قبل ضياع الجنَّة؛ صادق عبد القادر

مهند طلال الاخرس

الحوار المتمدن-العدد: 7575 - 2023 / 4 / 8 - 00:02
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    

قبل ضياع الجنة رواية ملحمية ضخمة من مجلدين وتقع على متن 959 صفحة [المجلد الاول 424 ، والثاني 535] والصادرة عن دار الآن ناشرون وموزعون سنة 2018 في الاردن.

رواية سياسية واجتماعية وتاريخية يتركز الجزء الاول منها حول حياة المجتمع الفلسطيني في الريف في فترة زمنية انتقالية بين عهدين؛ العهد العثماني والعهد البريطاني، اذ تلج الرواية الريف الفلسطيني لتقدم ثلاث نماذج تحكمت فيه وشكلت أدوات أساسية للحكم العثماني: الاقطاعيين، المخاتير، ورجال الدين الادعياء؛ هؤلاء مثلوا الجوقة والبطانة التي تتغير ولائاتها بتغير البسطار الحاكم؛ فما أن جاء الاستعمار البريطاني حتى غيروا جلدهم [لبسوا الافرنجي والطربوش] وخلعوا العثماني، وصارو ركائز للحكم البريطاني .

الرواية تفضح خيانه هؤلاء وتظهر قبح أفعالهم، تسقط أقنعتهم وتعري إدعاءاتهم الكاذبة والذين لاهم لهم سوى حفظ مصالحهم وشهواتهم وتسلطهم وساديتهم بصرف النظر عن مصلحة الوطن اين تكون.

يتناول الجزء الاول الحياة الاجتماعية والسياسية لاهل قرى رام الله ولاسيما "يبرود وعين يبرود ودورا القرع" وذلك من خلال سيرة احد الوجهاء [ المختار عبدالحق ابو رضوان] واسرته، ومن خلال استعراض سيرة ومسيرة هذا الوجيه يتم استعراض الاحداث والمحطات المهمة في التاريخ الفلسطيني في تلك الفترة، ومع خطوات عبدالحق وافعاله تجري وتدور احداث الرواية .

الرواية بنيت احداثها حول شخصية المختار عبدالحق؛ فمن خلالها تأتي سيرة جده الكهل، وابنه رضوان، والبنات ولا سيما ابنته سارة والتي تهج وتطفس من البيت بسبب افعال والدها المشينة، وابنه القرد (المبروك) ، وزوجته جميلة، واملاكه وطمعه وجشعه وسكره وعلاقته مع الاتراك ثم البريطانيين ومولاته لهم على حساب الاهل والوطن وفي سبيل منافعه ومطامعه الشخصية.

فيتتبع الكاتب وعلى لسان ابطال الرواية الظروف الاجتماعية وطبيعة العلاقات العائلية والمصلحية وظروف الاقطاع ونفوذه واملاكه وجشعه واسباب الزيجات والخصومات والنزاعات.

اضافة الى ذلك فان الكاتب نجح بتسليط الضوء على كثير من الموروث الاجتماعي السائد انذاك، كالزواج ونقل الحكي والتشهير بسمعة الاخرين ولاسيما النساء، هذا عداك عن تسليط الضوء على بعض العادات الاجتماعية في الزواج والافراح والماتم، مثل الولادة والطهور وحب انجاب الذكور والحجب والحسد والغيرة وما الى ذلك.

لكن يبقى الجانب الاهم في الرواية اضافة للجانب الاجتماعي، هي تلك الصفحات التي تنطلق منها سطور النخوة واصوات الرصاص، اذ سرعان ما يتنبه المجتمع الفلسطيني لخطورة الانتداب البريطاني وتواطئه مع اليهود فتندلع المواجهات وتتصاعد في فلسطين.

وهنا يظهر المعدن الاصيل لهذا الشعب، فيظهر مدى ارتباطه بارضه وتكاتفه وتعاضده وانتصاره للمظلوم ورفع الاذية والمظلمة عنه وهذا بالذات ما يتضح من خلال تتبع الصفحات الخاصة بمسيرة الفلسطيني الفار من صفوف البوليس البريطاني ص272.

احداث الرواية وشخصياتها سلسة وبعيدة عن التعقيد وهو ما يتناسب وطبيعة الريف الفلسطيني وشخوصه، وحوارات الشخصيات جاءت لتصنع مجموعة القصص والحكايا الصغيرة التي تتالف منها الرواية، وبحيث جائت كل قصة او حكاية لتشكل لبنة او مدماكا يسهم في إكمال حبكة الرواية ويسهم في بنائها الفني.

وشخصيات الرواية وان كانت متخيلة على الارجح؛ لكنها تستند في الرواية إلى تاريخ حقيقي من الأحداث قد تتشابه وتتقاطع مع تاريخ كثير من القرى والبلدات الفلسطينية القادمة من تلك الحقبة ومن ذلك العهد، وقد ابدى الكاتب سعة من المعرفة والاطلاع على تفاصيل تلك المرحلة ونجح بتسليط الضوء على كثير من القضايا المسكوت عنها، والتي مازالت تبعاتها وسلبياتها واستطالاتها تعيث فينا وبمسيرة نضالنا فسادا الى الان.

وهنا يحسب بالذات يُحسب للكاتب امرين:
اولا : تجرأه على الخوض في تلك الحقبة ونبش خباياها.
ثانيا: تبحره وسبره اغوار واعماق تلك المرحلة من حياة ومسيرة شعبنا العربي في فلسطين.

وهو بذلك يقدم ادب ملحمي غني ومليء بالدروس والتجارب، والتي هي خلاصة سيرة ومسيرة شعب في حقبة زمنية معينة، تلك الحقبة التي ما زالت اثارها وتبعاتها ماثلة للعيان، ونعاني منها الى الان.

#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل