنطولوجية بالأساس: أي أن الأنموذج مهما كانت درجة وضوحه شديدة أو ضعيفة وفقا لمستوى التحليل، فإنه جاهز للاعتماد عليه بشكل أساسي. وبهذا المعنى، تبدو بعض أنواع الجمل كما لو أنها تبني بعض الأساليب (تسِمُ الأشكال اللفظية التسلسلية والصيغية الرواية التعليمية، ولا سيما رواية ميدل مارش لإليوت)، تمامًا مثلما "تبني الفقرات القصة". إذ أنها لا تلعب دور المُساعد المتمثِّل في تصوير المفاهيم العظيمة أو الدوافع الصغيرة، ولكنها تشكِّل العقدة، في العمق، بفضل "تفاعل عدد صغير من المواضيع ضمن إطار حدث عادي" – إحصائيا ثلاثة أو أربعة مواضيع، تظهر البيانات التجريبية أنها نادراً ما تمتلك تلك الوحدة الثيمية التي أكدتها النظريات الكلاسيكية.
عموما، التركيز على مفهوم المقياس هو انعكاس فرعي لذلك "الإتلاف الجزئي والكلي [الذي] أصبح السمة المميزة للإنسانيات الرقمية". وبالفعل، بالنسبة لمسألة معرفة كيفية دراسة الأدب، يسترشد النقد الحاسوبي من منهج ليو سبيتزر الأسلوبي مع ابتعاده، في ذات الوقت عنه. فحيث يعتبر سبيتزر أن مسألة "التفاصيل والكل" هي فقط ما يهم الإنسانيات الرقمية تقترح الإنسانيات الرقمية الفقرة كـ "مقياس وسيط جديد" يتمتع بـ"موقع مركزي فريد في تدبير النص". بعد الإشارة إلى أن القياس الكمي على الجمل المكونة من جزأين قد يقدر ربما على إرساء "الجينوم السردي" للحقل الأدبي، نلفي أنفسنا، من جديد، في فجر ثورة مستقبلية: فكامل الرواية تتلخص في جملة واحدة، وكل الأدب يمكن صياغته في فقرة واحدة! وهذا بلا شك هو أحد عيوب هذه المقاربة: انتقال من وضعية شرعية للانعكاسية الحذرة حيال التفسيرات ومشاكل التمثُّل في المجموعات التي وقع قياسها، إلى نهج متحمس ومليء بالوعود، يدفع الباحثين إلى مزيد التوسع فيه، بمعنى يصير دليلا تجريبيا على علاقة التبعية بين النحو والدلالات، وثورة جذرية في معرفة الأدب.
يمثّل "تفعيل" المفاهيم التقليدية التي تعتبر غامضة للغاية –تلك العملية التي يمكن من خلالها قياس هذه المفاهيم عن طريق البرامج - القضية الجوهرية في الفصول 3 و 4 و 7 من الكتاب. وبناء عليه، يتم استبدال الشخصية بمفهوم "فضاء الشخصية" في الفصل 3. وتكون نتيجة ذلك هي تَحلُّل مفاهيم "الشخصية الرئيسية" و"الثانوية"، التي تعيش "صراعا" و"خضوعا/وساطة" في الفضاء الدرامي المجرّد، انطلاقا من حسابات تجريبية لعدد من الأقوال في المسرحيات، مصحوبة بتحليل يحدد النسبة المئوية للعلاقات بين الشخوص. وفي الفصل 4، يتم تحليل مسألة "أصوات" الرواية من خلال مفهوم "الحجم الصوتي"، والذي يقاس بتكرار الأفعال الكلامية القوية أو المحايدة أو الضعيفة - وخاصة في الكتاب الأول من" الأبله لفيودور دوستويفسكي " والجزء الثالث من كبرياء وتحامل. هنا، يكون الاستنتاج ذا شقين: أولا، يبدو أن الحجم الصوتي يلعب دورًا هيكليًا في الرواية وفي التجربة العاطفية للقراء، وثانيا، يتميَّز تطور الرواية الإنجليزية في القرن التاسع عشر بكتم صوتِ كثافته السمعية، التي تتَّسِم بانتصار الفعل "قال".
