صلاة من اجل العراق لا صلاة من اجل العراك

نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1703 - 2006 / 10 / 14 - 11:00
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

لااغتصاب اكثر علوا مما هو في سفينة الحب
سان جون بيرس / كتاب ضيقة هي المراكب
ربما اكون الاول من يضع بيتا شعريا لشاعر مهيب كسان جون بيرس الحائز على جائزة نوبل للاداب عام 1960 كمقدمة لمقال سياسي ، ولكن هذه الجملة قد سكنت خاطري وانا اقرا في كتاب بيرس ضيقة هي المراكب وقت نشرة الاخبار التي اعلن فيها ان مجلة بريطانية تتخصص في القضايا الصحية والطبية احصت ضحايا العنف والحرب منذ سقوط بغداد وحتى اليوم ب600 ألف ضحية .
رقم مهول ، وغير قابل للتصديق ، لان هذا يعني أن بقينا هكذا فأننا في طريقنا للنقرض ، وحسن يفعل العراقي حين يبيع مايملك بربع القيمة ويختار منفى الدمعة والعوز والوقوف على ابواب سفارات كنا قبل سنين نعطف على اقتصادها .
وهكذا تشظى عذاب العراقي بين جغرافيات لاتحصى ، وخوف الدول على امنها منه ، وهو الانسان الطيب الوديع الذي صنع حضارات علمت البشرية الدرس الانشائي والاملائي الاول ، ومن على ارضه انطلقت اول نغمة موسيقى . يحدث هذا بسبب تداخلات الوجود التاريخي للحظة التي يراد لها ان تصنع المعجزة الاوسطية ، وهاهية المعجزة تتشظى اقاليما وفيدراليات وفرق موت وزمر قاعدة ونعوش تملئ دوائر الطب العدلي .
أنا شخصيا لااصدق رقما كهذا . ففيه مبالغة رغم ان التقارير تقول ان مصداقية هذه المجلة كبيرة ، ولكن المبالغة تظهر في عملية حسابية بسيطة ، فلقد مر على الاحتلال 3 اعوام و نصف تقريبا اي حوالي 1260 يوم ، وحين نقسم العدد المهول الذي ذكرته المجلة على عدد الايام الذي احتل فيه العراق ولايزال يكون العدد اليومي لضحايانا حسب تقدير المجلة 476 وهذا عدد لايصدق حتى لو اضفنا اليه الوفيات الطبيعية وحوادث الطرق وغيرها وطبعا الرقم 600 الف يستثني الوفيات الطبيعية والحوادث العرضية من غير الاعمال المسلحة .
ولكن هذا لاينفي شيوع الموت باعداد غير طبيعية في اليوم العراقي وعلينا ان نذهب بعيدا عن الارقام لنعيد حسابات اخرى نلم فيها الفة الوطن وتاريخيه تحت خيمة واحدة ولنبدا زمنا جديدا اي كان ثوبه ، فقط نريده زمنا لايهدر فيه الدم العراقي ولايجعلنا فرجة للامم والشعوب كما حالنا الان في نشرات الاخبار ، ومناظرات التلفزة وتقارير المراسلين .
لله درك ياعراق .متى تنتهي هذه الملهاة الشكسبيرية ويتخلص هاملت من عقدة الشرف المهدور في فلسفة التفخيخ والقتل الطائفي ومشاهد الذل التي يحاكم من اجلها اكثر من جندي امريكي عذب سجانيه على طريقة الافلام المشفرة .
لله درك ايها القوي . انت لاتحتاج فقط الى صلاة ليلة القدر او صلاة استقاء او صلاة عيد او تراويح حتى انبلاج الفجر . انت تحتاج الى صلاة كونية يشارك فيها قساوسة الارض وكهنة البوذية وصلوات كنزفرا المندائيين وحاخامات التوراة لكي تتخلص من هذا العذاب . عذاب تمزيق الجسد والخريطة والضمير .
اذن كان الرقم المقدر لضحايا العنف العراقي كبيرا ومخيفا ولكنه جاء من حسابات ما ، وربما هم اعتمدوا الى التفخيم الاعلامي او احصاء استخباري ، ورغم هذا فان حجم رقمي كهذا يعني اننا لانعيش يوما ديمقراطيا وحكومة تدعو للمصالحة والوفاق بل اننا في حرب ضروس ابشع من داحس والغبراء وهذا نتمناه لايحصل مادام هو لم يكن حاصلا في ضوء عدم تصديقنا لهذا الاحصاء ، ولكنه على كل حال واحدا من مؤشرات مايحدث في العراق من قتل متعدد الاسباب ، قتل طائفي ، قتل اجرامي كالتسليب مثلا ، قتل حتى بتسميم الطعام كما حدث في احدى معسكرات الجيش في النعمانية .
ويبقى قول الشاعر الشعبي في مقدمة احدى مسلسلات رمضان صادقا قولا وفعلا حين يقول بما معناه :
قبل حين يموت لنا واحدا لسنين لن ننساه ..هسه الصبح ندفن والعصر ننسه .
ولكي لايظل هذا النسيان هاجس لثقافة اليوم العراقي ،علينا ان نكون ركابا صالحين لسفينة الحب ، لاني ارى العراق اليوم بحاجة أكثر من اي فترة تاريخية اخرى من فترات تاريخه لسفينة تشبه في معنى قصدها وحتى في نوعية خشبها وطريقة بنائها لسفينة نوح ع كي تنقله الى بر الامان .واخيرااتمنى صلاة من اجل العراق وليس صلاة من اجل العراك ..

#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل