أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - لبيب سلطان - باخموت ..المدينة الصغيرة التي دخلت التاريخ















المزيد.....

باخموت ..المدينة الصغيرة التي دخلت التاريخ


لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)


الحوار المتمدن-العدد: 7543 - 2023 / 3 / 7 - 19:10
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


لم يسمع اغلبنا أسم باخموت قبلا ولكنها دخلت التاريخ كباقي مدن الصمود، واصبحت وبجدارة معروفة ومعرفة في الضمير الانساني رمزا لمقاومة الغزاة ، كما رايناه في بيروت عام 1982 ، وشاهدناه في افلام وثائقية كثيرة عن صمود ستالينغراد امام الهتلريين العتاة عام 1942، ومانعيشه اليوم في باخموت . ان ما جرى في جميعها هو ليست معارك حربية ، وان بدت كذلك، بل هي في جوهرها معارك بين ارادة الشعوب والانسان مع غزاة مستبدين يسعون لفرض سيطرتهم بالقوة والبطش والتدمير، فهي معركة ارادة ، وكنت اود لو ان شوبنهاور عمم تعريفه للانسان ذوي الكلمتين فقط " الانسان ارادة " لتشمل " المدن الصامدة هي ارادة شعوبها" .
منذ سبعة أشهر ، ومنذ اغسطس (آب ) 2022 يتردد اسم باخموت يوميا في الاخبار التي تذكر مثلا جرى هذا اليوم شن عشرون هجوما وتدمير كذا وتقدم كذا كيلومترا او مؤخرا مترامترا، ويظهرونها على الخرائط مع محللين بعضهم يقول انها مدينة استراتيجية لموقعها ، واخرون انها غير استراتيجية لصغرها ،ولكنهم لم يطرحوا باخموت بمعناها رغم انهم يطرحونها بواقعها على الارض.
واليوم ،وبعد سبعة اشهر من قتال عنيف، رأيت علم عصابات فاغنر ،يرتفع على احد مآثرها ، وهو اسود اللون بجمجمة وكتابات بيضاء ، تشبه تماما اعلام داعش التي رفعوها على المدن والقرى العراقية التي احتلوها زمن المالكي ، والسورية زمن الاسد. انها اعلام القتل والغزو والاستحواذ.
يدعي قائد الغزو بوتين انه اتى لباخموت وغيرها من البلدات الاوكرانية ليحرر شعبها من النازية ، ومن تحريره رأينا كيف قام بقصف سكانها وتدمير بيوتهم وتشريدهم ، بل وتدميرها حيا بعد حي باسم تحريرها، واخيرا شارعا بعد شارع، ونسمع دوما ومنذ اشهر انها مسألة ايام وتسقط، وها هم حماتها يقاومونه منذ سبعة اشهر كاملة بكل بسالة وشجاعة ويذودون عن مدينتهم الصغيرة ،وهم يعلمون انها ليست فقط مدينتهم ، بل ان مقاومتهم لهجمات جنكيزخان القادمة من الشرق هي لوقف استباحتها ومنها وقفه عن تدمير مدنهم وقراهم المجاورة الى غربها .
وتاريخيا ايضا انها تعيد نفس مشهد تقدم القوات النازية الهتلرية نحو ستالينغراد ، وسخرا من الاقدار ان يقوم احد ضحايا شعبها ، السيد بوتين ، باعادة مجد النازية وتراثها وفكرها واساليبها ، على ارض جيرانه ، ويدعي بنفس الوقت انه جاء ليحررهم من النازية! ولا احد يعلم، عدا علماء النفس مثلا ، كيف نفسر تطبع الضحية بافكار وممارسة الجلاد . وهل اعتقد حقا البهلوان انه قادرا على دغدغة مشاعر شعبه في استخدام فكر واساليب النازية ، ونتائجها الكارثية كما نراها على الارض وفي الواقع ،وفوقها يدعي انه يحرر شعبا جارا منها ،بينما هو يمارس النازية نفسها، اي ان القاتل يأتي ويقتل بدعوى انه اتى لحماية القتيل، هذا مارأيناه ورآه العالم منذ عام من قتل وقصف وتدمير مروع في باخموت وقبلها في مدينة ميروبول وقبلها في بلدة بوتشا والبنايات في عشرات المدن التي تقصف بالصوارخ يوميا، لتحريرها من سكانها.
من هو النازي؟ اهو ذلك الاوكراني الذي يرى الطائرات والصواريخ تدمر وتزيل بيوته ومدنه، او تلك العصابات التي جمعت عتاة المجرمين المحكومين بالمؤبد من سجون روسيا واطلقتهم كلابا مفترسة عليهم مقابل اطلاق سراحهم بعد 6 اشهر من القتال والقتل لشعب مسالم في مدنه وقراه. حتى هتلر لم يستخدم عتاة المجرمين من "القمصان السود " أومن بعدهم قوات "أس اس" الاجرامية في غزواته وتدميره للمدن الروسية واستباحته لمدينة ستالينغراد الرمز، فبوتين فاق صاحبه وملهمه الاعلى في الابتكار القومي النازي ،ليس فقط تحت شعار اقامة مجد الامبراطوريات (طبعا على جماجم الامم والشعوب الضعيفة) بل بتحريرها من نفس مرضه وعقيدته النازية.
