أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس الخلوفي - حكايات عادية جدا، الحكاية الثالثة عشر: رب ضارة نافعة.














المزيد.....

حكايات عادية جدا، الحكاية الثالثة عشر: رب ضارة نافعة.


إدريس الخلوفي
أستاذ باحث

(Lakhloufi Driss)


الحوار المتمدن-العدد: 7590 - 2023 / 4 / 23 - 23:06
المحور: الادب والفن
    


لأول مرة يقضي العربي ليلة في ضيافة الأمن. لم يغمض له جفن، وتوالت عليه الهواجس من كل صوب وحدب، تارة يعتقد أن جريمة ذبح الصبي قد كشفت، وتارة، يشك أن بوجمعة مجرم خطير متورط في جريمة سيلبسها معه....وما زاد من آلامه وهواجسه، هيأة الزنزانة الصغيرة التي حشر فيها مع بوجمعة، فقد كانت ضيفة لا تتجاوز المترين، جدرانها رطبة وباردة مشبعة بالماء، غير مطلية، بها تشققات تسكنها مختلف أنواع الحشرات من بق وعناكب، وغيرها مما يصعب وصفه، رائحة نتنة تنبعث منها وتزكم الأنوف، إنها مزيج من رائحة البول والغائط تراكمت مع مر الزمن، هي مزيج من مخلفات، وآلام، ومعاناة كل من مرو من هنا. ارضيتها، لزجة من آثار الدماء والقيء الذي خلفته هراوات رجال الأمن ترحيبا بكل زائر جديد....
أما بوجمعة، فقد غط في نوم عميق، فمكان كهذا مألوف بالنسبة إليه. مرت تلك الليلة كشهر على العربي، ومع اقتراب بزوغ الشمس، كان جسد العربي قد انهار من التعب، وبدأت جفونه تمتثل للوسن، ولم يستيقظ إلا على جلبة صوت مجلجل نتج عن ضرب الحارس باب الزنزانة بعصاه الخشبية.
استيقظ العربي مفزوعا وهب واقفا، رمق بوجمعة بجانبه وهو يدخن سيجارة، ابتسم في وجهه وقال: كيف وجدت ضيافة المخزن؟
لم يجب العربي بكلمة، في حين أخرج بوجمعة سيجارة وناولها إياه، لم يسبق للعربي أن جربها من قبل، لكن وجد نفسه فجأة وبدون أي تفكير يمد يده نحوها ويتناولها. امسكها بيد مرتعشة وهو يقول: بعد قتل الصبي، ودخول الزنزانة ما العيب في السيجارة؟ دخلنا عالم الإجرام، فلندخله إذن من الباب الواسع، تدخين سيجارة لن يزيد شيئا ولن ينقصه.
أشعل بوجمعة الولاعة وقربها من وجه العربي في إشارة منه لإشعالها، لم يمانع العربي، بل استسلم لرغبة دفينة في أعماقه، إنها رغبة الاحتراق، أو رغبة الإحراق، فاختلط لهيب الولاعة بلهيب صدر العربي، أخذ العربي نفسا عميقا وملأ رئتيه بالدخان، تبعه سعال شديد حتى ادمعت عينيه، وبدأ يشعر بدوخة خفيفة ودوار، لم ينتبه إلا على قهقهات بوجمعة الذي دخل في نوبة ضحك شديدة حتى ظهرت أضراس العقل.
تأمل العربي خيط الدخان المتصاعد من السيجارة، فتذكر دخان الكوشة التي كان يصنعها والدة بالقلعة السوداء عندما كان يريد إنتاج الفحم، وتذكر معها حراس الغابة الذين كانوا يطاردونه بسبب قطعه لاشجار الغابة ، وهم لا يعلمون أنهم بذلك يطاردون لقمة العيش التي تسد افواها كثيرة تنتظر بيع الفحم واقتناء مستلزمات العيش البسيطة....
دخل الحارس مخاطبا اياهما: هيا يا أبناء العاهرة، تبعناه مستسلمين، إلى أن دخلنا مكتب صاحب البطن الكبير، وجدناه جالسا على كرسي وممدا قدميه فوق المكتب الخشبي القديم.
وقفنا أمامه صامتين، ودون أن يرفع رأسه قال: لحسن حظكما لم نجد شيئا، أين خبأتما المخدرات يا كلاب؟
رد بوجمعة: لا نعرف عن أي شيء تتحدث يا سيدي.
دون أن يرد، اخرج الضابط أورق شاحنة بوجمعة، وناوله إياها مردفا: سأمسك بك متلبسا عاجلا أم آجلا.
خرجنا، وأنا أقول في نفسي: محنة أخرى وزالت، لا بأس فقد مررت بأسوأ منها، ويعلم الله ما ينتظرني في القادم من الأيام.
صعدنا الشاحنة، أشعل بوجمعة المحرك، وبعدها أشعل سيجارة ناولني إياها، وأخرى من أجله، جذبت نفسا منها لكن لم اسعل كالسابق، اظنني بدأت اعتاد عليها. نظر بوجمعة في عيني وقال: أريد تفسيرا لما وقع.
نظرت إليه باستغراب وقلت: لم أفهم.
رد علي دون أن ينتظرني لأكمل جملتي: لقد كنت أحمل مخدرات، والأمن علم ذلك من واش، وهذا أمر مفهوم، لكن ما لا يفهم هو أين اختفت المخدرات؟
قلت: وأين كنت تضعها؟
اجاب: هناك، حيث تضع قدميك.
اجبت: أظن أنها سقطت حيث أركبتني في الشاحنة، فعندما فتحت الباب سمعت صوت شيء يسقط، لكن مع الظلام لم اتبين ما هو، ولم اقل لك شيئا لأنني لم أكن واثقا من الأمر.
ضحك بوجمعة ضحكة مدوية وقال: أنت وجه سعد علي، لقد انقدتني من السجن، جميلك هذا سأرده لك.
كنا قد اقتربنا من مقهى، فتوقف بوجمعة بجانبه وسألني: لا بد أنك جائع؟
هززت رأسي موافقا.
قال لي: حسنا لنجلس قليلا نتناول فطورنا ونأخذ قهوة ولنرى ما سنفعل لاحقا.
جلسنا فطلب بوجمعة فطورا لشخصين وقهوة سوداء لكل واحد منا.
تناول وجبته بسرعة، وعب قهوته في جرعة واحدة، وهب واقفا: انتظرني هنا، سأعود إلى المكان الذي سقطت به البضاعة، وإن وجدتها، فلك مني مكافأة.
يتبع......



