أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أياد الزهيري - جذور الحداثة الغربية وأنعكاسها على سياسة دول الغرب (3)















المزيد.....

جذور الحداثة الغربية وأنعكاسها على سياسة دول الغرب (3)


أياد الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 7513 - 2023 / 2 / 5 - 10:32
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أشرنا في الحلقتين السابقتين , الأولى والثانية بأن الحضارة الغربية الحالية التي نعيش تجلياتها في العالم الغربي أقتصادياً وأجتماعياً وسياسياً وعلمياً , ترتكز في مبانيها وأسسها وجذورها على مصادرها التراثية , وخاصة على الميثيولوجيا الأغريقية , فهي تمثل البنية التحتية لبناءها الفكري على جميع الأصعدة . في هذه الحلقة نتناول البعد السياسي في الحداثة الغربية , وعلى أي جذر ميثلوجي تأسس , حيث نتتبع مجرى النهر السياسي الغربي الى منابعه الأصلية , لكي نعرف منشأ ما يتمتع به من خصائص وأسلوب سياسي يمارسه لنفسه , وما يواجه به غيره من الشعوب والأنظمة الأخرى التي لا تنتمي له حضارياً .
من المهم أن نعرف أن حجر الأساس لبناء النظام السياسي الغربي هو ما ذكرته المصادر التاريخية للمؤرخ الأغريقي الشهير (ثوسيديديس)صاحب كتاب تاريخ الحرب البلوبونيزية التي دعا فيها أهل أثينا الى منح الحق لكل من هو أكثر قوة في عالم الطبيعة, بحيث يكون الأقتدار هو المرتكز للقانون الطبيعي (ميثلوجيا الحداثة-الأصل الأغريقي لأسطورة الغرب ص250). هذا المبدأ هو الذي أستلهمه من الموروث الأسطوري الأغريقي نيتشه بأن يقول ( أقوى وأسمى ارادة في الحياة لا تتمثل في الكفاح التافه من أجل الحياة , وأنما في أرادة الحرب , ارادة السيطرة ), وهو من ألهم المنظر السياسي الأيطالي ميكيافيلي بالقول بالقوة الخاطفة في كتابه الأمير , والتي يعني بها قوة الصدمة , وهي القوة الكبيرة والباطشة والسريعة , التي توجه للخصم سواء كان من الشعب أم عدواً خارجياً من أجل أخضاعه والتحكم به .
أننا لا نتردد اليوم من القول , من أن ما نعيشه اليوم من توحش سياسي وعسكري , وما نعيشه من أزمة أقتصادية مفتعله , هو تجليات واضحة للعقلية الحداثوية الغربية في هذه الجوانب المذكورة , لأننا لا نريد أن نبخس الحداثة الغربية في جانبها العلمي . هذا الواقع الوحش الذي هو من مخرجات الحداثة الغربية , قد أشار اليه , وحذر منه الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي حين قال ( أن الحضارة الغربية قد ضيعت البعد الأنساني للبشر, فباتت ثقافتها ثقافة فرعونية, وأذا أستمرت هذه الثقافة في الأنتشار فأنها ستؤدي الى أنتحار الكون بأكمله) ( مؤتمر السكان في القاهرة 1994م -الأسلام حضارة الغد-يوسف القرضاوي), وفعلاً اليوم نحن نعيش هذا التهديد , من خلال التراشق في تصريحات الفريقين المتحاربين , روسيا من جهة , والعالم الغربي بقيادة أمريكا من جهة ثانية , حتى أصبحنا نعيش اليوم شبح الحرب النووية , التي لو حدثت لا سامح الله لأنتحر الكون على حد قول غارودي.
ولكي لا نختار منهجاً أنتقائياً , علينا الأشارة الى وجود أكثر من سياق فلسفي في الجانب السياسي , فهناك ما تطرحه المدونات الأسطورية للشاعر الأغريقي هسيود والتي يمنح فيها حق القيادة للعقل , وصاحب الروحية العالية , والتي يعتبر فيها روح الأنسان نسيم من نَفَس الآلهة , وهناك أفلاطون الذي رشح الفيلسوف أن يكون زعيماً يُدير جمهوريته , التي كتب عنها . هذين الرجلين على سبيل المثال , يمثلان مدرسة غير مدرسة الشاعر الأغريقي هوميروس الذي يعطي في ملحمته قدراً كبيراً للقدرات الجسمية الخارقة وقوة الحيلة والمكر كما في ملحمتيه الأوديسة والألياذة , والتي لعب أبطالهما أوديسيوس وأخيليوس دوراً كبيراً , وما تمتعا به من صفات البطش والمكر في مقاتلة الخصم , كما أن هوميروس يفضل أبناء الطبقة الأرستقراطية في مسألة السياسة والقيادة , ويسير بالتوازي مع هذا الأتجاه , الفكر الأسبرطي , القائم على العسكرة والقوة وتجيش المجتمع , وهو نظام لا مكان فيه للضعيف , أنه مجتمع الأقوياء . هذه النماذج التي ذكرناها لا نجد صعوبة في تشخيص مصاديق لها في الواقع الأوربي , فالأنظمة الكولونيالية التي حكمت أوربا كثيرة , منها المتمثل بالأمبراطورية البريطانية والفرنسية , وقادة مارسوا هذا النوع من الأنظمة كبسمارك وهتلر ونابليون , حتى ترسخ هذا النوع من الممارسة العنيفة في السياسة الغربية مما تحولت الى ما يُسمى بالثقافة الكولونيالية كما يُسميها الدكتور (أنيبال كيخانو) المنحدر من أمريكا اللاتينية.
