|
قوة الأشياء وقوة الأفكار
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 7600 - 2023 / 5 / 3 - 16:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نتحدث عن قوة الأشياء ، للتدليل على قوة الواقع ، وسلطة الأشياء ، في مقابل قوة الأفكار وسلطتها . تشير الأشياء الى سلطة الاحداث ، والوقائع ، والمؤسسات ، والزمان ، والدهر ، حيث تبدو الأفكار أحيانا وكأنها لا شيء ، وقبض ريح ، أمام قوة الأشياء وثقل الوقائع . وقد شهد تاريخ الفكر ، صراعا وتنافسا بين القوتين ، داخل النظرية الواحدة نفسها ، مثلما هو الامر في النظرية الماركسية . فقد إنبرى ماركس في الكثير من كتاباته ، الى نقد الأفكار ، وإظهار مثاليتها ، وتعاليها ، ووهميتها ، وذلك في معرض نقده للفلسفات المثالية ، محاولا ارجاعها الى قاعدتها المادية الإنتاجية ، والى الممارسات والمؤسسات التي تؤطرها وتتحكم فيها . في " الأيديولوجية الألمانية " ، صب ماركس جام غضبه ، على الفلسفة المثالية التي تعتقد باستقلالية الأفكار وقوتها ، وتتصور ان التغير الفكري الفلسفي ، بديل عن التغير السياسي ، وانّ الثورة الفكرية ، تقوم مقام الثورة الاجتماعية . وقد تبلورت فكرة إحتقار الفكر والأفكار في الماركسية ، في الاطروحة الحادية عشرة من اطروحات ماركس حول " فيورباخ " " Fiourbake " ، والتي يقول فيها : " لقد اكتفى الفلاسفة بتأويل او تفسير العامل ، في حين يتعين تحويله " ، أي تغييره ، وهي قولة لم تخل من نبرة إحتقارية للفلسفات النظرية ، وللفكر التأملي عامة ، وكأن لها اسوء الأثر على موقف الماركسيين من الأفكار ، مما جعل المفكر الفرنسي " التوسير " " Altosire " يقول ، بان ماركس كان وضعيا في هذه الفترة " positiviste " .. وهناك فكرة ماركسية أخرى تم افراغها من محتواها السوسيولوجي والفلسفي ، واستعمالها كأداة فكرية للحط من قيمة الأفكار المجردة عن أساسها الاجتماعي ، وهي قولة ماركس الشهيرة : " ليس وعي الناس هو الذي يحدد وعيهم " . لقد تحولت هذه الفكرة بعد اجتثاثها من سياقها الأصلي ، من فكرة منهجية تؤكد الجذور الاجتماعية للأفكار ، او التحديد السوسيولوجي للوعي ، الى أداة للحط من قيمة الفكر والأفكار والوعي . وبعد قيام الثورة الروسية ، شاعت أفكار ذات نفحة وضعية قوية ، لكنها مكيفة مع الماركسية ، من قبيل ان جراراً واحدا ، خير من عشرات الأفكار فيما يخص تغيير ذهنية الفلاحين ، او ان كهربة الريف ، احسن من عشرات حملات التوعية . نعم ، كانت هناك اتجاهات ماركسية تؤكد على " ضرورة الوعي " ، وعلى دور " النضال الأيديولوجي " ، و " البنية الفوقية " كغرامشي مثلا ، لان تحول الماركسية من فكرة ونظرية ، الى مؤسسة تمتلك السلطة ، او تسعى الى امتلاكها ، رفع من معاملها العملي ، والتجييشي والتعبوي . ولم تكن التعبئة والاستقطاب ممكنين ، الاّ بالرفع من قيمة الفعل ، والنضال ، والممارسة على حساب التفكير والتأمل . فالوقت كان وقت تعبئة ونضال ، للحصول على السلطة ، او للحفاظ عليها . لذلك نفترض ان السبب الأساسي في انزلاق اغلب الاتجاهات الماركسية ، الى الاعلاء من شأن الفعل والممارسة ، على حساب التفكير والتأمل ، هو ضرورة التعبئة الجماهيرية التي إقتضاها تحول الماركسية من نظرية الى مؤسسة ، ومن مشروع فكري ، الى مشروع اجتماعي وسياسي ، ومن طوبى الى دولة . لكن الطريف في ذلك كله ، انه في الوقت الذي كان الماركسيون منشغلون بالدعوة الى الممارسة ، والحد من شأن التفكير ، كانت الأفكار الماركسية تسري في العقول والنفوس ، سريان النار في الهشيم ، حيث استولت الأفكار الماركسية على العديد من العقول الكبيرة في هذا القرن ، وعلى وجدان الملايين من الناس في العالم ، واسهمت في قلب ، او محاولة قلب الكثير من الأنظمة السياسية والأيديولوجية في الشرق والغرب ، وغزت اذهان ونفوس النخب المثقفة ، والجماهير في العالم الثالث ، ممارسة وتأثيرا بلغ حد الافتتان والسحر . وقد الحقت الأفكار الماركسية حول أولوية الممارسة والفعل والتغيير ، على المعرفة والتأمل والنظر ، مساسا كبيرا بفكرة فاعلية واهمية الأفكار ، وذلك بسبب الخلط بين التحديد السوسيولوجي ( المادي ) للأفكار التي الحّت عليها الماركسية ، في اطار صراعها ضد الاتجاهات المثالية ، وتحت ضغط متطلبات النضال ، والانخراط في الفعل التاريخي ، والحط من شأن الفكر ومن قيمة الأفكار . ولا شك ان هذه الموجة تضاءلت الآن ، وتبين انّ من الضروري التمييز بين المستوى الابستيمولوجي ( المعرفي ) الذي يلح على المحددات المادية ( السوسيولوجية ) للأفكار ، وبين القاعدة المعروفة والمتداولة منذ القدم ، حول فعالية الأفكار ، وقوتها ، وسلطتها . فالأفكار كما يقول " كارل بوبر " ، هي اخطر الأشياء وأقواها ، وان كانت أيضا اكثر الأشياء خبثا ومكرا ، لأنها لا تحمل قيمتها في ذاتها ، بل تعكس ، بدرجة او أخرى ، ارادات في التضليل او الاستغلال ، او خدمة الطغيان والاستبداد ، او تغليف الحقد او مقاومة الرغبة ..
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاتحاد المغربي للشغل
-
اليسار الجديد والعمل النقابي
-
تاريخ المقاومة المغربية الشعبية لقبائل زيان المجاهدة أبناء خ
...
-
تحليل الدولة العلوية ( 6 )
-
تحليل الدولة العلوية ( 4 )
-
تحليل الدولة العلوية ( 3 )
-
تفكيك الدولة العلوية ( 2 )
-
تفكيك الدولة العلوية
-
الاحلاف .
-
وجهة نظر في الديمقراطية ( الفصل الثالث )
-
وجهة نظر في الديمقراطية ( 2 )
-
وجهة نظر في الديمقراطية
-
الديمقراطية كأداة للترويض السياسي
-
السياسة بين الحب والحرب
-
الغلاء وارتفاع الأسعار في المغرب .
-
العقلنة المشوهة
-
العيّاشة المُتعيّشون من السياسة
-
هل إسرائيل في طريقها الى الزوال ؟
-
في الثقافة السياسية
-
هل ستفعلها المملكة العربية السعودية ، وهل سيفعلها الرئيس الر
...
المزيد.....
-
بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير
...
-
الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي
...
-
السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن
...
-
التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد
...
-
-السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل
...
-
البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
-
بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب
...
-
هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
-
تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
-
إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|