أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس الخلوفي - حكايات عادية جدا - السفر-















المزيد.....

حكايات عادية جدا - السفر-


إدريس الخلوفي
أستاذ باحث

(Lakhloufi Driss)


الحوار المتمدن-العدد: 7304 - 2022 / 7 / 9 - 07:33
المحور: الادب والفن
    


حكاية عادية جدا
الحكاية الثانية: السفر
خرج العربي في جنح الظلام وفي خلده ألف سؤال وسؤال، هل ما فعله هو الصواب؟ أي وجهة يتوجه؟ هل ستسير أموره على ما يرام؟ ما ردة فعل والده الذي بدأ عظمه يهن؟ وكيف ستتقبل أمه أمر غيابه؟ وهل ستنتظره فاطنة حتى يحقق حلمه ويعود؟؟؟؟
أسئلة كثيرة زادت من ظلمة تلك الليلة الدهماء، فجأة توقف العربي الذي كان قد قطع مسافة تقارب الخمس كيلومترات عن الدوار الذي كان يسكنه، ولأول مرة نظر إلى الوراء وكأنه ينتظر أن يلمح في جنح الظلام أحد إخوته أو والده يلحق به ليثنيه عن مواصلة المسير، لكن لا شيء يبدو في هذه الظلمة الحالكة التي لا ترى فيها يدك لو مددتها أمامك. هل أعود، أم أواصل؟ لكن ماذا لو عدت؟ سأتسلل إلى فراشي، وأكمل نومي، وتوقظني أمي بعد الفجر بقليل، أتناول فطوري الذي يتكون من خبز الشعير، وزيت الزيتون، والشاي، أخرج اغنامي بعد أن أحمل معي زادي المتكون من خبز الشعير والزيتون الأسود، وقربة ماء، أخرج مع الأغنام ولن أعود إلا مع غروب الشمس، وتتكرر العملية في دورة سرمدية لا تنتهي .... ما إن انتهى العربي من تذكر مشواره اليومي حتى أحس بتقزز جعله يواصل سيره ولا يلتفت أبدا للوراء، انطلق كالسهم لا يلوي على شيء، أي حياة هذه تستحق أن تعاش؟ لا لن أعود مهما كان الأمر، والدي سيغضب قليلا لكن سينسى الأمر، ووالدتي ستبكي أسبوعا وتعتاد على غيابي، أما فاطنة فسرعان ما ستنساني بحضور أول عريس، وفيما سأفيدها أنا؟ نتزوج لننجب رعاة وخادمات؟ ههههههه ضحك بسخرية، لن نعيد إنتاج المأساة، هل الحياة التي نعيشها حياة؟ نعيش في أكواخ طينية نتقاسمها مع البهائم، نشرب مياه ملوثة مشبعة بالحشرات، لا زلنا نستنير بالشموع وبقناديل الغاز، لا طريق تربطنا بالحواضر، ولا مستشفى نتعالج فيه إذا مرضنا، حتى نساؤنا نصفهن تمتن عند الإنجاب، لن أعود، لن أعود، لن أعود.
بدأ يسرع في خطواته وقد تشبعت روحه بحماس شديد، في الوقت نفسه الذي بدأت تباشير الصباح تلوح في الأفق، فقرر أن يبتعد عن الطريق الترابي الذي كان يسير فيه تفاديا لملاقاة أي فرد أو سيارة من معارفه، لأنه قرر أن تكون رحلته سرا، فانحرف إلى طريق وسط الغابة والأحراش سيتحمل صعابه، لكن سيضمن سرية رحلته.