ان ما لايعرفه النازيون سواء هتلر اوبوتين او شامير ان للشعوب التي تبدو ضعيفة اسنانا تعض عندما يتعلق الامر بكسر ارادتها وسلبها مدنها وارضها. في شهر اب عام 1942 اعلن هتلر عند اقترابه وبدء حصاره لستالينغراد، انها مسألة ايام وتكون المدينة ساقطة فريسة تحت اقدامه ، حتى وصل مركزها ،ورفع علمه علي اشهر معالمها في شهر ديسمبر، اي بعد اربعة شهور . واليوم نحن نتابع نفس السيناريو فمنذ سبعة شهور، ومنذ شهر اب 2022 اعلن قادة بوتين وميليشياته انها مسألة ايام فقط وتسقط باخموت ، ورأينا اليوم رفع علم باسم فاغنر على احد معالمها ( ولابد لتعريف القارئ ان كلمة فاغنر هي اسم الموسيقار الالماني Richard Wagnerالذي ارتبطت اعماله في الاوبرا ببعث الروح القومية النازية الالمانية وكان هتلر يستمع لها وجعلها في دار اوبرا برلين حفلات يومية لبث الالهام القومي النازي الالماني) ، وتبنى هذا الاسم طباخ بوتين الشخصي بريجوردين الذي اطلقه على عصاباته واسسها تحت حماية وفكرة رئيسه ليلهم الشعب الروسي ببطولات اعادة امجاده على يد مجرميه وقتلته المحترفين ) . ان رفع علم فاغنر فوق باخموت هو نفي علم النازية فوق ستالينغراد ، بنفس المعاني ونفس الاهداف ونفس الوسائل.
ان الفكرة النازية قامت على ثلاثة مبادئ : استخدام الفكرة القومية لتعبئة الامة و توحيدها لاستعادة مجدها الامبراطوري ( ومنه اسم حزب بوتين روسيا الموحدة ) ، واتباع القوة في الداخل والخارج للتوسع وفرض حقوق الامبراطورية ومصالحها، وجعل مصالح الامة والدولة مقدسة ودور الفرد والجماعة هو التضحية للدفاع عنها مهما عظمت التضحيات ( اي للدفاع عن المصالح الامبراطورية طبعا).
خلال سبعة اشهر من الموجات الغازية قدم بوتين مايقدر 75 الفا من الضحايا من مواطنيه الروس ليحتل مدينة صغيرة تعدادها سبعون الفا ( شاهدت اليوم لقاء مع عمدة المدينة مع قناةCNN الذي قال انه لازال فيها خمسة الاف شخص يصعب اجلائهم وتنازل العدد من اجلاء 500 في اليوم الى قرابة عشرة فقط الان لصعوبته تحت القصف الصاروخي والمدفعي ( يقدرها المحللون انها تتجاوز 5 الاف قذيفة في اليوم ) ، واغلب من تبقى من كبار السن اساسا وهم اساسا يرفضون المغادرة ويفضلون الموت في بيوتهم عن اخلائها للغزاة).
ما هذا الجنون؟ يأتي سفاكا مدعيا بتحرير شعب من النازية ويقوم بغزوه لاقامة امبراطوريته ويدفع 75 الفا من مواطنيه ضحايا لتحرير بلدة صغيرة ، اشك ان جنكيزخان خان كان لوافق على ذلك، ولكن تبريره هوالادعاء بان مجد الامة ومصالحها يتطلب ذلك ، هذا ماقاله هتلر عندما فقد 150 الف من جنوده حياتهم في ستالينغراد ، وهو نفس ماقاله صدام حينما فقد 50 الف جندي عراقي حياتهم عند انسحابهم من الكويت عام 1991 ( وهي جريمة حرب نكراء قام بها شوارتسكوف كونهم كانوا منسحبين ويدعى انهم لم يستسلموا واعتبرهم قتاليين) ، ولكن بالنسبة لصدام انه كان انتصارا ولم تستطع الامبريالية اسقاطه، واعتقد ان ما كان داخل هتلر وصدام هو نفس مافي بوتين، فعظائم الخسائر هي صغائر امام مصالح الامة ( في الواقع يمكن ترجمتها في ديمومة سلطتهم فهم يعتبرونها انها هي مصالح الامة).
عودة الى باخموت ، ولنفترض ان بوتين احتلها انقاضا مهدمة ومدينة اشباح وعلى جثث المئات وربما الالوف من المدافعين عنها ، هل هو حررها من النازية ؟ ام انه مع بريغوردين ومجرميه هم عصابات للنازية ؟ هل من دافع من الاوكران عن بلدتهم ووطنهم هم نازيون ، واذا كانوا نازيين ، ماهو اسم امبراطوريتهم وماهي ايديولوجيتهم وهم اناس مساكين في مدنهم لاغير .
انها واحدة من جرائم العصر مانشهده في غزوات بوتين التحريرية ، وربما السؤال الاهم سيواجه البشرية مستقبلا ، هل فعلا سيكون فعلا هو اخر افاق قومي مهوس ديكتاتوري على شعبه وعدواني توسعي على جيرانه بعد ان اعتقد العالم ان هتلر هو اخرهم ، وجاء بعده صدام واعتقد العالم انه اخرهم ، واليوم بوتين ،ولنا الحق ان نعتقد انه اخرهم ، ولكن لا احد يستطيع اثبات ذلك ،وشخصيا اعتقد انه امر ممكن ومرتبط بانقراض الايديولوجيات القومية والدينية، وان ان البشرية تسير نحوه.