#إدريس_الخلوفي (هاشتاغ)       Lakhloufi__Driss#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات عادية جدا، الحكاية الثانية عشر، المصائب لا تأتي فرادى
- بعض معيقات الجودة بالمنظومة التربوية بالمغرب، دراسة حالة عبر ...
- تحليل الوثائق والمستندات كأداة للبحث السوسيولوجي، نموذج لدرا ...
- حكايات عادية جدا، الحكاية الحادية عشر: جريمة ميتافيزيقية
- حكايات عادية جدا، الحكاية العاشرة - القربان
- حكايات عادية جدا، الحكاية التاسعة - سيدي العربي
- حكايات عادية جدا، الحكاية الثامنة - عقول صغيرة جدا
- حكايات عادية جدا، الحكاية السابعة - الثقافة والطبيعة
- حكايات عادية جدا، الحكاية السادسة- همسات من الماضي
- حكايات عادية جدا، الحكاية الخامسة- تعبير الرؤيا
- حكايات عادية جدا الحكاية الرابعة- جنازة العربي
- حكايات عادية جدا، الحكاية الثالثة: الأسطورة
- حكايات عادية جدا - السفر-
- حكايات عادية جدا
- موضوعية علم الاجتماع وموضوعية عالم الاجتماع
- التنظيم البيروقراطي: من العقلانية الإدارية إلى عرقلة الإبداع
- العقلانية الجديدة والقرار: ميلاد المدرسة التفاعلية
- العقلانية الكلاسيكية والقرار الإداري
- التحليل الكيفي عبر التنظير، نحو أفق منهجي جديد للسوسيولوجيا
- المنظومة التربوية وإشكالية الجودة


المزيد.....




- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس الخلوفي - حكايات عادية جدا، الحكاية الثالثة عشر: رب ضارة نافعة.