بعد أذان الفجر، استيقظت والدة العربي، وأعدت وجبة الإفطار كالعادة، وشرعت في إيقاظ أفراد الأسرة لتناول وجبتهم اليومية المكونة من خبز وزيت وشاي، ثم يبدأوا يومهم الذي يشبه ألف يوم سبقه. أيقظت الجيلالي أولا بعد أن كانت سخنت غلاية ماء للوضوء، وتوجهت مباشرة إلى شبه غرفة ينام فيها باقي الأبناء الذكور، وعددهم أربعة ، كان العربي أكبرهم، بينما الصغير الذي لم يتجاوز الأربع سنوات، فكان ينام مع والديه، وفي غرفة أخرى كانت تنام البنات، كبراهم خطيبة عياد صاحب الشاحنة، وكانت أصغر من العربي بنحو سنة، أي شارفت على الثامنة عشرة من عمرها، والثانية كانت في السادسة عشر، أما الصغيرة فكان عمرها عشر سنوات.
بدأت الأم في إزالة الأغطية عن الأبناء وتركلهم بقدميها، لأنهم عادة ما يرفضون الاستيقاظ، وهي تصيح، هيا يا خنازير استيقظوا، تتقنون النوم فقط، سدت أنفها بيدها وهي تصرخ: إخخخخخخ، يا للرائحة الكريهة، هب الأبناء بسرعة تفاديا لمزيد من التوبيخ والسباب والركل، فلا فائدة من المقاومة، وأن يستيقظوا على سمفونية والدتهم، أفضل من حضور الجنرال الجيلالي، لأن الأمور آنذاك ستتحول إلى ضرب وجرح وهذا الأمر لا يتمناه أي من الأبناء.
حضر الجميع إلى غرفة الطعام، أقصد إلى غرفة متعددة الاستعمالات، فهي مطبخ، وغرفة أكل، ومخزن، مؤونة، وقاعة اجتماعات....قرفص الجميع أمام خوان لا يعدو ارتفاعه ثلاثين سنتمتر فوق الأرض، لكن لاحظت الأم غياب العربي، فقد ظل مكانه شاغرا، سألت إخوته: أين العربي؟ رد الجميع بلسان واحد: لا ندري.
قال الجيلالي: لعله خرج لقضاء غرض ما، والمقصود بالغرض قضاء الحاجات البيولوجية، فلم يكن مرحاض بالبيت، وافق الجميع على هذه الفرضية بهزهم لرؤوسهم، تناولوا طعامهم وخرج كل واحد إلى عمل مسند إليه بشكل منتظم، فالفتاة الكبيرة تقوم لكنس الزريبة وحلب البقرة وإناث الغنم، أما الوسطى فكانت تقوم بمساعدة أمها في العجن والطبخ والكنس، في ما كانت الصغرى تصحب أخاها الذي يصغرها بسنة، يقوما بوضع سرج يسمونه بقريتهم " البردع" على الحمارة، ويقطعا بها مسافة تقارب العشر كيلومترات بين الذهاب والإياب، لجلب ماء الشرب الذي هو أصلا غير صالح للشرب ، أما باقي الذكور، فتتوزع أعمالهم بين رعي، وجلب الحطب الذي يستخدم للطبخ والتدفئة، والقيام بأعمال فلاحية حسب الموسم، بين حرث وتشذيب، وجني ثمار.... هكذا كانت حياتهم تسير.
مر الوقت لكن لا أثر للعربي، طلبت الأم من إحدى بناتها أن تنادي بأعلى صوتها على العربي لتتبين أين هو، امتثلت الفتاة ووضعت يديها مفتوحتين أمام فمها لتجعله كمكبر صوت ونادت: واااااالعربي مرات عديدة، كان صدى صوتها يردده الجبل المقابل، لكن لا أثر للعربي.
عند الظهيرة عاد الجميع للبيت، حتى الأب الذي كان قد ذهب إلى دكان الدوار الذي يعتبر أيضا بمثابة مقهى، حيث كان يلتقي زمرة من أصدقائه يتبادلون أطراف الحديث، لكن والأهم يلعبون الورق، حيث كان شغلهم الشاغل هو لعب لعبة الورقة الرابحة، وهي لعبة تسمى محليا " البلوط"، كان يعشق هذه اللعبة لدرجة أنه كان أحيانا يخرج للعبها صباحا، ولا يعود إلا بعد منتصف الليل، خصوصا عندما تشتد المنافسة مع الخصمين، فهي لعبة كانت تلعب بأربعة لاعبين، كل لاعبين يشكلان فريقا، يجلس الأربعة على صناديق المشروبات الغازية، ويضعون بينهم طاولة خشبية مهترئة يلعبون الأوراق فوقها، وعادة ما كان الجيلالي يرفض الهزيمة، وإذا تغلب الفريق الخصم كان يلوم صديقه، وكان الفريق المكون من أحمد ولد الفقيه، وسعيد من أشرس الخصوم، حيث أن الانتصار عليهما كان بمثابة إنجاز يفتخر به لأسبوع أو أكثر، ومن طرائف الجيلالي مع لعبة البلوط، أنه أكثر ذات مرة من عودته المتأخرة للبيت بعد منتصف الليل، فتضايقت زوجته من ذلك وسألته: ما الذي يؤخرك حتى هذا الوقت؟ أجاب الجيلالي؟ إنه البلوط. فردت باستغراب: وما الممتع في هذا البلوط حتى يسلبك إلى هذه الدرجة؟ عندئذ قال الجيلالي قولته التي أصبحت مشهورة لدرجة أن كل رجال القرية أصبحوا يرددونها إذا ما تم لومهم على التأخر أو الإفراط في اللعب، قال: آه يا زوجتي، لو علمت بحلاوة وقيمة البلوط، لكنت تسبقينني إلى الدكان.
العربي لم يعد، ارتسمت علامات القلق على وجه الأم، وبدأت تردد بصوت هامس لكن مسموع: "يا ربي يا سيدي، أين العربي؟" فيجيبها الجيلالي: إهدئي يا امرأة، العربي رجل، تراه منشغل في أمر ما وسيعود، تصمت الأم مرغمة، لكن ترسم على شفتيها علامة الحيرة، وتضرب بيدها على صدرها في صمت.
عند الظهيرة كان العربي قد ابتعد كثيرا عن القرية التي ينتمي إليها، ودخل قرية أخرى، وقد كان الجوع قد بلغ منه مبلغا شديدا لدرجة لم يعد يقوى على السير، أخذ يتطلع لعله يرى رجلا أو صبيا يطلب منه لقمة تسد رمقه، لكن دون جدوى، هل هي قرية بلا رجال؟ بعد لحظة سمع صبيا صغيرا ينادي: عمي عمي، التفت العربي وقال: تقصدني أنا؟ نعم، أجاب الصبي، ماذا تريد يا فتى؟ إن أمي مجتمعة مع نساء القرية في بيتنا وقد أرسلتني إليك كي تحلل طعامنا، إننا نريد الأكل لكن الطعام حرام. استغرب العربي وتساءل مع نفسه: كيف الطعام حرام؟ هل هو من لحم الخنزير؟ أم هو طعام مسروق؟ فليكن ما يكن، المهم أسد جوعي وبعدها ننظر في الحلال والحرام.
يتبع.......



#إدريس_الخلوفي (هاشتاغ)       Lakhloufi__Driss#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات عادية جدا
- موضوعية علم الاجتماع وموضوعية عالم الاجتماع
- التنظيم البيروقراطي: من العقلانية الإدارية إلى عرقلة الإبداع
- العقلانية الجديدة والقرار: ميلاد المدرسة التفاعلية
- العقلانية الكلاسيكية والقرار الإداري
- التحليل الكيفي عبر التنظير، نحو أفق منهجي جديد للسوسيولوجيا
- المنظومة التربوية وإشكالية الجودة
- مدرسة العلاقات الإنسانية: من الإنسان الآلة إلى إنسان العواطف


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس الخلوفي - حكايات عادية جدا - السفر-