أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس الخلوفي - حكايات عادية جدا، الحكاية الثامنة - عقول صغيرة جدا















المزيد.....

حكايات عادية جدا، الحكاية الثامنة - عقول صغيرة جدا


إدريس الخلوفي
أستاذ باحث

(Lakhloufi Driss)


الحوار المتمدن-العدد: 7318 - 2022 / 7 / 23 - 16:26
المحور: الادب والفن
    


حكايات عادية جدا، الحكاية الثامنة – عقول صغيرة جدا
بعد أن أشبع جوعه، فكر العربي في قضاء بضعة أيام في وادي الندم، لكن أين سيستقر؟
فكر مليا، وسرعان ما خطرت على باله فكرة. فعندما كان على مشارف البلدة، رأى بناية إسمنتية مزخرفة بشتى اشكال الألوان والرسوم، وأمامها لافتة كتب عليها: ضريح "سيدي علي بوعلام"، فقرر مباشرة زيارته ليرى إن كان مناسبا للاستقرار.
توجه صوبه، وبعد دقائق معدودة، كان أمام بابه: بناية في حجم منزل عادي، له باب ذو دفتين، مصنوع من خشب وبه زخارف ونقوش، دفع الباب فانفتح، لم يكن يغلق فهو مفتوح دائما في وجه زبائنه الذين كانوا في الغالب من النسوة، وجد العربي أمامه بناية من حجرة واحدة، لكنها واسعة جدا، فهي غرفة بحجم منزل، مساحتها تتجاوز المائة متى مربع، يتوسطها قبر المرحوم والذي تم وضع صندوق خشبي فوقه هو بحجم القبر طولا وعرضا، يسمى محليا "الضربوز"، ويرفع بحوالي المتر ونصف فوق الأرض، كان الصندوق مغطى بأصناف من الأثواب الفاخرة أفضل من الأسمال البالية التي يرتديها نصف سكان البلدة، ومن جهة رأس القبر، كانت هناك حفرة يستخرج منها تراب يسمونه " الرقي"، كان سيدي علي بوعلام طبيبا للمرضى، تقصده المرأة – وخاصة العجائز – وتخبره عن مرضها، ثم تأخذ الرقي، وتلطخ به جبهتها، ومكان الألم، ثم تخرج وقد زال الألم، وهو يكون في الغالب مرضا وهميا، تتوهمه المرأة لتتخذه دريعة للخروج من البيت، وأحيانا يكون الإحساس بالتعافي مرتبطا بالإيمان الشديد ببركة الولي، فقد يكون المرض حقيقيا، وقد لا تعطي زيارة الضريح نتيجة، لكن لا يجرؤ أحد على القول أن صحته لم تتحسن بعد زيارة المقام الرفيع، فذلك لا يجوز لعدة أسباب، أولا: لأن هناك تعاقد لا شعوري بين أهل البلدة حول بركة الولي، فلا يستطيع أحد التصريح بعدم جدوى العلاج، ثانيا: زيارة الولي كانت مرتبطة بالنية، والتصديق، وإذا شكك أحد في بركة الولي، يتهم بأنه قليل النية، وبالتالي فالعيب فيه وليس في الولي، ولا أحد يقبل عن نفسه أن يظهر بمظهر المشكك أو الجاحد. ثالثا: لأن زوار الضريح لم يكونوا من الأهالي فقط، بل من مختلف المناطق، وسمعة البلدة وقيمتها ستصبح رخيصة في أعين الغير إذا تم التشكيك في بركة الولي.
كانت أرضية الضريح مغطاة بالرخام، وفوق الرخام فرشت زرابي فاخرة لا ترى مثلها إلا في بيوت الأغنياء، وجدرانه مطلية بعناية، وتفوح منه رائحة العطر المنبعثة من أنواع البخور الذي تحضره النسوة، فكلفة العلاج كانت عبارة عن بخور أو شموع أو بضع دراهم توضع في صندوق صغير، عندما يملأ، يأتي شخص وصي على الضريح، ويستخرج المال الذي فيه، وهو عادة ما يعتبر أجرته التي يتلقاها مقابل العناية بنظافة الضريح، أما عندما يكون هناك قربان على شكل ذبيحة، فكان يأخذ جزءا منها لبيته، ويعطي الجزء الثاني لجزار يتكلف ببيعه ومناولته الثمن لاحقا.
وسط سقف الضريح كانت ثريا مزخرفة ومليئة بالمصابيح، معلقة بسلسلة من نحاس.
أي محظوظ هذا الذي مات قبل خمس مائة سنة أو أكثر، ويحظى بمسكن و إنارة، واحترام، وتقدير، وعطايا، وذبائح، وموسم سنوي يجتمع فيه علية القوم، وتخصص الدولة ميزانية لهذا الموسم تكفي لبناء مسجد أو مدرسة...في الوقت الذي ينام فيه أحياء تحت النجوم، أشباه عرايا، دون غطاء، جوعى يقتاتون من القاذورات...هذا النظام العقدي محمي بشكل كبير، وتتم تغذيته باستمرار، إنه نظام إيديولوجي، تتوفر فيه الوظائف الثلاث للإيديولوجيا، التي تحدث عنها الفيلسوف بول ريكور والتي لخصها في: وظيفة التشويه، ووظيفة التبرير، ثم أخيرا وظيفة الإدماج، فهذه الأخيرة تتجلى بوضوح في دور الضريح، إن الجثة المدفونة في الضريح تستغل إلى أقصى الحدود.
