أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - الإسلام في تركيا: انطباعات أنثروبولوجية














المزيد.....

الإسلام في تركيا: انطباعات أنثروبولوجية


زكرياء مزواري

الحوار المتمدن-العدد: 7616 - 2023 / 5 / 19 - 00:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من التخصصات الغائبة أو المغيبة عن برامجنا التعليمية في الجامعة، تخصص علم الإناسة أو ما يعرف بالأنثروبولوجيا، وهو علم وإن ارتبطت سمعته بالاستعمار وأساءت الكتابات الوطنية إليه، إلاّ أنّ قوته أكبر بكثير من أن تختزل في جرّات قلم متسرعة. ويكفي أن ترتبط الأنثروبولوجيا بدراسة الآخر المخالف للأنا، لتتفجر قوتها، وتعتبر الإنسان كائناً ثقافياً بامتياز؛ أي أن مجمل فعله (لغة-لباسا-دينا-أدبا- ...) يعود إلى الثقافة، وإلى البناء الاجتماعي للسلوك الإنساني، فكل شيء مبني ثقافيا، ولا وجود لمسألة الطبيعي في سلوك الإنسان إلا ما يخص جانبه البيولوجي فقط. وهذا ما تنبه إليه العلامة عبد الرحمن بن خلدون سابقاً، حين قال في إحدى فصول مقدمته: "الإنسان بن عوائده ومألوفه، لا ابن طبيعته ومزاجه".
على هذا النحو يمكن فهم الكثير من الظواهر الثقافية، والدين أحد أهم النظم الثقافية الموجودة في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية؛ إذ لا يخلو أي اجتماع بشري من مكوّن الدين منذ القدم إلى الآن، بل كثير من نظريات العلمنة في العلوم الاجتماعية التي تبلورت في القرن التاسع عشر، وبشّرت بأفول الدين من الفضاء العام ورفع الطابع السحري عن العالم، تراجع تأثيرها، وصارت في عداد الأدبيات الكلاسيكية التي ينبغي الإطلاع عليها، وظهرت بدءاً من منتصف القرن العشرين، توجهات معرفية جديدة تنادي بضرورة تجديد العدة النظرية والمنهجية لمواكبة ما يجري في الساحة الدينية العالمية من مستجدات.
إن علم الأنثروبولوجيا منذ ميلاده واهتمامه بالنظم الثقافية والدين على رأسها، لم يخض في الأسس النظرية والعقدية للدين على شاكلة الدراسات اللاهوتية أو الفلسفية، بل اتجه صوب الأبعاد التطبيقية للمعتقدات الدينية، وملامسة بعدها المعيش، قصد فهم المعاني والدلالات التي يضفيها الفرد على أفعاله، ومن تم رصد مجموع نظرته للعالم. هذا الهدف، لا يمكن للأنثروبولوجي بلوغه، إلا إذا أخذ بعين الاعتبار البنية الثقافية للمجتمع المدروس، فبينهما تداخل وعلاقة تأثير وتأثر، وأي إغفال لهذه العلاقة يحرم الباحث من فك شفرات النظام الاجتماعي من جهة، ويحرمه من فهم تعدد الصيغ الدينية بين البلدان التي تعتنق نفس الدين من جهة أخرى.
على هذه الشاكلة مثلاً، قدّم الأنثروبولوجي الأمريكي العالمي "كليفورد غيرتز" دراسته المقارنة الوازنة بين إسلام أندونيسيا وإسلام المغرب، تحت عنوان "الإسلام ملاحظا"، وحاول فيه أن يجمع بين أدوات الانثروبولوجي والمؤرخ، إيماناً منه بالتفاعل الموجود بين المنظومات الثقافية والمعتقدات الدينية، وعلى ضوئها استخلص تعدد الصيغ الدينية بين هذين البلدين الإسلامين، النابع من اختلاف التفاعل بين المنظومتين.
هذا الدرس الأنثروبولوجي، وهذا المفتاح المعرفي والمنهجي، يسهل علينا مثلاً فهم طبيعة الإسلام الآن في تركيا الحديثة؛ ففي عاصمتها إسطنبول كمدينة تحتل الصدارة العالمية من حيث عدد مساجدها، تستطيع أن تلمس التعدد الديني لدى ساكنتها أو زوارها، كما تستطيع أن تدرك اختلاف الطقوس تبعاً لاختلاف المذاهب، أو ترى المساجد خاصة العتيقة منها مفتوحة على طول الوقت للزوار والسياح باختلاف نوعهم وجنسهم، كما قد تبصر النساء مثلاً محجبات ويدخن السجائر، هذا بالإضافة إلى وجود كنائس نشيطة يؤدي فيها الناس صلواتهم.
إن تفاعل الإسلام كدين باعتباره مصدر تشريع لقرون طويلة خلال فترة الخلافة العثمانية، مع موجة التحديث القوية والعنيفة التي قادها مصطفى أتاتورك بعد الإعلان عن نهاية الحكم السلطاني في بداية العقد الثاني من القرن العشرين، أبان عن مرونة الإسلام، وطبيعة تفاعله مع التغيرات الاجتماعية التي مرت منها تركيا، فالكيفية التي يعيش بها الأتراك معتقداتهم الدينية في حياتهم اليومية، تشهد على حجم التحديث التي طالت ذهنياتهم وأنماط تفكيرهم، وعلى درجة العلمنة التي تمكنت من النفاذ إلى أعماقهم، بحيث صار الشأن الديني مسألة خاصة، متعلقة بالفرد وحاجته إلى البعد الروحي، والفضاء العمومي هو ملك للجميع، ولا يحق لأي فئة دينية دون أخرى أن تستحوذ عليه، وأن وظيفة الدولة لا تعني تحريك الأوراق الدينية والطائفية واللّعب على أوتارها، بقدر ما تكمن في ضمان الأمن والسلم والحرية، والوقوف بنفس المسافة والقدر مع جميع المعتقدات، دون الميل لجهة دون أخرى، أو تغليب نمط على آخر.
هذا المستوى الذي وصلت إليه التجربة التركية في علاقتها بالمسألة الدينية، لم يأت من فراغ، أو بين ليلة وضحاها؛ فإرساء معالم الدولة الحديثة، والانخراط في سيرورة التحديث منذ فترة مبكرة، نتيجة الاحتكاك بالغرب، والإصلاحات الكبيرة التي باشرتها سواء في فترة الخلافة العثمانية أو بعد سقوطها، وظهور الدولة القومية، كانت عوامل كلها مساهمة في خلق هذا النوع من الإسلام أو هذه الصيغة من الدين، والتي تختلف كل الاختلاف عن الإسلامات الموجودة في الدول المتبنية لنفس الدين، والتي لا زال مسلسل التنمية والتحديث يسير بوتيرة بطيئة، تحت فعل فاعل.