يقول سقراط أن أنعدام الفلسفة في مدينة أسبارطة خطأ شائع : أذ آمن الأسبارطيون بفلسفة الحرب , وأعتنقوها مذهباً . اليوم أمريكا تتخذ من المنهج الأسبارطي منهجاً لها , وهو أعتماد العسكر والقوة لتأمين الهيمنة والأقتدار على الأخر . هذا الجذر الأسبارطي هو من أوحى الى قادة عسكرين وسياسين غربيين من أمثال هتلر ونابليون أستخدام العنف والقوة كأداة في فرض أجندتهم السياسية , وهو الفوز بالتمكين والأقتدار , وتأمين الحياة المرفهة لشعوب دولهم , وهو ذات الأهداف التي سطرها أبطال ملاحمهم الأسطورية أمثال أوديسيوس وأخيليوس , كما لو لاحظنا ملامح ما يعرضه هوميروس في أشعاره الملحمية , نجده ينزع الى تبني القيادة للطبقة النبيلة , وهي طبقة أرستقراطية , طبقة يطلق لها العنان في أمتلاك القوة والثروة , وهو أتجاه يُعتبر فيه هوميروس الأب الروحي للنظام الرأسمالي الحالي , وأما أشعار هسيود الملحمية , فهي أشعار تميل الى تمجيد قيم العمل في الحقل , وذات روح أنسانية , التي يعتبرها بأنها جزء من نفس الآلهة, والذي يعتبر الأب الروحي للنظام الأشتراكي .
أن سياسة العنف وأراقة الدماء والقتل الوحشي للخصم , هو ما يميز سياسة الأغريق , ولنا في أخيليوس بطل ملحمة الألياذة خير دليل , فهو رجل يتصف بالدموية والقسوة المفرطة , وبالحقيقة هذه الشخصية غير غائبة في المنظومة السياسية الغربية , ونلمس ذلك في قادة الجيوش الغربية الكثير , وقد أعطتنا الحربين العالميتين الأولى والثانية , والمعارك التي قادتها أمريكا ضد السكان الأصليين لأمريكا , الهنود الحمر , والحرب الأمريكيه الفيتنامية , ولا ننسى ضرب مدينتي هورشيما ونكزاكي اليابانيتين , كدليل صارخ على درجة القسوة المتوحشة للقادة العسكريين والسياسيين الذين يعطون لهم هذه الأوامر في التنفيذ . أن السياسة الماكرة لدول الغرب أتجاه الشرق خاصة , والعالم عامة , هي سياسة لا تحيد عن ما يتصف به بطل الأوديسة (اديسيوس) , الذي يمثل صورة واقعية للأنسان الأغريقي المتصف بالمكر والخداع والأنغماس بالشهوات والمملوءة بالحقد والضغينة, كما يصفه الشاعر الروماني فيرجيل (ميثلوجيا الحداثة-265 ) , وبالمناسبة حتى كلمة الأوديسة تكون أحد معانيها الكراهية والجور وقسوة القلب (ميثلوجيا الحداثة ص264 ). حتى دانتي صاحب كتاب ( الكوميديا الألهية ) يصنف أوديسيوس بأنه بالدرك الأسفل من النار , جنب الى جنب مع اله الحرب ديموس , وهذه هي النهاية التي توقعها صاحب كتاب (أنهيار الغرب) أوسفالد شبينغلر , وهو كتاب ألفه صاحبه في بداية القرن العشرين, وهي نهاية حتمية للسياسة الأمبريالية التي يتبعها الغرب والتي أستمدت جذورها من بطلهم الأسطوري أخيليوس وأديسيوس أبطال الألياذة والأوديسة الأغريقيتين , ولا أستبعد أن تسقط هذه السياسة الأمبريالية كما سقطت أسبارطة , وليس كما توقع فوكوياما بحتميته التاريخية بنهاية التاريخ للنموذج الغربي الأمبريالي.
أن أسطورة ملحمة طروادة كانت وما زالت مادة دسمة يستوحي العقل السياسي الغربي منها العبر والدروس والخطط العسكرية والسياسية . هذه الملحمة المعبئة بأساليب الخدع العسكرية , والقسوة المفرطة في معاملة الخصم كأسلوب لابد منه لتحقيق الأنتصار على الخصم.
أن أسلوب السيطرة الحديدية سواء بالداخل أو على الخارج , وأتباع سياسة العنف الممزوجة بالمكر والخداع هو ما ميز الأستراتيجية السياسية لبريطانيا في طريقة أستعمارها للكثير من دول العالم , حتى سُميت بالأمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس , وأن الشعوب التي أستعمرتها بريطانيا تحتفظ بذاكرة مؤلمة عن أعمالها العدوانية أتجاه شعوب ما يُسمى بالعالم الثالث , واليوم أمريكا تمارس نفس الدور وبصورة أكثر بشاعة وقسوة. طبعاً أن التراث الأسطوري الأغريقي كان له بالغ الأثر ليس على السياسين فقط وأنما أيضاً على الفلاسفة الغربيين , ومنهم الفيلسوف الألماني المثير للجدل نيتشه , والذي نتيجة لتأثره بتراث أسلافه الأغريق , تنبأ بظهور عملاق ألماني , حيث قال ( لا ينبغي لأحد تصور أن الروح الألمانية قد فقدت تراثها الأسطوري الى الأبد . وقد ذكر أيضاً في كتابه ( مولد التراجيديا) عندما يولد هذا العملاق العظيم سوف يقتل الأفعوان ويقض على الأقزام الأشرار , وهنا وكأنه كان يتنبأ بظهور الدكتاتور الألماني هتلر.
أن سياسة الفصل العنصري الذي أتبعتها السياسة الغربية وخاصة في أمريكا وجنوب أفريقيا , تستمد نظرتها من تلك السياسة التي أتبعتها المدن الأغريقية , وما أوحته لهم ملاحمهم الأسطورية بالنظرة للأجانب , والذين ليس من جنسهم , بأنهم برابرة ولايستحقون الا الموت أو السخرة والأعمال الشاقة , وهذا ما يؤكده التاريخ القريب في نظرة الأمريكان البيض الى الجنس الأسود , وما مارسوا عليهم من عبودية قاسية يندى لها جبين الأنسانية , وكذلك ما قام به النظام النازي بالنظر لغير الألماني بالدونية بأعتباره هو العنصر الأرقي في هذا العالم. يتبع....