#لبيب_سلطان (هاشتاغ)       Labib_Sultan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءات في مستقبل حرب بوتين على اوكرانيا -2
- قراءات في فهم حرب بوتين على اوكرانيا -1
- العلمانية النظرية وزيف العلمانية العربية -2
- العلمانية النظرية وزيف العلمانية العربية -1
- من ذاكرة طفل عن فاجعة 8 شباط 1963
- بحث في نجاح النظم الملكية وفشل الجمهورية في العالم العربي
- فهم حضارة الغرب لمواجهة الاصوليات الشعبوية ـ3
- فهم حضارة الغرب لمجابهة الاصوليات الشعبوية -2
- فهم حضارة الغرب لمجابهة الأصوليات الشعبوية-1
- الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع-3
- الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع-2
- الحرب الروسية الاوكرانية من منظور أوسع مما معلن-1
- الأدلجة كأهم اسباب التخلف في العالم العربي
- حول نشأة المعتزلة والفكرالعقلي المشرقي الاول
- حول الحوار الليبرالي الماركسي -2
- لماذا ينجح الحوار الليبرالي الماركسي في الغرب ويفشل عند العر ...
- لماذا الرأسمالية وليست الماركسية دواء الشفاء للتخلف العربي
- سقوط الرموز الخمسة لقلعة اية الله
- بوادر عدوان واسع وآثم على الشعب الكردي
- صواريخ بوتين في سجل جرائم الحرب والأرهاب


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - لبيب سلطان - باخموت ..المدينة الصغيرة التي دخلت التاريخ