أخيرًا، يقارن الفصل السابع بين بعض سمات النموذج والأرشيف (في الحقل الأدبي الإنجليزي للقرن التاسع عشر)، ويخلص إلى استبدال مزدوج: يحيل الثنائي نموذج/أرشيف إلى التناقض بين السجلين "شفوي" و"مكتوب"، والذي يفسِّر الاكتشاف المفاجئ لأكبر تنوع لغوي للأرشيف، ويُقاس مفهوم "النموذج" كنتيجة للعلاقة بين قوتين ("شعبية" و"هيبة") ، واللتين تكشف عنهما العلاقة بين مؤسستين ("السوق" و"المدرسة"). وهكذا، يكشف النقد الحاسوبي عن مزاياه ونقاط ضعفه، فالقياس "يجعل بعض المفاهيم واقعية " ويظهر أنه من الممكن عملياً اختبار التجريد النظري، لكن العلاقة، بين التحديد الكمي التجريبي، والتفسير النوعي، تظلُّ إشكالية. وبتعبير آخر " تبدو الأهمية الإحصائية غريبة عن الأهمية النقدية". ومع ذلك، رغم إدراك هذا الأمر، لا يمكن لأعضاء مختبر الأدب منع أنفسهم من الانزياح خارج هذه الدائرة التأويلية الجديدة (لأن "المفاهيم تتحكم في القياسات التي تستدعي بدورها مفاهيم جديدة") عند وصفهم الفئات التقليدية للدراسات الأدبية بأنها قد عفى عليها الزمن.
في الختام، يمكن اعتبار أن الإنسانيات الرقمية تتمتع بميزة التعامل مع الحوامل النصية الكبيرة بطريقة مفصُّلة وموضوعية، وبالتالي تتوصل إلى تسليط الضوء على السمات النصية التي لا يمكن للنهج البشري الوصول إليها. وإن كانت، ربما، ما تزال غير قادرة على تغيير (حتى الآن) مفهومنا للأعمال الأدبية، إلا أنها تعدِّل بوضوح الأشياء والأساليب الخاصة بالدراسات الأدبية: لا فقط لم يعد من الضروري قراءة النصوص، ولكن لم يعد هناك المزيد منها! وبالفعل، يُظهر الفصل 8 أن النصوص قد استعيض عنها بمدونات، أي بغرض "اصطناعي" أنشأه الباحث انطلاقا من استثناء لسياق الإنتاج أو الاستقبال، ولمقصد المؤلف ولمعنى العمل. والغرض من ذلك هو الكشف عن "الآليات" (الأنماط)، والأشكال المكررة والمتنوعة من خلال الأعمال الأدبية، والمتجذّرة في تاريخ الأدب والأفكار. إذا، فما ينتظره النقاد هو مهارات جديدة، وخاصة مهارات المبرمجين ومحللي الرسوم البيانية.
لهذه الأسباب، يتم توجيه العديد من الاعتراضات، الآن، إلى الإنسانيات الرقمية، بدءًا من فكرة أن النهج الكمي غير ملائم في العلوم الإنسانية، بحكم الطبيعة غير الموضوعية لمواضيعها، وبشكل خاص في الأدب، نظرا إلى البعد التقييمي لهذا الفن، وهو بعد يخلط الحقائق والقيم. يبدو أيضًا أن نتائج المعالجة المعلوماتية للبيانات يمكن أن تؤدي إلى استنتاجات تقترب من التناقض: على سبيل المثال ، يتم تفسير الأشكال اللفظية المتسلسلة على أنها نموذجية لتوصيف المستقبل الواعد للشباب، محور الرواية التعليمية (الفصل 2)، وكدليل على "زمنية غير واضحة وشكلية" في لغة البنك "Banklangue" الوحشية لتقارير البنك الدولي الحالية (الفصل 5). وهي إحدى الطرق لتذكير أنه، بالفعل، في الإنسانيات الرقمية، إذا كانت " البيانات الرقمية تُخضِع أسئلة جديدة للـ إنسانيات "، فهي، بكل تأكيد، من أجل " منح معنى لنتائجها، تحتاج للإنسانيات". وهذا يضعف، أيضا، جدوى المشروع الكلي. إذ أن الحقائق النحوية-الدلالية لا تبدو قادرة عن الاستغناء على السياق البرغماتي لكي يقع فهمها بالطريقة الأنسب.
