محمد جاسم الهاشمي
الحوار المتمدن-العدد: 7544 - 2023 / 3 / 8 - 00:43
المحور:
كتابات ساخرة
عندما كنا صغاراً كان الجرح يخيفنا ، وعندما يجرح احدنا أو يضرب من خلال اللعب ، وشقاوة الأطفال ، يقول لك احدهم (تكبر وتنسى ) .
كبرنا … وكبرت معنا جراحاتنا ، وبدل ان نخاف من الجرح كالسابق ، صرنا نجمع جروحنا ، و نضمدها بداخلنا ، و نعانقها عند المساء ، ثم حتى الصباح ، ويأتي يوم آخر لا نعرف كيف سيكون ذلك اليوم .
كانت الدنيا صغيرةً بحجم تفكيرنا …
كان اهلنا طيبون ، والناس طيبون كذلك …
كان عندما يمرض احدهم ، يذهبون به إلى " السيد " ليقرأ عليه ما تيسر له من آيٍ من القرآن ، فيصبح مشافىً معافىً بقدرة قادر …
أما الآن ، فلو ختم " السيد" القرآن كله لا يشفى مريضنا ، ولا اعرف هل مريضنا اصبح لا يعتقد " بالسيد" ؟!
أم إن " السيد" فقد خاصية الاستشفاء والكرامات بعد ان طرأت عليه الحداثة والتطور ، وانخرط في امر الدنيا ، واصبح تفكيره في السياسة والبرلمان ، والموائد السمينة خيرٌ له من عباد الرحمن ، فأصبح عديم الشارة ، وهناك مثل شعبي شائع يقول :
(السيد المايشور يسمونه ابو خريگه)
" ابو خريگه" اليوم اصبح سياسي كبير، " أو ياكل عالصفحتين" مرةً بإسم الدين ، ومرةً بإسم السياسة .
المهم كل شيء تغير بهذا الزمن ، حتى العلاقات الاجتماعية الحميمة انتهت ، ودفيء البيوت التي يغمرها الحب ، اصبحت موحشة بعد ان كانت تضج بالحكايا الجميلة ، والضحكات التي تملأ اركان المكان ، اخذ الصمت مكاناً له بدلاً عنها ،
والضيوف اللذين كنا نأنس بوجودهم ، اصبح وجودهم اجساداً بلا ارواح بعد ان اصبحت ضيافتهم هي رقم شيفرة الإنترنت هادم اللذات ومفرق الجماعات .
عندما كنا صغاراً ، كانت الجدةُ تقص علينا " حكايات جدتي " تلك الحكايات الجميلة الممتعة والتي فيها دلالات وقيم اجتماعية ، صارت الجدة اليوم تتكلم - بالإضافة الى لغتها العربية - اكثر من لغة ، تركي وكوري وأرجنتيني ، وتقول لنا ( اني جدتكم مانويلا ) .
"نعيب زماننا والعيب فينا "
"ولو نطق الزمانُ هجانا "
رحم الله زماننا …
تغيرنا وتغير كل ما فينا …
#محمد_جاسم_الهاشمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