|
مساء شتائي دافئ
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 7553 - 2023 / 3 / 17 - 18:38
المحور:
الادب والفن
واقفاً في مكانه المعتاد، هناك عند الممشى المؤدي للمدخل الرئيس للمقهى، تابعَ " طارق " بعينٍ يقظة حركةَ الزبائن والمارة. وظيفته كضابط أمن المقهى، كانت تفرضُ عليه قبل كل شيء تجنيبَ الروّاد أيّ إزعاج من جانب أحد المتطفلين؛ إن كان متسولاً أو بائعاً جوالاً أو ماسحَ أحذية. قبل قليل، كلكلَ على المكان مساءٌ لطيف، وما لبثَ مستخدمو المقهى أن استقبلوه بإشعال الشموع الصغيرة، الموزعة على جميع الطاولات. ثلاثة مواقد ( كل منها هرميّ الشكل بطول إنسان بالغ ويعمل بالغاز )، تكللت أيضاً بالشعلات الجميلة وهيَ في أماكنها في الترّاس، المشرف على الرصيف العريض لشارع محمد السادس، المزيّن بأشجار النخيل والبرتقال. صخبُ الشارع، بما فيه من سيارات ودراجات نارية، كان يَطغى على أحاديث روّاد المقهى، المُستعملة عدة لغات. كون المكان على جانبٍ كبير من الرقيّ، فإنه كان مقصوداً من لدُن السيّاح الأوروبيين والعرب. البعض من هؤلاء الأخيرين، كان يبحث عن " صيدٍ " مناسب بين بنات الهوى، اللواتي جعلن من المقهى مركزاً لنشاطهن المشبوه. جميعهن تقريباً كن مألوفات لضابط الأمن الشاب، وكذلك أساليبهن في العمل: غالباً وعقبَ تبادل الابتسامات، كانت الفتاة ترسل إشارةً ما إلى الزبون ومن ثم تنهض لكي تتجه إلى ناحية الحمّام. هناك، بعدما يلحقها الرجلُ المعنيّ، فإنهما يتفقان على تفاصيل الصفقة. وكان لكل من الفتيات زميلة مرافقة، مهمتها أخذ المبلغ المتفق عليه مع الزبون؛ وكانت من النادر أن ترافق زميلتها إلى خلوة الغرام. بينما كان طارق في موقفه المألوف، تناهى إلى سمعه دندنة قيثار، تحاول التغلّب على صخب الشارع. العازف، وكان يؤدي كالعادة لحناً محلياً، ما عتمَ أن ظهرَ لعينيّ ضابط الأمن وكان منتصباً على الطرف القصيّ الأيمن للترّاس. غبّ إنتهائه من المعزوفة، مدّ قبعته المستديرة للزبائن كي يضعوا فيها قطعَ النقود. وكان طارق ما فتأ يتابعُ حركة العازف، حينَ رأى أمامه المديرَ المسئول عن الترّاس. هذا الشاب، الصفراويّ المزاج، بادرَ طارق بنبرة أقرب إلى التوبيخ فيما هوَ يومئ إلى الطرف القصيّ الأيسر للمكان: " بائعة الحلوى، هناك، سرقت قطعة بيتزا من إحدى الطاولات، وها هيَ تلقّمها لابنها الصغير " " سأهتمُ بالأمر حالاً "، ردّ طارق فيما هوَ يتحرك إلى تلك الناحية. وكان يعرفُ هذه المرأة الشابة، المعتادة على عرض بضاعتها أمام المقهى، وسبقَ له أن حذرها أكثر من مرة من مضايقة الروّاد. عندما أضحى الآنَ على مقربة خطوتين منها، كانت منحنية على الطفل وفي سبيلها لإطعامه من قطعة البيتزا. خاطبها من علو هامته الفارعة والمتينة، بلهجةٍ مقرّعة: " لقد سوّلت لكِ نفسك اختطافَ طعام الزبائن، فما هذه الجرأة؟ ". مأخوذةً بحضوره، رفعت إليه رأسها الملموم بقطعة قماش قاتمة اللون، وبقيت عاجزة عن الجواب. في الأثناء، كان الطفلُ يلتهم بنهم قطعةَ البيتزا. هذا المشهد، سرعانَ ما جلبَ الألم والشفقة لقلب ضابط الأمن. عاد يقول لها بلهجةٍ أخرى، أقل وطأة لكنها مُنذرة: " ما قمتِ به يُعد سرقة مكشوفة، ومن الممكن أن يجلب لك المتاعب " " كل ما هنالك، أنني تناولتُ من على الطاولة هذه القطعة الصغيرة، المتخلّفة عن الزبون. وحقّ الله، لم أفكّر بأنها سرقة " " قد يكون الزبونُ في الحمّام، كان عليكِ أن تفكّري بهذا أيضاً "، قالها مؤنباً. هنا، لحظ بالرغم من الإضاءة الخافتة أن عينيها اغرورقتا بالدمع. ردت بالقول، منتحبة: " لقد ألحّ عليه الجوع، وما كان بوسعي العودة إلى المنزل والمساء في بدايته، فينقطعُ رزقي " " أينَ تقيمُ السيّدة؟ " " في الحيّ العسكريّ، وهو مكانٌ بعيد كما تعلم "، أجابت وهيَ تمسح عبراتها بطرف غطاء رأسها. أراد أن يقول لها شيئاً آخر، وإذا بصوتٍ صارم يُخاطبه من الخلف: " كفى هذا الهذر، وعُد إلى عملك ". كان الشيف نفسه. ولعله سمعَ الجزء الأخير من الحديث، مثلما نمّت نظرته المتنقلة بين طارق والمرأة البائعة. ثم قال المدير لهذه الأخيرة، مهدداً ورافعاً إصبعه بوجهها: " إياكِ ودخول المقهى مرة أخرى، وإلا فتتحملين العاقبة ". قبل أن يترك المكان، ألقى طارق نظرةً سعيدة على الصغير: " إنه يتسلى بمتابعة حركة الشارع، على أثر امتلاء معدته بشيءٍ من الطعام "، قالها في نفسه. حينَ عادَ إلى موقفه المألوف، كان ما زالَ يفكّر بالبائعة: " امرأة شابة، ولا تخلو من الجمال وجهاً وجسداً. لو شاءت، لامتلكت من المال في ليلةٍ واحدة ما تجنيه منه في شهرٍ كامل بالجهد والمعاناة والمذلة. لكانت أيضاً قد أقامت في شقةٍ فاخرة في غيليز، بدلاً عن مسكن الحيّ العسكريّ الفقير ".
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوصيّ
-
مفتاح الفردوس
-
لعبة الموت
-
نظرة جنونية
-
فتاة الحديقة
-
الورقة الخضراء
-
منزل في الأزقة العُلوية
-
المكتبة المهجورة
-
الأخدود
-
سفير جهنم
-
شباب إمرأة: ريف ومدينة ورغبة
-
غزل البنات؛ فيلم الكوميديا الخالد
-
المومياء؛ الفيلم المصري الفريد
-
العزيمة؛ فيلم الريادة الواقعية
-
ليلة ساخنة؛ إغتصاب آمال الغلابة
-
تمصير الروايات الأجنبية: تيريز راكان
-
المشاكل النفسية، سينمائياً
-
عادل إمام وظاهرة التحرش الجنسي
-
مخرج الفظائع
-
شيخ المخرجين
المزيد.....
-
غزة سينما مفتوحة تحت سماء إسطنبول + فيديو
-
ذاكرة الاستقلال والخرسانة الوحشية.. تونس تودّع -نزل البحيرة-
...
-
حماس تدعو لترجمة إدانة دول أوروبية للعدوان على غزة إلى خطوات
...
-
موعدي مع الليل
-
اللغة الفارسية تغزو قلوب الأميركيين في جامعة برينستون
-
ألبرت لوثولي.. تحقيق في وفاة زعيم جنوب أفريقيا ينكأ جراح الف
...
-
خبير عسكري: ما جرى بحي الزيتون ترجمة واقعية لما قاله أبو عبي
...
-
تاريخ فرعوني وإسلامي يجعل من إسنا المصرية مقصدا سياحيا فريدا
...
-
ما لا يرى شاعرٌ في امرأة
-
البرتغال تلغي مهرجاناً موسيقياً إسرائيلياً عقب احتجاجات وحمل
...
المزيد.....
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|