في نهاية المطاف، لا تبدو الإنسانيات الرقمية مجدِّدة وثورية كما تدعي، لأنها تمثِّل، في الواقع، مجرَّد انبعاث جديد للنقد الشكلي والبنيوي، مقترنا بسوسيولوجيا الأدب؟ لكن لنتجاوز هذه النقطة ولنبقى فضوليين حول مستقبل هذا النقد، على أمل أن يفي هذا التزاوج بين العلوم التجريبية والنظريات الأدبية ببعض وعوده، وبالتالي، أن يعزِّز الاهتمام الذي ينبغي على مجتمعاتنا منحه للأدب وهو يلوِّح بالراية المبهرة للتكنولوجيات الجديدة.

دمتم بخير



#رويدة_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زيغمونت باوْمان: -أبناء المجتمع السائل- عن عصر ما بعد الحداث ...
- -الأدب الرقمي كقيمة مُشجِّعة على الاكتشاف-
- مستقبل المهن، الثورة التكنولوجية ستخلق مهما أم أن العمل سيند ...
- لامركزية الانترنيت وفكرة خلق خدمات أكثر أمانًا ومتانة وعدلا
- هيلين دو بوفوار.. الفنّانة التي عانت أزمةَ -الأخت الصُّغرى-
- الاختفاء من الشبكة العنكبوتية واستخدام البيانات الشخصية في ا ...
- الفقد الطوعي للخصوصية : كيف تطور مفهوم -الخصوصية- من جون ستي ...
- السيلفي بوصفه تمجيدا للتفاهة جونثان دوداي
- فلسفةُ الحُشود: اتَّبِع الحركةَ وتجنَّب التَّحْديقَ في الآخر ...
- حماية البيانات في عصر إنترنت الأشياء (القانون، والحَوْكَمة و ...
- العمل في عصر ما بعد الرقمنة: أي مهن لسنة 2030.
- هل تُشكِّل الروبوتات والذكاء الاصطناعي خطرا على البشرية؟
- إيقاعُ الجسد وفلسفةُ الرّقص
- مبدعاتٌ إيرانياتٌ يُحارِبْنَ شرورَ وطنٍ بصِيغة المُؤنَّثِ : ...
- ميناتا ساو فال: رائدة الكاتبات الفرانكفونيات
- باتريك شاموازو: النيوليبراليّة عملية غادرة تستنزف إنسانيةَ ا ...
- أي مهن للمستقبل في ما بين سنوات 2030 و2050 ؟
- هو وهي والquiproquo الازلي
- الأنوثة بين التجريم الذكوري والبناء الحضاري
- قصور من رمال


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل فلسطينيين اثنين في جنين بعد مهاجم ...
- رئيسي يندد بالعقوبات الغربية المفروضة
- إزالة 37 مليون طن من الحطام المليء بالقنابل في غزة قد تستغرق ...
- توسع الاتحاد الأوروبي - هل يستطيع التكتل استيعاب دول الكتلة ...
- الحوثيون يعرضون مشاهد من إسقاط طائرة أمريكية من نوع -MQ9-.. ...
- -الغارديان-: أوكرانيا تواجه صعوبات متزايدة في تعبئة جيشها
- هجوم صاروخي من لبنان يستهدف مناطق في الجليل الأعلى شمال إسرا ...
- السيسي يوجه رسالة للعرب حول فلسطين
- الأمن المصري يضبط مغارة -علي بابا- بحوزة مواطن
- نائب نصر الله لوزير الدفاع الإسرائيلي: بالحرب لن تعيدوا سكان ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - رويدة سالم - هل تمثّل الإنسانيات الرقمية ثورة فعلية في صلب الدراسات الأدبية؟