#أياد_الزهيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جذور الحداثة الغربية (2)
- جذور الحداثة الغربية (1)
- مدافع الأراجيف
- الشمس لا تُغطى بغربال
- الحكومة الأنتقالية : هي المخرج للأنسداد السياسي والهدوء الشع ...
- عالم الأساطير في كتابات الدكتور خزعل الماجدي ومزاعم التناص ف ...
- في كتابات الدكتور خزعل الماجدي ومزاعم التناص في قصة الطوفان ...
- العلاقة بين الشورى في الأسلام والديمقراطية
- ( هل هناك فرص توافق بين الأسلامين والعلمانيين)
- (الأحزاب هُبل عصرنا)
- حصوننا مهددة من الداخل
- تعلموا من زيلينسكي
- لا تلبس رداءً ليس لك
- العراق وأستراتيجية النموذج الروسي
- عالم الأساطير في أستخدامات الدكتور خزعل الماجدي (هابيل وقابي ...
- عالم الأساطير في أستخدامات الدكتور خزعل الماجدي
- أمريكا وأيران؛من منهم يصدر ثورته؟
- رؤية سياسية في واقع مقلق
- (وبدأت الحرب الناعمة)
- شياطين الأعلام وتشويه الحقائق


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أياد الزهيري - جذور الحداثة الغربية وأنعكاسها على سياسة دول الغرب (3)