#زكرياء_مزواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة زاكي باشا أفندي البطولية إلى الديار الاسطنبولية
- المُثَقّفُ المنشود في رواية -عبد الرحمن والبحر- لخالد حاجي
- في ضيافة بيت العنكبوت: من بيت من وهن إلى بيت من زجاج
- الكَهْفُ الافتراضي: هل فكرنا يوماً في السوشيال ميديا أَمْ عَ ...
- الجنس البارد
- نوستالجيا -سيد لميلود-
- في الحاجة إلى تعليم ذكوري
- المدرسة والمتعلم وتزييف الوعي
- المدرسة سجن كبير
- مجتمع الهمزة... نحو نموذج تفسيري جديد
- الدين والطقسنة القاتلة
- مجتمع الحزقة.. نحو نموذج تفسيري جديد
- مفهوم القودة...نحو نموذج تفسيري جديد
- عيد المولد النبوي الشريف في حينا
- مجتمع -العطية-... نحو نموذج تفسيري جديد
- فصل المقال في تقرير ما بين العلم والعوام من انفصال
- مجتمع الحشية.. نحو نموذج تفسيري جديد
- في رحاب الزاوية
- رمضانُ في الذّاكرة (ج2)
- رمضانُ في الذّاكرة (ج3)


المزيد.....




- موقف -مختلف- لفرنسا بشأن ملاحقة -الجنائية الدولية- لقادة إسر ...
- ماذا قالت تركيا عن سبب تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟
- لماذا -تتناقض- مواقف إدارة بايدن تجاه أوكرانيا وغزة؟.. مسؤول ...
- فرنسا تعرب عن دعمها لـ-استقلالية- للمحكمة الجنائية الدولية
- محاكمة ترمب في القضية الجنائية غير المسبوقة تدخل مرحلتها الن ...
- مجلس الأمن يعقد جلسة مفتوحة لمناقشة الوضع في رفح
- كواليس قرار الجنائية الدولية بشأن كبار القادة في إسرائيل و-ح ...
- الجيش الأميركي: أكثر من 569 طن مساعدات سُلمت لغزة عبر الرصيف ...
- مسؤول أممي: لا مساعدات من الرصيف العائم في غزة منذ يومين
- بايدن: هجوم إسرائيل في غزة -ليس إبادة جماعية-


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زكرياء مزواري - الإسلام في تركيا: انطباعات أنثروبولوجية