|
لعبة الموت
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 7545 - 2023 / 3 / 9 - 01:11
المحور:
الادب والفن
المكانُ، كان مألوفاً لعينيّ. إنه قطعةٌ من الفردوس الدمشقيّ، ويقعُ تحديداً في وادي بردى. قريةٌ ساحرة، مستلقية في كنف الجبل، قضيتُ فيها معظم عطلاتي الصيفية، وذلك في أوان الطفولة والمراهقة. قبل شروعي في قص حكاية عودتي لذاك المكان، يتعيّن عليّ ذكرُ حادثة مرتبطة به. كنتُ قد انتقلتُ للتو إلى السنة الأخيرة من المرحلة الإعدادية، والصيفُ في مفتتحه، لما ركبتُ ذات صباح سيارةَ الخال في الطريق إلى تلك القرية. شقيقتي الكبيرة، كانت إذاك برفقتي، وكان من المفترض أن نمضي هناك أسبوعاً على الأقل. قبيل الغداء، فوجئتُ بمقدم حبيبة الصبا مع شقيقها وجدّتها. هذا الشقيق، كان زميلاً لي في نفس الفصل الدراسيّ، وربطتنا أيضاً صداقة وطيدة فضلاً عن قرابتنا من ناحية الأب. وكم أسعدني، موافقة جدتهما على البقاء في ضيافة الأقارب إلى نهاية الأسبوع عقبَ إلحاحهم عليها بذلك. ما لبثنا أن تناولنا معاً الغداءَ على ضفة النهر، وكان هديرُ مياهه يطغى على أحاديثنا. في اليوم التالي، إذا بشقيقتي تعلن رغبتها العودة إلى الشام لأمر طارئ. كون الخال في عمله نهاراً، فإنها طلبت مني مرافقتها في طريق العودة. ألححتُ عليها أن تنتظرَ الخال كي يوصلها بسيارته، إلا أنها أصرت على المغادرة في الحال. عند ذلك، أظهرتُ إذعاني للأمر: " سأمضي للسلام على صديقي ثم أعود بعد خمس دقائق "، قلتُ لها. لكنني لم أعُد إلا بعد ساعةٍ من ذهابها بسيارة الخال، وهكذا تسنى لي البقاء في القرية لنهاية الأسبوع والاستمتاع بصحبة من أحب. وها أنا ذا، غبَّ مضيّ عقودٍ عديدة، أجدني في نفس المكان. الحربُ، كانت قد مرت من هنا، وكنتُ أتهيأ لمرأى آثار الدمار والموت. لكنني رأيتني في غمرة كرنفال حقيقيّ، يتهادى فيه المحتفلون وسط أمواج من الزهور، وكان أغلبهم من الأقارب. كان بعضهم يحييني، وكما لو أنني لم أغب دهراً عن الوطن. رحتُ أهيم بوجهي، علّني أعثر على حبيبة الصبا. إلى أن وقعت عيني عليها، وكانت تلعب الكرة الطائرة مع أحدهم. وعليّ كان أن أصدم بقوة هذه المرة، وأنا أرى ذلك اللاعب: لقد كان شقيقها، المفترض أنه رحل عن الدنيا منذ فترة طويلة على أثر مرض عضال! أظهر كلاهما سعادته برؤيتي، لكنهما تابعا اللعبَ دونَ أن يتحدثا معي. بدَوري، تابعتُ لعبهما وقد استبد فيّ القلق هذه المرة. إذ كانت الحبيبة على مبعدة خطوة واحدة من الضفة العالية للنهر، وكان قلبي يخفق مع كل ضربة للكرة. لم أعُد أحتمل المشهد، فتحركتُ مبتعداً عن المكان. وإذا بالصراخ يندلع من تلك الجهة، ولما التفتّ كانت الفتاة قد اختفت. سرعان ما حل الهرجُ، ليتحول الكرنفال إلى ما يشبه المأتم. عدتُ مترنحاً من الحزن، أدور بعينيّ بحثاً عن شقيق الحبيبة. كان ثمة على ضفة النهر، فاقتربت منه قائلاً بصوت مرتجف ينم عن العتاب والألم: " كم فرحتُ عندما التقيتك مجدداً، وكنتُ أظنني فقدتك إلى الأبد. لكنك أخيراً كسرتَ قلبي، كسرت قلبي ". وكما لو أنه انقلبَ تمثالاً، رد عليّ بوجهٍ جامد، مومئاً إلى ناحية النهر: " سنبقى ننتظرها معاً، لحين أن تخرج ومعها الكرة. وعندئذٍ ألعبُ معك هذه المرة ".
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرة جنونية
-
فتاة الحديقة
-
الورقة الخضراء
-
منزل في الأزقة العُلوية
-
المكتبة المهجورة
-
الأخدود
-
سفير جهنم
-
شباب إمرأة: ريف ومدينة ورغبة
-
غزل البنات؛ فيلم الكوميديا الخالد
-
المومياء؛ الفيلم المصري الفريد
-
العزيمة؛ فيلم الريادة الواقعية
-
ليلة ساخنة؛ إغتصاب آمال الغلابة
-
تمصير الروايات الأجنبية: تيريز راكان
-
المشاكل النفسية، سينمائياً
-
عادل إمام وظاهرة التحرش الجنسي
-
مخرج الفظائع
-
شيخ المخرجين
-
باب الحديد: الأبله مهووساً جنسياً
-
سواق الأوتوبيس: الإنسان والضباع الضارية
-
من أفلام الجريمة: الطاووس
المزيد.....
-
-كذب أبيض- للمغربية أسماء المدير يفوز بـ-النجمة الذهبية- لمه
...
-
تتويج مغربي فلسطيني في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش
-
-كذب أبيض-.. أول فيلم مغربي يفوز بالنجمة الذهبية في مهرجان م
...
-
السدو.. مهنة تراثية يدوية في الباحة
-
لولو يا لولو .. اضبط دلوقتي تردد قناة وناسة وتابع أحلى الأفل
...
-
بالفيديو.. ايام قرطاج المسرحية تتشح برداء المقاومة
-
-كذب أبيض- يفوز بالنجمة الذهبية للمهرجان الدولي للفيلم بمراك
...
-
شاهد.. هكذا اندحضت الرواية الإسرائيلية المضللة في العالم!
-
كأنه -فيلم رعب-.. أهوال ومآسي تحت وابل النيران بلسان أهل غزة
...
-
شاهد.. فيلم فلسطيني مرشح للأوسكار!
المزيد.....
-
عد إلينا، لترى ما نحن عليه، يا عريس الشهداء...
/ محمد الحنفي
-
ستظل النجوم تهمس في قلبي إلى الأبد
/ الحسين سليم حسن
-
الدكتور ياسر جابر الجمَّال ضمن مؤلف نقدي عن الكتاب الكبير ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال وآخرون
-
رواية للفتيان ايتانا الصعود إلى سماء آنو
...
/ طلال حسن عبد الرحمن
-
زمن التعب المزمن
/ ياسين الغماري
-
الساعاتي "صانع الزمن"
/ ياسين الغماري
-
الكاتب الروائى والمسرحى السيد حافظ في عيون كتاب ونقاد وأدباء
...
/ السيد حافظ
-
مسرحية - زوجة الاب -
/ رياض ممدوح جمال
-
الكاتب الروائى والمسرحى السيد حافظ في عيون كتاب ونقاد وأ
...
/ مجموعة مؤلفين عن أعمال السيد حافظ
-
أنهارٌ من زنبق: النهر السادس
/ دلور ميقري
المزيد.....
|