|
أحلام حائرة
محمد جاسم الهاشمي
الحوار المتمدن-العدد: 7562 - 2023 / 3 / 26 - 11:15
المحور:
الادب والفن
كان على الخط في الجانب الآخر صديقي الذي يقيم في كندا منذ عشرون عاماً ، وكان معتاداً ان يتصل بي بين حينٍ وآخر ، يحدثني عن همومه ، عن احلامه التي كلما تحقق شيئاً منها ، شعر أن هناك حلماً آخر يصبو اليه ، وكلما تحقق له من تلك الاحلام - حسب قوله - لم يجد ان هذا هو الهدف الذي يحقق له السعادة التي يهنأ بها …
هذا الصديق طالما يستشيرني ويستأنس برأيي فيما يتعلق بأموره الحياتية لثقته بما اقدم له من النصح وصدق المشاعر الاخوية …
بعد ان قدم التحيايا والسؤال عن الصحة والاحوال - كما هي العادة - وعبر عن اشتياقه ، حدثني بألم وقال :
عندما كنت بالكويت كان حلم حياتي أن تكون عندي شهادة قيادة ، لان امتلاكها كان بالنسبة لنا نحن " البدون "حلم صعب المنال ، بعد أن حصلت علي شهادة القيادة أكتشفت أنني كنت مخطئاً فهذا ليس حلم حياتي .
بعدها راودتني فكرة الهجرة ، واصبح هذا هو حلم حياتي … بعد الهجرة أكتشفت أن هذا ليس كل ما اتمناه ، قلت في نفسي لأنتظر الحصول علي الجنسية الكندية باعتباري مقيم في تلك الدولة وان حصولي على الجنسية سيفتح لي الأبواب على العالم ، عندها سأكون قد حققت هذا الحلم الكبير …
وبالفعل بعد انتظار طويل حصلت على الجنسية ، وكذلك اكتشفت ان هذا ايضاً ليس هدفاً كبيراً ، فالجنسية تحصيل حاصل وليست هي كل ما اتمناه واني لم احقق حلم حياتي بعد !!
قلت إذًا سيتحقق الحلم بالزواج والأبناء ، وهذا ما كان لي ، ولكن أكتشفت بعد ذلك ان حلم حياتي لم يتحقق ايضاً ، بل تحقق الشقاء والعناء ، كلما حصلت علئ شئ أريده …
الغريب بالموضوع بأنني لازلت أنتظر تحقيق حلم حياتي بأشياء وافكار جديدة ، لم تأتي ولن تأتي ، وحتى إن آتت ستكون المفاجأة دائما بان هذا ليس حلم حياتي …
الآن ما هو حلم حياتي لا اعرف ! أعرف شيء واحد فقط ، بأن العمر يتقدم بي ، وأنا أحلم وأحلم وأحلم ، بأوهام حقيقية او خيالية لا يهم ، ربما الذي أبحث عنه غير موجود في هذا العالم ، ربما يكون في عالم أخر …
أجبته أنا … صديقي العزيز : قد لا يدرك اغلب الناس ماهي السعادة الحقيقية ، ويبقون طوال حياتهم ينتظرونها ولا يدركونها ، ويضيع العمر بين سعادة زائفة ، وأحلام واهمة …
نعم لأن هذه الاحلام غير حقيقية لانها لا تتصل بالذات ، مجرد احلام تتعلق بالمتع الجسدية ، او تتعلق بالواقع المعيشي .
يجب ان يسعى الإنسان لتحقيق ذاته فقط ، وان يسعى لان يعيش هو كما هو ، عندئذ سيجد كل ما يصبو اليه . لا ان يعيش شخصية مجتمعه وبيئته ، وتنصهر ذاته بمحيطه الذي لا يشبهه ، فيغترب ايما اغتراب ، ويعيش في بؤس دائم ، وان يكون راضيا عن نفسه مقتنعاً بما يفعله ، ولا يجبر نفسه على ان يرضى عنه غيره فيزهقها وجعاً …
كذلك العقل كلما اتسعت مداركه فاضت فضائله ، وكبرت مغانمه ، وصغر بعينه ما كان كبيراً ، وقل انسياقه لغرائزه ، فالغرائز تقيد العقل وتثقل الجسد … سمو الروح مع سمو التفكير والأدراك … وهذه هي السعادة …
صديقي العزيز : واحدة من تحقيق الذات هو الابداع ، ان تبدع بما يجعل لك بصمة في سجل المبدعين ، فالكاتب يجد نفسه بالكتابة ، والموسيقي يجد نفسه بالموسيقى ، والرسام كذالك يجد نفسه بالرسم ، وهكذا …
يقولون "القناعة كنز لا يفنى " كذلك القناعة سعادة لا تفنى … يقول الواعظ البريطاني سبورجون : السعادة الحقيقية ليست بمقدار ما نملك من الأشياء، بل بمقدار ما نستمتع به في حياتنا بما نملكه.
وأخيراً ، حلق بروحك في فضاءات هذا العالم وابحث عما تقرُّ اليه روحك وتطمئن به ، فالطمأنينة سعادة .
الاحلام الحائرة محطاتها الإبداع ، والرضا عن النفس ، والقناعة ، وأولها ان تكون انت .
#محمد_جاسم_الهاشمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تلاوة في مصحف أمي
-
عين و عين
-
تغيرنا … تغير كل ما فينا
-
ليَتني أبلغُ المُنى
-
سياسيون بالفطرة
-
وزارة المتسولين
-
أعلان حالة إنتماء للوطن
-
لَمْ أكُن حُرّاً
-
الانتماء الكوني والانتماء الكينوني
-
منبر الخرافة ومنبر الثقافة
-
الغمة العربية
-
إرحموا صحافة ذلت
-
تخبيصات
-
الله ما مسجلهم بدفتره
-
- الحمار- حضرة العمده
-
سجون وشجون
-
ويلٌ يومئذٍ للمدخنين
-
البيضة والسياسة
المزيد.....
-
يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر
...
-
-مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم
...
-
منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في
...
-
مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري
...
-
شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا
...
-
تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O
...
-
مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم
...
-
تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
-
فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى
...
-
بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|