حرك العربي الصندوق الخاص بالهبات، فوجده ثقيلا، كان به قفل قديم، جرب العربي فتحه بمسمار كان ملقى على الأرض، فانفتح بسهولة، كيف لم يسرق أحد هذه الأموال؟ إن درجة تصديق الأهالي لبركة وكرامة الولي، تجعلهم ينأون بنفسهم عن مثل هذا الفعل، فهناك قصص متداولة حول أشخاص سرقوا أموال الضريح فمسخوا إلى خنازير، أو قردة...ولا أحد يقبل عن نفسه أن يتحول إلى خنزير، أما العربي فقال في نفسه، سآخذ بعض النقود التي أحتاجها الآن، وأترك الباقي للمرات القادمة في حال بقيت إنسانا، لست خائفا من التحول إلى قرد أو خنزير، قد تكون حياتهم أرحم من حياة الإنسان، على الأقل سأعفى من مسؤوليات كثيرة ملقاة على عاتق هذا الظلوم الجهول .
أخذ حفنة مال، وأعاد إقفال الصندوق، وقصد البلدة للبحث عن مطعم يتناول به عشاءه، وذلك ما كان. بعد أن تعشى، تراءى له مقهى في الشارع المقابل، فقصده، كانت تلك المرة الأولى التي يدخل فيها مقهى غير دكان القلعة السوداء، جلس في زاوية منعزلة في محاولة لتفادي عيون الزبائن التي كانت تتفحصه لدرجة أحس وكأنها ستلتهمه، اقترب منه النادل سائلا إياه بأدب: هل ترغب في مشروب يا سيدي؟ رد العربي: ماذا لديكم؟ أجاب النادل بابتسامة عريضة: كل أنواع القهوة، الحليب، العصير، المشروبات الغازية، الشاي...
أطرق العربي برأسه وقال: سأجربها جميعا، ابدأ بالقهوة، ثم بعد ذلك أحضر كل صنف عندما ترى أنني فرغت من السابق، ابتسم النادل من جديد وقال: حاضر، وهو يحاول إخفاء دهشته من هذا الطلب الغريب.
تذوق العربي فنجان القهوة، وجد أن طعمها مر كما أن حجمها صغير. فكر أن يعدل عن شربها، لكن خشي أن يظهر بمظهر شخص بليد، تجرعها بمرارة دفعة واحدة، ونادى النادل ليحضر شيئا آخر.
كان هناك في زاوية من المقهى شخص يرتدي حداء رياضيا مع سروال ثوب، وقميصا عليه العلم الأمريكي، ويعتمر قبعة على جبينها الحرفين الأولين لولاية نيو يورك بالأحرف اللاتينية، كان هذا الشخص لا يزيل عينيه عن العربي، وأمامه ورقة يدون عليها من حين لآخر.
بعد أن أنهى العربي مشروباته، قام ودفع الحساب، وخرج قاصدا ملجأه الجديد.
دخل العربي إلى الضريح واختار زاوية من زواياه جعلها مضجعا له، وراح يغط في نوم عميق.
لم يصح العربي إلا صباحا على ضجة قوية، وصوت يصرخ في وجهه: هيا استيقظ أيها الغريب.
قام العربي مفزوعا، ليجد نفسه أمام صاحب القبعة الذي كان يرمقه بالمقهى، وشخص يرتدي ثيابا تقليدية مكونة من جلباب وطربوش وبلغة، وثالث يرتدي ثياب رجال الأمن، وخارج الضريح تجمهر عشرات الأهالي.
يتبع....



#إدريس_الخلوفي (هاشتاغ)       Lakhloufi__Driss#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات عادية جدا، الحكاية السابعة - الثقافة والطبيعة
- حكايات عادية جدا، الحكاية السادسة- همسات من الماضي
- حكايات عادية جدا، الحكاية الخامسة- تعبير الرؤيا
- حكايات عادية جدا الحكاية الرابعة- جنازة العربي
- حكايات عادية جدا، الحكاية الثالثة: الأسطورة
- حكايات عادية جدا - السفر-
- حكايات عادية جدا
- موضوعية علم الاجتماع وموضوعية عالم الاجتماع
- التنظيم البيروقراطي: من العقلانية الإدارية إلى عرقلة الإبداع
- العقلانية الجديدة والقرار: ميلاد المدرسة التفاعلية
- العقلانية الكلاسيكية والقرار الإداري
- التحليل الكيفي عبر التنظير، نحو أفق منهجي جديد للسوسيولوجيا
- المنظومة التربوية وإشكالية الجودة
- مدرسة العلاقات الإنسانية: من الإنسان الآلة إلى إنسان العواطف


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إدريس الخلوفي - حكايات عادية جدا، الحكاية الثامنة - عقول صغيرة جدا